الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28] ، وقد ثبت في الاحاديث الصحيحية ان النبي صلى الله عليه وسلم أكل مما أهداه وأطعم أصحابه ونساءه فهذا الكتاب العزيز والسنة المطهرة قد دلا على جواز الأكل منها وصرفها في مصارفها ودعوى التفرقة بين الدماء يحتاج إلي دليل ولم يثبت ما يقتضى ذلك وإن كان السبب خاصا فلا يتقيد الحكم بالسبب.
وأما كونها لا تصرف الا بعد الذبح فلكون الحكم المتعلق بها لا يسقط الا بنحرها وأما كون للمصرف يها كل تصرف فظاهر.
كتاب النكاح
مدخل
…
كتاب النكاح
[فصل
يجب على من يعصى لتركه ويحرم على العاجز عن الوطء من تعص بتركه وعارف التفريط من نفسه مع القدرة وينعقد مع الإثم ويندب ويكره ما بينهما ويباح ما عدا ذلك وتحرم الخطبة على خطبة المسلم بعد التراضى وفي العدة الا التعريض في المبتوتة.
وندب عقده في المسجد والنثار وإنتهابه والوليمة وإشاعته بالطبول لا التدفيف المثلث والغناء] .
قوله: "يجب على من يعصى لتركه".
أقول: قد علم بنصوص الكتاب والسنة وبإجماع الامة ان الزنا حرام وكذلك ما يؤدي اليه وما هو مقدمة له فمن خشي على نفسه الوقوع في هذا وجب عليه دفعه عن نفسه فإن كان لا يندفع الا بالنكاح وجب عليه ذلك وإن كان يندفع بمثل الصوم أو السفر أو التقليل من طعامه وشرابه أو أكل غير ما فيه دسومة من الاطعمة لم يجب عليه النكاح لإمكان دفع المعصية بدونه.
قوله: "ويحرم على العاجز عن الوطء من تعصى لتركه".
أقول: هذا التحريم لا وجه له ولا يلزم الإنسان ترك ما احل الله له بل ما امره به ورغبه فيه بتجويز وقوع المعصية من غيره فذنب كل مذنب عليه لا يتعداه إلي غيره وهذه المرأة قد جعل الله لها فرجا ومخرجا وأوجب عليها ان تدع ما حرمه عليها وتشكو امرها إلي حكام الشريعة كما وقع ذلك من المراة التي شكت زوجها إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: إنما معه كهدية الثوب [البخاري "5/249"، مسلم "111/1433"، أبو داود "2309"، الترمذي "1118"، النسائي "6/148"، ابن ماجة 1932"، أحمد "6/42"، 46"] ، فإذا كان إمساكه لها مع عجزه عن أن يعفها ويكسر
سورة شهوتها فذلك من الامساك لها ضرارا وقد قال الله سبحانه {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً} [البقرة: 230]، وهو أيضا من المضارة لها وقد قال تعالي:{وَلا تُضَارُّوهُنَّ} [الطلاق: 6] . وهذا مضار لها وفي الشريعة المطهرة ما يدل على جواز الفسخ بمجرد الكراهة كما في حديث: "أتردين عليه حديقته" وفيها أيضا جواز الفسخ للاعواز عن النفقة وبهذا تعرف انه لا وجه للحكم بهذا التحريم بادئ بدء وهكذا لا وجه للحكم بالتحريم على عارف التفريط من نفسه فإنه قد يتحول الحال وقدترضى المرأة بتفريطة وبعد هذا كله فالطلاق بيده إذا استمر على هذا السجية المذمومة والطبيعة الناقصة وأيضا لها ان تطلب الخلاص منه لما قدمنا.
قوله: "ويندب ويكره ما بينهما ويباح ما عدا ذلك".
أقول: النكاح من آكد السنن وقد أمر الله سبحانه به في كتابه العزيز وثبت في السنة الصحيحية في الصحيحين [البخاري "4/119"، مسلم "1400"] ، وغيرهما [أبو داود "2046"، الترمذي "1081"، النسائي "4/169، 6/56، 57" ابن ماجة "1845"، أحمد "1/4"]، ان النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج" وصح عنه في الصحيحين [البخاري "9/117"، مسلم "4/129"] ، وغيرهما النهي عن التبتل وقال فيما صح عنه في الصحيحين [البخاري "9/104"، مسلم "1401"، وغيرهم "لكني أصوم وأفطر واصلي وانام واتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني".
والحاصل ان النكاح سنة مؤكدة فلا وجه لجعل بعض اقسامه مباحا فإن ذلك دفع في وجه الادلة ورد للترغيبات الكثيرة في صحاح الاحايث وحسانها وقد ذكرنا بعضا من ذلك في شرحنا للمنتقى نعم من كان فقيرا لا يستطع القيام بمؤنة الزوجية فله رخصة في ترك هذه السنة الحسنة لقوله عز وجل: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ} [النور: 33] ، الآية على ما في تفسيرها من الاختلاف.
قوله: "وتحرم الخطبة على خطبة المسلم بعد التراضي".
أقول: الاحاديث الصحيحية الواردة الثابتة في الصحيحين وغيرهما عن عقبة بن عامر وأبي هريرة وابن عمر قد صرحت بالنهي عن ان يخطب الرجل على خطبة اخيه إلي غاية هي قوله صلى الله عليه وسلم: "حتى ينكح أو يترك"، وفي حديث آخر بلفظ:"حتى يترك الخاطب أو يأذن له الخاطب" فوقوع الخطبة مقتض لتحريم خطبة الآخر إلي هذه الغاية وبمجرد وقوع الخطبة الأولى يحصل التحريم سواء علم الاخر بالرضا من المرأة ام لم يعلم لكن وإذا انتهى الحال إلي عدم وقوع الرضا منها فتلك الخطبة كأنها لم تكن لعروض مانع من ثبوتها وهو عدم الرضا ولا يقال انها لا تحرم الخطبة على الاخر الا إذا علم بالرضا بل تحرم عليه ما لم يعلم بعدم الرضا عملا بالنهي ووقفا على حكمه ولا منافاة بين الاحاديث القاضية بتحريم الخطبة وبين ما وقع منه صلى الله عليه وسلم من المشورة على فاطمة بنت
قيس بأن تنكح اسامة بن زيد بعد ان خطبها أبو جهم ومعأوية لأنه صلى الله عليه وسلم لم يخطبها لأسامة بل أشار عليها به بعد ان استشارته وبين لها ان معأوية صعلوك وأبا جهم لا يضع عصاه عن عاتقه وانه ضراب للنساء والامر اليها في ذلك.
وفي رواية في صحيح [مسلم "36/1480" أبو داود "2284"، الترمذي "1135"، النسائي "6/75 – 76"، ابن ماجة "1869"، أحمد "6/411"، 412"] ، وغيره ان اسامة قد كان خطبها معهما وان الثلاثة خطبوها فأشار عليها النبي صلى الله عليه وسلم به وهذا يوضح لك عدم الاختلاف بين هذا الحديث واحاديث تحريم الخطبة على الخطية.
قوله: "وفي العدة الا التعريض في المبتوتة".
أقول: يدل على هذا قوله عز وجل: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: 235]، فإنه يفيد انه لا يجوز التصريح بالخطبة ويجوز التعريض ثم نهاهم عن أن يواعدوهن سرا فقال:{وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً} على ما في معنى هذه المواعدة من الاختلاف ثم استثنى من هذا فقال: {إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً} [البقرة: 235] .
فالحاصل انه لم يبح سبحانه الا التعريض والقول المعروف فكان التصريح بالخطبة للمعتدة أو ذكر شيء مستهجن في مكالمتها غير جائز وقد كان هذا امرا متقررا معروفا عندهم كما يدل عليه ما أخرجه الدارقطني عن سكينة بنت حنظلة قالت استأذن على محمد بن علي ولم تنقض عدتي مهلكة زوجي فقال قد عرفت قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابتي من علي وموضعي من العرب قلت غفر الله لك يا أبا جعفر إنك رجل يؤخذ عنك وتخطبني في عدتي فقال إنما اخبرتك بقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن علي وقد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة وهي متأيمة من أبي سلمة فقال: "لقد علمت أني رسول الله صلى الله عليه وسلم وخيرته من خلقه وموضعي من قومي" أكانت تلك خطبة؟.
ثم اعلم أنه لا فرق في المنع من التصريح للمعتدة بالخطبة بين ان تكون في عدة طلاق رجعي أو بائن أو في عدة الوفاة ولا وجه للتعليل بأن الرجعية لم ينقطع حق زوجها بخلاف غيرها لان الدليل لم يفصل بين عدة وعدة.
قوله: "وندب عقده في المسجد".
أقول: إن انتهض حديث: "واجعلوه في المساجد" للحجية فأقل احوال هذا الامر الندب والا فالمساجد إنما بنيت لذكر الله والصلاة فلا يجوز فيها غير ذلك الا بدليل يخصص هذا العموم كما وقع من لعب الحبشة بحرابهم في مسجده صلى الله عليه وسلم وهو نيظر وكما قرر من كانوا يتناشدون الاشعار فيه.
قوله: "والنثار وانتهابه".
أقول: لم يثبت في هذا شيء والحديث المروي في ذلك قد تكلمنا عليه في كتابنا الذي سميناه الفوائد المجموعة في الاحاديث الموضوعة وقد ذكره ابن حجر في التلخيص وعزاه إلي
البيهقي وقال في إسناده ضعف وانقطاع قال ورواه الطبراني في الأوسط من حديث عائشة عن معاذ نحوه وفيها بشر بن إبراهيم انتهى قلت وكان متهما بوضع الحديث ورواه الغزالي والرازي والقاضي حسين أحد اصحاب الشافعي من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم حضر في إملاك فأتى باطباق عليها جوز ولوز وتمر فنثرت فقبضنا ايدينا فقال: "ما بالكم لا تأخذون؟ " فقالوا: لأنك نهيت عن النهية فقال: "إنما نهيت عن نهبى العساكر خذوا على اسم الله فجاذبنا وجاذبناه" وهذا موضوع لا شك فيه وهؤلاء الذين رووه ليسوا من أهل الرواية وانتهاب النثار إذا لم يكن حرأما لصدق النهي عليه فأقل الاحوال ان يكون مكروها.
قوله: "والوليمة".
أقول: قد دلت على مشروعيتها الاحاديث الصحيحة الثابتة في الصحيحين وغيرهما وقد صح انه صلى الله عليه وسلم أولم على نسائه وصح انه أمر من تزوج بالوليمة كما قال لعبد الرحمن بن عوف أولم ولو بشاة وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث أنس.
وأما قوله: "واشاعته بالطبول لا التدفيف المثلث والغناء" فقد ثبت الترخيص في طرف من اللهو في العرسات وقد ذكر صاحب المنتقى الادلة على ذلك وتكلمت في شرحي له عليها ومن خالف في ذلك فقد خالف ما كان ثابتا معلوما ومن جوز اللهو في غير هذا الموطن فقد خالف ما يدل عليه الكتاب العزيز والسنة المطهرة وسيأتي استيفاء البحث عن هذا في كتاب الحدود.
[فصل
ويحرم على المرء اصوله وفصوله ونساؤهم وفصول اقرب اصوله وأول فصل من كل أصل قبله واصول من عقد بها لا فصولها ولا هما من المملوكة الا بعد وطء أو لمس لشهوة ولو بحائل أو نظر مباشر ولو خلف صقيل لافي مرآة والرضاع في ذلك كالنسب غالبا والمخالفة في الملة والمرتدة والمحصنة والملاعنة والمثلثة قبل التحليل الصحيح والمعتدة والمحرمة والخامسة والمتلبسات بالمحرم منحصرات والخنثى المشكل والامة على الحرة وان رضيت ولحر الا لعنت لم يتمكن من حرة وامرأة مفقود أو غريق قبل صحة ردته أو طلاقه أو موته أو مضى عمره الطبيعي والعدة ويصح بعدها فإن عاد فقد نفذ في الأوليين لا الاخريين فيبطل وتستبرئ له فإن مات أو طلق اعتدت منه أيضا وله الرجعة فيهما لا الوطء في الأولى ولا حق لها فيهما ولا يتداخلان ويحرم الجمع بين من لو كان احدهما ذكرا حرم على الاخر من الطرفين فإن جمعهما عقد حرتين أو امتين بطل كخمس حرائر أو
إماء لا من يحل ويحرم فيصح من يحل وكل وطء لا يستند إلي نكاح أو ملك صحيح أو فاسد لا يقتضى التحريم] .
قوله: "فصل ويحرم على المرء أصوله وفصوله".
أقول: هذا معلوم بالكتاب والسنة وبإجماع المسلمين اجمعين وهكذا تحريم نساء الأوصل والفصول هو منصوص عليه في الكتاب العزيز وهكذا تحريم فصول أقرب الاصول فإنهم الاخوة والاخوات وابناء الإخوة وأبناء الإخوات وتحريمهم في الكتاب العزيز وهكذا يحرم على الرجل أصول من عقد بها بالكتاب العزيز حيث قال عز وجل: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23]، وظاهره انه لا فرق بين ان يكون قد وقع الدخول ام لا ولكنه قرأ جماعة من الصحابة منهم علي وابن عباس وزيد بن ثابت وابن عمر وابن الزبير:{وأمهات نسائكم التي دخلتم بهن} فإن صحت هذه القراءة كانت دليلا على انها لا تحرم الا ام المدخولة وادعى بعض أهل العلم ان قوله سبحانه: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} يعود إلي قوله: {مِنْ نِسَائِكُمْ} وإلي قوله: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} وفي ذلك الخلاف المعروف في الاصول في القيد إذا جاء بعد متعدد ولكنه يقوى عود هذا القيد إلي الجميع القراءة المذكورة.
ويدل على خلاف هذا التقييد ما أخرجه الترمذي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا: "من نكح امرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها حرمت عليه أمها ولم يحرم عليه ابنتها" وهذا لو صح لكان نصا في محل النزاع ولكنه حديث ضعيف وفي إسناده ضعيفان هما المثنى بن الصباح وابن لهيعة فإن صح إسناد تلك القراءة فهي ارجح من هذا الحديث وإن لم يصح إسنادها كان العمل بما يقتضيه قوله تعالي: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} من شموله للمدخولة وغيرها هو المتعين.
قوله: "ولا هما من المملوكة" الخ.
أقول: الامة لا تصير من نساء سيدها الا بوطئها بخلاف الحرة فإنه اتصير من نساء زوجها بالعقد عليها ولا يحتاج إلي قياس الامة على الحرة بل هي داخلة في عموم قوله: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} فإن ترجيح تقييد هذا العموم بتلك القراءة لم تحرم اصول الامة الموطوءة ولا فصولها الا بعد الدخول بها وان لم يترجح التقييد فقد عرفت ان الامة لا تكون من نساء سيدها الا بالدخول فهي قبل الدخول ليست من نسائه فلا تحرم اصولها ولا فصولها الا بدخولها ولهذا اتفقوا على انها لا تحرم ام الامة ولا ابنتها الا بعدالدخول واختلفوا في الزوجة.
وأما قوله: "أو لمس لشهوة ولو بحائل" فلا يتم الا بعد تسليم انه يصدق عليه مسمى الدخول شرعا وهو بعيد وابعد منه قوله: "أو نظر مباشر ولو خلف صقيل".
والحاصل انه إذا لم يصدق على هذا اللمس وهذا النظر انه وطء ولا دخول شرعا فصدق ذلك لغة ابعد وأبعد وقد عرفناك ان الامة لا تكون من نساء سيدها الا بالوطء لا بمجرد الشراء ولا بما لا يصدق عليه مسمى الوطء.
قوله: "والرضاع في ذلك كالنسب".
أقول: قد صح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث جماعة في الصحيحين وغيرهما انه قال: "يحرم من الرضاعة ما يحرم من الرحم"، [اليخاري "5/253، مسلم "12/1447"]، وفي لفظ فيهما:"ما يحرم من النسب"[البخاري "5/253"، مسلم "13/1447"] وفي لفظ فيهما: "يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة"، فالواجب التوقف على ما تدل عليه هذه الاحاديث بعمومها ولا يخص منها الا ما خصصه دليل صحيح صالح للتخصيص.
