الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولونها مع انتقاء أن يوجد شيء من المأكولات أو المشروبات الحلال مشابهة للخمر لونا أو عرفا فإن وجد وادعاه الشارب كان ذلك شبهة يدرأ بها عنه الحد.
باب حد السارق
[فصل
إنما يقطع بالسرقة من ثبتت بشهادة عدلين إو إقراره مرتين أنه سرق مكلفا مختارا عشرة دراهم فضة خالصة الدرهم ثمان وأربعون شعيرة أو ما يساويها مما هو خالص لغيره رقبة أو منفعة وله تملكه ولو جماعة ولجماعة أو لذمي أو لغريمه بقدرها وأخرجه من حرز بفعله حملا أو رميا أو جرا أو إكراها أو تدليسا وإن رده أو لم ينفذ طرفه أو دفعتين لم يتخللهما علم المالك أو كور غيره وقرب إلا من خرق ما بلغته يده أو ثابتا من منبته أو حرا وما في يده أو غصبا أو غنيمة أو من بيت مال أو ما استخرجه بخارج بنفسه كنهر وريح ودابة لم يسقها ولو حملها لكن يؤدب كالمقرب] .
قوله: باب حد السارق: "إنما يقطع من ثبت بشهادة عدلين أو إقراره مرتين".
[فصل
أقول: الكلام في اعتبار شهادة الرجلين في هذا الباب كالكلام الذي قدمناه في البابين الأولين فالحق أنه يثبت القطع بشهادة رجل وامرأتين لعدم وجود دليل يدل على هذا التخصيص ومع عدم وجوده يجب الرجوع إلى ما شرعه الله لعباده في الشهادات التي يجوز الحكم بها ولم يفرق بين حكم وحكم ولا بين محكوم فيه ومحكوم فيه ولا بين محكوم عليه ومحكوم عليه وهكذا لا وجه لاعتبار الإقرار مرتين بل مجرد شكوك ناشئة عن ضعف العزائم الشرعية كما قدمنا] .
قوله: "أنه سرق مكلفا مختارا".
أقول: أهمل قيد التكليف في باب الشرب كما أهمل قيد كونه عالما غير مضطر هنا كما أهمل هذه القيود كلها في باب القذف وكان عليه أن يجعل هذه الأبواب مستوية في القيود إذ من المعلوم أن اختلال واحد منها شبهة مسقطة للحد وقد عرفناك أن دعوى كون حد القذف مشوبا لا وجه لها.
قوله: "عشرة دراهم فضة خالصة".
أقول: اعلم أن القرآن الكريم يدل على مطلق قطع يد السارق بالسرقة قال الله سبحانه: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] ، فلو لم يرد البيان من السنة لكان الواجب القطع في كل مسروق قليلا كان أو كثيرا ولكنه قد جاء البيان الشافي الكافي الوافي في السنة
المطهرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله سبحانه ليبين للناس ما نزل إليهم فثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيحين [البخاري "12/91" مسلم "1/1684"،] ، وغيرهما [أبو داود "4393"، الترمذي "1445"، أحمد "6/36، 80، 163، 252"، من حديث عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا وهذه العبارة تدل على أنه كان يعتبر هذا المقدار في المسروق كما تقرر في الأصول وفي رواية من حديثها هذا لمسلم "1/1684"، وأحمد "6/63، 8، 163، 252" والنسائي "4929، 4930"، وابن ماجة "2585"]، بلفظ:"لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا"، وهذا صريح في أنه لا يقطع فيما دون ذلك وقد رفعته عائشة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي لفظ من حديثها هذا عند البخاري "6790"، والنسائي "4916"، وأبي داود 4384"، "تقطع يد السارق في ربع دينار"، وفي لفظ للبخاري "6790"، منه: "تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا"، وفي لفظ من هذا الحديث لأحمد "6/81"، "اقطعوا في ربع دينار ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك"، وأخرج النسائي "8/78"، من حديث عائشة أيضا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقطع يد السارق فيما دون ثمن المجن"، قيل لعائشة ما ثمن المجن قالت ربع دينار.
فهذا الحديث قد تضمن البيان للكتاب العزيز فلا تقطع الأيدي إلا في ربع دينار فصاعدا ولا ينافيه ما وقع من الاختلاف في تقدير ثمن المجن الذي قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه سارقه كما أخرجه البيهقي والطحاوي من حديث ابن عباس قال: كان ثمن المجن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم عشرة دراهم وهذه الرواية وإن كان في إسنادها مقال فقد أخرج نحوها النسائي وأخرج أبو داود "4387"، أن ثمنه كان دينارا أو عشرة دراهم.
