الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل
وعلى مطلق البهيمة ما جنت فورا مطلقا وعلى متولي الحفظ جناية غير الكلب ليلا والعقور مفرطا مطلقا ولو في ملكه على الداخل بإذنه وإنما يثبت عقورا بعد عقره أو حمله] .
قوله: "فصل: وعلى مطلق البهيمة" الخ.
أقول: السنة الصحيحة كما قدمنا قد اقتضت أنه لا يضمن ما جنته على ملك الغير نهارا من غير فرق بين المالك والمتولي للحفظ وتخصيص الكلب بعدم ضمان جنايته ليلا يحتاج إلى دليل يقتضي ذلك وأما العقور من الحيوانات فالواجب على المالك حفظه عن أن يجني على الغير في كل وقت أو قتله فإذا لم يفعل ذلك فقد عرض نفسه للضمان لأنه فرط في الحفظ أو في دفع ذلك الصائل بالقتل ولكنه إذا حفظه في ملكه ثم دخل إليه داخل بغير إذنه فقد تعدى بالدخول بغير إذن فهدرت جناية العقور عليه وأما كونه يثبت عقورا بعد عقره أو حمله فوجه هذا أنه قد فعل ما يوجب الحفظ له عن الإقدام على الأبدان والأموال فتركه بعد وقوع ذلك منه تفريط ولا وجه لاعتبار المرتين بل المرة الواحدة منذرة بأخواتها موحية لقوة الظن بعوده إلى مثلها والمقام مقام يجب فيه قطع كل ذريعة معلومة أو مظنونة يتوصل بها إليه لأنه معصوم بعصمة الشرع فإما حفظه مالكه حفظ مثله بعد المرة أو قتله حتى يريح نفسه من تبعته ويريح غيره من أذاه.
باب الديات
[فصل
هي مائة من الإبل بين جذع وحقة وبنت لبون وبنت مخاض أرباعا وتنوع فيما دونها ولو كسرا ومن البقر مائتان ومن الشاء ألفان ومن الذهب ألف مثقال ومن الفضة عشرة آلاف ويخير الجاني فيما بينها] .
قوله: "فصل: هي مائة من الإبل" الخ.
أقول: قد اختلفت المذاهب في تنويع المائة من الإبل ومنهم من تمسك بشيء من المرفوع ومنهم من تمسك بما روي عن بعض الصحابة ولا يخفاك أن الحجة إنما تقوم بما صح
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يوجد في كتاب الله عزوجل والمروي في هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مختلف فروي مائة من الإبل من غير تنويع كما أخرجه أبو داود "4543، 4544"، عن عطاء بن أبي رباح عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض الدية على أهل الإبل مائة من الإبل وقد رواه أبو داود مسندا عن عطاء عن جابر ورواه عن عطاء مرسلا بدون ذكر جابر فهذا الحديث يدل على أن الدية هي مائة من الإبل من غير تنويع من كل نوع مقدار معين.
وورد ما يدل على التنويع فأخرج أحمد "6/219"، وأبو داود "4541"، والنسائي "8/42، 43"، وابن ماجه "2630"، عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن من قتل خطأ فديته مائة من الإبل ثلاثون بنت مخاض وثلاثون بنت لبون وثلاثون حقة وعشرة بني لبون ذكر.
وأخرج أحمد ["1/450" وأهل السنن أبو داود "4545"ن الترمذي "4541"، النسائي "8/43"، ابن ماجة "2631"]،البزار والبيهقي والدارقطني عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في دية الخطأ عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون ابن مخاض" وفي لفظ البزار والدارقطني والبيهقي مكان قوله: "عشرون ابن مخاض": "عشرون بنو لبون" وفي إسناده الحجاج بن أرطأة وقال أبو حاتم الرازي: الحجاج يدلس عن الضعفاء فإذا قال حدثنا فلان فلا يرتاب به انتهى وهو هنا قد صرح بالتحديث كما في سنن ابن ماجه فإنه قال حدثنا زيد بن جبير.
فهذان الحديثان قد وقع التصريح فيهما بأن هذا التنويع في دية الخطأ فيقيد بهما ما ورد من إطلاق المائة من الإبل ويكون التنويع على التخيير إما على الحديث الأول أو على الحديث الثاني فالكل سنة ولا ينافي ما في هذين الحديثين ما ورد من تغليظ دية الخطأ شبه العمد كما تقدم في حديث عقبة بن أوس عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوم فتح مكة فقال: "ألا وإن قتيل خطأ العمد بالسوط والعصا والحجر دية مغلظة مائة من الإبل منها أربعون من ثنية إلى بازل عامها كلهن خلفة"، والخلفة الحامل وورد بلفظ:"أربعون في بطونها أولادها"، فهذا جمع بين الأحاديث ودفع للعمل ببعضها وإهمال بعض بدون موجب ولا مرجع.
وأما المصنف فقد جعلها أربعة أنواع كما ترى فخالف ما ورد في الحديثين جميعا وعمل بما أخرجه أبو داود "4553"، عن عاصم بن ضمرة قال قال علي في الخطأ أرباعا خمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون بنات لبون وخمس وعشرون بنات مخاض مع أنه قد روي عنه ما يخالفه.
