الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الصيد
[فصل
إنما يحل من البحري ما أخذ حيا أو ميتا بسبب آدمي أو جزر الماء أو قذفه أو نضوبه فقط والأصل فيما التبس هل قذف حيا الحياة ومن غيره في غير الحرمين ما انفرد بقتله بخرق لا صدم ذو ناب يقبل التعليم أرسله مسلم مسم أو زجره وقد استرسل فانزجر ولحقه فورا وإن تعدد ما لم يتخلل إضراب ذي الناب أو هلك بقتل مسلم بمجرد ذي حد كالسهم وإن قصد به غيره ولم يشاركه كافر فيهما.
والأصل في الملتبس الحظر وهو لمن أثر سهمه والمتأخر جان ويذكي ما أدرك حيا ويحلان من ملك الغير ما لم يعد له حائزا وبالآلة الغصب] .
قوله: "باب الصيد".
فصل: "إنما يحل من البحري ما أخذ حيا أو ميتا بسبب آدمي" الخ.
أقول حديث: "هو الطهور ماؤه والحل ميتته"، قد تقدم وقد ذكرنا طرقه مستوفاة في شرح المنتقى وهو مما تقوم به الحجة وظاهره أن ميتة البحر حلال على كل حال سواء مات بسبب آدمي أو بسبب من الماء أو مات لا بسبب ويؤيده حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر قال:"أحل لنا ميتتان ودمان وأما الميتتان فالحوت والجراد وأما الدمان فالكبد والطحال" أخرجه أحمد ["2/97"] وابن ماجة ["3314"] والشافعي والدارقطني والبيهقي وقد أعل بالوقف وقيل الموقوف أصح ولكن له طرق يقوي بعضها بعضا على أن الموقوف له حكم الرفع لأن قول الصحابي: "أحل لنا" كالرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ التحليل لا يكون إلا منه. ويؤيده ما أخرجه الدارقطني عن أبي شريح من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ذبح ما في البحر لبني آدم"، وذكره البخاري عن أبي شريح موقوفا وللوقف حكم الرفع في مثل هذا لما قدمنا.
ويؤيد لجميع حديث الحوت المسمى بالعنبرة التي أكلها الصحابة فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "كلوا رزقا أخرجه الله سبحانه لكم أطعمونا إن كان معكم"، فأتاه بعضهم بشيء فأكله وهو في الصحيحين [البخاري "8/77، 78"، مسلم "1935"] ، وغيرهما [أيو داود "3840"، النسائي "7/207، 209"، أحمد "3/304، 309، 311"] ، من حديث جابر ولم يسألهم النبي صلى الله عليه وسلم بأي سبب كان موتها وترك الاستفصال في مقام الاحتمال منزل منزلة العموم في الأقوال.
فتقرر بمجموع هذه الأدلة أن ميتة البحر حلال بأي سبب كان ولا يصلح لتخصيص هذه العمومات ما أخرجه أبو داود "3815"، مرفوعا من رواية يحيى بن سليم عن جابر بلفظ:"ما ألقاه البحر أو جزر عنه فكلوه وما مات فيه فطفا فلا تأكلوه"، لأنه قد أعل بأن يحيى بن سليم ضعيف الحفظ وقد أعل بالوقف وهو الصواب وقد استوفينا كلام الحفاظ عليه في شرح المنتقى ومع أنه قد روي عن بعض الصحابة ما يعارض هذا الموقوف على جابر فأخرج البخاري "9/614"،عن أبي بكر الصديق أنه قال:"الطافي حلال" وأخرج البخاري "9/614"، أيضا عن ابن عباس أنه قال في تفسير الآية:"طعامه ميتته".
قوله: "ومن غيره في غير الحرمين ما انفرد بقتله بخرق لا صدم ذو ناب يقبل التعليم".
أقول: أما الاصطياد بالكلاب المعلمة فالأحاديث الكثيرة الصحيحة قد وردت بجواز ذلك ومنها حديث أبي ثعلبة الخشني في الصحيحين [البخاري "5478"، مسلم "1930"] ، وغيرهما [أبو داود "2856، 2857"، ابن ماجة "3207"، أحمد "14/193، 194"]،بلفظ:"ما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله عليه فكل وما صدت بكلبك غير المعلم فأدركت ذكاته فكل"، وفي معناه حديث عدي بن حاتم في الصحيحين البخاري "5475"، مسلم "1، 2، 3/1929"، وغيرهما أبو داود "2848"، الترمذي "1470، 1471"، النسائي "7/179، 180"، ابن ماجة "3214"، أحمد "4/256"] .
