الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما قوله: "وفي الملك التصرف والنسبة وعدم المنازع" فهذه الثلاثة الأمور وإن كانت صالحة للشهادة لكن لا على جهة الإطلاق بل يقيد ذلك بأنه لا بد من تصريح الشاهد بأنها مستنده للقطع بأن الشهادة على أن ذلك الملك ملك لفلان علم الشاهد بأنه ورثه من أبيه أو اشتراه من فلان أو وهبه له فلان أقوى من الشهادة المستندة إلى تلك الأسباب ولهذا قال المصنف ما لم يغلب في الظن كونه للغير.
قوله: "ويكفي الناسي فيما عرف جملته والتبس تفصيله الخط".
أقول: هذا صحيح إذا كان الخط مما يصلح للعمل به كأن يكون خطا للشاهد الذي لا يحتمل عنده زيادة ولا نقصان أو كان بخط من هو معروف الخط بحيث لا يقبل الشك ولا التشكيك فإن كان هكذا فلا بأس بالرجوع في التفاصيل إليه وإن لم يكن هكذا شهد بالجملة وترك التعرض للتفصيل فإن التعرض لذلك تعرض لما هو محل شك والشهادة لا تحل على مثل ذلك.
كتاب الوكالة
[فصل
لا تصح الاستنابة في إيجاب ويمين ولعان مطلقا وقربة بدنية إلا الحج لعذر ومحظور ومنه الظهار والطلاق البدعي ولا في إثبات حد وقصاص ولا استيفائهما إلا بحضرة الأصل وفي الشهادة إلا الإرعاء ولا في نحو الإحياء وما ليس للأصل توليه بنفسه في الحال غالبا] .
قوله: "فصل: لا يصح الاستنابة في إيجاب" الخ.
أقول: عللوا ذلك بأن القربة البدنية لا تصح إلا من المتقرب وهذه دعوة مجردة فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم: "من مات وعليه صوم صام عنه وليه"، وحديث الخثعمية حيث قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته؟ "، وحديث:"حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة"، وفي الباب واقعات مشعرة بأصل الجواز فلا يمتنع من ذلك إلا ما دل عليه دليل وهو أيضا الأصل الذي ينبغي الرجوع إليه عند عدم الدليل فإن من صح منه فعل شيء بنفسه جاز له أن يستنيب غيره إلا أن يرد ناقل ينقل عن هذا الأصل ثم المصنف ومن وافقه على المنع يقولون بجواز الاستنابة في تفريق الصدقة والزكاة مثلا وهذا التفريق هو نفس القربة لا مجرد إيقاع العزم عليه أو النذر به.
فالحاصل أن للناذر أن يستنيب من ينذر عنه وللواهب هبة لا عوض فيها أن يستنيب من يهب عنه وللمعتق أن يستنيب من يعتق عنه ونحو هذه الأمور فمن ادعى المنع من شيء من هذه الأمور فعليه الناقل عن الأصل ومما يدل على هذا الجواز دلالة واضحة بعث من ينوب في الجهاد وتجهيز من يجاهد ونحو ذلك وقد قدمنا في مواضع التنبيه على هذا.
وأما قوله: "ويمين" فالوجه ظاهر لأن الاستنابة في ذلك لا تتيسر بوجه ولا يجري في مثلها حكم وهكذا قوله ولعان لأنه نوع من الأيمان.
وأما قوله: "وقربة بدنية إلا الحج لعذر" فمبني على أن الأصل عدم جواز الاستنابة فيها وقد عرفت ما فيه.
وأما قوله: "ومحظور" فوجهه أنه لا يحل للموكل أن يفعل ذلك بنفسه فكيف يحل له أن يوكل غيره.
وأما إيقاع الظهار والطلاق فليس للمنع وجه وإن كان الظهار منكرا من القول وزورا والطلاق البدعي منهيا عنه لكنه يلزمه حكمه إذا فعله بنفسه فكذلك يلزمه حكمه إذا وكل من ينوب عنه فيه وهكذا لا مانع من التوكيل في إثبات الحد والقصاص ولا من التوكيل لاستيفائها سواء حضر الأصل أو غاب وكيف لا يصح هذا وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث من يقتل المؤذين له من رؤساء الكفر في غير واقعة [البخاري "4037"، مسلم "1801"ي، وذلك استيفاء حد قد وجب عليهم وحلت به دماؤهم لأنهم كانوا من اليهود وهكذا بعث عليا يقتل الذي كان يدخ ل على أمهات المؤمنين فوجده مجبوبا وكذلك بعث أنيسا فقال: "واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها"، [البخاري "5/301، 12/136، 13/185، 13/249"، مسلم "24/1697، 1698"، أبو داود "4445"، النسائي "8/240، 241"، الترمذي "1433"، ابن ماجة "2549"، أحمد "4/115، 116"] .
