المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وأما قوله: "وإذا تداعيا الشفعة حكم للمبين" فظاهر. وأما قوله: "ثم - السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌[مقدمة لا يسع المقلد جهلها

- ‌كتاب الطهارة

- ‌باب النجاسات

- ‌[باب المياه

- ‌[باب ندب لقاضي الحاجة التواري

- ‌[باب الوضوء

- ‌[باب الغسل

- ‌[باب التيمم

- ‌[باب الحيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌مدخل

- ‌[باب الأوقات

- ‌[باب الإذان والإقامة

- ‌[باب صفة الصلاة

- ‌[باب والجماعة سنة مؤكدة

- ‌[باب سجود السهو

- ‌[باب والقضاء

- ‌[باب صلاة الجمعة

- ‌[باب ويجب قصر الرباعي

- ‌[باب وشرط جماعة الخوف

- ‌[باب وفي وجوب صلاة العيدين خلاف

- ‌[باب ويسن للكسوفين حالهما ركعتان

- ‌[كتاب الجنائز

- ‌كتاب الزكاة

- ‌مدخل

- ‌[باب في نصاب الذهب والفضة

- ‌باب زكاة الإبل

- ‌[باب ولا شيء فيما دون ثلاثين من البقر

- ‌[باب ولا شيء فيما دون أربعين من الغنم

- ‌[باب " ما أخرجت الارض في نصاب فصاعدا ضم احصاده الحول

- ‌[باب " ومصرفها من تضمنته الآية

- ‌[باب والفطرة تجب من فجر أول شوال إلي الغروب

- ‌كتاب الخمس

- ‌كتاب الصيام

- ‌مدخل

- ‌[باب وشروط النذر بالصوم

- ‌[باب الاعتكاف وشروطه

- ‌كتاب الحج

- ‌مدخل

- ‌باب العمرة

- ‌باب المتمتع

- ‌باب القارن

- ‌كتاب النكاح

- ‌مدخل

- ‌باب على واهب الأمة وبائعها استبراء غير الحامل

- ‌[باب الفراش

- ‌كتاب الطلاق

- ‌[باب إنما يصح من زوج مختار مكلف

- ‌[باب الخلع

- ‌[باب العدة

- ‌[باب الظهار

- ‌[باب الايلاء

- ‌[باب اللعان

- ‌[باب الحضانة

- ‌[باب النفقات

- ‌[باب الرضاع

- ‌كتاب البيع

- ‌مدخل

- ‌باب الشروط المقارنة للعقد

- ‌باب الربويات

- ‌[باب الخيارات

- ‌باب ما يدخل في المبيع

- ‌باب البيع غير الصحيح

- ‌باب المأذون

- ‌باب المرابحة

- ‌[باب الإقالة

- ‌[باب القرض

- ‌[باب الصرف

- ‌[باب السلم

- ‌كتاب الشفعة

- ‌كتاب الإجارة

- ‌مدخل

- ‌باب وإجارة الآدميين

- ‌باب المزارعة

- ‌باب الإحياء والتحجر

- ‌باب المضاربة

- ‌كتاب الشركة

- ‌مدخل

- ‌باب شركة الأملاك

- ‌باب القسمة

- ‌كتاب الرهن

- ‌كتاب العارية

- ‌كتاب الهبة

- ‌كتاب الوقف

- ‌كتاب الوديعة

- ‌كتاب الغصب

- ‌كتاب العتق

- ‌مدخل

- ‌[باب والتدبير

- ‌باب الكتابة

- ‌[باب الولاء

- ‌كتاب الأيمان

- ‌مدخل

- ‌[باب الكفارة

- ‌باب النذر

- ‌باب الضالة واللقطة واللقيط

- ‌باب الصيد

- ‌باب الذبح

- ‌باب الأضحية

- ‌باب الأطعمة والأشربة

- ‌باب اللباس

- ‌كتاب الدعاوى

- ‌كتاب الإقرار

- ‌كتاب الشهادات

- ‌كتاب الوكالة

- ‌باب الكفالة

- ‌باب الحوالة

- ‌باب التفليس

- ‌باب الصلح

- ‌باب الإبراء

- ‌باب الإكراه

- ‌باب القضاء

- ‌كتاب الحدود

- ‌مدخل

- ‌باب حد القذف

- ‌باب حد الشرب

- ‌باب حد السارق

- ‌كتاب الجنايات

- ‌مدخل

- ‌باب الديات

- ‌باب القسامة

- ‌كتاب الوصايا

- ‌كتاب السير

