المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب سجود السهو - السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌[مقدمة لا يسع المقلد جهلها

- ‌كتاب الطهارة

- ‌باب النجاسات

- ‌[باب المياه

- ‌[باب ندب لقاضي الحاجة التواري

- ‌[باب الوضوء

- ‌[باب الغسل

- ‌[باب التيمم

- ‌[باب الحيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌مدخل

- ‌[باب الأوقات

- ‌[باب الإذان والإقامة

- ‌[باب صفة الصلاة

- ‌[باب والجماعة سنة مؤكدة

- ‌[باب سجود السهو

- ‌[باب والقضاء

- ‌[باب صلاة الجمعة

- ‌[باب ويجب قصر الرباعي

- ‌[باب وشرط جماعة الخوف

- ‌[باب وفي وجوب صلاة العيدين خلاف

- ‌[باب ويسن للكسوفين حالهما ركعتان

- ‌[كتاب الجنائز

- ‌كتاب الزكاة

- ‌مدخل

- ‌[باب في نصاب الذهب والفضة

- ‌باب زكاة الإبل

- ‌[باب ولا شيء فيما دون ثلاثين من البقر

- ‌[باب ولا شيء فيما دون أربعين من الغنم

- ‌[باب " ما أخرجت الارض في نصاب فصاعدا ضم احصاده الحول

- ‌[باب " ومصرفها من تضمنته الآية

- ‌[باب والفطرة تجب من فجر أول شوال إلي الغروب

- ‌كتاب الخمس

- ‌كتاب الصيام

- ‌مدخل

- ‌[باب وشروط النذر بالصوم

- ‌[باب الاعتكاف وشروطه

- ‌كتاب الحج

- ‌مدخل

- ‌باب العمرة

- ‌باب المتمتع

- ‌باب القارن

- ‌كتاب النكاح

- ‌مدخل

- ‌باب على واهب الأمة وبائعها استبراء غير الحامل

- ‌[باب الفراش

- ‌كتاب الطلاق

- ‌[باب إنما يصح من زوج مختار مكلف

- ‌[باب الخلع

- ‌[باب العدة

- ‌[باب الظهار

- ‌[باب الايلاء

- ‌[باب اللعان

- ‌[باب الحضانة

- ‌[باب النفقات

- ‌[باب الرضاع

- ‌كتاب البيع

- ‌مدخل

- ‌باب الشروط المقارنة للعقد

- ‌باب الربويات

- ‌[باب الخيارات

- ‌باب ما يدخل في المبيع

- ‌باب البيع غير الصحيح

- ‌باب المأذون

- ‌باب المرابحة

- ‌[باب الإقالة

- ‌[باب القرض

- ‌[باب الصرف

- ‌[باب السلم

- ‌كتاب الشفعة

- ‌كتاب الإجارة

- ‌مدخل

- ‌باب وإجارة الآدميين

- ‌باب المزارعة

- ‌باب الإحياء والتحجر

- ‌باب المضاربة

- ‌كتاب الشركة

- ‌مدخل

- ‌باب شركة الأملاك

- ‌باب القسمة

- ‌كتاب الرهن

- ‌كتاب العارية

- ‌كتاب الهبة

- ‌كتاب الوقف

- ‌كتاب الوديعة

- ‌كتاب الغصب

- ‌كتاب العتق

- ‌مدخل

- ‌[باب والتدبير

- ‌باب الكتابة

- ‌[باب الولاء

- ‌كتاب الأيمان

- ‌مدخل

- ‌[باب الكفارة

- ‌باب النذر

- ‌باب الضالة واللقطة واللقيط

- ‌باب الصيد

- ‌باب الذبح

- ‌باب الأضحية

- ‌باب الأطعمة والأشربة

- ‌باب اللباس

- ‌كتاب الدعاوى

- ‌كتاب الإقرار

- ‌كتاب الشهادات

- ‌كتاب الوكالة

- ‌باب الكفالة

- ‌باب الحوالة

- ‌باب التفليس

- ‌باب الصلح

- ‌باب الإبراء

- ‌باب الإكراه

- ‌باب القضاء

- ‌كتاب الحدود

- ‌مدخل

- ‌باب حد القذف

- ‌باب حد الشرب

- ‌باب حد السارق

- ‌كتاب الجنايات

- ‌مدخل

- ‌باب الديات

- ‌باب القسامة

- ‌كتاب الوصايا

- ‌كتاب السير

الفصل: ‌[باب سجود السهو

متعمدا أنه قد خالف حديث: "إنما جعل الإمام ليؤتم به" وحديث: "فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالقعود ولا بالانصراف" ويصدق عليه حديث "أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار أو يحول الله صورته صورة حمار".

