المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قدرنا أن مجرد اللمس أو المكالمة أو النظر يؤدي إلى - السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌[مقدمة لا يسع المقلد جهلها

- ‌كتاب الطهارة

- ‌باب النجاسات

- ‌[باب المياه

- ‌[باب ندب لقاضي الحاجة التواري

- ‌[باب الوضوء

- ‌[باب الغسل

- ‌[باب التيمم

- ‌[باب الحيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌مدخل

- ‌[باب الأوقات

- ‌[باب الإذان والإقامة

- ‌[باب صفة الصلاة

- ‌[باب والجماعة سنة مؤكدة

- ‌[باب سجود السهو

- ‌[باب والقضاء

- ‌[باب صلاة الجمعة

- ‌[باب ويجب قصر الرباعي

- ‌[باب وشرط جماعة الخوف

- ‌[باب وفي وجوب صلاة العيدين خلاف

- ‌[باب ويسن للكسوفين حالهما ركعتان

- ‌[كتاب الجنائز

- ‌كتاب الزكاة

- ‌مدخل

- ‌[باب في نصاب الذهب والفضة

- ‌باب زكاة الإبل

- ‌[باب ولا شيء فيما دون ثلاثين من البقر

- ‌[باب ولا شيء فيما دون أربعين من الغنم

- ‌[باب " ما أخرجت الارض في نصاب فصاعدا ضم احصاده الحول

- ‌[باب " ومصرفها من تضمنته الآية

- ‌[باب والفطرة تجب من فجر أول شوال إلي الغروب

- ‌كتاب الخمس

- ‌كتاب الصيام

- ‌مدخل

- ‌[باب وشروط النذر بالصوم

- ‌[باب الاعتكاف وشروطه

- ‌كتاب الحج

- ‌مدخل

- ‌باب العمرة

- ‌باب المتمتع

- ‌باب القارن

- ‌كتاب النكاح

- ‌مدخل

- ‌باب على واهب الأمة وبائعها استبراء غير الحامل

- ‌[باب الفراش

- ‌كتاب الطلاق

- ‌[باب إنما يصح من زوج مختار مكلف

- ‌[باب الخلع

- ‌[باب العدة

- ‌[باب الظهار

- ‌[باب الايلاء

- ‌[باب اللعان

- ‌[باب الحضانة

- ‌[باب النفقات

- ‌[باب الرضاع

- ‌كتاب البيع

- ‌مدخل

- ‌باب الشروط المقارنة للعقد

- ‌باب الربويات

- ‌[باب الخيارات

- ‌باب ما يدخل في المبيع

- ‌باب البيع غير الصحيح

- ‌باب المأذون

- ‌باب المرابحة

- ‌[باب الإقالة

- ‌[باب القرض

- ‌[باب الصرف

- ‌[باب السلم

- ‌كتاب الشفعة

- ‌كتاب الإجارة

- ‌مدخل

- ‌باب وإجارة الآدميين

- ‌باب المزارعة

- ‌باب الإحياء والتحجر

- ‌باب المضاربة

- ‌كتاب الشركة

- ‌مدخل

- ‌باب شركة الأملاك

- ‌باب القسمة

- ‌كتاب الرهن

- ‌كتاب العارية

- ‌كتاب الهبة

- ‌كتاب الوقف

- ‌كتاب الوديعة

- ‌كتاب الغصب

- ‌كتاب العتق

- ‌مدخل

- ‌[باب والتدبير

- ‌باب الكتابة

- ‌[باب الولاء

- ‌كتاب الأيمان

- ‌مدخل

- ‌[باب الكفارة

- ‌باب النذر

- ‌باب الضالة واللقطة واللقيط

- ‌باب الصيد

- ‌باب الذبح

- ‌باب الأضحية

- ‌باب الأطعمة والأشربة

- ‌باب اللباس

- ‌كتاب الدعاوى

- ‌كتاب الإقرار

- ‌كتاب الشهادات

- ‌كتاب الوكالة

- ‌باب الكفالة

- ‌باب الحوالة

- ‌باب التفليس

- ‌باب الصلح

- ‌باب الإبراء

- ‌باب الإكراه

- ‌باب القضاء

- ‌كتاب الحدود

- ‌مدخل

- ‌باب حد القذف

- ‌باب حد الشرب

- ‌باب حد السارق

- ‌كتاب الجنايات

- ‌مدخل

- ‌باب الديات

- ‌باب القسامة

- ‌كتاب الوصايا

- ‌كتاب السير

الفصل: قدرنا أن مجرد اللمس أو المكالمة أو النظر يؤدي إلى

قدرنا أن مجرد اللمس أو المكالمة أو النظر يؤدي إلى شيء من ذلك لكان محرما كائنا ما كان فلا وجه لتخصيص هذا المقام بالكلام على التقبيل والعناق.

فإن قلت: إنما خصهما بالذكر لكون مظنة مقارنة الشهوة لا توجد في الغالب إلا فيهما.

قلت: بل وجودها في الرشف والضم والغمز لبعض مواضع الزينة أكثر من وجودها فيهما فلا وجه للتخصيص.

[فصل

ولا يدخل على المحرم إلا بإذن وندب للزوج والسيد ويمنع الصغير عن مجتمع الزوجين فجرا وظهرا وعشاءا] .

قوله: "فصل: ولا يدخل على المحرم إلا بإذن".

أقول: كان ينبغي للمصنف أن يعنون الفصل هذا بوجوب مطلق الاستئذان الذي شرعه الله عزوجل في كتابه لعباده واستثني منه ما استثني فهو حكم من أحكام الدين وشريعة من شرائع الإسلام وقد تناساه الناس حتى كأنه لم يكن في كتاب الله كما وقع ذلك في كثير مما شرعه الله لعباده وأما الدخول على المحارم فهو نوع من الأنواع التي أوجب الله فيها الاستئذان ولا وجه لتخصيصه بالذكر وأما الاستئذان الزوج على زوجته والسيد على أمته فليس لذلك وجه ولا جاء به شرع وأما ما ورد من أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يطرق أهله طروقا فسبب ذلك ما في آخر الحديث من تعليله بقوله صلى الله عليه وسلم: "لكي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة"، وليست العلة في ذلك هي مشروعية الاستئذان كما لا يخفى.

وأما قوله: "ويمنع الصغير" إلخ فوجه قول الله عزوجل: {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ} [النور: 58] ، إلى آخر الآية.

ص: 744

‌كتاب الدعاوى

[فصل

على المدعي البينة وعلى المنكر اليمين] .

قوله: "على المدعي البينة وعلى المنكر اليمين".

ص: 744

أقول: كون على المدعي البينة وعلى المنكر اليمين هو أمر معلوم ثابت في السنة ثبوتا لا شك فيه ولا شبهة فمن ذلك ما في الصحيحين البخاري "5/280"، مسلم "220/138"، وغيرهما أحمد "5/211"، أبو داود "3621"، الترمذي "2996"، ابن ماجة "2322"، من حديث الأشعث بن قيس قال كان بيني وبين رجل خصومة في بئر فاختصمنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"شاهداك أو يمينه"، ومن ذلك ما ثبت في صحيح مسلم "223/139"،وغيره أبو داود "3623"، أحمد "4/317"، في قصة الحضرمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ألك بينة؟ "، قال لا قال:"فلك يمينه"، ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين البخاري "8/213"، مسلم "2/1711"، وغيرهما أبو داود "3619"، الترمذي "1342"، النسائي "8/248"، من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين على المدعى عليه وفي لفظ المسلم "1/1711"، وغيره:"ولكن اليمين على المدعى عليه"، وفي الباب أحاديث.

