المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الحدود ‌ ‌مدخل … كتاب الحدود [فصل تجب إقامتها في غير المسجد على الإمام وواليه - السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌[مقدمة لا يسع المقلد جهلها

- ‌كتاب الطهارة

- ‌باب النجاسات

- ‌[باب المياه

- ‌[باب ندب لقاضي الحاجة التواري

- ‌[باب الوضوء

- ‌[باب الغسل

- ‌[باب التيمم

- ‌[باب الحيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌مدخل

- ‌[باب الأوقات

- ‌[باب الإذان والإقامة

- ‌[باب صفة الصلاة

- ‌[باب والجماعة سنة مؤكدة

- ‌[باب سجود السهو

- ‌[باب والقضاء

- ‌[باب صلاة الجمعة

- ‌[باب ويجب قصر الرباعي

- ‌[باب وشرط جماعة الخوف

- ‌[باب وفي وجوب صلاة العيدين خلاف

- ‌[باب ويسن للكسوفين حالهما ركعتان

- ‌[كتاب الجنائز

- ‌كتاب الزكاة

- ‌مدخل

- ‌[باب في نصاب الذهب والفضة

- ‌باب زكاة الإبل

- ‌[باب ولا شيء فيما دون ثلاثين من البقر

- ‌[باب ولا شيء فيما دون أربعين من الغنم

- ‌[باب " ما أخرجت الارض في نصاب فصاعدا ضم احصاده الحول

- ‌[باب " ومصرفها من تضمنته الآية

- ‌[باب والفطرة تجب من فجر أول شوال إلي الغروب

- ‌كتاب الخمس

- ‌كتاب الصيام

- ‌مدخل

- ‌[باب وشروط النذر بالصوم

- ‌[باب الاعتكاف وشروطه

- ‌كتاب الحج

- ‌مدخل

- ‌باب العمرة

- ‌باب المتمتع

- ‌باب القارن

- ‌كتاب النكاح

- ‌مدخل

- ‌باب على واهب الأمة وبائعها استبراء غير الحامل

- ‌[باب الفراش

- ‌كتاب الطلاق

- ‌[باب إنما يصح من زوج مختار مكلف

- ‌[باب الخلع

- ‌[باب العدة

- ‌[باب الظهار

- ‌[باب الايلاء

- ‌[باب اللعان

- ‌[باب الحضانة

- ‌[باب النفقات

- ‌[باب الرضاع

- ‌كتاب البيع

- ‌مدخل

- ‌باب الشروط المقارنة للعقد

- ‌باب الربويات

- ‌[باب الخيارات

- ‌باب ما يدخل في المبيع

- ‌باب البيع غير الصحيح

- ‌باب المأذون

- ‌باب المرابحة

- ‌[باب الإقالة

- ‌[باب القرض

- ‌[باب الصرف

- ‌[باب السلم

- ‌كتاب الشفعة

- ‌كتاب الإجارة

- ‌مدخل

- ‌باب وإجارة الآدميين

- ‌باب المزارعة

- ‌باب الإحياء والتحجر

- ‌باب المضاربة

- ‌كتاب الشركة

- ‌مدخل

- ‌باب شركة الأملاك

- ‌باب القسمة

- ‌كتاب الرهن

- ‌كتاب العارية

- ‌كتاب الهبة

- ‌كتاب الوقف

- ‌كتاب الوديعة

- ‌كتاب الغصب

- ‌كتاب العتق

- ‌مدخل

- ‌[باب والتدبير

- ‌باب الكتابة

- ‌[باب الولاء

- ‌كتاب الأيمان

- ‌مدخل

- ‌[باب الكفارة

- ‌باب النذر

- ‌باب الضالة واللقطة واللقيط

- ‌باب الصيد

- ‌باب الذبح

- ‌باب الأضحية

- ‌باب الأطعمة والأشربة

- ‌باب اللباس

- ‌كتاب الدعاوى

- ‌كتاب الإقرار

- ‌كتاب الشهادات

- ‌كتاب الوكالة

- ‌باب الكفالة

- ‌باب الحوالة

- ‌باب التفليس

- ‌باب الصلح

- ‌باب الإبراء

- ‌باب الإكراه

- ‌باب القضاء

- ‌كتاب الحدود

- ‌مدخل

- ‌باب حد القذف

- ‌باب حد الشرب

- ‌باب حد السارق

- ‌كتاب الجنايات

- ‌مدخل

- ‌باب الديات

- ‌باب القسامة

- ‌كتاب الوصايا

- ‌كتاب السير

الفصل: ‌ ‌كتاب الحدود ‌ ‌مدخل … كتاب الحدود [فصل تجب إقامتها في غير المسجد على الإمام وواليه

‌كتاب الحدود

‌مدخل

كتاب الحدود

[فصل

تجب إقامتها في غير المسجد على الإمام وواليه إن وقع سببها في زمن ومكان يليه وله إسقاطها وتأخيرها لمصلحة وفي القصاص نظر ويحد العبد حيث لا إمام سيده والبينة إلى الحاكم] .

قوله: "يجب إقامتها في غير مسجد على الإمام وواليه".

أقول: أما كونها تقام في غير مسجد فقد ثبت في الصحيح [مسلم "20/1694"] ، أنهم خرجوا بماعز إلى البقيع وأخرج أحمد "3/434"، وأبو داود "4490"، والحاكم وابن السكن والدا رقطني والبيهقي من حديث حكيم بن حزام النهي عن إقامة الحدود في المساجد قال ابن حجر ولا بأس بإسناده وأخرجه الترمذي "1401"، وابن ماجة "3599"، من حديث ابن عباس قال ابن حجر وفيه إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف وأخرجه البزار من حديث جبير بن مطعم قال ابن حجر وفيه الواقدي ورواه ابن ماجة "2600"، من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ نهى أن يجلد الحد في المسجد قال ابن حجر وفيه ابن لهيعة انتهى.

ولا يخفاك أن هذه الأحاديث يقوي بعضها بعضا فتقوم بها الحجة لا سيما مع تجنبه صلى الله عليه وسلم لإقامة الحدود في المسجد ولم يثبت عنه أنه أقام حدا في المسجد قط.

وأما كونه يجب إقامة الحدود على الإمام وواليه فوجهه واضح ظاهر لأن الله سبحانه قد أمر عباده بإقامة الحدود وقال: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2]، وقال:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]، وقال:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ} [المائدة: 33] ، الآية والتكليف في هذا وإن كان متوجها إلى جميع المسلمين ولكن الأئمة من يلي من جهتهم ومن له قدرة على تنفيذ حدود الله مع عدم وجود الإمام يدخلون في هذا التكليف دخولا أوليا ويتوجه إليهم الخطاب توجها كاملا.

