المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب " ومصرفها من تضمنته الآية - السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌[مقدمة لا يسع المقلد جهلها

- ‌كتاب الطهارة

- ‌باب النجاسات

- ‌[باب المياه

- ‌[باب ندب لقاضي الحاجة التواري

- ‌[باب الوضوء

- ‌[باب الغسل

- ‌[باب التيمم

- ‌[باب الحيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌مدخل

- ‌[باب الأوقات

- ‌[باب الإذان والإقامة

- ‌[باب صفة الصلاة

- ‌[باب والجماعة سنة مؤكدة

- ‌[باب سجود السهو

- ‌[باب والقضاء

- ‌[باب صلاة الجمعة

- ‌[باب ويجب قصر الرباعي

- ‌[باب وشرط جماعة الخوف

- ‌[باب وفي وجوب صلاة العيدين خلاف

- ‌[باب ويسن للكسوفين حالهما ركعتان

- ‌[كتاب الجنائز

- ‌كتاب الزكاة

- ‌مدخل

- ‌[باب في نصاب الذهب والفضة

- ‌باب زكاة الإبل

- ‌[باب ولا شيء فيما دون ثلاثين من البقر

- ‌[باب ولا شيء فيما دون أربعين من الغنم

- ‌[باب " ما أخرجت الارض في نصاب فصاعدا ضم احصاده الحول

- ‌[باب " ومصرفها من تضمنته الآية

- ‌[باب والفطرة تجب من فجر أول شوال إلي الغروب

- ‌كتاب الخمس

- ‌كتاب الصيام

- ‌مدخل

- ‌[باب وشروط النذر بالصوم

- ‌[باب الاعتكاف وشروطه

- ‌كتاب الحج

- ‌مدخل

- ‌باب العمرة

- ‌باب المتمتع

- ‌باب القارن

- ‌كتاب النكاح

- ‌مدخل

- ‌باب على واهب الأمة وبائعها استبراء غير الحامل

- ‌[باب الفراش

- ‌كتاب الطلاق

- ‌[باب إنما يصح من زوج مختار مكلف

- ‌[باب الخلع

- ‌[باب العدة

- ‌[باب الظهار

- ‌[باب الايلاء

- ‌[باب اللعان

- ‌[باب الحضانة

- ‌[باب النفقات

- ‌[باب الرضاع

- ‌كتاب البيع

- ‌مدخل

- ‌باب الشروط المقارنة للعقد

- ‌باب الربويات

- ‌[باب الخيارات

- ‌باب ما يدخل في المبيع

- ‌باب البيع غير الصحيح

- ‌باب المأذون

- ‌باب المرابحة

- ‌[باب الإقالة

- ‌[باب القرض

- ‌[باب الصرف

- ‌[باب السلم

- ‌كتاب الشفعة

- ‌كتاب الإجارة

- ‌مدخل

- ‌باب وإجارة الآدميين

- ‌باب المزارعة

- ‌باب الإحياء والتحجر

- ‌باب المضاربة

- ‌كتاب الشركة

- ‌مدخل

- ‌باب شركة الأملاك

- ‌باب القسمة

- ‌كتاب الرهن

- ‌كتاب العارية

- ‌كتاب الهبة

- ‌كتاب الوقف

- ‌كتاب الوديعة

- ‌كتاب الغصب

- ‌كتاب العتق

- ‌مدخل

- ‌[باب والتدبير

- ‌باب الكتابة

- ‌[باب الولاء

- ‌كتاب الأيمان

- ‌مدخل

- ‌[باب الكفارة

- ‌باب النذر

- ‌باب الضالة واللقطة واللقيط

- ‌باب الصيد

- ‌باب الذبح

- ‌باب الأضحية

- ‌باب الأطعمة والأشربة

- ‌باب اللباس

- ‌كتاب الدعاوى

- ‌كتاب الإقرار

- ‌كتاب الشهادات

- ‌كتاب الوكالة

- ‌باب الكفالة

- ‌باب الحوالة

- ‌باب التفليس

- ‌باب الصلح

- ‌باب الإبراء

- ‌باب الإكراه

- ‌باب القضاء

- ‌كتاب الحدود

- ‌مدخل

- ‌باب حد القذف

- ‌باب حد الشرب

- ‌باب حد السارق

- ‌كتاب الجنايات

- ‌مدخل

- ‌باب الديات

- ‌باب القسامة

- ‌كتاب الوصايا

- ‌كتاب السير

الفصل: ‌[باب " ومصرفها من تضمنته الآية

لوجوب الزكاة ولا سيما وقد وقع في رواية لأبي دأود بلفظ من كل عشر قرب قربة ووقع عندالترمذي كما تقدم في العسل في كل عشرة ازقاق زق.

ص: 248

‌[باب " ومصرفها من تضمنته الآية

فإن وجد البعض فقط ففيه والفقير من ليس بغني وهو من يملك نصابا متمكنا أو مرجوا ولو غير زكوى واستثنى له كسوة ومنزل وأثاث وخادم وآلة حرب يحتاجها الا زيادة النفيس والمسكين دونه ولا يستكملا نصابا من جنس واحد والا حرم أو موفيه ولا يغنى بغنى منفقه الا الطفل مع الاب والعبرة بحال الاخذ.

والعامل من باشر جمعها بامر محق وله ما فرض آمره وحسب العمل وتأليف كل واحد جائز للامام فقط لمصلحة دينية ومن خالف فيما اخذ لأجله رد والرقاب والمكاتبون الفقراء المؤمنون فيعانون على الكتابة والغارم كل مؤمن فقير لزمه دين في غير معصية وسبيل الله المجاهد المؤمن الفقير فيعان بما يحتاج اليه فيه ونصرف فضله نصيبه لا غيره في المصالح مع غني الفقراء وابن السبيل من بينه وبين وطنه مسافة قصر فيبلغ منها ولو غنيا لم يحضر ماله وأمكنه القرض ويردالمضرب لا المتفضل وللامام تفضيل غيرمجحف ولتعدد السبب وان يرد في المخرج المستحق ويقبل قولهم في الفقراء ويحرم السؤال غالبا] .

قوله: باب: "ومصرفها من تضمنته الآية فإن وجدالبعض فقط ففيه".

أقول: هذا التقييد صحيح لانه إذا وجد الكل فلكل صنف حق من مجموع الحاصل من الزكاة المجموعة بامر الامام أو من يقوم مقامه لما تقتضيه الآية فإن اللام فيها مفيدة للملك ويؤيد ذلك ما أخرجه أبو دأود ["1630"] من حديث زياد بن الحارث الصداني قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته فاتى رجل فقال اعطني من الصدقة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية اجزاء فان كنت من تلك الاجزاء اعطيتك"،

ولا ينافى ما صرحت به الآية من المصارف الثمانية ما ورد من ان الزكاة تؤخذ من الاغنياء وترد في الفقراء فإذ ذلك محمول على انه لم يوجد في المحل الذي اخذت منه الا الفقراء أما إذا وجد غيرهم فله حق فيها كحق الفقراء فيجمع بين الادلة بهذا.