ص: 167

‌[باب سجود السهو

يوجبه في الفرض خمسة: الأول: ترك مسنون غير الهيئات ولو عمدا.

الثاني: ترك فرض في موضعه سهوا مع أدائه قبل التسليم على اليسار ملغيا ما تخلله وإلا بطلت فإن جهل موضعه نبي على الأسوأ ومن ترك القراءة أو الجهر أو الإسرار أتى بركعة.

الثالث: زيادة ذكر جنسه مشروع فيها إلا كثيرا في غير موضعه عمدا أو تسليمتين مطلقا فتفسد.

الرابع: الفعل اليسير وقد مر ومنه الجهر حيث يسن تركه.

الخامس: زيادة ركعة أو ركن سهوا كتسليمة في غير موضعها] .

باب سجود السهو

قوله: فصل: "يوجبه في الفرض خمسة".

أقول: قد اجتمع في مشروعية سجود السهو أقوال وأفعال وفي أقواله وأفعاله ما هو بصيغة الأمر فكان بهذا واجبا ولكن إذا كان المتروك سنة من السنن التي ليست بواجبة فالسجود لها مسنون لأن الفرع لا يزيد على أصله.

قوله: "الأول نرك مسنون غير الهيئات"

أقول: اعلم أن تسمية بعض ما ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم سنة وبعضه هيئة هو مجرد اصطلاح لأهل علم الفروع وليس مثل ذلك حجة بل ما تقرر ثبوته من فعله صلى الله عليه وسلم مع المدأومة عليه فهو سنة وهكذا ما ثبت من قوله صلى الله عليه وسلم مقترنا بقرينة تدل على عدم الوجوب وهكذا ما خرج عن حديث "المسيء صلاته" فإن النبي صلى الله عليه وسلم علمه صفة الصلاة وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز إلا ما ورد بعد تعليم المسيء بدليل يدل على وجوبه فإنه مقبول معمول به فلا يصرف حديث المسيء عن الوجوب إلا ما كان من الأقوال والأفعال في الصلاة ثابتا قبل تعليم المسيء.

إذا تقرر لك هذا علمت أن جعل بعض أفعال الصلاة وأقوالها سنة يسجد فيها للسهو وبعضها هيئة لا يسجد فيها للسهو لا ينبغي الالتفات إليه ولا العمل به.

وقد سجد صلى الله عليه وسلم لذلك التشهد الأوسط فكان ذلك دليلا للسجود لترك مسنون ولكن قد

ص: 167

قدمنا لك أن التشهد الأوسط مذكور في حديث المسيء فكان ذلك دليلا على وجوبه فلا يتم هذا الاستدلال ولكن يستدل على السجود بترك المسنون بحديث ثوبان عند أبي دأود وابن ماجة [ابن ماجة "1219"، أبو دأود "1038"، أحمد "5/280"]، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لكل سهو سجدتان" وقد قيل إن في إسناده انقطاعا لأنه مروي عن طريق عبد الرحمن ابن جبير بن نفير عن ثوبان ولم يدركه عبد الرحمن.

ويجاب عن هذا بأنه رواه أبو دأود من طريق شيخة عمرو بن عثمان الحمصي عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن ثوبان فلا انقطاع.

وأما تضعيف الحديث بأن في إسناده إسماعيل بن عياش فالمقال الذي فيه لا يوجب طرح حديثه.

ويؤيد هذا الحديث ما رواه البيهقي من حديث عائشة بلفظ: "سجدتا السهو تجزئان من كل زيادة ونقصان".

