الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على يد جماعة ويكون ولاء العتاق على قدر الحصص وولاء الموالاة على الرؤوس لأن لكل واحد منهم حقا يساوي حق الآخر.
وأما قوله: "ومن مات فنصيبه" الخ فالظاهر استؤ ولاء العتاق وولاء الموالاة في أن نصيب كل واحد منهم لورثته لا لشريكه كما تقتضيه أدلة الميراث على العموم ولا وجه للفرق بين الولائين إلا مجرد الرجوع إلى رأي وقد قدمنا الكلام على قوله: "ولا يورّث".
كتاب الأيمان
مدخل
…
كتاب الإيمان
[فصل
إنما يوجب الكفارة الحلف من مكلف مختار مسلم غير أخرس بالله أو بصفة لذاته أو لفعله لا يكون على ضدها كالعهد والأمانة والذمة أو بالتحريم مصرحا بذلك قصد إيقاع اللفظ ولو أعجميا أو كانيا قصده والمعنى بالكتابة أو أخلف أو أعزم أو أقسم أو أشهد أو علي يمين أو أكبر الأيمان غير مريد للطلاق على أمر مستقبل ممكن ثم حنث بالمخالفة ولو ناسيا أو مكرها له فعل ولم يرتد بينهما وتنعقد على الغير في الأصح ولا يأثم بمجرد الحنث]
قوله: "فصل: إنما يوجب الكفارة الحلف من مكلف".
أقول: وجه اشتراط التكليف أن الصبي والمجنون غير مخاطبين بالأحكام الشرعية وهذا منها وقد دل الدليل على ذلك كما أوضحنا غير مرة وهكذا اشتراط الاختيار لأن المكره مرفوع عنه الخطاب بحكم الشرع وهو أيضا مع الإكراه غير معقد لليمين وقد قال تعالى: {بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: 89]، وقد رفع الله سبحانه الخطاب على من تكلم بكلمة الكفر مكرها قال:{إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ} [النحل: 106] ، وأيضا خطاب لمكره بيمينه االتي أكره عليها هو من تكليف ما لا يطيقه العبد وقد رفعه الله عن عباده كما في الكتاب العزيز وفي السنة الصحيحة.
وأما اشتراط أن يكون مسلما فلكون الكافر غير داخل في الخطابات الواردة في ذلك بتكفير الأيمان وحفظها وإن كان آثما بالحلف الباطل فإن ذلك الإثم هو باعتبار العقاب في الدار الآخرة.
وأما اشتراط أن يكون غير أخرس فوجهه أن لا يمكن منه الحلف فلا يثبت عليه حكمه.
قوله: "بالله أو بصفة لذاته أو لفعله".
أقول: أما الحلف بالله فهو الثابت في الشرع ثبوتا لا شك فيه ولا شبهة حتى ثبت في الصحيحين [البخاري "6646"، مسلم "1646"] ، وغيرهما [أبو داود "3249"، الترمذي "1534"، النسائي "7/5"، أحمد "2/11، 17، 142"، ابن ماجة "2094"]، من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت"، وهكذا ثبت في رواية هذا الحديث عند مسلم "4/1646"، وغيره النسائي "3764"، بلفظ:"من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله"، وفي هذا المعنى أحاديث.
وأما الحلف بالصفات فقد ثبت أنه كان أكثر حلفه صلى الله عليه وسلم أن يقول: "لا ومقلب القلوب"، [البخاري "6646"، مسلم "1646"، الترمذي "1540"، النسائي "7/2"، وثبت عنه أنه كان كثيرا ما يحلف فيقول والذي نفسي بيده وهكذا ثبت في الصحيحين وغيرهما عنه صلى الله عليه وسلم فقال: "وأيم الذي نفس محمد بيده"، وثبت أيضا فيهما وغيرهما أنه قال في زيد بن حارثة: "وأيم الله إن كان لخليقا للإمارة"، وثبت أيضا فيهما [البخاري "11/521"، مسلم "2426"] ، وغيرهما [الترمذي "1430" أبو داود "4373"، النسائي "8/73، 74"، أحمد 6/162"، ابن ماجة "2547"]، أنه قال:"وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها"، وثبت في الكتاب العزيز الأمر منه سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم بأن يحلف بالرب عزوجل فقال:{قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} [يوونس: 53]، {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن: 4] ، {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سيأ: 3] .
