المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الأطعمة والأشربة - السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌[مقدمة لا يسع المقلد جهلها

- ‌كتاب الطهارة

- ‌باب النجاسات

- ‌[باب المياه

- ‌[باب ندب لقاضي الحاجة التواري

- ‌[باب الوضوء

- ‌[باب الغسل

- ‌[باب التيمم

- ‌[باب الحيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌مدخل

- ‌[باب الأوقات

- ‌[باب الإذان والإقامة

- ‌[باب صفة الصلاة

- ‌[باب والجماعة سنة مؤكدة

- ‌[باب سجود السهو

- ‌[باب والقضاء

- ‌[باب صلاة الجمعة

- ‌[باب ويجب قصر الرباعي

- ‌[باب وشرط جماعة الخوف

- ‌[باب وفي وجوب صلاة العيدين خلاف

- ‌[باب ويسن للكسوفين حالهما ركعتان

- ‌[كتاب الجنائز

- ‌كتاب الزكاة

- ‌مدخل

- ‌[باب في نصاب الذهب والفضة

- ‌باب زكاة الإبل

- ‌[باب ولا شيء فيما دون ثلاثين من البقر

- ‌[باب ولا شيء فيما دون أربعين من الغنم

- ‌[باب " ما أخرجت الارض في نصاب فصاعدا ضم احصاده الحول

- ‌[باب " ومصرفها من تضمنته الآية

- ‌[باب والفطرة تجب من فجر أول شوال إلي الغروب

- ‌كتاب الخمس

- ‌كتاب الصيام

- ‌مدخل

- ‌[باب وشروط النذر بالصوم

- ‌[باب الاعتكاف وشروطه

- ‌كتاب الحج

- ‌مدخل

- ‌باب العمرة

- ‌باب المتمتع

- ‌باب القارن

- ‌كتاب النكاح

- ‌مدخل

- ‌باب على واهب الأمة وبائعها استبراء غير الحامل

- ‌[باب الفراش

- ‌كتاب الطلاق

- ‌[باب إنما يصح من زوج مختار مكلف

- ‌[باب الخلع

- ‌[باب العدة

- ‌[باب الظهار

- ‌[باب الايلاء

- ‌[باب اللعان

- ‌[باب الحضانة

- ‌[باب النفقات

- ‌[باب الرضاع

- ‌كتاب البيع

- ‌مدخل

- ‌باب الشروط المقارنة للعقد

- ‌باب الربويات

- ‌[باب الخيارات

- ‌باب ما يدخل في المبيع

- ‌باب البيع غير الصحيح

- ‌باب المأذون

- ‌باب المرابحة

- ‌[باب الإقالة

- ‌[باب القرض

- ‌[باب الصرف

- ‌[باب السلم

- ‌كتاب الشفعة

- ‌كتاب الإجارة

- ‌مدخل

- ‌باب وإجارة الآدميين

- ‌باب المزارعة

- ‌باب الإحياء والتحجر

- ‌باب المضاربة

- ‌كتاب الشركة

- ‌مدخل

- ‌باب شركة الأملاك

- ‌باب القسمة

- ‌كتاب الرهن

- ‌كتاب العارية

- ‌كتاب الهبة

- ‌كتاب الوقف

- ‌كتاب الوديعة

- ‌كتاب الغصب

- ‌كتاب العتق

- ‌مدخل

- ‌[باب والتدبير

- ‌باب الكتابة

- ‌[باب الولاء

- ‌كتاب الأيمان

- ‌مدخل

- ‌[باب الكفارة

- ‌باب النذر

- ‌باب الضالة واللقطة واللقيط

- ‌باب الصيد

- ‌باب الذبح

- ‌باب الأضحية

- ‌باب الأطعمة والأشربة

- ‌باب اللباس

- ‌كتاب الدعاوى

- ‌كتاب الإقرار

- ‌كتاب الشهادات

- ‌كتاب الوكالة

- ‌باب الكفالة

- ‌باب الحوالة

- ‌باب التفليس

- ‌باب الصلح

- ‌باب الإبراء

- ‌باب الإكراه

- ‌باب القضاء

- ‌كتاب الحدود

- ‌مدخل

- ‌باب حد القذف

- ‌باب حد الشرب

- ‌باب حد السارق

- ‌كتاب الجنايات

- ‌مدخل

- ‌باب الديات

- ‌باب القسامة

- ‌كتاب الوصايا

- ‌كتاب السير

الفصل: ‌باب الأطعمة والأشربة

يصح الاستدلال بحديث: "الختان سنة في الرجال ومكرمة في النساء"، [أحمد "5/75"] ، لأن السنة تشمل الثابت من سنته صلى الله عليه وسلم وآله وسلم أعم من أن يكون واجبا أو مسنونا أو مندوبا على أن هذا الحديث في إسناده من لا يقوم به الحجة مع كونه مضطربا اضطرابا شديدا وقد ذكرت ذلك في شرح المنتقى وذكرت عدم انتهاض الأدلة على الوجوب ولكن الصواب ما هنا.

ص: 724

‌باب الأطعمة والأشربة

[فصل

يحرم كل ذي ناب من السبع ومخلب من الطير والخيل والبغال والحمير الأهلية وما لا دم له من البري غالبا وما وقعت فيه ميتة إن أنتن بها وما استوى طرفاه من البيض وما حوته الآية إلا الميتتين والدمين ومن البحري ما يحرم شبهه في البري كالجري والمار ما هي والسلحفاة] .

قوله: "باب الأطعمة والأشربة".

قوله: "فصل: يحرم كل ذي ناب من السبع وذي مخلب من الطير".