وقد قدمنا أن السجود لترك مسنون لا يكون واجبا لئلا يزيد الفرع على أصله فغايته أن يكون مسنونا كأصله ولم يرد في ترك المسنون ما يدل على وجوب سجود السهو له كما عرفت بل يختص الوجوب بما ورد الأمر به كالأحاديث التي فيها: "وليسجد سجدتين" وليس ذلك في ترك المسنون.

وأما إيجاب السجود لمن ترك المسنون عمدا فهو عكس ما يدل عليه عنوان هذا الباب فإنه قال: "باب سجود السهو"

وأما تعليلهم بأنه إذا وجب السجود للسهو فوجوبه للعمد أولى فليس ذلك بشيء ها هنا فإن مشروعية السجود قد عللها الشارع بأن في السجود ترغيما للشيطان وأن السجدتين مرغمتان والمتروك عمدا ليس من جهة الشيطان بل من جهة المصلى نفسه.

قوله: "والثاني ترك فرض في موضعه سهوا".

أقول: يدل على هذا سجوده صلى الله عليه وسلم على ركعتين كما في بعض الأحاديث وعلى ثلاث كما في بعض أخرى وسجوده لما صلى خمسا وهي أحاديث صحيحة وهي كلها تدل على وجوب السجود لمثل ذلك.

وأما قوله: "مع أدائه قبل التسليم على اليسار ملغيا ما تخلل وإلا بطلت" فمردود بما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال فصلى ما تركه بتكبير وتسليم مع عدم الإلغاء لما كان قد صلاه وهذا دليل أوضح من الشمس ثابت في حديث ذي اليدين وغيره ولم يرد في هذه الشريعة ما يخالف ذلك قط ولكن أبى كثير من المفرعين إلا ترجيح رأيهم المعكوس واجتهادهم المنكوس بلا برهان.

وهكذا يصنع المتعمدون في إثبات الأحكام الشرعية على الرأي دون الرواية وإنها لرزية في الدين وفاقرة من فواقر المفرعين.

ص: 168

فإن قلت قد تبين بفعله صلى الله عليه وسلم أن تارك الركعة أو الركعتين يأتي بهما بعد تسليمه الذي وقع منه سهوا فما حكم من ترك مثلا سجدة.

قلت حكمه أن يأتي بها قبل أن يسلم إن ذكرها وإن لم يذكر إلا بعد التسليم كبر وسجد وسلم اقتداء بفعله صلى الله عليه وسلم فيما تركه والسجود هو جزء من الركعة وللجزء حكم الكل.

وما أبعد هذا من أذهان المقلدين وأنفر طبائعهم عنه.

قوله: "ومن ترك القراءة أو الجهر أو الإسرار أتى بركعة".

أقول: هذا رأي بحث ليس عليه أثارة من علم والعجب ممن يتجارأ على إثبات مثل هذا ويكلف الناس به ويزعم أنه الشرع الذي شرعه الله ورسوله لعباده وهو يعلم أنه ليس في ذلك حرف واحد من كتاب ولا سنة ولا قياس صحيح.

فإن قلت فمإذا لديك في مثل هذا؟.

قلت أما من ترك القراءة فقد قدمنا من الأدلة الصحيحة الكثيرة ما يدل على أنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب بل قدمنا ما يدل على انه لا ركعة إلا بفاتحة الكتاب وهذا الدليل يفيد أن وجود تلك الصلاة التي لم يقرأ فيها المصلي أصلا باطلة وجودها كعدمها.

وأما من ترك الجهر أو الإسرار فالأمر يسير ليس هنا ما يوجب بطلان الصلاة وغايته على تقدير ثبوت ما يدل على الوجوب أنه ترك واجبا وصلاته صحيحة وعليه أن يسجد للسهو.

قوله: "الثالث زيادة ذكر جنسه مشروع فيها".

أقول: هذه دعوى مجردة بل شريعة متبوعة فالصلاة كما قال صلى الله عليه وسلم: "إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن"[مسلم "537"] ، فمن جاء بتسبيحة أو تسبيحات أو تكبيرة أو تكبيرات في الموضع الذي شرع جنسها فيه فهو زيادة في ثوابه ومضاعفة لحسناته وإن كرر ما لم يشرع فيه إلا المرة الواحدة كتكبيرة النقل إذا كبر عند الانتقال من ركن إلي ركن تكبيرتين أو ثلاثا فقد خالف السنة بذلك ولا سجود عليه لعدم الدليل على ذلك لا من قول ولا فعل.