وأما الصيد بالباز فلحديث أحمد وأبي داود والبيهقي من حديث عدي بن حاتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما علمت من كلب أو باز ثم أرسلته وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك". وقد أعل بتفرد مجالد بن سعيد بذكر الباز قال البيهقي تفرد بذكر الباز فيه مجالد وخالفه الحفاظ انتهى ولا يخفى أن مجالدا من رجال مسلم وأهل السنن وأما ما ذكره بعض الشراح من أن الترمذي أخرجه من طريق أخرى فلا أصل لذلك بل لم يخرجه إلا من طريق مجالد وقال بعد إخراجه هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث مجالد عن الشعبي انتهى.
والحاصل أن الله سبحانه قد قال في كتابه العزيز: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4] ، فما صدق عليه أنه من الجوارح فالصيد به حلال فالبازي إذا كان من جملة الجوارح لم يحتج إلى الاستدلال عليه بغير الآية.
وأما قوله: "مكلبين" المراد به معلمين لما تصيدون به وليس المراد الكلاب فقط فقد ذهب إلى حل صيد جميع الجوارح جمهور العلماء وأما التعليم فهو مجمع على اشتراطه كما حكى ذلك ابن رشد في نهايته.
وأما اشتراط أن يكون الصيد في غير الحرمين فوجهه واضح وأدلته قد تقدمت في الحج وأما اشتراط أن يكون القتل بخرق لا صدم فيدل عليه اشتراط ذلك في الصيد الذي صيد بالرمي كما في حديث عدي بن حاتم الثابت في الصحيحين البخاري "9/604"، نممسلم "1/1929"، وغيرهما أبو داود "2827"، الترمذي "1465"، ابن ماجة "3215"، النسائي "4276"، أنه صلى الله عليه وسلم قال له: "إذا رميت
بالمعراض فخزق فكله وإن أصابت بعرضه فلا تأكله"، ولكنه قد ورد في صيد الكلاب المعلمة ما يدل على أن مجرد إمساكها ذكاة كما في حديث عدي أيضا في الصحيحين البخاري "5475"، مسلم "1929"، وغيرهما الترمذي "1471"، النسائي "4275"، ابن ماجة "4214"، بلفظ: "فإن أمسك عليك فأدركته فاذبحه وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله فإن أخذ الكلب ذكاة"، فلم يشترط صلى الله عليه وسلم في أحاديث صيد الكلب إلا التعلم والتسمية وألا يأكل منه ولم يذكر اشتراط القتل أو تحريم ما قتله الكلب بالصدم وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم كما تقرر في الأصول ولفظ الإمساك والقتل يصدق على ما كان بالصدم كما يصدق على ما كان بالخرق.
قوله: "أرسله مسلم مسم".
أقول: أما الإرسال فهو مصرح به في الأحاديث الصحيحة بلفظ إذا أرسلت كلبك المعلم فلا بد من الإرسال وإلا كان الكلب صائدا لنفسه لا لصاحبه وهكذا اشتراط التسمية قد صرحت به الأحاديث الصحيحة ومنها بلفظ: "إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله".
وأما اشتراط الإسلام فلم يقم على ذلك دليل تقوم به الحجة لكنه إذا لم يسم لم يحل صيده من هذه الحيثية ولعله يأتي إن شاء الله في باب الذبح مزيد كلام على هذا وقد قدمنا أن اشتراط التعليم مجمع عليه وأما اشتراط أن يلحقه فورا فلا دليل عليه بل المعتبر أن يعلم أنه ما أصابه الجارح الذي أرسله أو السهم الذي رمى به وفي لفظ في الصحيح مسلم 1931"، "إذا رميت بسهمك فغاب عنك فأدركته فكل ما لم ينتن" وفي لفظ الصحيح مسلم "7/1929"، أيضا: "كله إلا أن تجده في ماء".
وأما قوله: "ما لم يتخلل إضراب ذي الناب" فالظاهر أنه لا وجه له لأن مجرد الإرسال في الابتداء بما يكفي والجارح إنما انبعث مرة أخرى بسبب ذلك الإرسال ولا يقال قد يكون انبعاثه بعد الإضراب ليمسك على نفسه لأنا نقول ذلك خلاف الظاهر فالكلب المعلم مرسل وهذا يكفي.
قوله: "أو هلك بفتك مسلم بمجرد ذي حد".
