الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمَنْفَعَةَ وَمَا دُونَهَا فِي الضَّرَرِ مِنْ جِنْسِهَا، فَإِذَا اكْتَرَى لِزَرْعِ الْحِنْطَةِ، فَلَهُ زَرْعُ الشَّعِيرِ وَنَحْوهِ، وَلَيسَ لَهُ زَرْعُ الدُّخْنِ وَنَحْوهِ. وَلَا يَمْلِكُ الْغَرْسَ وَلَا الْبِنَاءَ. وَإِنِ اكْتَرَاهَا لِأَحَدِهِمَا، لَمْ يَمْلِكِ الْآخَرَ. فَإِنِ اكْتَرَاهَا لِلْغَرْسِ، مَلَكَ الزَّرْعَ.
ــ
2190 - مسألة: (وله اسْتِيفاءُ المَنْفَعَةِ وما دُونَها في الضَّرَرِ مِن جِنْسِها)
قال أحمدُ: إذا اسْتَأْجَرَ دابَّةً ليَحْمِلَ عليها تَمْرًا، فَحَمَل عليها حِنْطَةً، أرْجُو أن لا يكونَ به بَأْسٌ إذا كان الوَزْنُ واحِدًا. وإن كانت المَنْفَعَةُ التي يَسْتَوْفِيها أكْثَرَ ضَرَرًا، أو مُخالِفَةً للمَعْقُودِ عليها في الضَّرَرِ، لم يَجُزْ؛ لأنَّه يَسْتَوْفِي أكْثَرَ مِن حَقِّه أو غيرَ ما يَسْتَحِقُّه.
2191 - مسألة: فإذا اسْتَأْجَرَ أرْضًا (لزَرْعِ الحِنْطةِ، فله زَرْعُ الشَّعِيرِ ونحوه. وليس له زَرْعُ الدُّخْنِ ونَحْوه. ولا يَمْلِكُ الغَرْسَ ولا البِناءَ. وإنِ اكْتَراها لأحَدِهما، لم يَمْلِكِ الآخَرَ. وإنِ اكْتَراها لِلْغَرْسِ، مَلَك الزَّرْعَ)
وجُمْلَةُ ذلك، أنَّ إجارَةَ الأرْضِ صَحِيحةٌ، وقد ذَكَرْنا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ذلكَ. ولا يَصِحُّ حتى يَرَى الأرْضَ؛ لأنَّ المَنْفَعَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِها، ولا تُعْرَفُ إلَّا بالرُّؤْيةِ؛ لِكَوْنِها لا تَنْضَبِطُ بالصِّفَةِ، ولا يَصِحُّ حتى يَذْكُرَ ما يَكْتَرِي له؛ مِن زَرْعٍ، أو غَرْسٍ، أو بِناءٍ؛ لأنَّ الأرْضَ تَصْلُحُ لذلك كلِّه، وتَأْثِيرُه في الأرْضِ يَخْتَلِفُ، فوَجَبَ بَيانُه. فإن قال: أجَرْتُكَها لِتَزْرَعَها أو تَغْرِسَها. لم يَصِحَّ؛ لأنَّه لم يُعَيِّنْ أحَدَهُما، أشْبَهَ ما لو قال: بِعْتُكَ أحَدَ هَذَين العَبْدَين. فإن قال: لِتَزْرَعَهَا ما شِئْتَ، وتَغْرِسَها ما شِئْتَ. صَحَّ. وهذا مَنْصُوصُ الشافعيِّ. وخالفَه أكْثَرُ أصحابِه، فقالوا: لا يجوزُ؛ لأنَّه لا يَدْرِي كم يَزْرَعُ ويَغْرِسُ. وقال بعضُهم: يَصِحُّ، ويَزْرَعُ نِصْفَها ويَغْرِسُ نِصْفَها. ولَنا، أنَّ العَقْدَ اقْتَضَى إباحَةَ هَذَين الشَّيئَين، فصَحَّ، كما لو قال: لتَزْرَعَها ما شِئْتَ. ولأنَّ اخْتِلافَ الجِنْسَينِ كاخْتِلافِ النَّوْعَينِ. وقولُه: لِتَزْرَعَها ما شِئْتَ. إذْنٌ في نَوْعَينِ وأنْواعٍ، وقد صَحَّ، كذلك (1) في الجِنْسَين. وله أن يَغْرِسَها كُلَّها، وأن يَزْرَعَها كُلَّها، كما لو أذِنَ له في أنْواعِ الزَّرْعِ كلِّه، كان له زَرْعُها نَوْعًا واحِدًا، وزَرْعُها جَمِيعِها مِن نوْعَين، كذلك ههُنا.