وهكذا إذا سبح في موضع التشهد ونحو ذلك.

وأما الجمع بين سورتين أو سور في ركعة فقد وردت به السنة من أنكر ذلك فهو الجاني على نفسه بتركه لعلم السنة فإن قرأ في غير موضع القراءة فقد ورد النهي عن القراءة في الركوع والسجود ففاعل ذلك عمدا آثم ولا دليل يدل على أنه يسجد من فعل ذلك للسهو لأنه متعمد وعلى فرض أنه فعل ذلك سهوا وأن حديث: "لكل سهو سجدتان" يشمله فلا يلحق به إلا فعل ما هو منهي عنه في غير موضعه لا ما كان في موضعه وليس هذا مراد المصنف.

وأما قوله: "إلا كثيرا في غير موضعه" فقد قدمنا الكلام في الفعل الكثير فليرجع إليه.

وأما إيقاع التسليمتين في غير موضعهما فإن كان سهوا فلا يفسد به ما تقدمهما من الصلاة لما تقدم في حديث ذي اليدين وما ورد في معناه بل صلاته قبل التسليم سهوا صحيحة ويقوم يأتي بما فاته بتكبير مستأنف.

ص: 169

وأما كونه خروجا من الصلاة فالأمر كذلك ولو كان سهوا ولهذا قام النبي صلى الله عليه وسلم فكبر وصلى بهم ما بقي ولو لم يكن خروجا من الصلاة ما استأنف النبي صلى الله عليه وسلم التكبير للدخول في تأدية ما تركه.

وأما إذا سلم عمدا عالما بانه ترك ركعة أو ركنا فق خرج من الصلاة قبل الفراغ منها متعمدا ولم يرد البناء على ما قد فعله قبل التسليم إلا في الناسي فقط فلا يلحق به المتعمد لوجود الفارق بينهما.

قوله: "الرابع الفعل اليسير".

أقول: لم يرد في هذا شيء بل الوارد يخالفه فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل في صلاته أفعالا هي عند الفقهاء كثيرة فضلا عن أن تكون يسيرة ثم كان لا يسجد سجود السهو فمن ذلك صلاته على المنبر ونزوله منه للسجود ثم رجوعه إليه ومن ذلك حمله أمامه في صلاته ثم وضعها إذا سجد وردها إلي ظهره إذا رفع ثم أمره للمصلي بأن يقاتل الحية وهو باق في صلاته ثم حمله للحسن على ظهره ثم ما وقع منه من إدارة من يقف عن يساره إلي يمينه ودفعه للرجلين اللذين وقفا عن يمينه ويساره إلي خلفه وكذلك اتقاؤه بيده وتأخره ولعنه للشيطان لما جاء له في صلاته بسعفه من نار.

والحاصل أن هذا الباب إذا تتبع حصل منه الكثير ولم يسجد في شيء من ذلك.

وأما ما أخرجه مسلم ["89/ 572"، وغيره [البخاري""401"، أبو دأود "1020"]، من حديث ابن مسعود قال: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإما زاد أو نقص علينا فقلنا: يا رسول الله حدث في الصلاة شيء؟ قال: "لا" فقلنا له الذي صنع فقال: "إذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين" فينبغي حمل هذه الزيادة أو النقصان على الزيادة التي سجد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي زيادة الركعة الخامسة وعلى النقصان الذي سجد له وهو التسليم على ركعتين أو ثلاث أو ما يشابه ذلك لا لكل زيادة أو نقص لأمرين أحدهما أنه صلى الله عليه وسلم لم يسجد في هذه الزيادة أو النقص في حديث ابن مسعود بعد اأن نبهوه على ذلك الأمر.

الثاني: ما ذكرنا من الأحاديث التي وقعت منه صلى الله عليه وسلم ولم يسجد لها.

قوله: "الخامس زيادة ركعة أو ركن سهوا".

