المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب الاعتكاف وشروطه - السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌[مقدمة لا يسع المقلد جهلها

- ‌كتاب الطهارة

- ‌باب النجاسات

- ‌[باب المياه

- ‌[باب ندب لقاضي الحاجة التواري

- ‌[باب الوضوء

- ‌[باب الغسل

- ‌[باب التيمم

- ‌[باب الحيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌مدخل

- ‌[باب الأوقات

- ‌[باب الإذان والإقامة

- ‌[باب صفة الصلاة

- ‌[باب والجماعة سنة مؤكدة

- ‌[باب سجود السهو

- ‌[باب والقضاء

- ‌[باب صلاة الجمعة

- ‌[باب ويجب قصر الرباعي

- ‌[باب وشرط جماعة الخوف

- ‌[باب وفي وجوب صلاة العيدين خلاف

- ‌[باب ويسن للكسوفين حالهما ركعتان

- ‌[كتاب الجنائز

- ‌كتاب الزكاة

- ‌مدخل

- ‌[باب في نصاب الذهب والفضة

- ‌باب زكاة الإبل

- ‌[باب ولا شيء فيما دون ثلاثين من البقر

- ‌[باب ولا شيء فيما دون أربعين من الغنم

- ‌[باب " ما أخرجت الارض في نصاب فصاعدا ضم احصاده الحول

- ‌[باب " ومصرفها من تضمنته الآية

- ‌[باب والفطرة تجب من فجر أول شوال إلي الغروب

- ‌كتاب الخمس

- ‌كتاب الصيام

- ‌مدخل

- ‌[باب وشروط النذر بالصوم

- ‌[باب الاعتكاف وشروطه

- ‌كتاب الحج

- ‌مدخل

- ‌باب العمرة

- ‌باب المتمتع

- ‌باب القارن

- ‌كتاب النكاح

- ‌مدخل

- ‌باب على واهب الأمة وبائعها استبراء غير الحامل

- ‌[باب الفراش

- ‌كتاب الطلاق

- ‌[باب إنما يصح من زوج مختار مكلف

- ‌[باب الخلع

- ‌[باب العدة

- ‌[باب الظهار

- ‌[باب الايلاء

- ‌[باب اللعان

- ‌[باب الحضانة

- ‌[باب النفقات

- ‌[باب الرضاع

- ‌كتاب البيع

- ‌مدخل

- ‌باب الشروط المقارنة للعقد

- ‌باب الربويات

- ‌[باب الخيارات

- ‌باب ما يدخل في المبيع

- ‌باب البيع غير الصحيح

- ‌باب المأذون

- ‌باب المرابحة

- ‌[باب الإقالة

- ‌[باب القرض

- ‌[باب الصرف

- ‌[باب السلم

- ‌كتاب الشفعة

- ‌كتاب الإجارة

- ‌مدخل

- ‌باب وإجارة الآدميين

- ‌باب المزارعة

- ‌باب الإحياء والتحجر

- ‌باب المضاربة

- ‌كتاب الشركة

- ‌مدخل

- ‌باب شركة الأملاك

- ‌باب القسمة

- ‌كتاب الرهن

- ‌كتاب العارية

- ‌كتاب الهبة

- ‌كتاب الوقف

- ‌كتاب الوديعة

- ‌كتاب الغصب

- ‌كتاب العتق

- ‌مدخل

- ‌[باب والتدبير

- ‌باب الكتابة

- ‌[باب الولاء

- ‌كتاب الأيمان

- ‌مدخل

- ‌[باب الكفارة

- ‌باب النذر

- ‌باب الضالة واللقطة واللقيط

- ‌باب الصيد

- ‌باب الذبح

- ‌باب الأضحية

- ‌باب الأطعمة والأشربة

- ‌باب اللباس

- ‌كتاب الدعاوى

- ‌كتاب الإقرار

- ‌كتاب الشهادات

- ‌كتاب الوكالة

- ‌باب الكفالة

- ‌باب الحوالة

- ‌باب التفليس

- ‌باب الصلح

- ‌باب الإبراء

- ‌باب الإكراه

- ‌باب القضاء

- ‌كتاب الحدود

- ‌مدخل

- ‌باب حد القذف

- ‌باب حد الشرب

- ‌باب حد السارق

- ‌كتاب الجنايات

- ‌مدخل

- ‌باب الديات

- ‌باب القسامة

- ‌كتاب الوصايا

- ‌كتاب السير

الفصل: ‌[باب الاعتكاف وشروطه