ووجه عدم المنافاة أنه حكى الراوي قيمة المجن الذي قطع سارقه رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى تسليم أن تكون قيمته عشرة دراهم كما قدره بعض الصحابة وقد قدره البعض الآخر دينارا وليس في حديث القطع في المجن الذي في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر إلا: أنه صلى الله عليه وسلم قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم فهذا المجن الذي قطع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قيمته هذه القيمة وهي ثلاثة دراهم وربع الدينار صرفه ثلاثة دراهم ولا يعارض ذلك كون قيمة المجن قد تكون عشرة دراهم فإن المجان تختلف بزيادة القيمة ونقصانها وليس الحجة قائمة إلا فيما قطع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وافقت عائشة ابن عمر في تقويم المجن بثلاثة دراهم لأنها قالت: كما تقدم قيمته ربع دينار وصرف الربع الدينار ثلاثة دراهم وما في الصحيحين أقدم مما في غيرهما ومع هذا فلم يرد ما يدل على أنه لا قطع فيما دون ثمن المجن إلا في تلك الرواية المتقدمة عن عائشة وليست من رواية الصحيح وعلى تقدير أنها صحيحة فهي مقيدة بما قدرتها به وهو الربع الدينار فارتفع الإشكال واتفقت الأحاديث على القطع في ربع دينار ولم يرد ما يخالف ذلك من وجه تقوم به الحجة إلا ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: "لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده"، فهذا
الحديث إن صح تأويله بما رواه في الصحيحين [البخاري "2/81"، مسلم "1687"، وغيرهما عن الأعمش أنه قال: كانوا يرون أنه بيض الحديد والحبل كانوا يرون أن منها ما يساوي دراهم فذاك وظاهر قوله كانوا يرون أنه يريد الصحابة وإن لم يصح هذا التأويل فتأويل من قال إنه أراد صلى الله عليه وسلم تحقير شأن السارق وخسارة ربحه أو تأويل من قال: إنه أراد التنفير عن السرقة وجعل ما لا قطع فيه بمنزلة ما فيه القطع وإن لم يصح هذا التأويل فاعلم أن القطع إقدام على قطع عضو معصوم بعصمة الإسلام فلا يحل إلا بما اشتباه فيه ولا احتمال فيجب الوقوف على ما ثبت من نفي القطع فيما دون الربع الدينار وفيما دون ثمن المجن ويكون ذلك كالشبهة فيما دونه وهذا المذهب الذي قررناه هو مذهب جمهور السلف والخلف ومنهم الخلفاء الأربعة وفي المسألة أحد عشر مذهبا هذا مذهب أرجحها وقد استوفينا حججها في شرحنا للمنتقي وقد حكى ابن حجر في الفتح فيها عشرين مذهبا ولكن ما زاد على ما ذكرناه هنالك منها لا يصلح لجعله مذهبا مستقلا.
قوله: "الدرهم ثمانية وأربعون شعيرة".
أقول: الاعتبار بالدرهم الإسلامي المعامل به في أيام النبوة وإن كان من غير ضريبة الإسلام إذ لا ضربة في أيام النبوة ولا في أيام خلفاء الصحابة وأول من ضرب الدرهم عبد الملك بن مروان ثم إذا التبس قدر الدرهم فهو الذي يقابل الدينار فيه اثني عشر درهما.
وأما قوله: "أو ما يساويهما" فظاهر ولهذا قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجن وقطع في رداء صفوان.
قوله: "ولو جماعة لجماعة".
أقول: لا بد أن يسرق كل واحد من الجماعة نصابا من حرز لا لو كان مجموع ما أخذوه وأخرجوه من الحرز جميعا لا تأتي حصة كل واحد منهم قدر النصاب فلا قطع لأن الشارع جعل مطلق النصاب شرطا في مطلق القطع والدماء معصومة فلا تراق إلا بحقها وهو سرقة النصاب من كل فرد فرد ولا وجه لقياس هذا فعلي قتل الجماعة بالواحد فإن القصاص حق لآدمي وهذا حق لله وأيضا الحد يدرأ بالشبهة بخلاف القصاص وأيضا قام الدليل العقلي والنقلي هنالك ولا يصح اعتباره هنا.
وأما قوله: "ولجماعة" فصحيح لأنه قد حصل الشرط وهو سرقة النصاب ولم يرد ما يدل على أن يكون المالك له واحدا.
وأما قوله: "أو لذمي" فوجهه شمول أدلة السارق لكل مسروق ومال الذمي محترم معصوم بالذمة.
وأما قوله: "أو لغريم" فوجهه أنه قد سرق النصاب من مال غيره فاستحق القطع وكونه له عليه دين لم يرد دليل يدل عن أنه مسقط للحد فوجب البقاء على عموم الأدلة.
قوله: "وقد أخرجه من حرز".
أقول: قد استدل القائلون باشتراط الحرز بأدلة منها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عنه أحمد "2/180، 203، 207، 2/186" وأبي داود "4390"، والنسائي "8/84"، والترمذي 1289"، وحسنه الحاكم وصححه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن التمر المعلق فقال: "من أصاب منه بفية من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه ومن خرج بشيء فعليه غرامة مثليه والعقوبة ومن سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع" وفي لفظ لأحمد والنسائي: "وما أخذ من أجرانه ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجن" وفي لفظ لهما من هذا الحديث في ذكر سرق الماشية التي تؤخذ من مراتعها: "فيها ثمنها مرتين وضرب نكال وما أخذا من عطنه ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجن" ومنها ما أخرجه أحمد وأهل السنن والحاكم والبيهقي وصححه وصححه أيضا ابن حبان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا قطع في ثمر ولا كثر"، ومنها ما أخرجه أحمد "3/380"، وأهل السنن أبو داود 4391، 4392، 4393"، الترمذي "1448"، النسائي "8/88، 89"، والحاكم والبيهقي وصححه الترمذي وابن حبان من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ليس على خائن ولا مختلس قطع"، وأخرج نحوه ابن ماجه "2592"، بإسناد صحيح من حديث عبد الرحمن بن عوف وأخرج نحوه ابن ماجه أيضا والطبراني في الأوسط من حديث أنس.
وهذه الأحاديث قد دل مجموعها على أنه لا قطع على من سرق من غير حرز وعلى أنه يقطع من سرق من حرز كالجرين والعطن ويقويها أن دم المسلم معصوم بعصمة الإسلام فأقل أحوال هذه الأحاديث أن يكون شبهة لا يجب معها القطع على من سرق من غير حرز ولا يعارضها حديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قطع المخزومية التي كانت تستعير المتاع وتحجده كما أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن عوانة في صحيحه وأخرجه أيضا مسلم وغيره من حديث عائشة لأنه قد وقع التصريح في رواية الصحيحين وغيرهما أنها سرقت وفي روايةل ابن ماجه والحاكم وصححه من حديث ابن مسعود أنها سرقت قطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرج هذا الحديث أيضا أبو داود والترمذي فأفاد ذلك أنه قطعت لأجل السرق وذكر جحدها للمتاع للتعريف بها وكأنها قد كانت مشتهرة بهذا الوصف ولا مانع من أن يقع منها الأمران اجحد المتاع والسرق ولو فرضنا أنها قطعت بسبب جحدها للمتاع لكان ذلك في حكم التخصيص للأدلة القاضية باشتراط الحرز ولا معارضة بين عام وخاص.