ومما يدل على تأكد الوجوب ما ثبت في صحيح مسلم "1688"، وغيره أحمد "6/162"، من حديث عائشة قالت: كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها فأتى أهلها أسامة بن زيد فكلموه فكلم النبي صلى الله عليه وسلم فيها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أسامة لا أراك تشفع في حد من حدود الله عز وجل"، ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا فقال: "إنما أهلك من كان قبلكم بأنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه والذي نفسي بيده لو كانت

ص: 837

فاطمة بنت محمد لقطعت يدها"، فقطع يد المخزومية ومن هذا حديث: "من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله عزوجل في أمره"، أخرجه أحمد "3585، 5544"، وأبو داود "3597"، والحاكم وصححه من حديث ابن عمر ومن ذلك حديث: "ما بلغني من حد فقد وجب"، أخرجه أبو داود 4376"،والنسائي "4886"، من حديث عبد الله بن عمرو ابن العاص وفي الباب أحاديث دالة على عدم جواز إسقاط الحدود وعدم جواز الشفاعة فيها وأحاديث قاضية بالترغيب في إقامتها والترهيب عن إهمالها.

قوله: "إن وقع سببها في زمن ومكان يليه".

أقول: هذا مبني على أن الحدود إلى الأئمة وأنه لا يقيمها غيرهم على من وجبت عليه وليس على هذا أثارة من علم وما استدلوا به من المروي بلفظ: "أربعة إلى الأئمة" فلا أصل له ولا يثبت بوجه من الوجوه بل هو مروي من قول بعض السلف ولا شك أن الإمام ومن يلي من جهته هم أولى من غيرهم كما قدمنا.

وأما أنه يقيمها إلا الأئمة وأنها ساقطة إذا وقعت في غير زمن إمام أو في غير مكان يليه فالباطل وإسقاط لما أوجبه الله من الحدود في كتابه والإسلام موجود والكتاب والسنة موجودان وأهل الصلاح والعلم موجودون فكيف تهمل حدود الشرع بمجرد عدم وجود واحد من المسلمين ومع هذا فلا يعدم من له ولاية من إمام أو سلطان أو متول من جهة أحدهما أو منتصب بالصلاحية في كل قطر من أقطار المسلمين وإن خلا عن ذلك بعض البادية لم تخل الحاضرة.

قوله: "وله إسقاطها".

أقول: الإمام عبد من عباد الله سبحانه أنعم عليه بأن جعل يده فوق أيديهم وجعل أمره نافذا عليهم وأهم ما يجب عليه العمل بما شرعه الله لعباده وحمل الناس عليه وتنجيز ما أمر الله به ومن أعظم ما شرعه لهم وعليهم إقامة الحدود فكيف يقال إن لهذا العبد المنعم عليه أن يبطل ما أمر الله به ويهمل ما الله لعباده وأمرهم بأن يفعلوه وورد عن نبيه صلى الله عليه وسلم الوعيد الشديد على من تسبب لإسقاط الحد بشفاعة أو نحوها.

فالحاصل أن الإمام والسلطان لهم الأسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان يقيم الحدود على من وجبت عليه ولم يسمع عنه أنه أهمل حدا بعد وجوبه ورفعه إليه وليس الاستثبات بإسقاط ولا من أسبابه وهكذا ليس درء الحد بالشبهة من ذلك ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا تركتموه"، في قصة ما عز فإنه مبني على أن الحد يدرأ بالشبهة وأما ما عزا لما قال:"إن قومه غروه وخدعوه" كان ذلك شبهة له وبهذا تعرف أنه ليس للإمام إسقاط ما أوجبه الله إلا ببرهان من الله لا من جهة نفسه فإنه لم يفوض إليه ذلك ولا من عهدته ولا مما له مدخل فيه فإن فعل فهو معاند لله ولرسوله مضاد له خارج عن طاعته

ص: 838

تارك للقيام بما أمره به وهكذا ليس له تأخير ما قد وجب ولا التثبيط عما قد ثبت فإنه عبد مكلف مأمور منهى ليس بمعصوم ولا شارع.

وأما قوله: "وفي القصاص نظر" فهذا النظر لا وجه له بل الأمر أوضح من أن يحتاج النظر والحق لآدمي والإمام مأمور بإنصاف المظلوم وإيصاله بما ظلم به والأخذ على يد الظالم فالتأخير رجوع إلى نوع من أنواع المناسب المهلة كما هو معروف في كتب الأصول وهكذا ما تقدم من تجويز إسقاط الحد وتأخيره لمصلحة فله تأثير لذلك النوع من أنواع المناسب على ما في الكتاب والسنة وهكذا فليكن تأثير محض الرأي على الشرع الواضح.

قوله: "ويحد العبد حيث لا إمام سيده".

أقول: قد ثبت السنة الصحيحة بأن الأمة إذا زنت فليحدها سيدها كما في الصحيحين [البخاري "4/369، 4/421، 5/178، 12/162"، مسلم "1703"] ، وغيرهما [الترمذي "1440"، أبو داود "4469، 4470، 4471"، ابن ماجة 2565"] ، من حديث أبي هريرة وزيد بن خالد وأخرج مسلم في صحيحه "34/1705"، وأحمد "1/95"، وأبو داود "4473"، والحاكم والبيهقي من حديث علي مرفوعا:"أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم"، فحد الأرقاء إلى المالكين لهم ليس إلى الأمام من ذلك شيء ولا فرق بين وجوده وعدمه ولا وجه لجعل البينة إلى الحاكم بل الأمر في ذلك إلى السيد ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم:"إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها"، فإن المراد تبين للسيد أنها زنت ولا يكون ذلك إلا بمستند صالح لإقامة الحد وقد كانت إقامة الحدود على الأرقاء من المالكين لهم شائعة في الصحابة ومن بعدهم من السلف الصالح لا ينكر ذلك أحد منهم.

[فصل

والزنا وما في حكمه إيلاج فرج في فرج حي محرم قبل أو دبر بلا شبهة ولو بهيمة فيكره أكلها ومتى ثبت بإقراره مفصلا في أربعة من مجالسه عند من إليه الحد أو بشهادة أربعة عدول أو ذميين على ذمي ولو مفترقين واتفقوا على إقراره كما مر أو على حقيقته ومكانه ووقته وكيفيته جلد المكلف المختار غالبا ولو معقولا أوقع غير مكلف صالح للوطء أو قد تاب وقدم عهده الحر البكر مائة وينصف للعبد ويححص للمكاتب ويسقط الكسر والرجل قائما والمرأة اعدة مستترين بما هو بين الرقيق والغليظ بسوط أو عود بينهما وبين الحديد والعتيق خلي من العقود ويتوقى الوجه والمراق ويمهل حتى تزول شدة الحر والبرر والمرض والمرجو وإلا فبعثكول تباشره كل ذيوله ان احتملها وأشدها التعزير ثم حد الزنا ثم القذف ولا تغريب] .

