الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والبزار وابن أبي حاتم عن أبي هريرة نحوه وحسنه البخاري.
واللعن على الذنب يدل على أنه ذنب كبير شديد ولا تحل لزوجها الأول بهذا التحليل لأن الله سبحانه قال: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} البقرة: 230] ، والمراد النكاح الشرعي وهذا ليس بنكاح شرعي بل نكاح ملعون فاعله والمفعول لأجله.
وأما قوله: "وينحل الشرط بغير كلما" الخ فقد قدمنا الكلام في كلما ومتى ولا شك ان الشرط ينحل في غيرهما بمرة واحده لأن الشرط مطلق والمطلق يصدق بالمرة ولو وقع الشرط مطلقة انحل بذلك لأنها وقت دخولها غير صالحة لوقوع الطلاق عليها على قول من يقول إن الطلاق لا يتبع الطلاق كما تقدم فقد وجد ها هنا مانع من وقوع الطلاق عليها وهو كونها مطلقة.
[باب العدة
هي أما عن طلاق فلا تجب الا بعد دخول أو خلوة بلا مانع عقلي ولو من صغير مثله يطأ فالحامل بوضع جميعه متخلقا والحائض بثلاث غير ما طلقت فيها أو وقعت تحت زوج جهلا فإن انقطع ولو من قبل تربصت حتى يعود فتبنى أو تيأس فتستأنف بالاشهر ولو دمت فيها فإن انكشفت حاملا فبالوضع ان لحق والا استأنفت والضهيا والصغيرة بالاشهر فإن بلغت فيها فبالحيض استأنفت به والا بنت والمستحاضة الذاكرة لوقتها تحرى كالصلاة والا تربصت] .
قوله: باب: "العدة هي أما عن طلاق فلا تجب الا بعد دخول أو خلوة".
أقول: لأن من طلقت قبل الدخول والخلوة فهي التي قال الله سبحانه فيها: {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الطلاق: 4] ، وقد قدمنا طرفا من الكلام على الخلوة في النكاح فارجع إليه.
وأما قوله: ولو من صغير مثله يطأ فصحيح لأنه يصدق عليه أنه زوج وأنه ناكح والعدة لم تشرع لبراءة الرحم فقط ولو كان ذلك المقصود لكانت الحيضة كافية بل شرعت لأمور منها البراءة ومنها انتظار الرجعة ومراعاة حق الزوج لكونه الاحق بها.
وعلى كل تقدير فهي أمر تعبد الله به النساء عند مفارقة أزواجهن بطلاق أو فسخ أو موت.
قوله: "فالحامل بوضع الحمل".
أقول: هذا مجمع عليه وهو نص الكتاب العزيز والمراد وضع ما يصدق عليه أنه حمل من غير فرق بين حي وميت تام الخلق أولا نفخ فيه الروح أم لا ولا بد من وضعه
جميعه كما قال المصنف لأنه ظاهر قوله: {أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} فلو ولدت أحد التوأمين لم يصدق عليها انها وضعت حملها بل وضعت بعضه.
قوله: "والحائض بثلاث حيض".
أقول: هذا هو الحق وإن كان لفظ القرء في لسان العرب مشتكرا بين الطهر والحيض أو حقيقة في أحدهما مجازا في الاخر لكن لما كان الشارع لا يستعمله الا في الحيض كما نقله المحققون كان ذلك كالحقيقة الشرعية وهي مقدمة على الحقيقة اللغوية وقد انكر صاحب الكشاف إطلاق القرء على الطهر.
قال ابن القيم إن لفظ القرء لم يستعمل في كلام الشارع الا للحيض ولم يجيء عنه في موضع واحد استعماله للطهر إلي أن قال: فإذا ثبت استعمال الشارع للقرء في الحيض علم ان هذا لغته فتعين حمله عليها في كلامه قال ويدل على ذلك ما في سياق الآية من قوله: {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228]، وهذا المخلوق هو الحيض والحمل عند عامة المفسرين قال وبهذا قال السلف والخلف ولم يقل أحد إنه الطهر وأيضا فقد قال سبحانه:{وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4] ، فعلق الحكم بعدم الحيض لا بعدم الطهر وقد اطال ابن القيم رحمه الله في تحقيق هذا البحث وأطاب.
وإذا تقرر لك ان الاستعمال النبوي واستعمال السلف والخلف للقرء في الحيض لا في الطهر وجب حمل ما في الآية من قوله عز وجل: {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} على الحيض لا على الاطهار.
ويدل على هذا ما أخرجه ابن ماجه بإسناد رجاله ثقات عن عائشة قالت: أُمرت بريرة ان تعتد بثلاث حيض هذا مع ما في حديث ابن عباس عند أحمد والدارقطني ورجاله رجال الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم خير بريرة فاختارت نفسها وامرها ان تعتد عدة الحرة فكانت عدة الحرة هي الثلاث الحيض.
ومما يدل على ما ذكرناه ما أخرجه الترمذي وأبو دأود من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "طلاق الامة تطليقتان وعدتها حيضتان"، وفيه مقال معروف وقد قدمنا بيانه.
وشهد له ما أخرجه ابن ماجه والدارقطني من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "طلاق الأمة اثنتان وعدتها حيضتان".
وقد قدمنا في حديث امراة ثابت بن قيس بن شماس ان النبي صلى الله عليه وسلم امرها ان تعتد بحيضة.
وقد قدمنا أيضا في سبايا أوطاس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ولا حائض حتى تستبرأ بحيضة"، والاستبراء هو عدة مختصرة فكان النص على الحيض فيه معنويا لكون عدة الحرائر بالحيض لا بالطهر.
وأما قوله غير ما طلقت فيها فوجهه ان هذه التي طلقت وهي فيها هي بعض حيضة لا حيضة كاملة والاعتبار بالحيضة الكاملة ليصدق قوله سبحانه: {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] .
وأما قوله: "أو وقعت تحت زوج جهلا" فوجهه أن الله سبحانه أوجب عليها أن تعتد بثلاثة قروء في غير نكاح وهذه وقعت حيضتها وهي في نكاح زوج اخر وإن لم يكن نكاحا صحيحا لكن كان الجهل فارقا بينه وبين الزنا.
قوله: "فإن انقطع ولو من قبل تربصت حتى يعود" الخ.
أقول: هذه المسألة قد اضطربت فيها الاقوال وتفرقت فيها المذاهب وسبب ذلك ان الله سبحانه بين في كتابه العزيز اقسام المعتدات فجعلهن اربعا الحائض والحامل والتي لم تحض اصلا والايسة وهذه التي انقطع حيضها بالعلة ليست واحدة منهن ولم يثبت في السنة المطهرة ما يدل على عدة هذه وكل مسألة لم يوجد عليها النص ولا الظاهر في الكتاب ولا في السنة كانت عرضة لاراء الرجال وموطنا لاختلاف الاقوال.
وقد حاول بعض أهل العلم إدراج هذه تحت الايسة فلم يصب فإن معنى الاياس عن الحيض لم يحصل لهذه لأنه انقطع حيضها وهي في وقت إمكانه فإن قدرنا أنه حصل الاياس من عود الحيض فهي ايسة ولكن حصول الاياس لها بعيد جدا فإن اسباب انقطاع الحيض كثيرة كما صرح بذلك الحكماء في تصانيفهم في العلل وأسبابها. والحاصل ان اليأس إن كان كما ذكر كثير من المحققين إنه هو المقابل للرجاء والطمع كان المعتبر في حق هذه هو عدم وجود الرجاء منها لرجوع الحيض وعدم طمعها في عوده فإذا حصل لها ذلك كانت مندرجة تحت قوله سبحانه: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4] .