أقول: هكذا جاءت السنة الصحيحة الثابتة من طريق جماعة من الصحابة بأنه يحرم كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير ولا خلاف في ثبوت ذلك وقيام الحجة به فلا يخرج من هذا العموم الشامل إلا ما خصصه الدليل الذي تقوم به الحجة فمن جاءنا بالخاص المقبول فبها ونعمت وجب علينا بناء العام على الخاص ومن لم يأت فهو محجوج بهذا العموم وكلامه رد عليه.

ومما ينتهض لتخصيص عموم كل ذي ناب من السباع حديث عبد الرحمن بن عبد الله ابن أبي عمارة قال: قلت لجابر: الضبع أصيد هي؟ قال: نعم قلت: آكلها؟ قال: نعم قلت: أقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم، أخرجه الشافعي وأحمد "3/318، 322"، وأهل السنن أبوز داود "3801"، الترمذي "1791"، النسائي "7/200"، ابن ماجة "3236"، والبيهقي وصححه البخاري والترمذي "5/252"، وابن حبان وابن خزيمة وأما إعلال ابن عبد البر لهذا الحديث بعبد الرحمن المذكور فوهم فإنه ثقة مشهور وثقة جماعة من الحفاظ ولم يتكلم فيه أحد وهكذا لا وجه لإعلاله بالإرسال ولم يعارض بشيء يعتد به.

قوله: "والخيل".

أقول: لم يأت دليل يدل على تحريمها والأصل الحل لعموم قوله عزوجل: {قُلْ لا أَجِدُ

ص: 724

فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ} ومع هذا فقد ورد في حل أكلها ما تقوم الحجة ببعضه فثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في لحوم الخيل وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أسماء بنت أبي بكر قالت ذبحنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا ونحن بالمدينة فأكلناه وفي لفظ لأحمد "6/346، 347": "فأكلناه نحن وأهل بيته".

وقد أجمع الصحابة على حل الخيل ولم يخالف في ذلك أحد منهم وقد كانت الجاهلية تأكلها في الإسلام وقرر ذلك وما روى عن ابن عباس من أنه قال بكراهيتها فلم يثبت ذلك عنه من وجه صحيح وقد قال بالكراهة الحكم بن عتيبة ومالك وبعض الحنفية والحق الحل بلا كراهة.

وأما الاستدلال على التحريم بقوله عزوجل: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا} [النحل: 8] .فساقط لأن الامتنان بنعمة من النعم التي أنعم الله بها على عباده فيما خلقه من الحيوانات لا ينافي غيرهما من النعم هذا على تقدير عدم ورود الأدلة الدالة على الحل فكيف وقد وردت هذه الأدلة التي ذكرناها والبعض منها يكفي وأيضا لو نظرنا إلى الأدلة القرآنية فقط لكان قوله عزوجل: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً} [الأنعام: 145]، الآية وقوله:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} [البقرة: 29]، يدلان بعمومهما على الحل ولا يصلح مجرد الامتنان بنعمة الركوب والزينة لتخصيص عمومهما لعدم الملازمة بين الامتنان والتحريم وأيضا الآية أعني قوله:{لِتَرْكَبُوهَا} مكية بالاتفاق وتحليل الخيل كان بعد الهجرة فلو فرضنا أن فيها دلالة كما زعموا لكانت منسوخة بأدلة التحليل.

قوله: "والبغال".

أقول: قد ذهب الجمهور إلى تحريمها ولا بد من مخصص لها من عموم قوله: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً} وقد أخرج أحمد "3/361"، والترمذي "1793"، بإسناد لا بأس به من حديث جابر قال: حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر لحوم الحمر الإنسية ولحوم البغال وأخرج أحمد "4/89"، من حديث خالد بن الوليد بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن ينادى وفيه:"وحرام عليكم لحوم الحمر الأهلية وخيلها وبغالها" وقد ضعفه جماعة من أهل الحديث ولكنه معتضد بالحديث الأول وبعموم القرآن وأخرجه أيضا أبو داود "3790"، من حديثه بلفظ نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البغال والحمير ولم ينهنا عن الخيل وأخرجه أيضا ابن حبان وصححه.

قوله: "والحمر الأهلية".

أقول: الأحاديث الثابتة في تحريم الحمر الأهلية متواترة فمنها في الصحيحين من حديث جابر البخاري "5524"، مسلم "36/1941"، وابن عمر البخاري "5521"، مسلم "24/561"، وابن عباس البخاري "4227"، مسلم "23/1939"، وأنس البخاري "5528"، مسلم "34/1940"، والبراء بن عازب

ص: 725

البخاري "2225، 5526"، مسلم "28/193"، بن الأكوع البخاري "2477"، مسلم "33/1802"، وأبي ثعلبة الخشني البخاري "5527"، مسلم "23/1936"، وعبد الله بن أبي أوفى البخاري "5525، 5526"، مسلم "26/1937" وهو أيضا في صحيح البخاري "7/451"، من حديث زاهر الأسلمي وهو في الترمذي من حديث أبي هريرة "1795"،والعرباض بن سارية "1474"، وهو أيضا عند أبي داود والنسائي من حديث خالد بن الوليد وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وعند أبي داود "3806"، والبيهقي من حديث المقدام بن معد يكرب فالقائل بحلها مخالف لما تواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأما قول جابر بن زيد أنه أبى تحريم الحمر الأهلية البحر ابن عباس وقرأ: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً} [المائدة: 139] ، الآية فيقال لجابر قد أبى هذا الإباء من البحر ابن عباس هذه البحار الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو من جملة رواتها والحجة في روايته لا في رأيه ولو كان بيده رواية لم تقو على مطاولة هذه الجبال الرواسي.