ص: 839

قوله: "فصل: والزنا إيلاج فرج في فرج" الخ.

أقول: هذا هو الزنا الشرعي الذي يجب به الحد وقد قال صلى الله عليه وسلم لمن أقر بالزنا لديه: "أنكتها؟ "، قال: نعم قال: "كما يغيب المرود في المكحلة والرشاء في البئر؟ " قال: نعم، هكذا في حديث أخرجه النسائي "4/276، 277"، والدارقطني من حديث أبي هريرة.

وقوله: "أو من دبر" يشمل عمل من عمل قوم لوط إذا وقع منه الإيلاج المذكور وجب عليه الحد البكر بجلد والمحصن يرجم ولكنه قد ورد ما يدل على قتل من عمل هذا العمل ومن عمل به فأخرج أحمد "1/300"، وأبو داود "4462"، وابن ماجة "2561"، والترمذي "1456"، والحاكم والبيهقي من حديث ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به"، قال ابن حجر رجاله موثقون إلا أن فيه اختلافا وقال الترمذي إنما يعرف هذا الحديث عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من هذا الوجه وروى محمد بن إسحاق هذا الحديث عن عمرو بن أبي عمرو قال:"ملعون من عمل عمل قوم لوط" ولم يذكر القتل انتهى وقال يحيى بن معين عمرو بن أبي عمر مولى المطلب ثقة ينكر عليه حديث عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اقتلوا الفاعل والمفعول به"، انتهى وقد احتج البخاري ومسلم وغيرهما بأحاديث عمرو بن أبي عمرو.

وفي الباب عن أبي هريرة عند ابن ماجة والحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اقتلوا الفاعل والمفعول به أحصنا أو لم يحصنا"، وفي إسناده ضعيف قال ابن الطلاع في أحكامه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رجم في اللواط ولا أنه حكم فيه وثبت عنه أنه قال اقتلوا الفاعل والمفعول به رواه عنه ابن عباس وأبو هريرة انتهى ورواه أبو الفتح الأزدي في الضعفاء والطبراني في الكبير من وجه آخر عن أبي موسى وفيه بشر بن الفضل البجلي وهو مجهول وقد أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده عنه وقد قتل اللوطي في زمن الخلفاء الراشدين وأجمعوا على ذلك ولا يضر اختلاف صفة القتل وذهب إلى ذلك جماعة من العلماء.

قوله: "بلا شبهة".

أقول: وجه هذا ما أخرجه ابن ماجة "2545"، من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ادفعوا الحدود ما وجدتم لها مدفعا"، وفي إسناده إبراهيم ابن الفضل وهو ضعيف وأخرج الترمذي والحاكم والبيهقي من حديث عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ادرأوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن كان له مخرج فخلوا سبيله فإن الإمام إن يخطيء في العفو خير من أن يخطيء في العقوبة"، وفي إسناده يزيد بن زياد الدمشقي وهو ضعيف وقد روي الدرء بالشبهات من غير هاتين الطريقتين مرفوعا وموقوفا والجميع يصلح للاحتجاج به لا سيما والأصل في الدماء ونحوها العصمة فلا تستباح مع وجود ما يدل على سقوط الحد.

ص: 840

وأما الاستدلال بمثل قوله صلى الله عليه وسلم: "ولو كنت راجما أحدا بغير بينة رجمت فلانة"، كما في الصحيحين [البخاري "5310"، مسلم "1497"، وغيرهما ابن ماجة "2560"، فليس فيه إلا اشتراط البينة وعدم جواز الحد بدونها كالقرائن القوية وليس هذا من درء الحد بالشبهة لأنه لم يكن قد حصل المقتضي للحد وهو البينة كما لا يخفى.

قوله: "ولو في بهيمة فيكره أكلها".

أقول: إيجاب الحد على الناكح للبهيمة وجهه أنه يصدق عليه الحد الذي ذكره في أول هذا الفصل ولكنه قد ورد ما يدل على أنه يقتل كما في حديث ابن عباس عند أحمد "1/269"، وأبي داود "4464"، والترمذي "1455"، والنسائي "4/322"، وابن ماجة "2564"، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة"، قال الترمذي "4/57"، بعد إخراجه هذا الحديث لا نعرفه إلا من حديث عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد رواه سفيان الثوري عن عاصم بن أبي رزين عن ابن عباس أنه قال:"من أتى بهيمة فلا حد عليه"، حدثنا بذلك محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان وهو أصح من الحديث الأول والعمل على هذا عند أهل العلم وهو قول أحمد وإسحاق انتهى ولفظ ابن ماجة في هذا الحديث عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من وقع على ذات محرم فاقتلوه ومن وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة"، وهو من غير طريق عمرو بن أبي عمرو وفي إسناده إبراهيم بن إسماعيل وفيه مقال ولكنه قد وثقه أحمد.

ولا يخفاك أن عصمة الدم بالإسلام لا ينقل عنها إلا ناقل تطمئن به النفس وينشرح له الصدر بخلاف ما تقدم فيمن عمل عمل قوم لوط فإن عمل الخلفاء الراشدين عليه وعدم الاختلاف بينهم فيه قد عضد ما ورد من القتل على فاعله ودل أبلغ دلالة على أنه شرع ثابت وأما كراهة أكل البهيمة فلم يثبت ما يدل عليه والأمر بقتلها لا ينافي جواز أكلها إذا كانت مما تؤكل.

قوله: "ومتى ثبت بإقراره مفصلا" الخ.

أقول: الأصل في دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم أنها معصومة بعصمة الإسلام كما صرحت بذلك أدلة الكتاب والسنة المتواترة فإذا ثبت في الشريعة ما يوجب ذهاب هذه العصمة بحقه كما في الحديث الصحيح [البخاري "6878"، مسلم "25/1676"، أبو دالود "4352"، أحمد "1/382"، ابن ماجة "2534"، أنه:"لا يحل دم امريء مسلم إلا بإحدى ثلاث"، كان الواجب الوقوف على ذلك الناقل ومن جملة ما ينقل عن هذه العصمة الاعتراف بالزنا من البكر والمحصن وقد اكتفى صلى الله عليه وسلم في غير موضع بالإقرار مرة فلو كان الإقرار أربعا شرطا لا تحل تلك العصمة إلا به لم يقم صلى الله عليه وسلم حدا على من أقر مرة واحدة.