(1) في م: «فكذلك» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإنِ اكْتَرَاها (1) للزَّرْعِ وحدَه، ففيه أرْبَعُ مَسائِلَ؛ إحْداهُنَّ، اكْتَراها للزَّرْعِ مُطْلَقًا، أو قال: لِزَرْعِ (2) ما شِئْتَ. فيَصِحُّ، وله زَرْعُ ما شاءَ. وهذا مَذْهَبُ الشافعيِّ. وحُكِيَ عن ابنِ (3) سُرَيجٍ أنَّه لا يَصِحُّ حتى يُبَيِّنَ الزَّرْعَ؛ لأنَّ ضَرَرَه يَخْتَلِفُ، فلم يَصِحَّ بدُونِ البَيانِ، كما لو لم يَذْكُرْ ما يَكْتَرِي له؛ مِن زَرْعٍ أو غَرْسٍ أو بِناءٍ. ولَنا، أنَّه يجوزُ اسْتِئْجارُها لأكْثَرِ الزَّرْعِ ضَرَرًا، ويُباحُ له جَمِيعُ الأنواعِ؛ لأنَّها دُونَه، فإذا عَمَّمَ أو أطْلَقَ، تَناوَلَ الأكْثَرَ، وكان له ما دُونَه، ويُخالِفُ الأجْناسَ المُخْتَلِفَةَ، فإنَّه لا يَدْخُلُ بعضُها في بعضٍ. فإن قِيلَ: فلو اكْتَرَى دابَّةً للرُّكُوبِ وَجَب تَعْيِينُ الرّاكِبِ. قلنا: لأنَّ إجارَةَ المَرْكُوبِ لأكْثَرِ الرُّكّابِ ضَرَرًا لا تجوزُ، بخِلافِ المَزْرُوعِ، ولأنَّ لِلْحَيَوانِ حُرْمَةً في نَفْسِه، فلم يَجُزْ إطْلاقُ ذلك فيه، بخِلافِ الأرْضِ. فإن قِيلَ: فلو اسْتَأْجَرَ دارًا للسُّكْنَى مُطْلَقًا، لم يَجُزْ أن يُسْكِنَها مَن يَضُرُّ بها، كالقَصّارِ والحَدّادِ، فلِمَ قُلْتُم: إنَّه يَجُوزُ أن يَزْرَعَها ما يَضُرُّ بها؟ قُلْنا: السُّكْنَى
(1) في م: «أكراها» .
(2)
في م: «لتزرع» .
(3)
في ر: «أبى» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا تَقْتَضِي ضَرَرًا، فلذلك مُنِعَ مِن إسْكانِ مَن يَضُرُّ بها؛ لأنَّ العَقْدَ لم يَقْتَضِه، والزَّرْعُ يَقْتَضِي الضَّرَرَ، فإذا أطْلَقَ كان راضِيًا بأكْثَرِه، فلهذا جازَ. وليس له أن يَغْرِسَ [ولا يَبْنِيَ في الأرْضِ](1)؛ لأنَّ ضَرَرَه أكْثَرُ مِن المَعْقُودِ عليه.