وهذه الجملة: أعنى كون على المدعي البينة وعلى المنكر اليمين معلومة في هذه الشريعة وعليها تدور رحى الخصومات فالاشتغال بما وقع لبعض أهل الحديث من الكلام على بعض الطرق اشتغال بما عنه سعة وفي غيره مندوحة ولا يعرف خلاف في كون على المدعي البينة وعلى المنكر اليمين إلا ما يروى عن مالك أنها لا تتوجه اليمين إلا على من بينه وبين المدعي اختلاط لئلا يبتذل أهل السفه أهل الفضل بتحليفهم مرارا وهذا قول باطل ورأي عن الدليل مائل.

[فصل

والمدعي من معه أخفى الأمرين وقيل من يخلى سكوته كمدعي تأجيل دين أو فساد عقد والمدعى عليه عكسه والمدعى فيه هو الحق وقد يكون له محضا ومشوبا لآدمي إما إسقاط إو إثبات إما لعين قائمة أو في الذمة حقيقة كالدين أو حكما كما يثبت فيها بشرط.

وشروطها ثبوت يد المدعي عليه على الحق حقيقة أو حكما ولا يكفي إقراره إلا بجريها عليه بعارية أو نحوها وتعيين أعواض العقود بمثل ما عينها للعقد وكذا الغصب والهبة ونحوهما.

ويكفي في النقد المتفق ونحوه إطلاق الاسم ويزيد في باقي القيمي الوصف وفي تالفه التقويم وفي الملتبس مجموعهما ولو بالشرط.

ويحضر للبينة إن أمكن إلا للتحليف وما قبل كلية الجهالة كالنذر أو نوعها كالمهر

ص: 745

كفى دعواه كذلك وشمول الدعوى للمبين عليه وكون بينته غير مركبة فيبين مدعي الشراء ونحوه أنه لنفسه ومن مالكه بينة واحدة] .

قوله: "فصل: والمدعي من معه أخفى الأمرين وقيل من يخلى وسكوته".

أقول: المدعى من تخالف دعواه الظاهر وهو معنى قول المصنف من معه أخفى الأمرين وهذا التعريف هو الأشهر عند الفقهاء وبه قال أكثرهم وقال الأقلون إن المدعي هو من إذا سكت ترك وسكوته قال ابن حجر في الفتح والأول أشهر والثاني أسلم وقد أورد على الأول بأن المودع إذا ادعى الرد أو التلف فإن دعواه تخالف الظاهر مع أن القول قوله والمدعى عليه عكسه فهو ظاهر وكذلك ما ذكره بعده.

قوله: "وشروطها ثبوت يد المدعي عليه على الحق".

أقول: هذا الاشتراط يستلزم أن يتقدم على الخصومة خصومة وعى هذه الدعوى دعوى أخرى فإذا ادعى مدع آخر عينا احتاج قبل هذه الدعوى إلى تقرير بثبوت يده عليها حقيقة أو حكما فإذا تقرر ذلك ادعى استحقاقها ولا بد من هذا ولا سيما على قول المصنف ولا يكفي إقراره فإن كانت هذه الدعوى الأولى مقبولة من غير شرط وهي أن يدعي عليه ثبوت يدع على الحق قبل أن يدعي استحقاقه لم يتم قول المصنف وشروطها ثبوت يد المدعي عليه الخ لأنه قد وجدت دعوى مقبولة من غير هذا الاشتراط وإن كانت هذه الدعوى غير مقبولة احتاجت دعوى ثبوت اليد إلى دعوى قبلها وتسلسل الأمر والتسلسل باطل فهذا الاشتراط باطل.

فالذي ينبغي التعويل عليه قبول مطلق الدعوى من غير اشتراط فإن أجاب المدعي عليه بأن العين لم تكن في يده لا حقيقة ولا حكما كانت الدعوى صحيحة والإجابة صحيحة ويرجع إلى التحالف والنكول وإن أجاب بالإنكار للاستحقاق كان الرجوع بينهما إلى التحالف والنكول.

قوله: "وتعيين أعواض العقود" الخ.

أقول: مراده أن الدعوى إذا تعلقت بشيء فلا بد من ذكر حد أو وصف أو لقب يتعين به ذلك الذي وقعت فيه الدعوى كما يشترط التعيين بمثل ذلك في العقود من بيع أو نحوه وهذا اشتراط صحيح لأن الدعوى إذا تعلقت بمجهول لم يكن لها فائدة يعتد بها ولا يترتب عليها ما يترتب على الدعوى المشتملة على التعيين من حكم الحاكم بعد قيام البينة أو اليمين لأن المجهول لا يمكن البينة فضلا عن أن يحكم به الحاكم فإن كان مراد المصنف بكلامه هذا هو ما ذكرناه فكلامه صحيح والاشتراط واقع في موقعه وإن كان يريد بتعيين أعواض العقود ما هو ظاهر عبارته فلا معنى له.

قوله: "ويكفي في النقد المتفق ونحوه إطلاق الإسم".

أقول: هذا صحيح لأنه إذا كان متفقا انصرف الكلام إليه ولم يسبق الفهم إلى غيره وهكذا حكم ما كان غالبا فإنه ينصرف الذهن إليه وإن وجد معه غيره ولا يكفي مجرد هذا

ص: 746

الإطلاق بل لا بد من ذكر القدر فيقول في التقدير كذا درهم أو دنانير وفي المثليات المتفقة كذا وزنا أو كذا كيلا أو كذا عددا ولا محيض من هذا وإن أهمله المصنف فإنه لو لم يذكر القدر لكانت الدعوى مجهولة لا يترتب عليها فائدة.

وأما قوله: "ويزيد في باقي القيمي الوصف" يعني مع إطلاق الاسم فوجهه أنه لا يتعين إلا بذلك وهكذا قوله وفي تالفه التقويم لأنه لا يأتي الوصف له بعد تلفه بفائدة فيجب تعيين قيمته ويمكن أن يقال إن الوصف الذي يتعين به يغني عن ذكر القيمة ويرجع في ذلك إلى تقويم العدول لذلك التالف الموصوف لأن الصفات المعينة يستفاد منها قدر قيمة الشيء.

قوله: "ويحضر للبينة إن أمكن لا للتحليف".

أقول: وجهه أن الشهادة مضمونها إثبات كون هذه العين ملكا لفلان فاحتيج إلى إحضارها لأن الأوصاف لا تميز كما تميز المشاهدة وليس الخبر كالمعاينة ولا سيما مع تشابه بعض الأعيان حتى لا يحصل من الأوصاف ما يميز أحدها عن الآخر كما في الحيوانات المتشابهة وقطع الأرض المتماثلة والأبنية المتقاربة وبهذا تعرف أن الأوصاف أفادت في بعض الأحوال كمعرفة قدر قيمة الشيء لا تفيد في كل الأحوال وأما اليمين فهي على رفع دعوى المدعي للعين التي قد ادعاها وعينها بما تتعين به وذلك يكفي.

قوله: "وما قبل كلية الجهالة كالنذر" الخ.