أقول: أما اشتراط الإسلام فقد تقدم ما فيه وأما قوله بمجرد ذي حد فليس في الأحاديث إلا مجرد الخرق وهو يحصل بغير ذي الحد ولا يخرج من ذلك إلا ما كان مقتولا بالصدم فإنه وقيذ كما يصيبه المعراض بعرضه ومن جملة ما يحل الصيد به من الآلات هذه البندقة الحديد التي نرمي بها بالبارود والرصاص فإن الرصاصة يحصل بها خرق زائد على خرق السهم والرمح والسيف ولها في ذلك عمل يفوق كل آلة ويظهر لك ذلك بأنك لو وضعت ريشة أو نحوها فوق رماد دقيق أو تراب دقيق وغرزت فيه شيئا يسيرا من أصلها ثم ضربتها بالسيف المحدد أو نحوه من الآلات لم يقطعها وهي على هذه الحالة ولو رميتها بهذه البنادق لقطعتها فلا وجه لجعلها قاتلة بالصدم لا من عقل ولا من نقل.
وأما ما روي من النهي عن أكل ما رمي بالبندقة كما في رواية من حديث عدي ابن حاتم
عند أحمد "17/148"، بلفظ:"ولاتأكل من البندقة إلا ما ذكيت"، فالمراد بالبندقة هنا هي التي تتخذ من طين يرمي بها بعد أن تيبس وفي صحيح البخاري "9/603"، قال ابن عمر في المقتولة بالبندقة:"تلك الموقوذة" وكرهه سالم والقاسم ومجاهد وإبراهيم وعطاء والحسن.
وهكذا ما صيد بحصى الخذف فقد ثبت في الصحيحين البخاري "6220"، مسلم "55/1954"، وغيرهما أبو داود "5270"، النسائي "7/47"، ابن ماجة "3226"، من حديث عبد الله بن المغفل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف وقال:"إنها لا تصيد صيدا ولا تنكأ عدوا ولكنها تكسر السن وتفقأ العين"، ومثل هذا ما قتل بالرمي بالحجارة غير المحددة إذا لم تخرق فإنه وقيذ لا يحل وأما إذا خرقت حل.
وأما قوله: "وإن قصد به غيره" فلا وجه له لأنه لا بد أن يكون الصائد صائدا لصيد معين مرسلا لسهمه عليه مسميا عند الرمي لكنه إذا أطلق التسمية بجعلها لصيد معين كمن يرمي إلى قطيع من الصيد فيسمى على ما أصابه السهم منها فهذا صيد حلال.
وأما قوله: "لم يشاركه كافر فيهما" فقد عرفت أنه لا دليل على تحريم صيد الكافر فلا يضر مشاركته للمسلم إذا وقعت منه التسمية وأما كون الأصل في الملتبس الحظر فهو يستقيم فيما إذا وجد الصيد قد قتله الجارح ولم يدر هل ما أرسله هو الذي أصابه أو غيره وهكذا إذا شك هل السهم الذي فيه هو سهمه أو سهم غيره وأما إذا شك هل أمسكه الجارح على الصائد أم أمسكه لنفسه فالأصل عدم إمساكه لنفسه بعد تعليمه وإرساله والتسمية عليه كما تقدم وهكذا إذا شك هل أكل منه أم لا؟ فالأصل عدم أكله منه وأما إذا تيقن أنه أكل منه لم يحل صيده لما قدمنا في الحديث الصحيح من اشتراطه صلى الله عليه وسلم عدم أكل الجارح من الصيد.
وأما ما أخرجه أبو داود "2857"، من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أعرابيا يقال له أبو ثعلبة قال: يا رسول الله إن لي كلابا مكلبة فأفتني في صيدها فقال: "كل مما أمسك عليك وإن أكل منه" فهذا الحديث لا يعارض ما ثبت في الصحيح ولا سيما بعد تعليله صلى الله عليه وسلم بقوله: "فإنما أمسك على نفسه"، وقد قيل أنه يجمع بين الأحاديث بأن النهي محمول على ما إذا قتله كلب ونحوه وخلاه ثم عاد وأكل منه ولا وجه لهذا الجمع ولا يقوي الحديث على معارضة الأحاديث الثابتة في الصحيحين من طرق ولا سيما بعد اشتمالها على النهي عن الأكل كما في حديث عدي بن حاتم في الصحيحين وغيرهما بلفظ:"إلا أن يأكل الكلب فلا تأكل".
وأما كونه لمن أثر سهمه فظاهر لأن الاصطياد وقع به ولا حكم للآخر وأما التذكية حيا فوجه وجوب ذلك ما في الصحيحين وغيرهما من حديث عدي بن حاتم بلفظ: "فإن أمسك عليك فأدركته حيا فاذبحه" فإنه يدل على وجوب التذكية لما أدركه حيا.