المسألةُ الثانيةُ، اكْتَراها (2) لِزَرْعِ حِنْطَةٍ أو نَوْعٍ بعَينِه، فإنَّ له زَرْعَ ما عَيَّنَه وما ضَرَرُه كضَرَرِه أو دُونَه، ولا يَتَعَيَّنُ ما عَيَّنَه في قولِ عامَّةِ أهْلِ العِلْمِ، إلَّا أهْلَ الظّاهِرِ، فإنَّهم قالوا: لا يجوزُ له زَرْعُ غيرِ ما عَيَّنَه، حتى لو وَصَف الحِنْطَةَ بأنَّها سَمْراءُ، لم يَجُزْ أن يَزْرَعَ بَيضاءَ؛ لأنَّه عَيَّنَه بالعَقْدِ، فلم يَجُزِ العُدُولُ عنه، كما لو عَيَّنَ المَرْكُوبَ، أو عَيَّنَ الدَّراهِمَ في الثَّمَنِ. ولَنا، أنَّ المَعْقُودَ عليه مَنْفَعَةُ الأرْضِ دُونَ القَمْحِ، ولهذا يَسْتَقِرُّ عليه الأجْرُ بمُضِيِّ المُدَّةِ إذا تَسَلَّمَ الأرْضَ ولم يَزْرَعْها. وإنَّما ذَكَر القَمْحَ لتَتَقَدَّرَ به المَنْفَعَةُ، فلم يَتَعَيَّنْ، كما لو اسْتَأْجَرَ دارًا لِيَسْكُنَها، فله أن يُسْكِنَها غيرَه. وفارَقَ المَرْكُوبَ والدَّراهِمَ في الثَّمَنِ، فإنَّه مَعْقُودٌ عليهما، فتَعَيَّنا، والمَعْقُودُ عليه ههُنا مَنْفَعةٌ مُقَدَّرَةٌ، وقد تَعَيَّنَتْ أيضًا، ولم يَتَعَيَّنْ ما قُدِّرَتْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
به، كما لا يَتَعَيَّنُ المِكْيالُ والمِيزانُ في المَكِيلِ والمَوْزُونِ. فعلى هذا، يجوزُ له زَرْعُ القَمْحِ والشَّعِيرِ والباقِلَّا؛ لأنَّه أقَلُّ ضَرَرًا، وليس له زَرْعُ الدُّخْنِ والذُّرَةِ والقُطْنِ؛ لأنَّه إمّا أن يكونَ أكْثَرَ ضَرَرًا، فيَأْخُذَ فَوْقَ حَقِّه، أو يكونَ ضَرَرُه مُخالِفًا لضَرَرِ القَمْحِ، فيَأْخُذَ ما لم يَتناوَلْه العَقْدُ ولا شيئًا مِن جِنْسِه.
المسألةُ الثالثةُ، قال: ازْرَعْها حِنْطةً وما ضَرَرُه كضَرَرِها أو دُونَه. فهذه كالتي قَبْلَها، إلَّا أنَّه لا مُخالِفَ فيها؛ لأنَّه شَرَط ما اقْتَضاهُ الإِطْلاقُ، وبَيَّنَ ذلك بصَرِيحِ نَصِّه، فزال الإِشْكالُ.
المسألةُ الرابعةُ، قال: ازْرَعْها حِنْطةً ولا تَزْرَعْ غيرَها. فذَكَرَ القاضِي، أنَّ الشَّرْطَ باطِلٌ؛ لمُنافاتِه مُقْتَضَى العَقْدِ؛ لأنَّه يَقْتَضِي اسْتِيفاءَ المَنْفَعَةِ كيف شاءَ، فلم يَصِحَّ الشَّرْطُ، كما لو شَرَط عليه اسْتِيفاءَ المَبِيعِ بنَفْسِه. والعَقْدُ صَحِيحٌ؛ لأنَّه لا ضَرَرَ فيه، ولا غَرَضَ لأحَدِ المُتَعاقِدَين؛ لأنَّ ما ضَرَرُه مِثْلُه، لا يَخْتَلِفُ في غَرَضِ المُؤْجِرِ، فلم يُؤَثِّرْ في العَقْدِ، فأشْبَهَ شَرْطَ اسْتِيفاءِ المَبِيعِ أو الثَّمنِ بنَفْسِه. وقد ذَكَرْنا فيما إذا شَرَط مُكْتَرِي الدّارِ أن لا يُسْكِنَها غيرَه، وَجْهًا في صِحَّةِ الشَّرْطِ، ووَجْهًا في فسادِ العَقْدِ، فيُخَرَّجُ ههُنا مِثْلُه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإنِ اكْتَراها (1) للغِراسِ، ففيه ما ذَكَرْنا مِن المَسائِلِ، إلَّا [أنَّ لَه](2) أن يَزْرَعَها؛ لأنَّ ضَرَرَ الزَّرْعِ أقَلُّ مِن ضَرَرِ الغِراسِ، وهو مِن جِنْسِه؛ لأنَّ كلَّ واحِدٍ منهما يَضُرُّ بباطِنِ الأرْضِ. وليس له البِناءُ؛ لأنَّ ضَرَرَه مُخَالِفٌ لضَرَرِه، فإنَّه يَضُرُّ بظاهِرِ الأرضِ. وإنِ اكْتَراها للزَّرْعِ، لم يَمْلِكِ الغَرْسَ ولا البِناءَ؛ لأنَّ ضَرَرَ الغَرْسِ أكْثَرُ، وضَرَرُ البناء مُخالِفٌ لضَرَرِه. وإنِ اكْتَراها للبناءِ، لم يَكُنْ له الغَرْسُ ولا الزَّرْعُ؛ لأنَّ ضَرَرَهما يُخالِفُ ضَرَرَه.