وأما دية القتل عمدا إذا لم يختر الوارث القصاص فقد أخرج الترمذي وابن ماجه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا بلفظ: "من قتل عمدا سلم إلى أولياء المقتول فإن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا العقل ثلاثين حقة وثلاثين جذعة وأربعين خلفة في بطونها أولادها"، فيجب المصير في تنويع دية العمد إلى هذا الحديث كما وجب المصير
في تنويع الخطأ إلى الحديثين السابقين وكما وجب المصير في تعيين دية الخطأ شبه العمد إلى الحديث المتقدم.
قوله: "ومن البقر مائتان ومن الشاء ألفان".
أقول: يدل على ذلك ما أخرجه أبو داود عن عطاء بن أبي رباح عن جابر قال فرض النبي صلى الله عليه وسلم في الدية على أهل الإبل مائة من الإبل وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشاء ألفي شاة وعلى أهل الحلل مائتي حلة وفيه علتان إحداهما أن في إسناده محمد بن إسحاق وقد عنعن وهو ضعيف إذا عنعن الثانية أن أبا داود رواه تارة عن عطاء عن جابر مسندا وتارة عن عطاء مرسلا ولكنه يشهد له ما أخرجه أحمد ["16/32"، وأبو داود "45441"، والنسائي "8/42،43"، وابن ماجه "2630"]، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قضى رسول الله أن من كان عقله في البقر على أهل البقر مائتي بقرة ومن كان عقله في الشاء ألفي شاة، وفي إسناده محمد بن راشد المكحولي الدمشقي ولكنه قد وثقه جماعة كما قدمنا.
قوله: "ومن الذهب ألف مثقال".
أقول: يدل على هذا ما أخرجه مالك في الموطأ والشافعي وعبد الرزاق وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود والحاكم والبيهقي وصححه جماعة من الأئمة منهم أحمد والحاكم وابن حبان والبيهقي من حديث أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه مرفوعا وفيه: "أن الرجل يقتل بالمرأة وعلى أهل الذهب ألف دينار" وقد قدمنا الكلام على هذا الحديث.
قوله: "ومن الفضة عشرة آلاف درهم".
أقول: المروي عنه صلى الله عليه وسلم أنها اثنا عشر ألف درهم كما أخرجه أبو داود عن عكرمة عن ابن عباس أن رجلا من بني عدي قتل فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ديته اثني عشر ألفا قال أبو داود رواه ابن عيينة عن عمرو عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر ابن عباس وأخرجه الترمذي "1388، 1389"، مرفوعا مرسلا وأخرجه النسائي "4803"، وابن ماجه "2629"، مرفوعا قال الترمذي ولا نعلم أحدا يذكر في هذا الحديث عن ابن عباس غير محمد بن مسلم انتهى ومحمد بن مسلم هذا هو الطائفي وقد أخرج البخاري له في المتابعات ومسلم في الاستشهاد ووثقه يحيى بن معين وقد أخرجه النسائي عن محمد بن ميمون عن ابن عيينة وقال فيه سمعناه مرة يقول عن ابن عباس وأخرجه الدارقطني في سننه عن أبي محمد بن صاعد عن محمد بن ميمون وقال فيه عن ابن عباس.
وقد تقرر أن الرفع زيادة ولم تكن له هاهنا علة قادحة فصلح للاحتجاج به على أن مقدار الدية من الدراهم اثنا عشر ألف درهم ولا ينافي هذا هذا ما أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه في بعض ألفاظهم أنها كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة دينار وثمانية آلاف درهم وأن عمر قال قد غلت الإبل ففرضها على أهل
الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثنا عشر ألفا لأن من علم حجة على من لم يعلم وقد قدمنا أن الذي فرضها من الذهب ألف دينار ومن الفضة اثنى عشر ألف درهم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: "ويخير الجاني فيما بينها".
أقول: هذا هو الحق لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرض كل نوع من أنواعها ولم يبين لنا أن هذا أصل وهذا يدل عنه وإنما كثر ذكر الإبل لأنها غالب أموال العرب فما شاء الجاني من الأنواع المنصوص عليها سلمه وعلى المجني عليه أو وارثه قبول ذلك لأن الشارع أوجب له نوعا من أنواع ولم يوجب له شيئا معينا.
[فصل
وتلزم في نفس المسلم والذمي والمجوسي والمعاهد وفي كل حاسة كاملة والعقل والقول وسلس البول والغائط وانقطاع الولد وفي الأنف واللسان والذكر من الأصل وفي كل زوج في البدن بطل نفعه بالكلية كالأنثيين والبيضتين ونحوهما غالبا وفي أحدهما النصف وفي كل جفن ربع وفي كل سن نصف عشر وهي اثنتان وثلاثون وفي كل أصبع عشر وفي مفصلها منه ثلته! إلا الإبهام فنصفه وفيما دون حصته وفي الجائفة والآمة ثلث الدية وفي المنقلة خمس عشرة ناقة وفي الهاشمة عشر وفي الموضحة خمس وفي السمحاق ربع ولا يحكم حتى يتبين الحال فيلزم في الميت ديته وفي الحي حسب ما ذهب وإن تعدد كالمتواثبين] .
قوله: "فصل: وتلزم في نفس المسلم".