أقول: هذا صحيح أما زيادة الركعة فلسجوده صلى الله عليه وسلم لما صلى خمس ركعات وأما زيادة الركن فلكونه جزءا من الركعة فيكون حكمه حكمها ويجبر الجميع بسجود السهو.

[فصل

لا حكم للشك بعد الفراغ فأما قبله ففي ركعة يعيد المبتدىء ويتحرى المبتلى ومن لا يمكنه يبني على الأقل ومن يمكنه ولم يفده في الحال ظنا يعيد وأما في ركن

ص: 170

فكالمبتلي ويكره الخروج فورا ممن يمكنه التحري قيل والعادة تثمر الظن ويعمل بخبر العدل في الصحة مطلقا وفي الفساد مع الشك ولا يعمل بظنه أو شكه فيما يخالف إمامه وليعد متظنن تيقن الزيادة ويكفي الظن في أداء الظني ومن العلم في أبعاض لا يؤمن عود الشك فيها] .

قوله: فصل: "ولا حكم للشك بعد الفراغ".

أقول: الأصل صحة الصلاة التي فرغ منها فلا يعمل بما يعرض من الشكوك فإن الشك الاصطلاحي الذي هو استواء الطرفين هو مجرد تردد والتردد لا يمكن العمل بأحد طرفيه لأنه لا ترجيح لأحدهما على الآخر وإذا لم يكن العمل بأحد طرفيه فلا يحتاج فيه إلي أن يقال لا حكم له لأنه ينفي حكم ما يمكن العمل به لا ما لا يمكن العمل به من الأصل فإنه لم يثبت بحال حتى ينفي.

إذا تقرر لك هذا فاعلم أنه لا يجوز العمل بالشك بمعنى إذا تردد في شيء ما كان لتردده معنى وفائدة لا بعد الفراغ من الصلاة ولا قبل الفراغ منها ولهذا ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة الأمر باطراح الشك والبناء على اليقين وفي بعضها البناء على الأقل وورد في بعضها الأمر بتحري الصواب والجمع بين هذه الروايات ظاهر واضح وهو أن من عرض له الشك إن أمكنه تحري الصواب وذلك بأن ينظر في الأمور التي تفيده معرفة الصواب كان ذلك واجبا عليه فإن لم يفده التحري وجب عليه البناء على اليقين وهو البناء على الأقل ويجب عليه السجود لمجرد عروض هذا الشك كما صرحت به الأحاديث الصحيحة ولم يعد المصنف عروض الشك من اسباب السجود مع أنه السبب الذي ثبت ثبوتا أوضح من الشمس وذكر أسبابا قد قدمنا تزييف أكثرها فما كان أحقه بذكر هذا السبب الصحيح.

وأما الفرق بين المبتدىء والمبتلي وبين الركعة والركن فليس بشيء ولا يعول على مثله من له دراية بالرواية والكل سواء في إيجاب تحري الصواب عليهم أولا ثم البناء على اليقين الذي هو الأقل ثانيا بعد اطراح الشك وعدم الالتفات إليه وللركن حكم الركعة فإنه إذا وجب اطراح الشك في الركعة كان وجوب اطراحه في الركن ثابتا بفحوى الخطاب.

قوله: "ويكره الخروج فورا".

أقول: الأولى أن يقال ويحرم الخروج على كال حال ووجه ذلك أن الشارع قد عرفه أنه يتحرى الصواب فإن لم يفده التحري بنى على اليقين والبناء على الأقل ممكن لكل أحد إذا كان صحيح العقل لأنه إذا تردد هل صلى ثلاثا أو أربعا أمكنه أن يبني على الثلاث.

ولو قدرنا أنه اختلط عليه الأمر حتى لم يدركم صلى ولم يهتد إلي مقدار أصلا فعليه أن يبني على أنه في الركعة الأولى لأنه قد صار مصليا ولا أقل من ان يكون في الركعة الأولى وليس عليه غير ذلك فإنه هو الذي أمر به الشارع من البناء على اليقين والبناء على الأقل.

ص: 171

واطراح الشك هذا إذا كان المصلي من جنس العقلاء فإن كان قد انسلخ من العقل وصار مجنونا فقد رفع الله عنه قلم التكليف في الصلاة وغيرها.