وأما المنع من الاستنابة في تأدية الشهادة إلا على طريقة الإرعاء فقد تقدم بيان الكلام فيه ولا وجه لمنع الاستنابة في الإحياء للفرق بين أن يباشر الشيء قاصدا تملكه وبين أن يباشره قاصدا أن يتملكه غيره.
وأما قوله: "وفيما ليس للأصل توليه بنفسه" فصحيح ووجهه ظاهر لأن الاستنابة متفرعة عن ثبوت تولي الأصل لذلك الشيء وإذا كان ممنوعا منه فمنع التوكيل منه ثابت بفحوى الخطاب إلا ما احترز عنه من توكيل المرأة من يزوجها فإنه قد ورد الشرع بذلك كما تقدم.
[فصل
وتصح فيما عدا ذلك من كل أحد لكل مميز إلا امرأة ومحرما ومسلما أصله ذمي
في نكاح وكافرا أصله مسلم فيه أو في مضاربة وتصح معلقة ومشروطة ومؤقتة وبلفظها أو بلفظ الأمر أو الوصية في الحياة وتبطل بالرد ولا يعتبر القبول باللفظ] .
قوله: "فصل: وتصح من كل أحد" الخ.
أقول: كان يغني عن هذا التكثير أن يقول المصنف يصح من كل من يجوز له تولي الشيء لمن يجوز له توليه ومع كون هذا الاختصار يغني عن هذا التطويل فهو يغني أيضا عما تقدم من قوله ومحظور ومن قوله وفيما ليس للأصل توليه بنفسه.
وأما قوله: "وتصح معلقة" فوجه ذلك عدم وجود مانع وهكذا قوله ومشروطة ومؤقتة.
وأما قوله: "وبلفظها أو بلفظ الأمر أو الوصية في الحياة" فوجهه ظاهر بل ويصح بغير ذلك مما يفيد الاستنابة كائنا ما كان ولو بإشارة من قادر على النطق.
وأما كونها تبطل بالرد فلكون الوكيل لا يجب عليه الدخول في ذلك فله عزل نفسه متى شاء وإذا انعزل فلا يعود وكيلا إلا بتراض آخر وهو معنى التجديد ولهذا لا يعتبر القبول باللفظ.
[فصل
ويملك بها الوكيل القابض جائز التصرف إن لم يضف كل حق في عقد البيع والإجارة والصلح بالمال فلا يتولاها الأصل إلا بإذنه وكذلك الوصي والولي غالبا لا ذو الولاية إلا لأجلها] .
قوله: "فصل: ويملك بها الوكيل" الخ.
أقول: قد عرفناك غير مرة أن الاعتبار بالمقاصد لا بالألفاظ فإنها ليست إلا لإفادة المعنى المراد فإذا كان البائع أو المشتري وكيلا لغيره قاصدا أنه للموكل فسواء وقعت منه الإضافة لفظا أو لم تقع لأنه قائم مقام غيره لا مقام نفسه وحينئذ فلا يتعلق به شيء من الحقوق ولا يتولى شيئا منها إلا ما كان داخلا في مطلق الإذن بتولي ذلك الشيء ولا فرق بين تصرف وتصرف وعقد وعقد وليس في هذا التعلق رواية ولا دراية وأما الوصي فقد لزمه مع كونه نائبا عن ميت أن يقوم لما تضمنته الوصاية وبما يتعلق بها حتى يخلص ماله وعليه وهكذا الولي لكونه نائبا عمن لا يصح تصرفه لنفسه وأما ذو الولاية فعليه أن يفعل ما يتعلق بولايته ولا يجاوزه إلى غيره ولا يلزمه سواه واعلم أن ذكر الوصي والولي وذي الولاية هاهنا خارج عن مباحث الوكالات.