وأما إذا كان اليأس هو القطع بعدم العود فلا تندرج تحت هذه الايسات الا بعد حصول القطع لها بعد معاودة الحيض.
والموجود في كتب اللغة أن اليأس القنوط فإن تقرر ثبوت حقيقة شرعية للياس كانت مقدمة وإن لم يتقرر ذلك كان الرجوع إلي المعنى اللغوي هو المتوجه.
ولا يقدح في وجوب الرجوع إلي المعنى اللغوي ورود الاستعمال في الكتاب أو السنة للياس بمعنى عدم مجرد الطمع في الحال فإن ذلك يكون مجازا أما إذا كثر الاستعمال حتى صار مفيدا لكونه الحقيقة الشرعية فهو مقدم كما تقدم.
وإذا عرفت هذا فها هنا بحث آخر ينبغي ان تمعن النظر فيه وتتدبره وهو ان هذه التي انقطع حيضها قبل عدتها أو حال عدتها مندرجة تحت قوله: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} فإنها يصدق عليها عند هذا الانقطاع انها من اللائي لم يحضن فتكون عدتها كعدتهن وليس في الآية ما يدل على أن المراد انهن لم يحضن اصلا بل المراد عدم وجود الحيض عند العدة كما تقول من لم يأتك
من الرجال فلاتعطه فليس المراد الا عدم إتيانه اليه حال العطاء لا عدم إتيانه اليه دائما بحيث لو كان قد اتاه مرة في عمره لكان مستحقا للعطاء وقد وقع الاتفاق على ان الصغيرة التي لم تبلغ من التكليف هي من اللائي لم يحضن ومعلوم أنه لا يراد عدم حيضها في جميع الازمنة ماضيها ومستقبلها للقطع بانها إذا بلغت وحاضت ولم يكن ذلك مبطلا لعدتها التي اعتدتها حال صغرها بالاشهر ومعلوم أيضا ان المرأة إذا حاضت مرة واحده صدق عليها انها حاضت فإذا تخلف عنها الحيض يصدق عليها انها لم تحض وإذا عرفت هذا علمت ان المراة إذا وجبت عليها العدة وحيضها منقطع لعارض فهي من اللائي لم يحضن وهكذا إذا انقطع عنها وهي في وسط عدتها فهي من اللائي لم يحضن فعدتها ثلاثة اشهر كعدة اللائي لم يحضن فإن انكشف ان ذلك الانقطاع للحمل فعدتها تنقضي بوضعه وإن استمر الانقطاع ولم يكن سببه الحمل حتى مضت عليها ثلاثة اشهر فقد انقضت عدتها بالثلاثة الاشهر فإن عاد حيضها قبل مضي الثلاثة الاشهر كشف ذلك انها حائض وهي باقية في العدة فتستأنف العدة بالحيض على أنه لو قيل انها تحتسب بما قد مضى من الاشهر وتجعل كل شهر في مقابل حيضة فإذا عاد عليها الحيض وقد مضى عليها شهران اكتفت بحيضة لم يكن هذا بعيدا عن الصواب وأي مانع منه فإنها امراة ادركتها عدتها وهي غير حائض فاعتدت بالاشهر كما أمر الله سبحانه اللائي لم يحضن وإذا عادت عليها الحيضة صارت من النساء الحيض فكملت عدتها بالحيض وهذا وإن بعد فهمه ونبا عن اذهان المقلدين فله وجه صحيح وتوجيه صبيح.
وبعد هذا كله فاعلم ان هذا التعسير الشديد الذي أوجبوه على هذه المراة من انها تنتظر إذا لم يعد اليها الحيض إلي ان تيأس من عوده وذلك ببلوغها سن الاياس فيه مخالفة عظيمة لهذه الشريعة المطهرة التي جاءت بالتيسير دون التعسير وبالتبشير دون التنفير فإن المراة إذا انقطع حيضها وهي شابة فانتظرت حتى تكون عجوزا كان في ذلك من التعسير عليها والمضارة لها ما لا يجوز نسبته إلي هذه الشريعة السمحة السهلة فإنها تصير ممنوعة من الازواج طول عمرها.
وإذا كانت ممن تجب نفقتها على زوجها الذي طلقها كان في ذلك من التشديد عليه والتغريم له مالا يبيحه الشرع فإنه صار ينفق ماله على امرأة قد أخرجها من نكاحه ما دامت غير عجوز وربما بمضي عليها من السنين العدد الكثير والدهر الطويل فإن من النساء من لا يفارقها الحيض الا وهي في ستين سنة فما زاد عليها فهل سمعت اذناك بأشد من هذا التشريع على هذه المسكينة وزوجها المسكين مع ان الله سبحانه قيد ما شرعه لعباده بالاستطاعة فقال: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، وقال اصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم:"إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم".
قوله: "والضهيأ والصغيرة بالاشهر".
أقول: لأن كل واحده منهما يصدق عليها انها من اللائي لم يحضن أما الضهيأ فظاهر لانها لم تحض اصلا وأما الصغيرة فلكونها وقت وجوب العدة عليها ليست من ذوات الحيض.
وأما حكم العجوز التي قد بلغت سن تعذر الحيض فهي غير داخلة في هاتين اللتين ذكرهما
لانها إذا كانت من ذوات الحيض ووقع عليها طلاق زوجها وهي عجوز فقد نص الله سبحانه في كتابه ان عدتها ثلاثة اشهر.
ولعل المصنف رحمه الله اكتفى بما قدمه في منقطعة الحيض لعارض من وجوب انتظارها إلي سن الاياس ثم تعتد بالاشهر وما كان يحسن منه هذا الصنع فإنه ادرج من نص القرأن الكريم على عدتها في الكلام على من وقع في عدتها ذلك الاضطراب الشديد.
وأما قوله: "والمستحاضة الذاكرة لوقتها" فقد قدمنا في الحيض مالا يحتاج إلي إعادته هنا.
[فصل
وفي عدة الرجعى الرجعة والارث والخروج بإذنه والتزين والتعرض لداعي الرجعة والانتقال إلي عدة الوفاة والاستئناف لو راجع ثم طلق ووجوب السكنى وتحريم الأخت والخامسة والعكس في البائن وما عن وفاة فبأربعة اشهر وعش كيف كانا والحامل بها مع الوضع ولا سكنى ومتى التبست بمطلقة بائنا مدخولتين فلا بد لذات الحيض من ثلاث معها من الطلاق ولهما بعد مضى اقصر العدتين نفقة واحده فقط كغير مدخولتين في الكل فإن اختلفتا فقس وأما عن فسخ من حينه فكالطلاق البائن غالبا] .
قوله: فصل: "وفي عدة الرجعي الرجعة".
أقول: ثبوت الرجعة للزوج في الطلاق الرجعي مجمع عليه قال ابن حجر في الفتح وقد أجمعوا على ان الحر إذا طلق الحرة بعد الدخول بها تطليقة أو تطليقتين فهو احق برجعتها ولو كرهت المرأة ذلك فإن لم يراجع حتى انقضت العدة فتصير اجنبية فلا تحل له إلا بنكاح مستأنف انتهى.
ومستند هذا الاجماع قوله عز وجل: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: 228]، وهذه الآية وإن كانت منسوخة بقوله تعالي:{الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229]، الآية كما أخرجه أبو دأود والنسائي من حديث ابن عباس قال كان الرجل إذا طلق امرأته فهو احق برجعتها وإن طلق ثلاثا فنسخ ذلك:{الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} الآية وفي إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال خفيف فالمنسوخ منها إنما هو استحقاق الرجعة بعدا لمرتين لا كون بعولتهن احق بردهن قبل التثليث.