وأما التمسك بعموم الآية فإذا لم يصلح لتخصيصها ما ثبت في السنة تواترا لم يصلح شيء من السنة للاستدلال به للقطع بأن المتواتر منها هو أرفع درجاتها وأعلى رتبها وما استلزم الباطل المجمع على بطلانه باطل بالإجماع.

وأما ماأخرجه أبو داود "3809"، عن غالب بن أبجر قال أصابتنا سنة فلم يكن في مالي ما أطعم أهلي إلا سمان حمر فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت إنك حرمت لحوم الحمر الأهلية وقد أصابتنا سنة قال:"أطعم أهلك من سمين حمرك فإنما حرمتها من أجل جوال القرية"، فلا يقوم به الحجة لما في إسناده من الضعف وفي متنه من الشذوذ هذا على تقدير عدم المعارض له فكيف وهو خلاف ما تواتر من السنة.

وأما الحمر الوحشية فالإجماع على حلها ثابت وقد صادها الصحابة وأكلوها وأكلها رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر أواضح من أن يحتاج إلى التنبيه عليه.

قوله: "وما لا دم له من البري".

أقول: قد عرفت أن القرآن قد دل على أصالة الحل فلا يخرج عنه إلا ما دل الدليل الصحيح على تحريمه وأما استدلال من استدل على تحريم الأكل بكون الحيوان مأمورا بقتله منهيا عن قتله فهذا استدلال آخر وهو أن الأمر بالقتل أو هو النهي عن القتل يقتضيان تحريم المأمور بقتله أو المنهي عن قتله ولا دليل على ذلك.

وأما الاستدلال على تحريم ما تستخبثه بقوله تعالى: {كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [المؤمنون:51]، وبقوله:{كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 57، 172]، فغاية ذلك الأمر بأكل ما طاب من دون تعرض للمنع من أكل ما لم يطب وهو المستخبث إلا على القول بأن الأمر بالشيء نهي عن ضده وهو هنا بعيد ولكن إذا ضم إلى ذلك قوله تعالى:{وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] ، أفاد المطلوب من تحريم الخبائث.

ص: 726

وأما قوله: "وما وقعت فيه ميتة إن أنتن بها" فوجهه أنه قد صار مستخبثا.

وأما قوله: "وما استوى طرفاه من البيض" فلعل وجه هذا الاستقراء ولا يستوي الطرفان إلا في بيض ما يحرم بيضه ولا فائدة لهذا التنصيص على هذا الجزئي بل ما كان حراما كان بيضه حراما وكذلك جميع أجزائه وجميع ما ينفصل عنه.

وأما قوله وما حوته الآية فظاهر.

وأما استثناء الميتتين والدمين فوجه ذلك ما ورد من قوله صلى الله عليه وسلم: "أحل لكم ميتتان ودمان"، كما تقدم وهو يخصص عموم:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] .

قوله: "ومن البحري ما يحرم شبهه في البري".

أقول: هذه الكلية محتاجة إلى دليل فإن حيوانات البحر قد دخلت تحت قوله: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً} وما ورد في معناه واختصت بقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96]، وقوله صلى الله عليه وسلم:"هو الطهور ماؤه الحل ميتته"، فلا وجه للقول بتحريم ما يشابه ما حرم من البري بل يقال الأصل حل كل حيوان بحري إلا ما أخرجه الدليل من هذا الأصل ومن عموم الأدلة أو كان مستخبثا لما تقدم.

[فصل

ولمن خشي التلف سد الرمق منها ويقدم الأخف فالأخف إلى بضعة منه وندب حبس الجلالة قبل الذبح وإلا وجب غسل المعاء كبيضة الميتة ويحرم شم المعضوب ونحوه كالقبس لا نوره ويكره التراب والطحال والضب والقنفذ والأرنب والوبر] .

قوله: "فصل: ولمن خشي التلف سد الرمق منها".

أقول: كان يحسن من المصنف أن يقتدي بعبارة القرآن الكريم في قوله: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ} [البقرة: 173]، فمجرد حصول الضرورة إلى الأكل من الميتة مسوغ لأكلها وإن لم يخش التلف ويجوز له أن يأكل منها ما يكفيه ولا يلزمه الاقتصار على مجرد سد الرمق وحكم غير الميتة من المحرمات حكمها لأن تحريمها لا يزيد على تحريم الميتة ولهذا وقع الاستثناء في الكتاب العزيز بقوله:{إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] ، ولكنه ينبغي تقديم ميتة المأكول على غير المأكول لأن استخباث النفس لميتة المأكول دون استخباثها لميتة غير المأكول وهو معنى قول المصنف ويقدم الأخف فالأخف.

وأما قوله: "إلى بضعة منه" فلا شك أن في هذا إضرار بالنفس فإن كان دون ضرر الجوع فعل وذلك بأن يخشى إن بقي على الجوع أن ينتهي إلى الموت ولا يخشى مثل ذلك في أكل بضعة من نفسه.

ص: 727

قوله: "وندب حبس الجلالة قبل الذبح".