والحاصل أن ما ورد في الإذن بالأقسام به في الكتاب والسنة فهو القسم الذي تلزم فيه الكفارة وتثبت له أحكام اليمين وقد ألحقوا بذلك سائر صفات الذات والفعل التي لا يكون الله سبحانه على ضدها.
وأما قوله: "كالعهد والأمانة والذمة" فهذه لا بد من ورود الإذن بها ولا سيما ورد النهي من بعضها كما في حديث بريدة عند أبي داود "3253"، بإسناد رجاله ثقات قال قال الله صلى الله عليه وأله وسلم:"ليس منا من حلف بالأمانة"، وأخرج الطبراني في الأوسط بإسناد رجاله ثقات من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يحلف بالأمانة فقال:"ألست الذي تحلف بالأمانة؟ "، قال في النهاية يشبه أن تكون الكراهة فيه لأجل أنه أمر أن يحلف بأسماء الله وصفاته والأمانه أمر من أموره فنهوا عنها من أجل التسوية بينها وبين أسماء الله كما نهوا أن يحلفوا بآبائهم انتهى ولا يخفاك أن العهد والذمة مشاركان للأمانه في هذه العلة.
قوله: "أو بالتحريم".
أقول: لم يأذن الله لعباده بهذا الحلف وعاتب عليه رسوله صلى الله عليه وسلم فقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ
مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} [التحريم: 1] . ولا يدل قوله سبحانه: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] ، على أن الحلف كان بالتحريم لاحتمال الآية فإن الحالف بالله أن لا يفعل الشيء يصدق عليه أنه قد حرمه على نفسه والروايات من الأحاديث الحاكية لهذه القصة التي سبب نزول هذه الآية مختلفة.
والحاصل أن التحريم والتحليل هو إلى الله عزوجل لا إلى العبد فكل تحريم لما أحله الله يوجبه العبد على نفسه لا حكم له ولا اعتبار به ولا يصير به الحلال حراما ولا يكون يمينا لما قدمنا من الاحتمال وعلى كل تقدير فلا يجوز لأحد من العباد أن يفعل شيئا عاتب الله عليه ورسوله فإن فعل كان ذلك لغوا لا اعتداد به.
قوله: "مصرحا بذلك".
أقول: الاعتبار بما يصدق عليه أنه يمين شرعية على الصفة المتقدمة فما كان من الألفاظ لا يحتمل غير اليمين فهو يمين فإن أراد خلافه أو سبقه لسانه لا يلزمه اليمين من غير فرق بين الصريح والكناي. ة
والحاصل أن الاعتبار بالقصد في كل لفظ فلا يتم قوله قصد إيقاع اللفظ لأنه لا اعتبار بمجرد قصد إيقاع اللفظ بل الأعمال بالنيات وقد تقدم الكلام على هذا في الطلاق وفي كثير من الأبواب.
قوله: "أو حلف أو أعزم أو أقسم".
أقول: أما لفظ أحلف أو أقسم فهو لا يراد بهما إلا اليمين وإن لم يحلف بالمقسم به فيكونا مع قصد الحلف يمينا وقد أخرج أحمد "6/114"، بإسناد رجاله رجال الصحيح من حديث عائشة أن امرأة أهدت إليها تمرا في طبق فأكلت بعضه وبقي بعضه فقالت أقسمت عليك إلا أكلت بقيته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أبريها فإن الإثم على المحنث"، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم قولها هذا يمينا وأمرها أن تبرها وأخرج أيضا أحمد وابن ماجه من حديث عبد الرحمن بن صفوان وكان صديقا للعباس أنه لما كان يوم الفتح جاء بأبيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله بايعه على الهجرة، فأبى وقال:"إنه لا هجرة" فانطلق إلى العباس فقام العباس معه فقال يا رسول الله قد عرفت ما بيني وبين فلان وأتاك بأبيه لتبايعه على الهجرة فأبيت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا هجرة"، فقال العباس: أقسمت عليك لتبايعنه فبسط رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فقال: "هات أبررت عمي ولا هجرة". وثبت في الصحيحين [البخاري "7046"، مسلم "2269"] ، وغيرهما [أبو داود "3268"، الترمذي "2494"، ابن ماجة "3918"، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر:"لا تقسم"، لما قال له لتحدثني بالذي أخطأت فسمى صريح اليمين قسما.
