المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

تمليك كما يدل عليه لفظ التأبيد وأما إذا كانت مقيد - السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌[مقدمة لا يسع المقلد جهلها

- ‌كتاب الطهارة

- ‌باب النجاسات

- ‌[باب المياه

- ‌[باب ندب لقاضي الحاجة التواري

- ‌[باب الوضوء

- ‌[باب الغسل

- ‌[باب التيمم

- ‌[باب الحيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌مدخل

- ‌[باب الأوقات

- ‌[باب الإذان والإقامة

- ‌[باب صفة الصلاة

- ‌[باب والجماعة سنة مؤكدة

- ‌[باب سجود السهو

- ‌[باب والقضاء

- ‌[باب صلاة الجمعة

- ‌[باب ويجب قصر الرباعي

- ‌[باب وشرط جماعة الخوف

- ‌[باب وفي وجوب صلاة العيدين خلاف

- ‌[باب ويسن للكسوفين حالهما ركعتان

- ‌[كتاب الجنائز

- ‌كتاب الزكاة

- ‌مدخل

- ‌[باب في نصاب الذهب والفضة

- ‌باب زكاة الإبل

- ‌[باب ولا شيء فيما دون ثلاثين من البقر

- ‌[باب ولا شيء فيما دون أربعين من الغنم

- ‌[باب " ما أخرجت الارض في نصاب فصاعدا ضم احصاده الحول

- ‌[باب " ومصرفها من تضمنته الآية

- ‌[باب والفطرة تجب من فجر أول شوال إلي الغروب

- ‌كتاب الخمس

- ‌كتاب الصيام

- ‌مدخل

- ‌[باب وشروط النذر بالصوم

- ‌[باب الاعتكاف وشروطه

- ‌كتاب الحج

- ‌مدخل

- ‌باب العمرة

- ‌باب المتمتع

- ‌باب القارن

- ‌كتاب النكاح

- ‌مدخل

- ‌باب على واهب الأمة وبائعها استبراء غير الحامل

- ‌[باب الفراش

- ‌كتاب الطلاق

- ‌[باب إنما يصح من زوج مختار مكلف

- ‌[باب الخلع

- ‌[باب العدة

- ‌[باب الظهار

- ‌[باب الايلاء

- ‌[باب اللعان

- ‌[باب الحضانة

- ‌[باب النفقات

- ‌[باب الرضاع

- ‌كتاب البيع

- ‌مدخل

- ‌باب الشروط المقارنة للعقد

- ‌باب الربويات

- ‌[باب الخيارات

- ‌باب ما يدخل في المبيع

- ‌باب البيع غير الصحيح

- ‌باب المأذون

- ‌باب المرابحة

- ‌[باب الإقالة

- ‌[باب القرض

- ‌[باب الصرف

- ‌[باب السلم

- ‌كتاب الشفعة

- ‌كتاب الإجارة

- ‌مدخل

- ‌باب وإجارة الآدميين

- ‌باب المزارعة

- ‌باب الإحياء والتحجر

- ‌باب المضاربة

- ‌كتاب الشركة

- ‌مدخل

- ‌باب شركة الأملاك

- ‌باب القسمة

- ‌كتاب الرهن

- ‌كتاب العارية

- ‌كتاب الهبة

- ‌كتاب الوقف

- ‌كتاب الوديعة

- ‌كتاب الغصب

- ‌كتاب العتق

- ‌مدخل

- ‌[باب والتدبير

- ‌باب الكتابة

- ‌[باب الولاء

- ‌كتاب الأيمان

- ‌مدخل

- ‌[باب الكفارة

- ‌باب النذر

- ‌باب الضالة واللقطة واللقيط

- ‌باب الصيد

- ‌باب الذبح

- ‌باب الأضحية

- ‌باب الأطعمة والأشربة

- ‌باب اللباس

- ‌كتاب الدعاوى

- ‌كتاب الإقرار

- ‌كتاب الشهادات

- ‌كتاب الوكالة

- ‌باب الكفالة

- ‌باب الحوالة

- ‌باب التفليس

- ‌باب الصلح

- ‌باب الإبراء

- ‌باب الإكراه

- ‌باب القضاء

- ‌كتاب الحدود

- ‌مدخل

- ‌باب حد القذف

- ‌باب حد الشرب

- ‌باب حد السارق

- ‌كتاب الجنايات

- ‌مدخل

- ‌باب الديات

- ‌باب القسامة

- ‌كتاب الوصايا

- ‌كتاب السير

الفصل: تمليك كما يدل عليه لفظ التأبيد وأما إذا كانت مقيد

تمليك كما يدل عليه لفظ التأبيد وأما إذا كانت مقيد بمدة معلومة كأن يقول أعمرتك أو أرقبتك هذا عشر سنين أو عشرين سنة فإنه لا يستحق إلا ذلك المقدار لأنها لم تطب نفسه إلا بذلك القدر وهكذا لو اشترط كان يقول أعمرتك هذا ما عشت فإذا مت رجع إلي فإنه يرجع إليه عند موت المعمر أو المرقب فهذا حاصل ما ينبغي أن يقال في العمرى والرقبى والعمرى المؤقتة يستحق صاحبها جميع الفوائد الحاصلة في العين ولا وجه لاستثناء المصنف للولد إلا أن يستثنيه من وقعت منه أو يجري عرف يكون في حكم المنطوق به وأما السكنى بشرط البناء فإذا وقع التراضي على ذلك كان صحيحا ولا يقدح في الصحة مجرد الجهالة لأن لكل واحد منهما أن يتركها متى شاء كما تقدم تقريره وأما بدون هذا الشرط فلفظ الإشكال قد تضمن إباحة المنافع وهذه الإباحة عارية وقد تقدمت أحكامها.

ص: 635

‌كتاب الوقف

[فصل

يشرط في الواقف التكليف والإسلام والاختيار والملك وإطلاق التصرف وفي الموقوف صحة الانتفاع به مع بقاء عينه ولو مشاعا ينقسم أو جميع مالي وفيه ما يصح وما لا كأم الولد وما منافعه للغير وما في ذمة الغير ولا يصح تعليق تعيينه في الذمة ولا تلحقه الإجازة كالطلاق وإذا التبس ما قد عين في النية بغيره فبلا تفريط صار للمصالح وبه قيمة أحدهما فقد وفي المصرف كونه قربة تحقيقا أو تقديرا وفي الإيجاب لفظه صريحا أو كناية مع قصد القربة فيهما وينطلق بها أو بما يدل عليها مع الكناية] .