وأما حديث صفوان بن أمية الذي أخرجه أحمد "6/466"، وأبو داود "4394"، والنسائي "8/69"، وابن ماجه "2595"، في قصة السارق الذي سرق رداءه من المسجد فقطعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ففيه دليل على أن المسجد حرز لما فيه كالجرين والعطن وليس فيه ما يعارض
أحاديث الحرز ومثله حديث ابن عمر عند أحمد "16/110"، وأبي داود "4386"، والنسائي "4909"، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع يد سارق سرق برنسا من صفة النساء ثمنه ثلاثة دراهم فإن غاية ما فيه أن الصفة حرز لما سرق منها.
قوله: "بفعله حملا أو رميا" الخ.
أقول: هذا صحيح لأنه يصدق على من أخرج المتاع المسروق من الحرز على أي صفة من هذه الصفات أنه قد أخذه من حرز وأخرجه عنه وهكذا لو أخذ ذلك دفعتين أو دفعات وسواء علم المالك بعد بعض الدفعات أو لم يعلم لأنه قد صدق على السارق أنه سرق نصابا من حرز وهكذا يصدق على من أخرج المال من الحرز أنه قد سرق من حرزه وإن كوره له غيره أو قربه إليه.
وأما قوله: "إلا من خرق ما بلغته يده" فلا وجه له فإن هذا الذي تناوله بيده قد سرق النصاب من حرزه.
وأما أنه لا قطع على من سرق ثابتا من منبته فوجهه ما قدمنا من الأدلة المذكورة قريبا وأما قوله: "أو حرا وما في يده" فلا وجه له لأن السارق قد سرق النصاب من حرز وكونه على يد حر وصفة طردى لا تأثير له.
وأما قوله: "أو غصبا" فوجهه أنه لا يصدق مسمى السرقة على الغصب فإن السرقة هي أخذ المال خفية والغصب أخذ المال علانية وقد علق الشارع القطع على وصف السارق وتعليق الحكم على الوصف مشعر بالعلية.
وأما قوله: "أو غنيمة" فوجهه أن له نصيبا منها لأن المفروض أنه من الغانمين وهكذا قوله أو بيت مال المسلمين وهو من جملتهم.
وأما قوله: "أو ما استخرجه بخارج بنفسه" إلخ فوجهه أنه لا يصدق عليه أنه أخرج المسروق من حرزه بل أخرجه الخارج بنفسه.
وأما قوله: "لكن يؤدب كالمقرب" فهذا نوع من التعزير راجع إلى نظر الإمام والحاكم.
[فصل
والحرز ما وضع لمنع الداخل والخارج ألا يخرج ومنه الجرن والمربد والمراح محصنات وبيت غير ذي باب فيه مالكه والمدفن المعتاد والقبر للكفن والمسجد والكعبة لكسوتهما وآلتهما لا الكم والجوالق والخيم السماوية والأمكنة المنصوبة وما أذن للسارق بدخوله".
قوله: "فصل: والحرز ما وضع لمنع الداخل والخارج ألا يخرج".
أقول: الحرز هو ما يحرز فيها المالك ملكه ومعلوم أنه لا يصدق عليه أنه حرز إلا إذا كان على صفة يكون بها المال المحرز فيها مفارقا لما هو موضوع على ظاهر الأرض منبوذ في جانب من جوانبها وهذا المعنى يوجد بوجود ما يحرز الناس به أموالهم من الأبينة ونحوها على كل شيء بحسبه فحرز الثمرة ما يعتاده الناس في الجرين وحرز الماشية ما يعتاده الناس في أعطان الإبل ومرابض الغنم ونحو ذلك وحرز النقد والعرض ما يعتاده الناس من جعلها في المنازل مع تغليق أبوابها أو مع بقاء أهلها فيها وهكذا المدافن حرز لما فيها والقبور حرز لما في داخلها إذا كانت قد أحرزت لما يعتاده الناس ولا سيما بعد ورود النص في قطع النباش وهكذا المسجد ونحوه لجري عادة الناس بأنه حرز لما يجعل فيه من فرشه وآلآته بل لما دخل فيه من غيرها كما يدل عليه حديث صفوان المتقدم.
وبهذا تعرف أن المرجع الأعراف في إحراز الأموال فلا وجه لما استثناه المصنف من قوله لا الكم إلخ لأنهم إذا كانوا معتادين لإحراز الأموال في هذه الأمور كانت حرزا.
وأما ما أذن للسارق بدخوله فإن كان قد ائتمنه على ما فيه أو أمره بحفطه فلا شك أنه خائن وقد تقدم أنه لا قطع على خائن وإن لم يأتمنه على ما فيه بل أذن له بمجرد الدخول كالضيف فهذا السارق قد أخذ المال خفية وأخرجه من حرزه.
[فصل
وإنما يقطع كف اليمنى من مفصله فإن ثنى غير ما قطع به أو كانت اليمنى باطلة فالرجل اليسرى غالبا ويحبس فقط إن عاد ويسقط بالمخالفة فيقتص العمد ويتأرش الخطأ وبعفو كل الخصوم أو تملكه قبل الرفع وبنقص قيمة المسروق عن عشرة وبدعواه إياه ولا يغرم بعده التالف ويسترد الباقي في يده أو في يد غيره بغير عوض ولا يقطع والد لولده وإن سفل ولا عبد لسيده وكذلك الزوجة والشريك لا عبداهما] .
قوله: "فصل: وإنما يقطع كف اليد اليمنى من مفصله".