أقول: لا وجه لهذا وكون هذه الأشياء تقبل كلية الجهالة أو نوعها مجرد دعوى بل هذه الأمور تحتاج إلى ما يحتاج إليه غيرها مما يقع فيه التداعي فلا بد من تعيينه قدرا ووصفا وأما إذا تعذر التعيين من كل وجه فينبغي أن تتوقف الدعوى حتى يتبين للمدعي ما يصلح للتعيين إما بالكنه أو بالوجه.

قوله: "وشمول الدعوى للمبين عليه"،

أقول: الاقتصار في الدعوى على البعض لا يوجب إهمال ما شهد به الشهود من الزيادة فإن هذه الزيادة قد تثبت بالمستند الشرعي الذي جعله الله سببا لحكم الشرع كما في الكتاب والسنة فمن ادعى أن هذا السبب الشرعي للحكم لا يكون سببا إلا إذا طابق الدعوى فقد ادعى تقييد الكتاب والسنة بما ليس عليه أثارة من علم بل ليس عليه وجه من وجوه الرأي المستقيم عند من يعمل به فإذا أقام شاهدين شهدا له بألف على فلان وهو لم يدع من قبل شيئا أو أدعى بعض هذا المقدار فقد وجب الحكم له بالألف بحكم كتاب الله وسنة رسوله وإذا ادعى من شهدوا عليه بألف أنه قد سلم بعضه أو كله وبرهن على ذلك فله حكمه ولا يقدح في شهادة الشهود بالألف ولا بناقضها لاختلاف وقتي اللزوم والسقوط وهذا أمر معقول ظاهر واضح وهو الشريعة التي شرعها الله لعباده فدع عنك هذيان الرأي.

قوله: "وكون بينته غير مركبة".

أقول: هذا الاشتراط لا يرجع إلى نقل ولا عقل ولا رواية ولا دراية ويا لله العجب ما

ص: 747

المانع من قبول شهادة العدول على أطراف مما تعلقت به الخصومة مع كمال نصاب كل شهادة على كل طرف وما الموجب لاشتراط أن تكون الشهادة على مجموع تلك الأطراف شهادة واحدة وما المقتضى لهذا الإيجاب وما هو المانع من خلافه فإن لشهادة الشهود المختلفين على كل طرف من الأطراف مع كمال نصاب كل شهادة على كل طرف موقعا في النفس فوق موقع الشهادة الواحدة على مجموع الأطراف وهذا معلوم بالوجدان فما الوجه لإهمال ما هو أقوى وأدخل في تحصيل السبب الشرعي وليس هذا الأمر عكس قالب العمل بأحكام الله عزوجل وترجيح مرجوحها على راجحها.

[فصل

ومن ثبت عليه دين أو عين فادعى فيه حقا أو إسقاطا كأجل وإبراء وكونه لغير المدعي ذاكرا سبب يده لم تقبل إلا ببينة مطلقا إلا في كون الغصب والوديعة زيوفا ونحوه] .

قوله: "فصل: ومن ثبت عليه دين أو عين" الخ.

أقول: وجه هذا أن دليل الاستصحاب يقتضي بقاء هذا الثبوت وعدم ارتفاعه فلا يرفعه مجرد الدعوى لأن ذلك لا يصلح للنقل اتفاقا فلا بد من ناقل يقتضي ارتفاع ذلك الاستصحاب وهو البينة المتضمنة لكون ذلك الثبوت قد ارتفع كلا أو بعضا هذا إذا كان يدعي دعوى مقبولة وهي أن يدعي أن له في ذلك قد ثبت حقا أو قد سقط عليه بعضه وأما إذا ادعى أن ذلك الحق لغيره وإن كان له في هذه الدعوى فائدة يرجع إليه بأن يقول هذا قد ثبت فيه حق لفلان أو استأجرته منه أو استعرته أو نحو ذلك فهذه العلاقة مسوغة لهذه الدعوى من هذه الحيثية فإن نهض من ادعى له الحق فيه بالبرهان فذاك وإلا كانت الدعوى باطلة وما ترتب عليها من اليد كذلك.

وأما قوله: "إلا في كون الغصب والوديعة زيوفا" فوجهه ما تقدم من أن القول قول الغاصب والوديع في تعيين العين المغصوبة والمودعة ولكنه ينبغي تقييد هذا بأن تكون هذه الدعوى مخالفة لما هو ظاهر في المعاملات فإن كانت مخالفة لذلك لم تقبل والظاهر مقدم على الأصل.

[فصل

ولا تسمع دعوى تقدم ما يكذبها محضا وعلى ملك كان ولغير مدع في حق آدمي

ص: 748

محضا والإقرار بفساد نكاح مع نفي غيره ويكفي مدعي الإرث دعوى موت مورثه مالكا] .

قوله: "فصل: ولا تسمع دعوى تقدم ما يكذبها محضا".

أقول: وجه هذه الدعوى التي قد علم كذبها بما تقدمها لا يحل قبولها ولا سماعها لأن ذلك إتعاب المدعى عليه بما قد اعترف المدعي بكذبه إذا كان ذلك الذي تقدم في إكذابها لا يمكن الجمع بينه وبين الدعوى اللاحقة له بوجه صحيح.

فالحاصل أن مستند إبطال هذه الدعوى هو إقرار المدعي بأنها باطلة والإقرار سبب قوي من أسباب الحكم بل هو أقوى الأسباب التي ورد بها الشرع فإذا كلفنا من وقعت عليه الدعوى بإجابتها وأدخلناه في الخصومة كان ذلك ظلما بينا وخروجا عن العدل ومخالفة وهذا ظاهر لا يخفى.

قوله: "وعلى ملك كان".

أقول: لا وجه للمنع من قبول هذه الدعوى لجواز أن تكون اليد الثابتة على ذلك الشيء يد عدوان ولا يرتفع هذا التجويز إلا بظهور الناقل عن تلك اليد القديمة إلى هذه اليد الثابتة في الحال نعم إذا أنكر ثابت اليد أن ذلك الشيء كان ملكا لمن ادعى المدعي أنه كان مالكا له لم يكن عليه إلا اليمين على نفي العلم بذلك أما إذا حصل الاتفاق أنه كان في ملك من ادعى له المدعي فلا يجوز إهمال هذه الدعوى أصلا لأن ذلك خلاف ما أمر الله سبحانه به من الحكم بالعدل والحق فلا بد من ظهور وجه النقل عن ذلك الملك الذي كان وإلا كان وقع هذه الدعوى باديء بدء من الظلم البين للمدعى.

قوله: "ولغير مدع في حق آدمي محض".

أقول: قد أمر الله سبحانه بالتعاون على البر والتقوى وأوجب على عباده الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومعلوم أن من كان عليه حق لآدمي فعاون من له الحق بعض من له اطلاع على الحقيقة ولا سيما إذا كان من له الحق لا يطيق الدخول في الخصومات أو كان مؤثرا للسلامة على ذلك فمعلوم أن الأخذ على يد من عليه الحق حتى يرد ما عليه هو من جملة ما شرعه الله لعباده من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن جملة ما حثهم عليه بقوله: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] ، ولاشك أن إصدار الدعوى على من عليه الحق هي أقل رتب التناكر والتعاون وإذا كان هذا من هذا القبيل فما الوجه المخصص له والموجب لبطلان قبوله وسد الأذن عن سماعه ودعوى أنه لا يقبل في حق آدمي محض؟ وما هو المخرج لهذا النوع وهو حقوق بني آدم المحضة عن عموم ما شرعه الله لعباده فإنه من جملة ما يندرج تحت العموم بل من أهم ما يتناوله نعم إذا كان من له الحق راغبا عنه لم يقعده عن طلبه سبب من الأسباب الحاملة على الترك فليس لغيره أن يكون أحرص منه على ما هو له.