أعلم أن ثبوت الوقف في هذه الشريعة وثبوت كونه قربة أظهر من شمس النهار ولهذا قال الترمذي لا نعلم بين الصحابة والمتقدمين من أهل العلم خلافا في جواز وقف الأرضين انتهى وأما ما يروي عن أبي حنيفة من أن الوقف لا يلزم فقد خالفه في ذلك جميع أصحابه إلا زفر وقد حكى الطحاوي عن أبي يوسف أنه قال لو بلغ أبا حنيفة لقال به انتهى وقد قرر صلى الله عليه وسلم وقف عمر [البخاري "5/354"، مسلم "15/1632"، أبو داود "2878"، الترمذي "1375"، النسائي "3599"، ابن ماجة "2396"، أحمد "2/12، 13، 55، 125،"] ، ورغب الصحابة في وقف بئر رومة فاشتراها عثمان ووقفها [البخاري "5/29"، النسائي "3608"، الترمذي "2703"] ، وأمر أبا طلحة [البخاري "1461"، مسلم "42/998"، أحمد "3/141"، الترمذي "2997"، أن

ص: 635

يجعل أحب أمواله إليه في الأقربين وقال صلى الله عليه وسلم: "أما خالد فقد حبس أدراعه وأعتده في سبيل الله"، [البخاري "3/331"، مسلم "11/983"، أحمد "2/2/322"، أبو داود "1623"،النسائي "2464"]، وقال:"إذا مات الإنسان انقطع علمه إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له"، وهذه أحاديث صحيحة معروفة وثبت وقوع الوقف من جماعة من الصحابة بعد موته فالعجب مما قام في وجه هذه الشريعة الواضحة والسنة القائمة بما يحكى عن ابن عباس أنه قال لا حبس بعد نزول سورة النساء مع أن هذا لم يثبت عنه من طريق معتبرة وما قيل من أنه أخرجه عنه البيهقي في الشعب ففي إسناده من لا تقوم به الحجة ومع هذا فهو اجتهاد صحابي ليس بحجة على أحد على أن مراده شيء آخر غير الوقف وهو أنها لا تحبس فريضة عمن أعطاها الله سبحانه كما يدل عليه قوله لا حبس بعد نزول سورة النساء ولو قدرنا أنه يريد الوقف لكان محجوبا بالأدلة الصحيحة وبإجماع الصحابة.

قوله: "فصل: يشترط في الواقف التكليف والإسلام".

أقول: أما اشتراط التكليف فلكون غير المكلف محجورا عن التصرف في ماله بما فيه عوض كالبيع ونحوه فكيف بما لا عوض فيه وأما اشتراط الإسلام فقد تقرر أن الوقف قربة من القرب الموجبة لعظيم الثواب والكافر غير متأهل لذلك فإن فعل فليس هذا الذي فعله هو الواقف الشرعي الذي نحن بصدده وليس الكلام إلا الوقف الشرعي وأما اشتراط أن يكون الموقوف مما يصح الانتفاع به مع بقاء عينه فلكونها لا توجد ماهية الوقف إلا فيما كان كذلك لأن الوقف هو تحبيس الأصل وتسبيل فوائده.

وأما قوله: "ولو مشاعا" فظاهر لأن الأصل عدم المانع وقد طول جماعة الكلام في وقف المشاع استلالا وردا وكله في غير طائل وهكذا تصح الصورة التي ذكرها وهي وقف جميع المال وفيه ما يصح ولا لا يصح لأن وجود ما لا يصح وقفه فيما تناوله الوقف لا يصلح أن يكون مانعا لصحة وقف ما يصح وقفه فيصح ما يصح ويبطل ما يبطل كما قدمنا على قوله ومتى انضم إلى جائز البيع غيره فسد.

وأما قوله: "ولا يصح تعليق تعيينه في الذمة" فوجهه عدم استقرار ما وقع الوقف عليه وليس مثل هذا ينبغي أن يكون مانعا من الصحة فإنه إذا قال وقفت أرضا من الأراضي التي أملكها كان متقربا واقفا بمجرد صدور هذا منه وبعد ذاك التعيين إليه في أي أرض أراد من أملاكه ومن زعم أن في هذا الوقف مانعا يمنع من صحته فالدليل عليه وإن لم يكن إلا مجرد الرأي المبني على الهباء فرأيه رد عليه.

وأما قوله: "ولا تلحقه الإجازة" فلا وجه له لأن الإجازة نفسها هي التي حصل بها الوقف كما قدمنا مثل هذا في غير موضع.

وأما قوله: "وإذا التبس ما قد عين في النية" الخ فوجهه أن ذلك الغير الذي وقع

ص: 636

الالتباس به قد صار أحد محتملات ما تعلقت به القربة فصارا جميعا للمصالح وهذا الوجه غير وجيه بل ينبغي أن يقال اختياره الذى كان عند إنشاء الوقف هو باق الآن معه فيعين أيهما شاء بعد الالتباس وليس هذا الالتباس موجبا لخروج ملكه المتقين المعصوم بعصمة الإسلام وقد قدمنا على قوله ومتى اختلطت فالتبست أملاك الأعداد ما فيه كفاية.

قوله: "وفي المصرف كونه قربه" الخ.

أقول: هذا الوقف الذي جاءت به الشريعة ورغب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه هو الذي يتقرب به إلى الله عزوجل حتى يكون من الصدقة الجارية التي لا ينقطع عن فاعلها ثوابها فلا يصح أن يكون مصرفه غير قربة لأن ذلك خلاف موضوع الوقف المشروع لكن القربة توجد في كل ما أثبت فيه الشرع أجرا لفاعله كائنا ما كان فمن وقف مثلا على إطعام نوع من أنواع الحيوانات المحترمة كان وقفه صحيحا لأنه قد ثبت في السنة الصحيحة "أن في كل كبد رطبة أجرا" ومثل هذا لو وقف على من يخرج القذاة من المسجد أو يرفع ما يؤذي المسلمين في طرقهم فإن ذلك وقف صحيح لورود الأدلة الدالة على ثبوت الأجر لفاعل ذلك فقس على هذا غيره مما هو مساو له في ثبوت الأجر لفاعله وما آكد منه في استحقاق الثواب وأما الأوقاف التي يراد بها قطع ما أمر الله به أن يوصل ومخالفة فرائض الله عزوجل فهو باطل من أصله لا ينعقد بحال وذلك كمن يقف على ذكور أولاده دون إناثهم وما أشبه ذلك فإن هذا لم يرد التقرب إلى الله بل أراد المخالفة لأحكام الله عزوجل والمعاندة لما شرعه لعباده وجعل هذا الوقف الطاغوتي ذريعة إلى ذلك المقصد الشيطاني فليكن هذا منك على ذكر فما أكثر وقوعه في هذه الأزمنة وهكذا وقف من لا يحمله على الوقف إلا محبة بقاء المال في ذريته وعدم خروجه عن أملاكهم فيقفه على ذريته فإن هذا إنما أراد المخالفة لحكم الله عزوجل وهو انتقال الملك بالميراث وتفويض الوارث في ميراثه يتصرف به كيف يشاء وليس أمر غناء الورثة ولا فقرهم إلى هذا الوقف بل هو إلى الله عزوجل وقد توجد القربة في مثل هذا الوقف على الذرية نادرا بحسب اختلاف الأشخاص فعلى الناظر أن يمعن النظر في الأسباب المقتضية لذلك من هذا النادر أن يقف على من تمسك بطرق الصلاح من ذريته أو اشتغل بطلب العلم فإن هذا الوقف ربما يكون المقصد فيه خلاصا والقربة متحققة والأعمال بالنيات ولكن تفويض الأمر إلى ما حكم الله به بين عباده واتضاه لهم أولى وأحق.

قوله: "وفي الايجاب لفظه" الخ.

أقول: المعتبر ما فيه دلالة على هذه القربة وعلى طيبة النفس بصرف ذلك المال إلى هذا الوجه بأي لفظ كان وعلى أي صفة وقع ولو بإشارة من قادر على النطق كما قد قررنا هذا في غير موضع من هذا الكتاب.