أقول: قد ثبت النهي عن أكل لحمها كما أخرجه أحمد وأبو داود "3785"، وابن ماجة "3189"، والترمذي 1824"، وحسنه بلفظ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها وأخرج أحمد "2/219"، وأبو داود "3811"، والنسائي "4447"، والحاكم والدارقطني والبيهقي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية وعن الجلالة عن ركوبها وأكل لحومها وفي الباب عن أبي هريرة في النهي عن الجلالة قال ابن حجر وإسناده قوي وثبت أيضا النهي عن شرب لبنها من حديث ابن عباس عند أحمد "1/226، 321، 339"، وأبي داود "3786"، والترمذي "1825"، والنسائي "4448"، وابن حبان والحاكم والبيهقي وصححه الترمذي وابن دقيق العيد وظاهر هذه الأحاديث التحريم لأنه حقيقة النهي فلا يجوز ذبحها قبل الحبس فإن فعل كان أكلها حراما لا كما قال المصنف وإلا وجب غسل المعاء كبيضة الميتة فإنه لا دليل يدل على أن هذا الغسل محلل لذلك المحرم.

قوله: "ويحرم شم المغضوب".

أقول: المحرم هو أن يأتي إلى العين المغصوبة فيشتمها لا إذا فاحت رائحتها في الهواء فوصلت إلى محل الشم من الذي يقصد ذلك فإن هذا لا تحريم فيه والتكليف به تكليف بما لا يطاق وهو لم يشتم نفس المغصوب إنما كان ذلك بتموج الهواء وإيصال بعض أجزائه لتلك الرائحة إلى بعض.

وأما قوله: "ونحوه كالقبس" فقد تقدمت الأدلة الدالة على الاشتراك في النار فلا بد من مخصص يخصص هذا من عموم أدلة الاشتراك.

وأما قوله: "لا نوره" فكان على المصنف أن يجعله كالشم لأنها أعراض منفصلة من النار كانفصال أعراض الرائحة من الطيب ولا فرق بينهما إلا كون هذا العرض النوري من الأعراض المدركة بحاسة البصر ورائحة الطيب من الأعراض المدركة بحاسة الشم والحق ما عرفناك من أن ذات النار فضلا عن لهبها فضلا عن مجرد نورها مشتركة بين العباد.

قوله: "ويكره التراب".

أقول: وجهه أنه مما يضر بالبدن ويؤدي إلى التلف كما ذلك معلوم بالوجدان في كلم من حبب إليه أكل نوع من أنواع التراب وحفظ النفس واجب وقد قال الله عزوجل: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} وقد ثبت في السنة أن قاتل نفسه يخلد في النار ولا فرق بين سبب وسبب فهذا يدل على تحريم أكل التراب وأما إنكار مجرد الكراهة لعدم صحة الأدلة الواردة في النهي عن التراب فمن ضيق العطن.

قوله: "والطحال".

ص: 728

أقول: ليس على هذه الكراهة أثاره من علم بل القول بها دفع لما ثبت في حديث: "أحل لنا ميتتان ودمان الكبد والطحال والسمك والجراد" وقد ادعى بعض أهل العلم الإجماع على عدم الكراهة ويقدح في دعوى هذا الإجماع حكاية الترمذي في سننه عن بعض أهل العلم أنه يقول بكراهته.

قوله: "والضب".

أقول: الأحاديث الصحيحة الثابتة في الصحيح قد دلت على أنه حلال كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "كلوا فإنه حلال ولكنه ليس من طعامي"، كما في صحيح مسلم [البخاري "7267"، مسلم "42/1944"، وغيره [أحمد "2/137"، وكما في الصحيحين [البخاري "5391"، مسلم "44/1946"] ، وغيرهما [أبو داود "3794"، النسائي "4326"، ابن ماجة "3241"]، عن خالد بن الوليد أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أحرام الضب يا رسول الله؟ قال: "لا ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه"، قال خالد فاجتررته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر فهذا يدل دلالة بينة أنه حلال وأنه لم يترك أكله صلى الله عليه وسلم إلا لكونه ليس مما يؤكل في أرض قومه فعافه ومثل هذا لا تثبت به الكراهة.

وقد ثبت عند مسلم "49/1950"، وغيره من حديث عمر بن الخطاب أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحرمه.

وأما ما روى من حديث أبي سعيد عند مسلم وغيره أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني في غائط مضبة وإنه عامة طعام أهلي فلم يجبه فقلنا: عاوده فعاوده فلم يجبه ثلاثا ثم ناداه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثالثة فقال: "يا أعرابي إن الله لعن أو غضب على سبط من بني إسرائيل فمسخهم دواب يدبون في الأرض ولا أدري لعل هذا منها فلست آكلها ولا أنهي عنها"، فينبغي أن يحمل على أنه صلى الله عليه وسلم قال هذا قبل أن يعلم أن الله سبحانه لم يجعل لممسوخ نسلا كما في صحيح مسلم "33/2663"، وغيره أحمد "4/258، 259"، فلا يصح أن يكون هذا التردد منه صلى الله عليه وسلم في كونه مما مسخ علة في الكراهة فقد تبين في قوله:"أنه لا نسل لممسوخ".

وأما ما روي من النهي عن أكل الضب فقد ضعف الأئمة الحفاظ هذا الحديث فهو لا يصلح للحجة على فرض انفراده عن المعارض فكيف وقد عورض بما هو أوضح من شمس النهار وأما دعوى ابن حجر أن إسناده حسن فلا يصح ذلك ردا لما علله به الحفاظ من العلل القادحة ولو قدرنا أنه حسن لم ينتهض لمعارضة شيء من أدلة الحل قال النووي وأجمع المسلمون على أن الضب حلال ليس بمكروه إلا ما حكي عن أصحاب أبي حنيفة من كراهته وإلا ما حكاه القاضي عياض عن قوم أنهم قالوا هو حرام وما أظنه يصح عن أحد فإن صح عن أحد فمحجوج بالنصوص وإجماع من قبله انتهى.