قوله: "والإقرار بفساد نكاح إلا مع نفي غيره".

أقول: التنصيص على هذه الصورة هو جمود لا أصل له ولا سبب يقتضيه ولو جاء بما

ص: 749

يدل على عدم قبول دعوى شيء مع وجود احتمال ما يخالف تلك الدعوى لكان أقوم بمقصوده وأتم لمراده ومع هذا فليس من شرط الدعوى أن يقطع المدعي كل شيء يحتمل خلافها وليس على هذا دليل من عقل ولا نقل والأصل عدم وجود ذلك المخالف فإن تقرر وجوده كان له حكمه في معارضة الدعوى.

قوله: "ويكفي مدعي الإرث دعوى موت مورثه مالكا".

أقول: هذه الدعوى هي في قوة أن هذا الشيء قد صار في يد الغير كان ملكا لمورث المدعي فلا وجه للفرق بين هذه المسألة وبين مسألة وعلى ملك كان لأن استصحاب الكون لا يقصر عن استصحاب اليد التي كانت لمورث المدعي وقد قدمنا أنه لا وجه لمنع الدعوى على ملك كان وها هنا كذلك وإنما أردنا التنبيه على أن مآل المسألتين واحد فلا وجه للمنع من إحداهما وقبول الأخرى.

[فصل

ولا تجب إجابة الدعوى فينصب عن الممتنع غائبا وإلا حكم عليه ولا يوقف خصم لمجيء بينة عليه غائبة إلا لمصلحة فيكفل عشرا في المال وشهرا في النكاح ولا يصادق مدعي الوصاية والإرسال للعين وإلا ضمنا والقرار على الأخذ إلا مصدقا لا لكونه الوارث وحده أو مرسلا للدين فيجبر الممتنع مصدقا ولا يثبت حق بيد] .

قوله: "فصل: ولا تجب إجابة الدعوى" الخ.

أقول: مراد المصنف أنه لا يجب على الحاكم أن يتوقف عن الحكم حتى تقع الإجابة من المدعى عليه إذ قد أمكن حصول السبب الشرعي للحكم بل يسمعه ويجب عليه العمل به وإيصال المدعي بما قضى له به الشرع وأوجبه له الحق لعدم انحصار أسباب الحكم في إقرار المدعى عليه على تقدير أنه قد يقر بما عليه ولا أرى لإيجاب هذا النصب الذي يذكرونه وجها بل الحكام أمناء الله في أرضه فإن ظهر لهم المستند الشرعي وجب عليهم الجزم بحكم الله وإيصال المدعي بما يستحقه فإن جوز الحاكم أن عند المدعي المتمرد عن الإجابة أو الغائب عن وقوف الحاكم ما يدفع ما جاء به المدعي استثبت فإن أمكن وقوفه على الحقيقة فذاك وإن لم يمكن فقد لزمه العمل بالسبب الذي يصلح للحكم ويجعل العين المحكوم بها في يد المدعي موقنة حتى يتبين ما عند المدعي عليه وسيأتي للمصنف في باب القضاء أن الحاكم يحكم على غائب مسافة قصر أو مجهول أو لا يبالي أو متغلب بعد الإعذار.

قوله: "ولا يوقف خصم لمجيء بينة عليه غائبة" الخ.

أقول: ليس هذا من العدل الذي قامت به السماوات والأرض ووجه ذلك أن الحاكم لا

ص: 750

يعرف كون الدعوى حقا أو باطلا إلا بالبينة أو الإقرار أو اليمين فعليه أن يوقف من عليه الدعوى لسماع بينة خصمه حتى يحكم له أو عليه ولكن إذا كانت المدة التي سيحضر فيها البينة لا يتضرر بمثلها المدعى عليه أما لو كانت كذلك لم يجز له التوقيف وإذا حصلت البينة بعد تلك المدة أعذر إلى المدعى عليه فإن وصل لسماعها فذاك وإلا سمعها الحاكم وعمل بها على ما قدمنا.

وأما قوله: "إلا لمصلحة" فلا يخفى أن المصلحة كل المصلحة هي الجزم بحكم الله وإيصال المظلوم بظلامته والأخذ على يد الظالم حتى يخرج مما عليه فإذا كان بيد المدعي ما يكون سببا للحكم له وإنصافه بما يقوله كان التوقيت مصلحة على كل حال إلا أن يتضرر به كما قدمنا قريبا.

وأما قوله: "فيكفل عشرا في المال وشهرا في النكاح" فتحديد ساقط وتقدير باطل لا يرجع إلى رواية ولا دراية وما هذا بأول هذيان والله المستعان وكان الأولى ربط ذلك بنظر الحاكم لأن الأحوال تختلف باختلاف الأشخاص والأزمان والأمكنة والخصومات ومقادير ما تجري فيه.

قوله: "ولا يصادق مدعي الوصاية والإرسال للعين".

أقول: لا وجه لتخصيص العين بل لا يصادق مطلقا إلا لبرهان تقوم به الحجة لأن أملاك بني آدم لا يجوز فيها تحكيم ظنونهم على بعضهم بعضا فإن صادقه بلا برهان فقد جنى على نفسه وعرضها للضمان إذا انكشف عدم مطابقة ذلك التصديق للواقع ويرجع على من هي في يده أو من تلفت عنده سواء كان مدعي الوصاية أو الإرسال أو غيرهما ولا فرق بين دعوى الوصاية والرسالة وبين دعوى كونه الوارث وحده فالكل نمط واحد وجهة متحدة والتفريق بينهما خيال مختل وتعليل معتل كالتفريق بين العين والدين وسبحان الله ما يفعل الجمود على الرأي المبني على السراب من بناء مسائل الدين على شفى جرف هار نعم إذا حصل التصديق ممن ذلك في يده فقد شهد على نفسه بصدق الدعوى في وصاية ورسالة وميراث وجعل على نفسه حقا وإليها طريقا وأخذ بتصديقه في البداية ويعمل على ما قدمنا في النهاية.

قوله: "ولا يثبت حق بيد".

أقول: أقل أحوال ثبوت اليد على الحق أن يكون مفيدا لكون الظاهر مع ثابت اليد ثم يستصحب الحال ولا ينتقل عنها إلا بناقل أرجح منه كما أن ثبوت اليد علي العين توجب استصحاب الحال ولا ينتقل عنه إلا بناقل أرجح منه ولا يعارض هذا أن الأصل في منافع الأعيان أن تكون تابعة للعين فإن هذا الأصل قد عورض بما هو أرجح منه وهو ما أفاده ثبوت اليد من كون الظاهر من ثبوت اليد على الحق هو استحقاق الثابت له ويؤيد هذا ما يوجد في الخارج كثيرا من الأعيان التي تتعلق بها حقوق لغير مالكها.

والحاصل أن مجرد نفس الأصالة أو الظهور إنما يستفاد بهما كون القول قول المتمسك بهما

ص: 751

والبينة على خصمه لما تقدم من أن المدعي هو من معه أخفى الأمرين فإذا عجز عن إيراد الناقل فمن نفسه أتي.