يجوز تفريق قضاء رمضان فتفيق قضاء النذر بالأولى وهكذا إذا نوى ان يتابع ما نذر به من الصوم فقد لزمه بالنية لانها المؤثرة فإذا فعل الصوم مفرقا فلم يفعل النذر الذي نذر به ويتسأنف حتى يفى بنذره وأما مع العذر فلا شك انه مسوغ لا يجب معه الاستئناف وهكذا تخلل واجب الصوم والافطار له حكم العذر فلا يستأنف وبما ذكرناه يعرف الكلام على بقية هذا الفصل.

ص: 292

‌[باب الاعتكاف وشروطه

النية والصوم واللبث في أي مسجد أو مسجدين متقاربين واقله يوم وترك الوطء والايام في نذره تتبع الليالي والعكس الا الفرد ويصح استثناء جميع الليالي من الايام لا العكس الا البعض ويتابع من نذر شهرا أو نحوه ومطلق التعريف للعموم ويجب قضاء معين فات والايصاء به وهو من الثلث وللزوج والسيد ان يمنعا ما لم يأذنا فيبقى ما قد أوجب في الذمة وان يرجعا قبل الايجاب] .

قوله: "باب الاعتكاف وشورطه النية".

أقول: قد اصاب المصنف رحمه الله هنا حيث جعل النية شرطا فإن الادلة الدالة عليها تفيد انه يؤثر عدمها في عدم الفعل الذي شرعت فيه وما كان كذلك فهو شرط لا فرض.

قوله: "والصوم".

أقول: من ادعى ان الصوم شرط لصحة الاعتكاف فالدليل عليه لانه اثبت شرطا متنازعا فيه والوقوف في موقف المنع والقيام في مقام عدم التسليم يكفي من لم يقل بالشرطية ولم يصح في اشتراطه شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما قيل انه مرفوع لم يصح وما كان موقوفا على بعض الصحابة فلا حجة فيه فإن تبرع من لم يقل بالشرطية بالدليل فله ان يقول صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما انه اعتكف في غير رمضان وثبت في الصحيحين وغيرهما ان عمر بن الخطاب قال يا رسول الله اني نذرت في الجأهلية ان اعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال صلى الله عليه وسلم: "أوف بنذرك"، ولم يرو من وجه صحيح يصح العمل به انه صلى الله عليه وسلم صام ايام اعتكافه في شوال ولا صح انه أمر عمر بالصوم.

وأما ما أخرجه أبو دأود عن عائشة انها قالت السنة على المعتكف الا يعود مريضا ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة الا لما لا بد منه ولا اعتكاف الا بصوم ولا اعتكاف الا في مسجد جامع فقد أخرجه في الموطأ والنسائي وليست فيه قالت السنة قال أبو دأود غير عبد الرحمن بن اسحاق ولا يقول فيه قالت السنة وجزم

ص: 292

الدارقطني بأن القدر المرفوع من حديث عائشة قولها لا يخرج وما عداه ممن دونها وكذلك قال البيهقي كما ذكره ابن كثير في الارشاد وأما ما أخرجه الحاكم عن ابن عباس مرفوعا وقال صحيح على شرط مسلم انه لا اعتكاف الا بصوم فقد صحح الدارقطني والبيهقي وابن حجر انه موقوف على ابن عباس وأيضا قد أخرج الحاكم عن ابن عباس مرفوعا وصححه انه قال صلى الله عليه وسلم: "ليس على المعتكف صيام" ورجح الدارقطني والبيهقي وقفه على ابن عباس فتعارضت الرواية عن ابن عباس كما ترى ولا حجة في قوله.

قوله: "واللبث في مسجد أو مسجدين متقاربين".

أقول: مفهوم الاعتكاف الشرعي هو اللبث في المسجد فلا توجد هذه الماهية الا بذلك والا لزم أن يكون الاعتكاف في الدور والاسواق والصحراء صحيحا واللازم باطل بالاجماع فالملزوم مثله ومعلم الشرائع صلى الله عليه وسلم الذي جاء بمشروعية الاعتكاف لم يفعله الا في المسجد ولم يشرعه لأمته الا في المساجد وهذا القدر يكفى ومن ادعى انها توجد ماهية الاعتكاف الشرعية في غير مسجد فالدليل عليه.