وأما قوله: "أو أعزم" فليس في هذا ما يفيد اليمين ولكنه كان كثير الوقوع من السلف لا سيما الأكابر منهم كانوا يقولون فيما يريدون وقوعه من غيرهم أو عدم وقوعه عزمت
عليك لتفعلن كذا أو عزمت عليك لتتركن كذا وكانوا يرون أن ذلك قسما ويسارعون إلى الامتثال.
وأما قوله: "أو أشهد" فقد سمى الله سبحانه الأيمان شهادة في آية اللعان.
وأما قوله: "علي يمين أو أكبر الأيمان" فظاهر أنه أراد بهذا اليمين.
قوله: "على أمر مستقبل ممكن".
أقول: وجهه أنه لا يتحقق الحنث الموجب للكفارة إلا في الأمور المستقبلة لأن الحلف على الأمر الماضي إن كان الحالف عالما بأنه على خلاف ما حلف عليه فهي اليمين الغموس وإن كان غير عالم فهو اليمين اللغو وسيأتي أنه لا كفارة فيهما.
وأما قوله: "ولو ناسيا أو مكرها" فالظاهر أنهما لا حنث عليهما ولا تلزمهما الكفارة لرفع خطاب الشرع عنهما كما في حديث: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"، وقد تقدم الكلام على هذا الحديث وظاهر الرفع يعم الأمور الدنيوية والأمور الأخروية إلا ما خصه الدليل وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه لما حكى عن القائلين:{رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} إلى آخر الآيات قال: "قد فعلت" فقد ثبت بهذا الدليل الصحيح رفع الخطأ والنسيان وعدم المؤاخذة بهما وكذلك ثبت به عدم المؤاخذة بما هو خارج عن طاقة العبد فتكليف المكره هو تكليف بما لا طاقة له به.
وأما قوله: "ولم يرتد بينهما" فوجهه أن الإسلام يجب ما قبله كما ثبت ذلك بالدليل الصحيح.
قوله: "وتنعقد على الغير على الأصح".
أقول: هذا الإنعقاد يخالف ما تقدم له في قوله ممكن فإن المراد الإمكان للحالف وهو لا يتمكن من فعل غيره وقد عرفناك أن الخطاب بما لا يمكن هو من المؤاخذة للعبد بما لا طاقة له به وقد رفع الله سبحانه ذلك عن عباده.
قوله: "ولا يأثم بمجرد الحنث".
أقول: ينبغي أن يقال الحنث يختلف باختلاف المحلوف عليه فإن حلف على أن يفعل ما لا يجوز فعله كان الحنث واجبا عليه وإن حلف على شيء غيره خير منه كان الحنث مندوبا كما في الأحاديث الثابتة في الصحيحين [البخاري "6622"، مسلم "19/1652"] ، وغيرهما [أحمد "5/62ـ 63"، أبو داود "3278"، النسائي "7/10"]، من طرق جماعة من الصحابة:"من حلف على شيء فرأى غيره خيرا منه فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه"، بل ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"والله لا أحلف على شيء فأرى خيرا منه إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني".
ولا يبعد أن يكون الحنث من هذه الصورة واجبا لقوله: "فليأت الذي هو خير" وإن كان المحلوف على فعله مباحا فترك الحنث أفضل لأن الله سبحانه قد أمر بحفظ الأيمان ومعنى
حفظها هو عدم المخالفة لما يقتضيه وإن كان المحلوف على عدم فعله مما يجب فعله كان الحنث واجبا وإن كان مما يجب تركه كان الحنث حراما.