[فصل
وينقلب فضوليا بمخالفته المعتاد في الإطلاق وما عين مما يتعين عقدا أو قدرا أو أجلا أو جنسا أو نوعا أو غرضا إلا زيادة من جنس ثمن عين للمبيع أو رخص أو استنقاد إلا أن يأمره بنسيئة مفسدة وله الحط قبل القبض فيعزم ولو اشترى من يعتق عليه أو على الأصل المطلق عتق وفي الضمان تردد وما لزمه أو تلف في يده فعلى الأصل إلا ثمنا قبضه منه بعدما اشترى ولا يضمن إن جحد المشتري البيع والمبيع] .
قوله: "فصل: وينقلب فضوليا بمخالفة المعتاد" الخ.
أقول: هذا صحيح لأن الوكيل لم يفعل ما قصده الموكل فإن المعتاد في عرفهما هو المقصود في الوكالة مع الإطلاق فالمصير إلى غيره مخالفة ظاهرة لا يلزم وكيلا ولا موكلا أما الوكيل فظاهر لأنه لم يقصد التصرف لنفسه وأما الموكل فلكونه لم يرد ما فعله الوكيل.
وأما مخالفته لما عينه الموكل من هذه الأمور فالأمر فيه أوضح إلا أن يخالف عادلا إلى شيء فيه مصلحة خالصة لا يتعلق بما يخالفها غرض للموكل كما قال المصنف: "إلا زيادة من جنس ثمن عين للمبيع" فإنه ها هنا قد فعل ما أمر به وزاد خيرا وهكذا قوله: "أو رخص" وقد فعل ذلك من أمره النبي صلى الله عليه وسلم بأن يشتري له أضحية بدينار فاشترى كبشين بدينار وباع أحدهما بدينار ورجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالدينار والكبش وهو عروة البارقي فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تقدم هذا الحديث وهكذا الاستنقاد إلا أن يتعلق للموكل غرض بالنسيئة كما ذكر المصنف فعلى الوكيل مطابقة غرضه لأنه متصرف عنه وليس للوكيل حط ولا إبراء ولا هو مأذون بذلك ففعله كا لعدم وهكذا لا يصلح منه شراء من يعتق على الموكل لأنه مأمور بما فيه نفع لا بما فيه ضرر على الموكل وأما شراء الوكيل من يعتق نفسه فهو لا يعتق عليه لأن الشراء لغيره والملك ملك غيره فالعجب من الجزم بأنه يعتق والذي أوقعهم في هذا أنهم قالوا إنه يدخل في ملك الوكيل لحظة مختطفة وهذه دعوى ليس عليها أثارة من علم وقد أوقعهم ذلك فيما تقدم من قولهم إنها تتعلق به الحقوق حتى فرعوا على ذلك ما يضحك منه وهو قولهم فلا يتولاه الأصل إلا بإذنه فسبحان الله وبحمده ما يفعل الرأي بأهله بل ما تفعله المجازفة بمن لم يتورع عنها.
[فصل
ولا يصح تصرفه قبل العلم عكس الوصي والمباح له ولا فيما رد عليه ولو بحكم ولا يلزم الأصل زيادة المشتري والقول للأصل في نفيها وفي القدر وإذا نوى الوكيل
لنفسه في مشترى ونحوه عينه الأصل فللأصل ما لم يخالفه الفرع لا المنكوح ونحوه ويشتري ما يليق بالأصل من عين له الجنس إن عين له النوع أو الثمن وإلا لم تصح ولا تكرار إلا بكلما م ومتى ويدخلها التحبيس والدور واقبض كل دين وغلة تتناول المستقبل عكس العتق والطلاق ويصدق في القبض والضياع] .
قوله: "فصل: ولا يصح تصرفه قبل العلم".
أقول: كان الأولى على مقتضى ما يقرره المصنف في سائر المسائل من اعتبار الانتهاء أن يصح تصرف الوكيل قبل العلم وأما ما قيل إنه يصح تصرفه فضوليا ويلحق الإجازة فهذا لا يرد على المصنف لأن مراده أنه لا يصح تصرفه قبل العلم بالوكالة تصرف الوكلاء وأما كونه تصرف فضولي وتلحقه الإجازة فهو بحث آخر وكان ينبغي للمصنف أن لا يفرق بين الوكيل والوصي والمباح له لأنه لا وجه لاعتبار الانتهاء في البعض دون البعض فإن الوصي متصرف بالنيابة عن الميت والوكيل متصرف بالنيابة عن الحي واختلاف اللوازم في بعض الحالات لا يدل على اختلاف الملزومات من كل وجه حتى يكون للوصي ولاية دون الوكيل.