وقد أخرج الترمذي نحوه من حديث عائشة وروى موقوفا على عروة قال الترمذي وهذا أصح.
ومن الأدلة الدالة على ثبوت الرجعة في الطلاق الرجعي قوله صلى الله عليه وسلم لعمر: "مره فليراجعها"، وقد تقدم وما أخرجه أبو دأود والنسائي وابن ماجه والحاكم من حديث ابن عباس عن عمر كان النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لركانة:"ارتجعها"[أحمد "1/265"] .
قوله: "والارث".
أقول: إذا صح ثبوت الاجماع على ثبوت الميراث في الطلاق الرجعي فلا بد من مستند والحجة عند من لا يقول بحجيته مستنده لا هو وقد وقعت المسألة في زمن الصحابة فأخرج الشافعي عن سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي بكر ان رجلا من الانصار يقال له حبان بن منقذ طلق امرأته وهو صحيح وهي ترضع ابنته فتباعد حيضها ومرض حبان فقيل له إنك إن مت ورثتك فمضى إلي عثمان وعنده على وزيد ابن ثابت فسأله عن ذلك فقال لعلي وزيد بن ثابت ما تريان؟ فقالا: نرى انها إن ماتت ورثها وإن مات هو ورثته لأنها ليست من القواعد اللائي يئسن من المحيض ولا من اللواتي لم يحضن فحاضت حيضتين ومات حبان قبل انقضاء الثالثة قورثها عثمان وأخرجه من هذه الطريق البيهقي وأخرجه مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى ابن حبان انها كانت عند جده حبان منقذ امرأتان هاشمية وانصارية فطلق الانصارية وهي ترضع فمرت بها سنة ثم هلك عنها ولم تحض فقالت انا ارثه فاختصما إلي عثمان فقضى لها بالميراث فلامت الهاشمية عثمان فقال لها: ابن عمك أشار بهذا يعني على ابن أبي طالب وأخرجه من هذه الطريق البيهقي أيضا.
وأخرج البيهقي بسند صحيح ان علقمة طلق امرأته طلقة أو طلقتين فحاضت حيضة ثم ارتفع حيضها سبعة اشهر وفي لفظ سبعة عشر شهرا ثم مات فاتى ابن مسعود فقال حبس الله عليك ميراثها وورثة منها.
ومما يدل على ثبوت الميراث قوله عز وجل: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228]، فسماهم بعولا والاصل الحقيقة وقال سبحانه:{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12]، وقال:{وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} الاية.
قوله: "والخروج بإذنه".
أقول: وجهه انها لم تنقطع الزوجية بينهما فقد بقي له طرف منها وبقي لها طرف منه وذلك إذا تراجعا ومعلوم انها إذا كانت باقية لديه غير مطلقة انها لا تخرج الا باذنه لأنها قد تدعو حاجته اليها وهي خارجة عن البيت وقد يكون عليه في خروجها ما يلحق به غضاضة أو تعتريه بسببه غيره ولهذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه"، فإذا كان هذا في الصوم الذي هو من اعظم القرب فكيف بالخروج!
وإذا عرفت هذا عرفت أنه ينبغي لها في أيام عدة الرجعة ان لا تخرج الا باذن زوجها لأنه إذا كان
عازما على رجعتها لحقه من الغضاضة والغيرة ما يلحقه عليها قبل طلاقها الا ان يكون الخروج للحاجة فقد ثبت تجويز ذلك للمطلقة ثلاثا مع عدم تجويز الرجعة كما في حديث جابر عند مسلم وغيره قال: طلقت خالتي ثلاثا فخرجت تجد نخلا لها فلقيها رجل فنهاها وأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال لها: "أخرجي فجدي نخلك لعلك ان تصدقي منه أو تفعلي خيرا".
قوله: "والتزين".
أقول: لا وجه لهذا الا إذا كانت تقدر اطلاع الزوج عليها في تلك الحال بأن يصل اليها لمراجعتها فيكون في تزينها زيادة في الترغيب له في مراجعتها فإن بقاءهما على النكاح ورجوعهما إلي ما كانا عليه مع عدم ما يقتضي الفرقة هو من الامور المندوب اليها فيكون فيما يرغب اليه طرف من الندب ونوع من القربة وهكذا التعرض منها لداعي الرجعة بان تذكره بحسن العشرة وثنى عليه بما يقتضى عطفه عليها ومراجعته لها وتنشر محاسنه التي عرفتها منه عند من يبلغه ذلك فإن هذا من أعظم ما يدعوه إلي مراجعتها.
وليس المراد بالتعرض لذلك هو بروزها له والتعرض لرؤيته لها فإن ذلك أمر قد منع منه الطلاق.
قوله: "والانتقال إلي عدة الوفاة".
أقول: ليس على هذا دليل ولا هو رأي مستقيم فإنه مات من كان زوجها وهي في عدة طلاقه ولم يتجدد له ولا لها ما يخالف ذلك حتى يكون وجها للانتقال من هذه العدة المتيقنة إلي مالا يوجبه عليها شرع ولا عقل وكونها ترثه إذا مات وهي في هذه العدة لا يستلزم ان يتجدد عليها عدة اخرى لانها إنما ورثته بكونها باقية في عدة طلاقه الرجعي فتستمر على تمام عدتها وليس عليها غير ذلك.
وأما وجوب استئناف العدة لو راجع ثم طلق فهذا أمر معلوم لا يحتاج إلي ذكره لأنها قد رجعت بالرجعة إلي نكاح جديد بعد ان خرجت من الأول بتلك الطلقة التي هي محسوبة عليه فإذا خرجت من نكاحه بطلقة اخرى توجه عليها ما شرعه الله للمطلقات بنصوص الكتاب والسنة ومن خالف في هذا فقد جاء بما يخرق الاجماع ويخالف الأدلة القطعية.
قوله: "ووجوب السكنى".
أقول: يدل على هذا ما أخرجه أحمد والنسائي من حديث فاطمة بنت قيس قالت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت إن زوجي فلانا ارسل الي بطلاق وإني سألت أهله النفقة والسكنى فابوا على فقالوا يا رسول الله إنه ارسل اليها بثلاث تطليقات قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة"، وفي إسناده مجالد بن سعيد وفيه ضعف وقد تابعه في روايته ضعيف وذلك يقوى رواية مجالد. ويؤيد هذا الحديث ما في صحيح مسلم "44/480"، وغيره [أحمد "6/411، 412، أبو داود
"2288، 2289"، النسائي:"6/210"، ابن ماجة "2035، 2036"] ، من حديث فاطمة بنت قيس أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم في المطلقة ثلاثا قال:"ليس لها سكنى ولا نفقة"، فإن كون هذا في المطلقة ثلاثا يدل على ان الرجعية بخلافها.
ويدل على هذا أيضا قوله عز وجل: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق:1] ، فإن السلف فهموا من هذه الآية انها في الرجعية لقوله عز وجل في آخر الاية {َلعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً} وليس الامر الذي يرجى إحداثه الا الرجعة لا سوى.
ومع هذا كله فوجوب السكنى للرجعية مجمع عليه.
وأما قوله: "وتحريم الأخت والخامسة" فوجهه ما قدمنا في الارث.
قوله: "والعكس في البائن".