ولو قدرنا أنه ورد شيء على الكراهة كان حمله على أن ذلك قبل أن يتبين حال الضب أن ليس بممسوخ متعينا فليس في المقام ما يصلح للاحتجاج به على الكراهبة أصلا.

ص: 729

قوله: "والقنفذ".

أقول: هو من حشرات الأرض وقد أخرج أبو داود "3798"، عن ملقام بن تلب عن أبيه قال: صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أسمع لحشرات الأرض تحريما، قال البيهقي وإسناده غير قوي ولكنه أخرج أحمد "2/381"، وأبو داود "3799"، من حديث أبي عيسى ابن نميلة الفزاري عن أبيه قال كنت عند ابن عمر فسئل عن أكل القنفذ فتلا هذه الآية:{قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً} [الأنعام: 145]، الآية فقال: شيخ عنده سمعت أبا هريرة يقول: ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "خبيثة من الخبائث"، فقال ابن عمر إن كان قال رسول الله هذا فهو كما قال قال الخطابي ليس إسناده بذاك وقال البيهقي إسناده غير قوي ورواية شيخ مجهول وقال ابن حجر في بلوغ المرام إسناده ضعيف فعلى هذا لا تقوم به الحجة في تحريم القنفذ ولا في كراهته وأما إسحاق بن نميلة فقد ذكره ابن حبان في الثقات.

والحاصل أن القول بكراهته فقط غير صواب لأنه إن كان الدليل على ذلك حديث أبي عيسى بن نميلة فهو يدل على التحريم وإن كان الدليل على ذلك غيره فما هو والأصل الحل بدليل الكتاب العزيز كما قدمنا الإشارة إلى ذلك ومما يدل على هذه الأصالة ما أخرجه الترمذي وابن ماجة من حديث سلمان الفارسي قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السمن والجبن والفراء فقال: "الحلال ما أحل الله في كتابه والحرام ما حرم الله في كتابه وما سكت عنه فهو مما عفا لكم عنه"، وأخرجه أيضا الحاكم في المستدرك.

وأخرج البزار وقال سنده صالح والحاكم صححه من حديث أبي الدرداء رفعه بلفظ: "ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئا"، وتلا:{وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} [مريم: 64] .

وأخرج الدارقطني من حديث أبي ثعلبة رفعه إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها.

وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته"، وفي الصحيحين [البخاري "البخاري "6858"، مسلم "1337"، أيضا من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"، وفي الباب أحاديث شاهدة لثبوت أصالة الحل في كل شيء ما لم ينقل عنه ناقل تقوم به الحجة.

قوله: "والأرانب".

أقول: استدلوا على الكراهة بما أخرجه وأحمد والنسائي بإسناد رجال ثقات من حديث أبي هريرة قال جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأرنب فلم يأكل وأمر أصحابه أن

ص: 730

يأكلوا، ولا دليل في هذا على الكراهة لأن إمساك النبي صلى الله عليه وسلم يمكن أن يكون لسبب من الأسباب كعدم الإلف لأكلها أو عدم انبعاث الشهية إليها.

ومثل هذا الحديث من الدلالة على الحل وعدم الكراهة ما أخرجه أحمد "3/471"، وأبو داود "2822"، والنسائي 7/197"، والترمذي "1472"، وابن ماجه "3175"، 3244"، وابن حبان والحاكم من حديث محمد بن صفوان أنه صاد أرنبين فذبحهما بمروتين فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره بأكلهما.

وكذلك ما في الصحيحين وغيرهما من حديث أنس قال أنفجنا أرنبا بمر الظهران فسعى القوم فلغبوا وأدركتها وأخذتها فأتيت بها أبا طلحة فذبحها وبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوركها وفخذها فقبله قال ابن حجر في الفتح: والقول بحل الأرنب هو قول العلماء كافة إلا ما جاء في كراهتها عن عبد الله بن عمرو بن العاص من الصحابة وعن عكرمة من التابعين وعن محمد بن أبي ليلى من الفقهاء واحتجوا بحديث خزيمة بن جزء قال: قلت: يا رسول الله ما تقول في الأرنب؟ قال: "لا آكله ولا أحرمه" قلت: ولم يا رسول الله؟ قال: "نبئت أنها تدمى" قال ابن حجر: وسنده ضعيف ولو صح لم يكن فيه دلالة على الكراهة.

[فصل

ويحرم كل مائع وقعت فيه نجاسته لا جامد إلا ما باشرته والمسكر وإن قل إلا لعطش متلف أو إكراه والتداوي بالنجس وتمكينه غير المكلف وبيعه والانتفاع به إلا في الاستهلاك واستعمال آنية الذهب والفضة والمذهبة والمفضضة ونحوها وآلة الحرير إلا للنساء ويجوز ما عدا ذلك والتجمل بها]

قوله: فصل: "ويحرم كل مائع وقعت فيه نجاسة لا جامد إلا ما باشرته".

أقول: استدلوا على هذا بما أخرجه البخاري وغيره من حديث ميمونة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن فأرة وقعت في سمن فماتت فقال: "ألقوها وما حولها وكلوا سمنكم" وفي لفظ من هذا الحديث لأبي داود "3843"، والنسائي "4260"، أنه صلى الله عليه وسلم عن الفأرة تقع في السمن فقال:"إن كان جامدا فألقوها وما حولها وإن كان مائعا فلا تقربوه"، وفيه التفرقة بين الجامد والمائع.