وأما من اشتراط الفقر في جميع الاصناف فلا يحتاج إلي الجمع بهذا ولكن هذا الاشتراط

ص: 248

خلاف ظاهر القرآن وخلاف ما ثبت في السنة كقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تحل الصدقة لغني الا في سبيل الله أو ابن السبيل أو جار فقير يتصدق عليه فيهدي لك أو يدعوك"، أخرجه أحمد ["3/56"] ، ومالك في الموطأ والبزار وعبد بن حميد وابو دأود ["1636"] ، وابو يعلى والبيهقي والحاكم وصححه من حديث أبي سعيد.

وفي لفظ لأبي دأود ["1636"، وابن ماجه "1841"، "لا تحل الصدقة لغني الا لخمسة لعامل عليها أو رجل اشتراها بماله أو غارم أو غاز في سبيل الله أو مسكين تصدق عليه بها فأهدى منها لغني".

وسيأتي الكلام على هذا الاشتراط في كل صنف اشترط فيه ذلك.

قوله: "والفقير من ليس بغني".

أقول: هذا هو المذكور في كتب اللغة الصحاح والقاموس وغيرهما فيحتاج في معرفة معنى الفقير إلي معرفة معنى الغني وقد جعله المصنف رحمه الله من يملك نصابا ووجه هذا ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر باخذ الزكاة من الاغنياء وردها في الفقراء فوصف ن تؤخذ منه الزكاة بالغني وقد قال: "لا تحل الصدقة لغني"، [أحمد "9/93"، أبو دأود "1633"، النسائي "2598"]، فكأن الفقير من لا يملك نصابا وقد ذكرنا في شرح المنتفى اختلاف المذاهب في حد الغنى وذكرنا ادلتهم ومنها ما أخرجه أحمد وأبو دأود وابن حبان وصححه عن سهل بن الحنظلية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار"، قالوا: يا رسول الله وما يغنيه؟ قال: "قدر ما يعشيه ويغديه".

ومنها ما أخرجه أحمد ["1/441"] بوأهل السنن [أبو دأود "1626"، "الترمذي "650"، ابن ماجة "1840"، النسائي "3593"]، وحسنه الترمذي من حديث ابن مسعود مرفوعا:"من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش" قالوا: يا رسول الله وما يغنيه؟ قال: "خمسون درهما أو حسابها من الذهب".

ومنها ما أخرجه أحمد ["3/907"، وأبو دأود "1628"، والنسائي "2596"]، بإسناد رجاله ثقات من حديث أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من سأل وله قيمة أوقية فقد الحف".

وفي الباب أحاديث ولكن لا يخفى ان هذه الاحاديث فيمن يحرم عليه سؤال الناس لا فيمن تحرم عليه الزكاة ولكن قد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اشتملت عليه هذه الاحاديث غنيا فيكون الواجد لذلك المقدار غنيا وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم: "أن الزكاة لاحظ فيها لغني"[أحمد "9/93"، أبو دأود "1633"، النسائي "2598"] ، ويجمع بين هذه الاحاديث بالأخذ بأكثرها مقدارا وهو الخمسون الدرهم.

وأما قول المصنف رحمه الله: "متمكنا أو مرجوا" فقد قدمنا في المرجو انه لا بد ان يكون بحيث يأخذه متى شاء. وأما قوله ولو غير زكوى فوجه ذلك انه قد صار مالكا لقيمة النصاب الزكوى.

ص: 249

قوله: "واستثنى كسوة ومنزل" الخ.

أقول: هذه الامور لا يخرج بها المالك لها عن كونه فقيرا مصرفا للزكاة ولم يسمع في عصر النبوة ولا فيما بعده ان ملبوس الرجل ومنزله وما يقيه الحر والبرد وسلاحه يخرجه عن صفة الفقر وقد كان الصرف في الفقراء منه صلى الله عليه وسلم ومن الخلفاء الراشدين ومعهم ما يحتاجون اليه من ذلك وهذا معلوم لا شك فيه.

نعم استثناء ما كان فيه زيادة نفيس ان كان صاحبه يحتاج اليه فلا وجه للاستثناء وان كان لايحتاج اليه ويكفي ما دونه وتندفع عنه الحاجة به فلا بأس بذلك ومن جملة ما ينبغي استثناؤه الدفاتر العلمية للعالم فإن ذلك مصلحته في الغالب عامة.

قوله: "والمسكين دونه"

أقول: قد ثبت في الصحيحين [البخاري "1476"، مسلم "103/1039"] ، وغيرهما [أحمد "2/316"، النسائي "5/84، 85"، أبو دأود "1631"]، من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه ولا يقوم فيسال الناس".

وفي لفظ في الصحيحين [البخاري "1479"، مسلم "1039"]، من حديثه:"ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان ولا اللقمة واللقمتان وانما المسكين الذي يتعفف اقرأوا ان شئتم {لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً} [البقرة: 273] ، فأفاد هذا الحديث ان المسكين فقير لقوله: "لا يجد غنى يغنيه" مع زيادة كونه متعففا لا يقوم فيسأل الناس ولا يفطن له فيتصدق عليه فالمسكين فقير متعفف وبهذا القيد يظهر الفرق بينهما ويندفع قول من قال انهما مستويان وقول من قال ان المسكين فوق الفقير واعلى حالا منه لما هو معلوم من ان تعففه عن السؤال وعدم التفطن لكونه فقيرا زيادة حاجة وعظم ضرورة ومما يدل على افتراقهما في الجملة ما روى عنه صلى الله عليه وسلم انه قال: "اللهم احيني مسكينا"، مع ما علم من تعوذه من الفقر.

قوله: "ولا يستكملا نصايا من جنس" الخ.

أقول: قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدفع من العطاء الذي هو مجموع من اموال الله التي من جملتها الزكاة إلي الواحد من الصحابة انصباء كثيرة كما في الحديث الصحيح انه اعطى العباس من الدراهم ما عجز عن حمله وقال لعمر لما قال له إنه يصرف عطاءه فيمن هو أفقر منه إليه: "ما جاءك من هذا المال وانت غير مشرف ولا سائل فخذه ومالا فلا تتبعه نفسك" وهو في الصحيحين [البخاري "1473"، مسلم "1045"، وغيرهما [النسائي "2608"] ، من حديثه.

وظاهر هذا الأمر انه يقبل ما جاء إليه من أموال الله وان كان انصباء متعددة وقد كان الخلفاء الراشدون ومن بعدهم يعطون الفرد من المسلمين الالوف الكثيرة وقد أخرج أحمد بإسناد صحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر لبعض من ساله بشاء كثيرة بين جبلين من شاء الصدقة، وثبت ان

ص: 250

النبي صلى الله عليه وسلم قال لسلمة ابن صخر: "اذهب إلي صاحب صدقة بني زريق فقل له فليدفعها اليك"[البخاري "1936" مسلم "1111"، الترمذي "3299"] .

قوله: "ولا يغني بغنى منفقة الا الطفل مع الاب".

أقول: هذه دعوى مجردة ليس عليها دليل فان اثبات الغنى لشخص لا يملك ما يكون به غنيا لكون منفقه غنيا لا يناسب القواعد الشرعية.

وأما قوله والعبرة بحال الاخذ فصحيح لأنه اخذ ذلك وهو مصروف له وان اغناه الله عز وجل في ذلك الوقت الذي اخذ فيه الزكاة وليس مثل هذا مما يحتاج إلي التدوين لوضوحه وظهوره.

