المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وقد يكون بعض هذه المكروهات كراهة حظرية وذلك فيما نهى - السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌[مقدمة لا يسع المقلد جهلها

- ‌كتاب الطهارة

- ‌باب النجاسات

- ‌[باب المياه

- ‌[باب ندب لقاضي الحاجة التواري

- ‌[باب الوضوء

- ‌[باب الغسل

- ‌[باب التيمم

- ‌[باب الحيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌مدخل

- ‌[باب الأوقات

- ‌[باب الإذان والإقامة

- ‌[باب صفة الصلاة

- ‌[باب والجماعة سنة مؤكدة

- ‌[باب سجود السهو

- ‌[باب والقضاء

- ‌[باب صلاة الجمعة

- ‌[باب ويجب قصر الرباعي

- ‌[باب وشرط جماعة الخوف

- ‌[باب وفي وجوب صلاة العيدين خلاف

- ‌[باب ويسن للكسوفين حالهما ركعتان

- ‌[كتاب الجنائز

- ‌كتاب الزكاة

- ‌مدخل

- ‌[باب في نصاب الذهب والفضة

- ‌باب زكاة الإبل

- ‌[باب ولا شيء فيما دون ثلاثين من البقر

- ‌[باب ولا شيء فيما دون أربعين من الغنم

- ‌[باب " ما أخرجت الارض في نصاب فصاعدا ضم احصاده الحول

- ‌[باب " ومصرفها من تضمنته الآية

- ‌[باب والفطرة تجب من فجر أول شوال إلي الغروب

- ‌كتاب الخمس

- ‌كتاب الصيام

- ‌مدخل

- ‌[باب وشروط النذر بالصوم

- ‌[باب الاعتكاف وشروطه

- ‌كتاب الحج

- ‌مدخل

- ‌باب العمرة

- ‌باب المتمتع

- ‌باب القارن

- ‌كتاب النكاح

- ‌مدخل

- ‌باب على واهب الأمة وبائعها استبراء غير الحامل

- ‌[باب الفراش

- ‌كتاب الطلاق

- ‌[باب إنما يصح من زوج مختار مكلف

- ‌[باب الخلع

- ‌[باب العدة

- ‌[باب الظهار

- ‌[باب الايلاء

- ‌[باب اللعان

- ‌[باب الحضانة

- ‌[باب النفقات

- ‌[باب الرضاع

- ‌كتاب البيع

- ‌مدخل

- ‌باب الشروط المقارنة للعقد

- ‌باب الربويات

- ‌[باب الخيارات

- ‌باب ما يدخل في المبيع

- ‌باب البيع غير الصحيح

- ‌باب المأذون

- ‌باب المرابحة

- ‌[باب الإقالة

- ‌[باب القرض

- ‌[باب الصرف

- ‌[باب السلم

- ‌كتاب الشفعة

- ‌كتاب الإجارة

- ‌مدخل

- ‌باب وإجارة الآدميين

- ‌باب المزارعة

- ‌باب الإحياء والتحجر

- ‌باب المضاربة

- ‌كتاب الشركة

- ‌مدخل

- ‌باب شركة الأملاك

- ‌باب القسمة

- ‌كتاب الرهن

- ‌كتاب العارية

- ‌كتاب الهبة

- ‌كتاب الوقف

- ‌كتاب الوديعة

- ‌كتاب الغصب

- ‌كتاب العتق

- ‌مدخل

- ‌[باب والتدبير

- ‌باب الكتابة

- ‌[باب الولاء

- ‌كتاب الأيمان

- ‌مدخل

- ‌[باب الكفارة

- ‌باب النذر

- ‌باب الضالة واللقطة واللقيط

- ‌باب الصيد

- ‌باب الذبح

- ‌باب الأضحية

- ‌باب الأطعمة والأشربة

- ‌باب اللباس

- ‌كتاب الدعاوى

- ‌كتاب الإقرار

- ‌كتاب الشهادات

- ‌كتاب الوكالة

- ‌باب الكفالة

- ‌باب الحوالة

- ‌باب التفليس

- ‌باب الصلح

- ‌باب الإبراء

- ‌باب الإكراه

- ‌باب القضاء

- ‌كتاب الحدود

- ‌مدخل

- ‌باب حد القذف

- ‌باب حد الشرب

- ‌باب حد السارق

- ‌كتاب الجنايات

- ‌مدخل

- ‌باب الديات

- ‌باب القسامة

- ‌كتاب الوصايا

- ‌كتاب السير

الفصل: وقد يكون بعض هذه المكروهات كراهة حظرية وذلك فيما نهى

وقد يكون بعض هذه المكروهات كراهة حظرية وذلك فيما نهى عنه الشارع كالأكل بالشمال

فإنه ثبت في الصحيحين [البخاري "9/521، 9/523"، مسلم "108، 109/2022"] ، وغيرهما أبو داود "3777"، الترمذي "1857"، ابن ماجة "2367"، أحمد "4/76"، المر بالأكل باليمين وثبت في مسلم وغيره النهي عن الأكل بالشمال.

