الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الذبح
[فصل
يشترط في الذابح الإسلام فقط وفري كل من الأوداج ذبحا أو نحرا وإن بقي من كل دون ثلثه أو من القفا إن فرأها قبل الموت وبحديد أو حجر حاد أو نحوهما غالبا والتسمية إن ذكرت ولو قلت أو تقدمت بيسير وتحرك شيء من شديد المرض بعده وندب الاستقبال ولا تغني تذكية السبع ولا ذات الجنين عنه وما تعذر ذبحه لند أو وقوع في بئر فبالرمح ونحوه ولو في غير موضع الذبح]
قوله: "باب الذبح".
قوله: "فصل: يشترط في الذابح الإسلام فقط".
أقول: إذا ذبح الكافر ذاكرا لاسم الله عزوجل غير ذابح لغير الله وأنهر الدم وفرى الأوراج فليس في الأدلة ما يدل على تحريم هذه الذبيحة الواقعة على هذه الصفة ولا يصح الاستدلال بمثل قوله عزوجل: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] ، لكون الخطاب فيها للمسلمين لأنا نقول الخطاب فيها لكل من يصلح للخطاب فمن زعم أن الكافر خارج من ذلك بعد أن ذبح لله وسمى فالدليل عليه.
وأما إذا ذبح الكافر لغير الله فهذه الذبيحة حرام ولو كانت من مسلم وهكذا إذا ذبح غير ذاكر لاسم الله عزوجل فإن إهمال التسمية منه كإهمال التسمية من المسلم حيث ذبحا جميعا لله عزوجل وسيأتي الكلام على التسمية.
وإذا عرفت هذا لاح لك أن الدليل على من قال باشتراط إسلام الذابح لا على من قال إنه لا يشترط فلا حاجة إلى الاستدلال على عدم الاشتراط بما لا دلالة فيه على المطلوب كالاحتجاج بأنه صلى الله عليه وسلم لم ينه عن ذبائح المنافقين فإن المنافقين كان يعاملهم صلى الله عليه وسلم معاملة المسلمين في جميع الأحكام عملا بما أظهروه من الإسلام وجريا على الظاهر.
وأما ما يقال من حكاية الإجماع على عدم حل ذبيحة الكافر فدعوى الإجماع غير مسلمة وعلى تقدير أن لها وجه صحة فلا بد من حملها على ذبيحة كافر ذبح لغير الله أو لم يذكر اسم الله.
وأما ذبيحة أهل الذمة فقد دل على حلها القرآن الكريم: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5]، ومن قال: إن اللحم لا يتناوله الطعام فقد قصر في البحث ولم ينظر في كتب اللغة ولا نظر في الأدلة الشرعية المصرحة بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكل ذبائح أهل الذمة كما في أكله صلى الله عليه وسلم للشاة التي طبختها يهودية وجعلت فيها سما والقصة أشهر من أن نحتاج إلى
التنبيه عليها ولا مستند للقول بتحريم ذبائحهم إلا مجرد الشكوك والأوهام التي يبتلى بها من لم يرسخ قدمه في علم الشرع فإن قلت قد يذبحون لغير الله أو بغير تسمية أو على غير الصفة المشروعة في الذبح قلت إن صح شيء من هذا فالكلام في ذبيحتهم كالكلام في ذبيحة المسلم إذا وقعت على أحد هذه الوجوه وليس النزاع إلا في مجرد كون كفر الذمى مانعا لا في كونه أخل بشرط معتبر.
قوله: "وفري كل من الأوداج" الخ.
أقول: لم يثبت في المرفوع ما يدل على اشتراط فرى الأوداج إلا ما أخرجه أبو داود "2826"، من حديث ابن عباس وأبي هريرة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شريطة الشيطان وهي التي تذبح فيقطع الجلد ولا تفرى الأوداج وفي إسناده عمرو ابن عبد الله الصنعاني وقد تكلم فيه غير واحد والتفسير فيه مدرج كما صرح بذلك أبو داود في السنن ولكن هذا التفسير قد ثبت في كتب اللغة ما يوافقه فهو صحيح إنما الشأن في صحة الحديث وقيام الحجة به.