وأخرج أحمد وأبو داود "3842"، عن حديث أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فأرة وقعت في سمن فماتت فقال: "إن كان جامدا فخذوها وما حولها ثم كلوا ما بقي وإن

ص: 731

كان مائعا فلا تقربوه"، فتعين حمل رواية ميمونة على السمن الجامد ودلت الرواية الأخرى منه وكذلك حديث أبي هريرة على أنه لا يحل قربانه إذا كان مائعا وهو معنى التحريم فما قاله المصنف هو مدلول ما ذكرناه من الحديثين ولم يعارض ذلك شيء تقوم به الحجة.

قوله: "والمسكر إن قل".

أقول: قد ثبت تحريم الخمر بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين أولهم وآخرهم لم يخالف في ذلك أحد منهم وثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة الثابت ثبوتا متواترا أنه قال: "كل مسكر خمر وكل خمر حرام"، [مسلم "74/2003"، أب داود "3679"، الترمذي "1861"، النسائي "5582"]، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم في أحاديث أنه قال:"ما أسكر كثيره فقليله حرام"، [أحمد "2*91"، ابن ماجة "3392"] ، فحصل على مجموع الأدلة أن كل مسكر من أي نوع خمر وتحريم الخمر ثابت بالضرورة الدينية وأن ما سكر كثيره فقليله حرام فلا يحل نوع من أنواع المسكر قليلا كان أو كثيرا وأما النبيذ فلا دخل له في الكلام على تحريم الخمر فإن الاتفاق كائن على أنه إذا أسكر كان حراما وأن الذي وقع فيه الخلاف منه هو ما ليس بمسكر والمسألة طويلة الذيول كثيرة النقول واسعة الأطراف رحبة الأكناف وقد أوضحنا الكلام فيها في شرحنا للمنتقى فمن أحب الوقوف على حقيقة الحال فليرجع إليه.

وأما قوله: "إلا لعطش متلف" فللضرورة حكمها لا سيما إذا بلغت إلى حد خشية التلف وقد أباح الله للمضطر في كتابه العزيز ما حرمه على غيره واستثنى حالة الاضطرار للمضطرين فذلك حال مخالف لغيره من الأحوال وهكذا المكره فإنه سبحانه قد رفع عنه الخطاب كما قدمنا من الأدلة.

قوله: "والتداوي بالنجس".

أقول: ما حرم الله سبحانه فهو حرام في جميع أحواله ومن ادعى أنه يحل في حالة خاصة وهي حالة التداوي احتاج إلى دليل بخصوص هذا العموم وإلا فعموم الأدلة يرد عليه قوله ويدفع دعواه وهكذا النجس يحرم التلوث به وملابسته في جميع الأحوال فمن ادعى أنه يجوز في حالة التداوي فعليه الدليل المخصص لهذا العموم وإلا كان قوله ردا عليه.

وإذا تقرر لك هذا علمت أن المدعي بجواز التداوي بالحرام والنجس هو المطالب بالدليل لا المانع من ذلك فإن مجرد قيامه مقام المنع يغنيه حتى يزحزحه الدليل فلا يطالب لشيء في قواعد المناظرة لأنه قائم مقام المنع ومتمسك بالأدلة العامة الشاملة لمحل النزاع.

ومع هذا فقد ورد الدليل الدال على المنع من التداوي بالحرام فأخرج أبو داود من حديث أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تتداووا بحرام"، وما قيل من أن في إسناده إسماعيل بن عياش فهو إنما يضعف في روايته عن الحجازيين لا في روايته عن الشاميين وهو هنا روى هذا الحديث عن ثعلبة بن مسلم الخثعمي وهو شامي ثقة.

ص: 732

ويؤيده ما أخرجه مسلم وأحمد "2/305"، والترمذي "2045"، وابن ماجه "2459"، من حديث أبي هريرة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث ومعلوم أن الحرام خبيث وأن النجس خبيث.

وثبت عند مسلم "12/1984"، وأحمد "4/317"، وأبي داود "3873"، والترمذي "2046"، وصححه من حديث وائل بن حجر أن طارق بن سويد سأل النبي صلى الله عليه وسلم على الخير فنهاه عنها فقال إنما أصنعها للدواء فقال:"إنه ليس بدواء ولكنه داء".

ولا يعارض هذه الأدلة إذنه صلى الله عليه وسلم للعرنين أن يشربوا من أبوال الإبل للتداوي بها فإن الخلاف في كونها نجسة أو محرمة معروف مقرر في مواطنه وعلى تقدير أنها نجسة أو محرمة فينبغي بناء العام على الخاص فيكون حديث العرنين مخصصا لتلك الأدلة العامة ولما ذكرناه بعدها.

قوله: "وتمكينه غير المكلف"

أقول: هذا نبأ وغريب وتكليف عجيب لا يرجع إلى عقل ولا نقل ولا رواية ولا دراية ولم نسمع من أيام النبوة إلى هذه الغاية أن منكرا أنكر على من ألقى إلى الكلاب الميتة التي نحرت من دوابه ولا روي عن فرد من أفراد المسلمين أنه تورع في ذلك فأي معروف في مثل هذا؟ وأي منكر يكون من غير بني آدم حتى يجب علينا أن نحول بينه وبينه فإنه لا خلاف أن هذه التكاليف الشرعية إنما هي على بني آدم وليس من تكليفهم أن يمنعوا من لا تكليف عليه مما لم يكلف به نعم علينا إذا رأينا سبعا قد صال على إنسان وعلى ماله أن ندفع عنه ذلك الصائل بحسب الإمكان ولكن دفعه ليس إلا الاحترام مال الآدمي ودمه كإنقاذ الغريق فما لنا والتحريم تمكينه من الميتة ونحوها.