[فصل

ومتى كان المدعى في يد أحدهما أو مقر له ولما يحكم له بالملك المطلق فللمدعي إن بين أو حلف ردا أو نكل خصمه وإلا فلذي اليد فإن بينا فللخارج إلا لمانع فإن كان كل خارجا اعتبر الترجيح من تحقيق ونقل وغيرهما فإن لا قسم.

ومتى كان في أيديهما أو مقر لهما أو لواحد منهما غير معين فلمن بين أو حلف أو نكل صاحبه دونه فإن فعلا قسم ما فيه التنازع بين متنازعيه على الرؤوس] .

قوله: "فصل: ومتى كان المدعى في يد أحدهما".

أقول: وجهه أن الحكم المطلق مستنده الاستصحاب الناشيء عن ثبوت اليد لمن هو في يده أو في يد من مقر له وقد ارتفع هذا الاستصحاب بالبينة التي أقامها المدعي أو يمين الرد منه أو نكول من هو في يده عن اليمين ومعلوم أن اليمين رافعة للاستصحاب لكونها أرجع منه بلا خلاف وهكذا يمين المدعي ردا لأن من هو في يده قد رضي لنفسه بتلك اليمين وهكذا نكول من هو في يده عن اليمين لأنه بمنزلة الإقرار كما سيأتي وإذا لم يحصل أحد هذه الأمور فهو باق على ملك المحكوم له بالملك المطلق بالاستصحاب الذي يستفاد منه الظاهر ويوجب كون القول قوله.

قوله: "فإن بينا فللخارج".

أقول: عللوا هذا بإن البينة الخارجة تستند إلى شيء أقوى مما تفيده بيته الداخل فإنها تستند إلى مجرد ثبوت اليد وهو لا يفيد إلا الاستصحاب ولا يخفاك أن هذا لا يتم إلا على تقدير إن الشهادة الخارجة مستندة إلي شيء هو أقوى مما يفيده بينة الداخل وحينئذ فليس المرجح لها مجرد كونها خارجة بل المرجح لها قوي مستندها فإنها لو شهدت بمستند مثل مستند بينه الداخل أو كانت بينة الداخل بمستند مساوي لبينة الخارج غير مجرد الثبوت لم يكن لهذا الترجيح وجه.

وبهذا تعرف أنه لا وجه لجزم المصنف بترجيح بينة الخارج على الإطلاق وقد قلل مفسدة هذا الإطلاق قوله لا لمانع إذا حمل على مثل ما ذكرناه على ما هو مراده.

وأقوى من هذه التعليل الذي عللوا به ما قيل إن الخارج هو المدعي والبينة على المدعي لا على المنكر كما ثبت ذلك بالأدلة الصحيحة.

ص: 752

ويجاب عنه بأنه قد ثبت بالأدلة المعمول بها أنها وقعت خصومة لدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام كل واحد من الخصمين البينة فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما [أبو داود "3615"] ، فكون البينة على المدعي يدل على أنها عليه أصالة فإذا جاء خصمه ببينة كانت مقبولة وعلى الحاكم الرجوع إلى الترجيح فإن تساوت قسمة بينهما كما قسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قوله: "فإن كان كل خارجا اعتبر الترجيح".

أقول: هذا صحيح لعدم وجود مزية لأحد الخصمين على الآخر بالنسبة إلى اليد المفيدة للظاهر ووجوه الترجيح كثيرة يعرفها من يعرف الموازنة بين الأدلة والمعادلة بين وجوه الترجيح وهو القاضي المجتهد وأما المقلد المسكين فهو عن درك راجح الأمور ومرجوحها في أبعد مسافة فإنه لا يفهم نفس الحجة فكيف يفهم أن هذه الحجة أرجح من هذه وهذا السبب للحكم أقوى من هذا السبب.

وما قوله: "وإلا قسم" فصحيح قد دل عليه ما وقع منه صلى الله عليه وسلم من قسمه ما تنوزع فيه بين متنازعية عند تعارض البيتين.

وأما قوله: "ومتى كان المدعي في أيديهما" إلخ فوجهه واضح لأستوائهما بالنسبة إلى اليد فمن بين كان له وإذا لم يكن ثم بينه كان لمن حلف دون خصمه أو نكل خصمه عن اليمين فإن بينا أو حلفا أو نكلا قسم بينهما للدليل المتقدم قريبا.

[فصل

والقول لمنكر النسب وتلف المضمون وغيبته وأعواض المنافع والعتق والطلاق لا الإعيان إلا بعد التصادق على عقد يصح لغير عوض ويمينه على القطع ويحكم لكل من ثابتي اليد الحكمية بما يليق به حيث لا بينة والعكس في البينتين ثم بينهما ولمن في بيت غيره بما هو حامله مما مثله يحمله] .

قوله: "فصل: والقول لمنكر النسب".

أقوال: وجه ذلك أن الأصل عدم ثبوت النسب وعدم التلف وعدم الغيبة وعدم العوض في المنفعة وكذلك العوض في العتق والطلاق وأما الأعيان فلما كان الغالب فيها أنه لا يسمح بها من هو مالك لها إلا بعوض كان العمل على هذا الغالب هو المتوجه لأنه يثبت به الظاهر ومن كان معه الظاهر فالقول قوله وأما بعد التصادق على عقد يصح بغير عوض مال فوجهه أن هذا التصادق قد ارتفع به ما هو الظاهر فوجب الرجوع إلى الأصل وهو عدم العوض وأما كون يمين المنكر في هذه الأمور على القطع فلا وجه لذكره ها هنا لأنه سياتي بيان ما يكون فيه اليمين على القطع وما يكون فيه على العلم.

ص: 753

قوله: "ويحكم لكل ما ثابتي اليد الحكمية" الخ.

أقول: الحكم بالقرائن القوية قد حكى ابن القيم أنه مجمع عليه واستشهد لذلك بقضايا منها إقامة الحد بمجرد الحبل وبمجرد وجود الرائحة في الخمر وبما وقع منه صلى الله عليه وسلم من الأمر للزبير بتعذيب أحد بني الحقيق ليدل على كنز حيي بن أخطب وقد أدعى ذهابه في النفقات فقال صلى الله عليه وسلم: "هو أكثر من ذلك والعهد قريب"، ومن ذلك قصة يوسف حيث استند الحكم إلى قد القميص من قبل أو من دبر وذلك غير هذه الامور لا من نظائرها.

فهذا الحكم لكل من ثابتي اليد الحكمية بما يليق به هو من الحكم بالقرائن وأقل الأحوال أن يكون ذلك الشيء يليق بأحدهما دون الآخر يفيد لمن يليق به ظاهرا فيكون القول قوله مع يمينه كما تقدم من ان من معه الظاهر هو المنكر ومن معه أخفى الأمرين هو المدعي وإذا وجد ما هو أقوى من القرينة التي هي كونه يليق بأحدهما دون الاخر لم يجز العمل بالقرينة ولا التعويل عليها بل الواجب الرجوع إلى ما ثبت في الشرع أنه يجوز الحكم به من البينة والتبيين والإقرار ونحوهما.

وأما قوله: "والعكس في البينتين" فمبني على ما تقدم من ترجيح البينة الخارجة وقد قد منا ما فيه.