وإذا عرفت هذا لم تحتج إلي الاستدلال بما روى "أنه لا اعتكاف إلا في مسجد" أو لا اعتكاف الا في مسجد جماعة ولا للاحتجاج يقول سبحانه: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] .

قوله: "واقله يوم".

أقول: لم يأتنا عن الشارع في تقدير مدة الاعتكاف شيء يصلح للتمسك به واللبث في المسجد والبقاء فيه يصدق على اليوم وبعضه بل وعلى الساعة إذا صحب ذلك نية الاعتكاف وأما حديث: "من اعتكف فواق ناقة فكأنما اعتق نسمة من ولد إسماعيل" فلم يثبت من وجه يصلح للاستدلال به قل في البدر المنير هذا حديث غريب لا أعرفه بعد البحث الشديد عنه.

قوله: "وترك الوطء"

أقول: قد دل على هذا الكتاب العزيز قال الله تعالي: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] ، ودل عليه إجماع الامة فدل ذلك على ان الوطء لا يجامع الاعتكاف وان عدم الترك وهو فعل الوطء يؤثر عدمه في عدم الاعتكاف فكان شرطا من هذه الحيثية.

وأما قول المصنف: "والايام في نذره تتبع الليالي والعكس ويصح استثناء جميع الليالي من الايام لا العكس إلا البعض" فمبنى على ما ذكره من اشتراط الصوم ومن ان اقل الاعتكاف يوم وقد عرفت ما هو الحق.

وأما قوله: "ويتابع من نذر شهرا أو نحوه" فلا بد ان يكون نأويا للتتابع لأنه لو أراد الاعتكاف عدد أيام الشهر مع التفريق صح ذلك ويعتكف ثلاثين يوما من اشهر وهكذا قوله ومطلق التعريف للعموم لا بد من ان يريد به ذلك لأن معاني التعريف مختلفة ولا مانع من ان يريد بالمعرف غير العموم بل الاصل في التعريف العهد كما صرح بذلك المحقق الرضى وكلام أهل الاصول والبيان في ذلك معروف.

ص: 293

وأما قوله: "ويجب قضاء معين فات" فهذا يحتاج إلي دليل وقد قدمنا في صوم النذر ما يكفي.

وهكذا وجوب الايصاء بما فات مبنى على انه قد لزم وتعين بالنذر ووجب قضاؤه وذلك ممنوع.

وأما كونه من الثلث فمبني على الرأي الذي قدمنا الاشارة اليه.

وأما كون للزوج والسيد المنع من هذه الطاعة فذلك صحيح للأدلة الدالة على طاعة الزوج والسيد عموما وخصوصا ولا وجوب ها هنا عليهما حتى يقال ليس للزوج والسيد المنع من الواجب بل هما اختارا الدخول في ذلك بأنفسهما وهما مخاطبان بما هو اهم منه.

[فصل

ويفسده الوطء أو الامناء كما مر وفسادالصوم والخروج من المسجد لا لواجب أو مندوب أو حاجة في الاقل من وسوط النهار ولا يقعد ان كفى القيام حسب المعتاد ويرجع من غير مسجد فورا وإلا بطل ومن حاضت خرجت وبنت متى طهرت.

وندب فيه ملازمة الذكر] .

قوله: فصل: "ويفسده الوطء والامناء لشهوة كما مر".

أقول: أما الوطء فقد تقدم وأما الامناء فإن كان عن مباشرة فله حكم الوطء لدخوله تحت قوله: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [القرة: 187] ، وإلا فلا وجه لاقتضائه الفساد.

وأما قوله: "وفساد الصوم" فمبني على ما تقدم من انه لا اعتكاف الا بصوم.

قوله: "والخروج من المسجد" الخ.