الفصل: وأما قوله: "وإذا تداعيا الشفعة حكم للمبين" فظاهر. وأما قوله: "ثم

وأما قوله: "وإذا تداعيا الشفعة حكم للمبين" فظاهر.

وأما قوله: "ثم الأول" فلا وجه له بعد وقوع التخاصم.

وأما قوله: "ثم للمؤرخ" فلا وجه له لأن التاريخ منه التخاصم.

وأما قوله: "ثم يبطل" فلا وجه بل ينبغي أن يقال إن كل واحد منهما مدع ومدعي عليه فإذا لم توجد البينة حلف كل واحد منهما على نفي دعوى الآخر فيكون ثبوت كل واحد منهما على ما تحت يده بهذه الطريقة لا بمجرد الحكم بالبطلان بادئ بدء.

ص: 571

‌كتاب الإجارة

‌مدخل

كتاب الإجارة

[فصل

تصح فيما يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه ونماء أصله ولو مشاعا وفي منفعة مقدورة للأجير غير واجبة عليه ولا محظورة وشرط كل مؤجر ولايته وتعيينه ومدته أو ما في حكمها وأول مطلقها وقت العقد وأجرته وتصح منفعة وما يصح ثمنا ومنفعته إن اختلفت وضررها ويجوز فعل الأقل ضرا وإن عين غيره ويدخلها الخيار والتخيير والتعليق والتضمين غالبا ويجب الرد والتخلية فورا وإلا ضمن هو وأجرة مثله وإن لم ينتفع إلا لعذر ومؤنهما ومدة التخلية عليه لا الإنفاق] .

قوله: "كتاب الإجارة فصل تصح فيما يمكن الانتفاع به".

أقول: ثبوت الإجارات في هذه الشريعة قطعي لا يكاد ينكر أصل الجواز والصحة إلا من لا يعرف الكتاب والسنة ولا يعرف ما كان الأمر عليه في أيام النبوة وأيام الصحابة وقد أجر النبي صلى الله عليه وسلم نفسه كما في البخاري "4/441"، وغيره ابن ماجة "2149"، من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسم أنه قال:"ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم"، فقال أصحابه وأنت؟ قال:"نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة"، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه استأجر كما في اصحيح البخاري وغيره من حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم استأجر رجلا من بني الديل هاديا خريتا الحديث المذكور في وصف هجرته صلى الله عليه وسلم وقد كان أكابر الصحابة يؤجرون أنفسهم في الأسواق وغيرها وهذا معلوم لا يشك فيه أحد.

وأما التكلم في لزوم عقدها فمن فضول الكلام الذى لا يدعو إليه حاجة لأن الأجير إن

ص: 571

أراد الأجرة فلا يستحقها إلا بالوفاء بما تراضيا عليه وإن رغب عن الأجرة فلا يلزمه الوفاء ولهذا يقول شعيب عليه السلام لموسى عليه السلام {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ} [القصص: 27] ، فذكر له القدر الذى يستحق به أن ينكحه إحدى ابنتيه ثم ذكر له الزيادة على جهة المكارمة والتفضل فمعلوم أنه لا يلزم موسى عليه السلام الدخول في هذا العقد ابتداء ثم لو رغب عن الأجرة واختار الترك في وسط المدة لم يكن عليه التمام شاء أم أبى وهكذا سائر الإجارات فلزوم عقدها هو من هذه الحيثية وهو مفوض إلي الأجير إن شاء مضى فيه واستحق الأجرة وإن شاء تركه وترك المطالبة بالأجرة.

وأما اشتراط كون الإجارة فيما يمكن الانتفاع به فلا بد من ذلك وإلا كان البحث خارجا عن الإجارة.