فصل: ولا تَخْلُو الأرْضُ مِن قِسْمَين؛ أحَدُهما، أن يكونَ لها ماءٌ دائِمٌ؛ إمّا مِن نَهْرٍ لم تَجْرِ العادَةُ بانْقِطاعِه، أو لا يَنْقَطِعُ إلَّا مُدَّةً لا تُؤَثِّرُ في الزَّرْعِ، أو مِن عَينٍ تَنْبُعُ، أو بِرْكَةٍ مِن مِياهِ الأمْطارِ يَجْتَمِعُ فيها الماءُ ثمَّ يَسْقِي به، أو مِن بِئْرٍ يَقُومُ بكِفايَتِها، أو ما يَشْرَبُ بعُرُوقِه لِنَداوَةِ الأرْضِ وقُرْبِ الماءِ الذي تحتَ الأرْضِ، فهذا كلُّه دائِمٌ، ويَصِحُّ اسْتِئْجارُها للغَرْسِ والزَّرْعِ، وكذلك الأرْضُ التي تَشْرَبُ مِن مِياهِ الأمْطارِ، ويُكْتَفَى بالمُعْتادِ منه (3)؛ لأنَّ ذلك بِحُكْمِ العادَةِ، لا تَنْقَطِعُ إلَّا نادِرًا، فهي كسائِرِ الصُّوَرِ المَذْكُورَةِ. والثاني، أن لا يكونَ لها ماءٌ دائِمٌ، وهي نوعان؛ أحَدُهما، ما يَشْرَبُ مِن زِيادةٍ مُعْتادةٍ تَأْتِي وَقْتَ الحاجةِ، كأرضِ مِصْرَ الشّارِبَةِ مِن زِيادَةِ النِّيلِ، وما يَشْرَبُ مِن زِيادةِ الفُراتِ وأشْباهِه،
(1) في م، تش:«أكراها» .
(2)
سقط من: م.