وأما تثبته صلى الله عليه وسلم في أمر ماعز حتى أقر أربع مرات فقد شهدت قصته بأن النبي صلى الله عليه وسلم شك في صحة عقله وسأل قومه ومن ذلك ما أخرجه مسلم "23/1695"، وغيره من حديث عبد الله بن

ص: 841

بريدة عن أبيه أن ماعز بن مالك الأسلمي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني قد ظلمت نفسي وزنيت وإني أريد أن تطهرني فرده فلما كان من الغد أتاه فقال يا رسول الله إني قد زنيت فرده الثانية فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومه فقال: "هل تعلمون بعقله بأسا تنكرون منه شيئا؟ " فقالوا ما نعلمه إلا وفي العقل من صالحينا فيما نرى فأتاه الثالثة فأرسل إليهم أيضا فسأل عنه فأخبروه أنه لا بأس به ولا بعقله فلما كان الرابعة حفر له حفرة الحديث.

ومما يدل على أن أمر ماعز ف تكرر حضوره وإقراره لم يكن إلا للتثبيت لا لما يقتضيه الشرع من تكرر الإقرار ما ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث عبد الله بن بريدة أن الغامدية قالت يا رسول الله إني قد زنيت فطهرني وأنه ردها فلما كان من الغد قالت يا رسول الله لم تردني لعلك أن تردني كما رددت ماعزا الحديث واكتفى منها بالإقرار مرة واحدة فهذه امرأة محل النقص في عقلها ودينها فلو كان الإقرار أربعا لا بد منه لم يكثف منها بالإقرار ثم قولها لم تردني كما رددت ماعزا يفيد أن المألوف المعروف عندها وعند غيرها عدم اشتراط تكرر الإقرار ولو كان ذلك شرطا لم تستنكر ما وقع منه صلى الله عليه وسلم من رد ماعز.

إذا تقرر لك هذا علمت أنه يكفي في عدم اشتراط تكرر الإقرار أربعا ولم يكن في يد المشترط إلا ما وقع في قصة ماعز وقد عرفت سببه فمن زعم أنه يشترط أنه لا يقام الحد إلا بعد هذا الإقرار المكرر فعليه الدليل وهو لا يجد إلى ذلك سبيلا فإن تبرع بالدليل القائل بأنه يكفي الإقرار مرة واحدة فمن جملة ذلك ما ثبت في الصحيحين [البخاري "2696، 2696، 6827، 6828، 7193، 7278، 7279"، مسلم "1697، 1698] ، وغيرهما [ابو داود "4445"، النسائي "8/240، 241"، ابن ماجة "2549"، أحمد "4/115، 116"، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأنيس:"واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها"، فرتب الرجم على مطلق الاعتراف الواقع عند رسوله وفوضه في إقامة الحد عليها ومن ذلك ما ثبت عند مسلم وأهل السنن من حديث عبادة بن الصامت أنه صلى الله عليه وسلم أمر برجم امرأة من جهينة ولم تقر إلا مرة واحدة ومن ذلك ما تقدم من إقرار الغامدية مرة واحدة ومن ذلك حديث الذي أقر بأنه زنا بامرأة فجحدت فحده وتركها وهو في سنن أبي داود ومن ذلك حديث علي عند أحمد وغيره قال أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمة سوداء زنت لأجلدها الحد وليس في ذلك أنها أقرت أربع مرات وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في الأقوال ومن ذلك ما في الصحيحين [البخاري "6839"، مسلم ط30/1703"، وغيرهما من أمره صلى الله عليه وسلم السيد أن يقيم الحد على أمته إذا زنت وليس فيه أنه لا يقيم الحد عليها إلا بعد إقرارها أربع مرات.

وأما الاستدلال بالقياس على شهادة الزنا فهو قياس فاسد الاعتبار لمخالفته للأدلة وهو أيضا قياس مع الفارق وهو أن إقرار الإنسان على نفسه لا تبقى فيه شبهة ولا يخالج السامع عنده تهمة بخلاف قيام الشهادة عليه مع إنكاره ومن هذه الحيثية وقع الاكتفاء في الأموال بمجرد إقرار المقر مع أن الشهادة لا بد أن تكون من رجلين أو من يقوم مقامهما.

ص: 842

وبمجموع ما ذكرناه يتضح لك أن الإقرار بالزنا مرة واحدة يوجب الحد من غير فرق بين الرجم والجلد وأما إيجاب تكرر الأيمان في اللعان أربعا فوجهه أنها قائمة مقام الشهادة ولهذا سماها الله سبحانه شهادة وليست من الإقرار في شيء.

قوله: "وشهادة أربعة عدول".

أقول: أما اشتراط أن يكونوا أربعة فهو نص القرآن الكريم ونص السنة المتواترة وعليه أجمع أهل الإسلام.

وأما قوله: "أو ذميين على ذمي" فوجهه أنا مأمورون إذا ترفعوا إلينا بإجراء حكم الله عزوجل بينهم ومن حكم الله قبول شهادة بعضهم على بعض وإقامة حد الله عليهم وقد أقامه صلى الله عليه وسلم على اليهودي واليهودية كما في القصة الثابتة في الصحيحين [البخاري ""6841"، مسلم "26/1699"] ، وغيرهما [أبو داود " 4446"، الترمذي "1436"] ، وفي رواية عند أبي داود "4452"، أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بالأربعة الشهود منهم فشهدوا فرجمهما.

وأما قوله: "ولو مفترقين" فوجهه أنه لم يرد ما يدل على اشتراط الاجتماع.

وأما قوله: "قد اتفقوا على إقراره أو على حقيقته" الخ فوجهه ظاهر وهو مجمع عليه.

قوله: "جلد المكلف المختار".

أقول: وجه اشتراط التكليف أن الصبي والمجنون لا يجري عليهما أحكام المكلفين كما تقدم تقريره ولهذا كرر صلى الله عليه وسلم الاستثبات في أمر ماعز وقال له: "أبك جنون؟ "، [البخاري "6815، 6825"، مسلم "16/1691"] ، وسأل قومه عن عقله وفي رواية [مسلم "22/1695"، أبو داود "4433"] ، أن استنكهه هل يجد به رائحة للخمر فأفاد ذلك أنه لا بد من كمال العقل وأن نقصانه ولو بسبب لا يجوز كالسكر يكون شبهة يدرأ بها عنه الحد ولا فرق بين أن يكون فاعلا أو مفعولا كما تقدم في الأحاديث من إقامة الحد على الرجال والنساء وعلى الفاعل والمفعول به في عمل قوم لوط وإذا كان المفعول به صالحا للوطء وجب الحد على الفاعل به وإن كان الحد ساقطا عن المفعول به لصغره فإنه لا يلزم مثلا من سقوط الحد على الصغيرة التي تصلح للوطء أن لا يقام الحد على الزاني بها المكلف لأنه قد فعل بها ما يصدق عليه الزنا وإن لم يصدق ذلك عليها.

وأما قوله: "وإن تاب أو قدم عهده" فوجهه أن الحد بعد رفعه لا يسقط بالتوبة ولا يتقادم عهده لأنه قد وجب بسببه فلا يسقط بمسقط شرعي ولا مسقط هنا.