وإذا عرفت هذا كفاك عن الخبط والخلط الواقع في هذه المسألة لكثير من المتكلمين فيها وعليك ان تلاحظ مع ملاحظتك لهذه الادلة انه صلى الله عليه وسلم لم يقل يحرم من الرضاعة ما يحرم من الصهارة فلا يحرم من اصهار أهل الرضاعة الا ما جاء النص بتحريمه والا فهو حلال وقد ذكرت في شرحي للمنتقى ما يهتدي به الناظر إلي صوب الصواب.
قوله: "والمخالفة في الملة".
أقول: ما كان ينبغي للمصنف ومن قال يقوله ان يتركوا ما دل عليه الكتاب العزيز بالخصوص ويتمسكوا بالعام فإن قوله عز وجل: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5]، مخصص لعموم قوله سبحانه:{وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221]، على تقدير تحقق الاشراك في اليهود والنصارى فإن هذا حكم الله عز وجل في كتابه العزيز فكيف يبلغ التعصب بصاحبه إلي اهمال الدلائل القرآنية التي هي أوضح من شمس النهار ولهذا فإن السلف لم يظهر بينهم خلاف في جواز نكاح الكتابيات ولا أنكر أحد منهم على فاعله ومع هذا فقد وقع الاجماع على حل وطء المسبيات من المشركين ولم يخالف في ذلك مخالف فكما كان هذا المخصص لعموم الكتاب معمولا به عندهم يكون ما هو اظهر منه وأوضح دلالة وهو قوله:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} فلا يدخل تحته الا من كان من أهل الكتاب ولم يبق على دين الانبياء الذين انزل الله عليهم كتابه الا اليهود والنصارى فيخرج من هذا المخصص المجوس ولكنه صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال في المجوس: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" فكان لهم حكمهم في حل نسائهم ونحو ذلك من الامور الثابتة لأهل التاب ولم يصح الاستثناء المروي في هذا الحديث وهو قوله: "غير آكلي ذبائحهم وناكحي نسائهم"، فكان للمجوس حكم أهل الكتاب في جميع ما اثبته شرعنا لهم.
وأما قوله: "والمرتدة" فلا وجه لأفرادها بالذكر فهي كافرة من جملة الكوافر ومخالفة في الملة من جملة المخالفات والكلام فيها كما قدمنا.
وأما قوله: "والمحصنة" فتحريمها ثابت بنص القرآن وإجماع المسلمين وهكذا الملاعنة أبدا والمثلثة حتى تنكح زوجا غيره وهكذا المعتدة بنص القرأن والاجماع.
وأما قوله: "والمحرِمة" فما كان ينبغي إدخالها ها هنا لانها لا تعقد نكاح نفسها واغذا عقد لها ولى حلال وهي محرمة فما بذلك من بأس وقد قدمنا اختلاف الادلة في عقدالمحرم للنكاح.
قوله: "والخامسة".
أقول: أما الاستدلال على تحريم الخامسة وعدم جواز زيادة على أربع بقوله عز وجل: {مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] ، فغير صحيح كما أوضحته في شرحي للمنتقى ولكن الاستدلال على ذلك بحديث قيس بن الحارث وحديث غيلان الثقفي وحديث نوفل بن معاوية هو الذي ينبغي الاعتماد عليه وإن كان في كل واحدم منهما مقال ولكن الاجماع على ما دلت عليه قد صارت به من المجمع على العمل وقد حكى الاجماع صاحب فتح الباري والمهدي في البحر والنقل عن الظاهرية لم يصح فإنه قد أنكر ذلك منهم من هو اعرف بمذهبهم وأيضا قد ذكرت في تفسيري الذي سميته فتح القدير تصحيح بعض هذه الاحاديث واطلت المقال في ذلك فليرجع اليه.
قوله: "والملتبسات بالمحرم منحصرات".
أقول: ليس على هذه المسألة دليل يخصها وليس فيها الا الرجوع إلي قواعد مقررة وهي ان الاصل في الفروج التحريم وان الحظر مقدم على الاباحة والبراءة الاصلية وإنكانت مستصحبة لكن قد عورضت بمثل ذلك فإن ينتهض دليل على تقديم الحظر على الاباحة في مثل الفروج فذاك والا فلا ناقل ينقل عن البراءة الاصلية المعلومة بالادلة الكلية والجزئية.
قوله: "والخنثى المشكل".
أقول: إن صح وجود هذا في العالم اعني المشكل الذي لا يتميز فالتحريم محتاج إلي دليل ولا دليل الا مجرد استبعادات ولا تقوم بمثلها الحجة لا عقلا ولا نقلا وأما وجود من له فرج كفرج الرجل وفرج كفرج المرأة مع التمييز بان يكون الفرج الذي له القوة وبه الانتفاع بالبول ونحوه أو بمجرد السبق فهو محكوم له بالفرج الذي هو كذلك وما اقل جدوى تحرير مثل هذه المسائل في كتب الهداية.
قوله: "والامة على الحرة وإن رضيت".
أقول: ليس في هذا وفي قوله ولحر الا لعنت لم يتمكن من حرة الا ما دل عليه قوله عز وجل: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] ، الآية وهذا الذي تحته الحرة قدا ستطاع طولا بالحرة التي تحته وأما الحر الذي لم يتمكن من حرة فلم يستطع طولا ان ينكح المحصنات المؤمنات ولا يشترط ان يكون عنتا بل مجرد عدم التمكن من الحرة يكفي وليس في السنة ما تقم الحجة به في هذا لان ما روى مرفوعا لم يصح وما روى غير مرفوع لا تقوم به الحجة.
قوله: "وامرأة مفقودا". الخ.
أقول: قد أمر الله سبحانه بإحسان عشرة الزوجات فقال: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] ،
ونهى عن إمساكهن ضرارا فقال: {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً} [البقرة: 231]، وأمر بالامساك بالمعروف أو التريح بإحسان فقال:{فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229]، ونهى عن مضارتهن فقال:{وَلا تُضَارُّوهُنَّ} [الطلاق: 6] ، فالغائب ان حصل مع زوجته التضرر بغيبته جاز لها ان ترفع امرها إلي حكام الشريعة وعليهم ان يخلصوها من هذا الضرار البالغ هذا على تقدير ان الغائب ترك لها ما يقوم بنفقتها وانها لم تتضرر من هذه الحيثية بل من حيثية كونها لا مزوجة ولا أيمة أما إذا كانت متضررة بعدم وجود ما تستنفقه مما تركه الغائب
فالفسح بذلك على انفراده جائز ولو كان حاضرا فضلا عن ان يكون غائبا وهذه الايات التي ذكرناها وغيرها تدل على ذلك.
فإن قلت هل تعتبر مدة مقدرة في غيبة الغائب قلت لا بل مجرد حصول التضرر من المراة مسوغ للفسخ بعدالاعذار إلي الزوج إن كان في محل معروف لا إذا كان لا يعرف مستقره فإنه يجوز للحاكم ان يفسخ النكاح بمجرد حصول التضرر من المراة ولكن إذا كان قد ترك الغائب ما يقوم بما نحتاج اليه ولم يكن التضرر منها الا لأمر غير النفقة ونحوها فينبغي توقيفها مدة يخبر من له عدالة من النساء بأن المراة تتضرر بالزيادة على تلك المدة وأما إذا لم يترك لها ما تحتاج اليه فالمسارعة إلي تخليصها وفك اسرها ودفع الضرار عنا واجب ثم إذا تزوجت بآخر فقد صارت زوجته وان عادالأول فلا يعود نكاحه بل قد بطل بالفسخ فلا تشتغل بهذه التفاصيل التي ذكرها المصنف رحمه الله.
قوله: "ويحرم الجمع بين من لو كان احدهما ذكرا" الخ.
أقول: هذه الكلية محتاجة إلي دليل تقوم به الحجة ولم يرد الا فيما هو اخص من ذلك كالجمع بين الاختين وبين المرأة وعمتها والمراة وخالتها أما الجمع بين الاختين فبنص الكتاب العزيز وأما الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها فبالسنة الصحيحة الثابتة في الصحيحين وغيرهما المروية من طريق جماعة من الصحابة وقد أبعد من رام دفع هذا الحكم الثابت بهذه السنة الصحيحية بمجرد الخيالات المختلة والعلل المعتلة وقد حكى بعض أهل الاجماع على التحريم ومثل الروافض والخوارج من فرق الضلال ليسوا ممن ينبغي ان يشتغل بشانهم ولا بتدوين مقالاتهم الباطلة ولا يقدح خلافهم في إجماع الامة الإسلامية ولكن التعصب يتشعب شعبا كثيرة قد يقع الواقع فيها بل في أشدها ضررا واعظمها خطرا وهو لا يدري كما أوضحت ذلك في كتأبي الذي سميته ادب الطلب ومنتهى الأرب.
واعلم أن الله سبحانه قد انزل في كتابه العزيز فيما يحل ويحرم من المناكح الكثير الطيب ثم ان النبي صلى الله عليه وسلم بين للناس ما نزل اليهم وبالغ في البيان والأيضاح فيس بنا حاجة إلي التعويل على ما يذكره أهل الفروع إذا جاءوا بما لم يرد به دليل.
وأما الحكم ببطلان العقد الذي وقع فيه الجمع بين حرتين أو امتين فهو صواب إن كان قد وردالدليل المقتضى للمنع من ذلك لأن الفاعل لذلك فعل مالا يبيحه الشرع وما ليس عليه
امر رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو رد ورده هو عدم الاعتداد به ولا يراد بالبطلان الا ذلك وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم بالبطلان فيما هو دون هذا فقال: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل" فهذا حكمه صلى الله عليه وسلم كونه لا مانع من نكاح المرأة بل هو حلال مطلق ولكنه لم يوجدا الاذن ممن هو ولي لها فأين هذا الامر من العقد على من هي محرمة بنص الشرع.
وأما قوله: "كخمس حرائر أو إماء" فقد تقدم الكلام عليه ولكن المصنف أراد مجرد النظير والتمثيل.
وأما قوله: "لا من يحل ويحرم فيصح من يحل" فهو ظاهر واضح لا يحتاج إلي ذكر.
وأما قوله: "وكل وطء لا يستند إلي نكاح" الخ فصواب لأن الحكم بالتحريم يحتاج إلي دليل ولا دليل وقد قال بالتحريم الثوري والأوزاعي وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق ولم نقف لهم على ما يصلح للتمسك به.
[فصل
ووليه الأقرب فالأقرب المكلف الحر من عصبة النسب ثم السبب ثم عصبته مرتبا ثم سببه ثم عصبته كذلك ثم الوصى به لمعين في الصغيرة ثم الامام والحاكم قيل ثم الوصي به في الكبيرة ثم توكل ويكفي واحد من أهل درجة الا الملاك ومتى نفتهم غريبة حلفت احتياطا وتنتقل من كل إلي من يليه فورا بكفره وجنونه وغيبته منقطعة وتعذر مواصلته وخفاء مكانه وبادنى عضل في المكلفة الحرة ولا يقبل قولها فيه] .
قوله: "ووليه الاقرب فالأقرب" الخ.
أقول: لما أمر الله سبحانه بإنكاح النساء {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 32]، وقال:{فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] ، كان أولياء المرأة ممن دخل في هذا الخطاب دخولا أوليا فكانوا احق بإنكاحها من هذه الحيثية ثم جاءت السنة الصحيحية بأنه لا نكاح الا بولي وان النكاح بغير ولي باطل وثبت عنه صلى الله عليه وسلم بأن الأولياء "إذا اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له" فتبين بذلك ان المراد بما في القرآن هم خصوص الأولياء ومعلوم ان الاقرب اليها اخص من الأبعد من جهة كون ولايته على المرأة لها مزيد خصوصية بالقرب وقد ذهب إلي اعتبار الولي جمهور السلف والخلف حتى قال ابن المنذر انه لا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك وسيأتي والكلام على هذا في شروط النكاح وليس المراد هنا الا كون الأولياء الذين اليهم ولا ية النكاح هم هؤلاء الذين ذكرهم المصنف مرتبين على هذا الترتيب وقد ذهب إلي هذا الجمهور وروى عن أبي حنيفة انه اثبت الولاية في النكاح للقرابة الذين ليسوا من العصبات.
وأما ما قيل من ان الولاية في النكاح مقيسة على الميراث فلا وجه له بل هي ثابتة بالادلة المتقدمة فلا تحتاج إلي القياس الا ان يقال ان كون الولاية مرتبة على هذا الترتيب هو بالقياس على الميراث ولكنه لا يتم لأنه قد ثبت الميراث لمن لا ولاية له في النكاح كالاخوة لأم وأيضا قد يكون الميراث مستحقا لغير من اليه العقد الاخوة لأب والاعمام وأبناء الاعمام إذا كان في ذوي السهام من ياخذ جميع الميراث كالبنات مع الاخوات لأبوين.
وقيل العلة في كون هؤلاء الأولياء للنكاح ان الغضاضة تلحق بهم دون غيرهم وهو غير مسلم فإن الغضاضة قد تلحق مثلا بالاخوة لأم لحوقا زائدا على الاعمام وأبناء الاعمام وسيأتي لنا ان شاء الله في البيع تحقيق للأولياء في النكاح وفي البيع شرعا ولغة فلينظر.
وأما إثبات الولاية للمعتق فلحديث: "الولاء لحمة كلحمة النسب" وهو حديث لامطعن فيه وله شواهد كما ذكره صاحب التلخيص.
وظاهر هذا التشبيه انه يثبت له ما يثبت لذي النسب وأما اثباتها لعصبة المعتق فلكون التشبيه المذكور يدل على ان عصبة المعتق يقومون مقامه إذا لم يوجد أحد من عصبة النسب ثم معتق المعتق وعصبته لهم مدخل في ذلك التشبيه فلهذا ذكرهم المصنف.
وأما اثبات الولاية لوصي من اليه الولاية فلا اراه صحيحا لأن الولاية إنما هي للأولياء الاحياء ومن مات منهم انقطعت ولايته بموته فلا تثبت ولاية لوصيه في النكاح وأما اثبات الولاية للأمام ولمن يلي من جهته فلحديث عائشة عند أحمد وأبي دأود والترمذي وحسنه وابن حبان والحاكم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل فإن دخل بها فلها المهر لما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له"، ولهذا الحديث طرق وفيه انه لا ولاية للسلطان الا عند اشتجار الأولياء وإذا ثبتت له الولاية مع وجودهم مشتجرين فثبوتها مع عدمهم أولى.
قوله: "ثم توكل".
أقول: هذا لم يسمع في أيام النبوة ولا روى الإذن به ولهذا انه صلى الله عليه وسلم لما بعث يخطب ام سلمة قالت ليس أحد من أوليائي شاهدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس أحد من أوليائك شاهد ولا غائب يكره ذلك"، فقالت لابنها قم فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجه رواه أحمد "6/295، 213، 214، 217، 218"، والنسائي "3254"، وقد اعل هذا الحديث بما ذكرنا في شرح المنتقى ولم يأمرها صلى الله عليه وسلم لما قالت ليس أحد من أوليائي شاهدا ان توكل ولا أذن لها بذلك ولكنه إذا عدم الأولياء والسلطان ومن يلي من جهته صارت الحالة ضرورية للحاجة إلي معرفة رضاها بالزوج ثم العقد له ولعله يتوجه على من صلح لذلك ان يفعله من غير وكالة منها إذا قد رضيت بالزوج ولا سيما مع حديث:"لاتزوج المراة المراة ولا تزوج المراة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها"، أخرجه ابن ماجه "1882"، والدارقطني من حديث أبي هريرة. قال ابن حجر رجاله ثقات وقدا أعل بالوقف لكن لا في جميعه بل في قوله:"فإن الزانية"
الخ والموكلة لمن يزوجها مزوجة لنفسها لكنه أخرج أبو دأود عن عقبة بن عامر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: "أترضى أن أزوجك فلانة؟ "، قال: نعم، وقال للمرأة:"أترضين أن أزوجك فلانا؟ "، قالت: نعم فزوج أحدهما صاحبه والحديث رجاله ثقات الا عبد العزيز بن يحيى وهو صدوق يهم فقد يقال ان هذا توكيل من المراة ويمكن ان يقال انه صلى الله عليه وسلم إنما قال لها ذلك لمعرفة رضاها بالزوج المذكور وهو أولى بالمؤمنين من انفسهم.