أقول: أما عدم ثبوت الرجعة في الطلاق البائن فلقوله عز وجل: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] ، فإن هذه الآية فسخت ما كانت الجأهلية تفعله من مراجعة النساء بعد التثليث كما قدمنا وقدمنا أيضا في المختلعة ما يدل على عدم ثبوت الرجعة لها وقد وقع الاتفاق على عدم ثبوت الرجعة للمطلقة قبل الدخول والخلوة كما وقع الاجماع على عدم ثبوت الرجعة للمثلثة.
وأما عدم ثبوت الميراث فلكونها قد انقطعت بينهما علاقة الزوجية ولا يصدق عليها بعده انها زوجة وهكذا خروجها بغير إذنه فإنها لما لم تكن أحكام الزوجية باقية عليها كان لها الخروج بغير إذنه وقد قدمنا حديث جابر في خالته المثلثة وقد ثبت في صحيح مسلم وغيره ان النبي صلى الله عليه وسلم اذن لفاطمة بنت قيس عند ان طلقها زوجها الطلقة الثالثة ان تخرج من بيته بغير إذنه وتنتقل إلي عند ابن ام مكتوم.
وأما عدم التزين والتعرض لداعي الرجعة فظاهر لأنه قد زال الغرض الذي يفعلان لأجله وهو رجاء الرجعة.
وأما عدم انتقالها إلي عدة الوفاة فقد قدمنا أنه لا دليل يدل على ان الانتقال المذكور في الرجعية فكيف في البائنة.
وأما عدم وجوب السكنى فللدليل الثابت في الصحيح كما قدمنا وأما عدم تحريم الأخت والخامسة فلكونها قد انقطعت بينهما علاقة الزوجية.
قوله: "وأما عن وفاة فبأربعة اشهر وعشر".
أقول: هذا مما لا ينبغي ان يقع فيه خلاف لأنه نص القرأن الكريم وأما إذا كانت المتوفى عنها حاملا فقد ذهب الجمهور إلي ان عدتها بوضع الحمل وإن وضعت ليلة موت زوجها وذهب آخرون إلي ان عدتها بآخر الاجلين فلا بد ان تضع حملها ويمضي عليها اربعة اشهر وعشر ووجه هذا القول انهم نظروا في الايتين الكريمتين فإن قوله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة: 240]، الآية عام في كل من مات عنها زوجها سواء كانت حاملا أو غير حامل وقوله تعالي:{وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] ، عام يشمل المطلقة والمتوفى عنها فجمعوا بين
العمومين بقصر الآية الثانية على المطلقة بقرينة ذكر عدد المطلقات كالايسة والصغيرة قبلها ولم يهملوا ما تنأولته من العموم فعملوا بها وبالتي قبلها في حق المتوفى عنها ولكن قد جاء ها هنا ما يوجب ترك هذا التعارض وعدم الاشتغال بشأنه وهو ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ام سلمة ان امرأة من اسلم يقال لها سبيعة كانت تحت زوجها فتوفي عنها وهي حامل فخطبها أبو السنابل بن بعكك فأبت ان تنكحه فقال والله ما يصلح ان تنكحي حتى تعتدي آخر الاجلين فمكثت قريبا من عشر ليال ثم نفست ثم جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "انكحي" وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث سبيعة نفسها بمعناه.
وفي الباب أحاديث وآثار عن الصحابة فلم يبق بيد من قال تعتد بآخر الاجلين ما يوجب الاشتغال به لأن هذه الأدلة قد بينت أوضح بيان ودلت اظهر دلالة على ان الاعتبار بوضع الحمل وان قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} [البقرة: 234] ، خاص بغير الحوامل.
قوله: "ولا سكنى".
أقول: الايات التي فيها ذكر السكنى كقوله تعالي: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: 6]، وقوله:{لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] ، ظاهر السياق فيها اختصاصها بالرجعيات فلا ينتهض الاحتجاج بذلك على وجوب السكنى للمتوفى عنها.
وأما حديث الفريعة الذي أخرجه أحمد ومالك في الموطأ والشافعي وأهل السنن وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم أنها قالت: خرج زوجي في طلب اعلاج له فأدركهم في طرف القدوم فقتلوه فأتاني نعيه وانا في دار شاسعة من دور أهلي فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقلت:إن نعى زوجي اتاني في دار شاسعة من دور أهلي ولم يدع لي نفقة ولا مالا ورثته وليس المسكن له فلو تحولت إلي أهلي وإخوتي لكان ارفق بي في بعض شأني فقال تحولي فلما خرجت إلي الحجرة دعاني فقال: "امكثي في بيتك الذي أتاك فيه نعي زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله" قالت: فاعتددت فيه اربعة اشهر وعشرا قال فأرسل إلي عثمان فاخبرته فأخذ به.
فهذا الحديث وإن كان صحيحا ولم يأت من قدح فيه بشيء ينبغي الالتفات اليه لكن غاية ما فه انها تعتد في المنزل الذي أتاها فيه نعي زوجها وليس فيه ان سكناها في مدة عدة الوفاة من مال الزوج وقد صرحت أنه لا منزل لزوجها فقالت: وليس المسكن له فعرفت بهذا أنه لا دليل في الحديث على إيجاب السكنى للمتوفى عنها من مال زوجها ولكن يجب عليها ان تعتد في المنزل الذي كانت فيه عند موت زوجها سواء كان لها أو للزوج أو لغيرهما ولا يبعد ان أجرة المنزل إذا كان للغير لازمة لها بل هو الظاهر بل لا يبعد ان المنزل إذا كان لزوجها فلورثته أن يطالبوها بالكراء فهذا حكم تعبد الله به المعتدة ولم يوجبه على زوجها ومع هذا فقد قدمنا
حديث فاطمة بنت قيس الذي أخرجه أحمد والنسائي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة"، وفي لفظ آخر:"إنما النفقة والسكنى للمرأة على زوجها ما كانت له عليها رجعة فإذا لم تكن عليها رجعة فلا نفقة ولا سكنى"، وهذا نص في محل النزاع وفيه مقال كما تقدم قريبا مع أنه لا حاجة لمن نفي وجوب السكنى بالاستدلال على عدم الوجوب بل يكفيه ان يقف موقف المنع حتى يأتي الدليل الذي تقوم به الحجة وإلا كان التمسك بالبراءة الاصلية يكفيه.
ويؤيد عدم الوجوب ما أخرجه النسائي وأبو دأود عن ابن عباس في قوله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة 240] ، نسخ ذلك بآية الميراث بما فرض الله لها من الربع أو الثمن ونسخ اجل الحول ان جعل اجلها اربعة اشهر وعشرا وفي إسناد أبي دأود علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال خفيف ولكنه رواه النسائي من غير طريقه وقد دل على أنه ليس للمتوفى عنها الا الميراث لا نفقة ولا سكنى ولا وصية.
قوله: "ومتى التبست بمطلقة بائنا" الخ.
أقول: ووجهه ان المطقة البائنة قد أوجب الله سبحانه عليها العدة ثلاثة قروء والمتوفى عنها أوجب الله عليها العدة بأربعة اشهر وعشر فمع اللبس لا تخرج كل واحده منهما مما أوجبه الله عليها بيقين الا بالعدتين.
وأما ما ذكره من ان لهما بعد مضي اقصر العدتين نفقة الخ فالحق أنه لا نفقه للمتوفى عنها ولا للبائنة كما سيأتي بيانه في باب النفقات إن شاء الله.
قوله: "وأما عن فسخ من حينه فكالطلاق البائن".