وأما قوله: "ونماء أصله" فلا يدري ما هو الموجب لهذا الاشتراط ولا ثبت ما يمنع منه من شرع ولا عقل فاستئجار الشجرة للانتفاع بثمرها واستئجار الحيوان للانتفاع بما يخرج منه من صوف ولبن جائز صحيح ومن ادعى خلاف هذا فعليه الدليل.

وأما قوله: "ولو مشاعا" فصحيح لأن المالك لبعض الشيء له أن يتصرف به كيف يشاء كالمالك للشيء جميعه إلا أن يتصرف في نصيبه بما يضر شريكه فإن ذلك ممنوع بالأدلة الواردة في المنع من الضرار.

وأما قوله: "في منفعة مقدورة للأجور" فلا بد منه فإن ما لا يقدر عليه لا ينتفع به فيه.

قوله: "غير واجبه عليه".

أقول: الأدلة الواردة في تحليل الإجارة على العموم وفي تحليل مطلقها من غير تقييد يقتضي أنه لا يصح القول بعدم جواز نوع خاص من أنواعها إلا بدليل يدل عليه يصلح لتخصيص العموم أو تقييد المطلق وقد استدلوا على عدم جواز الاستئجار على ما هو واجب على الأجير بما أخرجه ابن ماجه والبيهقي من حديث أبي بن كعب قال علمت رجلا القرآن فأهدى لي قوسا فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إن أخذتها أخذت قوسا من نار" فرددتها. قال البيهقي وابن عبد البر وهو منقطع يعني بين عطية العوفي وأبي بن كعب وكذلك قال المزني وتعقبهم ابن حجر بأن عطية ولد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأعله ابن القطان بالجهل يحال عبد الرحمن بن سلم الرأوي عن عطية وله طرق عن أبي قال ابن القطان لا يثبت منها شئ قال ابن حجر وفيما قال نظر وذكر المزي في الأطراف له طرقا وشهد له ما أخرجه أبو دأود وابن ماجه من حديث عبادة ولفظه قال علمت ناسا من أهل الصفة الكتاب والقرآن فأهدى إلي رجل منهم قوسا فقلت ليست بمال وأرمى عليها في سبيل الله عز وجل لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأسألنه فأتيته فقلت يا رسول الله رجل أهدى إلي قوسا ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن وليس بمال وأرمي عليها في سبيل الله فقال: "إن كنت تحب أن تطوق طوقا من نار فاقبلها"، وفي إسناده المغيرة بن زياد أبو هاشم الموصلي وقد تكلم فيه جماعة ووثقه وكيع ويحيى بن معين ولكنه قد روي عن عبادة من

ص: 572

طريق أخرى عند أبي دأود "3417"، بلفظ ما ترى فيها يا رسول الله فقال:"جمرة بين كتفيك تقلدتها أو تعلقتها"، وفي إسناد هذه الرواية بقية بن الوليد وقد تكلم فيه جماعة ووثقه الجمهور وقد روي حديث أبي السابق الطبراني في الأوسط عن الطفيل بن عمرو الدوسي بنحوه وهذه الروايات يقوي بعضها بعضا فتقوم بها الحجة وكونها واردة في خصوص الهدية لا يمنع من الاستدلال بها على تحريم الأجرة لأنه صلى الله عليه وسلم قد ذكر ما يدل على تحريم أخذ العوض عن ذلك كما في هذه الروايات وقد تركوا الاستدلال على التحريم بما هو أصرح من هذه الأحاديث وهو ما أخرجه أحمد بإسناد رجاله ثقات والبزار من حديث عبد الرحمن بن شبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"اقرأوا القرآن ولا تغلوا فيه ولا تجفوا عنه ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به"، وما أخرجه أيضا أبو دأود من حديث جابر قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقرأ القرآن وفينا الأعرأبي والعجمي فقال:"اقرأوا فكل حسن وسيجيء أقوام يقيمونه كما يقام القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه"، وأخرجه أبو دأود أيضا من حديث سهل بن سعد.