وقد ثبت في الصحيحين البخاري "5543"، مسلم "20/1968"، وغيرهما أبو داود "2821"، الترمذي "1491"، النسائي "7/226"، ابن ماجة "3178"، أحمد "3/463، 464"، من حديث رافع بن خديج أنه صلى الله عليه وسلم قال:"ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ما لم يكن سنا أو ظفرا"، فهذا يدل على أن التذكية بشيء يحصل به إنهار الدم حلال وإن لم يحصل فرى الأوداج.
وأخرج أحمد "4/434"، وأهل السنن أبو داود "2825"، الترمذي "1481"، النسائي "4408"، ابن ماجة "3184"، من حديث أبي العشراء عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله أما تكون الذكاة إلا في اللبة والحلق قال: "لو طعنت في فخذها لأجزأك"، قال الترمذي بعد إخراجه حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة ولا نعرف لأبي العشراء عن أبيه غير هذا الحديث قال الخطابي: وضعفوا هذا الحديث لأن رواته مجهولون وأبو العشراء لا يدرى من أبوه ولم يروه عنه غير حماد بن سلمة وقال ابن حجر في التلخيص وقد تفرد حماد بن سلمة بالرواية عنه يعني أبا العشراء على الصحيح وهو لا يعرف حاله انتهى قلت حماد بن سلمة إمام لا يضر تفرده ما لم يكن في المروي عنه ما يمنع من قبوله.
وقد أخرج الدارقطني من حديث أبي هريرة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بديل بن ورقاء الخزاعي على جمل أورق يصيح في فجاج منى: "ألا إن الذكاة في الحلق واللبة"، وفي إسناده سعيد بن سلام العطار قال أحمد: كذاب.
والحاصل أنه قد دل الحديث الصحيح على أن المعتبر إنهار الدم فإذا طعن في الحلق واللبة حتى أنهر الدم ولم يفر الأوداج كلها كان الذبح صحيحا والذبيحة حلالا ويؤيد هذا حديث عدي بن حاتم عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجة قلت يا رسول الله إنا نصيد الصيد فلا نجد سكينا إلا الظرار وشقة العصا فقال صلى الله عليه وسلم: "أمر الدم بما شئت واذكر اسم الله"، وأخرجه أيضا الحاكم وابن حبان ومداره
على سماك بن حرب عن مري بن قطري عنه وقد أخرج معناه أحمد والطبراني والبزار عن ابن عمر بإسناد صحيح ومعلوم أن شقة العصا لا تفري كل الأوداج.
وهكذا ما روي من قصة الرجل الذي رأى لقحة في الموت فلم يجد ما ينحرها به فأخذ وتدا فوجأها به في لبتها حتى أهرق فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره بأكلها وهو في سنن أبي داود والنسائي.
وبهذا نعرف أنه لا وجه تقوم به الحجة على اشتراط فرى الأوداج وأنها تصح التذكية بحديدة أو حجر أو بشقة عصا أو ما أنهر الدم كائنا ما كان ما لم يكن سنا أو ظفرا.
قوله: "والتسمية إن ذكرت" الخ.
أقول: وجهه ما قدمناه في الأحاديث الصحيحة من ترتيب جواز الأكل على إنهار الدم وذكر اسم الله فإن ذلك يقيد أن التسمية شرط لا تحل الذبيحة بدونها لكنه قد ورد ما يدل على أنه إذا التبس على الآكل هل ذكر اسم الله على الذبيحة أم لا فإنه يسمى عليها ويأكلها كما في البخاري وغيره من حديث عائشة أن قوما قالوا: يا رسول الله إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا؟ فقال: "سموا عليه أنتم وكلوا" قالت: وكانوا حديثي عهد بالكفر فهذا يدل دلالة بينة على أنه إذا التبس على الآكل هل وقعت التسمية من الذابح أم لا أنه يكتفي بالتسمية منه عند الأكل.
فالحاصل أن التسمية فرض على الذابح وإعادتها فرض عند الأكل على المتردد وليس في هذا الحديث ما يدل على أن التسمية سنة فقط كما قاله جماعة.
وأما قوله: "إن ذكرت" فليس في الأدلة ما يدل على أن النسيان يسقط هذه الفريضة إلا الأحاديث العامة الواردة برفع الخطأ والنسيان وقد قدمنا لك أن النبي صلى الله عليه وسلم حكى عن الله عزوجل أنه قال عند الدعاء بقوله: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] ، قد فعلت وذلك ثابت في الصحيح.