أقول: العدد المبينة في الكتاب والسنة وهي للمطلقات والمتوفى عنهن وثبت في المختلعة انها تعتد بحيضة وقد قدمنا ان الخلع فسخ لا طلاق فالقول بأن عددالفسخ كعددالطلاق البائن يحتاج إلي دليل ولا دليل فوجب الرجوع إلي ما ثبت في نوع من أنواع الفسخ وهو الخلع مع ما يؤيد ذلك من كون المسبية تستبرئ بحيضة كما تقدم النص على ذلك في الحائض وان الحامل تستبرئ بوضع الحمل فينبغي ان تكون عدة الفسخ حيضة إن كانت حائضا أو وضع الحمل إن كانت حاملا لأن براءة الرحم تتحقق بذلك ولم يرد ما يدل على زيادة ذلك والبراءة الاصلية تقتضي عدم ايجاب العدة عليها لان التعبد بغير دليل من التقول على الله بما لم يقل.
وهكذا لا يجب للمفسوخة نفقة ولا سكنى لعدم الدليل على ذلك بل لورود النص بان النفقة والسكنى إنا هي للمطلقة رجعيا كما قدمنا لكن ها هنا إشكال وهو ما أخرجه أحمد والدراقطني ورجاله رجال الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم خير بريرة فاختارت نفسها وامرها ان تعتد عدة الحرة.
وأخرج ابن ماجه بإسناد رجاله ثقات عن عائشة قالت امرت بريرة ان تعتد بثلاث حيض.
ويمكن ان يجمع بين الاحاديث بان ما ورد فيه النص كالخلع وفسخ الامة إذا عتقت يوقف على محله ويبقى ما عدا ذلك من الفسوخات على البراءة الاصلية ولا يجب الا ما يحصل به براءة الرحم وهي الحيضة في الحائض وإن كانت حاملا فوضع الحمل لما ورد في الاستبراء وأما دعوى المصنف الاجماع فمن اغرب ما يقرع الاسماع.
[فصل
وهي من حين العلم للعاقلة الحائل ومن الوقوع لغيرها وتجب في جميعها النفقة غالبا واعتدادالحرة حيث وجبت ولو في سفر بريد فصاعدا ولا تبيت الا في منزلها الا لعذر فيهما وعلى المكلفة المسلمة الاحداد في غير الرجعى وتجب النية فيهما لا الاستئناف لو تركت أو الاحداد وما ولد قبل الاقرار بانقضائها لحق ان امكن منه حلالا في الرجعى مطلقا وفي البائن لاربع فدون وكذا بعده بدون ستة اشهر لابها أو بأكثر الا حملا ممكنا من المعتدة بالشهور للياس] .
قوله: فصل: "وهي من حين العلم للعاقلة الحائل ومن الوقوع لغيرها".
أقول: هذه التفرقة لا يدري ما اصلها ولا ما مقتضيها وما استدلو به من ان الله سبحانه ذكر التربص في عدة ذوات الاقراء فقال: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]، وان ذلك يدل على انها لا بد ان تكون قاصدة للدخول في العدة فتسليم ذلك غايته ان تقصد عندالعلم ولا ينافي ذلك الاعتداد بما قد مضى قبل العلم ومع هذا كان يلزم ان تكون عدة الوفاة من وقت العلم لان الله سبحانه قال فيها:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} [البقرة: 234] ، فلم يبق وجه لهذا الفرق بل العدة للحامل والحائل العاقلة على سواء وأما الصغيرة والمجنونة فلا علم لها فالعدة فيهما لاحقة بالعدة للعقالة إن كانت من وقت الوقوع كانت لهما من وقت والوقوع وإن كانت من وقت العلم كانت لهما من الوقت الذي يحصل العلم فيه لوليهما.
والحاصل ان هذه التفرقة لا تنبنى على شرع مقبول ولا على رأي معقول ولم يرد في الكتاب والسنة ما يدل على انها لا تعتد الا من وقت العلم بل ظاهر اطلاقات الكتاب والسنة ان العدة من عند وقوع الموت أو الطلاق وإن تأخر العلم بهما لان هذه المدة التي مضت بعد الوقوع وقبل العلم هي مدة من المدة المتعقبة لموت الزوج أو طلاقه فمن زعم أنه لا يحتسب بها فعليه الدليل فإن عجز عنه فهي من جملة العدة ولس على المراة إحداد ولا غيره حتى تعلم لانها لا تكلف بلوازم العدة الا بعد علمها والا كان ذلك من تكليف الغافل وهو مجمع على عدم التكليف به.
هذا على تقدير أن هذا الحكم تكليفي اعني كون الموت والطلاق سببين للعدة فإن كانا وضعيين فالامر اظهر. والحاصل ان العدة من وقت الوقوع على كل حال ولكل معتدة ومن ادعى غير هذا فهي دعوى مجردة لا يعول على مثلها.
قوله: "ويجب في جميعها النفقة".
أقول: الحق الذي لا شك فيه ولا شبهة ان النفقة لا تجب للمطلقة ثلاثا لما ثبت في الصحيح من حديث فاطمة بنت قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في المطلقة ثلاثا: "ليس لها نفقة ولا سكنى".
وثبت في صحيح مسلم "41/1480"، وغيره أحمد "6/414، 415، أبو داود "2290"، النسائي"3552"، ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: "لا نفقة لك الا ان تكوني حاملا".
وهكذا لا نفقة ولا سكنى للمختلعة لما قدمنا من ان ذلك فسخ لا طلاق ولم يرد ما يدل على لزوم النفقة في الفسخ على أنه لو كان طلاق لكانت كالمثلثة بجامع عدم جواز المراجعة لهما.
وهكذا لا نفقة ولا سكنى للمتوفى عنها زوجها لعدم الدليل على ذلك وقد مات الزوج وانتقل حقها إلي تركته فليس لها الا الميراث وأما ما ورد من انها تعتد في منزلها الذي يلغها فيه موت زوجها فذلك تعبد لها لا لزوجها وقد قدمنا تحقيقه.
وأما المطلقة رجعيا فقد ورد الدليل الدال على وجوب النفقة والسكنى لها حسبما قدمنا وأما المطلقة عن خلوة فلا عذر لمن جعل الخلوة كالدخول من ان يجعلها كالمدخولة فيما يجب لها ويحرم عليها وقد قدمنا كلأما في الخلوة فليرجع اليه ولعله يأتي مزيد بحث في باب النفقات إن شاء الله.
وقد قررنا الكلام في هذه المباحث في شرحنا للمنتقى بما لا يبقى بعده حاجة إلي غيره بل افردنا هذه الابحاث برسالة مستقلة.
قوله: "واعتداد الحرة حيث وجبت".
أقول: قد قدمنا ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل للمثلثة نفقة ولا سكنى وعلى تقدير أنه يجب عليها ان تعتد في المنزل الذي وقع الطلاق وهي فيه كما يدل عليه ما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة أن عروة قال لها: ألم ترى إلي فلانة بنت الحكم طلقها زوجها البتة فخرجت؟ فقالت عائشة: بئسما صنعت فقال: ألم تسمعي إلي قول فاطمة بنت قيس - يعني أنه لم يجعل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم على زوجها نفقة ولا سكنى فقالت عائشة: أما إنه لا خير لها في ذلك، فذلك تكليف عليها لا على زوجها كما قلنا في المتوفى عنها جمعا ين الأدلة ويحمل تجويز الخروج لها على الخوف وعدم الامن.