أقول: ليس في هذا خلاف بين أهل العلم وقد دلت عليه الأدلة الكثيرة المتقدم ذكر بعضها وأما المرأة فقد وقع الإجماع إلا عمن لا يعتد به أنها نصف دية الرجل وإنما اختلفوا في أرش الجناية عليها فذهب الجمهور إلى أن ارش الجناية عليها مثل أرش الجناية على الرجل إلى قدر ثلث دية الرجل ثم تستحق بعد ذلك النصف من أرش الرجل لما أخرجه النسائي والدارقطني وابن خزيمة وصححه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى تبلغ الثلث من ديته"، ويؤيده ما أخرجه في الموطأ والبيهقي عن سعيد بن المسيب أنه سئل: كم في أصبع المرأة؟ قال: عشر من الإبل، فقيل له: فكم في أصبعين؟ قال: عشرون من الإبل، فقيل له: فكم في ثلاث أصابع؟ قال: ثلاثون من الإبل، فقيل له: فكم في أربع أصابع؟ قال: عشرون من الإبل، فقال له السائل حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها نقص عقلها؟ فقال له سعيد: أعراقي أنت؟ قال: بل عالم متثبت أو
جاهل متعلم، قال: هي السنة يا ابن أخي، وقد حققنا الكلام عن هذا في شرحنا للمنتقي وليس المراد هنا إلا الاستدلال على أن ديتها على النصف من دية الرجل.
قوله: "والذمي".
أقول: قد اختلفت مذاهب العلماء في قدر دية الذمي والحق أنها على النصف من دية المسلم من غير فرق بين ذمي وذمي لما أخرجه أحمد والنسائي والترمذي وحسنه وابن ماجه وصححه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عقل الكافر نصف دية المسلم"، وفي لفظ من هذا الحديث عن أبي داود كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة دينار وثمانية آلاف درهم ودية أهل الكتاب يومئذ النصف من دية المسلم ولم يثبت ما يخالف هذا الحديث لأن المروي عن بعض الصحابة لا تقوم به الحجة والمرفوع لم يصح وما ورد مطلقا كقوله سبحانه:{وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] ، فهو مطلق مقيد بالسنة وقد أوضحنا الكلام في هذا في شرحنا للمنتقي فليرجع إليه.
وأما قوله: "والمجوسي والمعاهد" فلعله إشارة إلى الخلاف في ذلك وإلا فقد دخلا تحت الذمي لأن المجوسي ذمي والمعاهد ذمي واليهودي والنصراني ذميان وقد شمل الجميع قوله صلى الله عليه وسلم: "عقل الكافر نصف دية المسلم"، فإنه يدخل تحت هذا كل كافر إلا من كان مباح الدم وهو الحربي الذي لا ذمة له ولا عهد.
قوله: "وفي كل حاسة كاملة".
أقول: الحواس الخمس الظاهرة وهي السمع والبصر والشم والذوق واللمس لم يرد ما تقوم به الحجة في أن في كل واحدة منها الدية ولكنه قال ابن حجر في التلخيص إنه وجد من حديث معاذ: "في السمع الدية" قال وهو موجود في حديث عمرو بن حزم الذي اشار إليه وقد رواه البيهقي من طريق قتادة عن ابن المسيب عن علي انتهى.
ولا ندري كيف حديث معاذ وقد روي عن البيهقي أنه قال إسناده لا يثبت مثله وأما حديث عمرو بن حزم الذي أشار إليه فقد ساقه هو أيضا في بلوغ المرام وليس فيه ذكر السمع وهكذا ساقه صاحب المنتقى ولم يذكر السمع وقد أخرج أحمد بن حنبل وابن أبي شيبة عن خالد عن عوف: سمعت شيخا في زمن الحاكم وهو ابن المهلب عم أبي قلابة قال رمى رجل رجلا بحجر في رأسه في زمن عمر فذهب سمعه وبصره وعقله ونكاحه فقضى فيه بأربع ديات وهو حي فهذا غاية ما في الباب جميعه ولا تقوم به الحجة فينبغي الرجوع في ذلك إلى اجتهاد الإمام والحاكم العارفين بالمسالك الشرعية وفي قضاء عمر لهما أسوة إن لم تجدا ما هو أنهض من ذلك.
قوله: "وفي العقل".
أقول: لم يرد في هذا ما تقوم به الحجة وقضاء الصحابي لا يثبت شرعا عاما وغاية ما فيه ما تقدم عن عمر وقد عرفت أن أموال العباد معصومة بعصمة الإسلام فلا يحل إخراج شيء منها عن أملاكهم إلا ببرهان من الله سبحانه ولا حجة في ضعيف يقال إنه مرفوع فإنه ليس مجرد ذكر الرفع مما تقوم به الحجة حتى يثبت فإذا ثبت فسمعا وطاعة.
وهكذا الكلام في قوله والقول وسلس البول وانقطاع الولد أما الأولان فلم يرد في ذلك شيء وأما الثالث فليس فيه إلا الأثر السابق عن عمر وليس مراد المصنف هنا إلا ذهاب هذه القوى بدون ذهاب الآلة التي هي فيها ولهذا أنه ذكرها بعد ذكر هذه.
وقوله: "وفي الذكر من الأصل".