قوله: "قيل والعادة تثمر الظن".

أقول: هب أن العادة تثمر الظن فكان مإذا فإن المقام مقام العمل باليقين ومقام البناء على الأقل فليس لمجرد الظن ها هنا فائدة يستد بها ولا يجوز العمل به فيما نحن بصدده وهكذا العمل بخبر العدل إن لم يحصل به اليقين الذي أمر به الشارع فلا اعتبار به ويغني عنه البناء على الأقل وهو ممكن كل عاقل.

قوله: "ولا يعمل بظنه أو بشكه فيما يخالف إمامه".

أقول: هذا صواب ولو قال المصنف رحمه الله في هذا الفصل ولا يعمل بالظن والشك مطلقا أي قبل الفراغ من الصلاة وبعده وفي صلاته منفردا أو مع الإمام لكان ذلك صوابا مغنيا عن جميع ما في هذا الفصل على مقتضى ما هو الحق كما عرفناك.

قوله: "ولبعد متظنن تيقن الزيادة".

أقول: الذي تقتضيه الأدلة أنه إذا تيقن الزيادة عمل على اليقين كما تيقن أنه صلى خمسا وليس عليه إلا سجود السهو كما فعله صلى الله عليه وسلم لما اخبروه أنه صلى خمسا فإنه سجد للسهو فقط ولم يعد الصلاة ولا أمرهم بالإعادة ولا اعتبار بكونه زاد تلك الزيادة متظننا فإنه لا عمل بالظن في مثل هذا ولا تأثير له على أن من صلى الخامسة لا بد له من حامل على ذلك من جهة نفسه وأقل ما يحمله على ذلك ما يحصل له من الظن أنها أربعة مثلا وقد عرفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه ليس عليه إلا سجود السهو.

قوله: "ويكفي الظن في أداء الظني".

أقول: جاء بهذه القاعدة الكلية وهي غير مقبولة لأن الحكم الشرعي الثابت بدليل ظني قد كلف به من وجب عليه وثبت في ذمته يقينا وإن كان دليله ظنيا فكيف يكفي ظن المكلف في تأدية ما هو ثابت عليه بيقين وأين هذا الظن من ظنية دلالة الدليل على وجوب الحكم مع تعلقه بالمكلف بيقين.

وإذا تقرر لك هذا في الظن فهو فيما هو أعلى منه أولى.

[فصل

"وهو سجدتان بعد كمال التسليم حيث ذكر أداء أو قضاء إن ترك وفروضهما النية للجبران والتكبيرة والسجود والاعتدال والتسليم وسننهما تكبير النفل وتسبيح السجود والتشهد.

ص: 172

ويجب على المؤتم لسهو الإمام أولا ثم لسهو نفسه قيل المخالف إن كان ولا يتعدد لتعدد السهو إلا لتعدد أئمة سهوا قبل الاستخلاف وهو في النفل ولا سهو لسهو ويستحب سجوده بنية وتكبيرة لا تسليم أحدها شكرا واستغفارا ولتلأوة الخمس عشرة آية أو لسماعها وهو بصفة المصلي غير مصل فرضا إلا بعد الفراغ ولا تكرار للتكرار في المجلس"] .

قوله: فصل: "وهو سجدتان بعد التسليم".

أقول: هذه المسألة قد طال فيها الخلاف وقد استوفيت الكلام في المذاهب وما استدل به لكل مذهب في شرح المنتقى وذكرت فيها ثمانية مذاهب ولاح لي ما ينبغي أن يعد مذهبا تاسعا وهو أنه يسجد لما سجد له رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل السلام كذلك ولما سجد له بعد السلام كذلك وللسهو الخارج عن المواضع التي سجد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون المصلي مخيرا إن شاء سجد قبل السلام وإن شاء بعده لأن الكل قد ثبت وهذا قول حسن وجمع جامع بين الأدلة.

وأما قوله: "حيث ذكر أداء أو قضاء إن ترك عمدا فالناسي يسجد عند الذكر ويكون أداء وإن خرج وقت الصلاة التي سها فيها".

