الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِذَا قَال الْمُزَارِعُ: أَنَا أزْرَعُ الْأَرْضَ بِبَذْرِي وَعَوَامِلِي، وَتَسْقِيهَا بِمَائِكَ، وَالزَّرْعُ بَينَنَا. فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى رِوَايَتَينِ.
ــ
2141 - مسألة: (وَإِن قَال: أَنَا أزْرَعُ الْأَرْضَ بِبَذْرِي وَعَوَامِلِي، وَتَسْقِيهَا بِمَائِكَ، وَالزَّرْعُ بَينَنَا)
ففيها رِوايَتان؛ إحْداهُما، لا تَصِحُّ. اخْتارَها القاضِي؛ لأنَّ مَوْضُوعَ المُزارَعَةِ على أن يكونَ مِن أحَدِهما الأرْضُ ومِن الآخَرِ العَمَلُ، وصاحِبُ الماءِ ليس منه أرْضٌ ولا عَمَل ولا بَذْرٌ، ولأنَّ الماءَ لا يُباعُ ولا يُسْتَأْجَرُ، فكيف تَصِحُّ المُزارَعةُ به؟ والثانيةُ، تَصِحُّ. اختارَها أبو بكرٍ. ونَقَلَها عن أحمدَ يَعْقُوبُ بنُ بَخْتانَ (1)، وحَرْبٌ؛ لأنَّ الماءَ أحَدُ ما يُحْتاجُ إليه في الزَّرْعِ، فجازَ أن يكونَ مِن أحَدِهما، كالأرْضِ والعَمَلِ. والأوَّلُ أصَحُّ؛ لأنَّ هذا ليس بمَنْصُوصٍ عليه، ولا هو في مَعْنَى المَنْصُوصِ.
فصل: وإنِ اشْتَرَكَ ثلاثَةٌ؛ مِن أحَدِهم الأرضُ، ومِن الآخَرِ البَذْرُ، ومِن الآخَرِ البَقَرُ، والعَمَلُ على أنَّ ما رَزَق الله تَعالى بينهم، فعَمِلُوا، فهذا عَقْدٌ فاسِدٌ. نَصّ عليه أحمدُ، في رِوايَةِ أبي داودَ، ومُهَنّا، وأحمدَ بنِ القاسِمِ. وذَكَرَ حَدِيثَ مُجاهدٍ، في أرْبَعةٍ اشْتَرَكُوا في زَرْعٍ على عَهْدِ
(1) هو يعقوب بن إسحاق بن بختان. تقدم في 2/ 391.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال أحَدُهُم: عَلَيَّ الفَدّانُ (1). وقال الآخَر: قِبَلِي الأرْضُ. وقال الآخَر: قِبَلي البَذْز. وقال الآخَر: قِبَلي العَمَل. فجَعَل النبيُّ الزَّرْعَ لصاحِبِ البَذْرِ، وألغَى صاحِبَ الأرْضِ، وجَعَل لصاحِبِ العَمَلِ كلَّ يوم دِرْهمًا، ولصاحِبِ الفَدّانِ شيئًا مَعْلُومًا (2). فقال أحمدُ: لا يَصِحُّ، والعَمَلُ على غيرِه. وذَكَر هذا الحَدِيثَ سَعِيد بنُ مَنْصُورٍ، عن الوَليدِ بنِ مُسْلِمٍ، عن الأوْزَاعِيِّ، عن واصِلِ بنِ أبي جَمِيلٍ، عن مُجاهِدٍ، وقالٍ في آخِرِه: فحَدَّثْت به مَكْحُولًا فقال: ما يَسُرُّنِي بهذا الحَدِيثِ وَصيفٌ (3). وحُكْمْ هذه المسألةِ حُكْمُ المسألةِ التي ذَكَرْناها في أوّل الفَصْلِ، وهما فاسِدَتانِ؛ لأنَّ مَوْضوعَ المُزارَعةِ على أن البَذْرَ مِن رَبِّ الأرْضِ أو مِن العامِلِ، وليس هو من (4) واحِدٍ منهما. وليست شَرِكةً؛ لأنَّ الشَّرِكَةَ تكونُ بالأَثْمانِ، فإن كانت بالعُرُوضِ، اعْتبرَ كَوْنها مَعْلُومَةً، ولم يُوجَدْ شيءٌ مِن ذلك هاهُنا. ولا هي إجارَةٌ؛ لأنَّ الإجارَةَ تَفْتَقِرُ إلى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ وعِوَضٍ مَعْلُوم. وبهذا قال مالكٌ، والشافعيُّ، وأصحابُ الرَّأْي. فعلى هذا، يكونُ الزَّرْعُ لصاحِبِ البَذْرِ؛ لأنَّه نَمَاءُ مالِه، ولصاحِبَيه عليه أجْرُ مِثْلِهما؛ لأنَّهما دَخَلا على أن يُسَلِّمَ
(1) الفدان: المحراث.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة، في: باب القوم يشتركون في الزرع، من كتاب البيوع والأقضية. المصنف 7/ 123.
(3)
الوصيف: الخادم، غلاما أو جارية.
(4)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لهما المُسَمَّى، فإذا لم يُسَلِّمْ، عاد إلى بَدَلِه. وبهذا قال الشافعي، وأبو ثَوْرٍ. وقال أصحابُ الرَّأي: يَتَصَدَّقُ بالفَضْلِ. والصَّحِيحُ أنَّ النَّماءَ لصاحِبِ البَذْرِ، لا تَلْزَمُه الصَّدَقَةُ به، كسائِرِ مالِه.
فصل: فإن كانتِ الأرضُ لثلاثةٍ، فاشْتَركُوا على أن يَزْرَعُوها ببَذْرِهم ودَوابِّهم وأعْوانِهم، على أنَّ ما أخْرَجَ الله بينهم على قَدْرِ ما لَهم، جاز. وبه قال مالِكٌ، والشافعيُّ، وابنُ المُنْذِرِ. ولا نَعْلَمُ فيه خلافًا؛ لأن أحَدَهُم لا يَفْضُلُ صاحِبَه بشيءٍ.
فصل: فإن زارَعَ رَجُلًا، أو آجَرَه أرْضَه فزَرَعها، وسَقَط مِن الحَبِّ شيءٌ فنَبَتَ في تلك الأرْضِ عامًا آخَرَ، فهو لصاحِبِ الأرْضِ. نَصَّ عليه أحمدُ في رِوايةِ أبي داودَ، ومحمدِ بنِ الحارِثِ. وقال الشافعي: هو لصاحِب الحَبِّ؛ لأنَّه عَينُ مالِه، فهو كما لو بذَرَه قَصْدًا. ولَنا، أنَّ صاحِبَ الحَبِّ أسْقَطَ حَقَّه منه بحُكْمِ العُرْفِ، وزال مِلْكُه عنه؛ لأنَّ العادَةَ تَرْكُ ذلك لمَن يَأخُذُه، ولهذا أبِيحَ له الْتِقاطُه ورَعْيُه. ولا نَعْلَمُ خِلافًا في إباحَةِ الْتِقاطِ ما خَلَفَه الحَصَّادُون مِن سُنْبُلٍ وحَب وغيرِهما، فجَرَى ذلك مجرَى نَبْذِه على سَبِيلِ التَّرْكِ له، وصار كالشيءِ التّافِهِ يَسْقُطُ منه، كالثَّمرةِ واللُّقْمَةِ ونحوهما، والنَّوَى لو الْتَقَطَه إنْسانٌ فغَرَسه كان له، دُونَ مَن سَقَط منه، كذا هذا.