ويؤيد هذا ما أخرجه البخاري وغيره عن عائشة انها قالت: كانت فاطمة بنت قيس في مكان فخيف على ناحيتها فلذلك أرخص لها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أخرجه مسلم وغيره من حديث فاطمة بنت قيس قالت: قلت: يا رسول الله زوجي طلقني ثلاثا وأخاف أن يقتحم على فأمرها فتحولت وثبت في صحيح مسلم وغيره من حديثها ان النبي صلى الله عليه وسلم أذن لها أن تنتقل عند ابن أم مكتوم.
وأما المتوفي عنها فقد قدمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن تعتد في المنزل الذي أدركتها فيه وفاة زوجها بعد أن أخبرته ان المنزل ليس لزوجها فدل ذلك على انها متعبدة بذلك كما سلف.
وأما المطلقة رجعيا فقد قدمنا ان سياق قوله عز وجل: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: 6]، وقوله:{لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1]، يدل على ان المراء المطلقة رجعيا مع ما قدمنا من حديث فاطمة بنت قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم:"إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة" وقد قدمنا أيضا انها لا تخرج من البيت الذي يسكنها فيه الا باذنه فقوله ولو في سفر بريد فصاعدا ولا تبيت الا في منزلها صحيح. وهكذا يجب عليها في النهار ان تقعد في منزلها الا لحاجة أو خوف ولهذا قال المصنف رحمه الله: الا لعذر فيهما وقد قدمنا إذنه صلى الله عليه وسلم لفاطمة بالانتقال لذلك العذر وقدمنا أيضا حديث جابر عند مسلم وغيره أنه قال طلقت خالتي ثلاثا فخرجت تجد نخلا لها فلقيها رجل فنهاها فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: "اخرجي فجدي نخلك لعلك أن تصدقي أو تفعلي خيرا".
قوله: "ويجب على المكلفة المسلمة الاحداد على غير الرجعي".
أقول: أما وجوبه على المتوفى عنها فالاحاديث في ذلك كثيرة صحيحة وقد تضمن انها لا تكتحل ولا تتطيب ولا تلبس ثوبا مصبوغا الا ثوب عصب ولا تختضب ولا تلبس الحلى ولا تمتشط.
وأما المطلقة رجعيا فلا احداد عليها بالاجماع وأما المطلقة بائنا فلا إحداد عليها عند الجمهور وهو الحق لعدم ورود دليل يدل على ذلك فيجب البقاء على البراءة الاصلية ولا يخرج منها الا من ورد النص بالوجوب عليه وهو المتوفى عنها فقط نعم ورد ما يدل على جواز الاحداد على الميت وإن كان غير زوج لكن ثلاثة أيام فقط كما في الصحيحين وغيرهما من حديث ام حبيبة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الاخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا"، وهو في الصحيحين أيضا من حديث زينب بنت جحش وهو في الصحيحين أيضا من حديث أم سلمة.
قوله: "ويجب النية فيهما".
أقول: أما وجوب النية في العدة فلكونها عملا "وإنما الاعمال بالنيات" كما صح عنه صلى الله عليه وسلم وأما الاحداد فكذلك لكونه عملا تعبد الله به المتوفى عنها وأما عدم وجوب الاستئناف للعدة لو تركت المعتدة النية فلكونها قد وقعت العدة الواجبة بالحيض وهكذا لو تركت الاحداد لانها قد وقعت العدة وإخلالها بواجب عليها لايستلزم بطلان عدتها وسيأتي لنا في فصل الرجعة ما ينبغي اعتبار مثله هنا عند قول المصنف ويصح وإن لم تنو. قوله: "وما ولد قبل الاقرار بانقضائها" الخ.
أقول: مهما كان الفراش ثابتا شرعا كان الولد لاحقا قطعا ولا شك ان المطلقة رجعيا تجوز مراجعتها من زوجها وإن طالت المدة ولهذا لحق ولدها مطلقا لثبوت فراشها مع كونها رجعية لم تقر بانقضاء عدتها.
وأما البائنة فلا ريب أنه يمكن تجويز وطئها من زوجها في الساعة التي طلقها فيها فإذا جاءت بولد لأربع سنين فما دون عند من جعل هذه المدة أكثر مدة الحمل فقد جاءت به لاحقا بأبيه وقد عرفناك ما هو الذي ينبغي اعتماده في أقل مدة الحمل وأكثرها فارجع اليه.
وأما إذا كانت المطلقة قد أقرت بانقضاء العدة فقال المصنف إنها إن جاءت به لدون ستة اشهر من عند الاقرار بالانقضاء لحق وإلا فلا والظاهر أنه لا وجه للتقييد بهذه المدة وأن المطلقة المقرة بانقضاء عدتها إن كان الطلاق رجعيا لحق بزوجها لجواز أنه راجعها قبل إقرارها بالانقضاء بلحظة ولا يكون إقرارها حجة عليه في إبطال نسب ولده منه وإبطال نسبه عن ولده مع إمكان بقاء الفراش والحكم بكذب الاقرار أولي من الحكم بإبطال نسب لم يرتفع فيه الفراش ارتفاعا معلوما.
وأما المطلقة بائنا فتجويز وطء زوجها لها لا ينبغي المصير اليه وعلى فرض إمكانه فهو ممنوع منه شرعا فلا يثبت به الفراش وإذا لم يثبت الفراش لم يلحق النسب فلم يلحق النسب بعد إقرار البائنة بالانقضاء الا بدون ستة اشهر لأنه لا يحتمل ان يكون حملا حادثا بعدالاقرار بالانقضاء فيحمل على أنه حمل من الزوج قبل ايقاع الطلاق ولكن كان ينبغي ان لا يقع التقييد بدون الستة الاشهر بل ينبغي ان يقال إنه يلحق به وإن طالت المدة إلي انقضاء اربع سنين عندهم من وقت الطلاق لان عدم العمل باقرارها بالانقضاء أولى من حملها على الزنا وإبطال نسب لم يأذن الشرع بإبطاله ولا جاء به برهان.
وأما عندي فإذا كانت قرائن الحمل ظاهرة فلا حكم للإقرار بالانقضاء مطلقا ويلحق به لفوق اربع سنين لأن ظهور القرائن تدل على كذب اقرارها مع احتمال الوهم منها بل يجب حملها على الوهم بوجود ما يدفعه من القرائن مصاحبا له.
وأما استثناء حمل المعتدة بالشهور للبائن فوجهه انها إذا حبلت فقد تبين انها غير آيسة فلا حكم لاقرارها بالانقضاء وقد عرفناك عند قوله فإن انقطع ولو من قبل تربصت حتى يعود ما ينبغي ان تضمه إلي هذا ملاحظا لثبوت الفراش وان ارتفاعه لا يكون الا بأمر يوجب القطع.
[فصل
ولا عدة فيما عدا ذلك لكن تستبرأ الحامل من زنى للوطء بالوضع والمنكوحة باطلا والمفسوخة من اصله وحربية اسلمت عن كافر وهاجرت كعدة للطلاق الا ان المنقطعة الحيض لعارض اربعة اشهر وعشرا وأم الولد عتقت بحيضتين وندبت ثالثة للموت والمعتقة للوطء بالنكاح بحيضة ولو لمعتق عقيب شراء أو نحوه] .
قوله: فصل: "ولا عدة فيما عدا ذلك".
أقول: وجه هذا عدم ورود دليل يدل على غير من قد وقع نص الكتاب والسنة بالعدة عليهن لان ذلك حكم شرعي فلا يجوز اثباته الا بحجة شرعية.