أقول: قد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدخل البيت الا لحاجة الإنسان إذا كان معتكفا فهذا يفيد انه لا يجوز الخروج من المسجد الا لحاجة الإنسان لا لغيرها من القرب ويؤيد ذلك ما أخرجه أبو دأود من حديث عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بالمريض وهو معتكف فيمر كما هو ولا يعرج يسال عنه ولكن في إسناده ليث ابن أبي سليم وقدأخرجه مسلم وغيره عن عائشة من فعلها قال ابن حجر والصحيح عن عائشة من فعلها في الصحيحين وغيرهما عنها قالت ان كنت لأدخل البيت للحاجة والمريض فيه فما اسأل عنه الا وأنا مارة وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما عن صفية قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفا

ص: 294

فأتيته لأزوره ليلا فحدثته ثم قمت لانقلب فقام معي ليقلبني وكان مسكنها في دار اسامة بن زيد.

وأخرج أبو دأود عن عائشة انها قالت السنة على المعتكف الا يعود مريضا ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة الا لما بدمنه وقد قدمنا ان النسائي أخرجه بدون قوله من السنة وكذلك مالك في الموطأ وجزم الدارقطني بأن القدر الذي من حديث عائشة قولها لا يخرج وما عداه ممن دونها.

والحاصل انه يجوز الخروج لحاجة الإنسان ولما لا بد منه كما فعله صلى الله عليه وسلم من خروجه مع صفية وهذا الخروج للحاجة لا يختص بوقت دون وقت بل يجوز في الليل والنهار في أوله وآخره ووسطه.

وأما كونه لا يقعد ان كفى القيام فذلك صحيح لأن الحاجة إذا قضيت من قيام كان القعود لغير حاجة وقد تقرر ان الخروج لا يكون الا لحاجة.

وأما كونه يرجع من غير مسجد فورا فصواب لأن التراخي خارج عن قدر الحاجة المتنوعة.

وأما كونه يبطل الاعتكاف فغير مسلم فإن الاعتكاف الأول قد صح ولا يعود عليه التراخي بالبطلان لما عرفناك ان الاعتكاف يصح في الوقت اليسير وإذا عاد إلي المسجد عاد له حكم الاعتكاف.

وأما كون الحائض تخرج من المسجد فللأدلة الداله على منعها منه.

وأما المستحاضة فهي في غير وقت الحيض كمن ليست بحائض فلهذا ثبت من حديث عائشة في البخاري انها اعتكفت مع النبي صلى الله عليه وسلم بعض نسائه وهي مستحاضة ترى الدم فربما وضعت الطشت تحتها من الدم.

وأما كونه يندب في الاعتكاف ملازمة الذكر فلكون هذا المعتكف قد فرغ نفسه لعبادة الله في المساجد فينبغي له ان يشتغل بما فيه قربة وطاعة من صلاة وذكر وتلأوة وتفكر واعتبار فقد صار هذا الوقت من هذه الحيثية اخص بذلك من سائر الأوقات وان كان ذلك مندوبا في جميع الأوقات.

[فصل

وندب صوم غير العيدين والتشريق لمن لا يضعف به عن واجب سيما رجب وشعبان وأيام البيض وأربعاء بين خميسين والاثنين والخميس وستة عقيب الفطر وعرفة وعاشوراء ويكره تعمدالجمعة والمتطوع امير نفسه لا القاضي فيأثم الا لعذر وتلتمس ليلة القدر في تسع عشرة وفي الأفراد بعدالعشرين من رمضان] .

ص: 295

قوله: فصل: "وندب صوم الدهر" الخ.

أقول: حديث لا صام من صام الابد في الصحيحين من حديث عبد الله ابن عمرو بن العاص وكذلك حديث أبي قتادة عند مسلم وغيره قال: قيل: يا رسول الله كيف بمن صام الدهر؟ قال: "لا صام ولا أفطر" أو "لم يصم ولم يفطر" معناهما أنه لما خالف الهدى النبوي الذي رغب فيه صلى الله عليه وسلم كان بمنزلة من لم يصم صوما مشروعا يؤجر عليه ولا أفطر فطرا ينتفع به ويؤيد أن هذا المعنى هو المراد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبدا لله بن عمرو وقد كان أراد أن يصوم الدهر فقال: "صم من كل شهر ثلاثة أيام"، فقال: إني أقوى من ذلك فلم يزل يرفعني حتى قال: "صم يوما وأفطر يوما فإنه افضل الصيام وهو صوم أخي دأود". هكذا في الصحيحين وغيرهما من حديثه.

وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال للثلاثة الذين قال: أحدهم أنه يصوم ولا يفطر وقال الثاني أنه يقوم الليل ولا ينام وقال الثالث إنه لا ياتي النساء فقال صلى الله عليه وسلم: "أما أنا فأصوم وأفطر وأقوم وأنام وآتي النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني".

فهذا الحديث الصحيح يدل على أن صيام الدهر من الرغوب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستحق فاعله ما رتبه عليه من الوعيد فمن رغب عن سنتي فليس مني وقد أخرج أحمد وابو دأود وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي اخبره أنه يصوم الدهر: "من أمرك أن تعذب نفسك" ولا ينافي هذا ما ورد في صوم ايام البيض أن صيامها كصيام الدهر وكذلك ما ورد فيمن صام رمضان واتبعه ستا من شوال أنه كمن صام الدهر لأن التشبيه لا يقتضي جواز المشبه به فضلا عن استحبابه وإنما المراد حصول الثواب على تقدير مشروعية صيام ثلاثمائة وستين يوما ومن المعلوم أن المكلف لا يجوز له صيام كل السنة فلا يدل التشبيه على افضلية المشبه به من كل وجه ومع هذا فقد ورد الوعيد على صوم الدهر فأخرج أحمد وابن حبان وابن خزيمة وابن أبي شيبة والبيهقي عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام الدهر ضيقت عليه جهنم هكذا" وقبض كفه ولفظ ابن حبان "ضيقت عليه جهنم هكذا" وعقد تسعين وأخرجه أيضا البزار والطبراني قال في مجمع الزوائد ورجاله رجال الصحيح فهذا وعيد ظاهر وتأويله بما يخالف هذا المعنى تعسف وتكلف والعجب ذهاب الجمهور إلي استحبابه كما حكاه عنهم ابن حجر في الفتح وهو مخالف للهدى النبوي وهو أيضا أمر لم يكن عليه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه في الصحيحين وغيرهما "كل أمر ليس عليه امرنا فهو رد" وهو أيضا من الرغوب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن رغب عن سنته فليس منه وهو أيضا من التعسير والتشديد المخالف لما استقرت عليه هذه الشريعة المطهرة قال الله سبحانه: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، وقال صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه:"يسروا ولا تعسروا" [البخاري "4344، 4345، 4342"، مسلم

ص: 296

"71/1733"] ، أحمد "4/409"] ، وقال:"لن يشاد الدين أحد الا غلبه"، وقال:"أمرت بالشريعة السمحة السهلة".

فالحاصل ان صوم الدهر إذا لم يكن محرما تحريما بحتا فأقل احواله ان يكون مكروها كراهة شديدة هذا لمن لا يضعفه الصوم عن شيء من الواجبات أما من كان يضعف بالصوم عن بعض الواجبات الشرعية فلا شك في تحريمه من هذه الحيثية بمجردها من غير نظر إلي ما قدمنا من ادلة.

قوله: "سيما رجب".

أقول: لم يرد في رجب على الخصوص سنة صحيحية ولا حسنة ولا ضعيفة ضعفا خفيفا بل جميع ما روى فيه على الخصوص أما موضوع مكذوب أو ضعيف شديد الضعف وغاية ما يصلح للتمسك به في استحباب صومه ما ورد في حديث الرجل البأهلي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "صم أشهر الحرم" ورجب من الاشهر الحرم بلا خلاف وهذا الحديث أخرجه أحمد وابو دأود وابن ماجه ولكنه لا يدل على شهر رجب على الخصوص كما يفيد تنصيص المصنف وكان الأولى له ان يقول ويستحب صوم الاشهر الحرم سيما المحرم وذلك لورود الدليل الدال على استحباب صومه على الخصوص كما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الصيام بعد رمضان افضل فقال: "شهر الله المحرم".

وأما ما أخرجه ابن ماجه من حديث ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام رجب ففي إسناده ضعيفان زيد بن عبد الحميد ودأود بن عطاء ولكنه على ضعفه اقوى مما روى في استحباب صومه.

وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه ان عمر كان يضرب اكف الناس في رجب حتى يضعوها في الجفان ويقول كلوا فإنما هو شهر كان يعظمه الجأهلية.

وأخرج ابن ابن أبي شيبة أيضا من حديث زيد بن اسالم قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم رجب فقال اين انتم من شعبان وهو مرسل.

قوله: "وشعبان".