وبهذا تعرف أن الحنث في بعض الصور يوجب الإثم على الحانث وفي بعضها يوجب الثواب للحانث فهذه الكلية التي جاء بها المصنف غير مسلمة.
[فصل
ولا تلزم في اللغو وهي ما ظن صدقها فانكشف خلافه والغموس وهي ما لم يعلم أو يظن صدقها ولا بالمركبة ولا بالحلف بغير الله ولا الإثم ما لم يسو في التعظيم أو تضمن كفرا أو فسقا.
قوله: "فصل: ولا يلزم من اللغو وهي ما ظن صدقها فانكشف خلافه".
أقول: قد اختلف أهل العلم في تفسير اللغو على ثمانية أقوال ولا يخفى أن الواجب الرجوع إلى معنى اللغو لغة إذا لم يثبت له معنى في الشرع يخالف معناه اللغوي فإن ثبت فالرجوع إلى المعنى الشرعي مقدم على المعنى اللغوي كما تقرر في الأصول.
واللغو في اللغة الباطل ولكنه ثبت عن عائشة أن البخاري "4613"، وغيره أنها قالت نزلت هذه الآية:{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 225، المائدة: 89] ، في قول الرجل لا والله وبلى والله والصحابة أعرف بمعاني القرآن فالرجوع إلى أقوالهم هو الواجب وقد روي عنها وعن جماعة من الصحابة تفاسير مختلفة لمعنى اللغو ولكنهم لم يذكروا أن ما قالوه هو ما نزل به القرآن مع عدم ثبوت ذلك من وجه تقوم به الحجة على أنه قد روى أبو داود "3254"، قول عائشة هذا مرفوعا بلفظ قالت عائشة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"هو كلام الرجل في بيته كلا والله وبلى والله"، وهكذا أخرجه مرفوعا ابن حبان والبيهقي وصحح الدارقطني الوقف وقد روي عن ابن عباس وابن عمر وابن عمرو مثل قول عائشة.
وقد أوضحنا الكلام في هذه المسألة في شرح المنتقى وفي التفسير فليرجع إلى ذلك.
قوله: "والغموس وهي ما لم يعلم أو يظن صدقها".
أقول: هذه اليمين هي التي ورد الوعيد الشديد عليها وثبت في صحيح البخاري "11/555"، 12/191، 12/264"، وغيره أحمد "6/359، 360"، الترمذي "3021" من حديث ابن عمرو قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما الكبائر فذكر الحديث وفيه اليمين الغموس وفيه قلت وما اليمين الغموس قال: "التي يقتطع بها مال أمريء مسلم فهو فيها كاذب".
وأخرج أحمد "2/362"، وأبو الشيخ من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"خمس ليس لهن كفارة"، وذكر منها اليمين التي يقتطع بها مالا بغير حق فصرح النبي صلى الله عليه وسلم بأن اليمين الغموس هي "التي يقتطع بها مال امريء مسلم هو فيها كاذب" وسماها غموسا فلم يبق بحاجة إلى البحث عن معنى الغموس لغة فإن هذا معنى شرعي قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم صرح فيه بلفظ الغموس وبين معناها ثم ذكرأنه ليس لها كفارة فأفاد بذلك عدم لزوم كفارة الحنث فيها فصح كلام المصنف بالدليل ولا يرد عليه شيء من التشكيكات التي هي دأب من لم يكن من المؤثرين للدليل على القال والقيل.
قوله: "ولا بالمركبة".