قوله: "ويكفي واحد من أهل درجة".
أقول: هذا صحيح لأن الولي المعتبر في النكاح يكفي فيه الواحد وإذا تشاجروا فالولاية للسلطان كما تقدم.
وأما كونه لا يكفي في الملاك للأمة فلكون لكل واحد نصيب من المملوكة واذنه معتبر فيما هو ملك له لا يغنى عنه غيره.
وأما قوله: "وينتقل" الخ فهذا صحيح لأن الكافر مسلوب الأهلية ولهذا تزوج صلى الله عليه وسلم ام حبيبة وعقد لها غير أبيها أبي سفيان لأنه لم يكن قد سلم اذ ذاك.
وهكذا إذا كان الولي غائبا غيبة يضر بالمرأة انتظار عوده وأما مع تعذر مواصلته وخفاء مكانه فلا شك في ذلك إذا كان لا يرجى عوده وظهوره قبل مضى مدة تتضرر المرأة بالانتظار له فيها وهكذا إذا وقع منه عضل فإنه قد آذن بابطال حقه مع تعرضه لمخالفة النهي القرآني ولا بد من تقرر ذلك بوجه شرعي لا بمجرد قول المرأة
[فصل
وشروطه أربعة:
الأول: عقد من ولي مرشد ذكر حلال على ملتها بلفظ تمليك حسب العرف لجميعها أو بعضها أو إجازته قيل ولو عقدها أو عقد صغير مميز أو من نائبه غيرها وقبول مثله من مثله في المجلس قبل الاعراض ويصحان بالرسالة والكتابة ومن المصمت والأخرس بالاشارة واتحاد متوليهما مضيفا في اللفظين والا لزمه أو بطل ويفسده الشغار والتوقيت قيل بغير الموت واستثناء البضع والمشاع وشرط مستقبل ويلفو شرط خلاف موجبه غالبا.
الثاني: اشهاد عدلين ولو اعميين أو عبديهما أو رجل وامرأتين وعلى العدل التتميم حيث لاغيره وعلى الفاسق رفع التغرير وتقام عند المكتوب اليه وفي الموقوف عندالعقد.
الثالث: رضى المكلفة نافذا الثيب بالنطق بماض أو ما في حكمه والبكر بتركها حال
العلم بالعقد ما يعرف به الكراهة من لطم وغيره وان امتنعت قبل العقد أو تثيبت الا بوطء يقتضى التحريم أو غلط أو زنا متكررين.
الرابع: تعيينها بغشارة أو وصف أو لقب أو بنتى ولا غيرها أو المتوطأ عليها ولو حملا فإن تنافى التعريفان حكم بالاقوى] .
قوله: "فصل وشروطه أربعة الأول عقد من وليى" الخ.
أقول: الاحاديث الواردة في اعتبار الولي قد سردها الحاكم من طريق ثلاثين صحأبيا وفيها التصريح بالنفي كحديث أبي موسى عندأحمد وأبي دأود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححاه بلفظ: "لا نكاح الا بولي" فأفاد انتفاء النكاح الشرعي بانفاء الولي وما افاد هذا المفاد اقتضى أن ذلك شرط لصحة النكاح لأن الشرط ما يلزم من عدمه عدم المشروط كما تقرر في الاصول فكيف وقدا خرج أحمد وابو داود والترمذي وابن ماجه حديث عائشة الذي قدمناه وفيه: "أيما امرأة نكحت بغي إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل" وقد قدمنا حديث أبي هريرة: "أن المرأة لا تزوج المراة ولا تزوج المرأة نفسها" فالولي شرط من شروط النكاح التي لا يصح الا بها إذا كان موجودا والا فولاية ذلك إلي السلطان على ما تقدم وقد قدمنا أيضا ان ابن المنذر قال إنه لا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف في اعتبار الولي.
وأما قوله: "مرشد" فلكون غير المرشد لا يصلح لأمر نفسه فكيف يصلح لأمر غيره؟ وقد قدمنا في حديث ام سلمة انها امرت ابنها ان يزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بها حيث لم يحضر هنالك أحد من أوليائها وكان اذ ذاك صغيرا جدا ولكنه قد قيل انه لا أصل لهذه الزيادة اعني قولها لابنها يا عمر قم فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما اشتراط كون الولي ذكرا فلما قدمنا من حديث: "لا تزوج المراة المرأة ولا المرأة نفسها"، مع انه لا يشملها لفظ الولي المذكور في الاحاديث.
وأما اشتراط كونه حلالا فقد تقدم تحقيقه في الحج.
وأما كونه على ملتها فلكون الأحكام منقطعة بين المسلم والكافر في الميراث والولاية وغيرهما ولهذا زوج ام حبيبة من النبي صلى الله عليه وسلم غير أبيها أبي سفيان لأنه كان اذ ذاك مشركا.
قوله: "بلفظ تمليك".
أقول: ينبغي ان يكون هذا اللفظ الذي وقع به العقد بلفظ النكاح أو التزويج أو ما يفيد هذا المفاد مما يتعارف به الناس بينهم ولو لم يكن يفيد التمليك وما يفهم من الاعراف المصطلحة بين قوم مقدم على غيره لأن التفاهم بينهم هو باعتبار ذلك الاصطلاح ولم يأت في الكتاب والسنة ما يدل على انه لا يجزئ في هذا الا لفظ أو الفاظ مخصوصة وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال في الواهبة نفسها له لمن زوجه بها: "ملكتكها بما معك من القرأن"، [البخاري "9/190"،
مسلم "76/1425" أحمد "5/330"، 336"، أبو داود "2111"، النسائي "6/123"، الترمذي "1114"، ابن ماجة "1889"] ، وروى بلفظ: "زوجتكها"، [مسلم "77/1425"، وبلفظ: "زوجناكها"، [البخاؤري "9/90، 91"] ، وبلفظ: "أنكحناكها" [أحمد "5/330"] .
وأما قوله: "أو إجازته" فغير مسلم بل الظاهر ان العقدالواقع من غير الوي غير صحيح في نفسه فلا يصححه الاجازة وأما عقدالنكاح من نائب الولي فصحيح لان عقد نائبه كعقده فقد وقع على وجه من الابتداء.
قوله: "وقبول مثله".
أقول: لا يتم العقدا لا بالايجاب والقبول ولكن إذا تقدم السؤال كان مغنيا عن القبول كما في حديث: زوجنيها يا رسول الله، قال:"زوجتكها" وقد كان مثل هذا هو الغالب في أيام النبوة.
وأما قوله: "في المجلس قبل الاعراض" فلكون التراخي عن القبول حتى يتفرقا من المجلس يدل على عدم الرضا وهكذا إذا وقع الاعراض ولكنه إذا قبل بعدالمجلس أو بعد أن اعرض ولم يحصل من المتكلم بالايجاب ما يدل على رجوعه عن إيجابه فهو مقبول لعدم وجود دليل من شرع أو عقل يدل على انه لا حكم لما وقع بعدالمجلس أو بعد الاعراض إذا لم يرجع المتكلم بالايجاب عن ذلك.
وأما صحة العقد بالرسالة والكتابة ومن المصمت والاخرس بالاشارة فلا نزاع في مثله ولم يرد ما يدل على أنه لا بد ان يكون لفظا.
وأما كونه يصح اتحاد متوليهما مضيفا فلعدم ورود ما يدل على المنع من ذلك وأيضا قد قدمنا حديث عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: "أترضى أن أزوجك فلانة؟ " قال: نعم، وقال لمرأة:"أترضين أن أزوجك فلانا؟ " قالت نعم فزوج احدهما صاحبه.
قوله: "ويفسده الشغار".
أقول: الأحاديث الصحيحية الثابتة في الصحيحين وغيرهما من طريق جماعة من الصحابة فيها التصريح بالنهي عن الشغار وفيها التفسير له بأنه أن يزوج الرجل ابنته أو أخته من الرجل على أن يزوجه ابنته أو أخته وليس بينهما صداق وهذا التفسير روى موقوفا ومرفوعا والنهي حقيقة في التحريم المقتضى للفساد المرادف للبطلان.
وما ذكره من الفرق بين النهي لذات الشيء أو لجزئه أو لأمر خارج عنه هو مجرد رأي بحث ودعوى محضة بل كلها نهى عنه الشارع فقد منع العباد من قربانه والتلبس به وذلك هو معنى كونه غير مأذون فيه وغير شرعي وما كان كذلك فليس من أمره صلى الله عليه وسلم وما لم يكن من امره فهو رد وهذه التفرقة بين أقسام النهي صارت عصا يتوكأ بها من يريد دقع الدليل بمجرد القال والقيل وصارت ذريعة للمغالطة والمراوغة والهرب من الحق على أنه قد ورد ها هنا التصريح بنفي هذا النكاح كما في صحيح مسلم من حديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا شغار في
الإسلام" والنفي يتوجه إلي الذات حقيقة ولا مانع من ذلك لأن المراد الذات الشرعية وعلى تقدير وجود مانع فأقرب المجازين اليها نفي الصحة وبنفي الصحة يحصل المطلوب.
ولا يختص الشغار بالبنات والاخوات بل حكم غيرهن من القرائب حكمهن وقد حكى النووي الاجماع على ذلك.
قوله: "والتوقيت".
أقول: اعلم ان النكاح الذي جاءت به هذه الشريعة هو النكاح الذي يعقده الأولياء للنساء وقد بالغ الشارع في ذلك حتى حكم بأن النكاح الواقع بغير ولي باطل وكرر ثلاثا ثم النكاح الذي جاءت به هذه الشريعة هو الكاح الذي أوجب الشارع فيه إشهاد الشهود كما ثبت ذلك بالاحاديث ثم النكاح الذي شرعه الشارع هو النكاح الذي يحصل به التوارث ويثبت به النسب ويترتب عليه الطلاق والعدة وإذا عرفت هذا فالمتعة ليست بنكاح شرعي وإنما هي رخصة للمسافر مع الضروروة ولا خلاف في هذا ثم لا خلاف في ثبوت الحديث المتضمن للنهي عنها إلي يوم القيامة وليس بعد هذا شيء ولا تصلح معارضته بشيء مما زعموه وما ذكروه من انه استمتع بعض الصحابة بعدموته صلى الله عليه وسلم فليس هذا ببدع فقد يخفى الحكم على بعض الصحابة ولهذا صرح عمر بالنهي عن ذلك وأسنده إلي نهيه صلى الله عليه وسلم لما بلغه ان بعض الصحابة تمتع فالحجة إنما هي فيما يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا فيما فعله فرد أو أفراد من الصحابة وأما المرأوغة بان التحليل قطعي والتحريم ظني فذلك مدفوع بأن استمرار ذلك القطعي ظني بلا خلاف والنسخ إنما هو للاستمرار لا لنفي ما قد وقع فإنه لا يقول عاقل بأنه ينسخ ما قد فرغ من فعله ثم قد اجمع المسلمون على التحريم ولم يبق على الجواز الا الرافضة وليسوا ممن يحتاج إلي دفع اقوالهم ولا هم من يقدح في الاجماع فإنهم في غالب ما هم عليه مخالفون للكتاب والسنة ولجميع المسلمين قال ابن المنذر جاء عن الأوائل الرخصة فيها يعني المتعة ولا أعلم اليوم احدا يجيزها الا بعض الرافضة وقال القاضي عياض اجمع العلماء على تحريمها الا الروافض وقال ابن بطال واجمعوا الان على انه متى وقع يعني المتعة ابطل سواء كان قبل الدخول أو بعده وقال الخطابي تحريم المتعة كالاجماع الا عن بعض الشيعة.
قوله: "واستثناء البضع والمشاع".
أقول: العقد إذا وقع على وجه الصحة فهذا الاستثناء الذي يتضمن تحريم الحلال لاحكم له ولا عمل بما يقتضيه بل هو مدفوع ممنوع كما لو قال بعدالفراغ من العقد ولا يطؤها أولا ينظر اليها أو نحو هذه الامور التي لا ثبات لها في الشرع بل هي من افعال الجأهلين لسر الشريعة ولا فرق بين الاستثناء والشرط فإن الكل إذا تضمن تحليل الحرام أو تحريم الحلال كان باطلا ولهذا صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل"، [البخاري "4/369، 370"، مسلم "1504"، أبو داود "3929"، النسائي "6/164 – 165، 7/305، 306"، الترمذي"21424"، ابن ماجة "2512"، أحمد "6/81، 82، 183، 206، 213، 271، 272"]، فعرفت بهذا انه لا وجه لقوله واستثناء البضع والمشاع وشرط مستقبل وقد اصاب حيث قال: ويلغوا شرط
خلاف موجبه وليست هذه الشروط هي التي أمر الله بالوفاء بها كما في حديث "أحق الشروط:ن تفوا به ما استحللتم به الفروج"[البخاري "5/323"، مسلم "63/1418"، أحمد "4/144، 150"، أبو داود "2139"، الترمذي "1127"، النسائي "6/92، 93"، ابن ماجة "1954"] ، فإن هذا في الشروط التي لا تحلل حرأما ولا تحرم حلالا كأن يشترط لها ان يكون لها من الطعام كذا أو من الكسوة كذا أو شرط لها ان لا يكلفها شيئا من الاعمال ونحو ذلك.
قوله: "الثاني اشهاد عدلين".
أقول: في الباب أحاديث يقوى بعضها بعضا منها عند أحمد والدارقطني والبيهقي وشار اليه الترمذي وفي إسناده ابن محرر وهو متروك ولفظه: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل" ومنها عن عائشة مرفوعا بهذا اللفظ أخرجه الدارقطني والبيهقي ووفي إناده مقال ومنها عن ابن عباس بنحوه وقد روى مرفوعا وموقوفا ومنها عن أبي هريرة مرفوعا وموقوفا عندالبيهقي بلفظ: "لا نكاح إلا بأربعة: خاطب وولي وشاهدين" وفي إسناده ضعيف ومنها عن عائشة غير حديثها الأول عند الدارقطني بلفظ: "لا بد في النكاح من أربعة الولي والزوج والشاهدين" وفي إسناد مجهول وروى نحوه البيهقي في الخلافيات عن ابن عباس موقوفا وصححه ورواه ابن أبي شيبة عنه أيضا ومنها عن أنس أشار اليه الترمذي ومنها عن ابن عباس عند الترمذي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البغايا اللاتي ينكحن انفسهن بغير بينة"، ومنها عندالشافعي عن الحسن مرسلا كحديث عمر ان بن حصين ومنها عن أبي الزبير المكي ان عمر بن الخطاب اتى بنكاح لم يشهد عليه الا رجل وامراة فقال هذا نكاح السر ولا اجيزه ولو كنت تقدمت فيه لرجمت أخرجه مالك في الموطأ وظاهر الاحاديث المقتضية للنفي ان الاشهاد شرط للنكاح لا يصح بدونه لما قدمنا ان النفي حقيقة يتوجه إلي الذات الشرعية فيفيدارتفاعها بارتفاعه وذلك معنى الشرط وعلى فرض وجود قرينة تدل تمنع من اعتبار المعنى الحقيقي فنفي الصحة أقرب المجازين إلي الذات وذلك يفيدالشرطية أيضا قال الترمذي والعمل على هذا عند أهل العلم من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين وغيرهم قالوا لا نكاح الا بشهود لم يختلفوا في ذلك من مضى منهم الا قوم من المتأخرين من أهل العلم
وإنما اختلف أهل لعلم في هذا إذا شهد واحد بعد واحد فقال اكثر أهله العلم من الكوفة وغيرهم لا يجوز النكاح حتى يشهد الشاهدان معا عند عقدة النكاح وقد روى بعض أهل المدينة إذا شهد واحد بعد واحد فإنه جائز إذا اعلنوا ذلك وهو قول مالك ابن أنس وغيره وقال بعض أهل العلم يجوز شهادة رجل وأمرتين في النكاح وهو قول لأحمد وإسحاق انتهى كلام الترمذي.
وأما قوله: "وعلى العدل التتميم" فمبني على ان ذلك فرض كفاية على العدول ولا دليل يدل على ذلك.
وأما قوله: "وعلى الفاسق رفع التغرير" فلتصريح الاحاديث باعتبار العدالة فلا يجوز لمن علم من نفسه انه غير عدل ان يشهد على النكاح.