أقول: أما هذا الشهر فقد جاءت فيه الادلة الصحيحية حتى قالت عائشة لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرا اكثر من شعبان فانه كان يصومه كله هكذا في الصحيحين وغيرهما وفي لفظ فيهما من حديثها ما كان يصوم في شهر ما كان يصوم في شعبان كان يصومه الا قليلا بل كان يصومه كله وفي لفظ من حديثها ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط الا شهر رمضان وما رأيته في شهر اكثر منه صيأما في شعبان.

ص: 297

وأخرج أحمد وأهل السنن من حديث ام سلمة ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم من السنة شهرا تأما الا شعبان يصل به رمضان ولفظ ابن ماجه كان يصوم شعبان ورمضان وحسنه الترمذي.

قوله: "وايام البيض".

أقول: قد ورد في مشروعية صومها أحاديث كثيرة منها حديث أبي قتادة عند مسلم وغيره قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كل شهر ورمضان إلي رمضان فهذا صيام الدهر كله"، وأخرج أحمد والنسائي والترمذي وابن حبان وصححاه من حديث أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا أبا ذر إذا صمت من الشهر ثلاثة ايام فصم ثلاث عشرة واربع عشرة وخمس عشرة"، وأخرجه النسائي وابن حبان وصححه من حديث أبي هريرة وأخرجه النسائي أيضا من حديث جرير قال ابن حجر وإسناده صحيح وفي الباب أحاديث قد ذكرناها في شرح المنتقى.

قوله: "واربعاء بين خميسين".

أقول: تحتمل هذه العبادة ان يريد انه يصوم يوم الخمس ثم يصوم بعده يوم الاربعاء ثم يصوم بعده يوم الخميس وذلك يمكن في ثمانية ايام ويحتمل ان يريد انه يصوم أول خميس من الشهر ثم يصوم أحد ايام الاربعاء من ذلك الشهر ثم يصوم آخر خميس منه وكل هذا لا دليل عليه قط فإن ما ورد من استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر على تقدير احتماله لغير ايام البيض لا يفيد هذا التخصيص والتعيين وكذلك لا يفيد هذا ما أخرجه الترمذي وحسنه من حديث عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من الشهر السبت والاحد والاثنين ومن الشهر الاخر الثلاثاء والاربعاء والخميس فإن هذا إنما فعله صلى الله عليه وسلم للمدأولة بين ايام الاسبوع وعدم تخصيص بعضها بالصوم دون بعض فكان يصوم بعضها من شهر وبعضها من شهر آخر نعم ورد ما يدل على استحباب صوم الاربعاء مع الخميس عند أبي دأود والترمذي من حديث مسلم القرشي قال: سألت أو سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام الدهر فقال: "إن لأهلك عليك حقا فصم رمضان والذي يليه وكل اربعاء وخميس فإذا انت قد صمت الدهر" وأخرج أبو دأود والترمذي أيضا من حديث عبد الله بن عمر بن العاص ان النبي صلى الله عليه وسلم امره ان يصوم كل اربع وخميس ولكن هذا هو غير ما ذكره المصنف.

قوله: "والاثنين والخميس".

أقول: يدل على ذلك ما أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تعرض اعمال العباد كل اثنين وخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم" وأخرج أحمد والنسائي هذا المعنى من حديث أسامة بن زيد وأخرج أحمد والنسائي والترمذي [ (745) ]

ص: 298

وابن ماجه وابن حبان وصححه من حديث عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحرى صيام الاثنين والخميس وأخرجه أيضا أبو دأود من حديث أسامة بن زيد.

وورد في صوم الاثنين على الخصوص ما أخرجه مسلم وغيره من حديث أبي قتادة ان النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم الاثنين فقال: "ذلك ولدت فيه وأنزل على فيه"

قوله: "وست عقيب الفطر"

أقول: يدل على ذلك ما أخرجه مسلم وغيره من حديث أبي ايوب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان ثم اتبعه ستا من شوال فذاك صيام الدهر" وأخرجه أحمد وعبد بن حميد والزبار من حديث جابر وفي إسناده عمرو بن جابر وهو ضعيف.

وأخرج أحمد والنسائي ابن ماجه والدارمي والبزار من حديث ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من صام رمضان وستة أيام بعدالفطر كان تمام السنة"{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} وفي الباب احاديث.