أقول: اليمين لغة وشرعا لا يصدق على مثل هذه المركبة فإنه ليس فيها لفظ القسم بالله أو بصفة لذاته فلا يصدق عليها أنها يمين حتى يحتاج إلى إخراجها عن اليمين التي تجب فيها الكفارة ولا مدخل لها في مباحث اليمين فإن وجد فيها ما يفيد النذر فالكلام فيها كالكلام في النذر وسيأتي وإن لم يكن فيها ما يفيد ذلك فلا يلزم فيها شيء لا وفاء ولا كفارة ومن ادعى غير هذا فعليه الدليل والأموال معصومة بعصمة الإسلام فلا يحل الحكم على شيء منها بإخراجه عن ملك مالكه إلا بنا قل شرعي تقوم به الحجة.
قوله: "ولا بالحلف بغير الله".
أقول: الكفارة إنما أوجبها الله سبحانه في الأيمان الشرعية والحلف بغير الله سبحانه ليس من الأيمان الشرعية بل من الأيمان التي ورد الوعيد عليها والزجر عنها وهذا النهي خاص بالعباد فليس لأحدهم أن يحلف بغير الله كائنا ما كان ولا يجوز الإقسام بما أقسم الله به من مخلوقاته فإنه سبحانه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون وله أن يقسم بما شاء كيف شاء من مخلوقاته وعلى العباد أن يمتثلوا ما شرعه لهم على لسان رسوله من ترك الحلف بغير الله سبحانه وهذا ظاهر واضح لا يخفى.
قوله: "ولا الإثم ما لم يسو في التعظيم".
أقول: أقل ما تقتضيه الأحاديث الكثيرة في النهي عن الحلف بغير الله والوعيد الشديد عليه أن يكون الفاعل لذلك آثما لأنه أقدم على فعل محرم والإثم لازم من لوازم الحرام وأما الاستدلال على عدم الإثم بما ورد في غاية الندرة والقلة كحديث: "أفلح وأبيه إن صدق"، فمن الغرائب والمغالظ وكيف تهمل المناهي والزواجر التي وردت موردا يقرب من التواتر بمثل هذا الذي تعرض العلماء لتأويله بوجوه من وجوه التأويل التي يجب استعمالها والمصير إليها فيما خالف السنن الظاهرة المشتهرة على أنه قد تقرر في الأصول أن فعله صلى الله عليه وآله وسلم لما نهى عن الأمة يدل على اختصاصه به وأما التسوية في التعظيم فهي موجبة للإثم الشديد لمجردها ولو كانت في غير اليمين بل ذلك نوع من أنواع الإشراك بالله سبحانه وهكذا ما تضمن كفرا أو فسقا فإنه يأثم بمجرد ذلك وقد وردت الأدلة بأن الحالف بما يقتضي الكفر يلزمه ما حلف به ويكون كما قال وورد أنه يؤمر بأن يقول:"لا إله إلا الله" [البخاري "6650"، مسلم
"5/1647"] ، وذلك يدل على خروجه من الإسلام وهكذا إذا جاء بما يدل على ذلك من غير يمين فإنه يكون ردة.
[فصل
وللمحلف على حق بماله التحليف به نيته وإلا فللحالف إن كانت واحتملها اللفظ بحقيقته أو مجازه وإلا اتبع معناه من عرفه ثم عرف بلده ثم منشئه ثم الشرع ثم اللغة ثم حقيقتها ثم مجازها فالبيع والشراء لهما وللسلم والصرف صحيحا أو فاسدا معتادا ولما تولاه مطلقا أو أجازه أو أمر به إن لم يعتد توليه.