والحاصل أن آداب الأكل والشرب واجبها ومندوبها ومحظورها وها هو دونها في الكراهة مع إيضاح الكلام عن كل دليل في ذلك وبيان وجه دلالته وما يستفاد منها لا يفي به إلا مؤلف مستقل.

ص: 737

‌باب اللباس

[فصل

يحرم على الذكر ويمنع الصغير من لبس الحلي وما فوق ثلاث أصابع من حرير خالص لا مشوب فالنصف فصاعدا ومن المشبع صفرة وحمرة إلا الإرهاب أو ضرورة أو فراش أو جبر سن أو أنف أو حلية سيف أو طوق درع أو نحوها ومن خضب غير الشيب] .

قوله: "باب اللباس".

قوله: فصل: "ويحرم على الذكر ويمنع الصغير من لبس الحلي".

أقول: أما حلية الذهب فلا شك لورود الأدلة الدالة على تحريمه قليلها وكثيرها وأما حلية الفضة فالمانع يحتاج إلى الدليل لأن الأصل الحل وقد دل على هذا الأصل قوله عزوجل: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراق: 32]، وقوله:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ} [البقرة: 29]، مع ما ثبت من أن سيفه صلى الله عليه وسلم كان فيه فضة ومع قوله صلى الله عليه وسلم:"عليكم بالفضة فالعبوا بها كيف شئتم". [أبو داود "4236"، أحمد "2/378"] .

وأما الاستدلال بأن في ذلك تشبها بالنساء فهو مصادرة على المطلوب لأن القائل بالجواز يقول إن التحلي بالفضة لا يختص بالنساء بل الرجال والنساء فيه سواء وإن كان استعمال كل واحد من النوعين لنوع خاص من حلية الفضة فلا يشبه أحدهما في ذلك النوع الخاص به لا في مطلق التحلي فلا مانع من أن يحلى الرجل سلاحه ومنطقته بالفضة.

قوله: "وما فوق ثلاث أصابع من حرير خالص".

أقول: قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جوز أربع أصابع [البخاري"10/284"، مسلم

ص: 737

"12/2069"، أبو داود "4042"، الترمذي "1721"، النسائي "8/202"، ابن ماجة "3593"] ، ومنه مما زاد عليها فكان الأولى أن يقول المصنف وما فوق أربع أصابع.

وأما الكلام على لبس مطلق الحرير فالأدلة الدالة على المنع منه هي أوضح من شمس النهار كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "لا ينبغي هذا للمؤمنين"، البخاري "10/269"، وقوله:"من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة"، البخاري "10/284"، مسلمك "11/2069"، وقوله:"إنما يلبسه من لا خلاق له في الآخرة"، البخاري "10/285"، مسلم "7/2068"، ووردت أحاديث بصريح النهي ووردت أحاديث بصريح التحريم كما في حديث:"إن هذين حرام على ذكور أمتي"[أحمد "1/115"، أبو داود "4057"، النسائي "5145"، ابن ماجة "3595"]، وحديث:"حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي"، [أحمد "4/394، 407"، النسائي "5148"، الترمذي "1720"] ، وقد أوضحت المقام في شرحي للمنتقى بما لا يحتاج الناظر فيه إلى غيره فليرجع إليه حتى يقف على الحقيقة قي خالصه ومشوبه وما يباح منه وما لا يباح وقد دارت بيني وبين شيخي السيد الإمام عبد القادر بن أحمد الكوكباني رحمه الله في الحرير رسائل تكاثر عددها وتزايد مددها وكان ذلك أيام قراءتي عليه.