أقول: الدليل على هذا وعلى كثير مما سيأتي ما أخرجه النسائي وابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود والحاكم والبيهقي وأخرجه أيضا أبو داود في المراسيل وصححه جماعة من أئمة الحديث منهم أحمد والحاكم وابن حبان والبيهقي من حديث عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن كتابا وكان في كتابه: " أن من اعتبط مؤمنا قتلا عن بينة فإنه قود إلا أن يرضى أولياء المقتول وأن في النفس الدية مائة من الإبل وأن في الأنف إذا أوعب جدعه الدية وفي اللسان الدية وفي الشفتين الدية وفي البيضتين الدية وفي الذكر الدية وفي الصلب الدية وفي العينين الدية وفي الرجل الواحدة نصف الدية وفي المأمومة ثلث الدية وفي الجائفة ثلث الدية وفي المنقلة خمسة عشر من الإبل وفي كل أصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل وفي السن خمس من الإبل وفي الموضحة خمس من الإبل وأن الرجل يقتل بالمرأة وعلى أهل الذهب ألف دينار"، وهذا الحديث قد تلقته الأئمة بالقبول وقد صرح فيه بأن في الذكر الدية وهو اسم لجميعه فلا يتناول بعضه إلا مجازا وبهذا يظهر صحة قول المصنف وفي الذكر من الأصل.
قوله: "وفي الأنف".
أقول: مراده في الأنف من الأصل كما قال في الذكر ويدل على ذلك ما تقدم في حديث عمرو بن حزم بلفظ: "وإن في الأنف إذا أوعب جدعة الدية"، ومعنى أو عن جدعة أنه قطع جميعه فلا ينافي هذا ما أخرجه البيهقي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قضى النبي صلى الله عليه وسلم إذا قطعت ثندوة الأنف بنصف العقل خمسون من الإبل أو عدلها من الذهب والورق فإنه أراد بالثندوة هنا روثة الأنف وهي طرفه ومقدمه كما قال صاحب النهاية ولا ينافيه أيضا ما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أنه قال عندي كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه:"وفي الأنف إذا قطع مارنه مائة من الإبل"، وذكره الشافعي تعليقا وأخرجه البيهقي من طريق عكرمة بن خالد عن رجل من آل عمر فإن المارن يطلق على الأنف كما يطلق على طرفه والمراد هنا الأنف جميعه قال في القاموس المارن الأنف أو طرفه أو ما لان منه وفي حديث عمرو بن شعيب عند أحمد ["16/53"، وأبي داود "4564"، والنسائي
"8/42، 43"، وابن ماجه "2630"، بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الأنف إذا جدع كله بالعقل كاملا وإذا جدعت أرنبته نصف العقل وهكذا يحمل ما أخرجه البيهقي عن كتاب عمرو بن حزم بلفظ:"وفي الأنف إذا استؤصل المارن الدية كاملة".
قوله: "وفي اللسان".
أقول: وجهه ما تقدم في حديث عمرو بن حزم بلفظ وفي اللسان الدية فظاهره أنه لا بد من قطعه جميعه لأنه حقيقة في ذلك ولا يتناول البعض إلا مجازا والواجب الحمل على الحقيقة وإذا قطع منه ما أبطل الكلام جميعه فقد قام ذلك مقام قطعه جميعه لأن الانتفاع به قد ذهب بذهاب الكلام.
قوله: "وفي كل زوج من البدن". الخ.
أقول: يدل على هذا ما تقدم في حديث عمرو بن حزم بلفظ: " وفي الشفتين الدية وفي البيضتين الدية وفي العينين الدية" وقد ذهب إلى إيجاب الدية في الشفتين جمهور أهل العلم وهكذا إيجابها في البيضتين وقيل إنه مجمع عليه وورد في رواية من هذا الحديث وفي الأنثيين الدية والمراد بهما البيضتان كما صرح به أهل اللغة لا الجلدتان المحيطتان بالبيضتين كما زعم المصنف ولا خلاف في أن الواجب في العينين الدية وهكذا في الرجلين الدية كما يدل على ذلك قوله في حديث عمرو بن حزم المتقدم: "وفي الرجل الواحدة نصف الدية" وهكذا اليدان كما يدل على ذلك من أخرجه مالك في الموطأ من حديث عمرو بن حزم بلفظ: "في اليد خمسون وفي الرجل خمسون" وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث عمرو بن شعيب بلفظ: "وفي اليد إذا قطعت نصف العقل وفي الرجل نصف العقل وفي العين نصف العقل" وقد قدمنا أن في إسناده محمد بن راشد الدمشقي المكحولي ولكنه قد وثقه جماعة.
ومما يعد زوجا في البدن الأذنان وقد روى الدارقطني والبيهقي في كتاب عمرو ابن حزم ما يفيد أن فيهما الدية واعلم أنه لم يرد في السنة ما يدل على لزوم الدية في مثل الحاجبين والثديين وإن شمل ذلك كلام المصنف حيث قال: "وفي كل زوج في البدن" فلا يلزم فيما لم يرد به النص إلا ما يرجحه الحاكم العالم بالأدلة وكيف يستدل وهكذا لا يلزم في جفن العين ولا في الجفنين إلا ما يقدره الحاكم من الأرش لا كما قال المصنف.