وأما كونه لا يصح تصرفه فيما رد عليه فوجهه أنه لا يوكل إلا لمجرد التصرف وقد فعل وانعزل بفعله ما وليه فالتصرف فيما رد عليه يحتاج إلى إذن آخر.
قوله: "ولا يلزم الأصل زيادة المشترى".
أقول: إن كان المشترى من الجنس الذي عينه الموكل للوكيل فقد حصل غرض الموكل بالقدر الذي عينه وإن كان في الزيادة مصلحة له لكنه قد يكون ثمنها أحب إليه من الزيادة على المعين فيأخذ ما عينه بقدر قيمته من الثمن المدفوع إلى الوكيل ويسترد الزيادة.
وأما كون القول قول الموكل في نفي الوكالة فوجهه أن الأصل عدمها فالقول قول نافيها وهكذا يكون القول قوله في قدر ما وكله بشرائه وفي قدر ثمنه لأن نافي الزيادة منكر للإذن بها والأصل عدمها وعدم الإذن بها.
قوله: "وإذا نوى الوكيل لنفسه فيما عينه الأصل فللأصل".
أقول: هذا مبني على أن تعيين الأصل يقتضي أنه أحق به وليس ذلك بصحيح لأنه ليس بسبب من أسباب الملك ولا من أسباب كونه أحق به فإذا حصل التراضي بين البائع والوكيل بالبيع إلى الوكيل كان للوكيل ولا يلزم الوكيل امتثال أمر الموكل كما لا يلزم البائع أن يبيع من الموكل ففي جعل تعيين الأصل بهذه المنزلة التي ذكرها المصنف تسامح ولا فرق في هذا بين المنكوح وغيره ولا مستند للفرق إلا خواطر أوهام هي أضغاث أحلام.
قوله: "ويشتري ما يليق بالأصل من عين له الجنس".
أقول: إذا كان الوكيل عالما بما يليق اشترى له ما يليق به في الوكالة المطلقة وليس ذلك بلازم للموكل إلا إذا وجده موافقا لغرضه وأما اشتراط تعيين النوع أو الثمن وإلا لم
تصح الوكالة فليس لذلك وجه مع أنه تقدم للمصنف أنه يصح التبايع فيما علم جنسا ونصيبا
والحاصل أن هذا الاشتراط هو من الخيال الذي قدمنا لك وما المانع من أن يوكله بأن يشتري له شاة من دون تعيين نوعها ولا ثمنها فإن جاء بها موافقة لغرض الأصل فذاك وإلا كانت ردا على صاحبها.
وأما قوله: "ولا تكرار إلا بكلما" إلخ فقد قدمنا لك الكلام على هذا في الطلاق المشروط فارجع إليه وهكذا قدمنا الكلام في التحبيس والدور فلا نعيده لأن المتقضى والمانع في الموضعين لا يختلفان.
وأما قوله: "واقبض كل دين وغلة يتناول المستقبل" فالظاهر أنه يتناول كل ما لم يقبضه الموكل من الديون والغلات عملا بما يفيده هذا العموم ومن ادعى التخصيص ببعض ما يفيده فعليه التخصيص بمخصص يحتمله كلام المتكلم وذلك كالعتق والطلاق فإن الظاهر أن الموكل لا يريد باللفظ العام إلا من يصح عتقه وطلاقه في الحال فإن كان ثم عرف للموكل يقتضي ما هو أوسع من ذلك كان العمل عليه وقد يقال إنه إنما لم يتناول العتق والطلاق لمن لم يكن من مماليك الموكل ولا من زوجاته في حال الوكالة لأنه لا يصح من الأصل أن يعتق من لم يكن في ملكه ولا يطلق من لم تكن قد دخلت في نكاحه وإذا لم يصح ذلك من الأصل لم يصح من الوكيل كما تقدم أنه لا يصح التوكيل فيما ليس للأصل توليه بنفسه.