(3)
في م: «منها» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأرْضِ البَصْرَةِ الشّارِبَةِ مِن المَدِّ والجَزْرِ، وأرْضِ دِمَشْقَ الشّارِبَةِ من زِيادَةِ بَرَدَى، أو ما يَشْرَبُ مِن الأوْدِيَةِ الجارِيَةِ مِن ماءِ المَطَرِ، فتَصِحُّ إجارَتُها قبلَ وُجُودِ الماءِ الذي تُسْقَى به وبعدَه. وحَكَى ابنُ الصَّبّاغِ ذلك مَذْهَبًا للشافعيِّ. وقال أصحابُه: إن أكْراها بعدَ الزِّيادَةِ، صَحَّ، ولا تَصِحُّ قبلَها؛ لأنَّها مَعْدُومَةٌ، لا يُعْلَمُ هل يَقْدِرُ عليها أو لا. ولَنا، أنَّ هذا مُعْتادٌ، الظاهِرُ وُجُودُه، فجازَتْ إجارَةُ الأرْضِ الشّارِبَةِ منه، كالشّارِبَةِ مِن مياهِ الأمْطارِ، ولأنَّ ظَنَّ القُدْرَةِ على التَّسْلِيمِ في وَقْتِه يَكْفِي في صِحَّةِ العَقْدِ، كالسَّلَمِ في الفاكِهَةِ إلى أوانِها. النوعُ الثاني، أن يكونَ مَجِئُ الماءِ نادِرًا، أو غيرَ ظاهِرٍ، كالأرْضِ التي لا يَكْفِيها إلا المَطَرُ الشَّدِيدُ الكَثِيرُ الذي يَنْدُرُ وُجُودُه. أو يكونُ شُرْبُها مِن فَيضِ ماءٍ وُجُودُه نادِرٌ، أو مِن زِيادةٍ نادِرَةٍ في نَهْرٍ أو عَينٍ غالِبَةٍ، فهذه إن أجَرَها بعدَ وُجُودِ ماءٍ يَسْقِيها به، صَحَّ؛ لأنَّه أمْكَن الانْتِفاعُ بها وزَرْعُها، فجازَت إجارَتُها، كذاتِ الماءِ الدائِمِ. وإن أجَرَها قبلَه (1)، لم يَصِحَّ؛ لأنَّه يتَعَذَّرُ الزَّرْعُ غالِبًا، أو يتَعَذَّرُ المَعْقُودُ عليه في الظاهِرِ، فلم تَصِحَّ إجارَتُها، كالآبِقِ والمَغْصُوب. وإنِ اكْتَراها على أنَّها لا ماءَ لها، جازَ؛ لأنَّه يتَمَكَّنُ مِن الانْتِفاعِ بها بالنُّزُولِ فيها، ووَضْعِ رَحْلِه، وجَمْعِ الحَطَبِ فيها، وله أن يَزْرَعَها رَجاءَ الماءِ. وإن حَصَل له ماءٌ قبلَ زَرْعِها، فله زَرْعُها؛ لأنَّ ذلك مِن مَنَافِعِها المُمْكِنِ اسْتِيفاؤُها. وليس له أن يَبْنِيَ ولا يَغْرِسَ؛
(1) بعده في ر، ق:«للزرع» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأنَّ ذلك يُرادُ للتَّأْبِيدِ، وتَقْدِيرُ الإِجارَةِ بمُدَّةٍ يَقْتَضِي تَفْرِيغَها عندَ انْقِضائِها. فإن قيلَ: فلو اسْتَأْجَرَها للغِراسِ والبِناءِ صَحَّ مع تَقدِيرِ المُدَّةِ. قلنا: التَّصْرِيحُ بالبناءِ والغِرَاسِ صَرَفَ التَّقْدِيرَ عن مُقْتَضاه، بظاهِرِه في التَّفْرِيغِ عندَ انْقِضاءِ المُدَّةِ، إلَّا أن يَشْتَرِطَ قَلْعَ ذلك عند انْقضاءِ المُدَّةِ، فيُصْرَفُ الغِراسُ والبِناءُ عَمّا يُرادُ له بظاهِرِه، بخِلافِ مَسْألَتِنا. وإن أطْلَقَ إجارَةَ هذه الأرضِ، مع العِلْمِ بِحَالِها وعَدَمِ مائِها، صَحَّ؛ لأنَّهُما دَخَلَا في العَقْدِ عَلَى أنَّها لَا مَاءَ لَهَا، فَأَشْبَهَ ما لو شَرَطَاهُ. وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ عَدَمَ مَائِها أو ظَنَّ المُكْتَرِي أنَّه يُمْكِنُ تَحْصِيلُ ماءٍ لها بوَجْهٍ مِن الوُجُوهِ، لم يَصِحَّ العَقْدُ؛ لأنَّه رُبَّما دَخَل في العَقْدِ بِناءً على أنَّ المالِكَ يُحَصِّلُ لها ماءً، وأنَّه يَكْتَرِيها للزِّراعَةِ مع تعَذُّرِها. وقيل: لا يَصِحُّ العَقْدُ مع (1) الإِطْلاقِ وإن عَلِمَ حالها؛ لأنَّ إطْلاقَ كِرَاءِ الأرْضِ يَقْتَضِي الزِّراعةَ. والأَوْلَى صِحَّتُه؛ لأنَّ العِلْمَ بالحالِ يَقُومُ مَقامَ الاشْتِراطِ، كالعِلْمِ بالعَيبِ يَقُومُ مَقامَ شَرْطِه. ومتى كان لها ماءٌ غيرُ دائِمٍ، أو الظاهِرُ انْقِطاعُه قبلَ الزَّرْعِ، أو لا يَكْفِي الزَّرْعَ، فهي كالتي لا ماءَ لها. ومَذْهَبُ الشافعيِّ في هذا كلِّه كما ذَكَرْنا.