أقول: قول الله عزوجل: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] . قد دل على قطع اليد وهي حقيقة في جمعها ثم ورد البيان من السنة بأن القطع لليد هو قطع الكف من الكوع كما أخرجه أبو الشيخ عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يقطعون السارق من المفصل وأخرج البيهقي عن عمر مثله ويؤيده ما أخرجه أهل السنن [أبو داود "4411"، اىلترمذي "1447"، النسائي "8/92"، ابن ماجة "2587"] ، عن فضالة بن عبيد أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسارق فقطعت يده ثم أمر بها فعلقت في عنقه وفي إسناده الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف
ولكنه حسنه الترمذي وأما كون الكف التي تقطع هي اليمنى فللبيان النبوي ولقراءة ابن مسعود {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}
قوله: "فان ثنى غير ما قطع به أو كانت اليمنى باطلة فالرجل اليسرى".
أقول: ظاهر قوله سبحانه: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]، أن القطع في السرقة للأيدي وأن اليد اليسار مقدمة على الرجل ولا وجهه للقياس على المحاربة ولم يرد ما تقوم به الحجة في تقديم قطع الرجل على اليد اليسرى ولا يصح أن يقال إنه قد روي بطرق يشهد بعضها لبعض فإن في طرقه كذابين ولا يشهد حديث الكاذب للكاذب ولا يعضده كما هو مقرر في اصطلاح أهل فن الحديث ولكنه أخرج أبو داود والنسائي من حديث كما هو مقرر في اصطلاح أهل فن الحديث ولكنه أخرج أبو داود والنسائي من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بسارق فقال:"اقتلوه"، فقال يا رسول الله إنما سرق فقال:"اقطعوه" فقطعوه ثم عاد ثانية وثالثة ورابعة فيأتون به للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول لهم كما قال أولا حتى أتوا به الخامسة وقد نفذت قوائمه الأربع فقال لهم: "اقتلوه" فهذا الحديث ليس فيه إلا ذكر القطع من غير تعيين رجل ولا يد وما ذكر في بعض طرقه من ذكر الرجل بعد اليد فلا أصل له على أن هذا الحديث نفسه قال فيه النسائي منكر لا أعلم فيه حديثا صحيحا وقال ابن عبد البر منكر لا أصل له وقال الشافعي منسوخ لا خلاف في ذلك مع أنه قد أخرجه النسائي والحاكم من حديث الحارث بن خاطب وأبو نعيم في الحلية من حديث عبد الله بن زيد الجهني وإذا كان المنسوخ هو مجرد القتل بعد قطع الأعضاء الأربعة فلا وجه لقول المصنف ثم يحبس فقط إن عاد وإن كان النسخ لجميع ما اشتمل عليه الحديث فلم يرد ما تقوم به الحجة في قطع الرجل اليسرى بل ولا في قطع اليد اليسرى ويكون الواجب قطع اليمنى على أي صفة كانت فإن كانت قد قطعت لسبب آخر سقط القطع هذا على تقدير أن حديث جابر هذا وما شهد له مما تقوم به الحجة وقد عرفت ما قيل في حديث جابر والمنكر لا يقوم به حجة فيكون الواجب هو قطع اليد اليمنى فقط ولا يجب قطع غيرها إذا سرق مرة أخرى لا رجل ولا يد.
قوله: "ويسقط بالمخالفة".
أقول: لم يرد شي يدل علي هذا السقوط قط والعضو الذي أمر الله بقطعه باق فالخطاب متوجه إليه وعلى الذي قطع غيره القصاص أو الدية وإن كان مخطئا وما قيل مما فيه مخالفة لهذا فهو خبط لسي عليه أثارة من علم والباعث عليه حور الطبيعة ومزيد الرحمة لمن قطعت يسرى يديه أن لا تقطع معها اليمنى فيضحى بلا يدين فما لنا ولهذا ما أدخله في الأحكام الشرعية فإن يده اليسرة قطعت بالجناية عليها على خلاف حكم الله ويده التي أمر الله بقطعها باقية فيقطع بحكم الله سبحانه وإذا صار إلى حالة ليس له فيها يدان فعلى نفسها براقش تجنى.
قوله: "وبعفو كل الخصوم" الخ.
أقول: العفو قبل الرفع مندوب لما أخرجه أبو داود "4376"، والنسائي "4889"، من
حديث عبد الله ابن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب"، وأخرجه أيضا الحاكم وصححه قال ابن حجر في الفتح وسنده إلى عمرو بن شعيب صحيح.
وأخرج مالك ف الموطأ عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال إن الزبير بن العوام لقي رجلا قد أخذ سارقا وهو يريد أن يذهب به إلى السلطان فشفع له الزبير ليرسله فقال لا حتى أبلغ به السلطان فقال الزبير إذا بلغت به السلطان فلعن الله الشافع والمشفع وقد تقدم في حديث المخزومية الثابت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسامة: "أتشفع في حد من حدود الله؟ "، وفي لفظ:"لا أراك تشفع في حد من حدود الله"، وتقدم أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لصفوان في السارق الذي سرق رداءه:"هلا كان قبل أن تأتيني به".
وأما كونه يسقط عن السارق بتملكه للمسروق قبل الرفع ففي كون كون هذا شبهة يسقط بها لحد نظر لأن السرقة الموجبة للحد قد وقعت وهو في غير ملكه فلا يؤثر تملكه له من بعد.
قوله: "وبنقص قيمة المسروق عن عشرة".
أقول: إذا نقص قيمة المسروق على النصاب المعتبر على حسب ما قررناه سابقا فالحد لم يجب من الأصل حتى يقال إنه يسقط بذلك ففي العبارة تسامح وأما كونه يسقط بمجرد الدعوى أنه له وإن لم تصح الدعوى ففي كون هذه الدعوى الباطلة شبهة نظر وقد تقدم أنه لا بد أن تكون الشبهة محتملة.
قوله: "ولا يغرم بعده التالف".
أقول: الوجه في هذا أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الخلفاء الراشدين أنه أمر السارق بضمان ما سرقه بعد قطعه وهذا يكفي في الاستدلال وأما حديث عبد الرحمن بن عوف عند النسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يغرم صاحب سرقة إذا أقيم عليه الحد"، فقد بين النسائي "4984"، بعد إخراجه له أنه منقطع وقال أبو حاتم إنه منكر وقال ابن عبد البر لا تقوم به حجة.