[فصل
ويصح أن يتولى طرفي ما لا يتعلق به حقوقه مضيفا وإلا لزمه أو بطل والخصومة وإن كره الخصم أو لم يحضر الأصل وله تعديل بينة الخصم والإقرار مطلقا والقبض فيما تولى إثباته والنكول فيه كالإقرار لا الصلح والتوكيل والإبراء وتعدي الحفظ من وكيل المال إلا مفوضا في الجميع ولا ينفرد أحد الموكلين معا إلا فيما خشي قوته إن لم يشترط الإجتماع] .
قوله: "فصل: ويصح أن يتولى طرفي ما لا يتعلق به حقوقه".
أقول: قد قدمنا لك أن تعلق الحقوق بالوكيل لم يرد ما يقتضيه من رواية ولا دراية وحينئذ يصح من الوكيل أن يتولى الطرفين في كل شيء فإن كان قاصدا بذلك أنه لمن وكله كان له وإن كان قاصدا بذلك أنه لنفسه كان لنفسه ولا مانع يمنع من هذا لا من شرع ولا عقل كما قدمنا.
وأما قوله: "والخصومة وإن كره الخصم أو لم يحضر الأصل" فليس للتنصيص على مثل هذا إلا توسيع الدائرة وتطويل المسافة فإن هذا معلوم ولم يقل أحد أنه يشترط أن يكون الخصم راضيا بالوكيل ولا قال أحد إن خصومة الوكيل لا تصح إلا مع حضور الموكل فأي
فائدة لذكر مثل هذه الأمور وما أظنه يصح عن أبي حنيفة ما روي عنه من الاشتراط فإن رأيه الذي يبني عليه كثيرا من مسائله هو أرفع قدرا من هذا.
وأما كونه يصح من الوكيل تعديل بينة الخصم فظاهر لعدم المانع وأما كونه يصح منه الإقرار على الموكل فخطل من القول وزائف من الرأي فإنه إنما وكل بالخصومة والمدافعة لا بالإقرار على موكله ما لم يأذن له الموكل بذلك لا كما قالوا إنه يصح منه الإقرار ما لم يحجر وأعجب من هذا تنزيل المصنف للمنكول منه منزلة الإقرار فيالله العجب من إهدار أموال العباد بما لا تستحل به من الأسباب.
وأما كون إليه القبض فيما تولى إثباته فالقبض أمر زائد على ما وكل به وهو الإثبات فلا يدخل تحته إلا لعرف أو لقرينة تفيد ذلك والعجب من المصنف حيث يصرح بمنع الوكيل من الصلح والتوكيل مع تجويزه لإقراره والحال أن الصلح فيه معارضة والتوكيل ليس فيه تفويت ملك الموكل كما يحصل تفويته بالإقرار من غير عوض وهل هذا إلا شبيه بالتشهي وتحرير مسائل الفقه كيفما اتفق وعلى ما يقود إليه الذهن ويجري به القلم.
نعم لا يصح من الوكيل صلح ولا توكيل ولا إبراء لأنه لم يؤمر بذلك إلا إذا كان مفوضا تفويضا يشمل هذه الأمور شمولا ظاهرا لأن بعضها فيه إضرار بالموكل محض وهو الإبراء وبعضها فيه إضرار بالموكل دون إضراره بالإبراء وهو الصلح وبعضها مظنة لعدم صدور الخصومة على ما لا يريده الموكل وهو توكيل الوكيل ولكن الشأن في تصحيح الإقرار من الوكيل من غير شرط والظاهر أن تفويض الموكل ينصرف إلى ما فيه نفع له محض ومصلحة خالصة ولا ينصرف إلى غير ذلك ومثل هذا هو الذي يريده كل عاقل لما يفعله من التفويض.
وأما قوله: "ولا ينفرد أحد الموكلين" إلخ فإن كان مقصد الموكل الاجتماع بقرينة حال أو مقال كان تصرف أحدهما منفردا غير صحيح ولو فيما يخشى فوته إلا أن يعرف أنه يأذن بالانفراد في مثل ذلك وإن لم يكن له مقصد بالاجتماع كان لكل واحد منهما أن يتصرف فيما أطلقه لهما أو عينه فإن اختلفا لم ينفذ تصرف أحدهما حتى يتفقا أو بأذن الموكل بما فعله أحدهما.