قوله: "والعامل من باشر جمعها بأمر محق".

أقول: من ثبت له الولاية على الناس بالمبايعة له منهم جاز العمل له في امور الدنيا والدين لان طاعته قد صارت واجبة بالبيعة وفي هذا من الايات القرآنية والاحاديث الصحيحة ما هو معروف ومن ذلك قوله: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]، وفي الحديث الصحيح [أبو دأود"4607"] :"عليكم بالطاعة وان عبدا حبشيا" الحديث.

ولا يتسع المقام لبسط ما ورد في طاعة أولى الامر والنهي عن نزع الايدي من طاعتهم ما اقاموا الصلاة الا ان يظهر منهم الكفر البواح كما صرحت بذلك الاحاديث الصحيحة.

فالعمل لمن صار واليا على المسلمين في الزكاة وغيرها صحيح بل واجب إذا طلب ذلك وان كان غير عادل في بعض الاحوال فيطاع في طاعة الله سبحانه ويعصى في معصيته كما صح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"[أحمد "5/66"] .

وقال: "إنما الطاعة في المعروف"[البخاري "7257، 4340، 7145"، مسلم "1840"، أبو دأود "2625"، أحمد 1/94"، النسائي "7/109"] ، هذا ما تقتضيه الشريعة المطهرة وهو أوضح من شمس النهار وليس بيد من خالفه شيء يصلح للتمسك به.

قوله: "وله ما فرض آمره".

أقول: قد ثبت ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يفرض لمن يعمل له في الزكاة أجرة عمله كما في الصحيحين [البخاري "7163"، مسلم "112/1045"] ، وغيرهما [أبو دأود "1647"، النسائي "5/102"، أحمد "1/52"]، من حديث بسر بن سعيد ان ابن السعدي المالكي قال استعملني عمر على الصدقة فلما فرغت منها واديتها اليه أمر لي بعمالة فقلت انما عملت لله فقال خذ ما اعطيت فإن عملت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعملني فقلت مثل قولك فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا اعطيت شيئا من غير ان تسأل فكل وتصدق".

وظاهر هذا انه قد فرض له ما يفيض عن أكله ويمكن التصدق منه ولا يجوز له ان يأخذ الزيادة على ما فرض له الامام أو السلطان لما أخرجه أبو دأود ["2943" بإسناد رجاله ثقات عن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من استعملنا على عمل فرزقناه رزقا فما اخذ بعد ذلك فهو غلول"،

ص: 251

وإذا لم يفرض له أجرة جاز له ان يأخذ من الزكاة بقدر عمله عليها من غير زيادة لعدم المسوغ للزيادة أما إذا كان ما فرض له آمره زائدا على مقدار عمله فإن ذلك الفرض مسوغ للزيادة لان أمر الصرف اليه وقد صرف إلي العامل المقدار الزائد على أجرته.

قوله: "وتأليف كل أحد جائز للامام فقط".

أقول: قد وقع منه صلى الله عليه وسلم التأليف لمن لم يخلص إسلامه من رؤساء العرب كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في اصحيح البخاري ["881، 2971" 7097"]، وغيره انه قال:"والله إني لأعطى الرجل وأدع الرجل والذي ادع احب الي من الذي اعطى ولكني اعطى اقوأما لما ارى في قلوبهم من الجزع والهلع وأكل اقوأما إلي ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير".

وصح عنه [مسلم "137/1060"] ، انه اعطى ابا سفيان بن حرب وصفوان بن امية وعيينة بن حصن والاقرع بن حابس وعباس بن مرداس كل إنسان منهم مائة من الإبل.

وثبت في صحيح مسلم انه اعطى علقمة بن علاثة مائة من الإبل ثم قال للانصار لما عتبوا عليه: "ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاء والإبل وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلي رحالكم" ثم قال لما بلغه أنهم قالوا: يعطى صناديد نجد ويدعنا "إنما صنعت ذلك لأتالفهم"[مسلم "143/1064"] فالتأليف شريعة ثابتة جاء بها القرآن وجعل المؤلفة احد

المصارف الثمانية وجاءت بها السنة المتواترة فإذا كان إمام المسلمين محتاجا إلي التأليف لمن يخشى من ضرره على الإسلام وأهله أو يرجو ان يصلح حاله ويصير نصيرا له وللمسلمين كان ذلك جائزا له وهكذا يجوز لرب المال مع عدم الامام ان يتألف من يخشى منه الضرر على نفسه أو ماله أو على غيره من المسلمين ولأوجه لتخصيص الامام بذلك فإن المؤلفة مصرف من مصارف الزكاة ونوع من الأنواع التي جعلها الله لهم فكما يجوز لرب المال ان يضعها في مصرف من المصارف غير المؤلفة يجوز له أيضا ان يضعها في المؤلفة وهذا ظاهر واضح وأما إذا كان الامام موجودا فأمر الصرف اليه وليس للامام ان يتألف مع قوة يده وبسطة امره ونهيه ووجود من يستنصر به عند الحاجة لما عرف من ان علة التأليف الواقع منه صلى الله عليه وسلم هو ما تقدم عنه.

وأما قول المصنف: "ومن خالف فيما اخذ لأجهله رد" فهو صواب لأن الغرض من التأليف لم يحصل فلم يكن ذلك المؤلف مؤلفا فلا نصيب له في الزكاة.

قوله: "والرقاب المكاتبون الفقراء المؤمنون".

أقول: ظاهر قوله سبحانه: {وَفِي الرِّقَابِ} ان هذا النصيب من الزكاة يصرف في عتق الرقاب ولو بشرائها من ذلك النصيب وعتقها ولا يختص بالمكاتبين ولا بالمتصفين بصفة الايمان بل المراد الاتصاف بالإسلام.

وأما اشتراط الفقر فلا يخفى ان المملوك لا يملك شيئا من المال ولعل مراده من لم يكن عنده من المال ما يخلص رقبته من الرق أو على القول بأن العبد يملك.

ص: 252

قوله: "والغارم كل مؤمن فقير".

أقول: هذا مصرف من المصارف المذكورة في القرأن ولأوجه لاشتراط الفقر فيه فان القرآن لم يشترط ذلك والسنة المطهرة مصرحة بعدم اشتراط الفقر فيه كما في حديث أبي سعيد بلفظ: "لا تحل الصدقة لغني الا لخمسة لعامل عليها أو رجل اشتراها بماله أو غارم أو غاز في سبيل الله"، أخرجه [ابو دأود "1636"، وابن ماجه "1841"] ، وأخرجه أيضا أحمد "3/56"، ومالك في الموطأ والبزار وعبد بن حميد وابو يعلى والبيهقي والحاكم وصححه فهذا الحديث فيه التصريح بعدم اشتراط الفقر في الغارم ومن ذكر معه بل يعطى الغارم من الزكاة ما يقضي دينه وان كان انصباء كثيرة.

وأما اشتراط كونه في غير معصية فصحيح لان الزكاة لاتصرف في معاصي الله سبحانه ولا فيمن يتقوى بها على انتهاك محارم الله عز وجل.

قوله: "وسبيل الله المجاهد الفقير".

أقول: قد عرفناك ان حديث أبي سعيدالمذكور قريبا فيه التصريح بعدم اشتراط الفقر فيمن اشتمل عليه من جملتهم الغازي كما سبق وفي لفظ منه: "لا تحل الصدقة لغنى الا في سبيل الله أو ابن السبيل أو جار فقير يتصدق عليه".