وأما قوله: "وبيعه" فوجهه الحديث الصحيح الذي تقدم في البيع إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه وهكذا قوله والانتفاع به لأن الملابسة للنجس غير جائزة على كل حال فلا بد أن يحمل قوله إلا في الاستهلاك على عدم المباشرة والتلوث وإلا فذاك حرام على كل حال.

فإن قلت: قد أذن صلى الله عليه وسلم كما صح عنه في الانتفاغ بإهاب شاة ميمونة التي ماتت وقال لهم هلا انتفعتم بإهابها وقالوا: يا رسول الله إنها ميتة؟ قال: "أليس في القرظ ما يطهرها"، فقوله:"أليس في القرظ ما يطهرها"، يعني الذبح كما في حديث:"أيما إهاب دبغ فقد طهر" يدل على أن الإهاب كان عند سلخه من الميتة نجسا وكذلك بعد سلخه ومعالجته بالدبغ هي من المباشرة للنجس لأنه لا يطهر حتى يصير مدبوغا فقد وقعت ها هنا المباشرة للنجس والملابسة له.

قلت: يكون هذا خاصا بمثل هذه المنفعة فلا يجوز قربان شيء من النجس إلا ما أذن به الشرع على أنه قد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنما حرم من الميتة أكلها"، [البخاري

ص: 733

"3/355"، مسلم "100/363"، هكذا بصيغة الحصر وقد تقدم الكلام على نجاسة الميتة في كتاب الطهارة.

قوله: "واستعمال آنية الذهب والفضة" الخ.

أقول: الأصل الحل كما يفيده قوله عزوجل: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ} [البقرة: 29]، وقوله:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32] ، فلا ينقل عن هذا الأصل المدلول عليه بعموم الكتاب العزيز إلا ما خصه دليل ولم يخص الدليل إلا الأكل والشرب في آنية الذهب والتحلي بالذهب للرجال فالواجب الاقتصار على هذا الناقل وعدم القول بما لا دليل عليه بما هو خلاف الدليل ولم يرد غير هذا فتحريم الاستعمال على العموم قول بلا دليل وما كان ربك نسيا.

وأما الآنية المذهبة والمفضضة فإن صدق عليها بذلك التذهيب والتفضيض أنها من آنية الذهب والفضة حرام الأكل والشرب فيها وإن لم يصدق عليها ذلك كما هو المعلوم لم تحرم وغاية ما هنا ألا يضع فمه على الموضع الذي فيه الذهب والفضة والعجب من مجاوزة محل التخصيص إلى أبعد مكان حتى قال المصنف ونحوها وفسره بالجواهر فليت شعري ما هذا التجري على التحريم على عباد الله سبحانه بما لم يأذن الله به وقد قرن ذلك بما قرنه في قوله: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ} الأعراف:33] ، إلى قوله:{وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} ومع هذا امتن الله سبحانه على عباده بلبس الجواهر البحرية فقال: {وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [فاطر: 12] ، ومن غيره فقال تلبسها نساؤكم فهو إنما عهد إلى القرآن الكريم فقيده بكلام من قلده وهذه غفلة عظيمة لا ينجو منها إلا من رزقه الله الفهم الصحيح والإنصاف الخالص.

وهكذا لا وجه لقوله وآلة الحرير إلا للنساء فإنه لم يرد على تحريم آلة الحرير على الرجال قط وإنما ورد ما ورد في لبسه وسيأتي الكلام عليه في اللباس إن شاء الله.

وأما قوله: "والتجمل بها" فوجهه أن ذلك مما أحله الله ولم يحرمه كما لم يحرم استعمال الذهب والفضة في غير الأكل والشرب والتحلي بالذهب فالكل حلال طلق أباحه الذي خلقه لعباده لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

[فصل

وندب من الولائم التسع وحضورها حيث عمت ولم تعد اليومين ولا منكر وإجابة المسلم وتقديم الأول ثم الأقرب نسبا ثم بابا وفي الأكل سننه العشر والمأثورات في الشرب وترك المكروهات فيهما]

ص: 734

قوله: فصل: "وندب من الولائم التسع" الخ.

أقول: الوليمة في لسان أهل الشرع هي خاصة بالعرس لا تتناول غيره وقد وردت الأدلة بالترغيب فيها والأمر بها وكذلك وردت الأدلة بمشروعية الإجابة إليها وقد أوضحنا ذلك في شرح المنتقى ومن زعم أنه يقال لغير العرس وليمة فعليه الدليل ولا تلازم بين مشروعية الذبح وكونه يقال له وليمة وإلا لزم في أنواع الضيافات أن يقال لها ولائم لأنه قد ورد الترغيب في ذلك على العموم وهكذا يلزم من الضحايا والهدايا ولا وجه لذلك لا من شرع ولا من لغة.

وإذا عرفت هذا فالعقيقة مثلا قد وردت الأدلة بمشروعيتها كما تقدم ولا يقال لها وليمة ولا تندرج تحت الأحاديث المصرحة بالترغيب في الوليمة والترغيب في الإجابة إليها ما ذكره المصنف لا دليل عليه ولا يثبت في مشروعيته شيء يصلح للاحتجاج به أصلا.

وأما أمره صلى الله عليه وسلم بأن يصنع لآل جعفر طعام فذلك سببه اشتغالهم بما دهمهم من المصيبة عن أن يصنعوا لأنفسهم أو لمن يرد عليهم طعاما وهذا مأتم لا وليمة وترح لا فرح ومصيبة لا مسرة فجعله من الولائم من أعجب ما يسمع السامعون.