وأما كونه يسترد الباقي في يده أو يد غيره بغير عوض فوجهه أنه باق على ملك مالكه لم يتحول بالسرقة عنه فله أن يرجع بالعين على من هي في يده أو على السارق ويجب على السارق أن يسترجع تلك العين ولو بعوض لا كما قال المصنف وقد قام الدليل على ذلك كما أخرجه النسائي من حديث أسيد بن حضير أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في السرقة إذا وجدها ربها مع غير المتهم أنه إن شاء وأخذها منه بما اشتراها وإن شاء اتبع سارقه وقضى بذلك أبو بكر وعمر وأما رد هذا الحديث لدعوى كونه مشكلا فمن أغرب ما يقرع الأسماع فالأحكام النبوية هي الحجة على العباد {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] ، وإذا خالفها مجتهد برأيه فرأيه رد عليه مضروب به وجهه ولكن التجري على رد السنن يفعل بصاحبه مثل هذا.
قوله: "ولا يقطع والد لولده وإن سفل".
أقول: لا شك أن حديث: "أنت ومالك لأبيك"، يكون شبهة أقل أحواله وهو حديث تقوم به الحجة وقد عضده حديث:"كلوا من كسب أولادكم"، وقد قدمنا الكلام على الحديثين جميعا.
وأما الولد إذا سرق مال والده فلا شبهة له وهو مشمول بالأدلة الموجبة للحد على السارق ومن قال إن في قطعه قطع رحم أمر الله بعلتها فقد أسرف في الغفلة فإنه أوجب هذا الشرع الثابت بالكتاب والسنة وبإجماع المسلمين وليست صلة الرحم بإسقاط ما أوجبه الله وجعله شرعا لعباده ولو كان هذا صحيحا لم يثبت على قريب لقريبه حق لا في نفس ولا مال واللازم باطل بالإجماع فالملزوم مثله.
وأما كونه لا يقطع عبد لسيده فوجهه ظاهر ولا سيما عند من يقول إن العبد لا يملك.
وأما قوله: "وكذا الزوجة" فلا وجه له إلا على ما قدمنا من الكلام على قوله وما أذن السارق بدخوله وأما الشريك لشريكه فهو في غاية الظهور إذا كان المال المسروق مشتركا بينهما وهكذا عبيد الشريكين لأنهم سرقوا مال سيدهم وقد أغنى عن ذكر هذا ما تقدم من قوله: ولا عبد لسيده فإن كل واحد من عبدي الشريكين سرقا مالا بعضه لسيده فكان هذا البعض شبهة في الباقي.
[فصل
والمحارب وهو من أخاف السبيل في غير المصر لأخذ المال يعزره الإمام أو ينفيه بالطرد ما لم يكن قد أحدث وإلا قطع يده ورجله من خلاف لأخذ نصاب السرقة وضرب عنقه وصلبه للقتل وقاص وأرش للجرح فإن جمعها قتل وصلب فقط ويقبل من وصله تائبا قبل الظفر به وتسقط عنه الحدود وما قد أتلف ولو قتلا لا بعده فلا عفو ويخير في المراسل] .
قوله: "فصل: والمحارب هو من أخاف السبيل". الخ.
أقول: هذا الحد من جملة ما شرعه الله من الحدود بين عباده وجاء في كلامه بالصيغة المنادية بالعموم بأعلى صوت وأوضح دلالة فهي من هذه الحيثية شرع عام لجميع الأمة أولهم وأخرهم أسودهم وأبيضهم وكون سبب نزولها في المشركين الذين أخذوا لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم لما شكوا إليه وباء المدينة فأمرهم بالخروج إلى حيث كانت إبله ليشربوا من ألبانها وأبوالها حتى يصحوا فقتلوا راعيها وساقوها لا يدل على اختصاص هذا الحد بهم فإن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو مقرر في الأصول لا يخالف فيه أحد من الأئمة الفحول على أن
هؤلاء الذين كانوا سبب النزول قد كانوا تكلموا بكلمة الإسلام كما في الصحيحين [البخاري "683"، مسلم "1671"] ، وغيرهما [أبو داود "4364"، الترمذي "72"، النسائي "4029"، ابن ماجة "2578"] ، ومجرد هذا الواقع منهم لا يكون ردة ولو سلمنا أنهم صاروا بذلك كفارا مشركين فقد أنزل الله في كتابه العزيز الأمر بقتل المشركين حيث وجدوا وأين يقفو فكان هذا الحكم العام مغنيا عن إدخالهم في زمرة الإسلام فيما شرعه لهم من الأحكام فالمشرك سواء حارب أو لم يحارب مباح الدم ما دام مشركا فليس في حمل الآية على المشركين وتخصيص حد المحاربة بهم إلا التعطيل لفائدتها والمخالفة لما يقتضيه الحق ويقود إليه الإنصاف وقد أقام هذا الحد على المحاربين الصحابة فمن بعدهم إلى هذا الغاية.
وأما ما أبداه الجلال رحمه الله من الفوائد والمفاسد لما اختاره من اختصاص حد المحاربة بالمشركين فتلك الفوائد واندفاع المفاسد لا يقوم رقعها بالخرق على أنها زائفة داحضة ناشئة عن الوسوسة في زحلفة أحكام الله وتبديل ما شرعه.