ولا وجه لتقييده بالعمد فلا فرق بين العمد والسهو.

وإن كان التارك عمدا قد أثم بالتراخي عن تأدية ما يجب عليه.

قوله: "وفروضهما النية للجبران".

أقول: قد قدمنا أن في الأدلة الدالة على النية ما يفيد أنها شرط يؤثر عدمها في عدم المشروط وأما كونها للجبران فلكونه قد لحق الصلاة بالنقص منها أو الزيادة فيها ما هو نقص ولهذا وجب سجود السهو فلا وجه لما قيل أن الزيادة ليست بنقص فتجبر.

وأما فرضية التكبير فلما تقدم لأن سجود السهو قد صار كالصلاة المستقلة لتحريمه بالتكبير وتحليله بالتسليم.

وأما فرضية السجدتين فلكونهما هما والاعتدال أركانا لسجود السهو.

وأما فرضية التسليم فلما تقدم في تسليم الصلاة.

وأما كون تكبير النقل وتسبيح السجود سنة فلكونهما في الصلاة كذلك.

وأما جعل التشهد سنة فلا وجه له بل حكمه حكم تشهد الصلاة وقد تقدم الكلام في ذلك في صفة الصلاة لكنه إذا كان السجود قبل التسليم فلا تشهد بل يغني عنه تشهد الصلاة وهكذا يكفي السلام الواحد تحليلا لصلاة الفريضة ولسجود السهو لأنه لم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم سلم تسليمتين ولا تشهد تشهدين فيما سجد له قبل التسليم وأما ما سجد له بعد التسليم من الصلاة فلا بد من التشهد والتسليم.

وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم تشهد في سجود السهو فأخرج أبو دأود ["1039"] ، والترمذي ["395"] ،

ص: 173

والترمذي وابن حبان والحاكم عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسها فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم قال الترمذي حسن غريب صحيح وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين

وقد ورد في التشهد في سجود السهو غير هذا الحديث وهو ما أخرجه أبو دأود ["1028"] ، والنسائي عن ابن مسعود وأخرجه البيهقي عن المغيرة وفي إسنادهما ضعف ولكن الحديث الأول على انفراده تقوم به الحجة.

قوله: "ويجب على المؤتم لسهو الإمام أولا".

أقول: هذا صحيح لورود الأمر بمتابعة الإمام وإن كان نقص صلاته لا يسري إلي صلاة المؤتم لما تقدم في الحديث الصحيح "أنه إذا أصاب فله وللمؤتمين وإن أخطأ فعليه لا عليهم"

وأما إيجاب السجود على المؤتم لما عرض له من السهو في صلاته فذلك صواب لأن أدلة سجود السهو تتنأوله ولم يرد ما يدل على ان مجرد سجوده مع الإمام لسهو الإمام يسقط عنه السجود لسهو نفسه.

والحاصل أنه إذا كان سهو الإمام في فعل أو ترك قد تابعه المؤتم في ذلك الفعل أو الترك سهوا فسجوده مع الإمام يكفي وإن كان قد وقع منه سهو غير سهو الإمام فعليه أن يسجد له لدخوله بهذا السجود في جملة الأدلة الواردة في سجود السهو.

فقول المصنف قيل المخالف إن كان هو أصوب من قول القائل إنه يسجد مطلقا.

قوله: "ولا يتعدد بتعدد السهو".

أقول: أحسن ما يستدل به لهذا أنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه أنهم كرروا السجود لتكرر السهو مع أن تكرر السهو ممكن من كل مصل وأما الاستدلال على عدم التعدد بأن النبي صلى الله عليه وسلم سلم على ركعتين وتكلم وسلم.

ففيه أن الكلام وقع بعد الخروج من الصلاة بالتسليم ثم التسليم هو الذي تبين به أنه وقع السهو فإن قيل إنه في حكم المصلي لبنائه على ما قد فعل فيجاب عنه أنه لو كان ذلك صحيحا لكان للكلام الواقع منه في تلك الحالة حكم الكلام الواقع قبل الخروج من الصلاة.