قوله: "وفي كل سن نصف عشر الدية".
أقول: يدل على هذا ما تقدم في حديث عمرو بن حزم المتلقي بالقبول بلفظ: "وفي السن خمس من الإبل" وهكذا وقع في حديث عمرو بن شعيب المتقدم بلفظ: "وفي كل سن خمس من الإبل" وهو في مسند أحمد وفي سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه وإسناده إلى عمرو بن شعيب ثقات والخمس من الإبل هي نصف عشر الدية كما قال المصنف هاهنا وظاهر الحديثين أنه لا فرق بين الثنايا والأنياب والضروس لأنه يصدق على كل واحد منها أنه سن
وإلى هذا ذهب الجمهور ولا يعارض ما في الحديثين الصحيحين ما وقع من اجتهاد بعض الصحابة فإنها لا تقوم بذلك حجة إذا انفرد فكيف إذا عارض المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أخرج أبو داود "4559"، وابن ماجه "1650"، والبزار وابن حبان بإسناد رجاله رجال الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الأسنان سواء الثنية والضرس سواء"، فلم يبق بعد هذا وجه للمفاضلة بين الأسنان.
قوله: "وفي كل أصبع عشر من الدية".
أقول: يدل على هذا ما تقدم في حديث عمرو بن حزم بلفظ: "وفي كل أصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل" والعشر من الإبل هي عشر الدية وفي لفظ من حديث ابن عباس: "دية أصابع اليدين والرجلين عشر من الإبل لكل أصبع"، أخرجه الترمذي وصححه "1391"، وأخرج أبو داود "4557"، وابن ماجه "4654"، وابن حبان عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم:"قضى في الأصابع بعشر من الإبل"، وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث عمرو بن شعيب بلفظ:"والأصابع سواء والأسنان سواء"، وأخرج أحمد ["1/227، 229، 345"، والبخاري "12/225"، وأهل السنن أبو داود "4558"، النسائي "8/56، 57"، الترمذي "1392"، ابن ماجة "2652"]،من حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"هذه وهذه سواء"، يعني الخنصر والإبهام وبعض هذا يدفع اجتهاد من فاضل بين الأصابع وقد ذهب إلى ما دلت عليه هذه الأدلة جمهور أهل العلم.
وأما قوله: "وفي مفصلها ثلثه إلا الإبهام فنصفه" فصواب لأن ذلك أحسن ما يقال وإن اختلف النفع فيها واختلف مقدارها فإن من المعلوم أن ما تحت البراجم من المفاصل أكبر منها وهكذا قوله: "وفيما دونه حصته "فيجعل فيه بمقدار نسبته من ذلك المفصل.
قوله: "وفي الجائفة ثلث الدية".
أقول: يدل على هذا ما تقدم في حديث عمرو بن حزم المتلقي بالقبول بلفظ: "وفي الجائفة ثلث الدية" وقد ذهب إلى ذلك الجمهور وحكى صاحب نهاية المجتهد الإجماع عليه وأخرج نحوه البزار من حديث عمر مرفوعا بإسناد ضعيف وأخرجه البيهقي من وجه آخر عنه بإسناد أضعف منه وفي حديث عمرو بن حزم ما يغني عن غيره وهكذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المأمومة بثلث الدية كما في حديث عمرو بن حزم بلفظ: "وفي المأمومة ثلث الدية"، وهكذا في حديث عمرو بن شعيب بلفظ:"والمأمومة ثلث العقل".
قوله: "وفي المنقلة خمس عشرة ناقة".
أقول: هكذا في حديث عمرو بن حزم بلفظ: "وفي المنقلة خمسة عشر من الإبل"، وفي حديث عمرو بن شعيب بمثل هذا اللفظ وفي حديث عمر الذي أخرجه البزار بلفظ:"وفي المنقلة خمس عشرة"، وقد قدمنا الإشارة إلى ضعفه كما قدمنا تصحيح الحديثين اللذين قبله.
قوله: "وفي الهاشمة عشر".
أقول: لم تذكر الهاشمة في حديث عمرو بن حزم ولا في حديث عمرو بن شعيب ولا في سائر الأحاديث المعمول بها وإنما روى ذلك عبد الرزاق والدارقطني والبيهقي عن زيد بن ثابت موقوفا عليه قال ابن حجر في التلخيص لا يصح مرفوعا وحينئذ فينبغي الرجوع في ذلك إلى تقدير الحاكم فيجعل فيها أرش الموضحة الذي سيأتي مع زيادة أرش هشم العظم بحسب ما يقتضيه اجتهاده.
قوله: "في الموضحة خمس".
أقول: يدل على ذلك ما في حديث عمرو بن حزم المتقدم بلفظ: "وفي الموضحة خمس من الإبل"، وأخرج أحمد ["2/189"، وأهل السنن أبو اود "4566"، النسائي "8/57"، الترمذي "1390"، ابن ماجة "2655"]، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"في المواضح خمس من الإبل"، ورجال إسناده إلى عمرو بن شعيب ثقات وأخرج البزار من حديث عمر بلفظ:"وفي الموضحة خمس"، وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن مكحول أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل في الموضحة خمسا من الإبل ولم يؤقت فيما دون شيئا وهو مرسل وروى عبد الرزاق عن شيخ له عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقض فيما دون الموضحة بشيء وهو مرسل وهكذا رواه البيهقي عن الزهري وربيعة وأبي الزناد وإسحاق بن أبي طلحة مرسلا.