وأما اشتراط المصنف رحمه الله أن تكون إخافة السبيل في غير المصر فلا وجه له لأن الله سبحانه شرع لنا هذا الحد فأطلقه ولم يقيده ولا ثبت لنا عن رسوله المبين للناس ما نزل إليهم أنه قيده بهذا القيد فمن وجدت منه المحاربة وهي إخافة السبيل بالقتل ونهب المال فهو محارب سواء كان داخل المصر أو خارجه ثم هذا المحارب الذي وقعت منه المحاربة حده هو ما ذكره الله سبحانه من التخيير بين القتل أو الصلب أو قطع اليد والرجل أو نفيهم من الأرض فهذا حد الله الذي شرعه لعباده في كتابه بعبارة في غاية الوضوح والبيان بحيث لا يخفى على العامة فضلا عن أهل العلم فالتوزيع لهذه العقوبات المذكورة في الآية كما ذكره المصنف تقييد لكتاب الله بلا دليل بل بمجرد القال والقيل ولا يلزمنا اجتهاد لمجتهد من الصحابة أو أكثر ما لم يكن إجماعا منهم على أن المروي عن ابن عباس في توزيع العقوبات المذكورة في الآية على الصفة التي ذكرها المصنف لم تكن في شيء من دواوين الإسلام وإنما أخرجه الشافعي من طريق إبراهيم ابن محمد بن أبي يحيى وهو ضعيف لا تقوم بمثله حجة كما هو معروف عند أهل الفن.
قوله: "ويسقط عنه الحدود" الخ.
أقول: ظاهر التقييد بقوله عزوجل: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] ، أنها قيد لحد المحاربة كما يشعر به السياق فلا يجوز للإمام والسلطان وغيرهم أن يقيموا حدود المحاربة على محارب تاب قبل القدرة عليه وأما سائر الحدود فلا دليل على أنها تسقط بالتوبة ولا بالوصول إلى الإمام قبل القدرة بل هي باقية على أصلها لا يسقطها إلا بمسقط وإذا كان هذا في الحدود فكيف بالأموال التي في ذمة المحارب إلا ما كان متعلقا لما تاب عنه من المحاربة فإن ما سفكه فيها من الدماء وأتلفه من الأموال ظاهر التقييد أنه يسقط لأنه قد تاب من قبل أن يقدر عليه فاستحق عدم المؤاخذة بحد المحاربة ولا بما يتعلق به وأما إذا كان المحارب كافرا فهو وإن كان يجري عليه هذا الحد كما يجري على المسلمين لكن إذا تاب من
المحاربة مع البقاء على كفره فهي توبة مقبولة داخلة تحت عموم الآية وأما إذا أسلم فالإسلام يجب ما قبله.
وأما قوله: "لا بعده فلا عفو" فهو كلام صحيح لما عرفناك فيما سبق من دفع ما قاله المصنف أن للإمام إسقاط الحدود وتأخيرها لمصلحة فقد أصاب هنا ولم يصب هنالك.
وأما قوله: "ويخير في المراسل" فمناف لما يدل عليه قوله: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} إذ لم يكن في هذه الآية إلا اعتبار مجرد حصول التوبة سواء كانت مع الوصول إلى الإمام أو لمجرد المراسلة.
[فصل
والقتل حد الحربي والمرتد بأي وجه كفر بعد استتابة ثلاثا فأبى والمحارب مطلقا والديوث والساحر بعد الاستتابة لا المعترف بالتمويه وبالإمام تأديبه] .
قوله: "فصل: والقتل حد الحربى".
أقول: هذا ثابت بالضرورة الدينية والآيات والأحاديث في هذا كثيرة جدا ولا حاجة إلى بيان ما هو من ضروريات الدين وأجمع عليه جميع المسلمين وما قيل أن القتل لا يقال له حد لأنه المنع عن المعصية فيجاب عنه بأن في القتل للعاصي المنع التام له من معاودة المعاصي أيضا وأيضا قد قال صلى الله عليه وسلم: "حد الساحر ضربة بالسيف"، كما أخرجه الترمذي "1460"، وغيره.
قوله: "والمرتد".
أقول: قتل المرتد عن الإسلام متفق عليه في الجملة وإن اختلفوا في تفاصيله والأدلة الدالة عليه أكثر من أن تحصر لو لم يكن منها إلا حديث: "من بدل دينه فاقتلوه"، وهو في الصحيح [البخاري "6/149"]، وحديث:"لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث"، وهو كذلك في الصحيح [البخاري "12/201] ، ولا فرق بين المرتدين من الرجال والنساء وما ورد في النهي عن قتل النساء فذلك في نساء الكفار الباقيات على الكفر وأما النساء المسلمات إذا وقعت منهن الردة فقد فعلن بالخروج من الإسلام سببا من أسباب القتل فبين الكفارة الأصلية والمرأة المسلمة المرتدة عن الإسلام في الكفر فرق أوضح من كل واضح فلا يحتاج إلى الكلام على تعارض الأدلة الواردة في قتل المرتدين على العموم والأدلة الواردة في قتل النساء الكافرات على العموم بل يقر كل منهما في موضعه.
وأما قوله: "بأي وجه كفر" فقد أراد المصنف إدخال كفار التأويل اصطلاحا في مسمى الردة وهذه زلة قدم يقال عندها لليدين وللفم وعثرة لا تقال وهفوة لا تغتفر ولو صح هذه لكان غالب من على ظهر البسيطة من المسلمين مرتدين لأن أهل المذاهب الأربعة أشعرية وما تريدية
وهم يكفرون المتعزلة ومن تابعهم والمعتزلة يكفرونهم وكل ذلك نزغة من نزغات الشيطان الرجيم ونبضة من نبضات التعصب البالغ والتعسف العظيم وقد أوضحنا فهذا في مؤلفاتنا بما لا يبقى بعده ريب لمرتاب.
قوله: "بعد استتابته ثلاثا فأبى".
أقول: الأدلة قد دلت على أن الردة سبب من أسباب القتل وأن هذا السبب مستقل بالسببية كما في حديث: "من بدل دينه فاقتلوه"، ونحوه ولم يصح في الاستتابة والانتظار به أياما شيء من المرفوع ولا تقوم الحجة بغيره فالواجب علينا عند ارتداد المرتد أن تأمره بالرجوع إلى الإسلام والسيف على رأسه فإن أبى ضربنا عنقه حكم الله ومن أحسن من الله حكما وهذا القول هو بمثابة تقديم الدعوى لأهل الكفر إلى الإسلام فإن ذلك يحصل بمجرد قول المسلمين لهم أسلموا أو أعطوا الجزية فإن أبوا عند جواب هذه الكلمة فالسيف هو الحكم العدل والفعل الفصل.