فالسنة قد دلت على انه يصرف إلي هذا الصنف مع الغني والقرأن لم يشترط فيه الفقر فلم يبق ما يوجب هذا الاشتراط بل هو مجرد رأي بحت فيصرف اليه ما يحتاجه في الجهاد من سلاح ونفقة وراحلة وان بلغ انصباء كثيرة لأوجه لاشتراط الايمان بل كل مسلم مصرف لذلك إذا بذل نفسه للجهاد ولا سيما إذا كان له شجاعة واقدام فإنه احق من المؤمن الضعيف.

قوله: "وتصرف فضلة نصيبه لا غيره في المصالح مع غنى الفقراء".

أقول: لم يرد ما يدل على اختصاص هذا الصنف بصرف فضلة نصيبه في المصالح وأما حديث ام معقل الاسدية ان زوجها جعل بكرا في سبيل الله وانها أرادت العمرة فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فأمر زوجها ان يعطيها وقال: "الحج والعمرة في سبيل الله" أخرجه أحمد ["6/406"] ، وأهل السنن [أبو دأود "1988"، الترمذي "939"، ابن ماجة "2993"] ، وفي إسناده رجل مجهول فلا يدل على المطلوب وهو صرف فضلة نصيبه في المصالح لان النبي صلى الله عليه وسلم وسلم جعل الحج والعمرة من سبيل الله فلا يلحق بهما غيرهما من المصالح وقد روى هذا الحديث أبو دأود من طريق اخرى ليس فيها الرجل المجهول.

وقد ورد في صرف فضلة نصيب الزقاب في المصالح ما هو اصرح من هذا فأخرج البيهقي في سننه الكبرى عن يزيد بن أبي حبيب ان ابا مؤمل أول مكاتب كوتب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلي الله عليه: "اعينوا أبا مؤمل" فأعين ما أعطى كتابته وفضلت فضلة فاستفتى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فامره ان يجعلها في سبيل الله.

قوله: "وابن السبيل" الخ.

ص: 253

أقول: هذا نوع من الأنواع الثمانية المذكورة في القرآن ونصيبه من الزكاة ان يعطى منها ما يرده إلي وطنه والمعتبر احتياجه في ذلك السفر وان كان غنيا في وطنه ولو امكنه القرض فان ذلك لا يجب عليه لانه قد صار مصرفا بمجرد الحاجة في ذلك المكان فيعطى حقه الذي فرض الله له وقدأخرج البخاري تعليقا وأحمد في المسند من حديث ابن لاس الخزاعي قال حملنا النبي صلى الله عليه وسلم على إبل الصدقة إلي الحج وأخرجه ابن خزيمة والحاكم قال الحافظ ورجاله ثقات الا ان فيه عنعنة ابن إسحاق.

ونصيب ابن السبيل من الزكاة ما يوصله إلي وطنه وان كان انصباء كثيرة وسرب عن السفر رد ما اخذ لعدم وجود السبب الذي لأجله استحق ذلك النصيب.

وأما إذا فضل منه فضله بعد بلوغه إلي وطنه فالظاهر ان يصرفها في مصرف الزكاة لانه لم يبق حينئذ مصرفا.

قوله: "وللامام تفضيل غير مجحف".

أقول: ظاهر الآية المصرحة بمصارف الزكاة يفيد ان لكل صنف من الاصناف الثمانية نصيبا فيها وانه لا يجوز اخذ نصيب صنف لصنف آخر ويؤيد ذلك حديث زياد بن الحارث الصدائي قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته فأتى رجل فقال اعطني من الصدقة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية أجزاء فإن كنت من تلك الاجزاء اعطيتك"، أخرجه أبو دأود ["630"] ، وفي إسناده عبد الرحمن بن زياد بن انعم الافريقي وفيه مقال وقد تقدم هذا الحديث.

فإذا كانت الاصناف موجودة مطالبة صرف الزكاة فيهم وجزأها بينهم وان كان بعضها احوج من بعض فضل الاحوج بما يراه لا سيما الفقراء والمجاهدين وإذا لم يوجدالا البعض صرف في الموجود وان كان صنفا واحدا ومن كان مستحقا لها من وجوه كأن يكون فقيرا غارما مجاهدا كان له من نصيب كل صنف نصيب لتعدد الاسباب الموجودة فيه لأنه يصدق عليه انه فرد من أفراد كل صنف من هذه الاصناف.

قوله: "ويرد في المخرج المستحق".

أقول: وجه ذلك انه قدد صار مصرفا للزكاة وذلك كان يفتقر بعدإخراجه لزكاته أو يذهب ماله لجائجة من الجوائج ولكن لا يخفى انه قد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث عمر بن الخطاب قال حملت على فرس في سبيل الله فأضاعه الذي كان عنده فأردت اشتريه وظننت ان يبيعه برخص فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لا تشتره ولا تعد في صدقتك وان اعطاكه بدرهم فإن العائد في صدقته كالعائد في قيئه"، وهو أيضا في الصحيحين [البخاري "6/139"، مسلم "3/1621"، وغيرهما [أبو دأود "3539"، الترمذي "2132"، النشائي "6/265"، ابن ماجة "2377"] ، من حديث ابن عمر.

ص: 254

وهذا يدل على عدم جواز إرجاع صدقة المتصدق اليه إذا صار مصرفا للصدقة بل يعطى من غيرها من الصدقات التي تصدق بها غيره.

قوله: "ويقبل قولهم في الفقر".

أقول: لا وجه لتخصيص قبول القول بالفقر بل ينبغي ان يقال ويقبل قول من ادعى انه من مصارف الزكاة ويدل على هذا حديث زياد بن الحارث الصدائي المتقدم قريبا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي طلب منه ان يعطيه من الصدقة: "إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية اجزاء فإن كنت من تلك الاجزاء أعطيتك".

فهذا يدل على انه يقبل قول من ادعى انه أحد الاجزاء الثمانية ولا يعارض هذا ما في مسلم ["109/1044"] ، وغيره [أبو دأود "1640"، أحمد "3/477"،، 5/160"]، من حديث قبيصة:"إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة" وفيه: "ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه لقد اصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قوأما من عيش" فإن هذا في جواز المسألة المحرمة بالادلة الصحيحة لافي جواز سؤال الصدقة ممن كان مصرفا للزكاة فإنه يجوز له ان يسأل ما هو حق له ولا يدخل في ادلة تحريم السؤال.

قوله: "ويحرم السؤال غالبا".

أقول: الاحاديث الدالة على تحريم السؤال كثيرة.

فمنها ما هو مطلق ومنها ما هو مقيد فمن الاحاديث المقيدة حديث: "من سأل وله قيمة أوقية"[أحمد "3/7/9"، أبو دأود "1628"، النسائي "2596"] .

وحديث: "من سأل وله خمسون درهما أو حسابها من الذهب"[أحمد "1/411"، أبو دأود ""1626"، الترمذي "650"، ابن ماجة 1840"، النسائي "2593"] ، وقد قدمنا هذه الاحاديث والكلام عليها.