ومما له دخل في منع أخذ الأجرة على ما هو طاعة ما تقدم في الإذان من قوله صلى الله عليه وسلم لعثمان بن أبي العاص: " اتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا"، وفي الباب أحاديث وقد ذهب الجمهور إلي أنها تحل الأجرة على تعليم القرآن وأجابوا عن حديث أبي وعبادة وما في معناهما بأجوبة منها أنها واقعات عينية فتحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أنهما فعلا ذلك خالصا لله فكره أخذ العوض عنه وقد استوفيت ما أجابوا به وما أجيب عليهم في شرحي للمنتقى ومن جملة ما استدل به المجوزون ما أخرجه البخاري وغيره من حديث ابن عباس أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مروا بماء فيهم لديغ أو سليم فعرض لهم رجل من أهل الماء فقال هل فيكم من راق فإن في الماء رجلا لديغا أو سليما فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء فجاء بالشاء إلي أصحابه فكرهوا ذلك وقالوا أخذت على كتاب الله أجرا حتى قدموا المدينة فقالوا يا رسول الله أخذ على كتاب الله أجرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله"، فإن هذا العموم يدل على جواز أخذ الأجرة على القرآن على كل وجه من وجوه الإجارات وقد خصص بالأحاديث المتقدمة فيقتصر المنع على ما اشتملت عليه.

قوله: "ولا محظورة".

أقول: يدل على هذا ما ورد في الأحاديث من النهي عن مهر البغي وحلوان الكاهن فإن العلة في المنع من هذه ونحوها هى كونها محرمة فيلحق بذلك كل محرم للاستواء في علة المنع.

وأما قوله: "وشرط كل مؤجر ولايته" فوجهه أنه لا يجوز استعماله إلا بإذن مالكه أو من ينوب عن المالك وإلا كان ذلك من باب الغصب لا من باب الإجارة وهكذا لا بد من تعيين ما أستأجره أو استؤجر عليه وإلا كان الانتفاع به متعذرا وهكذا لا بد من تعيين مدته ويصح أن تكون الإجارة غير مشتملة على مدة معلومة وذلك كان يستأجره على كذا في كل يوم بكذا أو في شهر بكذا فإن هذه الإجارة صحيحة ولم يرد ما يدل على امتناعها وهما بالخيار أحدهما ترك ذلك كان له من غير حرج وأما اشتراط تعيين الأجرة فيدل عليه ما أخرجه أحمد

ص: 573

"3/59، 68، 71"، من حديث أبي سعيد قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن استئجار الأجير حتى يبين له أجره قال في مجمع الزوائد ورجال أحمد رجال الصحيح إلا أن إبراهيم النخعي لم يسمع من أبي سعيد فيما أحسب انتهى وأخرجه أيضا عبد الرزاق وإسحق في مسنده وأبو دأود في المراسيل والنسائي في المزارعة غير مرفوع ولفظ بعضهم:"من استأجر أجيرا فليسم له أجرته" وأخرجه أيضا البيهقي.

وأما قوله: "ويصح منفعة" فصحيح لأن الاعتبار بما وقع عليه التراضي في الأجرة من عين أو منفعة وما صح أن يكون ثمنا في المبيعات صح أن يكون أجرة في الإجارت.

وأما قوله: "ومنفعته أن اختلفت وضررها" فصحيح لأن الاحتمال لمنافع من غير تراض على تسليط المستأجر على كل منفعة يكون سببا لتوقف الانتفاع الذى هو المقصود من الإجارة.

وأما قوله: "يجوز فعل الأقل ضرا وأن عين غيره" فغير مسلم بل يجب عليه الاقتصار على المنفعة التى وقع التراضي عليها فقد يكون في فعل غيرها وإن كان أقل ضررا مفسده على المؤجر وقد يكون مخالفا لغرضه فلا يجوز فعل غير ما تراضيا على تعيينه.

قوله: "ويدخلها الخيار".