وأما كونها تقام عند المكتوب اليه وفي الموقوف عند العقد فلكون هذين المقامين هما اللذان ينجز عندهما النكاح ولا يضر توقف الموقوف على شيء آخر وهو الاجازة.
وقوله: "الثالث رضاء المكلفة" الخ
أقول: قد دلت الاحاديث الصحيحة على انه لا يتم نكاح الا برضا المنكوحة كما في حديث أبي هريرة في الصحيحين [البخاري "9/191"] ، وغيرهما [أبو داود "2092"، الترمذي "1107"، النسائي "6/85"، ابنن ماجة "1871"، أحمد "2/250، 279، 425، 434، 475"]، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا البكر حتى تسأذن"، قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: "أن تسكت"، وفي مسلم وغيره من حديث عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الثيت احق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها"، وأخرج البخاري "9/194"، وغيره أبو داود "2101"، النسائي "6/86"، ابن ماجة"1870"] ، عن خنساء بنت خدام الأنصارية ان أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك فاتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها والاحاديث في هذا الباب كثيرة وهي تفيد انه لا يصح نكاح من لم ترض بكرا كانت أو ثيبا.
قوله: "الرابع تعيينها" الخ.
أقول: هذا أمر لا بد منه ولولا ذلك لم يكن العقد على شيء يعقد ولا يسمى عقدا أو لا تثبت له أحكامه ويكون التعيين مما يفيد ذلك من ذكر اسم المنكوحة أو نسبها أو وصفها أو الاشارة اليها أوسبق التواطؤ عليها. وإذا تنافى التعريفان كان العمل على الاقوى منهما كما قال المصنف الا ان يعرف بقرينة حال أو مقال ان مطلوب الزوج هو ما تضمنه التعريف الاضعف فإن ذلك اليه ولا اعتبار بمجردا لالفاظ ونحوها إذا خالفت ما في النفس.
قوله: "ويصح موقوفا حقيقة أو مجازا".
أقول: العقد مثلا إذا وقع من الولي فزوج الخاطب ولم يكن قد وقع الرضا من المرأة فهذا عقد في الصورة إن أجازته كان عقدا صحيحا يستباح به وطؤها وإن لم تجزه كان وجوده كعدمه وهكذا إذا زوج الخاطب غير الولي.
والمراد من صحة كونه موقوفا على الاجازة انه لا يحتاج عندالاجازة إلي تجديد عقد آخر بل يكفي مجرد وقوعها وكان الظاهر ان العقدا لواقع بغير رضاء المرأة أو من دون ولي باطل لا حكم له ولا ينعقد من اصله وانه لا بد من عقدآخر عند رضاء المرأة أو عقد آخر من الولي ولكنه ثبت ما قدمناه عند البخاري وغيره من حديث خنساء بنت خدام الانصارية ان أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها فإن قوله فرد نكاحها يدل على ان العقد الذي قد كان وقع يسمى نكاحا وأنها لو رضيت به لم يحتج إلي تجديد.
ومن ذلك ما أخرجه أحمد "4/155"، وابو دأود "2096"، وابن ماجه "1875"،
والدارقطني بإسناد رجاله ثقات من حديث ابن عباس أن جارية بكرا اتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم فإن هذا التخيير يدل على أن العقدا لواقع قدن نفذ بإجازتها ولا يحتاج إلي تجديد.
ومن ذلك ما أخرجه أحمد باسناد رجاله ثقات وأخرجه أيضا الدارقطني عن ابن عمر قال توفي عثمان بن مظعون وترك ابنة له من خولة بنت حكيم بن اميه بن حارثة الأوقصى وأوصى إلي اخيه قدامة بن مظعون فخطبت إلي قدامة بن مظعون فزوجنيها ودخل المغيرة بن شعبة إلي امها فأرغبها في المال فحطت اليه وحطت الجارية إلي هوى امها فترافعوا إلي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "هي يتيمة ولا تنكح إلا بإذنها".
وكما تدل هذه الأحاديث على أن العقد يكون موقوفا على إلاجازة فهي تدل أيضا على ما ذكره المصنف من تخيير الصغيرة إذا بلغت ولا تحتاج في إثبات خيارها إلي قياسها على بريرة حيث خيرها النبي صلى الله عليه وسلم لما عتقت بين البقاء تحت زوجها أو فسخه.
ولا يقال أن ما وقع منه صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث هو كان قبل الدخول لأنا نقول الصغيرة لا حكم للرضا منها قبل بلوغها ولا يكون الدخول بها دليلا على أنها قد رضيت.
وإذا ظهر ذلك هذا عرفت أنه لا وجه لقوله إلا من زوجها ابوها كفئا لا يعاف فإن هؤلاء النساء المذكورات في هذه الأحاديث الثلأثة زوجهن اباؤهن بأكفانهن فإن العرب أكفاء لبعضهم البعض.
وأما الاستدلال على هذا الاستثناء بحديث: "أنت ومالك لأبيك" فغير مطابق لمحل النزاع ومما ينبغي أن يذكر ها هنا مع تلك الثلاثة الأحاديث حديث عبد الله بن بريرة عن أبيه قال جاءت فتاة إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت أن أبي زوجني ابن اخيه يرفع بن خسيسته قال فجعل الأمر اليها فقالت قد اجزت ما صنع ولكني اردت أن اعلم النساء أن ليس إلي الأباء من الأمر شيء أخرجه ابن ماجه برجال الصحيح وأخرجه أيضا أحمد والسنائي من حديث عبد الله بن بريدة عن عائشة وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الأمر اليها ولم يكن ذلك لعدم الكفاءة كما يفيده قولها ليرفع بي خسيسته فإن أباها قد زوجها بابن اخيه وهو كفء لها وإنما جعله اليها لعدم الرضا منها ولهذا نفذ العقد بإجازتها.
وأما قوله: "وكذا الصغير في الاصح" فقد استدل لهذا إلالحاق بالقياس وهو قياس قوي لاشتراكهما في كثير من الأحكام ولكنه يقال ها هنا فارق اقوى من هذا الجامع الذي كان به إلالحاق وهو أن الصغير عند بلوغه يملك الطلاق ويقدر على تخليص نفسه به بخلاف الصغيرة عند بلوغها فإنه لا مخرج لها من عقدة نكاح من صارت في عقده إلا بالفسخ.
وأما قوله: "ويصدق مدعي البلوغ بإلاحتلام فقط محتملا" فوجهه أنه لا يمكن إقامة البينة على هذا السبب المعدود من اسباب البلوغ بخلاف غيره من الأسباب فإن الحيض يمكن أن
تشهدالعدلة والعدلات على خروج لدم من الفرج وكذلك الانبات فإنه أمر يمكن مشاهدته والشهادة عليه وهكذا مقدار العمر فإنه يمكن قيام الشهادة عليه بأنه مولود في سنة كذا وان عمره إلي وقت التنازع كذا وهكذا الحبل فإن عظم البطن حركة الجنين فيه مما يمكن إقامة البيئة عليه فهذا وجه تخصيص المصنف للاحتلام مع الاحتمال.
[فصل
ومتى انفق عقدا وليين مأذونين مستويين لشخصين في وقت واحد أو أشكل بطلا مطلقا وكذا إن علم الثاني ثم التبس الا لإقرارها بسبق احدهما أو دخول برضاها]
قوله: "فصل ومتى اتفق عقدا وليين" الخ.
أقول: لا وجه لبطلانهما بل ينبغي ان يقال إن الامر مفوض إلي المرأة فمن اجازت عقده كان صحيحا وبطل الاخر ويدل على هذا ما قدمنا من الاحاديث في الفصل قبل هذا ويدل عليه أحاديث الاستئمار واحاديث الثيب احق بنفسها من وليها ولا ينافي هذا كونها قد أذنت لهما لأن من المعلوم أن إذنها لا ينصرف إلي ان يزوجها برجلين فإن ذلك معلوم البطلان.
وهكذا الكلام في قوله: "وكذا إن علم الثاني ثم التبس" وأما إذا علم المتقدم من العقدين فإنه يصح ويبطل الثاني ويدل على ذلك "أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول" كما أخرجه أبو دأود من حديث سمرة
[فصل
والمهر لازم للعقد لا شرط وإنما يمهر مال أو منفعة في حكمة ولو عتقها مما يسأوي عشر قفال خالصة لا دونها ففاسدة فيكمل عشرا وينصف كما سيأتي ولها فيه كل تصرف ولو قبل القبض والدخول والابراء من المسمى ملطقا ومن غيره بعد الدخول ثم إن طلق قبله لزمها مثل نصف المسمى ونحو ذلك وفي رده بالرؤية والعيب اليسير خلاف وإذا تعذر أو استحق فقيمته منفعة كان أو عينا] .
قوله: فصل: "والمهر لازم للعقد لا شرط".
أقول: لم يرد ما يدل على ان المهر شرط من شروط العقد أو ركن من أركانه وأما قوله سبحانه: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الممتحنة: 10] ،فالمراد ان المهر واجب
للمنكوحة لا يجوز مطلها منه ولو كان العقد لا يصح الا بالمهر لم يقل الله عز وجل: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236] ، فإن هذه الآية تفيد ان العقد قد يقع قبل فرض المهر ويؤيد هذا ما أخرجه أبو دأود وابن ماجه من حديث عائشة قالت امرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ادخل امراة على زوجها قبل ان يعطيها شيئا قال البيهقي وصله شريك وأرسله غيره ومثله ما أخرجه أبو دأود من حديث عقبة بن عامر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج امرأة من رجل ممن شهد بدرا ولم يفرض لها صداقا حتى إذا حضرته الوفاة قال إن زوجتي فلانة لم افرض لها صداقا وإني اشهدكم اني قد أعطيتها سهمي في خيبر فباعته بعدموته بمائة الف.
وأما ما أخرجه أبو دأود والنسائي والحاكم وصححه من حديث ابن عباس قال لما تزوج على فاطمة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعطها شيئا"، قال ما عندي شيء قال:"أين درعك الحطمية؟ "، وفي رواية لأبي داود ان النبي صلى الله عليه وسلم منعه حتى يعطيها شيئا فليس فيه ذكر المهر ولا ان هذا من المهر والا لزم ان لا يحل الدخول الا بعد تسليم المهر أو تسليم شيء منه وهو خلاف الاجماع.
قوله: "وإنما يمهر مال أو منفعة في حكمه".
أقول: أما المال فظاهر واليه ينصرف ما في الايات القرآنية والاحاديث النبوية وأما المنفعة فقد دل على ذلك حديث سهل بن سعدالثابت في الصحيحين وغيرهما انها جاءت امراة إلي النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك وفيه أنه قام رجل فقال زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل عندك من شيء تصدقها إياه؟ "، فقال ما عندي الا إزاري هذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن اعطيتها إزارك جلست لا ازار لك فالتمس شيئا"، فقال: ما أجد شيئا فقال: "التمس ولو خاتما من حديد"، فالتمس فلم يجد شيئا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"هل معك من القرآن شيء؟ "، قال: نعم سورة كذا وسورة كذا لسور يسميها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "قد زوجتكها بما معك من القرآن".
وأما ما رواه ابن أبي شيبة مرسلا عن أبي النعمان الازدي قال زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة على سور من القرأن فقال: "لا يكون لاحد بعدك مهرا"، فهو مع كونه مرسلا ففي إسناده من لا يعرف كما ذكره ابن حجر في الفتح.
وفي الباب عن أبي هريره عند أبي داود والسائي وعن ابن مسعود عند الدارقطني وعن ابن عباس عند أبي الشيخ وعن ضميرة عند الطبراني وعن أنس عند البخاري وعن أبي أمامة عند تمام في فرائده وعن جابر عند أبي الشيخ وكلها متضمنة لما في حديث سهل بن سعد.
قوله: "ولو عتقها"،
أقول: هذا شرع ثابت وفيه حديث أنس في الصحيحين [اليخاري "1/480"، مسلم
"84/1365"] ، وغيرهما أبو داود "2054"، الترمذي "1115"، النسائي "6/114"، ابن ماجة "1957"] ، ان النبي صلى الله عليه وسلم اعتق صفية وتزوجها فقال له ثابت ما اصدقها قال نفسها اعتقها وتزوجها وفي لفظ للبخاري وجعل عتقها صداقها.
قوله: "مما يساوي عشر قفال" الخ.
أقول: لم يثبت في هذا شيء تقوم به الحجة وقد قدمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "التمس ولو خاتما من حديد"، فينبغي ان يكون ما في هذا الحديث هو اقل المهر ويؤيده ما أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه من حديث عامر بن ربيعة ان امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أرضيت من نفسك ومالك بنعلين؟ " قالت: نعم، فأجازه.
وأخرج أحمد وابو دأود من حديث جابر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو أن رجلا أعطى امرأة صداقا ملء يديه طعأما كانت له حلالا"، وفي إسناده موسى بن مسلم وقيل مسلم بن رومان وهو ضعيف.
وبهذا يتضح لك انه لا وجه لجعل تسمية ما دون العشر فاسدة ولا لوجوب التكميل عشرا وأما ما ذكره من جواز تصرفها فيه وابرائها منه فلكونه قد صار ملكا لها وهذا شأن كل ملك يملكه الإنسان والفرق بين عموم التصرف وخصوص الابراء مجرد رأي يرجع إلي قواعد قد ذكروها ليس عليه أثارة من علم.
وأما رد المهر بالرؤية والعيب فلها ذلك لأنه مال استحقته بالشرع فلا يلزمها قبوله على غير الصفة التي ترتضيها ما لم يكن الرد تعنتا بلا سبب فليس لها ذلك وإذا تعذر أو استحق حتى لم يمكن الظفر بالعين ولا بما يماثلها فليس لها الا القيمة وذلك غاية ما يمكن فلا يجب عليه غيره.
[فصل
ومن سمى مهرا تسمية صحيحية أو في حكمها لزمه كاملا بموتهما أو احدهما بأي سبب وبدخول أو خلوة الا مع مانع شرعي كمسجد أو عقلي فيهما أو فيها مطلقا أو فيه يزول ونصفه فقط بطلاق أو فاسخ قبل ذلك من جهته فقط لا من جهتهما أو من جهتها فقط حقيقة أو حكما فلا شيء ومن لم يسم أو سمى تسمية باطلة لزمه بالوطء فقط مهر مثلها في صفاتها من قبل أبيها ثم امها ثم بلدها وللأمة عشر قيمتها وبالطلاق المتعة ولا شيء بالموت الا الميراث ولا بالفسخ ملطقا] .
قوله: فصل: "ومن سمى مهرا تسمية صحيحة" الخ.
أقول: حديث أن امراة تزوجها رجل ثم مات عنها ولم يفرض لها صداقا ولم يكن دخل بها فقال عبد الله بن مسعود ارى لها مهر نسائها ولها الميراث وعليها العدة فشهد معقل بن سنان الاشجعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في بروع ابنة واشق بمثل ما قضى أخرجه أحمد وأهل السنن والحاكم وابن حبان والبيهقي وصححه الترمذي وابن مهدي وغيرهما فيه دليل على ثبوت المهر بالموت بطريق الأولى لأنه إذا ثبت مع عدم التسمية يثبت معها بفحوى الخطاب فهذا الحديث يكفي في الاستدلال به على ان الموت يجب به المهر والميراث.
وأما قوله سبحانه: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] ، فلا معارضة بينه وبين هذا الحديث لأن هذا الحديث في الموت والاية في الطلاق وقياس الموت على الطلاق قياس في مقابلة النص وهو فاسد الاعتبار والحديث صحيح وله شواهد ولم يصب من اعله بالاضطراب وبين الاضطراب بأنه روى مرة عن معقل بن سنان ومرة عن رجل من اشجع أو ناس من اشجع وقيل غير ذلك قال البيهقي قد سمى فيه معقل بن سنان وهو صحابي مشهور والاختلاف فيه لا يضر فإن جميع الروايات صحيحة وفي بعضها ما دل على ان جماعة من اشجع شهدوا بذلك.
وأما ما روي عن الشافعي انه قال إن صح حديث بروع بنت واشق قلت به فقد قال الحاكم قال شيخنا أبو عبد الله لو حضرت الشافعي لقمت على رءوس الناس وقلت قد صح الحديث فقل به.
قوله: "وبدخول أو خلوة".