وأما قوله: "مع قصد القربة" فهو الركن الأعظم الذي تدور عليه دوائر الصحة أو البطلان

ص: 637

وليس النطق بالقربة معتبرا بل المراد القصد لذلك عند إرادة فعل هذه الخصلة الصالحة والصدقة الجارية والحبسة الدائمة والثواب المستمرة النفع.

[فصل

ولا يصح مع ذكر المصرف إلا منحصرا ويخصص أو متضمنا للقربة ويصرف في الجنس ويغني عن ذكره ذكر القربة مطلقا أو قصدها مع التصريح فقط ويكون فيهما للفقراء مطلقا وله بعد تعيين المصرف وإذا عين موضعا للصرف أو للانتفاع تعين ولا يبطل المصرف بزواله] .

قوله: "فصل: ولا يصح مع ذكر المصرف إلا منحصرا".

أقول: مقصود الوقف الذي يصح عنده هو قصد التقرب إلى الله عزوجل فإذا كان المصرف توجد فيه أو في بعضه القربة بالصرف إليه فالوقف صحيح ويصرف في الذي فيه القربة لا فيمن لا قربة فيه ولا وجه لاشتراط الانحصار أصلا فإن القربة إذا كانت موجودة في غير المنحصر لم يبق شك في صحة الوقف وعدم وجود المانع من صحته فإن أراد بهذا الكلام أنه لا يصح الوقف مع ذكر المصرف وعدم ذكر القربة إلا إذا كان منحصرا لأنه إذا كان المنحصر في الحال لا قربة فيه كالأغنياء فقد توجد القربة بافتقار من يفتقر منهم أو انتقاله عنهم إلى من بعدهم ممن ليس بغني فإن كان مراده هذا فما أقل فائدة هذا الكلام مع عدم دلالة كلامه عليه.

وأما قوله: "ويخصص" فوجهه أنه قد صار لكل واحد من المصرف المنحصرين حق في ذلك الوقف.

وأما قوله: "أو مضمنا للقربة" فظاهر كأن يقول وقفت هذا على الفقراء أو على المجاهدين ويصرف في حبس المتصفين بتلك الصفة وقد أطال المصنف في غير طائل وكان يغنيه عن هذا كله أن يقول ولا يصح إلا مع قصد القربة ويخصص في المنحصر.

وأما قوله: "ويكون فيهما للفقراء مطلقا" فلا وجه له بل يكون لأي صنف من الأصناف التي توجد فيهم القربة أو في الأفراد من كل هذه الأصناف أو بعضها للقطع بأن الصرف في المجاهدين أو فك أسرى المسلمين إذا لم تكن القربة فيه أظهر من مطلق الفقراء فهو مثله.

وأما قوله: "وله بعد تعيين المصرف" فظاهر لأنه مع عدم التعيين في الابتداء مفوض في صرف وقفه في أي مصرف شاء وهكذا قوله وإذا عين موضعا للصرف أو الانتفاع تعين لأن له أن يختار لنفسه ما أراد ولا حجر عليه.

وأما قوله: "ولا يبطل المصرف بزواله" فيرجع في ذلك إلى ما يعرف من قصده فإن عرف من قصده أن هذا الموضع المعين إذا زال صرف في موضع آخر مماثل له فلا يبطل المصرف

ص: 638

بزواله كمن يقف على إطعام من يرد من الغرباء إلى مكان كذا فإنه ينقل إلى إطعام من يرد منهم إلى موضع آخر مماثل له وإن عرف من قصده أنه إذا لم يبق ذلك الموضع عاد لورثته فإنه يعود إليهم فإن التبس علينا مقصده فالأولى أن يصرف إلى المصرف في موضع آخر مماثل لذلك الموضع لأن في هذا الصرف بقاء الوقف واستمرار النفع للواقف.

[فصل

ويصح على النفس والفقراء لمن عداه إلا عن حق فلمصرفه والأولاد مفردا لأول درجة بالسوية ومثنى فصاعدا بالفاء أو ثم لهم ما تناسلوا ولا يدخل الأسفل حتى ينقرض الأعلى إلا لأمر يدخله كالواو عند "م"[أي: المؤيد بالله] ومتى صار إلى بطن بالوقف فعلى الرؤوس ويبطل تأجير الأول ونحوه لا بالإرث فحبسه ولا يبطل والقرابة والأقارب لمن ولده جد أبويه ما تناسلوا والأقرب فالأقرب لأقربهم إليه نسبا والأستر للأورع والوارث لذي الإرث فقط ويتبع في التخصيص وهذا الفلاني المشار إليه وإن انكشف غير المسمى] .

قوله: "فصل: ويصح على النفس".

أقول: إن ذكر بعد نفسه ما يكون قربة كأن يقول على نفسه ثم على الفقراء أو نحو ذلك فهذا صحيح ويحمل في وقفه على نفسه على مقصد صالح له وذلك بأن يقصد منع نفسه من بيع ذلك الذي جعله وقفا حتى يكون وقفا متقربا به إلى الله ولا يحصل مثل هذا القصد بإضافته للوقف إلى بعد موته ولأنه قد يعرض له من الحاجة ما يسوغ له بيعه مع عدم نجاز الوقف ومع هذا فقد تكون القربة متحققة بوقفه على نفسه فقط وذلك بأن يقصد استمرار الانتفاع به ما دام في الحياة وقصر نفسه على أن يبيعه ويحتاج إلى الناس بعد بيعه.

قوله: "والفقراء لمن عداه".

أقول: هذا هو الظاهر في المحاورات بين الناس ومخاطبات بعضهم لبعض وإن كان جمهور أهل الأصول قائلين بدخول المخاطب في خطاب نفسه.

وأما قوله: "إلا عن حق فلمصرفه" فوجهه ظاهر لأن ذكر الحق مشعر بأن المراد بالوقف الصرف في مصارف ذلك الحق.

وأما قوله: "والأولاد مفردا لأول درجة بالسوية" فوجهه أن ذكره لأول درجة يدل على استوائهم في ذلك فيقسم بينهم بالسوية ويصير ما بيد كل واحد إلى ورثته سواء عينهم أو أطلق إلا أن يقصد أنه يكون لهم حتى ينقرض للآخر منهم ثم يعود لورثتهم فإنه لا حق للورثة إلا بعد انقراض الآخر ثم يصير لورثتهم جمعيا فأعرف أنه لا بد من القصد في مثل هذا ولا تغتر بما

ص: 639

يذكره المفرعون في هذا المقام من أن الوقف على المعينين من الأولاد كل واحد منهم بموته ويقال لهذا وقف عين وأن الوقف على أولاده من غير تعيين تبقى فيهم حتى ينقرض الآخر ويعود لورثتهم ويقال لهذا وقف جنس.

وأما قوله: "ومثنى فصاعد بالفاء أو ثم لهم ما تناسلوا" فلا بد أن يقيد هذا بأنه عرف من قصده أنه أراد الأولاد ثم أولادهم ثم من بعدهم طبقة بعد طبقة أما لو قال أولادي ثم أولادهم واقتصر على هذا فإنه لا يتناول من بعد هاتين الطبقتين بل تشترك فيه الطبقة الأولى ثم الطبقة الثانية يصير نصيب كل واحد إلى ورثته كما قدمنا والعموم الكائن في قوله: ثم أولادهم هو باعتبار أهل تلك الطبقة المضافة إلى الأولاد باعتبار كل من يحدث من الطبقات الكائنة بعدهم.