قوله: "والمشبع صفرة وحمرة"

أقول: إنما ورد النهي عن الثوب المعصفر وهو المصبوغ المعصفر وصبغ العصفر يكون أحمر على نوع خاص من أنواع الحمرة فلا يعارض هذا ما ثبت من لبسه صلى الله عليه وسلم للحلة الحمراء لإمكان الجمع بأن تلك الحلة الحمراء كانت مصبوغة بغير العصفر ولم يرد في مطلق الصفرة أو الحمرة ما يقتضي التحريم ولا في نوع خاص من ذلك وهو المشبع فأعرف هذا وقد جمعت في هذا رسالة وجوب سؤال من بعض أهل العلم.

قوله: "إلا الإرهاب".

أقول: الإرهاب للعدو إنما يكون العدد والمدد والعدة والشدة والسلاح المعد للكفاح ولهذا يقول الله عزوجل: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60] ، وأي إرهاب يحصل في صدر العدو لمن تظاهر له في الحلى والحلل فإن هذا اللابس إنما تشبه بريات الحجال وخرج من عديد الرجال وهل يقول عاقل إن ملابس النساء تؤثر شيئا من المهابة في صدر أحد من بني آدم وما أحسن قول أبي العتاهية في ابن معن بن زائدة.

فما تصنع بالسيـ

ـف إذا لم يك قتالا

فكسر حلية السيـ

ـف وصغ من ذاك خلخالا

فإنه ها هنا أمره أن ينزع الحلية المختصة بالرجال ويجعل مكانها الحلية المختصة بالنساء لمشابهته لهن ومهانته عند الناس.

والحاصل أن الترهيب على العدو هو مقصد من مقاصد الشرع ولكنه لا يكون إلا بما

ص: 738

عرفناك لا بما أراده المصنف فإن هذا لا يجري على شرع ولا عرف ولا رواية ولا دراية وإنما هو من صنيع النساء ومن يشابههن من المترفين.

قوله: "أو ضرورة".

أقول: هذه الضرورة إن كانت هي الضرورة للتداوي فقد ثبت في السنة المطهرة ما يدل على أن التفويض أفضل فلا ضرورة أيضا فلو قدرنا أن شيئا من ذلك يصلح للتداوي به لكان من التداوي بالحرام وقد تقدم الكلام عليه وإن كانت هذه الضرورة هي الحاجة الضرورية للبس الثوب الحرير أو الذهب أو نحوهما لمزيد برد ومخافة ضرر فقد سوغ الله سبحانه في كتابه العزيز للضرورة أكل الميتة ونحوها فقال: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ} [البقرة: 173]، وقال:{إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] .

قوله: "أو فراش".

أقول: هذا دفع للسنة الصحيحة المتفق عليها من نهيه صلى الله عليه وسلم من افتراش الحرير والجلوس عليه فهذه السنة هادمة لكل رأي مخالف لها مبطلة لكل علة تنصب في مقابلتها، وقد أخرج الجماعة من حديث أنس أن النبي صلي الله عليه وسلم رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير في لبس الحرير لحكة كانت بهما ولفظ الترمذي "1722"، أن ذلك كان في غزاة لهما وهكذا في صحيح مسلم "26/2076"، فأفاد الحديث جواز التداوي بذلك وقد أوضحت ذلك في شرحي للمنتقي.

وأما قوله: "أو جبر سن أو أنف" فقد وقع الإذن منه صلى الله عليه وسلم باتخاذ أنف من ذهب أنفه في بعض الحروب وهو حديث حسن وجبر السن كجبر الأنف.

قوله: "أو حلية سيف أو طوق درع أو نحوهما".

أقول: إن كانت هذه الحلية لمثل هذه الآلات السلاحية من الفضة فقد قدمنا أن الأدلة دلت على جواز التحلي بها حتى قال صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالفضة فالعبوا بها كيف شئتم"، وأما التحلي بالذهب فقد دلت الأدلة على المنع من قليله وكثيره فمن زعم أنه يجوز التحلي بشيء منه من سيف أو درع أو نحوهما فالدليل عليه فإن نهض به وإلا كان الواجب البقاء على التحريم لأن أدلته ناقلة من الأصل الأول وهو الجواز.

قوله: "ومن خضب غير الشيب".