وأما قوله: "إلا لتعدد أئمة سهوا قبل الاستخلاف" فلا وجه له لأن الصلاة واحدة والأئمة المتعددون كالإمام الواحد فكما لا يتعدد السجود لسهو الإمام الواحد كذلك لا يتعدد لتعدد سهو الأئمة وسهوهم بعد الاستخلاف يخصهم لأنهم لم يكونوا أئمة في حال السهو.

قوله: "وهو في النفل نفل".

أقول: قد اختلف أهل الأصول في لفظ الصلاة إذا لم يقيد هل إطلاق الصلاة على الفريضة والنافلة من باب الاشتراك اللفظي أو المعنوي وإلي الثاني ذهب جمهورهم وإلي الأول ذهب الرازي والظاهر الأول فتكون الأحاديث التي ذكر فيها السجود لمن سها في صلاته شاملة للفريضة والنافلة ويكون عدم وجوب النافلة صارفا لما تدل عليه الأحاديث من الوجوب فلا يرد الاشكال الذي أورده الجلال.

ص: 174

قوله: "ولا سهو لسهوه"

أقول: سجود السهو قد قدمنا أنه صار كالصلاة المستقلة لوجود خاصيتها فيه وهو كون تحريمهه التكبير وتحليله التسليم.

وقد اتفق الجميع أنه يبطل بمبطلات الصلاة كالحدث ونحوه فلو صح ما قالوه من لزوم التسلسل لكان الحدث غير مبطل له.

وإذا عرفت هذا فالسهو فيه كالسهو في الصلاة بشمول أحاديث السهو له لأنه صلاة.

وأما ما قاله بعض أئمة النحو من أن المصغر لا يصغر فهو بمعزل عن علم الفقه في الدين.

قوله: "ويستحب سجود بنية وتكبيرة لا تسليم أحدها شكرا".

أقول: قد وردت أحاديث كثيرة بعضها صحيح وبعضها حسن وبعضها فيه ضعف ومجموعها مما تقوم به الحجة أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد سجود شكر في مواضع ولم يرد في ذلك غير فعله صلى الله عليه وسلم فلم يكن واجبا ولم يرد في الأحاديث غير فعله صلى الله عليه وسلم للسجود ولم يرد أنه كبر ولا أنه سلم فالمشروعية تتم بمجرد فعل السجود.

فإن قلت لم يرد في الأحاديث ما كان يقوله صلى الله عليه وسلم في سجود الشكر فمإذا يقول الساجد للشكر.

قلت ينبغي أن يستكثر من شكر الله عز وجل لأن السجود سجود الشكر.

فإن قلت نعم الله على عباده لا تزال واردة عليه في كل لحظة؟

قلت المراد النعم المتجددة التي يمكن وصولها إلي العبد ويمكن عدم وصولها ولهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد إلا عند تجدد تلك النعم مع استمرار نعم الله سبحانه وتعالي عليه وتجددها في كل وقت.

قوله: "واستغفارا"

أقول: لم يرد في هذا شيء وليس في حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في "ص" وقال: "سجدها دأود توبة ونسجدها شكرا"[النسائي "957"]، ما يدل على مشروعية السجود للاستغفار لأن ذلك هو بيان لمشروعية سجدة التلأوة في صلي الله عليه وسلم وأن دأود عليه السلام فعلها للتوبة ولم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم للتوبة بل قال:"ونسجدها شكرا" فلم يقرر النبي صلى الله عليه وسلم سجود التوبة من دأود بل خالفه فليس ذلك من شرع من قبلنا كما زعمه البعض لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقرره وغاية ما في الحديث أنه يحسن السجود في صلي الله عليه وسلم شكرا عند تلأوة الآية أو سماعها.

ولكنه قد ورد أن السجود هو مقام القرب من الرب سبحانه كما في الحديث الصحيح "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"[مسلم "482"] ، فمن قصد إيقاع دعائه في هذا المقام أو استغفاره فقد وفق للصواب وتعرض لنفحات الرحمن في المقام الذي أخبرنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أن العبد أقرب إلي ربه فيه من سائر المقامات التي يكون العبد عليها كالقيام والقعود والاضطجاع فمن فعل السجود عند دعائه قاصدا به هذا المقصد مريدا به هذه الأرادة فنعم ما فعل.

ص: 175