ومنها حديث: "لا تحلا المسألة الا لثلاثة لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع أو لذي دم موجع"، أخرجه أحمد ["3/114"، وابو دأود "1641"، وغيرهما [الترمذي "1218"، ان ماجة "2198"] .

ومنها حديث قبيصة المتقدم قريبا وينبغي ان يحمل المطلق على المقيد فتحرم المسألة على كل أحد لا على هؤلاء المذكورين وينبغي ان يكون الاحتراز بقوله غالبا عنهم.

[فصل

ولا تحل لكافر ومن له حكمه الا مؤلفا والغني والفاسق الا عاملا أو مؤلفا والهاشميين ومواليهم ما تدارجوا ولو من هاشمي ويعطى العامل والمؤلف من غيرها

ص: 255

والمضطر يقدم الميتة ويحل لهم ما عدا الزكاة والفطرة والكفارة واخذ ما أعطوه مالم يظنوه إياها ولا يجزيء أحد فيمن عليه انفاقه حال الاخراج ولا في اصوله وفصوله مطلقا ويجوز لهم من غيره وفي عبد فقير ومن اعطي غير مستحق إجماعا أو في مذهبه عالما اعاد] .

قوله: فصل: "ولا تحل لكافر ومن له حكمه".

أقول: الآية المشتملة على مصارف الزكاة خاصة بالمسلمين ولا يدخل فيها كافر فلم تشرع الصدقة الا لمواساة من اتصف بوصف من تلك الأوصاف من المسلمين لا لمواساة أهل الكفر فإنا مأمورون بمقاتلتهم حتى يدخلوا في الإسلام أو يعطوا الجزية ومتعبدون بالاغلاظ عليهم وعدم موالاتهم ومحبتهم وهكذا من في حكمهم من الاطفال الذين هم في دار الكفر وأما إدراج كافر التأويل في قوله: "ولا تحل لكافر" فقد عرفناك غير مرة ان هذا الامر ناشيء عن التعصبات التي ليست من دأب أهل الايمان وان ذلك مجرد دعوى ليس عليها دليل الا مجرد القال والقيل.

وأما استثناء المؤلف فما كان صلى الله عليه وسلم يتألف الا من دخل في الإسلام مع عدم رسوخه فيه.

قوله: "الغني والفاسق".

أقول: أما الغني فقد دلت الاحاديث الصحيحة على انه لاحظ له في الزكاة إذا لم يكن من أحد الاصناف التي قدمنا الادلة على عدم اشتراط الفقر في أهلها كما عرفت وأما الفاسق فهو من جملة المسلمين فإذا كان من أحد الاصناف المذكورة في الآية فمنعه من نصيبه ظلم له ولم يرد في الكتاب والسنة شيء يصلح للاستلال به على منعه.

وأما استثناء العامل والمؤلف من الغني والفاسق فقد قدمنا انه لا يشترط الفقر في هذين الصنفين بل وفي غالب الاصناف كما عرفت.

قوله: "والهاشميين".

أقول: الادلة المتواترة تواترا معنويا قد دلت على تحريم الزكاة على آل محمد وتكثير المقال وتطويل الاستدلال في مثل هذا المقام لا يأتي بكثير فائدة وقد تكلم الجلال في شرحه في هذا الموضع بما يضحك منه تارة ويبكى له اخرى وجمع بين المتردية والنطيحة ما أكل السبع وبحثه في رسالته التي اشار اليها من جنس كلامه الذي أورده هنا وكل ذلك لا يسمن ولا يغني من جوع وهو رحمه الله من بني هاشم فلا جرم.

وأما تحريمها على مواليهم فلحديث أبي ورافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان رسول الله قال: "إن الصدقة لا تحل لنا وان موالي القوم من أنفسهم". أخرجه [أحمد "6/8، 9" وابو دأود "1650"، والنسائي "2612" والترمذي "657"] ، وصححه أيضا ابن خزيمة وابن حيان.

ص: 256

وأما قوله: "ولو من هاشمي" فهو الحق لعموم الادلة.

وأما الاستدلال بما رواه الحاكم في النوع السابع والثلاثين من علوم الحديث عن العباس قال قلت يا رسول الله انك حرمت علينا صدقات الناس فهل تحل صدقات بعضنا لبعض؟ فقال: "نعم" فهذا الحديث قد اتهم به بعض رواته كما ذكره الذهبي في الميزان وفيهم من لا يعرف فلا يصلح للتخصيص.

قوله: "ويعطى العامل والمؤلف من غيرها".

أقول: أما العامل فيدل على تحريمها عليها عليه وعدم جواز قبضه للأجرة منها حديث الفضل وربيعة بن الحارث بن عبد المطلب انه والفضل بن العباس انطلقا إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثم تكلم احدنا فقال يا رسول الله جئناك لتؤمرنا على هذه الصدقات فنصيب ما يصيب الناس من المنفعة ونؤدي اليك ما يؤدي الناس فقال: "إن الصدقة لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد إنما هي أوساخ الناس".

أخرجه [أحمد "9/77، 88"، ومسلم "1072"] ، وغيرهما [أبو دأود "2985"، النسائي "5/105"، 106"] ، فهذا فيه دليل انه لا يجوز للعامل على الزكاة من بني هاشم ان يأخذ عمالته منها فإنهما قد بينا لرسول الله صلى الله عليه وسلم انهما إنما يريدان ان يعملا على الزكاة ويصيبا منها ما يصيبه غيرهما من العمال فيها وهو أجرة العمال فمنع من ذلك معللا للمنع بأنها أوساخ الناس.

وأما المؤلف فهو بالمنع من ان يأخذ من الزكاة أولى من العامل لان العامل إنما ياخذ أجرة على قدر عمله والمؤلف لا عمل له على الصدقة فلا يحل تأليفه منها بل يعطى من غيرها.

قوله: "والمضطر يقدم الميتة".

أقول: أما هذا فتشديد عظيم فإنه قد جاز للمضطر ان يتنأول ما يسد به جوعته من مال غيره فكيف بما هو من اموال الله ولا يخفى ما في أكل الميتة من القذر الذي تنفر عنه النفوس وقد لا تسيغه غالب الطبائع فهذا الذي بلغ إلي حالة الاضطرار له في اموال الله سعة والزكاة من جملتها وإذا قدر على القضاء فعل.

ولا وجه لتعليل تقديم الميتة بأن دليلها قطعي فهو ان كان قطعي المتن فهو ظني الدلالة وأيضا قد عرفناك ان الادلة على تحريمها على بني هاشم متواترة فهي قطعية المتن كالقرآن.

قوله: "ويحل لهم ما عدا الزكاة والفطرة والكفارات".

أقول: ان كان لفظ الصدقة المذكور في الاحاديث يتنأول الفطرة والكفارات فهما كالزكاة وان كان لا يتنأولهما فلا دليل على تحريمهما وأما التعليل لتحريمهما بأنهما من أوساخ الناس فصدقة النفل هي من أوساخ الناس مع صدق اسم الصدقة عليها وقد ذكرت في شرحي للمنتقى الخلاف في تحريم صدقة النفل عليهم فليرجع اليه.

قوله: "واخذ ما اعطوه ما لم يظنوه إياها".