[فصل
ولا انعزال لوكيل مدافعة طلبه الخصم أو نصب بحضرته أولا وقد خاصم إلا في وجه الخصم وفي غير ذلك يعزل ولو في الغيبة ويعزل نفسه في وجه الأصل كفي كل عقد جائز من كلا الطرفين أو من أحدهما وينعزل أيضا بموت الأصل وتصرفه غير الاستعمال ونحوه وبردته مع اللحوق إلا في حق قد تعلق به ويكفي خبر الواحد وبفعله ما وليه ويلغو ما فعل بعد العزل والعلم به مطلقا وقبل العلم إلا فيما يتعلق به حقوقه أو
أعاره أو أباحه أو ما في حكمهما قيل وتعود بعود عقله وتصح بالأجرة ولوكيل الخصومة ونحوها حصة ما فعل في الفاسدة ومن المقصود في الصحيحة] .
قوله: "فصل: ولا انعزال لوكيل مدافعة" الخ.
أقول: لا تأثير لطلب الخصم ولا لنصبه في حضرته ولا لوقوع مجرد الخصومة في المنع من العزل إلا في وجه الخصم وليس على هذا أثارة من علم بل لا يصلح هذا التفريع على مجرد رأي بعقل واجتهاد يقبل وما ذكره من تعليل هذا الكلام من أن عزله يضر بالخصم ويؤدي إلى ألا تستقر خصومة فتعليل عليل وكلام قليل التحصيل فله أن يعزله متى شاء سواء كان قد خاصم أو لم يخاصم وسواء طلبه الخصم أو لم يطلبه وسواء نصب في حضرته أو في غيبته سبحان الله وبحمده ما لنا ولطلب الخصم وللنصب بحضرته وأي جدوى لتكليف عباد الله بهذه الخزعبلات.
وهكذا ما ذكره من أن الوكيل لا يعزل نفسه إلا في وجه الأصل ليس له وجه بل يعزل نفسه متى شاء ويكفي توقفه عن المخاصمة باعثا للموكل على نصب وكيل آخر أو تولي الخصومة بنفسه وهذا الاستطراد بقوله كفي كل عقد إلخ مع كونه أجنبيا عن المقام لا يتعلق به كثير فائدة.
قوله: "وينعزل بموت الأصل".
أقول: هذا صحيح لأن الموكل إنما جعله نائبا عنه في حياته لا بعد موته وهكذا قوله وتصرفه لأنه قد تولاه الأصل بنفسه فلم يبق للفرع معه حكم وهكذا تبطل الوكالة برده الموكل لأنه قد صار مباح الدم والمال فكيف يخاصم الوكيل عمن قد صار كذلك.
وأما قوله: "إلا في حق تعلق به" فقد قدمنا عدم تعلق الحقوق بالوكيل على كل حال وأما قوله: "ويكفي خبر الواحد" فالأمر في مثل هذا ظاهر فقد كفى خبر الواحد في التكاليف التي تعم بها البلوى فكيف لا يكفي في عزل وكيل عن الخصومة.
وأما قوله: "وبفعله ما وليه" فوجهه أنه قد فرغ مما أمر به وليس للتنصيص على مثل هذا فائدة فإن الوكالة هي خاصة بهذا الأمر الذي قد فعله فلا يحتاج إلى بيان أنه قد انعزل بفعله وأما كونه يلغو ما فعله الوكيل بعد العزل فظاهر سواء علم به أو لم يعلم لأن الاعتبار بالانتهاء ولا وجه لما استثناه من قوله: "إلا فيما يتعلق به حقوقه" لما قدمنا وهكذا لا وجه لاستثنائه بقوله أو أعاره أو أباحه أو ما في حكمهما لأنه بالعزل قد بطل ما عمله وإذا كان قد استهلك المباح له ما وقعت فيه الإباحة واستعمل ما وقعت فيه الإعارة فلا ضمان عليهما لأنهما مغروران من جهة الوكيل ولا ضمان على الوكيل لأنه مغرور من جهة الموكل لكونه باقيا على استصحاب الوكالة وعدم ارتفاعها.
وأما قوله: "قيل: وتعود بعود عقله" فلا وجه له لأن الشيء إذا ارتفع لم يعد إلا بتجديد وأما كون الوكالة تصح بالأجرة فظاهر لأنها ليست من القرب التي يقال فيها ما قيل في