وبهذا تعرف أن قوله وفي السمحاق أربع لا مستند له بل مجرد اجتهاد وليس بحجة على الغير فكان ينبغي إدخال ذلك في الفصل الذي بعد هذا.
وأما قوله: "ولا يحكم حتى يتبين الحال" فصواب ويكون العمل في ذلك بالانتهاء لأنه الذي يقرر عليه مقدار الجناية فيلزم في الميت ديته وفي الحي حس. بما ذهب منه
[فصل
وفيما عدا ذلك حكومة وهي ما رآه الحاكم مقربا إلى ما مر كعضو زائد وسن صبي لم يثغر وفي الشعر وما انجبر وما لا نفع فيه وما ذهب جماله فقط وفي مجرد عضد وساعد وكف بلا أصابع وإلا تتبعها لا الساعد وكذلك الرجل وفي جناية الرأس والرجل ضعف ما على مثلها في غيرهما قدر في حارصة رأس الرجل خمسة مثاقيل وفي الدامية اثنا عشر ونصف وفي الباضعة عشرون وفي المتلاحمة ثلاثون لأن في السمحاق أربعين وفي حلمة الثدي ربع الدية وفي درور الدمعة ثلث دية العين وفي دونه الخمس وفيما كسر فانجبر ونحوه ثلث ما فيه لو لم ينجبر والغرة عبد أو أمة بخمسمائة درهم ولا شيء فيمن مات بقتل أمه إن لم ينفصل] .
قوله: "فصل وفيما عدا ذلك حكومة" الخ.
أقول: قد تقرر عصمة الدماء وأنه لا يحل إراقة شيء منها بغير حقه ولا الجناية على معصوم من غير فرق بين أن تكون صغيرة أو كبيرة ورد في الشرع تقديرها أو لم يرد فمن جنى على غيره جناية ظاهرة الأثر ولم يرد في الشرع لها تقدير كما في دون الموضحة وسائر ما أشار إليه المصنف فلا يكون عدم ورود الشرع بتقديرها مقتضيا لإهدارها وعدم لزوم أرشها بلا خلاف وإلا لزم إهدار ما هو معصوم بعصمة الشرع واللازم باطل بالإجماع فالملزوم مثله فالجناية التي لم يرد الشرع بتقديرها لا بد من الرجوع في التقدير إلى شيء يكون على طريقة العدل التي لا حيف فيها على الجاني ولا على المجني عليه فينظر مثلا في قدر اللحم الذي ذهب بالجناية وقدر ما بقي إلى ما ورد فيه التقدير من الشرع فيلزم فيه بنسبته إلى ذلك الذي ورد فيه التقدير فإذا كان المأخوذ نصف اللحم والباقي فوق العظم نصفه كان أرشها نصف أرش الموضحة وإذا كان المأخوذ ثلثا كان أرشها ثلث أرش الموضحة ثم كذلك ويكون المرجع في هذا التقدير إلى أهل الاختبار بالجنايات فإذا أخبروا الحاكم بأن المأخوذ كذا قربه الحاكم إلى أرش ما ورد به الشرع بحسب نسبته إليه وهكذا في العضو الزائد وسن الصبي وذهاب الشعر والجمال ومالا نفع فيه وقد قدمنا ما يدل على أنه لم يثبت في الشرع تقدير ما دون الموضحة فما ذكره المصنف هنا من تقدير أرش الدامية والباضعة والسمحاق هو من هذا القبيل الذي ذكرناه فإن وافق نظر الحاكم الخبير بما ورد قرره وإلا فعل ما يترجح له فليس في ذلك حجر ولا يكون تقدير المتقدم حجة على المتأخر إذا كان الصواب عنده في مخالفته وهكذا الكلام في أرش الدامية والمتلاحمة والحارصة والوارمة.
قوله: "وفي جناية الرأس والرجل ضعف ما على مثلها في غيرهما".
أقول: التقديرات الثابتة عن الشارع في الجنايات مطلقة غير مقيدة بكونها في الرأس ولم يرد ما يصلح للتقييد فالواجب البقاء على الإطلاق ويكون اللازم مثلا في الموضحة ما قدره الشارع من غير فرق بين أن يكون في الرأس أو في سائر البدن وهكذا غيرها من الجنايات المقدرة وهكذا تكون الحكومات فيما لم يرد فيه تقدير.
وأما كون جناية المرأة على النصف من جناية الرجل فقد قدمنا عند قوله ويلزم في نفس المسلم ما ورد في أن أرشها إلى قدر الثلث كأرش الرجل وما زاد على ذلك كان أرشها على النصف من أرش الرجل وقد ورد في ذلك ما تقوم به الحجة ويصلح للاعتبار وإذا ثبت الشرع طاحت الأقيسة وبطلت الاجتهادات العاطلة عن الدليل.
قوله: "وفي حلمة الثدي ربع الدية".