قوله: "والقرابة والأقارب لمن ولده جد أبويه".

أقول: القرابة والأقارب معروفان في لغة العرب مدونان في كتب اللغة فإن كان ثم عرف تعين عليه حمل كلام الواقف فهو مقدم لأن كلامه لا يكون إلا على العرف الجاري بين أهل عصره وقد قسم النبي صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربي المذكور في قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41] ، بني بتين هاشم وبني المطلب فعاتبه بعض بني أمية في إدخال بني المطلب في القسمة وإخراج بني أمية مع كونهم في القرابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مبينا لهم وجه التخصيص لبني المطلب بأنهم لم يفارقوه في جاهلية ولا إسلام فكان هذا هو المقتضي لدخولهم مع بني هاشم ولم يدخلوا لكونهم من ذوي القربى. [البخاري "3140"، أحمد 4/81، 83، 85،"، أبو داود "2978"، النسائي "4136"، ابن ماجة "2881"] .

وأما قوله: "والأقرب فالأقرب لأقربهم إليه نسبا" فوجهه أن هذا العطف الكائن بين صيغتي التفصيل يدل على اعتبار الأقرب إلى الواقف ثم الأقرب فيقدم أقربهم إليه ثم من يليه ثم كذلك.

وأما قوله: "والأستر للأورع" فوجهه أن التمسك بالورع قد أخذ بأعلى أنواع الستر إلا أن يجري عرف يحمل عليه كلام الواقف بخلاف ذلك فهو مقدم.

وأما قوله: "والوارث لذي الإرث" فظاهر لأنه لا يريد إلا من يرثه بغير واسطة فإن قصد ما هو أعم من ذلك وجرى به عرفه وعرف أهل بلده حمل كلامه عليه.

وأما قوله: "وهذا الفلاني" الخ فلا وجه له وإن كانت الإشارة أقوى لكن المقاصد هي المعتبرة فإن قصد المسمى ولم يرد غيره فلا يتناول هذا التركيب من أشار إليه لأنه لا يخرج ماله عن ملكه إلا بطيبة من نفسه فلا يكون إلا لمن قصده.

[فصل

ويعود للواقف أو وارثه بزوال مصرفه ووارثه أو شرطه أو وقته وتورث منافعه

ص: 640

ويتأبد مؤقته ويتقيد بالشرط والاستثناء فيصح وقف أرض لما شاء ويستثنى غلتها لما شاء ولو عن أي حق فيهما وإلا تبعت الرقبة قيل ولا تسقط ما أسقطت وله أن يعين مصرفها] .

قوله: "فصل: ويعود للواقف أو وارثه بزوال مصرفه ووارثه".

أقول: الوقف تحبيس مؤيد ورجوعه إلى الواقف ووارثه عند انقطاع مصرفه يخالف التحبيس والتأبيد فإن قلت إذا زال مصرفه الذي وقفه عليه الواقف فماذا يكون وإلى أين يصير قلت ينبغي أن يصرف في مصرف مماثل لذلك المصرف الذي كان الصرف إليه كما يقتضيه قوله صلى الله عليه وسلم لعمر: "إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها"، [البخاري "5/354"، مسلم "15/1632"، وفي لفظ:"حبس أصلها وسبل ثمرتها"، فبقاء العين الموقوفة على ما يوجبه الوقف هو معنى التحبيس وزوال مصرفه لا يرفع هذا التحبيس لأنه تحبيس مطلق ولو كان مقيدا ببقاء المصرف لم يكن وقفا وسيأتي للمصنف أن رقبة الوقف النافذ وفروعه ملك لله محبسة للانتفاع فكيف يعود ما قد صار ملكا لله للواقف أو وارثه وهكذا لا يعود بزوال شرطه لأن هذا شرط يخالف موجب الوقف ويرفعه وهكذا لا يصلح قوله أو وقته لأن التوقيت يخالف ما يقتضيه الوقف من التحبيس المؤبد وقد حمل هذا على وقت الصرف لا وقت الوقف لما سيأتي للمصنف من قوله ويتأبد مؤقته وهكذا لا تورث منافعه لأن منافع ما قد صار محبسا لله عزوجل تحبيسا مؤبدا هي لله عزوجل.

وأما قوله: "ويتأبد مؤقته" فظاهر ولا يكون وقفا إلا بذلك.

وأما قوله: "ويتقيد بالشرط" فمعناه أنه إذا قيد إيقاع الوقف منه بشرط تقيد كأن يقول إن شفى الله مريضي فقد وقفت كذا وهكذا يتقيد بالاستثناء لأنه ملكه فيخرج منه بالاستثناء ما شاء ومن هذا قوله ويصح وقف أرض لما شاء ويستثني غلتها لما شاء وبعد أن يستوفي المصرف الذي استثنى الغلة له ما هو عليه من زكاة أو مظلمة أو نحوهما أن يعين مصرف الوقف ولا مانع من ذلك.

[فصل

ومن فعل في شيء ما ظاهره التسبيل خرج عن ملكه كنصيب جسر وتعليق باب في مسجد لا نحو قنديل ولا اقتطاع أو شراء بنيته له ومتى كملت شروط المسجد صح الوقف عليه وهي أن يلفظ بنية تسبيله سفلا وعلوا أو يبنيه ناويا ويفتح بابه إلى ما الناس فيه على سواء مع كونه في ملك أو مباح محض أو حق عام بإذن الإمام ولا ضرر فيه ولا

ص: 641

تحول آلاته وأوقافه بمصيره في قفر ما بقي قراره فإن ذهب عاد لكل ما وقف وقفا] .

قوله: "فصل: ومن فعل في شيء ما ظاهره التسبيل خرج عن ملكه".

أقول: ليس بمثل هذا تخرج أموال العباد المعصومة بعصمة الإسلام عن أملاكهم ولا قائل يقول إن مجرد القرينة يقتضي الأملاك وغاية ما في هذا حصول قرينة أنه قد وقف ذلك الشيء الذي فعله في المسجد ونحوه من مصحف أو نحوه فلا بد أن يعلم أنه قد أخرج ذلك علن ملكه وتقرب به وإلا فهو باق على ملكه والأصل عدم الوقف وعدم التسبيل ومثل هذا نصب الجرس وتعليق الباب في المسجد وهكذا تعليق القنديل حكمه حكم تعليق الباب ولا وجه للفرق بينهما وأما اقتطاع الخشب بينة كون ذلك وقفا وهكذا شراء شيء بنية كون ذلك وفقا فالظاهر أنه قد صار بهذه النية وقفا لأن النية هي التي يصير بها الوقف وقفا ولا اعتبار بالألفاظ كما قدمنا غير مرة فإذا أقر بوقوع هذه النية منه لم يقبل منه الرجوع عنها.

قوله: "ومتى كملت شروطا لمسجد صح الوقف عليه".