أقول: وجهه أن الأغراض في المنافع مختلفة كاختلافها في الأعيان فللمسلط على منافع العين مدة من الزمان أن يفسخها بما يفسخ به المبيع إذا كان لذلك وجه مقبول يلحقه يفوت الغرض في الأعيان وهكذا يدخلها التخيير فإنه إذا جاز في البيع كما تقدم في الأحاديث الصحيحة فدخوله في المنافع من باب فحوى الخطاب وهكذا يدخل الإجارة التعليق بوقت مستقبل نحو أن يقول أجرت منك هذه العين في شهر كذا من الشهور المستقبلة ولا يمنع من هذا شرع ولا عقل وما قيل من أنه يخالف ما سيأتي من قوله ولا يدخل عقد على عقد فوهم ولو صح هذا الوهم لما كان في هذه المخالفة لما هو مبني على مجرد الرأي للبحث بما يقدح في هذا التعليق وقد عرفناك غير مرة أن المناط في تحليل الأموال أعم من أن يكون أعيانا أو منافع هو التراضي إلا أن يرد الشرع الذى يقوم به الحجة بمنع التراضي في ذلك بخصوصه كما ورد في النهي عن مهر البغي وحلوان الكاهن ونحوهما وأما كونه يدخل الإجارة التضمين للعين فوجهه أن المستأجر لها رضي لنفسه بذلك فكان هذا الرضا الصادر منه محللا لماله الذى دفعه في ضمانها ولا حجر في مثل هذا ولا وجه لقوله من قال إنه لا يصح.

قوله: "ويجب الرد" الخ.

أقول: وجهه قوله صلى الله عليه وسلم: "على اليد ما أخذت حتى تؤديه"، وقد قدمنا ذكره من باب القرض وبيان من خرجه فهذا المستأجر للعين قد أخذ العين من مالكها للانتفاع بها بأجرة فكان عليه تأديتها إلي مالكها ولا نزاع في دخول المستأجر تحت هذا العموم فقول المصنف:"وإلا ضمن" صحيح يصدق عليه قوله في الحديث: "على اليد ما أخذت" فإن المراد به على اليد ضمان ما أخذت حتى تؤديه.

ص: 574

[فصل

وإنما تستحق أجرة الأعيان باستيفاء المنافع أو التخلية الصحيحة فإن تعذر الانتفاع لعارض في العين سقط بحصتها وعلى المالك الإصلاح فإن تعذر في المدة سقط بحصتها وإذا عقد لاثنين فللأول إن ترتبا وإجازته عقد المالك لنفسه فسخ لا إمضاء ثم للقابض ثم للمقر له وإلا اشتركا إلا لمانع وللمستأجر القابض إلي غير المؤجر لمثل ما أكترى وبمثله وإلا فلا إلا بإذن أو زيادة مرغب ولا يدخل عقد على عقد أو نحوه إلا في الأعمال غالبا وما تعيب ترك فورا ولو خشي تلف ماله لا نفسه وإلا كان رضا ومنه نقصان ماء الأرض الناقص للزرع لا المبطل له أو لبعضه فتسقط كلها أو بحصته وإذا انقضت المدة ولما يحصد الزرع وينقطع البحر بلا تفريط بقي بالأجرة] .

قوله: "فصل: وإنما تستحق أجرة الأعيان باستيفاء المنافع".

أقول: وجهه أن الأجرة هى إلي مقابل المنفعة المتعلقة بالعين فلا يستحقها من هى له إلا بانتفاع المستأجر لها بها ولكنها إذا كانت المنافع مما يتجدد الانتفاع به في الأوقات كان للمؤجر أن يطالب المستأجر بقدر أجرة ما قد انتفع به ولا يلزمه أن يمهله حتى يستوفي كل ما تراضيا عليه إلا أن يتراضيا على تأجير تسليم الأجرة إلي استيفاء جميع ما تعلق به الإجارة من المنافع كان ذلك لازما لهما.