أقول: قد عرفناك أنه لا وجه لقول المصنف أنها تلزم الدية في كل زوج في البدن بل الواجب التوقف في ذلك على موارد النص كما بيناه سابقا وما لم يرد فيه النص كان المرجع فيه إلى حاكم الشرع فلا وجه لتقدير المصنف بقوله وفي حلمة الثدي ربع الدية.
وأما قوله: "وفي درور الدمعة" إلخ فهذا اجتهاد لا يلزم من بعده من المجتهدين الأخذ به بل كل واحد متعبد بما يؤدي إليه اجتهاده بعد إمعان النظر في التقريب إلى ما ورد به النص.
وأما قوله: "والغرة عبد أو أمة" فقد قدمنا الأدلة الواردة في ذلك.
وأما قوله: "ولا شيء فيمن مات بقتل أمه إن لم ينفصل" فهذا مبني على أنها لم تعلم حياته بوجه من الوجوه أما إذا علمت وجب فيه الغرة كما تقدم.
[فصل
ويعقل عن الحر الجاني على آدمي غير رهن خطأ لم تثبت بصلح ولا اعتراف بالفعل موضحة فصاعدا الأقرب فالأقرب الذكر الحر المكلف من عصبته الذين على ملته ثم سببه كذلك على كل واحد دون عشرة دراهم ولو فقيرا ثم في ماله ثم في بيت المال ثم المسلمون ولا شيء عليه إن كفت العاقلة وتبرأ بإبرائه قبل الحكم عليها لا العكس وعن ابن العبد والملاعنة والزنا عاقلة أمه والإمام ولي مسلم قتل ولا وارث له ولا عفو] .
قوله: "فصل: ويعقل عن الحر الجاني" الخ.
أقول: اعلم أنه قد أجمع أهل العلم على ثبوت العقل كما حكى ذلك ابن حجر في فتح الباري وعليه دلت الأحاديث الصحيحة كما في الصحيحين وغيرهما: أن امرأتين من هذيل اقتتلتا ولكل واحدة منهما زوج فبرأ الزوج والولد ثم ماتت القاتلة فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ميراثها لبنيها والعقل على العصبة، وأخرج مسلم وغيره من حديث جابر قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل بطن عقوله ثم كتب إنه لا يجل أن يتولى مولى رجل مسلم بغير إذنه، وأخرج أحمد في المسند عن عبادة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الجنين المقتول بغرة عبد أو أمة، قال: فورثها بعلها وبنوها وكان من امرأتيه كلتيهما ولد، قال: فقال أبو القاتلة المقضي عليه: يا رسول الله كيف أغرم من لا صاح ولا استهل ولا شرب ولا أكل فمثل ذلك بطل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا من الكهان"، وأخرج أبو داود "4575"، وابن ماجه 2648"، وصححه النووي من حديث جابر: أن امرأتين من هذيل قتلت إحداهما الأخرى ولكل واحدة منهما زوج وولد فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية المقتولة على عاقلة القاتلة وبرأ الزوج والولد فقال عاقلة المقتولة ميراثها لنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ميراثها لزوجها وولدها"، وأخرج الطبراني من طريق أبي المليح بن أسامة بن عمير الهذلي عن أبيه قال: كان فينا رجل يقال له حمل بن مالك له امرأتان إحداهما هذلية والأخرى عامرية وذكر نحو ما تقدم وأخرج الحاكم من حديث ابن إسحاق قال: حدثني عمر بن عثمان بن محمد بن الأخنس بن شريق قال: أخذت من آل عمر هذا الكتاب وفيه المهاجرون
من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم والأنصار على ربعتهم يتعاقلون، الحديث.
فهذه الأحاديث وما ورد في معناها قد دلت على ثبوت العقل في الجملة ولا يعارضها مثل قوله تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164 [، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يجني جان إلا على نفسه"، [أحمد "3/498، 499"، الترمذي "3087"، ابن ماجة "2669، 3055"] ، وما ورد في معنى ذلك لأنها عمومات مخصصة بأحاديث العقل وليس في هذه الأحاديث التي ذكرناها ما يدل على أن الجنايات التي أثبت الشرع فيها العقل هي جنايات الخطأ بل في هذه الأحاديث ما يشعر بالعمد كما تراه ولكنه أخرج الدارقطني والبيهقي عن عمر أنه قال العمد والعبد والصلح والاعتراف لا تعقله العاقلة قال ابن حجر وهو منقطع وفي إسناده عبد الملك بن حسين وهو ضعيف قال البيهقي والمحفوظ أنه عن عامر الشعبي من قوله ولا يخفاك أن مثل هذا لا يصلح لتقييد تلك الأحاديث المطلقة على تقدير أنه صحيح فكيف يصلح لذلك مع ضعفه وقد أخرج أحمد عن ابن عباس لا تحمل العاقلة عمدا ولا صلحا ولا اعترافا ولا ما جنى المملوك وأخرجه أيضا البيهقي وهذا أيضا قول صحابي لا يصلح لتقييد ما أطلقته السنة وأخرج مالك في الموطأ عن الزهري أنه قال قضت السنة أن العاقلة لا تحمل شيئا من دية العمد وأخرج معناه البيهقي عن أبي الزناد عن الفقهاء من أهل المدينة فإن أراد بهذه السنة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مخالف لما تقدم في الأحاديث السابقة ولو سلمنا عدم مخالفته لها لاحتمل أن يريدوا سنة الصحابة أو الخلفاء أو عمل أهل المدينة أو نحو ذلك ولا حجة في شيء من ذلك.