أقول: أما الدخول فظاهر ولا خلاف فيه والنصوص متطابق عليه وأما الخلوة فلم يكن في المقام ما ينتهض للاحتجاج به ولم يصح من المرفوع ما تقوم به الحجة وأما اقوال بعض الصحابة فلا حجة فيها ولاس يما مع اضطرابها واختلافها وقد قال عز وجل: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] ، فإن كان المراد بالمس الجماع فظاهر ان الخلوة ليست بجماع وإن كان المس اعم من الجماع وهو وضع عضو منه على عضو منها فليست الخلوة المجردة مسا وإن أرخى عليها مائة ستر ونظر إليها ألف نظرة.
وإذا عرفت هذا فلا حاجة بنا إلي التكلم على الخلوة الصحيحة والفاسدة.
قوله: "ونصفه بطلاق أو فاسخ قبل ذلك".
أقول: أما استحقاق النصف بالطلاق فبقوله عز وجل: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} وأما استحقاقه بالفسخ فقيل قياسا على الطلاق بجامع العقد والتسمية وفي النفس من هذا القياس شيء ثم في النفس أيضا من كون الموجب لذلك
هو الفسخ من جهته فقط ويمكن ان يقال إن الزوج لما اختار إخراجها عن عقد نكاحه بالفسح كان ذلك كالطلاق منه بخلاف ما لو كان الفسخ من جهتها أو جهتهما معا.
قوله: "ومن لم يسم أو سمى تسمية باطلة لزمه بالوطء فقط مهر مثلها في صفاتها".
أقول: أما لزوم المهر بالوطء فأمر أوضح من شمس النهار لأنه بما استحل من فرجها وأما كون اللازم مهر المثل فقد قدمنا في حديث معقل بن سنان في أول هذا الفصل ان النبي صلى الله عليه وسلم قضى في بروع بنت واشق بأن لها مثل نسائها حيث لم يفرض لها زوجها صداقا وهو دليل قوى ومستند سوى ومتمسك جلي ولفظ نسائها يقتضي ان الاعتبار بمهر قرائبها لأنهن اخص من يضاف اليها واخصهن قرائبها من قبل الاب ثم من قبل الام ثم سائر النساء المماثلات لها في المنصب والمسكن والقبيلة لان بينها وبينهن ملابسة مصححة للإضافة.
وقوله: "وللأمة عشر قيمتها".
أقول: ليس هذا مرجع إلي رواية صحيحة ولا رأي مقبول وما قبل من انه قياس على مهر بناته صلى الله عليه وسلم وزوجته وكان جملة مهر كل واحدة خمسمائة درهم وهو عشر الدية فلزم للأمة عشر قيمتها فهذا غلط فإن الدية عشرة آلاف درهم وعشرها الف لا خمسمائة فالظاهر انه يرجع في مهور الاماء إلي مهر امثالهن إن وجدن والا فالرجوع إلي نصف مهر غالب الحرائر أولى لوقوع التنصيف للعبيد والاماء في كثير من الأحكام.
قوله: "وبالطلاق المتعة".
أقول: تمتيع المطلقة قبل الدخول ثابت بقوله عز وجل: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} [الأحزاب: 49]، فهذه الآية فيها الامر بالمتعة للمطلقة قبل الدخول فأفاد ذلك الوجوب ودل على ذلك أيضا قوله تعالي:{لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 237]، قدره فهذا الامر يدل أيضا على الوجوب فمن قال بأن المتعة لا تجب الا للمطلقة قبل الدخول إذا لم يفرض لها الزوج فريضة لا إذا فرض لها فريضة فإنها تستحق نصف ما فرض لها بقوله تعالي:{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] ، فعلله أراد الجمع فيكون هذا جمعا بين هذه الايات.
وأما قوله سبحانه: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 241] ، فظاهرها إيجاب المتعة لكل مطلقة مدخولة أو غير مدخولة مع الفرض ومع عدمه وقد ذهب إلي ذلك جماعة من السلف ووجهه انها عامة لكل مطلقة والتنصيص على غير المدخولة التي لم يفرض لها صداق تنصيص على بعض أفراد العام فلا ينافى بقية الأفراد ويمكن ان يجيب عن هذا من خصص الوجوب بغير المدخولة التي لم يفرض لها صداق بأن الايتين قد اشتملتا على قيدين لهما مفهوم معمول به فيقيد بهما هذه الآية العامة ومجموع هذه الايات قد دلت على
وجوب المتعة دلالة واضحة بينة بالامرين في الايتين الأوليين وبقوله: {حَقّاً} في الآية الثالثة. ولم يبق بيد من قال بعدم الوجوب الا مجرد المرأوغة والمغالطة.
قوله: "ولا شيء بالموت الا الميراث".
أقول: قد قدمنا في أول هذا الفصل حديث معقل بن سنان الاشجعي وهو نص في محل النزاع ودلالته على وجوب مهر المثل كاملا والميراث إذا مات الزوج قبل الدخول أوضح من شمس النهار ولم يأت من ذهب إلي خلافه بشيء يعتد به والمصير إلي القياس مع وجود النص مدفوع بلا خلاف بين طائفتي المثبتين للقياس والنافين للعمل به.
قوله: "ولا الفسخ مطلقا".
أقول: أي لا مهر ولا متعة ولا ميراث أما عدم ايجاب المهر فلأن الله سبحانه إنما شرعه للمطلقات وأما عدم المتعة فلتصريح الايات القرآنية بأنها للمطلقات وأما عدم الميراث فلكون حديث معقل واردا في الموت فمن قال بإيجاب شيء من هذه في الفسخ لم يكن له دليل الا مجرد القياس على الطلاق وعلى صحة هذا القياس فهو لا يكون الا في الفسخ من جهة الزوج لأنه وقع بالفسخ التسريح كما يقع بالطلاق ولكن الآية التي اثبتت نصف المهر بالطلاق قبل الدخول مصرحة بوقوع الفريضة فقال عز وجل: {وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 237] ، وهذه المفسوخة لم يفرض لها.
والحاصل انه لا بد من وجود المقتضى للإيجاب على الزوج سالما عن شوائب الدفع والمنع والنقص ومن لم يقل بالشيء لعدم وجودا لدليل فقد سلك الطريق البينة والمهيع الواضح.
[فصل
وتستحق كل ما ذكر في العقد ولو لغيرها أو بعده لها ويكفي في المراز ذكر القدر والناحية وفي غيرها الجنس فيلزم الوسط وما سمى بتحيير تعين الاقرب إلي مهر المثل غالبا وبجمع تعين وإن تعدى مهر المثل ومن مريض لم يتمكن بدونه فإن بطل أو بعضه ولو غرضا وفيت مهر المثل كصغيرة سمى لها غير أبيها دونه أو كبيرة بدون رضاها ولو ابوها أو بدون ما رضيت به أو لغير من اذنت بالنقص له مع الوطء في الكل قيل والنكاح فيها موقوف لا ينفذ الا باجازة العقد غير مشروط يكون المهر كذا وكالشرط اجزنا العقد لا المهر وكالاجازة التمكين بعد العلم] .
قوله: فصل: "وتستحق كل ما ذكر في العقد ولو لغيرها أو بعده لها".
أقول: قد دل على هذا ما أخرج أحمد "2/182"،وابو دأود "2129"،والنسائي
"6/120"،وابن ماجه "1955"] ، من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدة قبل عصمة النكاح فهو لها وما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطيه وأحق ما يكرم عليه الرجل ابنته وأخته"، وليس في هذا الحديث مقال الا ما يروى في قول عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وقد وقع العمل بحديثه في كثير من الأبواب وحسنه من حسنه في مواضع ومن دون عمرو بن شعيب ثقات وفيه دلالة على ان جميع ما ذكر قبل العقد أو حاله يكون مستحقا للمرأة وأما بعده فيكون لمن جعل له من الأولياء إذا لم يجعل للمرأة ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث:"وأحق ما يكرم عليه الرجل ابنته وأخته"، وما كان للمصنف رحمه الله ان يخص ذكر المراز من بين أنواع الارض وكان ينبغي له ان يقول ويكفي في الارض.
وأما لزوم الوسط فظاهر وهكذا لزوم الاقرب إلي مهر المثل فيما سمى بتخيير وهكذا لزوم الجميع فيما سمى بجمع لأن ذلك هو مقتضى الصيغة الجامعة ولا فائدة للتنصيص على نفوذه من المريض فإن تصرفه في ماله باق ما دام حيا أما من الجميع أو من الثلث ولا وجه للزوم مهر المثل إذا بطل المسمى أو بعضه بل يلزم قدر قيمة المسمى سواء كان فوق مهر المثل أو دونه لأن الولي والمرأة إنما رضيا بالمسمى فكان الرجوع إلي قيمته هو المتعين.
وأما الصغيرة التي سمى لها غير أبيها دون مهر المثل فلا شك ان لها المطالبة بالتوفية اليه الا ان يكون ذلك لمصلحة راجحة لها في الحال كأن تكون محتاجة إلي النفقة أولا يوجد من يقوم بمالها الا بدون مهر المثل فإنه لا يجوز لها المطالبة بعد ذلك بالتوفية إلي مهر المثل وأما إذا لم يكن ذلك لمصلحة فلها المطالبة ولو كان الذي زوجها بدون مهر المثل هو ابوها فالمدار في هذا على المصلحة.
وأما الكبيرة إذا سمى لها وليها دون مهر المثل بغير رضاها أو بدون ما رضيت أو لغير من اذنت بالنقص له فهي على حجتها ولها المطالبة بالتوفية إلي مهر المثل وهذا ظاهر ولا وجه لقوله مع الوطء في الكل بل لها المطالبة على كل حال ولكنه بنى على ما تقدم له من ان مهر المثل مع عدم التسمية لا يستحق الا بالوطء ولا وجه لقول من قال إن النكاح في هذه الصورة موقف ولا لما تفرع عليه.
[فصل
ولها الامتناع قبل الدخول برضا الكبيرة وولى مال الصغيرة حتى يسمى ثم حتى يعين ثم حتى يسلم ما لم يؤجل وما سماه ضمنه وناقصه حتى يسلم لا الزيادة الا بجنايته أو تغلبه فإن وطيء قبله المصدقة جهلا لزمه مهرها ولا حد ولا نسب ولا تصير ام ولد
وتخير بين عينيهما أو قيمتهما ومهر المثل ثم إن طلق قبل الدخول عادت له انصفاهما فيعتق الولد ويسعى بنصف قيمته لها] .
قوله: فصل: "ولها الامتناع" الخ.
أقول: المهر من الاموال التي استحت بها الفروج وقد وصانا المصدوق الصادق بالوفاء بها للنساء فلا شك ولا ريب ان لها الامتناع حتى يسلم اليها لأن المطالبة بهذا مطالبة بحق لا بباطل وهو من تمام الامساك بمعروف ولا يمنع حصول الرضا منها بالتأجيل جواز المطالبة بالتسليم فذلك حق لها وحصول الرضا منها في وقت لا يمنع من المطالبة من بعد وإذا كان هذا في الرضا منها فلها المطالبة فيما رضى الولي بتأجيله بلا شك ولا شبهة لأنه لا يجوز للولي ان يقطع عليها حقا هو لها الا إذا كان ذلك لمصلحة كما قدمنا وسيأتي الكلام على لزوم التأجيل إذا كان في عقد وفيه ما سيأتي إن شاء الله.
ولا شك في ضمان الزوج لما نقص من المسمى وأما ما حصل من زيادة فيه كالنتاج والغلة فهو لديه كالوديعة لا يضمن الا بجناية أو تفريط أو غصب.
وأما وطء المصدقة جهلا فله حكم الوطء لشبهة وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالي.
[فصل
ولا شيء في افضاء الزوجة صالحة بالمعتاد لا بغيره أو غيرها كارهة فكل الدية ان سلس البول الا فثلثها مع المهر لها وللمغلو بها ونحوهما ونصفه لغيرهما مكرهة بكرا بالمعتاد وبغيره كله.
قوله: فصل: "ولا شيء في إفضاء الزوجة" الخ.
أقول: وجهه ان الشارع قدا ذن بمطلق الوطء للأزواج فمن وطيء صالحة بالعضو المعتاد فهو لم يفعل الا ما اذن له به الشرع وليس فيما اذن به الشرع مغرم الا بدليل ولا دليل لكن لا بد ان تكون المباشرة على الوجه المعتاد أما إذا كانت على وجه لا يفعله الازواج فهو معتد بمجرد ذلك.
وأما التقييد بكونها صالحة فلكونه قد علم من مقاصد الشرع ان من كانت في سن صغيرة بحيث لا يحتمل مثلها الوطء انه لا يجوز للزوج مباشرتها لما ورد من المنع من الضرار وتأليم الغير واحترام بدنه الا بحقه ولم يكن جماع الصغيرة من الحق المأذون به.
وأما التقييد لذلك بكونه بالعضو المعتاد فظاهر لأن ذلك هو المعروف الذي وقع الاذن به دون ما عداه.
وأما إيجاب الدية لمن وقع الافضاء بها بغير المعتاد من الزوجات أو لمن كانت من غير الزوجات فلكون ذلك جناية ولزوم ارشها داخل في العمومات ولكن كون الارش الدية مع سلسل البول والثلث مع عدمه هو مجرد رأي لم يدل عليه دليل وسيأتي الكلام في كتاب الجنايات إن شاء الله.
وفي ايجاب المهر لغير الزوجة مع الارش نظر وأما إيجابه للمغلوط بها ونحوها فظاهر لأنه قد استحل فرجها لشبهة فكان عليه ما يلزم في الفروج الحلال ولا وجه لايجاب النصف لغير الزوجة والمغلوط بها بل ذلك زنا يوجب الحد على الفاعل وهي مع الكراهة لا حد عليها وأما إذا كان إدهاب بكارتها بغير وطء فذلك جناية ولها حكمها.
[فصل
ويترادان على التراخي بالتراضي والا فبالحاكم قبل الرضا بالجنون والجذام والبرص وان عمهما وبالرق وعدم الكفاءة ويردها بالقرن والرتق والعفل وترد بالجب والخصى والسل وإن حدثت بعد العقد لا بعد الدخول الا الثلاثة الأول ولا يرجع بالمهر الا على ولي مدلس فقط ويفسخ العنين بعد إمهاله سنة شمسية غير ايام العذر.
قوله: فصل: "ويترادان على التراخي بالتراضي" الخ.
أقول: من قال إنه يجوز للزوج تسريح زوجته وأخراجها عن عقدة نكاحه بهذا السبب الذي هو الفسخ فهو محتاج إلي دليل يدل على ذلك وهكذا من قال إن للمرأة ان تخلص نفسها من عقد الكاح الواقع عليها بهذا السبب الذي هو الفسخ لم يقبل منه ذلك الا بدليل.
أما الطرف الأول فلم يثبت في ذلك مرفوعا إلي النبي صلى الله عليه وسلم الا ما أخرجه أحمد من حديث كعب بن زيد أو زيد بن كعب ان النبي صلى الله عليه وسلم تزوج امراة من بني غفار فلما دخل عليها فوضع ثوبه وقعد على الفراش ابصر بكشحها بياضا فانحار عن الفراش ثم قال خذي عليك ثيابك ولم يأخذ مما آتاها شيئا وأخرجه سعيد بن منصور في سننه وقال عن زيد بن كعب بن عجرة ولم يشك وقد أخرجه على الشك ابن عدي والبيهقي وأخرجه من حديث كعب بن عجرة الحاكم في المستدرك وأخرجه أبو نعيم من حديث ابن عمر وكذلك أخرجه البيهقي وفي إسنادالحديث الأول جميل بن زيد وهو ضعيف قال جميل بن زيد حدثني شيخ من الانصار ذكر انه كانت له صحبة يقال له كعب بن زيد أو زيد بن كعب فعلى تقدير ان هذه الاحاديث يشهد بعضها لبعض ليست بنص في محل النزاع فإن لفظ: "خذي عليك ثيابك" أو الحقي بأهلك هما يصلحان للطلاق ويحتملانه والمحتمل لا تقوم به الحجة.