أقول: يصح الوقف عليه ولو قبل كمال شروطه بل ولو قبل أن يعمر لأن التعليق للوقف بوقت مستقبل صحيح ولا مانع عنه من شرع ولا عقل وغايته أنه يتوقف نجاز الوقف على تمام المسجد.

وأما قوله: "وهي أن يلفظ بنية تسبيله سفلا وعلوا" فلا وجه لاشتراط اللفظ بل المعتبر حصول التراضي بمصيره مسجدا مسبلا ولو كان الدليل على هذا الرضا مجرد إشارة من قادر على النطق أو كتابة دالة على ذلك.

والحاصل أن اشتراط الألفاظ المخصوصة في هذا وغيره جمود لا وجه له من رواية ولا رأي وقد اصاب المصنف حيث قال أو يبنيه ناويا فإن هذه النية هي التي لا تعتبر غيرها وأما اشتراط أن يفتح بابه إلى ما الناس فيه على سواء فمبني على أنه لا يكون مسجدا إلا ما كان هكذا وليس على هذا الاشتراط أثارة من علم بل المسجد الذي يعمر خاصا بأهل قرية أو بعض قرية أو ملك الباني ليصلي فيه هو وأهله هو مسجد وحكمه حكم غيره من المساجد وإن كانت الصلاة فيه الجماعات أكثر ثوابا بالحديث: "صلاة الرجل مع الرجل أفضل من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أفضل كذلك ما كثرت الجماعة"، ومعلوم أن هذه الفضيلة لا تستلزم أن ما دون هذا المسجد الذي تكثر فيه الجماعات لا يكون مسجدا لا شرعا ولا عقلا ولا عادة.

وأما قوله: "مع كونه في ملك" فلا بد من ذلك لأن الإنسان لا يتقرب بغير ما هو مملوك له ومثله المباح الذي لا يتعلق به حق لأحد لأن بناء المسجد فيه تحجر له وقد قدمنا أن التحجر يفيد الملك كما يفيده الإحياء وأما الحق العام فلا بد من وجود المصلحة الراجحة وعدم وجود مفسدة على أهل الحق فإذا كان كذلك جاز للإمام أن يأذن له ببنائه وإلا فلا.

قوله: "ولا تحول آلاته وأوقافه" الخ.

ص: 642

أقول هذا جمود يخالف ما فيه المصلحة للواقف وما فيه المصلحة للمصرف فإن مصير المسجد إلى هذه الحالة وهو كونه في قفر لا يصلي فيه أحد يكون بقاء آلاته فيه واستمرار أوقافه عليه من إضاعة المال التي صح النهي عنها ومن إحرام الواقف ما يصل إليه من الصدقة الجارية ومن إحرام طائفة من المسلمين للانتفاع بهذه الآلات وبهذه الأوقاف في مسجد آخر مماثل لهذا المسجد فالعجب من استحسان مثل هذا الرأي والجزم به في المؤلفات التي هي دواوين علم الشرع.

وأما قوله: "فإن ذهب قراره عاد لكل ما وقف وقفا" فقد عرفناك فيما سلف عند قوله ويعود للواقف ما هو الصواب الذي لا ينبغي العدول عنه إلى غيره.

[فصل

ولكل إعادة المنهدم ولو دون الأول ونقضه للتوسيع مع الحاجة وظن إمكان الإعادة ولا إثم ولا ضمان وإن عجز ويشرك اللحيق في المنافع وللمتولي كسب مستغل بفاضل غلته ولو بمؤنة منارة عمرت منها ولا يصير وقفا وصرف ما قيل فيه للمسجد أو لمنافعه أو لعمارته فما يزيد في حياته كالتدريس إلا ما ما قصره الواقف على منفعة معينة وفعل ما يدعو إليه وتزيين محرابه وتسريحه لمجرد القراءة ونسخ كتب الهداية ولو للناخ لا لمباح أو خاليا ومن نجسه فعليه أرش النقص وأجرة الغسل ولا يتولاه إلا بولاية فإن فعل لم يسقطا] .

قوله: "فصل: ولكل اعادة المنهدم" الخ.

أقول: عقل كل عاقل يستحسن هذا فكيف بما يدل عليه قواعد الشرع الكلية المبنية على جلب المصالح ودفع المفاسد فإن ترك المنهدم على أنهدامه مفسدة ظاهرة على الواقف وعلى من يقصد ذلك المسجد من المسلمين وعمارته مصلحة واضحة لهم فإن وجد في أوقاف هذا المسجد ما يقوم بعمارته أو عمارة ما هو دونه فذلك متوجه على من إليه ولاية أوقافه وسيأتي للمصنف أنها تصرف غلة الوقف في إصلاحه وإذا لم يكن في أوقاف هذا المسجد ما يمكن عمارته فلا شك أن عمارته وإعادته إلى حالته أو دونها قربة ومثوبة وأقل أحول ذلك الندب لا كما تدل عليه عبارة المصنف من مجرد الجواز.

وأما قوله: "ونقضه للتوسيع مع الحاجة" فهذا وإن كان فيه مصلحة من جهة ففيه مفسدة من جهة أخرى هي كون الواقف أراد بالوقف أن يكون الثواب خاصا به وقد صار الآن مشتركا بينه وبين غيره لأنه قد صار مشتركا معه في أوقافه وأيضا تزداد هذه المفسدة بأن يكون

ص: 643

الذي أراد التوسيع ممن يظن عجزه عن التمام وماذا يفيد الواقف الأول مجرد ظنه لإمكان الإعادة.

وأما قوله: "وللمتولي كسب مستعمل بفاضل غلته" فهذا وجهه ظاهر لكن ينبغي أن يكون ذلك وقفا كأصله فإنه يصدق على هذا أنه من فروع الوقف وسيأتي للمصنف أن رقبة الوقف النافذ وفروعه ملك لله محبسة للانتفاع.

وأما قوله: "ولو بمؤنة منارة" الخ فما كان أغنى المصنف عن التعرض لهذه الصورة النادرة فإنه إنما يحسن ذكر ما يترتب على ذكره فائدة لا ما كان معلوما من الكلام مفهوما منه أوضح انفهام.

قوله: "وصرف ما قيل فيه هذا للمسجد" الخ.

أقول: هذا صحيح إذا لم يفهم من قصد الوقف أنه أراد شيئا معينا ولهذا قال المصنف إلا ما قصره الواقف على منفعة معينة.

وأما قوله: "وفعل ما يدعو الناس إليه" فلا شك أن في ذلك مصلحة يعود على الواقف بتكثير ثوابه لكن بشرط أن لا يكون ذلك مما لا يجوز لا كما قال المصنف وتزيين محرابه فإن هذا التزيين هو من المباهاة التي وردت في حديث أنس عن أحمد "3/134، 145، 152، 230، 283"، وأبي داود "449"، والنسائي 689"، وابن ماجه 739"، مرفوعا:"لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد"، ولفظ النسائي "689"، من هذا حديث:"من أشراط الساعة أن يتباهى الناس في المسجد"، وهو أيضا من الزخرفة التى ورد فيها أنها من صنيع اليهود والنصارى وأخرج أبو داود عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما أمرت بتشييد المساجد"، قال ابن عباس: لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى، ومما يدل على كراهة تزيين قبلة المسجد على الخصوص بشيء يلهي المصلي ما أخرجه أحمد وأبو داود من حديث عثمان بن طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاه بعد دخوله الكعبة فقال:"إني كنت رأيت قرني الكبش حين دخلت فنسيت أن آمرك أن تخمرهما فخمرهما فإنه لا ينبغي أن يكون في قبلة البيت شيء يلهي المصلي".