قول: "وحضورها حيث عمت".

أقول: لم يرد ما يدل على مشروعية الحضور إلا في العرس فقط فدعوى مندوبية الحضور إلى هذه التسع التي ذكرها كله هو من بناء الباطل على الباطل كما عرفناك ومعلوم أن مراد المصنف حضور من دعى إليها لا حضور من لم يدع فإن ذلك تطفل فترك التقييد بهذا للعلم به وأما اشتراط كونها تعم الغني والفقير فلم يرد ما يدل على تقييد ما صح عنه صلى الله عليه وسلم من قوله: "من دعي إلى الوليمة فليأتها"[البخاري "9/240" مسلم "96/1429"] ، بهذا الشرط ولا تلازم بين كون طعامها شر الطعام وبين ترك حضورها فإن هذه الشرية الكائنة في الطعام إنما جاءت من جهة صاحب الوليمة وكونه دعا إليها الأغنياء دون الفقراء وأما المدعو إليها فقد اتبع السنة بالإجابة.

قوله: "ولم تعد اليومين".

أقول: التقييد بالأيام ورد في الضيافة لا في الوليمة وقد قدم المصنف رحمه الله الكلام على الضيافة وذكر هنا الولائم وذلك يفيد أن هذه الولائم غير الضيافة عنده فتقييد أحدهما بما ورد في الآخر غير صواب ثم على تقدير أنه يصدق على هذه الولائم عنده أنها ضيافة فكان عليه أن يقول ولم يتعد الثلاث لما ثبت في الصحيحين [البخاري "6109، 6476"، مسلم "14/48"] ، وغيرهما [الترمذي "1767، 1768"، ابن ماجة "3675"]، من حديث ابن شريح الخزاعي مرفوعا بلفظ:"والضيافة ثلاثة أيام فما كان كان وراء ذلك فهو صدقة ولا يحل أن يثوى عنده حتى يحرجه" وأما ما ورد "أن الوليمة في اليوم الأول حق وفي اليوم الثاني معروف ومن الثالث رياء وسمعة"، [أبو داود "3745"، أحمد "5/28"، فهو مما لا تقوم به الحجة وإن كان له طرق لا سيما مع معارضته لهذا الحديث الثابت في الصحيح.

ص: 735

ويمكن الجمع على تسليم انتهاض الحديث بأن اليوم الثالث وإن كان من أيام الضيافة لكنه ربما يصحبه الرياء والسمعة فيكون الاقتصار على اليومين أولى وربما لا يصحبه فيكون الثلاثة الأيام أولى لقوله صلى الله عليه وسلم: "والضيافة ثلاثة أيام".

قوله: "ولا منكر".

أقول: وجهه أن الضيافة التي شرعها الشارع من وليمة أو غيرها ليس المراد بها إلا ما كانت واقعة على وجه الشرع خالية عن معاصي الله فإن كانت على غير الصفة الشرعية فليست الضيافة ولا الوليمة التي ندب الشارع إليها وتوعد من لم يجب إليها فإنه عصى الله ورسوله كما صح ذلك عنه صلى الله عليه وسلم.

وإذا عرفت هذا فلا حاجة إلى الاستدلال على اشتراط عدم وجود المنكر في مشروعية الحضور والإجابة ولا سيما إذا كان التبرع بالاستدلال على ذلك لا يسمن ولايغني من جوع.

قوله: "وإجابة المسلم".

أقول: قد اجتمع في إجابة دعوة العرس الأمر والوعيد وكل ذلك ثابت في الصحيح أما الأمر فقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها"، وأما الوعيد فلوصفه صلى الله عليه وسلم:"من لم يجب فقد عصى الله ورسوله".

وأما قوله والأول فبذلك وردت السنة وكذلك تقديم الأقرب جوارا هو الأقرب بابا وأما تقديم الأقرب نسبا فلم يرد ما دل عليه على الخصوص ودعوى تقديمه على الجار مخالفة لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا اجتمع داعيان فأجب أقربهما إليك بابا فإن أقربهما إليك بابا أقربهما جوارا وإن سبق أحدهما فأجب الذي سبق"، [أحمد "5/408"، أبو داود "3756"]، فإنه لا يعارض هذا الخاص الاستدلال بمثل قوله تعالى:{وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: 75] ، فإنه على تقدير عموم هذه الأولوية وتناولها لما نحن بصدده هي مخصصة بهذا الحديث وهو صالح للاحتجاج به وقد عرفت أن دلالة العموم ظنية لا سيما إذا كان شمولها للمتنازع فيه بعيدا جدا كما هنا.

قوله: "وفي الأكل سننه العشر".

أقول: وقد ذكر المصنف في شرحه هذه العشر وأكثرها لا دليل عليه قط وقد ثبت في السنة المطهرة ما يغني عن اختراع السنن بمجرد الرأي وهي إذا تتبعت كانت أكثر من عشر وفي أدلة بعضها ما يدل على وجوب فعله وهكذا آداب الشرب وتعداد جميع ذلك ها هنا يحتاج إلى بسط وليس المراد لنا في هذه التعليقة على هذا الكتاب إلا بيان ما هو صواب من مسائله أو أخطأ وكذلك الإشارة إلى دفع ما اعترض به عليه إذا كان الاعتراض على خلاف الصواب كما قدمنا الإشارة إلى ذلك في الخطبة.

وأعلم أن مكروهات الأكل والشرب هي ما كانت على خلاف ما علمنا الشارع من آدابهما

ص: 736