وأما قوله: "والمحارب" فقد تقدم الكلام عليه.
قوله: "والديوث".
أقول: هذه معصية من أعظم المعاصي ورذيلة من أقبح الرذائل وأما أنها توجب سفك دم المسلم واستحلاله فلم يرد في ذلك شيء يصلح للاستدلال به ودماء المسلمين معصومة بعصمة الإسلام لا ينقل عن هذه العصمة إلا ناقل صحيح وليس ها هنا ناقل لا صحيح ولا حسن.
قوله: "والساحر".
أقول: أنص دليل على قتل الساحر حديث جندب عند الترمذي والدارقطني والحاكم والبيهقي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حد الساحر ضربة بالسيف"، وما قيل من أن في إسناده اسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف فيجاب عنه بأن وكيع بن الجراح قال هو ثقة ويؤيده عمل الصحابة واشتهار ذلك بينهم من غير نكير حتى وقع من حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فإنها قتلت جارية لها سحرتها كما رواه مالك في الموطأ وعبد الرزاق وأخرج أحمد وأبو داود وعبد الرزاق والبيهقي أن عمر بن الخطاب قبل موته بشهر كتب أن اقتلوا كل ساحر وساحرة ولا يصح الاحتجاج على عدم القتل بتركة صلى الله عليه وسلم للقتل لليهودي الذي سحره فإنه إنما ترك ذلك لئلا يثير على الناس شرا ولهذا ثبت في الصحيحين [البخاري "10/221"، مسلم "43/2189"] ، وغيرهما [أحمد "6/63، 96"، ابن ماجة "3545"، أن عائشة قالت له:"أفأخرجته" أي أخرجت السحر من البئر لما وصف لها أن الساحر الذي سحره اليهودي لبيد بن الأعصم في بئر ذروان فقال لها: "أما أنا فقد عافاني الله وشفاني وخشيت أن أثور على الناس منه شرا" فقد ترك صلى الله عليه وسلم إخراج السحر من البئر لئلا يثور على الناس الشر فبالأولى قتل ذلك الساحر ومما يؤيد القتل للساحر أن الساحر كافر كما تدل عليه الأدلة فقتله بسبب كفره مع ارتكابه لهذه العظيمة التي يفرق بها بين المرء وزوجه.
وأما قوله: "لا المعترف بالتمويه" فلا وجه له لأنه إذا كان الذي فعله سحرا فلا يرفع عنه
الكفر والقتل إلا التوبة وإن لم يكن سحرا فلا وجه للاحتراز عنه.
وأما كون للإمام تأديبه فنعم يؤدبه بضربة بالسيف يطير بها رأسه عن جسده وكان على المصنف أن يذكر في هذا الفصل من جملة من حده القتل الساب لله عزوجل أو لكتابه أو لرسوله أو للسنة المطهرة أو للإسلام فإن هذه كفر بواح لا يحل التثبط عن قتل من وقعت منه إلا أن يتوب توبة خالصة وهكذا الزنديق فإنه أحق أعداء الله بالقتل لأنه يتظاهر بالإسلام ويسعى في كيد الدين وزحلفة غير المتبصرين عنه وهذه وإن كانت قد دخلت تحت لفظ المرتد لأنها ردة قبيحة فقد وقع الخلاف في كون بعضها كفرا كما وقع الخلاف في الساحر فكان ينبغي أن يذكر كما ذكر.
وهكذا كان ينبغي أن يذكر في هذا الفصل الزاني المحصن وإن كان قد ذكره فيما سبق لكنه أعاد ذكر المحارب هنا مع أنه قد ذكر هناك استيفاء للحصر.
[فصل
والتعزير إلى كل ذي ولاية وهو حبس أو إسقاط عمامة أو عتل أو ضرب دون حد لكل معصية لا توجبه كأكل وشتم محرم وإتيان دبر الحليلة وغير فرج غيرها ومضاجعة أجنبية وامرأة على امرأة وأخذ دون العشرة وفي كل وفي كل دون جنسه وكالنرد والشطرنج والغناء والقمار والإغراء بين الحيوان ومنه حبس الدعار وزيادة هتك الحرمة وما تعلق بالآدمي فحق له وإلا فلله] .
قوله: "فصل: التعزير إلى كل ذي ولاية". الخ.
أقول: المسلم وماله وعرضه تحت العصمة الإسلامية فلا يجوز في هذه الأمور المعصومة شيء إلا بحقه وقد دل حديث أبي بردة بن نيار في الصحيحين [البخاري "12/175"، مسلم "40/1708"، وغيرهما أبو داود "4492"]، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم بقول:"لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله تعالى"، أنه يجوز هذا الجلد إلى هذا المقدار عقوبة للعصاة الذين فعلوا محرما ولم يرتكبو حدا ودل أيضا حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس رجلا في تهمة ثم خلى عنه كما أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وحسنة الحاكم وصححه أنه يجوز الحبس بالتهمة ولما هو أولى منها وهو ثبوت الحق بيقين من غير تهمة إذا لم يتخلص عنه من هو عليه وقد أخرج الحاكم لهذا الحديث شاهدا من حديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس في تهمة يوما وليلة.
وقد ذكرنا فيما سبق كلاما في الحبس وأحلنا على ما ذكرنا في شرح المنتقى فليرجع إليه.
وأما ما ذكره من أنواع التعزير فليس إلا الضرب والحبس وقوفا على ما رود به الشرع من تخصيص تلك العصمة الإسلامية ولكنه ينبغي أن يزيد في الضرب إلى حد العشر في المنتهك للكبائر التي لا حد فيها ويقتصر فيما دونها على دون العشر وهكذا يكون الحبس فيغلظ في الممتنع من الحق الثابت عليه والمنتهك لمعاصي الله سبحانه التي لم يرد فيها حد ويخفف فيما دون ذلك كالتهمة لتجويز أن يظهر ما يدل على براءته.