وأما قوله: "وتسريحه

" الخ فقد أفاده ما تقدم من قوله ما يزيد في حياته كالتدريس فإن التسريح يزيد في حياته بجلب الناس إليه للقطع بأن الناس إلى مسجد فيه سراج أرغب منهم إلى مسجد مظلم وقد أذن صلى الله عليه وسلم ببعث زيت لتسريح مسجد بيت المقدس كما في سنن أبي داود "457".

قوله: "ومن نجسه فعليه أرش النقص وأجرة الغسل".

أقول: هذا صحيح لأنه معتد للتنجيس وإن كان الأمر أوسع من هذا لحديث الأعرابي الذي دخل المسجد فبال فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صبوا عليه ذنوبا من ماء"، وهو في صحيح ولو يقل قم يا اعرابي فاغسل بولك وأما كونه لا يتولى ذلك إلا بولاية فهذا تشدد في غير موضعه

ص: 644

والأمر أيسر من ذلك وقد زاد المصنف في التشديد فقال فإن فعل لم يسقط فإن هذا المنجس للمسجد قد فعل ما عليه وأصلح ما أفسد فكيف لا يسقط عنه أرش النقص وأجرة الغسل.

[فصل

وولاية الوقف إلى الواقف ثم منصوبة وصيا أو واليا ثم الموقوف عليه معينا ثم الإمام والحاكم ولا يعترضا من مر إلا لخيانة أو بإعانة وتعتبر الدالة على الأصح ومن اعتبرت فيه ففسق عادت ولايته الأصلية بمجرد التوبة كالإمام والمستفادة كالحاكم بها مع تجديد التولية والاختبار م إلا الوصي قبل الحكم بالعدل فكالإمام وتبطل تولية أصلها بموته ما تدارجت وإن بقي الوسائط لا العكس ومن صلح لشيء ولا إمام فعله بلا نصب على الأصح] .

قوله: "فصل: وولاية الوقف إلى الواقف" الخ.

أقول: وجه هذا أنه لما قصد بذلك الوقف أن يكون صدقة جارية له وثمرة يستفيد ثوابها حيا وميتا كانت هذه العلاقة التي هي الثمرة المستفادة من الوقف مقتضية لأن يكون للواقف ومن يلي من جهته مدخلا فيما فيه جلب مصلحة للوقف ودفع مفسدة عنه ولا نيافي ذلك كون الرقبة قد صارت لله محبسه للانتفاع بها كما قررناه فيما سبق لأن هذه العلاقة التي للواقف ومن يلي من جهته هي مقدمة على من له ولاية عامة من إمام أو حاكم وأما ولاية الموقوف عليه فلكونه المستحق لمنافع الوقف فجلب مصالحه ودفع مفاسده هو أخص الناس به فلا يبعد أن يقال إن هذه العلاقة للموقوف عليه مقدمة على العلاقة التي للواقف فإن الثواب الصائر إلى الواقف هو أثر من أثار هذه الفوائد الصائرة إلى الموقوف عليه وإذا لم يوجد واقف ولا موقوف عليه أو وجدا وهما لا يصلحان لذلك فالنظر إلى الإمام والحاكم وإذا لم يعلم الواقف عليه على ما تقتضيه المصلحة ويوجبه العدل فلهما أن يرادهما إلى الصواب ويبطلا ما وقع من تصرفاتهما مخالفا لطريقه الحق.

قوله: "وتعتبر العدالة على الأصح".

أقول: هذه الولاية على الوقف لا بد فيمن هي إليه من أن يكون ساعيا في جلب مصالحه ودفع المفاسد عنه ومن أعظم المفاسد أن يكون خائنا غير أمين ومعلوم أن من لم يتنزه عن محظورات الدين ويتساهل عن القيام بفرائضه لا يؤمن في الأموال فاعتبار العدالة فيمن أنيطت به هذه الولاية أمر لا بد منه وحق على الإمام والحاكم أن ينزعا يد من لم يكن كذلك فإنه وإن سعى في مصالح الوقف أبلغ سعى فإنه مظنة للخيانة لأن الأمور الدينية متساوية الأقدام ومن خان الله في بعضهما لا يؤمن في البعض الآخر.

ص: 645

قوله: "ومن اعتبرت فيه ففسق" الخ.

أقول: هذا كلام يشمل جميع الولايات مع الفرق بين الولاية الأصلية والمستفادة ولا يخفاك أن حدوث أمر في العدل يوجب سلب العدالة عنه وإن لم يكن فسقا هو مانع من القبول المشروط بالعدالة ومن بقاء الولاية المشروطة بها فلا بد من تحقق عدمه على وجه يحصل به انثلاج القلوب واطمئنان الخواطر بأن ملكة العدالة قد عادت لذلك الشخص كما كانت قبل حدوث هذا المانع فإذا حصل هذا صار عدلا يجوز له أن يباشر ما كان يباشره قبل حدوث ذلك المانع ولا يحتاج إلى تجديد تولية لأن انعزاله وبطلان ولايته مشروطان باستمرار ذلك المانع وقد ذهب ولم يستمر وليس لمن إليه الولاية المستفادة منه أن يأبى من قبوله ويصمم على نزع يده إلا إذا لم ينشرح صدره بعدالته المتجددة لأمر بنبغي التوقف عنده لا لمجرد الشك والوسوسة.

قوله: "وتبطل توليه أصلها الإمام بموته" الخ.

أقول: هذه الولاية من الإمام الواقعة لشخص من الأشخاص في أمر من الأمور إن كانت مقيدة بمدة حياته كان وجه بطلانها هو انقضاء الوقت الذي هي مقيدة به وأما إذا كانت مطلقة غير مقيدة لبطلانها بموت الإمام لأنها ولاية واقعة من أهلها مصادفة لمحلها ولا دليل بيد من قال ببطلانها لا من رواية ولا من دراية والأصل عدم حدوث المانع كما أن الأصل عدم ارتفاع المقتضى ولو كان مجرد موت الإمام مؤثرا لبطلان ولاية من من جهته لكان موت من عقد الإمامة للإمام من رؤس المسلمين مؤثرا لبطلان ولاية الإمام وارتفاع إمامته واللازم باطل بإجماع المسلمين سابقهم ولاحقهم فالملزوم مثله.

قوله: "ولمن صلح لشيء ولا إمام فعله" الخ

أقول: جاء المصنف رحمه الله بهذه الكلية لما قدمه من الكلام في عموم الولايات وإن كان محل الجميع كتاب السير وينبغي أن تعلم أن نصيب الأئمة الثابت في هذه الشريعة ثبوتا لا ينكره من يعرفها من أقواله صلى الله عليه وسلم ثم وقوعه بالفعل بعد موته صلى الله عليه وسلم من الصحابة فمن بعدهم ليس فيه ما ينفي وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على أفراد المسلمين وإن كان الأئمة هم المقدمون في ذلك والأحقون به لكن إذا فعلوا كان ذلك مسقطا لهذا الفرض المعلوم بالأدلة القطعية من الكتاب والسنة والمجمع عليه من جميع الأمة وإن لم يفعلوا أو لم يطلعوا على ذلك فالخطاب باق على أفراد المسلمين لا سيما على العلماء فإن الله سبحانه قد أخذ عليهم البيان للناس فقال: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187]، وقال في الآية التي بعدها:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة: 159] ، فإذا كان البيان لا يتم إلا بإيقاع حكم الله بالحكم مع التمكن من ذلك فما لا يتم الواجب إلا به واجب كوجوبه.