وأما قوله: "والتخلية الصحيحة" فمبني على أن التأجير إذا وقع لمدة كان الدخول في الإجارة بمثابة الرضا بدفع ما تراضيا عليه من الأجرة وإن لم يشرع في الانتفاع كما تقدم في البيع ولكن بين البأبين بون بعيد فإن المشتري بمجرد قبضه للمبيع صار ملكا له يتصرف به كيف يشاء وأما الإجارة فالمنافع لمالك العين وليس للأجير إلا الانتفاع في وقت من الزمان فإلزامه بتسليم أجرة ما لم ينتفع به غير معقول وربما يتعذر الانتفاع لعارض في العين كما ذكره المصنف هنا فإنه يسقط بحصتها من الأجرة فكيف يكلف المستأجر بالتسليم للجميع مع الاحتمال.

وأما قوله: "وإذا عقد لاثنين فللأول" فظاهر لأنه قد صار من تقدم العقد له أحق بها كما تقدم في البيع.

وأما قوله: "وإجازته عقد المالك لنفسه فسخ لا إمضاء" فوجهه أنه قد رضي بذلك بعد أن صار مستحقا للمنفعة فكأنه فسخ العقد الذى كان في يده وإذا علم ترتب العقدين ثم التبس كان القابض للعين التى تعلقت بها المنفعة أولى بالمنفعة لأن ذلك دليل على تقدم عقدة وفيه نظر لأنه يمكن أن يسبق إلى القبض من تأخر عقده ومع الاحتمال لا يتم الاستدلال وهكذا يكون إقرار البائع لأحدهما بتقدم عقده مفيد التقدمة وفيه نظر على قواعدهم لأن هذا الخبر من المالك فيه

ص: 575

تقرير لفعله وهم يجعلون ذلك قادحا كما سيأتي في الشهادات.

وأما قوله: "وإلا اشتركا" فوجهه عدم وجود مرجح لأحقية أحدهما والأولى أن يقال إن هذا اللبس من كل وجه يقتضي بطلان إجارة كل واحد منهما فيؤجره مالكه ممن شاء لأن الرضا الذى هو المناط الشرعي غير متحقق مع اللبس.

قوله: "وللمستأجر القابض التأجير إلى غير المؤجر".

أقول: المالك للعين مالك لمنافعها ومجرد الإذن لمن يستعمله مدة من الزمان بأجرة لا يدل على جواز صرفها إلى غيره لاختلاف الأشخاص والأغراض والمقاصد وبهذا تعرف أنه لا يجوز للمستأجر أن يؤجرها ولا حق له في ذلك بل حقه مختص باستيفائه للمنافع المأذون له بانتفاعه بها فإن قلت أما كان له في استحقاقه لمنافع العين ما يسوغ له تأجيرها من غيره قلت هذا الاستحقاق سببه إذن المالك له بالانتفاع بها إلى مقابل الأجرة فإخراجها إلى غيره وتسليطه للانتفاع بها لم يتناوله الإذن وأما إذا أذن له مالك العين بذلك فظاهر.

وأما قوله: "أو زيادة مرغب" فلا وجه له فإنه لا يجوز ذلك إلا إذا رضي بذلك المرغب إلى مقابل إخراج العين إلى مستأجر آخر ولا يصح أن يكون مجرد وجود زيادة المرغب مصححا لتأجير المؤجر شاء المالك أم أبى فإن ذلك من الافتيات عليه في ملكه وفيما أمره إليه.

قوله: "ولا يدخل عقد على عقد إلا في الأعمال".

أقول لا مانع من هذا الإدخال لا من شرع ولا عقل ولا وجه لقياس الإجارة على البيع لما قد عرفناك من الفرق بينهما وأيضا قد قدمنا في البيع ما قد عرفته والحاصل أن المناط في الكل التراضي المدلول عليه بقوله تعالى: {تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} [النساء: 29]، فمن زعم تقييد هذا التراضي بقيد لم يدل عليه دليل فهو رد عليه وهكذا قوله:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} [البقرة: 275] ، فمن زعم أنه لا يحل كذا من البيوع بغير دليل فهو رد عليه وإذا كان هذا في البيع الذى هو نقل الأملاك نقلا منجزا فكيف بالتجارة في المنافع الباقية على ملك مالكها ببقاء العين في ملكه والعجب من الفرق بين الأعيان والأعمال مع أن الكل منفعة فإن إجارة الأعيان تسليط المستأجر على الانتفاع بها والإجارة في الأعمال تسليط العامل لصاحب العمل على منافعه.