قوله: "وعرفة".

أقول: يدل على ذلك ما ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث أبي ايوب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صيام عرفة كفارة سنتين" وفي بعض الروايات الثابتة في السنن "أنه يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده" وفي الباب أحاديث ولم يصح في النهي عن صومه شيء وإنما تركه صلى الله عليه وسلم بعرفة للاشتغال باعمال الحج على ان مجرد الترك لا يرفع استحباب صومه الثابت بالقول المرتب عليه الأجر العظيم ولا سيما وهو أحد أيام العشر التي ورد أنه: "ما من أيام العمل الصالح فيها أفضل منه في عشر ذي الحجة" كما في الحديث الثابت في الصحيحين [البخاري "969"، وغيرهما أحمد "1/224"، الترمذي "757"، ابن ماجة "1727"] .

قوله: "وعاشوراء".

أقول: الاحاديث الصحيحة الكثيرة قد دلت على مشروعية صومه ونسخ وجوبه لا نسخ استحبابه لما في حديث ابن عباس في الصحيحين وغيرهما قال: ما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوما يطلب فضله على الايام الا هذا اليوم يعني يوم عاشوراء ولاشهرا الا هذا الشهر يعني رمضان وفي الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر ان أهل الجأهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء وان رسول الله صلى الله عليه وسلم صامه والمسلمون قبل ان يفرض رمضان فلما فرض رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن يوم عاشوراء يوم من أيام الله فمن شاء صامه"، وفي الصحيحين أيضا من حديث معأوية بن أبي سفيان نحوه وفي مسلم وغيره انه لما قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم:

ص: 299

"ان يوم عاشوراء يوم تعظمه اليهود، قال: "لئن بقيت إلي قابل لأصومن التاسع"، وفي لفظ له من حديث ابن عباس: "إذا كان العام المقبل صمنا اليوم التاسع"، فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي رواية "صوموا التاسع والعاشر وخالفوا اليهود".

فينبغي لمن أراد ان يصوم يوم عاشوراء ان يصوم اليوم الذي قبله.

قوله: "ويكره تعمد الجمعة".

أقول: قد ثبت في الصحيحين من حديث جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم الجمعة ثم ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصوموا يوم الجمعة الا وقبله يوم أو بعده يوم"، فهذا الحديث المقيد يقيد به إطلاق الحديث الأول ثم ثبت في صحيح مسلم وغيره التقييد بقوله:"إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم"

فالحاصل أن صوم يوم الجمعة منهي عنه إلا أن يصوم يوما قبله أو بعده أو يوافق صوما كان يصومه وقد شدد النبي صلى الله عليه وسلم على جويرية لما دخل عليها وهي صائمة يوم الجمعة فقال لها: "أصمت أمس؟ " قالت: لا قال: "أتصومين غدا؟ " قالت: لا قال: "فأفطري" كما في البخاري وغيره ويجمع بين هذه الاحاديث وبين ما روى انه صلى الله عليه وسلم كان يصومه بما تقدم في الحديثين.

وورد أيضا النهي عن صوم يوم السبت كما في حديث عبد الله بن بسر عن اخته واسمها الصماء ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصوموا يوم السبت الا فيما افترض عليكم فإن لم يجد احدكم الا عود عنب أو لحاء شجر فليمضغه" أخرجه أحمد وابو دأود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم والطبراني والبيهقي وصححه ابن السكن فكان على المصنف ان يذكر يوم السبت مع يوم الجمعة وقدتقدم جواز صومه مع صوم يوم الجمعة فيكون النهي مقيدا بهذا القيد ويحمل عليه ما روى من صومه صلى الله عليه وسلم يوم السبت.

قوله: "والمتطوع امير نفسه".

أقول: قد ثبت في اصحيح البخاري وغيره ان سلمان أمر ابا الدرداء بأن يفطر من صوم كان متطوعا فيه في قصة قال في اثرها فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صدق سلمان".

وأخرج أحمد والترمذي والدارقطني والطبراني والبيهقي انه صلى الله عليه وسلم قال: "لأم هانئ المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وأن شاء أفطر"، وفي إسناده سماك بن حرب وفيه مقال.

وأخرج أبو دأود والنسائي عن عائشة انه اهدى لحفصة طعام وكانتا صائمتين

ص: 300