ص: 257

أقول: هذا صحيح فلا يتعبد الإنسان بتحريم ما لم يعلم انه حرام ولا ظن انه حرام ولكن طريق الورع معروفة فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام سأل عنه فإن قيل هدية أكل وان قيل صدقة لم يأكل [الترمذي "656"، النسائي "2613"] ، وبه الاسوة وفيه القدوة للناس خصوصا قرابته وأهل بيته.

قوله: "ولا يجزئ أحد فيمن عليه انفاق حال الاخراج".

أقول: الاصل الجواز ولا يحتاج المتمسك به إلي دليل بل الدليل على المانع ولا دليل فإن تبرع القائل بالجواز بإيراد الدليل على ذلك فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما حديث المرأتين اللتين سألتا رسول الله صلى الله عليه وسلم اتجزئ الصدقة عنهما على ازواجهما وعلى أيتام في حجرهما فقال: "لهما أجران: أجر القرابة وأجر الصدقة"، فالظاهر ان هذه الصدقة هي صدقة الفرض ولهذا أوقع السؤال عن الاجزاء اذ صدقة النفل على الرحم مجزئة وأيضا ترك الاستفصال منه صلى الله عليه وسلم يدل على انه لا فرق في هذا الحكم بين صدقة الفرض والنفل.

وأخرج البخاري وغيره من حديث أبي سعيد انه صلى الله عليه وآله وسلم قال لزينب امرأة عبد الله بن مسعود لما سألته عن الصدقة: "زوجك وولدك أحق من تصدقت عليهم"، فعلى تسليم الاحتمال في هذا الحديث يكون ترك استفصاله صلى الله عليه وسلم دليلا على انه لا فرق بين صدقة الفرض والنفل وهكذا ما أخرجه البخاري وغيره عن معن بن يزيد قال أخرج أبي دنانير يتصدق بها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها فقال والله ما إياك اردت فجئته فخاصمته إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"لك ما نويت يا يزيد ولك ما اخذت يا معن".

ولم يقع منه صلى الله عليه وسلم الاستفصال هل هي صدقة فرض أو نفل ويؤيد هذا ما ورد من الترغيب في الصدقة على ذوي الارحام كحديث أبي ايوب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح".

أخرجه أحمد ["5/416"] ، وأخرج مثله أيضا من حديث حكيم بن حزام.

وأخرج أحمد ["4/17، 18، 214"، والترمذي "658"]، وحسنه وابن ماجه والنسائي وابن حبان والدارقطني والحاكم عن سلمان بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة"، وفي الباب عن أبي طلحة وأبي امامة ولفظ الصدقة يشمل صدقة الفرض كما يشمل صدقة النفل.

ولا يصلح لمعارضة هذا ما روى عن بعض الصحابة اجتهادا منه وأما دعوى من ادعى الاجماع على منع صرف الزكاة في الاصول والفصول فتلك احدى الدعأوي التي لا صحة لها والمخالف موجود والدليل قائم.

وأما قوله: "ويجوز لهم من غيره" فلا حاجة اليه لان الجواز معلوم وهم لا يغنون بغناه وهكذا قوله: "وفي عبد فقير" لا حاجة اليه لان العبد ان كان يملك فهو كسائر المصارف من المسلمين وان كان لا يملك فإعطاؤه لسيده والاعتبار بحال السيد.

ص: 258

قوله: "ومن اعطى غير مستحق إجماعا" الخ.

أقول: ان كان عالما بانه غير مصرف للزكاة فقد وضع ماله في مضيعة وتجب عليه الاعادة على كل حال وأما إذا لم يعلم وانكشف من بعدانه غير مصرف فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة: "أن رجلا تصدق بصدقة فوقعت في يد سارق فاصبح الناس يتحدثون بأنه تصدق على سارق فقال: اللهم لك الحمد على سارق لاتصدقن بصدقة فتصدق فوقعت في يد زانيه فأصبح الناس يتحدثون تصدق على زانية فقال: اللهم لك الحمد على زانية لاتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد غنى فأصبحوا يتحدثون تصدق على غني فقال: اللهم لك الحمد على غني فقيل: أما صدقتك فقد قبلت أما الزانية فلعلها تستعف من زناها ولعل السارق يستعف عن سرقته ولعل الغنى ان يعتبر فينفق مما آتاه الله عز وجل".

هكذا حكاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل من بني إسرائيل وفيه ما يدل على قبول الصدقة إذا وقعت في غير مصرف لها مع الجهل بأنه غير مصرف وظاهر الصدقة المذكورة اعم من ان يكون فريضة أو نافلة وقداختلف أهل العلم في الاجزاء إذا كانت الصدقة فريضة قال في فتح الباري فإن قيل ان الخبر إنما تضمن قصة خاصة وقع الاطلاع فيها على قبول الصدقة برؤيا صادقة اتفاقية فمن اين يقع تعميم الحكم فالجواب ان التنصيص في هذا الخبر على رجاء الاستعفاف هو الدال على تعدية الحكم فيقتضى ارتباط القبول بهذه الاسباب انتهى.

[فصل

وولايتها إلي الامام ظاهرة وباطنة حيث تنفذ أوامره فمن أخرج بعدالطلب لم تجزه ولو جأهلا ويحلف للتهمة ويبين مدعي التفريق وانه قبل الطلب والنقص بعدالخرص وعليه الايصال ان طلب ويضمن بعدالعزل الا باذن الامام أو من اذن له بالاذن وتكفي التخلية إلي المصدق فقط ولا يقبل العامل هديتهم ولا ينزل عليهم وان رضوأ ولا يبتع أحد ما لم يعشر أو يخمس ومن فعل رجع على البائع بما ياخذه المصدق فقط فنية المصدق والامام تكفي لا غيرهما] .

قوله: فصل: "وولايتها إلي الامام ظاهرة وباطنة".

أقول: أمر الزكاة قد كان إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا شك ولا شبهة وكا يبعث السعادة لقبضها ويأمر من عليهم الزكاة بدفعها اليهم وإرضائهم واحتمال معرتهم وطاعتهم ولا يسمع في أيام النبوة ان رجلا أو أهل قرية صرفوا زكاتهم بغير اذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا أمر لايجحده من له ادنى معرفة بالسيرة النبوية وبالسنة المطهرة.

ص: 259

وقد انضم إلي التوعد على الترك والمعاقبة بأخذ شطر المال وعدم الاذن لأرباب الاموال بأن يكتموا بعض اموالهم من الذين يقبضون منهم الصدقة بعد ان ذكروا له انهم يعتدون عليهم ولو كان اليهم صرف زكاة اموالهم لأذن لهم في ذلك.

وأيضا جعل الله سبحانه للعامل على الزكاة جزءا منها في الكتاب العزيز فالقول بأن ولايتها إلي ربها يسقط مصرفا من مصارفها صرح الله سبحانه به في كتابه.

وأما المعارضة لهذا الامر الذي هو أوضح من شمس النهار بأن خالد بن الوليد حبس ادراعه واعتاده في سبيل الله فهذا على تقدير ان حبسها عن الزكاة لا يكون منه الا باذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا صار ذلك معلوما عندالنبي صلى الله عليه وسلم ومعلوم ان خالدا لا يأخذ جواز هذا التحبيس وإجزاءه عن الزكاة الا من رسول الله صلى الله عليه وسلم لان مثل ذلك لا يعلم الا من الشرع والاذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم لرب المال بالصرف في حكم القبض للزكاة منه وأما على تقدير ان المراد بقوله انه قد حبس ادراعه واعتاده في سبيل الله ان من كان هذا فعله في التقرب إلي الله سبحانه بوقف اخص املاكه واحبها اليه مع مزيد حاجته اليها يبعد عنه ان يمنع الزكاة فلا دلالة له على مراد القائل بالمعارضة.