قوله: "وما تعيب ترك فورا ولو خشي تلف ماله لا نفسه".

أقول: ظهور العيب يقتضي ثبوت الرد به ولا يبطل إلا بمطل شرعي أو حصول الرضا المحقق به وأما هذا الذى جعلوه رضا شاء أم أبى وإن أدى إلى تلف ماله فمن غرائب الرأي وعجائب الاجتهاد ثم التفرقة بين تلف المال والنفس أغرب وأعجب ولا شك أن حفظ النفس مقدم على حفظ المال ولكن إضاعة المال منكر وحرمته مقترنة بحرمة النفوس كما حديث: "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام".

وأما قوله: "ومنه نقصان ماء الأرض" الخ فمن التفريع المستغنى عنه.

ص: 576

[فصل

وإذا اكترى للحمل فعين المحمول ضمن إلا من الغالب ولزم إبدال حامله إن تلف بلا تفويت غرض والسير معه ولا يحمل غيره وإذا امتنع المكتري ولا حاكم فلا أجرة والعكس إن عين الحامل وحده إلا لشرط أو عرف في السوق فيتبعه ضمان الحمل ولا يضمن بالمخالفة إلى مثل الحمل أو المسافة قدرا وصفة فإن زاد ما يؤثر ضمن الكل وأجرة الزيادة فإن حملها المالك فلا ضمان ولو جهلا فإن شورك حاص وكذا المدة والمسافة ولا بالإهمال لخشية تلفهما ومن اكترى من موضع ليحمل من آخر إليه فامتنع أو فسخ قبل الأوب لزمت للذهاب إن مكن فيه وخلي له وإلا فلا] .

قوله: "فصل: وإذا اكترى" الخ.

أقول: مجرد استئجاره على أن يحمل له شيئا على دابته أو على ظهره ليس فيه ما يدل على تضمينه لا بمطابقة ولا تضمن ولا التزام ولا ورد بذلك شرع ولا دل عليه رأي صحيح ولا عقل بل غاية ما يجب على هذا الأجير هو إيصاله إلى المكان الذي عينه المالك ولا يضمن إلا إذا حصلت منه جناية أو تفريط فإن التضمين حكم شرعي يستلزم أخذ مال مسلم معصوم بعصمة الإسلام فلا يجوز إلا بحجة شرعية وإلا كان ذلك من أكل أموال الناس بالباطل وإذا عرفت أن الإجارة إنما هى على إيصال الشيء المحمول إلى المكان الذي وقع التواطؤ عليه فقد صار ذلك واجبا على الأجير سواء كان على حامل واحد أو أكثر وإذا تلف الحامل لزمه إبداله وله أن يستنيب من يسير مع الدواب الحاملة ولا وجه لإيجاب السير وله أن يحمل غيره على تلك الدابة أو غيرها ولا وجه لمنعه من ذلك ولا يستحق الأجرة إلا بإيصاله إلى المكان المعين فإن تلف الحمل دونها بغير جناية منه ولا تفريط استحق حصة ما قد قطعه من المسافة ولا فرق بين أن يكون المعين هو الحامل أو المحمول فإن الكلام في الجميع هو ما ذكرناه ولا وجه للفرق إلا مجرد خيالات لا يحل بناء أحكام الشرع عليها إلا أنه إذا استأجر الدابة لحمل ذلك الحمل المعين إلى المكان المعين فليس لمالكها أن يحمل عليها غيره لأن منافعها قد صارت مستحقة للمستأجر ولكنه لا يحمل فوقها غير ما عينه فإن خالف وتلفت بسبب المخالفة ضمن الدابة بسبب جنايته عليها بالزيادة.

وأما قوله: "من اكترى من موضع" الخ فصحيح فإن المستأجر بسبب امتناعه من التحميل أو فسخه للإجارة قد لزمه قدر ما قد فعله الأجير بإذنه إذا لم يصدر منه ما يكون سببا للتفاسخ على وجه التعدي.

ص: 577