ويحنث بالعتق ونحوه فيما حلف ليبيعنه والنكاح وتوابعه لما تولاه أو أقر به مطلقا لا البناء ونحوه فكالبيع والنكاح للعقد وسره لما حضره شاهدان والتسري للحجبة والوطء وإن عزل والهبة ونحوها للإيجاب بلا عوض ولا للصدقة والنذر والكفالة لتدرك المال أو الزوجة والخبز له وللفتيت كبارا والإدام لكل ما يؤكل به الطعام غالبا إلا الماء والملح للعرف واللحم لجسد الغنم والبقر والإبل وشحم ظهورها والشحم شحم الألية والبطن والرؤوس لرؤوس الغنم وغيرها إلا لعرف والفاكهة لكل ثمرة تؤكل وليست قوتا ولا دواء ولا إداما والعشاء لما يعتاد تعشيه والتعشي لما بعد العصر إلا نصف الليل وهذا الشيء لأجزأه المشار إليه على أي صفة كانت إلا الدار فما بقيت فإن التبس المعين المحلوف منه بغيره لم يحنث ما بقي قدره والحرام لما يحل حال فعله والحلي للذهب والفضة ونحوها إلا خاتم الفضة ويعتبر حال الحالف والسكون للبث محصوص يعد به ساكنا ودخول الدار لتواري حائطها ولو تسلقا إلى سطحها ومع اللبس والمساكنة والخروح والدخول على الشخص والمفارقة بحسب مقتضى الحال والوفاء يعم الحوالة والإبراء ورأس الشهر لأول ليلة منه والشهر إلى آخر جزء منه والعشاء إلى ثلث الليل إلا لقربى في آخره والظهر إلى بقية تسع خمسا والكلام لما عدا الذكر المحض منه والقراءة للتلفظ والصوم ليوم والصلاة لركعتين والحج للوقوف وتركها لترك الإحرام بها والمشي إلى ناحية لوصولها والخروج والذهاب للإبتداء بنيته وإلا بإذني للتكرار وليس من الإيذان والدرهم لما يتعامل به من الفضة ولو زائفا ورطل من كذا لقدره منه ولو مشاعا] .
قوله: "فصل: وللمحلف على حق بماله التحليف به نيته".
أقول: هكذا ورد الدليل فأخرج أحمد "2/228، 331"، ومسلم "1653"، والترمذي "1354"، وابن ماجة "2121"،من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يمينك على ما يصدقك به صاحبك"، وفي لفظ لمسلم "21/1653"، وابن ماجة "2120"، من هذا الحديث:"اليمين على نية المستحلف"، ومعنى هذا الحديث ظاهر واضح وإيراد الأبحاث المتضمنة للتشكيك فيه حاصلها الرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما قوله: "فللحالف إن كانت" إلخ فقد حكى الإجماع على ذلك القاضي عياض والنووي ويدل عليه حديث سويد بن حنظلة قال خرجنا نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا وائل بن حجر فأخذه عدو له فتخرج القوم أن يحلفوا وحلفت أنه أخي فخلي عنه فأتينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: "أنت كنت أبرهم وأصدقهم صدقت المسلم أخو المسلم"، أخرجه أحمد "13/134، 135"، وأبو داود "3256"، وابن ماجه 2119"، ورجاله ثقات وهو من رواية إبراهيم بن عبد الأعلى عن جدته عن سويد بن حنظلة وعزاه المنذري إلى مسلم فينظر في صحة ذلك.
وقد أبان رسول الله صلى الله عليه وسلم لسويد أن يمينه بارة صادقة وأوضح له أن لذلك وجها إن كان مقصودا له وإن لم يكن مقصودا له فقد صح حلفه وبر في يمينه لما حصل بها من تخليص رجل من المسلمين من يد ظالمة وما ذكره من تقديم ما يدل عليه العرف فوجهه ظاهر لأن الحالف إنما يقصد في يمينه ما يتعارف به أهل بلده.
والحاصل أنه يحمل كلامه على ما هو الغالب على قصده السابق إلى إرادته وإن كان ممن يعرف لغة العرب أو يعرف ما نقله الشرع عنها صار بعد ذلك النقل معنى شرعيا فإنه لا يحمل على ذلك مع وجود العرف المستقر الشائع المتقرر عند الحالف وقومه فإن كان لا عرف في ذلك الذي تكلم به كان الرجوع في مثله إلى المعنى العربي أو الشرعي إن كان الحالف ممن يعرفهما ويتكلم بهما ويقدم المعنى الحقيقي على المعنى المجازي ويقدم الشرعي على اللغوي وهكذا اعتبار صحيح لا بد منه ولا وجه للاعتراض عليه للقطع بأن المقاصد والإرادات هي التي يحمل عليها الكلام وكل متكلم لا يريد إلا ما هو الغالب في لسانه ولسان قومه ولو حمل كلامه على غير ذلك لكان حملا للكلام على خلاف ما هو المراد منه والمقصود به وذلك غلط أو مغالطة.