وأما ابن جميل الذي قيل للنبي صلى الله عليه وسلم إنه قدمنع من دفع الصدقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ينقم ابن جميل الا انه كان فقيرا فأغناه الله" فليس فيه ما يعارض ما تقدم فإن هذا الذم له فيه اعظم دلالة على تحريم ما وقع منه من المنع وليس فيه انه صرفها إلي مصارفها وقرره صلى الله عليه وسلم على ذلك.

وهكذا المعارضة بقضية ثعلبة بن حاطب لا وجه لها فإن ذلك رجل اخبر الله سبحانه انه اعقبه نفاقا في قلبه ولهذا امتنع صلى الله عليه وسلم من قبضها منه لما جاء بها بعد ذلك وكذلك امتنع من قبضها منه الخلفاء الراشدون.

والحاصل انه ليس في المقام ما يدل على ان أمر الزكاة إلي ارباها في زمن النبوة قط وبه يندفع جميع ما ذكره الجلال في شرحه هاهنا فإنه لم يأت بشيء بعتد به في المعارضة.

وإذا تقرر هذا فقد ثبت ان ما كان امره إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو إلي الائمة من بعده ومن ذلك ما في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنها ستكون بعدي اثرة وامور تنكرونها" قالوا: يا رسول فما تأمرنا؟ قال: "تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم".

وأخرج مسلم وغيره من حديث وائل بن حجر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل يساله فقال: أرأيت إن كان علينا أمراء يمنعون حقنا ويسألون حقهم فقال: "اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم" وفي الباب احاديث.

وإذا عرفت هذا علمت ان الدفع إلي الامام واجب لجميع أنواع الصدقات الا ان يأذن لرب المال بالصرف جاز له ذلك وأما تغيير ذلك بكونه نافذ الامر والنهي في البلد التي فيها رب

ص: 260

المال فوجهه انها من جملة اموال الله التي تصرف في المصارف التي من جملتها الدفع عن البلاد والعبادة فإذا كان الامام لا ينفذ له أمر في تلك الجهة كان عاجزا عن هذا ولكنه إذا كان صحيح الولاية وقد بايعه من يعتد به من السملمين كانت طاعته واجبة على من بلغته دعوته ومن جملة الطاعة النصرة له وفدع ما أمره اليه وعليه ان يقوم بحماية أهل تلك الجهة ودفع عدوهم عنهم بما تبلغ اليه طاقته ثم هو لا يعجز عن ان يأخذ الزكاة من اغنياء تلك الجهة ويصرفها في فقرائهم كما أمر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأما قوله: "فمن أخرج بعدالطلب لم تجزئه ولو جاهلا" فلا وجه له بعدان أوضحنا لك أن أمرها إلي الامام بتلك الادلة بل من أخرج إلي غيره بغير إذنه لم تجزئه وفي حكم الاذن منه ما هو معلوم من كثير من الائمة من تفويض أهل العلم والصلاح بصرف زكاتهم في مصارفها وصار ذلك كا العادة لهم فإن هذا بمنزلة الاذن لهم وان لم يقع الاذن صريحا.

وأما قوله: "يحلف للتهمة" فهذا صواب لان الامام نائب عن الله في استيفاء حقوقه فله تحليف من يتهمه بكتم البعض منها.

وأما قوله: "ويبين مدعي التفريق" الخ فقد عرفت انه لا يشترط الطلب.

قوله: "والنقص بعدا لخرص".

أقول: وعلى الخارص ان يدع الثلث أو الربع كما في حديث سهل بن أبي حثمة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع" أخرجه أحمد وأبو دأود والترمذي والنسائي والحاكم وابن حبان وصححاه وإنما يحتاج رب المال إلي البينة على النقص بعدالخرص إذا كان السبب خفيا أما إذا كان ظاهرا كأن يقع في الثمرة جائحة فالقول قوله إذا ادعى نقصا يعتاد مثله في تلك الجائحة.

قوله: "وعليه الايصال ان طلب".

أقول: الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في مثل النخل والعنب انه كا يبعث من يخرص ذلك كما وردت به الاحاديث ولم يأت البيان عن كيفية حمل ذلك إلي النبي هل كان السعادة هم الذين يوصلونه إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يوصله ارباب الاموال وإذا رجعنا إلي الادلة الدالة على ان أرباب الاموال هم المخاطبون بتسليمها إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفعها اليه كان الستليم المطلوب منهم متوقفا على إيصالهم لها اليه.

قوله: "ويضمن بعدالعزل" الخ.

أقول: لا تأثير لمجردالعزل في الضمان ولا لعدمه في عدمه بل إذا حصد المالك ملكه وقبض ذلك واحرز فإن تلف بعد هذا بتفريط منه مع قدرته على حفظه ضمن زكاة قدر ما تلف وان تلف بأمر غالب ولم يقع منه التفريط فلا ضمان عليه ولا فرق بين عزل قدر الزكاة أو بقائها بين ما هي زكاة له فإن العزل وصف طردى لا تأثير له في الضمان.

ص: 261

وأما قوله: "ويكفى التخلية إلي المصدق فقط" فلا وجه لتخصيص ذلك بالمصدق فإن من قال بوجوب الايصال بوجبه إلي الامام وإلي من ينوب عنه وهم السعادة وإلي الفقير أيضا وسائر المصارف إذا اذن الامام لرب المال بالصرف اليهم ومن لم يقل بوجوبه كانت التخلية إلي الجميع كافية.

قوله: "ولا يقبل العامل هديتهم".

أقول: الاستدلال على هذا بحديث أبي حميد الساعدي في الصحيحين وغيرهما قال: استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الازد يقال له: ابن اللتبية فلما قدم قال: هذا لكم وهذا اهدى الي فقام النبي صلى الله عليه وسلم فحمدالله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد فاني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله فيأتي فيقول هذا لكم وهذا هدية أهديت لي أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقا؟ والله لا ياخذ احدكم شيئا بغير حقه الا لقي الله تعالي بحمله يوم القيامة".

لا يصلح لمنع العامل من قبول الهدية وإنما هو إنكار عليه في تخصيص نفسه بشيء منها لآنها إنما اهديت له لكونه عاملا على الزكاة لا لشيء يرجع اليه نفسه كما بينه النبي صلى الله عليه وسلم.

فالحاصل ان هذا الحديث يستفاد منه عدم جواز اختصاص العامل بشيء مما يهدي اليه وأما عدم جواز قبوله للهدية فمأخوذ من ادلة اخرى غير هذا الحديث وقد قدمنا حديث: "من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فما اخذ بعد ذلك فهو غلول" ولا سيما إذا كان المقصود بها الرشوة له والتوصل بها إلي مسامحتهم في بعض ما يجب عليهم.

قوله: "ولا ينزل عليهم".