وأما قوله: "دون حد" فالذي قاله الصادق المصدوق: "لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله"، فإن هذه العبارة التي جاء بها المصنف من العبارة التي عبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فغاية ما يبلغ عليه التعزير هو عشرة أسواط وهي عشر حد الزنا وثمن حد القذف والشرب فكيف يستحل من المسلم أن يضرب مائة جلدة إلا واحدة أو ثمانين جلدة إلا واحدة مثلا وأي شرع دل على هذا أو قضى به نعم قضى بذلك شرع الوسوسة والخيال والعمل في أحكام الله على الرأي الذي هو شعبة من القيل والقال.
وأما قوله: "لكل معصية" إلى قوله وأخذ دون العشرة فهذا تمثيل صحيح ومن هذا القبيل المربي والخائن والغاصب والمتنع من تخلصه مما يجب عليه التخلص منه إلى ما لا يحصى من المعاصي.
وأما قوله: "في كل دون جد جنسه" فكان هذا يغنيه عن قوله: "دون حد" فيما تقدم.
قوله: "كالنرد".
أقول: قد ثبت في صحيح مسلم ["10/2260"، وغيره أبو داود "4939"، أحمد "5/352، 357، 361"، ابن ماجة "3763"]، من حديث بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من لعب بالنرد شير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه"، وأخر احمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم والدا رقطني والبيهقي بإسناد رجاله ثقات من حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من لعب بالنرد فقد عصى الله وسوله"، وأخرجه أيضا مالك في الموطأ وأخرج أيضا احمد حديثا آخر عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من لعب بالكعاب فقد عصى الله وسوله"، وفي إسناده علي بن زيد وهو ضعيف والكعاب المذكورة هنا هي فصوص النرد وأخرج أحمد أيضا عن عبد الرحمن الخطمي قال سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مثل الذي يلعب بالنرد ثم يقوم فيصلي مثل الذي يتوضأ بالقيح ودم الخنزير ثم يقوم فيصلي". قال في مجمع الزوائد: فيه موسى ابن عبد الرحمن الخطمي ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح.
فهذه الأحاديث تدل على تحريم اللعب بالنرد دلالة واضحة بينة.
قوله: "والشطرنج".
أقول: لم يرد في هذا بخصوصه ما يصلح للعمل عليه والاحتجاج به إثباتا أو نفيا ولعل سبب ذلك تأخر ظهور هذه الآلة عن البعثة النبوية ولكنه ورد ورودا متكاثرا عن جماعة من
الصحابة والتابعين أنها مندرجة تحت قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ} [المائدة: 90] ، الآية وقد ذكرت ذلك في تفسيري الذي سميته فتح القدير فليرجع إليه ولا شك أن الشطرنج من أعظم ما ينشأ عنه العداوة وإحراج الصدور والخصومات.
قوله: "والغناء".
أقول: الكلام على هذا يطول ويتشعب إلى فصول وذيول لا يتسع لها المقام وقد أوضحت الكلام واستوفيت المرام في شرحي للمنتقي فمن أراد الوقوف على حقيقة البحث والنظر في جميع الأحاديث الواردة تارة بما يقتضي التحريم وتارة بما يقتضي الكراهة وتارة بما يقتضي الإباحة فليرجع إلى ذلك ثم بعد أن حررت فيها ما حررته في ذلك الشرح أفردتها برسالة مستقله.
والحاصل أن الغناء إذا لم يكن من الحرام فهو من المشتبهات والمؤمنون وقافون عن الشبهات وأما استدلال المستدلين على الجواز بما كان يقع من مناشدة الأشعار في حضرته صلى الله عليه وسلم وفي مسجده فليس ذلك من الغناء في شيء وهكذا ما كان يقع في العرسات ونحوها من رفع الصوت بالشعر مع الضرب بالدفوف فإن ذلك غير هذا الغناء المذكور هنا ولو سلمنا أنه نوع منه لكان ذلك مخصوصا لما ورد من المخصصات للعرسات فلا نطيل الكلام في هذا المقام فإن الإحالة على ما أحلنا عليه فيها ارتفاع الإشكال وجلاء الريب ووضوح الصواب.
قوله: "والقمار".
أقول: يدل على تحريمه ما ثبت في الصحيحين [البخاري "11/536"، مسلم "5/1647"، وغيرهما أحمد "2/309"، الترمذي "1545"، ابن ماجة "2096"]، من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من حلف فقال في حلفه: باللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله ومن قال لصاحبه تعالى أقامرك فليتصدق"، فإن هذه الصدقة هي كفارة لذنب القمار فأفاد ذلك أنه حرام وقد ذكرنا في تفسيرنا عند الكلام على الميسر ما يدل على أن القمار داخل في مسماه وقد قال الله عزوجل:{إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [المائدة: 91] الآية.
قوله: "والإغراء بين الحيوان"،
أقول: إنما أجاز الله سبحانه لعباده صيد ما يصاد من الحيوانات والانتفاع بما ينتفع به من أهليها من أكل وغيره وجوز لهم قتل ما يقتل منها من الفواسق وما كان فيه إضرار بالعباد أو بأموالهم وأما الإغراء بينها فهو باب من أبواب اللعب والعبث وليس هو مما أباحه الله لأنه إيلام لحيوان بغير فائدة على غير الصفة التي أذن الله بها فهو حرام من هذه الحيثية وقد حرم الله العبث بالحيوان لغير فائدة كما أخرجه مسلم "1957"، وغيره أحمد "1/280، 285، 340، 345"، النسائي "7/238"، من حديث ابن عباس مرفوعا بلفظ:"لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا"، وهكذا حديث:"من قتل عصفورا عبثا عج إلى الله يوم القيامة يقول: يا رب إن فلانا قتلني عبثا ولم يقتلني منفعة"، [أحمد "2/166، 197، 4/389"، النسائي "7/239"] ، وهو حديث مروي من طرق قد صحح الأئمة بعضها،