وأما ما أخرجه الدارقطني والطبراني عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تجعلوا على العاقلة من دية المعترف شيئا" ففي إسناده الكذاب المشهور المصلوب في الزندقة محمد بن سعيد وفي إسناده أيضا الحارث بن نبهان وهو منكر الحديث وبهذا تعرف أنه لم يكن في الباب ما يصلح لتقييد ما أطلقته السنة.
فإن قلت: قد أخرج أحمد "16/60"، وأبو داود "4590"،والنسائي "8/26"، وابن ماجه بإسناد صحيح من حديث عمران بن حصين أن غلاما لأناس فقراء قطع اذن غلام لأناس أغنياء فأتى أهله إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا نبي الله إنا أناس فقراء فلم يجعل عليه شيئا قلت: ليس فيه إلا إسقاط ضمان جناية الجاني إذا كانت عاقلته فقراء فيخص بهذه الصورة وظاهر قوله إن غلاما لأناس فقراء أنه كان عبدا ويحتمل أن يكون حرا فقيرا كما كان أهله فقراء.
قوله: "الأقرب فالأقرب المكلف الذكر الحر من عصبته".
أقول: إخراج الولد من هذا العموم لما تقدم من: أن النبي صلى الله عليه وسلم برأ الزوج والولد، ويشكل على تقييد من يعقل بكونه عصبة ما أخرجه أحمد وابو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه وحسنه أبو زرعة من حديث المقدام بن معد يكرب أنه صلى الله عليه وسلم قال:"أنا وارث من لا وارث له أعقل عنه وأرثه والخال وارث من لا وارث له يعقل عنه ويرثه"، وله شواهد.
وأما تقدير ما يلزم العاقلة بدون عشرة دراهم فلا وجه له من رواية ولا دراية فالأولى الرجوع إلى ما في الأحاديث من إطلاق العقل فتغرم العاقلة الدية وتحصص بينهم وإن بلغ نصيب الواحد ألف درهم.
وأما قوله: "ولو فقيرا" فقد قدمنا حديث عمران بن حصين وهو نص في محل النزاع فلا وجه لإلزام من كان فقيرا من العاقلة ولا يقال إنه ينظر إلى ميسرة كسائر ما يلزمه من الديون لأنا نقول هذا أخص من ذاك فإنه صلى الله عليه وسلم لم يجعل على الجاني شيئا حتى تضمنه العاقلة وتحمله عنه والعلة في ذلك فقرهم فكان الفقر مسقطا.
قوله: "ثم في ماله".
أقول: الأدلة قد دلت على أن هذه الدية على العاقلة كما دلت الأحاديث الكثيرة على أن الدية على القاتل فإن جعلنا العقل خاصا بالخطأ فلا معارضة بين الأحاديث وإن جعلناه على العموم فلا بد من الجمع بينها بوجه مقبول وهذا الذي ذكره المصنف من جملة ما يصلح للجمع لأنه يقتضي حمل أحاديث ضمان العاقلة على الإمكان فإن كانوا لا وجود لهم كانت الدية من مال القاتل رجوعا إلى الأصل لئلا يهدر دم امرئ مسلم وأما إذا كانوا فقراء فقد تقدم الدليل على أنهم لا يضمنون وهكذا إذا لم تف أموالهم بالعقل.
قوله: "ثم في بيت المال".
أقول: يدل على هذا ما ثبت في الصحيح [البخاري "12/9"]، من قوله صلى الله عليه وسلم:"أنا أولى بكل مسلم فمن ترك مالا فلورثته ومن ترك كلا أو ضياعا فإلي وعلي"، ويدل عليه أيضا حديث المقدام بن معد يكرب المتقدم قريبا والدية هي دين ثابت في ذمة الجاني فإذا كان فقيرا كانت من بيت المال كما يكون قضاء دينه من بيت المال وسيأتي في القسامة إن شاء الله أنه صلى الله عليه وسلم أعان من وجبت عليه بتسليم الدية من بيت المال.
وأما قوله: "ثم المسلمون" فلا وجه له من دراية ولا رواية وأموال المسلمين تحت العصمة الشرعية فلا يحل شيء منها إلا بناقل صحيح عن تلك العصمة.
وأما قوله: "ولا شيء عليه إن كفت العاقلة" فوجهه ظاهر لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب ذلك عليها.
وأما كونها تبرأ ببراءته قبل الحكم عليها فوجه ذلك أن أصل الوجوب عليه.
وأما قوله: "لا العكس" فلا وجه له بل يبرأ ببراءة العاقلة كما برئت هي ببراءته.
قوله: "ويعقل عن ابن العبد وابن الزنا عاقلة أمه".
أقول: الأولى أن يعقل عن ابن العبد موالي أبيه وقد عرفت أنه لم يرد ما يقيد أحاديث العقل المطلقة وأما ابن الزنا فلا قرابة له إلا من جهة أمه وقد تقدم أن الخال يعقل عمن لا وارث له سواه وهو من عصبة الأم وأرحام ابنها.
قوله: "والإمام ولي مسلم قتل ولا وارث له ولا عفو".