فصل: وإنِ اكْتَرَى أرْضًا غارِقةً بالماءِ، لا يُمْكِنُ زَرْعُها قبل انْحِسارِه عنها، وقد يَنْحَسِرُ ولا يَنْحَسِرُ، فالعَقْدُ باطِلٌ؛ لأنَّ الانْتِفاعَ بها في الحالِ غيرُ مُمْكِنٍ، ولا يَزُولُ المانِعُ غالِبًا. وإن كان يَنْحَسِرُ عنها وَقْتَ الحاجَةِ
(1) في م: «على» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إلى الزِّراعةِ، كأرْضِ مِصْرَفي وَقْتِ مَدِّ النِّيلِ، صَحَّ العَقْدُ؛ لأنَّ المَقْصُودَ مُتَحَقِّقٌ (1) بحُكْمِ العادَةِ [المَشْهُورَةِ. وإن](2) كانتِ الزراعةُ فيها مُمْكِنةً، ويُخافُ غَرَقُها، والعادَةُ غَرَقُها، لم تَجُزْ إجارَتُها؛ لأنَّها في حُكْمِ الغارِقَةِ بحُكْمِ العادَةِ المُسْتَمِرةِ.
فصل: ومتى زَرَع فغَرِقَ الزَّرْعُ، أو هَلَك بحَرِيقٍ أو جَرادٍ أو بَرْدٍ أو غيرِه، فلا ضَمانَ على المُؤْجِرِ، ولا خِيارَ لِلْمُكْتَرِي. نَصَّ عليه أحمدُ. ولا نَعْلَمُ فيه خِلافًا. وهو مَذْهَبُ الشافعيِّ؛ لأنَّ التّالِفَ غيرُ المَعْقُودِ عليه، وإنَّما تَلِفَ مالُ المُكْتَرِي فيه، فأشْبَهَ مَن اكْتَرَى دُكّانًا فاحْتَرَقَ مَتاعُه فيه. ثمَّ إن أمْكَنَ المُكْتَرِيَ الانْتِفاعُ بالأرْضِ بغيرِ الزَّرْعِ، أو بالزَّرْعِ في بقيَّةِ المُدَّةِ، فله ذلك، وإن تَعَذَّرَ ذلك، لَزِمَه الأجْرُ؛ لأنَّ تَعَذُّرَه لِفَواتِ وَقْتِ الزِّراعةِ بِسَبَبٍ غيرِ مَضْمُونٍ على المُؤْجِرِ، لا لِمَعْنىً في العَينِ. وإن تَعَذَّرَ الزَّرْعُ بِسَبَبِ غَرَقِ الأرْضِ أو (3) انْقِطاعِ مائِها، فلِلْمُسْتَأْجِرِ الخِيارُ؛ لأنَّه (4) لِمَعْنىً في العَينِ. وإن تَلِفَ الزَّرْعُ بذلك، فليس على المُؤْجِرِ ضَمانُه؛ لأنَّه لم يَتْلَفْ بمُباشَرةٍ ولا بِسَبَبٍ. وإن قَلَّ الماءُ بحيث لا يَكْفِي الزَّرْعَ، فله الفَسْخُ؛ لأنَّه عَيبٌ. فإن كان ذلك بعدَ الزَّرْعِ، فله الفَسْخُ أيضًا، ويَبْقَى الزَّرْعُ في الأرْضِ إلى أن يَسْتَحْصِدَ، وعليه مِن المُسَمَّى
(1) في م: «يتحقق» .
(2)
في م، تش:«المستمرة فإن» .
(3)
في م: تش: «و» .
(4)
في الأصل: «لا» .