وقد أطال المصنف من ذكر هذه الأمثلة الحزبية إلى آخر الفصل وذلك ينافي ما هو المقصود له من الاختصار ولا يتعلق به كثير فائدة لأن غاية ما فيه بيان ما هو السابق إلى الفهم في هذه الأمور في عرف المصنف وأهل عصره من جهته والأعراف تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة فإن كان عرف الحالف مخالفا لشيء من هذه الصور التي ذكرها المصنف كان الاعتماد على عرفه لا على ما ذكره المصنف ها هنا مع أن ذكر هذه الصور مفسدة وهي أنه يظن المقصرون أن الرجوع إليها محتم وأن حمل كلام الحالف عليها متعين وإن
كان عرفه مخالفا لها وهذا ظن باطل وخيال مختل وتوهم فاسد وإن كان ما ذكره المصنف في بعض هذه الصور بيانا للمعنى اللغوي أو الشرعي فقد عرفت أنه لا يصار إلى ذلك إلا عند عدم العرف.
[فصل
ويحنث المطلق بتعذر الفعل بعد إمكانه والمؤقت بخروج آخره متمكنا من البر والحنث ولم يبر والحالف من الجنس ببعضه ولو منحصرا إلا في عدد منصوص وما لا يسمى كله ببعضه كالرغيف وإلا مثبت المنحصر والمحلوف عليه والمعطوف بالواو فبمجموعه لا مع لا أو باو فبواحد فينحل ويصح الاستثناء متصلا غير مستغرق وبالنية دينا فقط وإن لم يلفظ بعموم المخصوص إلا من عدد منصوص ولا تكرر الكفارة بتكرر اليمين أو القسم ما لم يتعدد الجزاء ولو مخاطبا بنحو لا كلمتك] .
قوله: "فصل: ويحنث المطلق بتعذر الفعل بعد إمكانه".
أقول: هذا كلام معقول المعنى واضح الوجه فإن المحلوف عليه إذا أمكن ثم تعذر بعد الإمكان فقد حصل الحنث بعدم إمكان الوفاء ولا فرق بين أن يكون واجبا أو حراما وأما وجوب فعل الواجب وتحريم فعل الحرام فأمره راجع إلى صفة الفعل فما كان يجب عليه فيه الفعل واجب وما كان يجب عليه فيه الترك ترك.
وأما اعتبار الإمكان فوجهه أنه لو لم يتمكن بوجه من الوجوه ولا تراخى فيما يجب عليه فيه الفعل أو الترك فورا لكان التكليف به من تكليف ما لا يطاق وهو ممنوع.
وما ذكره من أنه يحنث بانقضاء وقت المؤقت مع التمكن من البر والحنث فذلك صحيح لأن الحلف لما أضيف إلى الوقت كان معتبرا فلا يمكن البر بعد خروجه.
قوله: "والحالف من الجنس ببعضه ولو منحصرا".
أقول: قد تقرر أن دخول الألف واللام على الجموع يوجب هدم الجمعية ومصيرها للجنس فإذا حلف لا يلبس الثياب ولا يركب الدواب حنث بلبس ثوب واحد وركوب دابة واحدة وهكذا ولو قال لا لبس ثيابه ولا ركب دوابه فإن الإضافة تفيد مفاد اللام ولا ينبغي أن يقال في مثل هذا إن المعنى الحقيقي يشمل الجميع فلا يحنث إلا بلبس الجميع أو ركوب الجميع لأنا نقول ها هنا أمر هو قرينة قوية على عدم إرادة المعنى الحقيقي وهو ما ذكرنا من انهدام معنى الجمعية وأما المحصور بالعدد فلا شك أن الحنث أو البر لا يكون إلا بذلك العدد ولو قيل أنه يحنث بالبعض لكان معنى العدد ضائعا.