قوله: "الحر البكر مائة".

أقول: هذا هو الذي تطابقت عليه أدلة الكتاب والسنة ولم يختلف فيه المسلمون سابقهم ولا حقهم كما هو معلوم.

وأما قوله: "وينصف للعبد" فقد ورد التنصيف في القرآن الكريم للإماء قال الله عزوجل: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] ، وإلحاق العبيد بالإماء بعدم الفارق

ص: 843

بين النوعين ويؤيد كون حد المماليك خمسين ما أخرجه أحمد في المسند "1/95"، عن علي قال: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمة سوداء زنت لأجلدها الحد قال فوجدتها في دمها فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك فقال لي: "إذا تعالت من نفاسها فاجلدها خمسين"، وأصل الحديث في صحيح مسلم بدون ذكر الخمسين وأخرج مالك في الموطأ عن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي قال: أمرني عمر بن الخطاب في فتية من قريش فجلدنا ولائد من ولائد الإمارة خمسين خمسين في الزنا وروى ابن وهب عن ابن جريح عن عمرو بن دينار أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تجلد وليدتها إذا زنت خمسين.

وأما ما روى عن ابن عباس أنه لا حد على مملوك حتى يتزوج تمسكا بقوله: {فَإِذَا أُحْصِنَّ} [النساء: 25]، فقد أجيب عنه بأن لفظ الإحصان محتمل للإسلام والبلوغ والتزوج ويرد عليه ما قدمنا من أمر السيد أن يجلد أمته وهو في الصحيحين وغيرهما وأخرج مسلم وغيره من حديث أبي عبد الرحمن السلمي أن عليا خطب فقال: يا أيها الناس أقيموا الحدود على أرقائكم من أحصن منهم ومن لم يحصن.

وأما قوله: "ويحصص للمكاتب" فقد تقدم الكلام عليه في بابه.

قوله: "الرجل قائما والمرأة قاعدة".

أقول: لم يثبت ما يدل على هذا وإن كان القيام أقرب إلى أن يقع الجلد على جميع البدن وهكذا قعود المرأة هو أستر لها وأبعد من انكشاف شيء منها وأما الحفر للمرجوم فسيأتي الكلام فيه وأما كونهما مستترين بين الرقيق والغليظ فالمقصود أن المجلود يكون لابسا للثياب التي جرت عادة الناس بلبسها فلا يعدل إلى ما هو غاية في الغلظ ولا يكلف بما هو غاية في الرقة.

وأما قوله: "بسوط أو عود بينهما" الخ فقد ورد في هذه الصفة مرسلات منها عن زيد بن أسلم عند مالك في الموطأ أن رجلا اعترف على نفسه بالزنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوط فأتي بسوط مكسور فقال: "فوق هذا"، فأتي بسوط جديد لم تقطع ثمرته فقال:"بين هذين" فأتي بسوط قد لان وركب وركب به فأمر فجلد وفي معناه مرسل آخر أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير ومرسل ثالث أخرجه ابن وهب من طريق كريب مولى ابن عباس.

قوله: "ويتوقى الوجه والمراق".

أقول: أما توقى الوجه فقد ورد الأمر به على العموم فيدخل الجلد في ذلك وهذا الأمر بالتوقي للوجه ثابت في الصحيحين [البخاري "2559"، مسلم "113/2612"، وغيرهما [أحمد "2/327، 337"] ، وأما توقي المراق فلم يرد في ذلك شيء بل من جملة ما ينبغي وقوع الضرب عليه إلا إذا كان يحصل بالضرب عليها زيادة تضرر وتألم.

قوله: "ويمهل حتى تزول شدة الحر" الخ.

ص: 844

أقول: إذا كانت هذه الشدة في الحر والبرد قد بلغت إلى مبلغ يكون في تأثيرها مشابهة للمرض فهي نوع من المرض وإن لم تكن هكذا فلا وجه للإمهال فإن كثيرا من البلاد يتناوبها الشدتان شدة الحر وشدة البرد في جميع أيام السنة وأما الإمهال للمرض المرجو زواله فقد ثبت في صحيح مسلم وغيره قصة الأمة التي زنت فأمر عليا أن يجلدها فإذا هي حديثة عهد بنفاس فخشي أن تموت إن جلدها فأمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يتركها حتى تتماثل وقد تقدم.

وأما قوله: "وإلا فبعثكول تباشره كل ذيوله" فوجهه قول الله عز وجل لأيوب عليه السلام: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاْضْرِبْ بِهِ} وقد فعل ذلك في زمن النبوة فأخرج الشافعي وأحمد "16/99"، وأبو داود "4472"، وابن ماجة 2574"، والبيهقي من حديث أبي أمامة بن سهل عن سعيد بن سعد بن عبادة قال كان بين أبياتنا رويجل ضعيف مخدج فلم يرع الحي إلا وهو على أمة من إمائهم يخبث بها فذكر ذلك سعد بن عبادة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ذلك الرجل مسلما فقال: "اضربوه حده"، فقالوا يا رسول الله إنه أضعف مما تحسب لو ضربناه مائة قتلناه فقال: "خذوا له عثكالا فيه مائة شمراخ ثم اضربوه به ضربة واحدة"، ففعلوا وهو مرسل وقد رواه أبو أمامة بن سهل عن جماعة من الصحابة ولم يكن في هذا الحديث ما يدل على اشتراط مباشرة كل ذيل من ذيول العثكول فيكفي مطلق الضرب خروجا من واجب الحد ورفقا بالمحدود المبتلي بالمرض.

وأما قوله إن احتمله فوجهه ظاهر لأنه إذا لم يحتمله كان ذلك عذرا في ترك الحد فإن عاش أقيم عليه.

قوله: "وأشدها التعزير" الخ.

أقول: الحدود على اختلاف أنواعها قد شرع الله فيها ما شرعه من جلد ورجم وقطع وقتل فينبغي أن يكون على الصفة الواردة من غير مخالفة فدعوى أن بعضها أشد من بعض لا دليل عليها ولا ورد ما يرشد إليها.

قوله: "ولا تغريبت".

أقول: هذا رد للسنة الصحيحة الثابتة في الصحيحين [البخاري "2695، 2696، 6827، 6828، 7193، 7194، 7278، 7279"، مسلم "25/1697، 1698"] ، [أبو داود "4445"، النسائي "8/240، 241"، الترمذي "1433"، ابن ماجة "2549"، أحمد 4/115، 116"]، وغيرهما من حديث أبي هريرة وزيد بن خالد في قصة العسيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام"، وبهذا عمل الخلفاء الراشدون فالعجب من التمسك في مقابل هذا الدليل الذي هو كشمس النهار وكالجبال الراسية بقولهم إن التغريب لم يذكر في آية الجلد فيا لله العجب فإنه إذا لم يذكر فيها فقد ذكره من بعثه الله سبحانه ليبين للناس ما نزل إليهم ومثل هذا الاستدلال الفاسد استدلال من استدل بأنه لم يذكر في حديث جلد الإماء ونحوه.

