الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما كونه لا يحنث فيما لا يسمى كله ببعضه كالرغيف فظاهر لأن المعنى الحقيقي لا يتناول البعض وحده ولا قرينة تصرف المعنى إلى ذلك.
وبقية ما ذكره المصنف في هذا الفصل أمرها واضح ظاهر معلوم من علم اللغة والإعراب فلا نطيل البحث بالكلام عليه وذكر وجهه وهكذا قوله إنها لا تتكرر الكفارة بتكرر اليمين أو القسم فإنه مما لا ينبغي أن يقع فيه خلاف والقسم هو اليمين كما في كتب اللغة فكان أحد الأمرين يغني عن ذكر الآخر.
[فصل
والمركبة من شرط وجزاء إن تضمنت حثا أو منعا أو تصديقا أو براءة فيمين مطلقا وإلا فحيث يتقدم الشرط لا غير ولا لغو فيها وإذا تعلقت أو القسم بالدخول ونحوه فعلا أو تركا فللاستئناف لا لما في الحال لا السكون ونحوه فللاستمرار بحسب الحال ومن حلف لا طلق لم يحنث بفعل بشرط ما تقدم إيقاعه] .
قوله: "فصل: والمركبة" الخ.
أقول: هذا التركيب لا يصدق عليه لغة ولا شرعا أنه يمين فإن أراد المتكلم به النذر كان له حكمه وإن لم يرد ذلك كان من التعليق للعتق أو الطلاق أو نحوهما بشرط نحو إن دخلت الدار فعبدي حر أو نحو ذلك وقد تقدم الكلام على مثل هذا في الطلاق والعتق وقدمنا أيضا الكلام على المركبة عند قول المصنف ولا بالمركبة ولا وجه لما ادعاه المصنف من الإجماع على أنها يمين فإن خلاف أهل العلم فيها محرر في كتب الخلاف وقد استوفى ذلك ابن رشد المالكي في نهايته وقد ذهب أهل الظاهر إلى أنها ليست بيمين ولا نذر ولا يتعلق بها حنث ولا يلزم الوفاء بها.
[باب الكفارة
والكفارة تجب من رأس المال على من حنث في الصحة مسلما ولا يجزيء التعجيل وهي إما عتق يتناول كل الرقبة بلا سعي ويجزيء كل مملوك إلا الحمل والكافر وأم الولد ومكاتبا كره الفسخ فإن رضيه استرجع ما قد سلم من بيت المال أو كسوة عشرة مساكين مصرف للزكاة ما يعم البدن أو أكثر إلى الجديد أقرب ثوبا أو قميصا أو
إطعامهم ولو متفرقين عونتين بإدام ولو مفترقين فإن فاتوا بعد الأولى استأنف ويضمن الممتنع أو تمليك كل منهم صاعا من أي حب أو تمر يقتات أو نصفه برا أو دقيقا وللصغير كالكبير فيهما ويقسط عليه ولا يعتبر إذن الولي إلا في التمليك ويصح الترديد في العشرة مطلقا لا دونهم وإطعام بعض وتمليك بعض كالعونتين لا الكسوة والإطعام إلا أن يجعل أحدهما قيمته تتمة الآخر فالقيمة تجزيء عنهما في الأصح إلا دون المنصوص من غيره ومن لا يملك إلا ما استثني أو بينه وبين ماله مسافة ثلاث أو كان عبدا صام ثلاثا متوالية فإن وجد أو عتق ووجد خلالها استأنف ومن وجد لإحدى كفارتين قدم غير الصوم] .
قوله: "باب: والكفارة تجب من رأس المال".
أقول: قد ذكر الله سبحانه في الكتاب العزيز أن هذه الكفارة هي كفارة الأيمان فأفاد ذلك أنها واجبة على من حنث في يمينه وأما التفصيل بين كونها من رأس المال أو من الثلث فمبني على ما سيأتي في الوصايا وسيأتي الكلام عليه ويؤيد وجوب الكفارة ما قدمنا من الأحاديث المشتملة على الأمر بالتكفير كقوله صلى الله عليه وسلم: "فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه".
قوله: "ولا يجزيء التعجيل".
أقول: يدل على هذا ما في الأحاديث الثابتة في الصحيحين وغيرهما بلفظ فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه وفي لفظ للنسائي وأبي داود من حديث عبد الرحمن ابن سمرة: "إذا حلفت على يمين فكفر عن يمنيك ثم أئت الذي هو خير"، وفي صحيح مسلم من حديث عدي بن حاتم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا حلف أحدكم على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفرها وليأت الذي هو خير".
