الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آخر أو بخبر امرأتين أو يمينه مع شاهده وقد قدمنا لك أن الشهادة على الإخبار بمضمونه ما يعلمه الشاهد وأنه لا يشترط فيها لفظ أشهد.
وهكذا لا وجه لقوله: "لا أخذه" لأن الكلام فيه على ما ذكرناه من التفصيل.
وأما قوله: "لا يصح الإبراء مع التدليس بالفقر وحقارة الحق" فالوجه في هذا أوضح من أن يبين لأن الإبراء لم يصدد عن رضا وطيبة نفس بل عن خديعة وتغرير فانكشاف ذلك يكشف عن عدم الرضا الذي هو المناط الشرعي.
وأما قوله: "ولا يجب تعريف عكسهما" فلا بد أن يعلم المبريء بقدر ما أبرأ عنه جملة أو تفصيلا وذلك هو المطلوب ولا يجب على من عليه الحق بيان قدر ولا صفة وبهذا تعرف الكلام على ما ذكره المصنف هنا.
وأما كونه لا يبرأ الميت بإبراء الورثة فوجهه أن الدين متعلق بالتركة لكن لا يخفى أن إبراء الورثة مشعر بالرضا بترك المطالبة وترك الرجوع على التركة وذلك موجب لسقوط الدين عن التركة فيستحقها الورثة فقد استلزم إبراؤهم سقوط الدين وعدم تعلقه بالتركة وذلك هو المطلوب وأما كونه يبطل بالرد فظاهر لأنه لا يدخل في ملك الإنسان شيء إلا باختياره.
وأما قوله: "ولا يعتبر فيه القبول" فالمراد هنا عدم الرد ولا يعتبر زيادة على ذلك.
باب الإكراه
[ويجوز بإكراه القادر بالوعيد بالقتل أو قطع عضو كل محظور إلا الزنا وإيلام أدهى وسبه ولكن يضمن المال ويتأول كلمة الكفر وما لم يبق له فيه فعل فكلا فعل وبالإضرار ترك الواجب وبه تبطل أحكام العقود وكالإكراه خشية الغرق ونحوه] .
قوله: "باب: الإكراه ويجوز بإكراه القادر بالوعيد" الخ.
أقول: أما الإكراه بالوعيد بالقتل أو قطع العضد فلا شك أن تكليف المكره بالترك من تكليف ما لا يطاق وقد قال الله عزوجل: {رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286]، وثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاكيا عن الله عز وجل أنه قال:"قد فعلت" فجواز فعل ما أكره عليه في مثل هذا قد أذن به الشرع ورفع التكليف به ولا شك أن الكفر هو الغاية التي ليس وراءها غاية في معصية الله عزوجل وقد أباح الله التكلم بكلماته مع الإكراه بقوله: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً} [النحل: 106]، ولكن من شرح بالكفر صدرا الآية ومن هذا القبيل:"رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" وقد تقدم الكلام على طرقه وأنه يشهد بعضها لبعض فيصلح للاحتجاج به وأما الإكراه بالإضرار فقط فالظاهر أنه يجوز به فعل
المحظور لأن غاية ما وقع في سبب نزول قوله عزوجل: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ} [النحل: 106]، هو أنهم كانوا يجعلونهم مبسوطين في حر الرمضاء ويضعون الصخرات على صدورهم وأيضا قد أباح الله أكل الميتة لمجرد الاضطرار إليها وأكلها من جملة المحظورات كما هو معلوم ومن جملة ما يدل على الجواز مع مطلق الضرر قوله عزوجل:{إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [آل عمران: 28] .
وأما استثناء الزنا فوجهه أنه الفاحشة الكبرى وهو أيضا لا يكون إلا بفعل المكره وداعيته ولكن هذا لا يكفي في استثنائه من المحظورات فإنه وإن كان من كبائر الذنوب فالحكم فيه لا يجاوزها.
وأما استثناء إيلام الآدمي فوجهه أنه لا يدفع الضرر عن نفسه بإنزاله بغيره وأما استثناء سب الآدمي فلا وجه له بل يجوز عند الوعيد بمطلق الضرر للأدلة التي تقدم ذكرها.
وأما قوله: "لكن يضمن المال" فلا وجه له لأنه لا حكم لمباشرته مع الإكراه بل يكون الضمان على فاعل الإكراه وقد تقدم للمصنف أنه يضمن أمر الضعيف قوما فكيف يثبت الضمان مع مجرد الأمر من القوي للضعيف ولا يثبت مع وقوع الإكراه له منه فإنه أمر بإجبار قد انضم إليه الوعيد بإضرار ولا أضعف من المكره.
وأما قوله ويتأول كلمة الكفر فوجهه ظاهر لأنه يخلص مما يلي به من معرة الإكراه على الكفر بالله عزوجل.
وقوله: "وما لم يبق له فيه فعل فكلا فعل"
أقول: هذا من الوضوح والجلاء بحيث لا ينبغي أن يلتبس أو يتردد فإنه في هذه الحالة قد صار كالآلة لفاعل الإكراه فتكليفه بما فعله مما لم يبق له فعل تكليف بما لا يطاق وقد رفعه الله عن عباده بنصوص كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
قوله: "وبالإضرار ترك الواجب وبه تبطل أحكام العقود".
أقول: إذا جاز بالإضرار فعل ما حرمه الله سبحانه كما قررنا فكيف لا يجوز به ترك الواجب وكيف لا تبطل به المعاملات فإن بطلانها مما لا ينبغي أن يتردد فيه متردد أو يشك فيه شاك وقد عرفناك غير مرة أن المناط الشرعي في جميع المعاملات هو التراضي كما قال عزوجل: {تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} [النساء: 29] ، وأي رضا يوجد مع الإكراه وإذا لم تصح المعاملة بمجرد عدم وقوع الرضا المحقق وعدم وجود طيبة النفس الواضحة فكيف لا تبطل مع المجاوزة لهذا الحد إلى الإكراه على الفعل.
وأما قوله: "وكالإكراه خشية الغرق ونحوه" فوجهه أن خشية الغرق ونحوه يتسبب عنها خشية التلف فضلا عن خشية الضرر.