ص: 845

[فصل

ومن ثبت إحصانه بإقراره أو شهادة عدلين ولو رجل وامرأتين وهو جماع في قبل في نكاح صحيح من مكلف حر مع عاقل صالح للوطء ولو صغيرا رجم المكلف بعد الجلد حتى يموت ويقدم الشهود وفي الإقرار الإمام أو مأموره فإن تعذر من الشهود سقط ويترك من لجأ إلى الحرم ولا يطعم حتى يخرج فإن ارتكب فيه أخرج ولا إمهال لكن تستبريء كالأمة للوطء ويترك للرضاع إلى الفصال أو آخر الحضانة إن عدم مثلها.

وندب تلقين ما يسقط الحد والحفرة إلى سرة الرجل وثدي المرأة وللمرء قتل من وجد مع زوجته وأمته وولده حال الفعل لا بعده فيقاد بالبكر] .

قوله: "فصل: ومن ثبت إحصانه" الخ.

أقول: المعتبر هو ثبوت الإحصان الشرعي بطريق شرعية ولا يكون إلا لمكلف لرفع القلم عن غيره ولا بد أن تكون المنكوحة صالحة للوطء فإذا حصل هذا فقد ثبت الإحصان وأما اشتراط كونه في نكاح صحيح لا فاسد ولا باطل فلا دليل على هذا الاشتراط وقد عرفناك أن كثير من هذه الأوصاف الراجعة إلى الصحة والبطلان والفساد مجرد دعاوى مبنية على الخيالات التي هي أوهن من بيت العنكبوت فالمراد وجود ما يصدق عليه مسمى الإحصان وهو حاصل بوجود النكاح الشرعي ولا يشترط أن يكون في حال الزنا مستمرا على النكاح بل المراد وقوع النكاح ولو مضت مدة طويلة بعد المفارقة للزوجة لأنه يصدق على هذا الذي نكح في زمان من عمره أنه محصن شرعا ولهذا اكتفى النبي صلى الله عليه وسلم بمجرد سؤال ماعز عن كونه قد أحصن فعال نعم فاكتفى بذلك ولم يقل له هل تحتك حال الزنا زوجة وقد عرفت أن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم ولا سيما في مثل هذا المقام الذي يترتب عليه سفك دم امرىء مسلم.

قوله: "رجم المكلف" الخ.

أقول: ثبوت الرجم للزاني المحصن في هذه الشريعة ثابت بكتاب الله سبحانه وبمتواتر سنة رسوله وبإجماع المسلمين أجمعين سابقهم ولا حقهم ولم يسمع بمخالف خالف في ذلك من طوائف المسلمين إلا ما يروى عن الخوارج وهم كلاب النار وليسوا ممن يعتد بخلافهم ولا يلتفت إلى أقوالهم وقد وصفهم صلى الله عليه وسلم: "أنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية"، [أبو داود "4765"] ، وقد شد ممن عضدهم في هذا البحث المحقق الجلال كما هي عادته في تصلبه بل تصلفه معهم ومع كل نزاع المخالفين للشريعة الواضحة الظاهرة التي ليلها كنهارها ولا يزيغ عنها إلى جاحد كما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ثبت في الصحيحين [البخاري "6830"، مسلم "15/1691"] ، وغيرهما [أبو داود "4418"، التلرمذي "1432"، ابن ماجة "2553"]، من طرق أن عمر بن الخطاب خطب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا: إن الرجم ثابت بكتاب الله وأنه رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم

ص: 846

ورجموا بعده، وكذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة العسيف الثابتة في الصحيحين:"والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله"، ثم ذكر في القصة قوله لأنيس:"واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها"، فم ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح [مسلم "12/1690"]، أنه قال:"قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم"، ولا يخفاك أن نسخ التلاوة لا يستلزم نسخ الحكم بلا خلاف وهب أنه لم يثبت الرجم في الكتاب فكان ماذا فقد ثبت بالسنة المتواترة التي لا يشك فيها من له أدنى اطلاع وفعله رسول الله صلى الله غير مرة وفعله الخلفاء الراشدون فيا لله العجب من الإنتصار للمبتدعين على كتاب الله سبحانه وعلى سنة رسوله وعلى جميع الأمة المحمدية ودفع الأدلة الثابتة بالضرورة الشرعية لقول قاله مخذول من مخذولي كلاب النار الذين يمرقون من الدين ولا يجاوز إيمانهم ولا عبادتهم تراقيهم والأمر لله العلي الكبير.

قوله: "بعد جلده".

أقول: عدم ذكر الجلد مع الرجم في قصة ماعز لا يدل على العدم كما هو معلوم لكل عاقل وعلى تقدير أنه صلى الله عليه وسلم ترك الجلد في هذه القضية الفعلية فالمحامل لذلك كثيرة جدا ولا سيما مع ثبوت مشروعية الجمع بينهما للمحصن بالقول الذي هو أقوى دلالة وأعلى حجة كما أخرجه مسلم "12/1960"، وأهل السنن [أبو داود "4415"، ابن ماجة "2250"، الترمذي "1434"]، من حديث عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم"، فهذا مقام قامه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس مبينا لهم ما نزل إليهم موضحا لهم ما شرعه الله لهم وقد وقع الجمع بين الجلد والرجم من الخلفاء الراشدين ولم ينكر ذلك أحد كما أخرجه أحمد "2/30" والنسائي "4/269، 270"، والحاكم عن الشعبي قال كان لشراحة زوج غائب بالشام وأنه حملت فجاء بها مولاها إلى علي بن أبي طالب وقال إن هذه زنت واعترفت فجلدها يوم الخميس مائة ورجمها يوم الجمعة وحفر لها إلى السرة إلى آخر الحديث وهو في صحيح البخاري بدون ذكر الحفر ومع هذا فالقرآن الكريم يدل على وجوب الجلد لكل زان وزانية قال الله عزوجل:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النور: 2] ، ولم يذكر أن هذا الحكم مختص بالبكر بل ثبت في الكتاب والسنة أن على المحصن زيادة على الجلد وهي الرجم فالحق قول من يقول بالجمع بين الجلد والرجم.

قوله: "وتقدم الشهود" الخ.