أقول: قد كان السعاة في زمن النبوة ينزلون عليهم إلي ديارهم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر أرباب الاموال بارضائهم والاحسان اليهم كما اشتملت على ذلك الاحاديث الكثيرة فلا وجه للمنع نعم إذا امتنع ارباب الاموال من ضيافتهم أو جأوزوا القدر الذي تكون فيه الضيافة أكلوا من الزكاة كما انها تكون عمالتهم منها.

قوله: "ولا يبتع أحد ما لم يعشر أو يخمس".

أقول: لقد قدمنا ان الزكاة واجبة من العين وانه لا يجوز العدول إلي الجنس الا مع عدم العين ولا يجوز العدول إلي القيمة الا مع عد الجنس فالقدر الذي لا يجوز بيعه هو الزكاة لا المال المزكى الذي لم يخرج زكاته فإنه لا بأس ببيعه حتى يبقى منه قدر الزكاة فإذا بقي منه قدرها حرم بيعها فلا وجه للمنع من بيع الكل.

وأما الفرق بين ما اخذه المصدق وغيره في رجوع المشترى على البائع فمن غرائب الراي التي لا ترجع إلي معقول ولا منقول.

ص: 262

[فصل

فإن لم يكن إمام فرقها المالك المرشد وولى غيره بالنية ولو في نفسه لا غيرهما فيضمن الا وكيلا ولا يصرف في نفسه الا مفوضا ولانية عليه ولا تلحقها الاجازة لكن يسقط الضمان وذو الولاية يعمل باجتهاده الا فيما عين له ولا يجوز التحيل لاسقاطها وأخذها ونحوها غالبا ولا الابراء والضيافة بنيتها ولا اعتداد بما اخذه الظالم غصبا وان وضعه في موضعه ولا يخمس ظنه الفرض] .

قوله: فصل: "فإن لم يكن امام فرقها المالك المرشد" الخ.

أقول: هذا معلوم لا يحتاج إلي التدوين فإن عدم الامام يوجب عدم ثبوت الحق عليهم الذي للامام لان ذلك إنما يكون لامام مووجود لا لإمام مفقود والزكاة فريضة من فرائض الشرع وركن من أركان الإسلام يجب على من هي عليه التخلص عنها بدفعها إلي الامام أو باذنه أو إلي من جعله الله مصرفا لها مع عدم الامام.

وأما كون ولي الصبي والمجنون هو الذي يخرج زكاتهما فلكونهما لا يصلحان للاخراج فينوب عنهما الولي كما ينوب عنهما في غير الزكاة وقد صرح القرأن الكريم بأنه يمل عمن لا يقدر علىان يمل وليه وما ذكره من انه يجوز له ان يصرف في نفسه فذلك صحيح لآنه ليس بمالك بل متصرف عن المالك وهكذا الوكيل له إخراج زكاة الموكل له وصرفها في نفسه مع التفويض إذا كا مصرفا وقد قدمنا الكلام على زكاة الصبي والمجنون بما فيه كفاية ولا وجه لقوله ولا يلحقها الاجازة لان النية تصح متقدمة ومتأخرة ومقارنة لعدم ورود ما يمنع من ذلك فيجزئ المالك ويسقط الضمان على الذي أخرجها بغير أمر منه.

وأما كون ذي الولاية يعمل باجتهاده فلتعذر وقوع ذلك من الصبي والمجنون الا فيما عين له فإنه يكون كالحاكم لنفسه فلا يعمل باجتهاد نفسه.

قوله: "ولا يجوز التحيل لاسقاطها واخذها ونحوها غالبا".

أقول: هذا التحيل لاسقاط فريضة من فرائض الإسلام وركن من أركان الدين هو شبيه بحيلة اصحاب السبت ولا شك ولا ريب انه ضد للشريعة المطهرة ومعاندة لما فرضه الله على عباده فهو من الحرام البين الذي نهى الله عنه ونعاه على من قعله وليس من المشتبهات كما قاله الامير في حاشيته وهكذا التحيل لأخذ ما حرمه الله على العبد هو أيضا من الحرام البين.

والحاصل ان كل حيلة تنصب لاسقاط ما أوجبه الله أو تحليل ما حرمه فهي باطلة لا يحل لمسلم ان يفعلها ولا يجوز تقرير فاعلها عليها ويجب الانكار عليه لانه منكر وأما إذا كانت للخروج من مأثم كما في قوله تعالي: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} [ص: 44] ، وكما ورد في حد المريض في زمنه صلى الله عليه وسلم يعثكول من النخل فذلك جائز وهو من الحلال البين وبين الامرين من التفأوت ما بين السماء والارض.

ص: 263

قوله: "ولا الابراء والاضافة بنيتها".

أقول: أما الابراء فقد قدمنا ان الزكاة تجب من العين فإذا لم تكن العين موجودة جاز إخراج الجنس ثم القيمة فهذا الذي جعل الدين الذي له على الفقير من الزكاة الواجبة عليه ان كانت العين موجودة لديه صرفها إلي الفقير وردها الفقير اليه قضاء عن دينه وان لم تكن موجودة لديه كان الابراء للفقير في حكم التسليم اليه ولا مانع من ذلك ومن ادعى ان ثم مانعا فعليه الدليل.

وأما الاضافة للفقير فإن كان ذلك بعين الزكاة فلا شك في جوازه وهكذا ان كان بجنسها مع عدم العين ومن ادعى ان ثم مانعا فعليه الدليل وأما التعليل بالعلل الفرعية من كون الزكاة تمليكا وكون النية لا بد ان تكون مقارنة فليس ذلك مما تقوم به الحجة بل هو في نفسه عليل.

قوله: "ولا اعتداد بما اخذه الظالم غصبا وان وضعه في موضعه".

أقول: هذه المسألة قد أوضح الامر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينه لامته كما ثبت عنه في الصحيحين [البخاري: "7052"، مسلم: "45/1843"] وغيرهما من حديث ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها"، فقالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: "تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم".

وأخرج مسلم ["1846"] وغيره [الترمذي "2199"] من حديث وائل بن حجر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل يسأله فقال أرأيت ان كان علينا امراء يمنعون حقنا ويسألون حقهم قال: "اسمعوا واطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم"، وفي الباب أحاديث واثار كثيرة عن جماعة من الصحابة وقد جعل الله أمر الزكاة إلي الائمة عدلوا أو جاروا فرب المال قد أوجب الله عليه الدفع اليهم لان ذلك هو من الحق الذي لهم ومن تمام الطاعة الثابتة في الكتاب والسنة المتواترة فالقول بعدم الاعتداد هو مجرد شك ووسوسة اقتضى ذلك عدم الاشتغال بعلم السنة وقد قدمنا ذكر الادلة الدالة على وجوب الدفع للزكاة إلي السعاة وان جاروا وظلموا وحصول البراءة بالتسليم اليهم.

وأما قوله: "ولا بخمس ظنه الفرض" فلا وجه له لأنه قد أخرج الواجب وزيادة عليه نأويا به الزكاة فوقع قدر الزكاة عنها والزائد إذا أراد استرجاعه فله ذلك لانه إنما أخرجه معتقدا لوجوبه عليه فانكشف خلافه.

[فصل

ولغير الوصي والولي التعجيل بنيتها الا عما لم يملك وعن معشر قبل إدراكه وعن سائمة وحملها وهو إلي الفقير تمليك فلا يكمل بها النصاب ولا يردها ان انكشف النقص

ص: 264