وأما قوله: "لكن تستبرأ الحامل" الخ فهو استثناء منقطع لأن الاستبراء هو شيء غير العدة شرعه الله سبحانه لبراءة الارحام ولدفع اختلاط الاموال ولم يرد ما يدل على خصوص استبراء الحامل من زنا الا ما قدمنا من الأدلة الدالة على استبراء المسبية والمشتراة ونحوهما فقد ذكرنا هنالك من الأدلة ما يدل بعمومه وإطلاقه على مشروعية الاستبراء إذا كانت تلك العلة موجودة وهي موجودة في الحامل من زنا لكن اقتصاء المصنف على الحامل غير مناسب بل يقال في الزواني لا توطأ منهن حائض حتى تستبرأ بحيضة ولا حامل حتى تضع حملها كما قال صلى الله عليه وسلم فيما ذكرناه سابقا.
ومن جملة الاحايث العامة الشاملة للحامل من زنا حديث أبي هريرة عند أحمد والطبراني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقعن رجل على امرأة وحملها لغيره".
ومنها حديث رويفع الذي تقدم بلفظ: "من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلا يسقى ماءه ولد غيره"، وهو حديث صحيح.
وأما المنكوحة باطلا فهي داخلة تحت الأدلة التي اشرنا اليها كما صلت فيها الزانية.
والشبهة في هذه لا تنتهض لايجايب العدة الشرعية عليها وغاية ما فيها أنه يسقط بها الحد وقد قدمنا تحقيق الكلام في هذه وأمثالها وأما المفسوخة من اصله فقد قدمنا ما يغني عن إعادته هنا.
وأما الحربية التي أسلمت عن كافر وهاجرت فقد قدمنا الاحاديث المصرحة بأنه صلى الله عليه وسلم لم يفرق بين المهاجرات وازواجهن الباقين على الكفر الا بعد انقضاء عدتهن ومن اسلم زوجها وهي في العدة أقرها على نكاحها الأول كما وقع منه صلى الله عليه وسلم في ابنته زينب مع زوجها أبي العاص بن الربيع.
وأخرج مالك في الموطأ عن الزهري أنه قال لم يبلغنا أن امرأة هاجرت إلي الله روسوله وزوجها كافر مقيم بدار الكفر إلا فرقت هجرتها بينها وبين زوجها إلا أن يقدم زوجها مهاجرا قبل ان تنقضي عدتها ولم يبلغنا ان امرأة فرق بينها وبين زوجها إذا قدم وهي في عدتها.
وأما قوله: "إلا ان المنقطعة الحيض لعارض" الخ فقد قدمنا تحقيق الكلام فيه وتخصيص
هذا الموضع بهذا الحكم لهذه المنقطعة لا وجه له بل ينبغي من المصنف ان يجعل حكمها واحدا في عدة واسبتراء.
قوله: "وأم الولد عتقت بحيضتين".
أقول: تخصيص ام الولد بهذا الحكم من التحكم الذي لا وجه له ولا دليل عليه ولو قال هذا من يقول إن عدة الامة حيضتان كان لذلك وجها الحاقا لها بالاماء المنكوحات وأما المصنف فإنه لا يفرق بين عدة الحرة والامة فما باله جاء بهذا الحكم في أم الولد وكان عليه ان يجعل عليها العدة الكاملة كما يجعله على الامة المنكوحة والحرة أو يجعل عليها الاستبراء الذي يعرف به براءة الرحم وهو حيضة كما تقدم في الاماء وأما هذه العدة المتوسطة بين العدتين فمن غرائب الرأي وعجائب التحكم والاحسن إلحاق هذه أم الولد بالامة المزوجة إذا عتقت ثم خيرت فاختارت نفسها وقد قدمنا في حديث بريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم امرها ان تعتد عدة الحرة ثلاثة حيض بجامع ان كل واحدة منهما كانت امة منكوحة ثم عتقت وصارت في يد نفسها.
وأعجب من هذا الذي ذكره المصنف من اعتدادها بحيضتين ما ذكر عقيبه من قوله وندبت ثالثة للموت فإنه جاء أولا بكلام هو هرولة بين عدة الحرائر والاماء وجاء ثانيا بكلام هو هرولة أيضا بين الوجوب وعدمه مع كون العدة عدة وفاة وليس بعد هذا من التسأهل في اثبات الأحكام الشرعية شيء.
وأما قوله: "والمعتقة للوطء بالنكاح بحيضة" فهذا وإن كان رأيا معقولا الحاقا لها بالاماء اللات تجدد عليهن الملك وقد تقدم ما في ذلك من الأدلة لكنه مدفوع بما ذكرناه من امره صلى الله عليه وسلم لبريرة ان تعتد بثلاث حيض عدة الحرة فإن هذه امة عتقت وتلك امة عتقت فالحاق المعتقة بمن عتقت أولى من الحاقها بمن لم تعتق ولا فرق بين ان يكون الذي أراد وطئها بالنكاح هو المعتق أو غيره.
[فصل
ولمالك الطلاق فقط إن طلق رجعيا ولما يرتد احدهما مراجعة من لم تنقض عدتها ويعتبر في الحائض كمال الغسل أو ما في حكمه وتصح وإن لم ينو أما بلفظ العاقل غالبا أو بالوطء أو أي مقدماته لشهوة مطلقا ويأثم العاقل إن لم ينوها به وبلا مراضاة ومشروطة بوقت أو غيره ومبهمة ومولاة ولو لها وفي إجاتها نظر ويجب الاشعار ويحرم الضرار] .
قوله: فصل: "ولمالك الطلاق فقط إن طلق رجعيا" الخ.
أقول: هذا صحيح فالرجعة بيد من بيده الطلاق ولكنه يجوز له ان يوكل من يراجع عنه كما يجوز له أن يوكل من يتزوج له أو يطلق عنه.
وأما تقييد ذلك بقوله: ولما يرتد احدهما فلا حاجة اليه لأن المرتد منهما ان استمر على ردته فإن كان الزوج هو الذي ارتد فمعلوم أنه لا يجوز للكافر نكاح المسلمة لا بإذنها ولا بغير إذنها بل تتربص حتى تنقضي عدتها ثم تنكح من شاءت وإن كانت المرتدة هي الزوجة فكذلك لا يجوز للزوج ان يراجعها وهي كافرة كما قال تعالي: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] .
وأما إذا ارتد احدهما بعد طلاق ثم رجع إلي الإسلام قبل انقضاء العدة فقد عرفناك فيما سبق ان الفرقة قد وقعت بالطلاق وأنها لا يتبعها الفسخ لان المحل غير قابل لذلك ما تقدم في كون الطلاق لا يتبع الطلاق.
قوله: "ويعتبر في الحائض كمال الغسل" الخ.
أقول: قد ذهب إلي هذه جماعة من الصحابة ولكن الحق الذي لا ينبغي العدول عنه هو الرجوع إلي انقضاء العدة التي شرعها الله للمعتدات فإذا انقضت الحيضة الثالثة انقضت العدة وليس الغسل الا لجواز مثل الصلاة والتلأوة ودخول المسجد لا لأمر يرجع إلي العدة فإنها قد انقضت ومضت ولم يبق لها حكم.
وأما قوله: "وتصح وإن لم تنو" فإن أراد ان النية غير واجبة في الرجعة فمدفوع بانها عمل وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إنما الاعمال بالنيات"، وإن أراد انها واجبة ولا تبطل الرجعة بتركها بناء على ان الرجعة التي شرعها الله قد وقعت واثم التارك للنية لا يستلزم بطلان الرجعة فهذا له وجه ولكن كيف يتصور ان تقع الرجعة من الفاعل ولم ينوها فإن نفس القصد إلي الرجعة يستلزم حصول النية لأن النية هي القصد وقد وقع فإن قدرنا مثلا أنه جاء بلفظ يفيد الرجعة وهو غير قاصد للرجعة فليست هذه برجعة اصلا لأن تلفظ المتكلم بما لا يريده لاحكم له بل هو من اللغو الباطل والهذيان البحت.