أقول: استدلوا على ذلك بحديث الشعبي عن علي في رجم شراحة فإن فيه بعد قوله وحفر لها ثم قال يعني عليا إن الرجم سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان شهد على هذه أحد لكان أول من يرمي الشاهد يشهد ثم يتبع شهادته حجره ولكنها أقرت فأنا أول من رماها فرماها بحجر ثم رمى الناس وهذا يبعد أن يقوله على من جهة الرأي ولكن يغني عن رجم الإمام رجم من يبعثه من المسلمين كما في قصة ماعز وكما في قوله: "واغديا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها"، ولهذا قال المصنف أو مأموره.

ص: 847

وأما قوله: "وإن تعذر من الشهود سقط" فلا أرى هذا وجها لسقوط الحد الذي قد ثبت بما هو معتبر من الشهادة ولا يصح أن يجعل ذلك من الشبهة التي تدرأ بها الحدود.

قوله: "ويترك من لجأ إلى الحرم" الخ.

أقول: وجه هذا ما ثبت في الصحيح من حديث أبي شريح ولفظه في الصحيح البخاري "4/41"، "أن مكة حرمها الله تعالى ولم يحرمها الناس فلا يحل لامرىء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرة فإن أحد ترخص لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم وإنما أذن لي ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس" وفيه ألفاظ نحو هذا وهو يدل بعمومه على تحريم سفك الدماء فيه ولو كانت بحد ولا يصح الاستدلال بما وقع منه صلى الله عليه وسلم في تلك الساعة التي أحل الله سبحانه له الحزم فيها كما أخرجه أبو داود والنسائي من حديث سعد قال لما كان يوم الفتح أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر وامرأتين وقال:"اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة: عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن خطل ومقيس بن صبابة وعبد الله ابن سعد بن أبي سرح" وذلك لأن هذا وقع منه صلى الله عليه وسلم في تلك الساعة التي أحلها الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وقد أخبرنا أن الله أذن له ولم يأذن لنا ومما يؤكد هذه الحرمة قول الله عزوجل: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} [آل عمران: 97] ، فإنه إخيار في معنى الأمر أي ومن دخله فأمنوه.

وأما كونه لا يطعم حتى يخرج فوجهه أنه فار من حد أوجبه الله عليه فلا يعان على معصيته.

وأما كون من ارتكب أخرج فوجهه أن قد فعل ما يخالف الحرمة وارتكب المعصية العظيمة في أكرم بلاد الله عليه وأحبها إليه ولكنه لا يقام عليه الحد حتى يفارق الحرم.

وأما كونه لا إمهال في الرجم فوجهه ظاهر لأنه يراد من رجمه موته والإمهال في الجلد إنما هو لخشية الهلاك.

وأما قوله: "لكن تستبرىء كالأمة للوطء" فليس له وجه لأن الأصل عدم العلوق ومع ذلك فهو قبل أن يتبين لا حرمة له لكونه لم ينفخ فيه الروح.

قوله: "ويترك للرضاع إلى الفصال" الخ.

أقول: وجه هذا ما أخرجه مسلم وغيره من حديث سليمان بن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة من غامد من الأزد فقالت: يا رسول الله طهرني، فقال:"ويحك ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه"، فقالت: أراك تريد أن تردني كما رددت ماعز بن مالك قال: "وما ذاك؟ "، قالت: إنها حبلى من الزنا، قال:"آنت؟ "، قالت: نعم، فقال لها:"حتى تضعي ما في بطنك"، قال: فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت قال: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد وضعت الغامدية فقال: "إذن لا نرجمها وندع ولدها صغيرا ليس له من يرضعه"، فقام رجل من الأنصار فقال إلي رضاعه يا نبي الله قال فرجمها وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم لعلى في قصة الجارية الحديثة

ص: 848

العهد بالنفاس: "أتركها حتى تتماثل"، وفي رواية من حديث الغامدية أنها أرضعته ثم أتت به النبي صلى الله عليه وسلم حين فطمته وفي يده كسرة خبز فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين [مسلم "23/1695"، فيجمع بين هذه الرواية والرواية الأولى بأنه قال رجل لما أتت به بعد الوضع أن إليه رضاعه ولم يجبه النبي صلى الله عليه وسلم فرجعت به حتى فطمته فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين وأقيم عليها الحد وكلا الروايتين في صحيح مسلم وغيره وإذا لم يوجد من يكفل الصبي بعد الفطام كان إمهالها حتى يستغني بنفسه مما تقتضيه الضرورة.

قوله: "وندب تلقين ما يسقط الحد".

أقول: هذا التلقين المشروع هو أن يقول الحاكم أو الإمام كما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه قال للسارق: "ما إخالك سرقت؟ "[أبو داود "4380"، أحمد "5/293"، النسائي "4877"، ابن ماجة "2597"]، وقال للزاني:"لعلك غمزت لعلك قبلت"، كما في صحيح البخاري وغيره في قصة ماعز وما يفيد هذا المعنى فلا وجه للتشكيك فيما ذكره المصنف والرجوع إلى محصن الرأي أن الزاني إن كان مما يرجى انزجاره لقن وإلا فلا ولا وجه أيضا للاستدلال على مشروعية التلقين بمثل حديث:"أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم"، [أحمد "6/181"، أبو داود "3275"، فإن هذا مخصوص بغير الحدود الواجبة ولو أخذ بعمومه لم يقم حد على أحد من ذوي الهيئات وهذا هو الذي نعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني إسرائيل لما أسقطوا الحدود على أشرافهم وأقاموها على ضعفائهم.

قوله: "والحفر إلى سرة الرجل وثدي المرأة".

أقول: أما ماعز فلم يحفر له بل رجم قائما كما في الحديث [مسلم "23/1695"] ، الحاكي لقصته وأما الغامدية فقد ثبت في صحيح مسلم وغيره أنه حفر لها إلى صدرها فهذا يقتضي مشروعيته للمرأة كما أن ترك الحفر لماعز يقتضي عدم مشروعيته للرجل ووجه الفرق ظاهر فإن المرأة كلها عورة مع الرجال الراجمين لها وكان الأولى اقتصار المصنف على قوله وناب الحفر إلى ثدي المرأة.

قوله: "وللمرء قتل من وجد مع زوجته أو أمته" الخ.

أقول: هذه المسألة مبنية على غير أساس غير منظور فيها إلى كتاب ولا سنة ولا قياس فإن غاية ما يجب هنا على الزوج والسيد هو إنكار المنكر والسعي مع التفريق بين العاصيين بما تبلغ إليه الطاقة فإن أبى مرتكب المنكر أن ينزع عنه كان لكل منكر للمنكر أن يدافعه ولو بالقتل إذا لم يندفع بغيره من غير فرق بين أن يكون يكون الزاني زنا بزوجة المنكر أو أمته أو سائر قرابته أو بغير هؤلاء.