والحاصل أن الغرض المقصود للشارع من نصيب الأئمة هو أمر أولهما وأهمهما إقامة منار الدين وتثبيت العباد على صراطه المستقيم ودفعهم عن مخالفته والوقوع في مناهيه طوعا

ص: 646

وكرها وثانيهما تدبير المسلمين في جلب مصالحهم ودفع المفاسد عنهم وقسمة أموال الله فيهم وأخذها ممن هي عليه وردها فيمن هي له وتجنيد الجنود وإعداد العدة لدفع من أراد أن يسعى في الأرض فسادا من بغاة المسلمين وأهل الجسارة منهم من التسلط على ضعفاء الرعية ونهب أموالهم وهتك حرمتهم وقطع سبلهم ثم القيام في وجه عدوهم من الطوائف الكفرية إن قصدوا ديار الإسلام وغزوهم إلى ديار الكفر إن أطاق المسلمون ذلك ووجدوا من العدد والعدة ما يقوم به فهذا هو موضوع الإمام الذي ورد الشرع بنصبه وعلى المسلمين إخلاص الطاعة له في غير معصية الله وامتثال أوامره ونواهيه في المعروف غير المنكر وعدم منازعته وتحريم نزع أيديهم من طاعته إلا أن يروا كفرا بواحا كما وردت بذلك الأدلة المتواترة التي لا يشك في تواترها إلا من لا يعرف السنة المطهرة وإذا كان الأمر هكذا فليس ها هنا ما يسقط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام ببيان حجج الله والإرشاد إلى فرائضه والزجر عن مناهيه ولا يصلح وجود الإمام مسقطا لذلك لكنه إذا قام بشيء منه وجب على المسلمين معاضدته ومناصرته وإن لم يقم به فالخطابات المقتضية لوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على المسلمين على العموم باقية في أعناقهم معدودة في أهم تكليفاتهم لا خلوص لهم عنها إلا بالقيام بها على الوجه الذي أمر الله به وشرعه لعباده وهكذا العلماء فإنه بعد دخولهم في هذا التكليف دخولا أوليا مخاطبون بتكليف البيان على الوجه الذي ذكرناه وإذا تقرر لك مجموع ما ذكرناه عرفت الصواب ولم يبق بينك وبين دركه حجاب.

[فصل

وللمتولي البيع والشراء لمصلحة والبينة عليه إن نوزع فيها ومعاملة نفسه بلا عقد والصرف فيها وفي واحد أو أكثر ودفع الأرض ونحوها إلى المستحق للاستغلال إلا عن حق فيؤجرها منه ثم يقبض الأجرة ويرد بنيته قيل أو يبريه كالإمام يقف ويبريء من بيت المال وتأجيره دون ثلاث سنين والعمل بالظن فيما التبس مصرفه ولا يبيع بثمن المثل مع وقوع الطلب بالزيادة ولا يتبرع بالبذر حيث الغلة عن حق ولا يضمن إلا ما قبض إن فرط أو كان أجيرا مشتركا وتصرف غلة الوقف في إصلاحه ثم في مصرفه وكذلك الوقف عليه ثم في مصرف الأول ومن استعمله لا بإذن واليه فغاصب غالبا وعليه الأجرة وإليه صرفها إلا ما عن حق فإلى المنصوب] .

قوله: "فصل: وللمتولي البيع والشراء لمصلحة".

أقول: بل عليه ذلك مع تيقن المصلحة ولا يجوز له الإخلال به وإذا كان عدلا مرضيا فقد

ص: 647

نفذ تصرفه ولا يقبل منازعته وقد تقدم أن القول له في مصلحة وبيع سريع الفساد إلى آخر كلام المصنف وقد ذكرنا هنالك ما ينبغي الرجوع إليه من هنا ولا مانع له من معاملة نفسه ولا من الصرف إليها لأن عدالته تقتضي أنه لا يفعل ذلك إلا لوجه مطابق وكذا له الصرف في واحد أو أكثر على حسب ما تقتضيه المصلحة وهكذا دفع الأرض إلى المستحق إلى آخر كلام المصنف فإن هذا كله تقتضيه الولاية التي قام بها العدل المستحق لما وليه وهكذا الإبراء منه عن الحق الواجب فإن له ذلك.

وأما قوله: "كالإمام يقف ويبريء من بيت المال" فلا يخفاك أن بيت المال هو بيت مال المسلمين وهم المستحقون له وليس له إلا تفريق ذلك بينهم ويأخذ لنفسه ما يستحقه من الأجرة فليس له أن يفعل فيه ما يحول بينه وبين المستحقين إلا أن يكون في ذلك مصلحة راجحة عائدة عليهم في الوقف والإبراء فهو الناظر في مصالح المسلمين.

قوله: "وتأجيره دون ثلاث سنين".

أقول: لا وجه لهذا التقدير بل إذا كانت المصلحة في استمرار التأجير وتطويل مدته كان ذلك هو الذي ينبغي فعله وإن اقتضى الحال تقليل مدة الإجارة لمصلحة عائدة على الوقف كان له ذلك وأما تعليل التقرير بهذه المدة بأنه يخشى على الوقف أن يدعي المستأجر له أنه ملكه فما أبعد هذا التجويز فإن الأوقاف تشتهر وتظهر حيث لا تلبيس بالأملاك بعد المدة الطويلة فإن كان هذا التجويز مما يحصل مثله لمن إليه الولاية فعل ما تقتضيه المصحلة وأما العمل بالظن فيما التبس مصرفه فذلك جائز للمتولي إذا لم يبق إلى اليقين سبيل وهكذا لا يبيع بثمن المثل مع وقوع الطلب بالزيادة لأن في الزيادة جلب مصلحة للوقف ما لم يعارضها مفسدة مقدمة عليها وهكذا ليس له أن يتبرع بالبذر حيث الغلة عن حق ولا وجه لتخصيص هذه الصورة بالتنصيص عليها جوازا أو منعا بل عليه أن يفعل ما فيه مصلحة خالصة غير معارضة بما هو أرجح منها كائنا ما كان يترك ما لا مصلحة فيه كائنا ما كان وأما كونه لا يضمن إلا بالتفريط فظاهر وهكذا يضمن ما جنى عليه ولا وجه لقوله أو كان أجيرا مشتركا وقد قدمنا الكلام على الأجير المشترك فليرجع إليه.

وأما قوله: "ويصرف غلة الوقف في إصلاحه" فوجه ذلك ظاهر لأن الرقبة مقدمة على كل شيء إذ بصلاحها تدم الفائدة العائدة على المصرف والواقف ثم ما فاض عن ذلك صرف في مصرفه الذي عينه الواقف وحكم الوقف على الوقف حكم الوقف.