وأما ما رواه الدارقطني عن عمر بن الخطاب انه قال: "أيما امرأة غر بها رجل بها جنون أو
أو جذام أو برص فلها مهرها بما أصاب منها وصداق الرجل على من غره" وأخرجه مالك في الموطأ والشافعي من طريق مالك وابن أبي شيبة قال ابن حجر في بلوغ المرام ورجاله ثقات فلا يخفاك انه قول صحأبي لا تقوم بمثله الحجة ومثله ما رواه سعيد بن منصور عن علي بن أبي طالب.
وأما الطرف الثاني فليس فيه الا حديث بريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم خيرها لما عتقت وكان زوجها عبدا وهو حديث صحيح وغايته الدلالة على جواز فسخ الامة إذا عتقت لنكاح زوجها إذا كان عبدا لأنها عند ذلك قد ملكت نفسها والحاق غيرها بها الحاق مع الفارق.
وبهذا تعرف انه لا حاجة بنا إلي الكلام على هذه العيوب المذكورة في هذا الفصل وهكذا الفسخ بالعته لم يكن فيه شيء من المرفوع ولا تقوم الحجة بقول الصحابة.
[فصل
والكفاءة في الدين ترك الجهاز بالفسق ويلحق الصغير بأبيه فيه وفي النسب معروف وتغتفر برضا الاعلى والولي قيل الا الفاطمية ويجب تطليق من فسقت بالزنا فقط ما لم تتب] .
قوله: فصل: "والكفاءة في الدين ترك الجهاز بالفسق".
أقول: الكفاءة في الدين معتبرة اتفاقا كما حكاه ابن حجر في الفتح ويدل على ذلك قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]، وقوله تعالي:{الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 3]، ويدل عليه أيضا ما أخرجه الترمذي وحسنه عن أبي حاتم المزني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الارض وفساد كبير"، قالوا: يا رسول الله وإن كان فيه قال: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه"، ثلاث مرات.
ونقل المنأوي عن البخاري انه لم يعده محفوظا وعده أبو دأود في المراسيل واعله ابن القطان بالارسال وضعف رواته ويؤيده ما أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا خطب اليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إن لا تفعلوا تكن فتنة في الارض وفساد عريض"، وفي الحديثين دليل على ان ما لا برضى دينه لا يزوج وذلك هو معنى الكفاءة في الدين والمجاهر بالفسق ليس بمرضى الدين.
قوله: "وفي النسب معروف".
أقول: استدل على اعتبار الكفاءة في النسب بما أخرجه ابن ماجه بإسناد رجاله رجال
الصحيح من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه ان فتاة جاءت إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت ان أبي زوجني ابن اخيه ليرفع بي خسيسته قال فجعل الامر اليها فقالت قداجزت ما صنع أبي ولكن اردت ان اعلم النساء انه ليس إلي الاباء من سبيل وأخرجه أحمد والنسائي من حديث ابن بريدة عن عائشة ومحل الحجة منه قولها ليرفع بي خسيسته فإن ذلك مشعر بانه غير كفء لها 2 ولا يخفى ان هذا إنما هو من كلامها وإنما جعل النبي صلى الله عليه وسلم الامراليها لكون رضاها معتبرا فإذا لم ترض لم يصح النكاح سواء كان المعقود له كفء أو غير كفء وقد قدمنا الكلام في اعتبار الرضا وأيضا هو زوجها ابن اخيه وابن عمر المراة كفء لها.
واستدل على اعتبار الكفاءة في النسب بما أخرجه أحمد والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم من حديث بريدة مرفوعا: "إن أحساب أهل الدنيا الذين يذهبون إليه المال"، وبما أخرجه أحمد والترمذي وصححه هو الحاكم من حديث سمرة مرفوعا:"الحسب المال والكرم التقوى"، ويحتمل ان يكون المراد ان هذا هو الذي يعتبره أهل الدنيا كما صرح به في حديث بريدة وان هذه حكاية عن صنيعهم واغترارهم بالمال وعدم اعتدادهم بالدين فيكون في حكم التوبيخ لهم والتقريع.
وأما ما أخرجه الحاكم عن ابن عمر انه صلي الله عليه وسلم قال: "العرب أكفاء بعضهم لبعض قبيلة لقبيلة وحي لحي ورجل لرجل الا حائك أو حجام"، فقد ذكر الحافظ أنهموضوع وقد أوضحنا الكلام عليه في كتابنا في الموضوعات الذي سميناه الفوائد المجموعة في الاحاديث الموضوعة.
وأما ما أخرجه الترمذي عن علي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث لا تؤخر: الصلاة إذا أتت والجنازة إذا حضرت والأيم إذا وجدت لها كفئا"، فليس في هذا الحديث ما يدل على اعتبار الكفاءة في النسب بل يحمل على ان المراد إذا وجدت لها كفءا ترضى خلقه ودينه كما في الحديثين السابقين.
وما حديث: "خياركم في الجأهلية خياركم في الإسلام"، [البخاري "6/525"، مسلم "2838"] ، فليس فيه دلالة على المطلوب لأن إثبات كون البعض خيرا من بعض لا يسلتزم ان الادنى غير كفء للأعلى.
وهكذا حديث: "إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى من كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم" فإن هذا الاصطفاء لا يدل على ان الادنى غير كفء للأعلى وقد ثبت أنه صلي الله عليه وسلم زوج مولاء زيد بن حارثة بزينب بنت جحش القرشية وزوج أسامة بن زيد بفاطمة بنت قيس القرشية وزوج عبد الرحمن بن عوف بلالا بأخته وأخرج أبو دأود أن أبا هند حجم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا بني بياضة أنكحوا أبا هند وانكحوا إليه"، وأخرجه أيضا الحاكم وحسنه ابن حجر في التلخيص.
وأخرج البخاري "9/131"، وغيره النسائي "6/63، 64"، أبو داود "2061" عن عائشة ان أبا
حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبدشمس وكان ممن شهد بدرا مع النبي صلى الله عليه وسلم تبنى سالما وأنكحه ابنة اخيه الوليد بن عتبة بن ربيعة وهو مولى امرأة من الانصار.
وإذا تقرر لك هذا عرفت ان المعتبر هو الكفاءة في الدين والخلق لا في النسب لكن لما اخبر صلى الله عليه وسلم بان حسب أهل الدنيا المال وأخبر صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الصحيح "مسلم "3/45"، عنه ان في امته ثلاثا من أمر الجأهلية الفخر بالاحساب والطعن في الانساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة كان تزويج غير كفء في النسب والمال من اصعب ما ينزل بمن لا يؤمن بالله واليوم الاخر ومن هذا القبيل استثناء الفاطمية من قوله ويغتفر برضا الاعلى والولي وجعل بنات فاطمة رضي الله عنها أعظم شرفا وأرفع قدرا من بنات النبي صلى الله عليه وسلم لصلبه فيا عجبا كل العجب من هذه التعصبات الغريبة والتصلبات على أمر الجأهلية.
واعجب من هذا كله ما وقع للجلال من نقل الاكاذيب المفتراة في شرحه لهذا الموضع وهو مصداق ما اخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ان تلك الخصال المذكورة في الحديث السابق كائنة في أمته وانها لا تدعها امته في جأهلية ولا إسلام كما وقع في الصحيح وإذا لم يتركها من عرف انها من امور الجأهلية من أهل العلم فكيف يتركها من لم يعرف ذلك والخير كل الخير في الانصاف والانقياد لما جاء به الشرع ولهذا أخرج الحاكم في المستدرك وصححه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهقال: "أعلم الناس أبصرهم بالحق إذا اختلف الناس".
قوله: "ويجب تطليق من فسقت بالزنا ما لم تتب".
أقول: إذا كان الاستمرار على نكاح الزانية كابتدائه كان قوله عز وجل: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 3] ، دليلا على تحريم إمساك من زنت ووجوب تطليقها ولكن في الحديث الصحيح "ابن ماجة 1851"، الترمذي "1163"، "واتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم"، حتى قال:"إلا ان يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا"، بدل على جواز إمساك الزانية بعد هجرها وضربها لأن الظاهر ان الفاحشة المبينة هي الزنا.
وأما ما أخرجه أبو دأود والنسائي من حديث ابن عباس ان رجلا جاء إلي النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن امرأتي لا ترد يد لامس فقال: "غربها" فقال: أخاف أن تتبعها نفسي قال: "فاستمتع بها إذن"، فعلى تقدير ثبوت الحديث وصلاحيته للحجية وان المراد بقوله: لا ترد يد لامس الكنابة عن الزنا يكون دليلا على جواز الامساك مع مزيد محبة الزوج لها وعدم صبره على فراقها.
فإن قلت فما الجمع بين هذه الآية المصرحة بالتحريم وبين ما في هذين الحديثين قلت باحد وجهين أما حمل الآية على ابتداء النكاح دون الاستمرار عليه وأما تخصيص تحريم امساك بمن لا ينجع فيها هجر ولا ضرب ولا تتبعها نفس زوجها وهذا كله إنما هو في الزوجات وأما الاماء المملوكات فقد ثبت في الصحيح "البخاري"4/369"، مسلم "1703"، الترمذي "4470، 4471"،
عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا زنت امة احدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم قال في الثالثة: فليبعها ولو بحبل من شعر".
[فصل
وباطله ما لم يصح إجماعا أو في مذهبهما أو احدهما عالما ويلزم فيه بالوطء فقط مع الجهل الاقل من المسمى ومهر المثل ويلحق النسب بالجأهل وإن علمت ولا حد عليه ولا مهر وفاسده ما خالف مذهبهما أو احدهما جأهلين ولم يخرق الاجماع وهو كالصحيح الا في الاحلال والاحداد والاحصان واللعان والخلوة والفسخ والمهر] .
قوله: فصل: "وباطله" الخ.
أقول: باطل النكاح ما جاء الشرع بابطاله كما في المرأة المنكوحة بغير إذن وليها وبغير وقوع الرضا منها أو وقع التصريح في الكتاب أو في السنة الصحيحية بتحريمه ولا اعتبار بمذهب الزوجين أو احدهما فإن ذلك مما لا تعويل عليه بل الاعتبار بما تقرر في الشرع.
لا في المذهب وأما الفرق بين الفاسد والباطل فاصطلاح مجرد لا يجوز ان ينبني عليه أحكام الشرع.
وأما لزوم المهر فهو بما استحله من فرجها.
وأما لحوق النسب فلا بد من دليل على ذلك الا إذا جعل الجهل مثبتا للفراش مع كون الوطء وطء شبهة.
وأما عدم وجوب الحد فلكونه يدرأ بالشبهات والجهل شبهة.
وهذا الفصل مبني على مجرد الرأي الذي ليس عليه اثارة من علم والحق الحقيق بالقبول هو ما ذكرناه.
[فصل
وما عليها الا تمكين الوطء صالحة خالية حيث يشاء في القبل ولو من دبر ويكره الكلام حاله والتعري ونظر باطن الفرج وعليه مؤن التسليم والتسوية بين الزوجات غالبا في الانفاق الواجب وفي الليالي والقيلولة في الميل وللأمة نصف ما للحرة وتؤثر الجديدة الثيب بثلاث والبكر بسبع إن لم يتعداها برضاها واليه كيفية القسم إلي السبع باذنهن ويجب قضاء ما فات ويجوز هبة النوبة والرجوع والسفر بمن شاء والعزل عن الحرة برضاها
وعن الامة مطلقا ومن وطيء فجوز الحمل ثم مات ربيبه ولا مسقط للإخوة لأم أو لا حاجب لها كف حتى يتبين] .
قوله: فصل: "وما عليها الا تمكين الوطء"،
أقول: لا ريب ان نساء الصحابة في أيامه صلى الله عليه وسلم كن يقمن بعمل البيوت واصلاح المعيشة بل قد كان نساؤه صلى الله عليه وسلم كذلك ووردت هذه الشريعة بتقرير ذلك ولو كان غير جائز لأنكره النبي صلى الله عليه وسلم لأنه إتعاب لهن وإتعاب النفس المعصومة بعصمة الإسلام غير جائز ومع هذا فقد أمر به صلى الله عليه وسلم ابنته البتول المطهرة لما شكت اليه مشقة ما تزاوله من الطحن وحمل القربة وطلبت منه خادما يعينها على ذلك حين جاء اليه صلى الله عليه وسلم الخدم فقال: "اتق الله يا فاطمة واعملي عمل أهلك"، هذا معنى ما في الصحيحين [البخاري "7/71"، مسلم "8/2727"، وغيرهما "احمد 1/136"، أبو داود " 5062"، وارشدها إلي ان تسبح الله ثلاثا وثلاثين وتحمده ثلاثا وثلاثين وتكبره اربعا وثلاثين وقال لها ان هذا الذكر خير لها من خادم.
وقد قدمنا ما أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال للفزارية التي تزوجت على نعلين: "أرضيت من نفسك ومالك بنعلين؟ "، فقالت نعم فاجازه فإنه يدل على ان المرأة قد صارت نفسها ومالها تحت حكم الزوج فضلا عن مجرد اعمالها في بيته.
وأما اعتبار كونها صالحة للوطء فأمر لا بد منه لأن جماع غير الصالحة له حرام على الزوج وحرام على الولي ان يمكنه منها أو يامرها بذلك وهكذا اعتبار خلو الزوجين عن حضور حاضر فإن ذلك لا بد منه ولا يلزم الزوجة ان تمكن الزوج من نفسه في غير خلوة ولا يجوز له ان يطلب منها ذلك.
وأما جواز ان يكون الوطء حيث يشاء الزوج فذلك حق له يفعله اينما أراد مع عدم المانع ولا يكون الا في القبل ولو من دبر يعني الايلاج لا يكون الا في القبل.
وأما جواز الاستمتاع في غيره كا لفخذين وعلى ظاهر الاليتين ونحو ذلك فلا شك في جوازه وقد وردت به السنة الصحيحة وأما الوطء في نفس الدبر فأقل ما ورد في منعه يفيد تحريمه وقد أوضحت ذلك في شرحي للمنتقى وفي التفسير بما لا يحتاج المطلع عليه إلي النظر في غيره فليرجع اليهما.
قوله: "ويكره الكلام حاله".
أقول: الكراهة حكم من أحكام الشرع لا تثبت الا بدليل ولا دليل وأما التعري الذي يستلزم ظهور العورة التي لا يتم االجماع بدون كشفها في ذلك حديث: عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "إن استطعت أن لا يرها أحد فافعل"، فقال فالرجل يكون خاليا؟ قال:"الله أحق أن يستحي منه من الناس" وهو حديث صحيح قد قدمنا ذكره وأخرج ابن ماجه عن عتبة بن عبد السلمي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتى أحدكم أهله فليستتر ولا يتجرد تجرد العيرين"،
وأخرج الترمذي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والتعري فإن معكم من لا
يفارقكم إلا عند الغائط وحين يفضي الرجل إلي أهله"، وفي إسناده ضعيفان.
وأما نظر باطن الفرج فليس فيه ما يدل على كراهته وأما ما روى بلفظ: "إذا جامع الرجل امرأته فلا ينظر إلى فرجها" فلا أصل له.
وأما يجاب مؤن التسليم على الزوج فليس عليه دليل لكن لما وجب عليه نفقتها وكسوتها وجميع ما تحتاج اليه جعلوا هذا لاحقا بذلك لكون الاعراف مقتضية له ومتطابقة عليه.
قوله: "والتسوية بين الزوجات"،
أقول: قد اشار إلي هذا القرآن قال الله سبحانه: {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء: 129]، وقوله:{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} وصح عنه صلي الله عليه وسلم "القسمة بين نسائه ولم يفضل بعضهن على بعض"، فكان هذا كافيا في أصل التسوية وأما دليل الوجوب فحديث:"إذا كانت عند الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه مائل" أخرجه أحمد وأهل السنن وغيرهم وإسناده صحيح فإن وقوع هذا يوم القيامة بهذا السبب يدل على وجوبه ولو لم يكن واجبا لما عوقب عليه هذه العقوبة.
وأخرج البخاري ومسلم عن أنس قال: من السنة إذا تزوج الرجل البكر على الثيب أقام عندها سبعا ثم قسم وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا ثم قسم، قال أبو قلابة: ولو شئت لقلت إن انسا رفعه إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روى هذا الحديث جماعة عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح ابن حبان وصحيح ابن خزيمة وصحيح أبي عوانة وسنن البيهقي ومستخرج لاسماعيلي وهكذا رواه الدارمي والدارقطني.