وهكذا لو قدرنا أنه وطئها لا بنية الرجعة فإن هذا الوطء ليس برجعة شرعية بل هو بالزنا اشبه ولعل الذي حمل المصنف على هذا المشي على ما قدمه من قوله ويجب النية لا الاستئناف فيهما ولكن هذا يرد عليه هنالك كما يرد عليه هنا.
قوله: "أما بلفظ العاقل أو بالوطء" الخ.
أقول: أما اللفظ فظاهر ان الله سبحانه شرع للأزواج الرجعة وليس المراد بها إلا أن يراجعها إلي نكاحه بان يقول قد ارجعتك أو راجعت فلانة أو يؤذنها بأنها تعود إلي ما كانت عليه أو يامرها بأن تدخل إلي المكان الذي كانا يجتمعان فيه وهي غير مطلقة وهو يعلم انها تفهم من ذلك الرجعة.
وأما مراجتها بالوطء باديء بدء بأن لا تشعر الا وقد اقتحم عليها وأخذ برجلها ونكحها فهذا وإن كان رجعة لأنه لا يفعله الا من أراد الرجوع فيما كانا فيه من النكاح ومجرد القصد إلي هذا قبل صدوره منه يفيد الرجعة ولكن هذه الرجعة دوأبية لا إنسانية فضلا عن ان تكون شرعية
وإنما يفعل مثل هذا الفعل الزناة ولم يكن له إلي ذلك حاجة فإنه كان يكفيه ان يناديها من وراء الباب للمنزل الذي هي فيه أنه قد راجعها ثم يدخل بعد ذلك سريعا ويطأها كيف شاء وعلى أي صفة أراد فيكون قد وقع منه الاشعار وفعل ما يعفله المتشرعون ولم يفت عليه قضاء حاجته والبلوغ إلي شهوته.
وأما قوله: "ويأثم الفاعل إن لم ينوها به" فهذا مع عدم النية لم يرد الرجعة بل أراد الزنا وليست هذه رجعة شرعية. وأما كونها تصح بلا مراضاة فصحيح لان الله سبحانه أباح ذلك للأزواج ولم يعتبر رضا الزوجات.
وأما كونها تصح مشروطة فللزوج ذلك وقد يكون له في الشرط فائدة تحت الزوجة على كمال الطاعة وهكذا تصح الرجعة المبهمة ويرجع اليه في التعيين فإن عين من هي المقصود له تعينت وإن لم يعين حتى مات فإحداهما زوجة تستحق الميراث ويكون الميراث بينهما ويجب عليهما العدة.
وأما قوله: "ومولاة" فصحيح كما قدمنا في أول هذا الفصل ولا وجه لقول المصنف فقط فإنه إن أراد إخراج رجعة من لم يكن بزوج مع عدم رضا الزوج فذلك معلوم لا يحتاج إلي ذكره وإن أراد أنه لا يصح منه التوكيل بها ونحوه فهو مخالف لما هنا فإن التولية نعم التوكيل.
وأما قوله: "وفي إجازتها نظر" فلا وجه لهذا النظر لأن إجازة الرجعة رجعة.
قوله: "ويجب الاشعار".
أقول: لا شك في ان هذا واجب على الزوج للزوجة ولا سيما إذا كان ترك الاشعار لها يؤدي إلي ان تقع في محظور من إجابة خطبة من يخطبها أو الدخول في نكاح من يريد نكاحها بل الظاهر وجوب الاشعار لمن يتصل به ويجأوره لئلا يظنوا به مالا يحل واجتناب ذلك واجب بل قد ورد ما يدل على وجوب الاشهاد فأخرج أحمد وابن ماجه والطبراني والبيهقي بسند صحيح عن عمران بن الحصين أنه سئل عن الرجل يطلق امراته ثم يقع بها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجتها فقال: طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة اشهد على طلاقها وعلى رجتها ولا تعد فإن قوله: لغير سنة يدل على أنه قد عرف من السنة ما يفيد الاشهاد فهو كقول الصحأبي من السنة كذا.
ومما يؤيد هذا: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]، فإنه وارد عقب قوله:{فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] ، وقد وقد الاجماع على عدم وجوب الاشهاد في الطلاق واتفقوا على الاستحباب.
قوله: "ويحرم الضرار".
أقول: الضرار محرم على كل حال وهو اشد تحريما لمن وصى الله بهن عباده كما تقدم ولمن قال في حقهن {وَلا تُضَارُّوهُنَّ} [الطلاق: 6] ، ولمن قال في حقهن {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ
تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229]، وقد قدمنا ان قوله تعالى:{الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] ، نزل في الرجل الذي قال لامرأته والله لا اطلقك فتبيني ولا أويك ابدا قالت وكف ذلك قال اطلقك فكلما همت عدتك ان تنقضي راجعتك فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت الاية [الترمذي "1192".
[فصل
والقول لمنكر البائن غالبا ولتمتنع منه مع القطع ولمنكر وقوعه في وقت مضى وفي الحال إن كان الزوج ولمنكر تقييده وحصول شرطه ممكن البينة ومجازيته وللزوج في كيفيته ولمنكر الرجعة بعد التصادق على انقضاء العدة لا قبله فلمن سبق في المعتادة وللزوج في النادرة ولمنكر مضيها غالبا فإن ادعاه الزوج حلفت في دعوى انقضاء الحيض الاخر كل يوم مرة وفي إنكارها الجملة كل شهر مرة وتصدق من لا منازع لها في وقوع الطلاق وانقضاء عدتها.
قوله: فصل: "والقول لمنكر البائن".
أقول: الاصل عدم البينونة فمدعيها مدع ومنكره منكر وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن البينة على المدعي واليمين على المنكر"، فهذا فرد من الأفراد المندرجة تحت هذا الحديث العام والشرع الشامل.
وأما قوله: "ولتمتنع منه مع القطع" فلما هو معلوم من ان تمكينها من نفسها منكر في اعتقادها حيث هي قاطعة بالبينونة قطعا بمستند شرعي لا بمجرد الخيال ولا بمجرد فتأوى المقصرين.
وأما قوله: "ولمنكر وقوعه في وقت مضى" فلكون الاصل عدمه وموافق الاصل منكر ومدعى خلاف الاصل مدع وعلى المدعى البينة وعلى المنكر اليمين.
وأما قوله: "وفي الحال إن كان الزوج" فصحيح لأن الاصل وقوع الطلاق بخلاف ما إذا كان الزوج ينوي المدعى فإنه يصح منه إنشاء الطلاق في الحال.
وهكذا قوله لمنكر تقييده لان الاصل عدم التقييد وهكذا منكر حصول شرطه لان الاصل عدم حصوله ولا وجه للتقييد بقوله وممكن البينة لان كل شرط يمكن البينة عليه الا ان يجعل الشرط امرا يرجع إلي ضميرها وما في نفسها مثلا فإن ذلك لا يعرف الا من جهتها.
وهكذا يكون القول لمنكر مجازيته لان المجاز خلاف الاصل والاصل الحقيقة.
وأما قوله: "وللزوج في كيفيته" فغير مسلم بل إن كانت تلك الكيفية خلاف ما هو المتبادر