أقول: قد تقرر أن خضب اليدين والرجلين كان من صنيع النساء وكان من يتشبه بهن من الرجال يفعل ذلك كما هو معروف وقد ثبت النهي عن التشبه بالنساء والوعيد على ذلك ولم يرد في ذلك شيء أصلا وأما خضب الشيب فقد وردت به الأدلة الصحيحة وورد ما يدل على تأكيد مشروعيته كما في الصحيحين [البخاري "3462، 5899"، مسلم "2103"، وغيرهما [أبو داود "4203"، النسائي "8/137"، من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم"، وأخرج أحمد "5/147، 150"، وأهل السنن أبو داود " 4205"، الترمذي "1753"، النسائي "8/139"، ابن ماجة "3622"، وصححه الترمذي "4/232"، من حديث أبي ذر:

ص: 739

"إن أحسن ما غيرتم به هذا الشيب الحناء والكتم"، والأحاديث في الباب كثيرة وقد كانت هذه السنة مشتهرة بين السلف حتى كانوا يذكرون في ترجمة الرجل في الغالب أنه كان يخضب أو لا يخضب ولا ينافي مشروعية الخضب حديث:"لا تنتفوا الشيب فإنه نور المسلم"، كما أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة وصححه الترمذي وابن حبان فإن تعليل المنع بكونه نور المسلم على عدم جواز خضبه فإن نوره بعد خضبه زائد على نوره قبل خضبه.

[فصل

ويحرم على المكلف نظر الأجنبية الحرة غير الطفلة والقاعدة إلا الأربعة ومن المحرم المغلظ والبطن والظهر ولمسها ولو بحائل إلا لضرورة وعليها غض البصر كذلك والتستر ممن لا يعف ومن صبي يشتهى أو لا يشتهى ولو مملوكها ويحرم النمص والوشر والوشم والوصل بشعر غير المحرم وتشبه النساء بالرجال والعكس] .

قوله: "فصل: ويحرم على المكلف نظر الأجنبية".

أقول: حكى المصنف في البحر عن الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل أنهم يجوزون النظر إلى وجه الأجنبية وهذا النقل عنهم باطل فكتبهم على اختلافها مصرحة بخلاف ذلك فإن الرواة عنهم من أهل مذاهبهم في كتبهم المعتمدة منهم من صرح بأنهم لم يتكلموا إلا على العورة في الصلاة ولم يتكلموا على النظر ومنهم من صرح بأنهم قائلون بالمنع من النظر ومنهم من صرح بأن القائلين بالمنع المتأخرون من أتباعهم ولا يخفاك أن الأدلة الدالة على تحريم النظر إلى وجه الأجنبية ثابتة في الكتاب والسنة.

فمن الكتاب: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30]، الآية وبعده {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: 31] ، الآية وكلام المتكلمين في تفسير هذه الآية من الصحابة فمن بعدهم معروف منقول في كتب الحديث والتفسير ومن ذلك في الكتاب العزيز ما ورد في الحجاب عموما وخصوصا ومن ذلك قوله عزوجل:{وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31]، وقوله:{وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ} [النور: 60]، الآية فإن تخصيصهن يدل على أن حكم من عداهن بخلاف حكمهن كما سيأتي ومنها قوله:{يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59]، ومن ذلك قوله:{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [فقد ثبت في الصحيح أن هذه الآية لما نزلت قالت عائشة رحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله وليضربن بخمرهم على جيوبهن شققن مروطهم فاختمرن بها أي وقعت منهن التغطية لوجوههم وما يتصل بها ومن ذلك قوله تعالى: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: 31] .

ص: 740

وفي هذه الآيات أعظم دلالة على وجوب التستر عليهن وتحريم النظر إليهن.

وأما الأحاديث الواردة على تحريم النظر فهي كثيرة جدا ومنها التحذير من النظر والتنبيه على سوء عاقبته وعظيم مفسدته والتصريح بأن النظرة الأولى عفو والثانية على الناظر ونحو ذلك مما لا يتسع المقام لبسطه والتحريم على النساء في نظرهن إلى الرجال كالتحريم على الرجال في النظر إليهن لأمرهم بغض الأبصار كما أمروا بغضها ولحديث "أفعمياوان أنتما؟ " ولا يستثنى من ذلك إلا ما ثبت بدليل صحيح لا بمجرد قول من لا تقوم به الحجة فما ثبت في تفسير الاستثناء بقوله عزوجل: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} كان في حكم المستثنى من عمومات الكتاب والسنة ولا يصح الاستدلال على الجواز بأن المرأة تكشف وجهها في إحرامها أو حال صلاتها فإن ذلك ليس فيه شيء من الدلالة لأن المرأة قد سوغ لها الشارع كشف وجهها عند ذلك ولم يجوز للرجال النظر إليها في هذه الحالة بل هم مأمورون بغض البصر في هذه الحال وغيرها كما أنه لا يجب على الرجال أن يستروا وجوههم عند مخالطتهم للنساء بل عليهن أن لا ينظرن إليهم لأنهن مأمورات بغض أبصارهم فاعرف هذا ففيه ما يغني عن الاستدلال بما لا دلالة فيه على الجواز أو عدمه وبما هو عن الدلالة على المطلوب في أبعد مكان.