وأما تخصيص التسوية بالانفاق الواجب والليالي والقيلولة فبعيد فإن حديث أبي هريرة عندأحمد وأهل السنن والدارمي وابن حبان والحاكم وقال صحيح على شرط اشيخين وصححه أيضا الترمذي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كانت له امرأتان يميل لأحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة يجر أحد شقيه ساقطا أو مائلا"، يدل على وجوب التسوية فيما هو أعم من الانفاق الواجب مما يملكه العبد لا مما لا يملكله كالمحبة ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل ويقول:"اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيم تملك ولا أملك" أخرجه أهل السنن [أبو داود "2134"، النسائي "7/64"، الترمذي "1140"، ابن ماجة "197"، والدارمي وبن حبان والحاكم وصححاه.
وأما كون للأمة التي هي زوجة نصف ما للحرة فقد استدل لذلك بما أخرجه البيهقي عن علي بن أبي طالب أنهقال من السنة ان للحرة يومين وللأمة يوما وقداحتج بهذا الامام أحمد بن حنبل ويقوى هذا ما وقع في كثير من المسائل من التنصيف للعبد والامة.
وأما تأثير الجديدة الثيب بثلاث والبكر بسبع فلحديث أنس المتقدم وما ورد في معناه ويدل على أن حق التأثير يبطل بمجاوزة المقدار المحدود ما في صحيح مسلم "41/1460" وغيره [أبو داود "2122"، ابن ماجة "1917"، أحمد "6/292"] ، من حديث ام سلمة ان النبي صلى الله عليه وسلم لما
تزوجها اقام عندها ثلاثة ايام وقال: "إنه ليس بك على أهلك هوان فإن شئت سبعت لك وإن سبعت سبعت لنسائي".
وأما قوله: "واليه كيفية القسم إلي السبع" فلا وجه له ولا دليل يدل عليه بل اليه كيفية القسم كيف شاء ما لم يستلزم ذلك ضرارا للنساء.
وأما قضاء ما فات فلكون ما هو لها قد استحقته وصار في حكم الدين على الزوج قوله ويجوز هبة النوبة أقول: لما ثبت في الصحيحين وغيرهما ان سودة بن زمعه وهبت يومها لعائشة فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة وقد ثبت في الصحيحين أيضا عن عائشة انها قالت في قوله تعالي: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً} [النساء: 128] ،
هي المراة تكون عند الرجل لا يستكثر منها فيريد طلاقها ويتزوج غيرها تقول له امسكني ولا تطلقني ثم تزوج غيري وانت في حل من النفقة علي والقسم لي فذلك قوله: {فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} .
وأما قوله: "ولها الرجوع عنها" فوجهه ان تلك الهبة وقعت منها بلا عوض أما إذا كانت بعوض فإن رضيت بترك ما صار اليها من العوض فلها الرجوع سواء كان العوض مالا أو منفعة ولا يمنع من الرجوع مثل حديث: "العائد في هبته كلاعائد في قيئه" لان ذلك خارج مخرج التكريه للرجوع فهو دليل على الجواز مع الكراهه وهذا هو الصواب لا ما ذكره ابن القيم في الهدى من ابطال الرجوع لكون الهبة خرجت مخرج المعأوضة وقد سماها الله تعالي صلحا فيلزم كما يلزم ما صالح عليه من الحقوق والاموال لأنا نقول قد رضيت بإرجاع ما صار اليها عوضا عن هبتها لنوبتها.
قوله: "والسفر بمن شاء".
أقول: الحق أنهلا بد من القرعة بينهن كما ثبت في الصحيحين [البخاري"5/218"، مسلم "7/138"، وغيرهما أبو داود "2138"، ابن ماجة " 1970"، أحمد "6/114، 117، 195، 197"، ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفرا اقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه وهذا شرع منه صلى الله عليه وسلم فهو لأمته وليس لهم تركه وما قيل من انه قد سقط القسم مع السفر فنقول نعم لكنها لم تسقط القرعة فليس للزوج ان يسافر بمن شاء منهن بل يجب عليه الاقراع بينهن ولولا ذلك لم يكن عادلا بين سائه ولا عاملا بالسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: "والعزل عن الحرة برضاها".
أقول: اختلفت الاحاديث في جواز العزل فمنها ما هو محتمل للجواز ولعدم الجواز كحديث أبي سعيد في الصحيحين [البخاري "3/390"، مسلم "1438"، وغيرهما أبو داود "2172"،، أحنمد "3/68"، قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق فأصبنا سبيا من العرب
فاشتهينا النساء واشتدت علينا العزبة فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: "ما عليكم أن لا تفعلوا فإن الله عز وجل قد كتب ما هو خالق إلي يوم القيامة"، ومنها ما هو مصرح بالمنع كحديث أبي سعيد أيضا عندأحمد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في العزل:"أنت تخلقه أنت ترزقه أقره قراره فإنما هو ذلك القدر"، وحديث ااسامة بن زيد عند مسلم وغيره ان رجلا جاء إلي النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني اعزل عن امرأتي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لم تفعل ذلك؟ "، فقال الرجل: أشفق على أولادها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لو كان ضارا ضر فارس والروم"، وحديث جدامة بنت وهب الاسدية قالت: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ـناس وهو يقول: "لقد هممت أن أنهي عن الغيلة فنظرت في الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم فلا يضر أولادهم شيئا" ثم سألوه عن العزل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذلك الوأد الخفي"{وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ} [التكوير: 8] .
ومنها ما فيه دلالة على الجواز كحديث جابر كنا تعزل والقرآن ينزل وهو في الصحيحين وغيرهما زاد مسلم كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغه ذلك فلم ينهنا وكحديث أبي سعيد عند أحمد وأبي دأود والترمذي والنسائي بإسناد رجاله ثقات قال قالت اليهود العزل الموءودة الصغرى فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كذبت يهود إن الله عز وجل لو أراد أن يخلق شيئا لم يستطع أحد أن يصرفه"، وأخرج نحوه النسائي من حديث أبي هريرة وقداختلف أهل العلم في هذه الاحاديث فمنهم من جمع بحمل حديث جدامة وما ورد في معناه على التنزيه ومنهم من رجح أحاديث الجواز لصحتها وكثرتها والطريقة الأولى ارجح.
وأما تقييد الجواز بكونه برضا الحرة فقداستدل على ذلك بما أخرجه أحمد وابن ماجه عن عمر بن الخطاب قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان نعزل عن الحرة الا بإذنها وفي إسناده ابن لهيعة وفيه مقال معروف ويشهد له ما أخرجه عبد الرزاق والبيهقي عن ابن عباس قال نهى عن عزل الحرة الا باذنها ويؤيده ما حكاه ابن عبد البر من الاجماع على أنهلا يعزل عن الزوجة الحر الا بإذنها ووافقه على نقل الاجماع ابن هبيرة كما قال ابن حجر في الفتح.
وأما جواز العزل عن لامة مطلقا فلما أخرجه مسلم وغيره من حديث جابر ان رجلا اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن لي جارية هي خادمتنا وسانيتنا في النخل وانا اطوف عليها واكره ان تحمل فقال: "اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها".
وأما قوله: "ومن وطيء مجوز الحمل" الخ فهو رأي بحث ليس عليه اثارة من علم.
[فصل
ويرتفع النكاح بتجدد اختلاف الملتين فإن اسلم احدهما فمع مضي عدة الحربية مدخولة والذمية مطلقا أو عرض الإسلام في الثاني فينتظر بلوغ الزوج وتستأنف المدخولة ويتجدد الرق عليهما أو على احدهما ويملك احدهما الاخر أو بعضه نافذا وبرضاع صيرها محرما قوله فصل ويرتفع النكاح بتجدد اختلاف الملتين] .
أقول: لقد قيل إن هذا إجماع ويدل عليه قوله عز وجل: {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10]، وقوله:{وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] .
وأما كونه إذا اسلم احدهما فمع مضي عدة الحربية الخ فقد أخرج في الموطإ عن ابن شهاب قال لم يبلغنا ان امرأة هاجرت إلي الله وإلي رسوله وزوجها كافر مقيم بدار الكفر الا فرقت هجرتها بينها وبين زوجها الا ان يقدم زوجها مهاجرا قبل ان تنقضي عدتها وأنهلم يبلغنا ان امرأة فرق بينها وبين زوجها إذا قدم وهي في عدتها وأخرجه أيضا ابن سعد في الطبقات.
وأخرج البخاري وغيره عن ابن عباس قال كان المشركون على منزلتين من النبي صلى الله عليه وسلم ومن المؤمنين كانوا مشركي أهل حرب يقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقاتلونه ومشركي أهل عهد لايقاتلهم ولا يقاتلونه وكان إذا هاجرت المراة من أهل الحرب لم تخطب حتى تحيض وتطهر فإذا طهرت حل لها النكاح وإذا جاء زوجها قبل ان تنكح ردت اليه.
وأخرج مالك في الموطأ وابن سعد في الطبقات ان امرأة صفوان بن امية اسلمت وهو كافر فلم يفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما حتى أسلم صفوان واستقرت عنده بذلك النكاح قال ابن شهاب وكان بين إسلام صفوان وبين إسلام زوجته نحو من شهر وهكذا امراة عكرمة بن أبي جهل فإنها اسلمت وزوجها كافر فلما اسلم ثبتا على نكاحهما.
والحاصل أنهلم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهفرق بين رجل وزوجته إذا اسلمت دونه حتى تنقضي عدتها وإذا اسلم وهي في العدة كانت باقية في عقد نكاحها ولا تحتاج إلي تجديد عقد هذا هو الثابت بلا خلاف.
وأما ما روى من طرق صحيحة أنه صلي الله عليه وسلم رد ابنته زينب على زوجها أبي العاص بن الربيع بالنكاح الأول لم يحدث شيئا وكان اسلامه بعد سنتين وقيل بعد ست سنين فهو وإن كان اصح من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان النبي صلى الله عليه وسلم رد ابنته على أبي العاص بمهر جديد ونكاح جديد كما أخرجه ابن ماجه وفي إسناده حجاج بن ارطاة وهو ضعيف لكن لا بد من تأويل حديث ابن عباس لوقوع الاجماع على عدم جواز تقرير المسلمة نحت الكافر إذا تأخر إسلامه عن إسلامها حتى انقضت عدتها وممن نقل هذا الاجماع ابن عبد البر فقيل في تأويله إنه لم يكن قد نزل تحريم نكاح المسلمة على الكافر وقيل غير ذلك وقد ذكرنا ذلك في شرحنا للمنتقى.
والأولى ان يقال إن النكاح موقوف فإن اسلم الزوج قبل انقضاء العدة فهي زوجته وإن انقضت عدتها فلها ان تنكح من شاءت وإن احبت انتظرته وإذا اسلم كانت زوجته من غير حاجة إلي تجديد نكاح وليس في هذه الشريعة ما يخالف هذا وقد ذهبت اليه جماعة من الصحابة ومن بعدهم.
وإذا عرفت هذا لم تحتج إلي ما ذكره المصنف وغيره في هذا المقام.
قوله: "ويتجدد الرق عليها أو على أحدهما"
أقول: المسبية قد صارت ملكا للسابي لها من المسلمين ولم يبق لزوجها عليها يد ولا لكونها كانت زوجته تأثير وهكذا الزوج إذا سبي صار عبدا لا يجوز له ان يتزوج الا باذن سيده السابي له ولا حكم لما كان فيه في الجأهلية إذا سبيا معا فهذا هو مراد الصمنف بقوله: "ويتجدد الرق" عليهما الخ ولكنهما إذا سبيا معا ورضى السابي لهما بأن يبقيا على نكاحهما فالظاهر ان مجرد هذا الاذن يكفي ولا يحتاج إلي تجديد عقد كما تقدم في الاحرار.
قوله: "ويملك احدهما الاخر".
أقول: المراة إذا ملكت زوجها كان لها الخيار كما كان لبريرة لأنها حرة وزوجها عبد فإذا اختارت الفسح فلها ذلك فإن بريرة فسخت نكاحها لما كان زوجها عبدا فإذا ملك الزوج زوجته كان له الخيار أما بقي على النكاح الذي كان بينهما إذا كان ممن يجوز له التزوج بالأمة وأما اختار فسخ النكاح ويكون لها حكم المملوكات يطأها بالملك ويتصرف فيها كيف شاء.
وبهذا تعرف أنهلا ينفسخ النكاح بمجرد ملك احدهما الاخر بل هو موقوف على اختياره وليس في المقام ما يقتضى تطويل الكلام.
وأما إذا كانا مملوكين ثم اعتق احدهما وملك الاخر فظاهر لأنه تجددت له الحرية ثم تجدد له ملك الاخر وأما إذا كان احدهما حرا والاخر مملوكا ثم ملك الحر المملوك فإن كان الحر الذي ملك الاخر هو الرجل فلا شك في أنه يختار ما أراد من البقاء على العقد أو الوطء بالملك لأن الملك يقتضى ذلك وإن كان الحر هو المرأة وملكت الزوج فعلى تقدير رضاها به في الابتداء قد تجدد لها بملكه ما يقتضى ثبوت الخيار لها لأن ملكها له قد اثبت لها حقوقا عليه يجوز لها بسببها فسخ النكاح ولا يصح فرض المسألة على انهما كانا حرين لأن الحرية لا تنتقل إلي الرقية الا بالسبي كما تقدم فإذا قدرنا انهما كانا حرين وأسلم احدهما وسبى الاخر فالكلام فيه كما تقدم في تجدد الرق.
قوله: "وبرضاع صيرها محرما".
أقول: لأنه "يحرم بالرضاع ما يحرم بالنسب" كما ثبت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم فإذا رضع أحدهما رضاعا قام الدليل، الصحيح على أنهيقتضي التحريم صار ذلك موجبا لانفساخ النكاح وسيأتي في الرضاع إن شاء الله ما هو المقتضى للتحريم على مقتضى الادلة.
[فصل
ويصح نكاح العبد ولو اربعا حرائر بإن مالكه المرشد ومطلقه للصحيح وواحدة فقط وبإجازته مستمر الملك ومنها السكوت وطلق وبعتقه قبلها وبعقده له ولو كارها وما لزمه فعلى سيده الا تدليسه ففي رقبته والفاسد والنافذ بعتقه ففي ذمته ويلحق الولد بامه فلا حق له عليه ويصح شرط حريته لأ تملكه ويبطل بخروجها عن ملك سيدها قبل العلوق وطلاقه والعدة منه كالحر] .
قوله: فصل: "ويصح نكاح العبد ولو اربعا حرائر".
أقول: القائلون بأنه يجوز للعبد ان يتزوج اربعا جعلوه داخلا فيما ورد من تسويغ الاربع للعباد وهو من جملتهم لا يخرج عنه الا بمخصص يخصصه كما في سائر الخطابات.
والقائلون بأنهلا يجوز الا اثنتان وهم جمهور السلف ومن بعدهم قاسوا نكاحه على طلاقه فلم يجوزوا له الا اثنتين كما أنهلا يملك من الطلاق الا اثنتين بالدليل الاتي إن شاء الله تعالي وكذلك قاسوه على الحدود الثابت تنصيفها عليه بنص القرأن في الاماء وإلحاق العبد بهن بعدم الفارق وبالاجماع.
وليس في المقام نص يتعين الرجوع اليه ودعوى إجماع الصحابة على ما قاله الجمهور يزيده قوة فإنها مرجح قوي ولم يثبت القل عن فرد من أفرادهم مما يخالف ذلك.
وأما توقف الجواز على اذن مالكه فلا بد منه لأنه المالك لرقبته ومنافعه فلا يصح تصرفه في شيء منها الا بإذنه ولا سيما مثل النكاح فإنه يستغرق كثيرا من منافعه المستحقة للسيد ويعرض سيده لايجاب نفقة الزوجة أو الزوجات.
ومع هذا فحديث: "أيما مملوك نكح بغير إذن مولاة فهو عاهر" كما في رواية وفي أخرى: "فنكاحه باطل" قد حسنه الترمذي وصححه الحاكم من حديث جابر وأخرج نحوه ابن ماجه من حديث ابن عمر وفي إسناده ضعف ولكنه يزيد حديث جابر قوة.