وأما قوله: "وإن قلت أو تقدمت بيسير" فأقل تسمية أن يقول بسم الله وتقدمها لا يضر إذا كانت قبل ذلك بوقت لا ينافي أن تكون مفعوله للذبح.
وأما قوله: "وتحرك شيء من شديد المرض بعده" فوجهه أنها لا تعلم الحياة إلا بذلك وإلا كانت التسمية واقعة على ميتة.
قوله: "وندب الاستقبال".
أقول: ليس على هذا دليل لا من كتاب ولا من سنة ولا من قياس وما قيل من أن القول بندب الاستقبال في الذبح قياس على الأضحية فليس بصحيح لأنه لا دليل على الأصل حتى يصلح للقياس عليه بل النزاع فيه كائن كما هو كائن في الفرع والندب حكم من أحكام الشرع فلا يجوز إثباته إلا بدليل تقوم به الحجة.
قوله: "ولا تغني تذكية السبع"
أقول: هذا صحيح لأن ذلك مما لم يأذن الله سبحانه ولا رسوله صلى الله عليه وسلم وليس هذا السبع من جوارح الصيد المرسلة المعلمة حتى يكون إمساكه تذكية ولهذا يقول الله عزوجل: {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] ، وهذا دليل قرآني لا يحتاج إلى الاستدلال بغيره على فرض أن المانع محتاج إلى دليل وليس كذلك فإن قيامه مقام المنع يكفيه والدليل على من ادعى أن تذكية السبع تذكية محللة.
قوله: "ولا تذكية ذات الجنين عنه".
أقول: حديث: "ذكاة الجنين ذكاة أمه"، أخرجه أحمد "3/39"،وأبو داود "2827"،والترمذي "1476"، وابن ماجه "3199"، والدارقطني وابن حبان وصححه من حديث أبي سعيد الخدري وأما تضعيف عبد الحق له بأن في إسناده مجالدا فمدفوع بأنه لم يكن في الطريق التي أخرجه منها أبو داود والترمذي وأيضا قد أخرجه أحمد من طريق غيره وليس فيها ضعف وقد صححه مع ابن حبان ابن دقيق العيد وحسنه الترمذي وقد روى من طريق غيره من الصحابة منهم على وابن مسعود وأبو أيوب والبراء وابن عمر وابن عباس وكعب ابن مالك وقد ذكرنا في شرح المنتقى من أخرج هذه الأحاديث عن هؤلاء الصحابة فالحديث صحيح في نفسه فكيف وقد ورد من حديث سبعة من الصحابة غير أبي سعيد.
وأما من قال إن قوله صلى الله عليه وسلم: "ذكاة أمه"، منصوب بنزع الخافض وأن التقدير كذكاة أمه فهذا مع كونه خلاف الرواية هو أيضا خلاف الدراية فإن الشارع إنما أراد التعريف بأن ذكاة الأم ذكاة لما في بطنها ولم يرد أنه يذكى كما تذكى الأم فإن ذلك ليس فيه كثير فائدة مع أنه قد وقع في سؤال من سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يفيد المعنى المراد فإن لفظ الحديث عند أحمد "3/39"، وأبي داود "2827"، قال: قلنا: يا رسول الله ننحر الناقة ونذبح البقرة والشاة في بطنها الجنين أنلقيه أم نأكل؟ فقال: "كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه"، فإنهم لم يسألوه عن كيفية تذكيته إنما سألوه عن حل أكله أو تحريمه إذا وجدوه في بطنها فالرفع في وجه هذه السنة بما لا يسمن ولايغني من جوع خروج عن الإنصاف.
قوله: "وما تعذر ذبحه". الخ.
أقول: هكذا جاءت السنة الصحيحة بذلك كما في الصحيحين البخاري "9/633"، مسلم "20، 21/1968"، وغيرهما أحمد "3/463"، أبو داود "2821"، الترمذي "1492"، النسائي "7/228"، ابن ماجة "3183"، من حديث رافع بن خديج قال: كنا مع رسول الله صلى عليه وآله وسلم في سفر فند بعير من إبل القوم ولم يكن معهم خيل فرماه رجل بسهم فحبسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش فما فعل منها هذا فأفعلوا به هكذا"، وظاهر هذا الحديث أنه إذا مات بهذه الرمية كان حلالا ولا يحتاج إلى تذكية وإليه ذهب الجمهور وقال مالك والليث وسعيد بن