قوله: "غير الطفلة والقاعدة إلا الأربعة".

أقول: أما الطفلة فظاهر لخروجها عن الخطاب وعدم أن يتصور في مثلها الإيجاب وأما القاعدة فلقوله عزوجل: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} [النور: 60] ، وقد وقع الإجماع على أنه لا يجوز لهن أن يضعن ثيابهن عما عدا الوجه واليدين فرفع الجناح عنهن هو عن وضع الثياب التي على الوجه والكفين فكان ذلك دليلا على جواز النظر إليهم ودليلا أيضا على أن غير القواعد يحرم النظر إليهن فهذه الآية من جملة الآيات الدالة على تحريم النظر إلى الأجنبية كما تقدم.

وأما استثناء الأربعة فقد جاءت السنة بجواز النظر من الخاطب إلى المخطوبة وأما الثلاثة الآخرون وهم الطبيب والشاهد والحاكم فقد ادعى الإجماع على ذلك ولا أدري كيف هذا النقل فإن صح فذاك مع أن نظر الثلاثة المذكورين إليها عند مندوحه وذلك بأن يأمر الشاهد أو الحاكم أو الطبيب النساء أن ينظرن إلى الموضع الذي تدعو الحاجة إلى النظر إليه ثم يصنف لهم فإن في ذلك ما يغني عن النظر المحرم مع كونه وقوفا على مقدار الحاجة وإن كان دون النظر منهم أنفسهم.

قوله: "ومن المحرم المغلظ والبطن والظهر".

أقول: أما المغلظ فظاهر وهو عند المصنف من السرة إلى تحت الركبة وهذه هي عورة الجنس مع جنسه والأدلة الدالة على تحريم النظر إلى العورة من الرجل إلى عورة الرجل والمرأة إلى عورة المرأة وأما مع اختلاف الجنس فقد تقدم تحريم النظر مطلقا وأما استثناء

ص: 741

البطن والظهر من المحرم وأنه لا يجوز نظر ذلك منها لمحرمها فليس لذلك وجه لا من رأي ولا من رواية ولم يعولوا إلا على دعوى الإجماع ولا أدري كيف هذه الدعوى فقد حصل التساهل البالغ في نقل الإجماعات وصار من لا بحث له عن مذاهب أهل العلم يظن أن ما اتفق عليه أهل مذهبه وأهل قطره هو إجماع وهذه مفسدة عظيمة فإن الجمهور قائلون بحجية الإجماع فيأتي هذا الناقل بمجرد الدعوى بما نعم به البلوى ذاهلا عن لزوم الخطر العظيم على عباد الله من النقل الذي لم يكن على طريق التثبت والورع وأما أهل المذاهب الأربعة فقد صاروا يعدون ما اتفق عليه بينهم مجمعا عليه ولا سيما المتأخر عصره منهم كالنووي ومن فعل كفعله وليس هذا هو الإجماع الذي تكلم العلماء في حجيته فإن خير القرون ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم كانوا قبل ظهور هذه المذاهب ثم كان في عصر كل واحد من الأئمة الأربعة من أكابر أهل العلم الناهضين بالاجتهاد من لا يأتي عليه الحصر وهكذا جاء بعد عصرهم إلى هذه الغاية وهذا يعرفه كل عارف منصف ولكن الإنصاف عقبة كئود لا يجوزها إلا من فتح الله له أبواب الحق وسهل عليه الدخول منها.

وأما قوله: "ولمسها ولو بحائل إلا لضرورة" فهذا مسلم فيما ورد الدليل بأنه عورة لا فيما هو مجرد دعوى منها.

وأما قوله: "وعليها غض البصبر كذلك" فقد قدمنا الكلام عليه في أول الفصل وقد استدل الجواز نظر النساء إلى الرجال بما ثبت في الصحيح [البخاري "1/5469"، مسلم "17، 18، 20، 21/792"، من أنه صلى الله عليه وسلم أذن لعائشة أن تنظر إلى لعب الحبشة في المسجد ويجاب عنه بأنه لا تلازم بين النظر إلى وجوههم والنظر إلى لعبهم فإن اللعب هو الحركات الصادرة منهم من تقليب حرابهم بأيديهم وحركة أبدانهم والمصير إلى هذا متحتم لإيجاب غض البصر عليهن كما نطق به الكتاب العزيز وأيضا ثبت في الصحيح [البخاري "5190"، مسلم "18/892"، عن عائشة في هذه القصة أنها قالت: وأنا جارية حديثة السن فاقدروا قدر الجارية حديثة السن.