وأما قوله: "ثم بينهما" فصواب لأن القصمة بين المتنازعين قد ثبتث بالشرع عند التعارض وعدم إماكن الترجيح.

وأما قوله: "ولمن في بيت غيره بما هو حامله مما مثله يحمله" فوجهه أن القرينة شاهدة له بأن ذلك له وأنه دخل به وأقل الأحوال أن يكون القول قوله كما قدمنا.

[فصل

واليمين على كل منكر يلزم بإقراره حق لآدمي غالبا ولو مشوبا أو كفا عن طلب ولا تسقط بوجود البينة في غير المجلس ويجب الحق بالنكول مطلقا إلا في الحد والنسب قيل ومع سكوته يحبس حتى يقر أو ينكر وتقبل اليمين بعد النكول والبينة بعدها ما لم يحكم فيهما ومتى ردت على المدعي أو طلب تأكيد بينته غير في حقه المحض بها وأمكنت لزمت ولا ترد المتممة والمؤكدة والمردودة ويمين التهمة والقسامة واللعان والقذق] .

قوله: "فصل: واليمين على كل منكر يجب بإقراره حق لآدمي".

أقول: وجهه أن إيصال من له الحق بما يستحقه هو مقصد من مقاصد الشرع وباب من

ص: 754

أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلو ادعى مدع بدعوى يلزم خصمه بإقرار لما تضمنته الدعوى دفع ما أقربه إلى المدعي له وعجز عن البينة ولم يوجب على المدعى عليه اليمين كان ذلك منكرا عظيما وتقريرا لظلم بين وإهمالا لحقوق العباد وفتحا لأبواب التظالم وترويحا لأهل الجسارة بأن يثبوا على الأموال فلا شك ولا ريب أن هذه الشريعة المطهرة بكلياتها وجزئياتها قاضية بوجوب هذه اليمين وقد جاءت السنة في خصوصة هذه الخصوصية أن على المدعي البينة وعلى المنكر اليمين فيكف لا تجب على المنكر الذي يلزم بإقرارة حق لآدمي ما أوجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمين.

وإذا تقرر هذا فيما هو حق لآدمي فاعلم أن حقوق الله عزوجل لاحقه بها لأن الزجز عنها وكف أيدي المتجرئين على معاصي الله تعدى حدوده هو من أعظم مقاصد الشرع ومن أكبر أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد قدمنا أن الاحتساب في حق بني آدم ثابت فكيف بحقوق الله التي لا يكون المطالب بها إلا قائما في مقام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيجب على الحاكم أن يسمع دعوى المحتسب بالدعوى محتسب إذا صح موجب الحد بالسبب الشرعي المرضي من بينه أو إقرار فاعرف هذا فإن اشتراط تقدم الدعاوى على ما تنتهي إليه الخصومات من إقامة البينة والإقرار لا دليل عليه وإنما هو باعتبار الغالب أعني أن أسباب الحكم لا يكون في غالب الحالات إلا بعد إيقاع دعوى من مدع وإجابة من مجيب لا باعتبار ما هو الشرع الثابت الذي لا شك فيه ولا شبهه فإن مجرد وجود السبب المقتضي للحد يكفي ويجب على القادر على إقامة حدود الله أن يقيمه على من وجب عليه وإذا استبعد ذهنك هذا فانظر أي دعوى وقعت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم على ماعز والغامدية وإذا كان وجود السبب الشرعي مقتض للحد بمجردة فكيف لا يكون مقتضيا للحكم بعد احتساب محتسب بالدعوى.

قوله: "أو كفا عن مطلب".

أقول: وجه هذا أن المدعي لما يبطل الطلب قد أدعى ما يرفع عنه خصومة ويدفع عنه معره فكانت هذه الدعوى من جملة ما يندرج تحت قوله صلى الله عليه وسلم: "على المدعي البينة وعلى المنكر اليمين"، وإن لم يقع مثل هذا في زمن النبوة لكنه قد اندرج تحت مطلق قول الشارع ولابد من تقييد هذا بأن لا يظهر من مدعي بطلان الدعوى أنه قاصد للعنت وتطويل ذيل الخصومة وإتعاب غريمة فإن ظهر منه ذلك لم تسمع منه هذه الدعوى.

قوله: "ولا يقسط بوجود البينة في غير المجلس".

أقول: وجه أن اليمين حق للمدعي فإن طلبها وجوز انقطاع الخصومة بفعلها أو النكول عنها كان ذلك له ولا يجب عليه تركها حتى ينظر هل ثم بينة أم لا؟ لكنه إذا اختار اليمين لم يسمع منه البينة من بعد لأن السبب الشرعي المقتضي للحكم وهو اليمين قد وقع ووجب الحكم به وعلى الحاكم عند أن يسمع طلب المدعي ليمين المنكر أن يبين له أنه إذا كان له بينة قبل يمين خصمه وأنه إذا حلف خصمه لم تقبل البينة بعد ذلك وليس هذا من

ص: 755

التلقين للخصم بل هو مما يلزم ولهذا يقول صلى الله عليه وآله وسلم للمدعي: "ألك بينه؟ "، كما في صحيح مسلم وغيره وإنما قلنا: إن البينة لا تقبل بعد اليمين لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "شاهدك أو يمينه"، وهو في الصحيحين وغيرهما فجعل الحكم دائرا على إحدى السببين وقد قضي باليمين وحدها وسيأتي للمصنف قريبا أنها البينة بعد اليمين وليس على ذلك دليل تقوم به الحجة.

قوله: "ويجب الحق بالنكول".

أقول: الأسباب التي ورد بها الشرع الإقرار أو البينة أو اليمين فإذا حصل واحد من هذه على وجه الصحة فقد وجب به حكم الشرع ووجب عنده إلزام الخصم وأما النكول فهو إن كان من أقوى القرائن على صدق دعوى المدعي ولكن لما كان الحامل عليه قد يكون الترفع عن اليمين كما يفعله كثير من المتكبرين وقد يكون الحامل عليه مزيد الغباوة ممن توجهت عليه اليمين وعدم علمه بأن اليمين واجبه عليه وقد يكون الحامل عليه ما يعتقده كثير من العامة أن مجرد الحلف ولو على حق لا يجوز وأنه يأثم الفاعل له فلما كان الأمر هكذا لم يكن مجرد النكول سببا شرعيا للحكم.

فإن قلت فإذا عجز المدعي عن البينة وامتنع خصمه عن اليمين ضاع الحق وترك العمل بما يوجبه الشرع من إيصال كل ذي حق بحقه وإنصاف المظلوم من الظالم؟

قلت لا يجوز تقرير الممتنع من اليمين على امتناعه فإن ذلك يؤدي إلى ضياع الحق كما ذكرت ويوجب ترك حكم الشيء وما يجب من الآمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة أحكام الله بل يجب على الأئمة وحكام الشرع أن يعرفوا الناكل بأن اليمين حق واجب عليه وأنه لا يجوز له الامتناع منها فإن أجاب فذاك وإن لم يجب أنزلوا به بعض ما ينزل بمن لم يقبل الحق ولم يجب إلى الشرع من الأخذ بيده وأطره على الحق أطرا ولو بأن يمسه سوط من العذاب فإن الحق لا يتم إلا بذلك والشرع لا يمضي إلا به وقد أوجب الله على عباده الحكم بالحق والعدل وكف يد الظالم عن المظلوم واستخراج المظلمة من يد الظالم وردها إلى المظلوم فيجب التوصل إلى ذلك بما يسوغه الشرع وقد قدمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الزبير أن يعذب اليهودي حتى يقر بالمال لحيي بن أخطب ويدل على موضعه.