وفي هاتين الروايتين دليل على جواز إخراج الكفارة قبل الحنث ويجمع بينهما وبين سائر الروايات المصرحة بتأخير الكفارة عن الحنث بأن الكل جائز ويعكر على هذه الرواية المصرحة بالترتيب بلفظ نعم فإنها تدل على أن تقديم الكفارة على الحنث متحتم ولا يعارضها رواية تأخير الكفارة لأنها بالواو والواو لمطلق الجمع ولا تدل على الترتيب وهذه الروايات المصرحة بتأخير الكفارة معارضة بما ذكرنا من حديث عدي بن حاتم فإنه قدم الكفارة في هذه الرواية وأخر الحنث كما قدم الحنث في تلك الروايات وأخر الكفارة والكل بلفظ الواو التي لمطلق الجمع فتبقى رواية الترتيب بثم خالصة عن المعارض وقد صححها ابن حجر في بلوغ المرام وأخرج نحوها أبو عوانة في صحيحه وكذلك الحاكم أخرج نحوها عن عائشة وأخرج الطبراني من حديث أم سلمة بلفظ: "فليكفر عن يمينه ثم ليفعل الذي هو خير".
فهذه الأحاديث متعاضدة على تقديم الكفارة على الحنث قال ابن المنذر رأى ربيعة والأوزاعي ومالك والليث وسائر فقهاء الأمصار غير أهل الرأي يعني الحنفية أن الكفارة تجزىء
قبل الحنث إلا أن الشافعي استثنى الصيام فقال لا يجزىء إلا بعد الحنث وقال وعن مالك روايتان ووافق الحنفية أشهب من المالكية وداود الظاهري وخالف داود من أصحابه ابن حزم وذكر عياض أن عدة من قال بجواز تقديم الكفارة من الصحابة أربعة عشر صحابيا قال وتبعهم فقهاء الأمصار إلا أبا حنيفة وقد استوفيت هذا البحث في شرح المنتقى فليرجع إليه.
قوله: "وهي إما عتق" الخ.
أقول: كان على المصنف أن يقتدي بالكتاب العزيز فيقدم ما قدمه ويؤخر ما أخره وما يظن من أن العتق أفضل فهو مجرد دعوى فإن الأفضل هو ما بدأ الله به وإن كان غيره أكثر قيمة منه وقد ثبت مشروعية الابتداء بما بدأ الله سبحانه به كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "أبدأ بما بدأ الله به"، [مسلم "84/1780"،وهو الصحيح.
قوله: "ويجزئ كل مملوك".
أقول: هذا هو الأصل المرجوع إليه مع الإطلاق كما في الآية ومن اشترط الإيمان جعل هذه الآية المطلقة مقيدة بآية كفارة القتل والكلام في جواز هذا التقييد أو عدمه مستوفى في الأصول والظاهر أنه لا وجه للقول بالتقييد لأن ذنب كفارة القتل مغلظ وذنب كفارة اليمين مخفف ولا يقيد ما هو مخفف بما هو مغلظ فإنه اختلاف يوجب بقاء المطلق على إطلاقه ولا سيما مع اختلاف السبب فإنه بمجرده مانع من التقييد وأما استثناء الحمل فصحيح لأنه لا يصدق عليه وقت عتقه عن الكفارة أنه رقبة مملوكة.
وأما استثناء الكافر فلا وجه له لأنه قد جاز تملكه فأجزأ عتقه عن الكفارة.
وأما استثناء أم الولد والمكاتب فصحيح لأنهما قد صارا مستحقين للعتق بسبب آخر.
قوله: "أو كسوة عشرة مساكين" الخ.
أقول: لا وجه لقوله مصرف للزكاة بل المعتبر من صدق عليه معنى المسكنة وإن منع من صرف الزكاة فيه مانع آخر كالهاشمي ودعوى أن الكفارة لا تحل لهم محتاج إلى دليل والقول بأنها من أوساخ الناس وأنه لا يحل لهاشمي ما كان كذلك منقوض بصدقه النفل فإنها من أوساخ الناس ولعله قد تقدم لنا كلام على قول المصنف ويحل لهم ما عدا الزكاة والفطرة والكفارات فيرجع إليه والمراد ما يصدق عليه أنه كسوة لغة أو شرعا فإن كان الثوب الواحد يقال له كسوة كان وحده مجزيا وإن كان لا يصدق إلا على ثوبين أو أكثر فلا بد من ذلك ولكنه قد كثر في لسان العرب وفي عبارات أهل الإسلام قولهم ثوبا كساه كساه جبة كساه قميصا فأفاد ذلك أن الثوب الواحد يكفي وأما ما روي مرفوعا أن الكسوة عباءة لكل مسكين فلم يصح من وجه تقوم به الحجة.
قوله: "أو إطعامهم" الخ.
أقول: المعتبر ما يصدق عليه مسمى الإطعام ولا شك أن من صنع طعاما لعشرة وأطعمهم إياه يصدق عليه أنه قد أطعم عشرة مساكين ويكفي في ذلك مرة واحدة ليلا أو نهارا ولا دليل