والحاصل أن هذا باب من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس لتخصيصه بمن ذكره المصنف وجه وقد وقع منه صلى الله عليه وسلم الإنكار على سعد بن عبادة لما قال النبي صلي الله عليه وسلم له: "أأدعه على بطن لكاع ثم أذهب فآتي بأربعة شهداء"، [أحمد "2/532"]، ثم ذكر ما يفيد أنه إذا وجده كذلك قتله فقال صلى الله عليه وسلم منكرا عليه:"انظروا إلى ما يقول سيدكم"، فاعتذروا له بما فيه من شدة

ص: 849

الغيرة والحمية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله لله أغير منه"، كما في صحيح مسلم "16/1498"،وغيره أبو داود "45332"، ابن ماجة "2605"] ، وكان على المصنف أن يقول: وليس للمرء قتل من وجد مع زوجته وأمته حال الفعل.

[فصل

ويسقط بدعوى الشبهة المحتملة والإكراه وباختلال الشهادة قبل التنفيذ وقد مر حكم الرجوع وعلى شاهدي الإحصان ثلث الدية والثلثان إن كانا من الأربعة ولا شيء على المزكى وبإقراره بعدها دون أربع وبرجوعه عن الإقرار وبقول النساء هي رتقاء أو عذراء عنها وعنهم ولا شيء بعد التنفيذ وبخرسه وإسلامه ولو بعد الردة وعلى الإمام استفصال كل المسقطات فإن قصر ضمن إن تعمد وإلا فبيت المال] .

قوله: "فصل: ويسقط بدعوى الشبهة المحتملة".

أقول: هذا هو ما أرشد إليه الشارع من درء الحدود بالشبهات فإن الشبهة إذا كانت محتملة فهي التي توجب ذلك أما لو لم تكن محتملة فليست شبهة بل هي دلسة وقع بها التذرع إلى إسقاط ما شرعه الله من الحدود.

وأما سقوطه بالإكراه فوجهه واضح والأدلة قائمة على رفع القلم عن المكره وعدم مؤاخذته بما أكره عليه وقد قدمنا بيان ذلك في غير موضع.

وأما سقوطه باختلال الشهادة فلأنه لم يحصل المقتضي ها هنا حتى يثبت عليه الحد لأن وجود من اختل من الشهادة كعدمه فلم يثبت ما هو المناط الشرعي للحد ففي جعل هذا من جملة المسقطات تسامح.

قوله: "وعلى شاهدي الإحصان ثلث الدية" الخ.

أقول: الشهداء إذا رجعوا جميعا بعد التنفيذ فقد تسببوا لقتل من رجم سببا يوجب عليهم الضمان ولم يقتل إلا لمجموع شهادة الزنا والإحصان فكانت الدية عليهم جميعا يحملونها على عدد رؤوسهم إذا كان الشاهدان على الإحصان من جملة الشهود الأربعة على الزنا فعليهم الثلثان كما ذكره المصنف وأما كونه لا شيء على المزكي فوجهه ظاهر لأنه لم يشارك الشهود في إثبات السببين الموجبين للرجم وهما الزنا والإحصان وإنما أخبر بما يعرفه من ظاهر حال الشهود وهكذا لا خطاب على الإمام لأنه قام بتنفيذ ما كمل نصابه في الظاهر وهكذا القاضي لأنه حكم بمستند أثبته الشرع.

قوله: "وبإقراره بعدها دون أربع".

أقول: جعل هذا الإقرار الذي هو مؤكد لما شهد به الشهود ومصدق له مسقطا من أغرب ما

ص: 850

يقرع الأسماع من الأقوال الزائفة والشبهة الداحضة لأن المناط الشرعي وهو شهادة الأربعة باق على حاله ولم يزده الإقرار إلا تأكيدا فدعوى أنه قد بطل بالإقرار دون أربع ووجب الرجوع إلى مستند آخر وهو الإقرار ولما لم يكمل لم يجب الحد لا يناسب رواية ولا دراية ولا شرعا ولا عقلا بل حاصلها إسقاط حد من حدود الله من غير سبب ولا شبهة لا قوية ولا ضعيفة وقد عرفت ما جاء من الزجر على من أبطل حدود الله وأسقطها بعد وجوبها على ما قدمنا لك أن الحق ثبوت الحد بالإقرار مرة واحدة فلا يتم ما ذكره من قوله دون أربع.

قوله: "وبرجوعه عن الإقرار".

أقول: هذا الرجوع ليس بشبهة تدرأ بها حدود الله ولا يصح الاستدلال على سقوط الحد بالرجوع عن الإقرار بما أخرجه أحمد وابن ماجة والترمذي وحسنه ورجال إسناده ثقات عن أبي هريرة أن ماعزا لما وجد مس الحجارة فر يشتد فأخبروا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "هلا تركتموه"، لأنه لا يدل على أنه قد سقط عنه الحد بذلك بل على أنه إذا ترك ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد يأتي بشبهة مقبولة وهكذا لا يصح الاستدلال بحديث جابر عند أبي داود والنسائي أن ماعزا صرخ بهم فقال يا قوم ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قومي قتلوني وغروني من نفسي وأخبروني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير قاتلي فلم ينزعوا عنه فلما أخبروا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"فهلا تركتموه وجئتموني به"، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أراد رجوعه إليه الاستثبات إذا جاء بشبهة مقبولة على أنه قد روى في بعض طرق الحديث عند مسلم والنسائي وأبي وأبي داود واللفظ له من حديث أبي سعيد قال لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجم ماعز بن مالك خرجنا به إلى البقيع فولله ما أوسقناه ولا حفرنا له ولكنه قام لنا قال أبو كامل وهو الجحدري فرميناه بالعظام والمدر والخزف فاشتد واشتددنا خلفه حتى أتى عرض الحرة فانتصب لنا فرميناه بجلاميد الحرة حتى سكت.

فدل هذا على أنه إنما فر إلى المحل الذي توجد فيه الحجارة التي تسرع في القتل.

وهكذا لا يصح الاستدلال بما أخرجه أبو داود "4434"، عن بريدة قال كنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نتحدث أن الغامدية وماعز بن مالك لو رجعا بعد اعترافهما أو قال لو لم يرجعا بعد اعترافهما لم يطلبهما فإن رجمهما بعد الرابعة وعلى كل حال ليس هذا التحدث الواقع بينهم مما تقوم به الحجة لأنه مجرد حدس وبهذا تعرف أنه لا دليل يدل على الرجوع عن الإقرار يسقط به الحد وقد حصل المقتضي بالإقرار فلا يسقط إلا بدليل يدل على سقوطه دلالة بينة ظاهرة.

قوله: "وبقول النساء هي رتقاء أو عذراء".

أقول: وجه السقوط عنها وعنهم أنه لايمكن وحود حقيقة الزنى الموجبة للحد وهي إيلاج فرج في فرج كالرشا في البئر والميا في المكحاة، فوجدوها عذراء مانع من ثبوت الحق شرعا

ص: 851