وإذا تقرر لك هذا عرفت أنه لا حاجة لقول المصنف: "إلا في الحد والنسب".

وأما قوله: "قيل: ومع سكوته يحبس حتى يقر أو ينكر" فصحيح ووجهه أنه إذا لم يكن للمدعي بينة وصمم خصمه على ترك إجابه الدعوى كان تقريره على ذلك إهمالا لتنفيذ أحكام الله وسد لباب العدل وفتحا لباب الجور وتخلية بين الظالم والمظلوم فحسبه هو أقل ما يستحقه ثم إذا لم يؤثر ذلك وجب على القاضي أن ينزل به سوطا من العقوبة كما قدمنا حتى يقر أو ينكر.

وأما قوله: "ويقبل اليمين بعد النكول" فصحيح ووجهه ظاهرة لأنه امتنع من حق يجب عليه فإذا أجاب إليه وجب علينا قبوله ومجرد تلكئه عن يمين في الابتداء لا يصلح مستندا للحكم عليه كما قدمنا.

ص: 756

وأما قوله: "والبينة بعدها" فلا وجه له لأن السبب الشرعي قد ثبت باليمين فوجب الحكم به.

وأما قوله: "ما لم يحكم فيهما" فهو باعتبار النكول غير صحيح لا باعتبار اليمين فهو صحيح بل وإن لم يحكم فإنه لا قبول للبينة بعد اليمين أصلا ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم للحضرمي: "ألك بينة؟ "، قال: لا، قال:"فلك يمينه"، قال: يا رسول الله الرجل فاجر لا يحلف وليس يتورع من شئ، فقال:"ليس لك منه إلا ذلك"، والحديث في صحيح مسلم وغيره وقوله:"ليس لك منه إلا ذلك" يفيد الحصر.

قوله: "ومتى ردت على المدعي".

أقول: لم يصح بشيء في يمين الرد قط وما روي في ذلك فلا يقوم به حجة ولا ينتهض للدلالة على المطلوب والأسباب الشرعيه لا تثبت إلا بالشرع.

وأما الاستدلال بيمين الرد بقوله سبحانه: {أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} [المائدة: 108] ، فغلظ ظاهر فإن معنى الآية غير هذا كما هو مبين في كتب التفسير ومع هذا فالجمهور على أنها منسوخه.

فإن قلت: لا شك أن هذه اليمين لا تجب على المدعي إذا ردها عليه المنكر فلا يجوز إلزامه بها ولا يكون نكوله عنها نكولا يثبت به ما ثبت بالنكول ولا يحتاج إلى الاستدلال على عدم لزومها بما ورد التنصيص على الأسباب الشرعيه كقوله صلى الله عليه وسلم: "شاهداك أو يمينه".

وقوله: "على المدعي البينة وعلى المنكر اليمين" لأن الدليل على من ادعى أنها سبب شرعي والأصل عدم ذلك والنافي لكونها سببا يكفيه قيامه مقام المنع إنما الشأن في شيء آخر غير إلزام من ردت عليه بها وأن المنكر لما طلبت منه اليمين التي عليه شرعا ولا يندفع عنه الحق إلا بفعلها قد رضي لنفسه بان يحلف المدعي بأن هذا الأمر الذي ادعاه ثابت على المنكر وقنع بذلك وزحزح اليمين المتوجهه عليه بهذا الرد فالحكم عليه بهذه اليمين إذا حلفها المدعي ليس لكونها سببا شرعيا بل لكون المنكر قد رضي بها عوضا عن اليمين التي عليه.

قلت: هذا صحيح من هذه الحيثية وللإنسان أن يلزم نفسه ما شاء بما شاء فإن حلفها المدعي لزم المنكر ما أفاده وإن أبى أن يحلف فلا إكراه له ولا يكون تركه لفعلها حجة عليه مبطلة لدعواه فاعرف هذا وتأمله فإنه نفيس.

قوله: "أو طلب تأكيد بينته غير المحققة" الخ.

أقول: ليس على هذه اليمين أثاره من علم بل الواجب النظر في البينة التي أقامها المدعي فإن كانت شهادة مفيدة قد صحت للحاكم وجب عليه الحكم بها ولا يكون طلب المدعى عليه لها موجبا للتوقف في الحكم ولا يحل للحاكم أن يسمع منه ذلك وأما إذا كانت البينة غير صالحة لاستناد الحكم إليها بوجه من الوجوه فعلى المدعي أن يأتي بينته صحيحه معمولا بها

ص: 757

فإن نهض بذلك فذاك وإن عجز عنه فليس له إلا يمين المنكر لأن الشهادة التي أقامها قد تبين ليست سببا شرعيا للحكم.

فإن قلت: إذا عرف الحاكم من طلب الطالب ليمين التاكيد أنه يعلم أن في شهادته خللا وإن كانت في الظاهر صحيحة صالحة للسببية للحكم فكأنه يقول أنا لا أنكر عدالة الشهود ولا أدعي أنهم تعمدو الكذب ولكني أدعي أن في شهادتهم علة توجب ردها والمدعي يعلم بذلك.

قلت إذا كان الأمر هكذا لم يحل للحاكم أن يجزم بالحكم حتى يبحث عن تلك العلة التي يدعيها المنكر ويطالبه ببيانها فإن تعذر البيان من جهته فهو بهذه الدعوى قد صار مدعيا والمنكر لعلمه بخلل في الشهادة قد صار منكرا فلا يبعد أندراجهما بذلك تحت قوله صلى الله عليه وسلم: "على المدعي البينة وعلى المنكر اليمين" فيكون إيجابها على المدعي ثابتا من هذه الحيثية لا من حيثية كونها مؤكدة.

قوله: "ولا ترد المتممة".

أقول: أعلم أن القضاء بشاهد واحد ويمين المدعي لما كانت الشهادة فيه غير كاملة وكانت اليمين غير يمين المنكر التي يجب بها الحق اختلف أهل العلم في جواز القضاء بذلك فالمانع يحتج بأن الأسباب الشرعية هي الإقرار أو الشهادة الكاملة أو اليمين من المنكر وهذه أعني شهادة الشاهد الواحد مع يمين المدعي ليست واحدا من هذه الأسباب.

ويجاب عليهم بأن الأحاديث الواردة في القضاء بالشاهد واليمين قد جاوزت عشرين حديثا ومنها الصحيح ومنها الحسن ومنها ما هو دون ذلك وهذا العدد قد صار المروي عن مثله معدودا في الأحاديث المتواترة والحجة الشرعية تقوم بما هو دون ذلك فكيف بمثله فتقرر به أن الشاهد الواحد مع يمين المدعي سبب شرعي للحكم ولم يأت من أبى ذلك بشيء يعتد به.

ولو قدرنا ورود صيغة تدل على انحصار الأسباب الشرعية في الإقرار والشهادة واليمين لكانت هذه الأحاديث المتواترة مخصصة لذلك المفهوم الذي أفاده الحصر وهذا ظاهر لا يخفى وقد تعرض المصنف هنا لعدم رد هذه اليمين التي يقال لها المتممة ووجهه أنها لا ثتم السببية للحكم إلا بمجموع الشاهد واليمين وإلا لم يكن سببا أصلا.