وأما قوله: "ومن استعمله لا بإذن واليه فغاصب" فوجه ذلك أنه أقدم إلى استعمال ما لم يأذن له الشرع باستعماله فهو كما لو أقدم على استعمال ملك الغير وما لزمه بالغصب كان إلى والى الوقف يصرفه فيما فيه مصلحة وليس إلى هذا الغاصب صرف ولا غيره.

ص: 648

[فصل

ورقبة الوقف النافذ وفروعه ملك لله حبسه للانتفاع فلا ينقض إلا بحكم ولا توطأ الأمة إلا بإنكاح وعلى بائعه استرجاعه كالغصب فإن تلف أو تعذر فعوضه لمصرفه وإن لم يقفه وما بطل نفعه في المقصود بيع لإعاضته وللواقف نقل المصرف فيما هو عن حق وفي غيره ونقل مصلحة إلى أصلح منها خلاف ويستقر للعبد ما وقف عليه بعتقه وقبله لسيده ومن وقف بعد موته فله الرجوع وينفذ في الصحة من رأس المال وفي المرض والوصية على الورثة كالتوريث وإلا فالثلث فقط ويبقى الثلثان لهم وفقا إن لم يجيزوا م ويصح فرارا من الدين ونحوه]

قوله: "فصل: ورقبة الوقف النافذ وفروعه" الخ.

أقول: قد قدمنا تقرير هذا والاستدلال عليه عند قوله ويعود إلى الواقف أو وارثه فلا نعيده ها هنا.

وأما قوله: "فلا ينقص إلا بحكم حاكم" فوجهه أن الحاكم العارف بمواقع الصلاح ومواطن الفساد والموازن بين الأمور المتعارضة بما تقتضيه الأدلة وتوجبه قواعد الشريعة لا يحكم إلا بما هو مطابق للحق موافق للصواب فحكمه حجة وعليه أيضا الوجه وبيان المستند حتى يرجع إلى حكمه كل واقف عليه.

وأما قوله: "ولا توطا الأمة إلا بإنكاح" فوجهه أن مجرد وقفها لا يحلل وطأها وهذا معلوم في الشريعة المطهرة لأن الوقف تحبيس لا تمليك ورقيمته ملك لله وأما كون على بائع الوقف استرجاعه فظاهر لأن باع ما لم يأذن له الشرع ببيعه بل ما حرم عليه.

بيعه ومنعه منه فعليه استرجاعه إن كان قد ثبتت عليه يد المشتري وليس ها هنا ما يطلق عليه اسم البيع ولا ما يصدق عليه حكمه فلهذا كان في يد من هو في يده كالغصب.

وأما قوله: "فإن تلف أو تعذر فعوضه لمصرفه وإن لم يفقه" فوجهه ظاهر لأن هذا العوض يصير كما كان عليه المعوض في كونه وقفا على المصرف المعين من الوقف وليس بغيره فيه حق.

قوله: "وما بطل نفعه في المقصود بيع لإعاضته".

أقول: إذا بطل نفع الوقف لم يبق فيه فائدة للواقف بالثواب الذي هو صائر إليه ولا للمصرف بالانتفاع به فإن ترك كذلك باطل النفع ذاهب الفائدة كان ذلك من أعظم التفريط من المتولى فواجب عليه أن يستدرك الأمر ببيعه بحسب الإمكان ويشتري بثمنه عوضا يكون وقفا كما كان وإن قل وتحقرت فائدته فإن الإعمال وإن قل خير من الإهمال وهذا وجه ظاهر لا يحتاج إلى الاستدلال عليه.

ص: 649

وأما قوله: "وللواقف نقل المصرف فيما هو عن حق" فوجهه أم أمر ذلك إليه كما يقتضيه جعله عن حق وله أن يصرف ما عليه من الحق إلا من اختاره من المصارف أو إلى هذا تارة وإلى هذا أخرى وأما فيما كان عن غير حق فقد صار للمصرف المعين بحكم الوقف عليه فلا ينقل إلا لسبب يقتضي ذل.

قوله: "ونقل مصلحة إلى أصلح منها خلاف".

أقول: قد تقرر أن الوقف ملك لله محبس للانتفاع به وما كان هكذا فلا ينظر فيه إلى جانب الواقف إلا من جهة العناية بمصير ثواب وقفه إليه على أكمل الوجوه وأتمها مهما كان ذلك ممكنا ومعلوم أن الاستبدال بالشيء إلى ما هو أصلح منه باعتبار الغرض المقصود من الوقف والفائدة المطلوبة من شرعيته حسن سائغ شرعا وعقلا لأنه جلب مصلحة خالصة عن المعارض وقد عرفناك غير مرة أن من عرف هذه الشريعة كما ينبغي وجدها مبنية على جلب المصالح ودفع المفاسد وها هنا قد وجد المقتضى وهو جلب المصلحة بظهور الأرجحية وانتفاء المانع وهو وجود المفسدة فلم يبق شك ولا ريب في حسن الاستبدال.

وأما قوله: "ويستقر للعبد ما وقف عليه بعتقه" فوجهه أن العبد لا يملك وهذا على قول من قال بذلك وأما من قال إنه يملك فيستقر عليه من عند وقوعه.

قوله: "ومن وقف بعد موته فله قبله الرجوع".

أقول: هذه الإضافة إلى بعد الموت لا تسوغ الرجوع لأن الوقف تصرف من الإنسان في ماله لقصد التقرب إلى الله به وإخراج لرقبته عن ملكه وتصييرها ملكا لله عزوجل وتحبيس للأصل وتسبيل للرقبة فمجرد الإضافة إلى بعد الموت لا تكون مسوغة للرجوع لأن الإيقاع بطيبة من النفس ورضا من القلب قد وقع فلا بد لمن قال بأن مجرد الإضافة إلى بعد الموت مسوغة للرجوع من دليل يدل على جواز إبطال هذا التصرف وإرجاعه إلى ما كان عليه من كونه ملكا لمن قد تصرف به والقول بأن ذلك وصية دعوى مجردة بل هذا وقف وقع من أهله مصادفا لمحله وغاية من توجبه الوصية على تسليم ما ذكروه في شأنها من أن ما كان مضافا منها إلى بعد الموت ينفذ من الثلث أن يكون هذا الوقف نافذا من الثلث وأما جعل الرجوع فيه جائزا على الإطلاق فلا هو موافق للدليل ولا لما بنوا عليه كثيرا من هذه التفريعات من القواعد التى نزلوها منزلة الأدلة خبطا وجزافا ومن هذا الخبط قوله وينفذ في الصحة من رأس المال الخ وسيأتي الكلام على هذه القاعدة في الوصايا إن شاء الله تعالى.

قوله: "ويصح فرارا من الدين ونحوه".

أقول: قد عرفناك فيما سبق أن الركن الأعظم والسبب الأكبر في صحة وقف الواقفين هو قصد القربة الصحيحة الخالصة عن الشوائب وما لا يوجد فيه ذلك فليس بوقف بل هو من التلاعب بأحكام الله ومن خلط الأحكام الشرعية بالأحكام الطاغوتية وكيف يصح وقف هذا الذي فر من الواجبات التي أوجبها الله عليه ما لم يوجبه عليه ولا طلبه منه بل ولا أذن له

ص: 650