وأما قوله: "يجب التستر ممن لا يعف" فظاهر لأن ذلك منكر وإنكاره واجب وأقل أحوال الإنكار التستر.

وأما قوله: "ومن صبي يشتهي ولو مملوكها" فوجهه أن العلة التي شرع الله لها التستر وحرم بسببها النظر هي مخافة الوقوع في المعصية ومن كان يشتهي أو يشتهى فوقوعه والوقوع معه في ذلك مجوز عقلا وعادة.

وأما قوله: "ولو مملوكها" فظاهر قوله عزوجل: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: 31]، يدل على خلاف ذلك ويؤيد هذا الظاهر ما في سنن أبي داود بإسناد صحيح من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة بعبد قد وهبه لها وعلى فاطمة ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها وإذا غطت رجليها لم يبلغ رأسها فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تلقى قال:"إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك"، فقوله:"إنما هو أبوك وغلامك" يدل على أنه يجوز لمملوك المرأة أن ينظر إليها.

ص: 742

قوله: "والنمص والوشر والوشم والوصل بشعر غير المحرم".

أقول: هذه الخصال الأربع قد ثبت في الصحيحين وغيرهما لعن الفاعلة الواحدة منها وذلك يدل على أنها من الكبائر ولي الباب أحاديث صحيحة وفي بعض ألفاظها في صحيح مسلم وغيره زجر رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة أن تصل شعرها بشيء [مسلم "2126"، أحمد "3/296، 387]، فلا وجه لقول المصنف بشعر غير المحرم فإن علة النهي ما في ذلك من التغرير على الزوج وهو يستوي شعر المحرم وغيره بل شعر بني آدم وغيرهم ومثل هذا ما في بعض ألفاظ الحديث:"أيما امرأة زادت في شعرها شعرا ليس منه فإنه زور" النسائي "8/144 - 145".

قوله: "وتشبه النساء بالرجال والعكس".

أقول: قد ثبت في الصحيح [البخاري "10/323"] ، لعن المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء واللعن يدل على تأكد التحريم والمراد بالمخنثين المتشبهين بالنساء من الرجال والمراد بالمترجلات المتشبهات بالرجال من النساء فمن تشبه من أي من النوعين بالنوع الآخر إما في كلامه أو في حركاته في ملبوسه فهو داخل تحت هذه اللعنة لأنه لم يخص صلى الله عليه وسلم نوعا من أنواع الشبه دون نوع.

[فصل

ويجب ستر المغلظ من غير من له الوطء إلا للضرورة وهي الركبة إلى تحت السرة وتجوز القبلة والعناق بين الجنسي ومقارنة الشهوة تحرم ما حل من ذلك غالبا] .

قوله: "فصل ويجب ستر المغلظ" الخ.

أقول: وجه ذلك ما ورد من الأدلة الدالة على تحريم كشف العورة ووجوب سترها كما في الحديث الصحيح أحمد "5/4"، أبو داود "4017"، ابن ماجة "1920"، الترمذي "2769"، بلفظ: يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: "إن استطعت أن لا يراها أحد فافعل"، قال: فالرجل يكون خاليا؟ قال: "الله أحق أن يستحيا منه من الناس".

وأما الكلام في تقديرها من الرجل والمرأة فقد تقدم مستوفى في كتاب الصلاة.

قوله: "ويجوز القبلة والعناق بين الجنس".

أقول: الأصل جواز هذا كما يجوز للجنس لمس غير العورة من جنسه والعناق والتقبيل هو من جملة اللمس لغير العورة فمن زعم أن هذا اللمس الخاص غير جائز فعليه الدليل ولا يحتاج القائل بالجواز إلى الاستدلال بل يكفيه التمسك بالبراءة الأصلية والقيام في مقام المنع فإن تبرع بالاستدلال فقد خالف قواعد المناظرة وكلف نفسه ما لا يعنيها وأما إذا كان شيء من ذلك سببا لمقارنة الشهوة فهو حرام من هذه الحيثية لا من حيثية كونه تقبيلا أو معانقة بل لو

ص: 743