وأما كون مطلق الاذن يكون للصحيح ولواحدة فقط فيكون مدلول اللفظ يصدق بالواحدة ويحمل على الصحيح وهذا على تقدير أنهليس في اللفظ ما يدل على زيادة على واحدةأما لو كان فيه ما يدل على ذلك فله حكمه وهو غير مراد المصنف.
وأما كونه ينفذ بإجازة السيد فلأن العقد الواقع بغير إذن موقوف على إذن السيد فإذا وقعت منه الاجازة فهي إذن إذا كان ملكه للعبد باقيا لا إذا كان قد خرج عن ملكه فلا حكم لاجازته.
وليس من الاجازة مجردا لسكوت لأنه كما لا يشعر بالرضى لا يشعر بالكراهة الا ان يصحبه ما يفيد الرضا كأن يفعل فعلا لا يفعله الا من هو راض.
وأما جعله قول السيد للعبد طلق من الاجازة فمن جعل ما هو مناف للشيء مثبتا له وهو خلاف المعقول وأما كون الامر بالطلاق قد اشعر بالاعتداد بما وقع منه من النكاح فشيء لا
ينبغي الالتفات اليه ولا التعويل عليه الا ان يرد بذلك دليل.
وأما نفوذ نكاح العبد بعتقه قبل الاجازة فلا وجه له لأن مصيره إلي ملك نفسه لا يصحح ما كان باطلا فعليه ان يجددالعقد بعد العتق.
وأما عقدالسيد له فهو إجازة لعقده الأول بلا شك لإشعاره بالرضا له به.
وأما كون ما لزمه من مؤن النكاح لازم لسيده فلكونه قد اختار ذلك بالاذن أو ما في حكمه ولو لم يرض بما لم يعلم بحقيقته ولهذا كان تدليس العبد في رقبته لأنه كالجنابة منه.
وأما قوله: "والفاسد النافذ بعتقه ففي ذمته" فهذا إذا لم يحصل من السيد إذن به ولا إجازة له وإلا فلا فرق بينه وبين الصحيح وانصراف الاذن إلي الصحيح لا ينافي الرضا بالفاسد والرضا هو مناط اللزوم.
وأما قوله: "ويلحق الولد بأمه" الخ فهذا محض رأي ليس عليه اثارة من علم والأولى ان اللحوق في العبيد كاللحوق في الاحرار رجوعا إلي أصل الشرع فإن لم يرد فيه دليل كان التشريع العام كافيا.
قوله: "وطلاقه والعدة منه كالحر".
أقول: يدل على هذا ان الاصل في العبيد والاماء ان لهم حكم الاحرار وانهم داخلون في الخطابات العامة والتشريعات الشاملة ولا يخرجون عن ذلك الا بدليل يقتضى التخصيص وقد ثبت كتابا وسنة ان الطلاق ثلاث والعدة ثلاثة قروء فهذا الاستدلال يكفي مع عدم وجود ما ينتهض للتخصيص فكيف وقد أخرج أحمد وابو دأود والنسائي وابن ماجه عن عمر بن معتب ان أبا حسن مولى بني نوفل اخبره أنهاستفتى ابن عباس في مملوك تحته مملوكة فطلقها تطليقتين ثم عتقا هل يصلح له ان يخطبها قال نعم قضى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وثق أبا الحسن هذا أبو حاتم وابو زرعة وأما عمر بن معتب ففيه مقال ولكن هذا الحديث على كل حال انهض من حديث ابن عمر مرفوعا: "طلاق الأمة اثنتان وعدتها حيضتان" فإن في إسناده ضعيفين وقال الدراقطني الصحيح أنه موقوف وقد أخرج أبو دأود من حديث عائشة "طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان" وفي إسناده مظاهر بن اسلم وهو ضعيف.
وليس في الباب غير هذين الا روايات موقوفة لا تقوم بها الحجة ومثل هذا لا ينتهض لتخصيص عموم ما ثبت كتابا وسنة فكيف وقد عورضت هذه المخصصات بحديث ابن عباس السابق.
وإلي ما ذكرناه من استواء الحر والعبد في عدد الطلاق واستواء الامة والحرة في العدة ذهب جماعة من الصحابة منهم ابن عباس وجابر وأبو سلمة وابو قتادة.
[فصل
وفي الامة بعقدالمالك المرشد ووكيل المالكة وولي مال الصغير أو نائبهم أو إجازته كما مر الا السكوت وبعتقها قبله ويكرهها على التمكين غالبا لا العبد على الوطء وله المهر وإن وطئت بعدالعتق الا في النافذ به والنفقة مع التسليم المستدام ويصح شرطها مع عدمه والعكس] .
قوله: فصل: "وفي الامة بعقد المالك المرشد".
أقول: لا فرق بين الامة والعبد لان الكل مال لمالكهما ولكن لما كان العبد ممن يصلح ان يعقد لنفسه عقد النكاح كان إذن المالك له يكفي في صحة نكاحه ولما كانت الامة لا تنكح نفسها كان الامر إلي سيدها وإذا كان المالك لها امرأة فقد تقدم انها لا تزوج المرأة المرأة فتوكل من يعقد لامتها وإذا كانت الامة لصغير وكان في تزويجها مصلحة له كان ذلك إلي وليه كسائر تصرفات الولي في مال الصغير ونحوه ولهؤلاء ان يوكلوا من يعقد النكاح ويتنوب عنهم في الاجازة ممن له ولاية أو نيابة تكفي.
وأما السكوت فقد قدمنا أنهلا يكفي في اجازة نكاح العبد والامة مثله فلا فرق بينهما وأما كونه ينفذ عقد الامة بعتقها قبلها فلا وجه له كما قدمنا في عتق العبد.
وأما إكراهها على التمكين للزوج فله ذلك كما يجوز له ان يكرهها على غيره من الاعمال لانها ماله ومنافعها له وهكذا ان يكره العبد لهذه العلة إذا كان قادرا على ذلك.
وأما استحقاق سيد الامة لمهرها فلكون ذلك لفائدة حصلت من ماله.
وأما إذا عتقت قبل الوطء فالظاهر ان المهر لها لأنه عوض عن بضعها وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم النساء وذكر مهورهن فقال: "إنها احق الامور بالوفاء بها لانها استحلت بها الفروج"، [البخاري "9/217"، مسلم "1418"، أحمد "4/150"، أبو داود "2139"، النسائي "6/92، 93"] ، فلا فرق بين العتق المطلق والعتق الذي نفذ به النكاح فإن المهر لها فيهما.
وأما استحقاق السيد لنفقة الامة مع التسليم لها اليه فذلك ظاهر لأنه زوج وهي زوجة وحكمهما في ذلك حكم غيرهما وإذا شرط الزوج ان لا نفقة عليه ورضى بذلك السيد وجب الوفاء بالشرط وهكذا إذا شرط السيد النفقة على الزوج مع عدم التسليم ورضى بذلك لزم الوفاء بالشرط فالمؤمنون عند شروطهم.
[فصل
وللمالك فيها كل تصرف الا الوطء ومنع الزوج ومتى عتقت خيرت ما لم تمكن
عالمة بالعتق وثبوت الخيار كحرة نكحت على امة ولا ينفسخ نكاح الامة ومتى اشتراها لم تعد ام ولد بما قد ولدت ويطأها بالملك ولو في عدة طلاقه الا التثليث فبعد التحليل بما سيأتي فقط وأما المكاتبة فبرضاها وام الولد به بعد عتقها والمهر لهما وولاية الوقف إلي الواقف ويراضي المصرف والمهر له] .
قوله: فصل: "وللمالك فيها كل تصرف"،
أقول: هذه الكلية معلومة لانها ماله فيتصرف بها كيف شاء وإنما ذكر هذا ليستثنى منه قوله الا الوطء ومنع الزوج فإن هذين الامرين لا يجوزان له لأنه رضى بتزويجها فليس له ان يفعل ما يخالف ما يوجبه ما رضى به.
وأما كونها إذا عتقت خيرت فذلك ثابت بحديث بريرة والخلاف في كونها تفسخ نفسها مطلقا أو حيث كان زوجها عبدا كما كان زوج بريرة عبدا معروف.
وقد قررنا البحث في شرحنا للمنتقى بما يكتفى به الناظر فيه وإذا اختارت البقاء في عقدة النكاح فالأمر اليها ولا يبطل خيارها الا إذا وقع منها الرضا المحقق.
وأما قوله: "كحرة نكحت على الأمة" فلم يرد المصنف أنهأصل والامة التي عتقت مقاسة عليه وإنما أراد تنظير المسألة بالمسألة في الفسخ كما جرت عادته في مواضع بمثل هذا ولا أرى لجواز فسخ الحرة المنكوحة على الامة وجها مقبولا فضلا عن دليل يدل عليه لان الحرج في ذلك على الزوج كما في قوله تعالي: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 25] ، فإذا نكح الحرة فقد وجد السبيل اليها واستطاع الطول المبلغ إلي نكاح الحرائر وكون مجرد الغضاضة اللاحقة للحرة بنكاحها على الامة مسوغا للفسخ لا دليل عليه وقد قدمنا في فصل العيوب التي جعلوها مقتضية للفسخ ما فيه كفاية.
وأما قوله: "ولا ينفسخ نكاح الامة" فصواب لأنه دخل فيه في وقت يجوز له الدخول ولم يتجدد ما يدل على البطلان وغاية الامر أنهمع التمكن من الحرة يجب عليه تسريح الامة وأما أنهيبطل فلا.
وهكذا وقوله: "ومتى اشتراها لم تصر ام ولد بما قد ولدت" لأنها ولدت له وهي زوجته لا مملوكته والتي تصير ام ولد بما ولدت إنما هي الموطوءة بالملك.
وأما قوله: "ويطأها بالملك ولو في عدة طلاقه" ففيه نظر لأنه وإن كان أصل مشروعية العدة لبراءة الرحم وعدم الاختلاط في الانساب لكنها قد صارت بعد ثبوتها تعبدية ولهذا وجبت على الصغيرة والايسة والحامل.
وأما كونه لا يطأها بعد التثليث حتى تنكح زوجا غيره فلأنها كانت لديه زوجة داخلة تحت عموم قوله سبحانه: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [البقرة: 230] ، ولم يرد ما يدل على تخصيصها من هذا العموم.
وأما المكاتبة وأم الولد فقد حصل لها سبب من اسباب الحرية وإن توقف نفوذه على الوفاء بمال المكاتبة في المكاتبة وعلى موت السيد أو تنجيزه لعتقها في أم الولد فلا بد من رضاهما والمهر لهما لعدم بقاء الملك المستقر عليهما
وأما كون ولاية الوقف من العبيد والاماء إلي الواقف فمبني على ما سيأتي والظاهر انها إلي الموقوف عليه لأنه المتصرف بالمنافع والنكاح من جملة ما يحصل له به منفعة ولهذا كان المهر له فإن كان الوقف على مسجد أو نحوه فإلي من اليه الولاية في وقف ذلك المسجد ونحوه وإلا فالأمر إلي الامام والحاكم.
[فصل
ومن وطيء امته فلا يستنكح اختها وله تملكها ولا يجمع بين اختين ونحوهما في وطء وإن اختلف سببه ومن فعل اعتزلهما حتى يزيل احدهما نافذا ومن دلست على حر فله الفسخ ولزمه مهرها ولحقه ولدها وعليه قيمته إن سلمت بجنايتها فإن أباها فالزائد على قيمتها وهو له في ذمتها ويسقط إن ملكها فإن استويا تساقطا.
الاختلاف إذا اختلفا فالقول لمنكر العقد وفسخه وفساده ومنه وقع في الكبر ولم ارض وقال في الصغر فيلزم لا في الصغر فافسخ وقال في الكبر ورضيت ولمنكر تسمية المهر وتعيينه وقبضه وزيادته على مهر المثل ونقصانه والابعد عنه زيادة ونقصانا فإن ادعت اكثر وهو أقل أو المثل فبينا حكم بالأكثر والا فللمبين ونحوه ثم مهر المثل وللمطلق قبل الدخول في قدره وإذا اختلفا في معين من ذوي رحم لها عمل بمقتضى البينة فإن عدمت أو تهاترا فلها الاقل من قيمة ما ادعت ومهر المثل ويعتق من اقر به مطلقا وولاء من انكرته لبيت المال والبينة على مدعي الاعسار وبعض الاخذ مع اللبس] .
قوله: فصل: "ومن وطيء امة فلا يستنكح اختها".
أقول: عموم قوله سبحانه: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] ، يشملهما لأنه قد وجد الجمع بينهما ووجدت الاخوة فيهما والظاهر ان الآية تتنأول الجمع بين الاختين الحرتين في عقدالنكاح وفي الوطء فكما لا يجوز الجميع بنهما في الوطء لا يجو ز الجمع بينهما في عقدالنكاح وهكذا لا يجوز له ان يعقد عقدة النكاح على اختين امتين ولا يجوز له ان يجمع بينهما في الوطء لتناول العموم لذلك.
وأما الجمع في مجرد الملك فهو وإن صدق عليه أنهجمع بين ختين لكنه ليس بنكاح ولا وطء والمقصود تحريم النكاح والوطء وإذا وطيء احدى الأمتين الاختين كان تحريم النكاح
على الاخرى وتحريم وطئها داخلا تحت عموم الآية لأن الوطء مقصود ومجرد عقدالنكاح مقصود وهذه الآية لم يرد ما يعارضها أو يخصصها.
وأما قوله عز وجل: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3]، فالمراد به جواز ما جوزه الشرع ولهذا وقع الاجماع على أنه لا يجوز للمالكة ان يطأها مملوكها ولا للمالك ان يطأه مملوكه وقد حكى ابن عبد البر اجماع الصحابة والتابعين ان هذه الآية خاصة بالرجال دون النساء ثم قوله عز وجل:{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} مدنية وقوله سبحانه: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] مكية.
وأما قوله: "ومن فعل اعتزلهما حتى يزيل أحدهما نافذا" فلكونه لا يخلص عن الجمع المحرم الا بذلك ولا بد ان يكون على وجه يمتنع منه جواز وطئها ما دامت اختها في ملكه موطوءة له.
وأما قوله: "ومن دلست على حر فله الفسخ" فوجه ذلك أنه لم يرض بأن تكون زوجه الا على انها حرة لما عليه من التبعة في أولاده بلحوقهم بامهم حيث هي امة مملوكة عند القائل بذلك ولا سيما إذا كان يستطيع نكاح الحرة فإن تدليسها عليه قد أوقعه فيما لا يجوز له.
وأما لزوم مهرها فهو بما استحل من فرجها وهكذا لحوق ولدها به لأنه لم يرض بنكاحها أمة حتى يلحق الأولاد بها ولا وجه لتسليم قيمة الولد إلي السيد.
وأما كون الامة تصير اليه بجنايتها فإن اختار السيد ذلك فهو إليه لأن جناية المماليك متعلقة برقابهم لكن هذا مبني على أنه قد لحقه غرم بتدليسها وهو تسليم قيمة الولد إلي السيد ولا دليل يدل على ذلك.
قوله: "الاختلاف إذا اختلفا فالقول لمنكر العقد".
أقول: لان المدعى لوقوعه هو مدعي ما هو خلاف الاصل من عدم الوقوع وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم: "أن على المدعي البينة وعلى المنكر اليمين" وإذا اتفقا على وقوع العقد وادعى احدهما أنه تعقب ذلك وقوع الفسخ له فهو يدعى خلاف ما هو الظاهر وبهذا القدر يصير مدعيا ويصير المنكر منكرا وعلى المدعى البينة وعلى المنكر اليمين.
وهكذا الكلام فيمن ادعى فساده بعد الاتفاق على وقوعه وأما كون البينة علىمن تدعى ان العقد من أبيها وقع عليها في الكبر وأنها لم ترض فوجهه انها قد ادعت شيئين الاصل يخالفهما الأول منهما ان العقد عليها وقع بعد ان انتقلت من صفة الصغر إلي صفة الكبر.
والثاني: انها لم ترض.
لا يقال الاصل عدم الرضا فيكون القول قولها لأنا نقول الظاهر يدفعه لأنها قد ادعت وقوع العقد في الكبر وكونها لم ترض هو خلاف ما هو الظاهر.
وأما قوله: "لا في الصغر فافسخ" الخ فوجهه ما قدمنا من ان الاصل عدم الانتقال من صفة الصغر إلي صفة الكبر.