وأما قوله: "والمؤكدة" فوجهه أن العلم بصحة الشاهدة أو عدم صحتها هو لا يكون إلا من جهة المدعي لا من جهة المنكر فلا وجه لردها عليه وهكذا يمين التهمة لأن المدعي ليس على يقين من دعواه ولذا القسامة هي مجرد تهمة وأما يمين اللعان فلا يكون لعانا ويتحقق مفهومه إلا بالحلف من كل منهما لا من أحدهما فلا يتحقق كونه لعانا ولا تثبت أحكامه وأما رد يمين القذف فلا يتعلق به فائدة لأن المدعي إذا قبل الرد وحلف لم يثبت بذلك ما هو مقصود

ص: 758

دعوى القذف وهو الحد وقد قدمنا في أصل رد مطلق اليمين ما يغني عن التنصيص على هذه الأفراد فارجع إليه.

[فصل

والتحليف إنما هو بالله ويؤكد بوصف صحيح يتميز به عند الحالف ولا تكرار إلا لطلب تغليظ أو تعدد حق أو مستحق عليه أو مستحق غالبا على القطع من المدعي مطلقا ومن المنكر إلا على فعل غيره فعلى العلم وفي المشتري ونحوه تردد ولا يلزم تعليقها إلا بمحل النزاع وهي حق للمدعي فينتظر طلبه ويصح الإبراء منها ولا يسقط به الحق ولا بفعلها إن بين بعدها إلا أن يبرئه إن حلف فحلف قيل يبين أو على أن يحلف فحلف أو قبل وله الرجوع إن أبى ولا يحلف منكر الشهادة ولا يضمن ولو صح كتمانه ولا منكر الوثيقة ما فيها وتحلف الرفيعة والمريض في دارهما] .

قوله: "فصل: والتحليف إنما هو بالله".

أقول: اليمين التي هي سبب من أسباب الحكم هي اليمين الشرعية لا ينصرف إلى غيرها أصلا فمن ادعى أنه يجوز إلزام المنكر بغير هذه اليمين فعليه الدليل وهو لا يجد دليلا على ذلك هذا على تقدير أنه لم يرد الأمر بالحلف بالله وحده والنهي عن الحلف بغيره كما هو ثابت في الأحاديث الصحيحة الكثيرة فمن زعم أنه يجوز للمدعي أن يحلف المنكر بغير الله من طلاق أو عتاق أو نحوهما فقد أوجب على الحالف ما لم يوجبه الله عليه وأثبت السببية للحكم بما لم يثبته الشرع وذلك هو من التقول على الله بما لم يقل.

وأما قوله: "ويؤيد بوصف صحيح" إلخ فظاهر كلامه هذا أن ذلك على جهة اللزوم ولا وجه له ولا دليل عليه بل اليمين الشرعية تحصل بالإقسام بالله عزوجل أو بصفة من صفاته على الانفراد ولا يجب على من تجب عليه اليمين إلا هذا وقد أخرج ابن ماجه بإسناد رجال ثقات من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من حلف بالله فليصدق ومن حلف له بالله فليرض ومن لم يرض بالله فليس من الله".

وأما ما ورد من تحليفه صلى الله عليه وسلم لرجل فقال له: "احلف بالله الذي لا إله إلا هو ما له عندي شيء"، كما أخرجه أبو داود "3620"، من حديث ابن عباس بإسناد رجاله ثقات وكذلك ما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في تحليفه لليهود:"أذكركم بالله الذي نجاكم من آل فرعون وأقطعكم البحر وظلل عليكم الغمام وأنزل عليكم المن والسلوى وأنزل التوراة على موسى"، الحديث أخرجه أبو داود "2626"، فغاية ما في ذلك أنه يجوز للإمام التغليظ ببعض الأوصاف إذا رأى في

ص: 759

ذلك صلاحا وليس هذا محل النزاع بل محل النزاع وجوب التأكيد بالوصف.

قوله: "ولا تكرار إلا لطلب تغليظ".

أقول: قد عرفناك أن اليمين الشرعية تحصل بالحلف بالله عزوجل فإذا فعل ذلك فقد فعل ما يجب عليه قبول ما يطلبه من له اليمين من التكرار ولا فرق بين أن يكون الحق الذي ادعاه المدعي واحدا أو متعددا نعم إذا كان الحق لجماعة كان لكل واحد منهم أن يحلف من عليه الحق يمينا مستقلة وهكذا إذا كان الحق على جماعة كان على كل واحد منهم يمين مستقلة ولكن ليس هذا من التكرار في شيء.

قوله: "ويكون على القطع" الخ.

أقول: إن كان المحلوف عليه مما يمكن الحالف أن يقطع به جاز تحليفه على ذلك ومن هذا القبيل أن يحلف على أنه ما قتل أو غصب أو ما قال بكذا وهكذا اليمين على أنه ملكه تلقاه من مورثه أو اشتراه من بائعه ونحو ذلك وأما إذا كان لا سبيل إلى القطع وذلك بأن يحلف المنكر على نفي ملك المدعي فإنه لا سبيل إلى القطع في مثل هذا لجواز أن يكون تملكه في الأصل وأنه خرج عنه بما لا يصلح للنقل وخفى ذلك على المدعى عليه فهاهنا لا يحلف إلا على العلم ولا طريق إلى القطع وأما ما كان فعلا لغيره فلا سبيل إلى القطع على كل حال ولا يجب عليه أن يحلف إلا على العلم إذا تعلق بذلك فائدة فاعرف هذا فإن جعل اليمين على القطع تارة وعلى العلم تارة لا بد من تقييده بما ذكرناه وإلا كان الإلزام به ظلما والحلف به غير مطابق للواقع فيكون اليمين غموسا يشترك في إثمها الحالف والقاضي الذي ألزمه بها من غير فرق بين مدع ومنكر ومشتر ووراث.

وأما قوله: "ولا يلزم تعليقها إلا بمحل النزاع" فصحيح إذ ليس على من عليه اليمين وهو المنكر إلا أن يحلف على نفي ما يدعيه المدعي فإن طلب منه زيادة على هذا النفي المطلق لم يجب عليه ذلك.

قوله: "وهي حق للمدعي فينظر طلبه".

أقول: هذا صحيح لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل اليمين على المنكر فإذا لم يكن للمدعي بينة انقطع حقه بيمين المنكر وكانت من هذه الحيثية حقا له لكن إذا حصل منه التراخي عن طلبها قاصدا لعدم نفاذ الحكم عليه واستمرار سبب الخصومة كان للمنكر أن يطلب من الحاكم إراحته من الخصومة بقبض خصمه لليمين التي أوجبها عليه الشرع ثم يحكم له ببراءته من الدعوى بيمينه.

وأما قوله: "ويصح الإبراء منها" فوجهه أنها إذا كانت حقا للمدعي كان مخيرا بين استيفائها أو إسقاطها وهو معنى الإبراء.

وأما قوله: "ولا يسقط الحق" يعني بالإبراء من اليمين فوجهه أن الإبراء منها لا يكون له حكم فعلها حتى يقال ليس له إلا ذلك ولا يقبل منه البينة لأنه لم يحلف.

ص: 760