الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ أجَرَاهُمَا بِأعْيَانِهِمَا، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُجْرَةُ دَابَّتِهِ
ــ
2112 - مسألة: (وإن أجَراهما بأعْيانِهِما، فلكُلِّ واحِدٍ منهما أُجْرَةُ دابَّتِه)
أمّا إذا أجَرَا الدّابَّتينَ بأعْيانِهما على حَمْلِ شيءٍ بأجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ، واشْتَرَكا على ذلك، لم تَصِح الشَّرِكَةُ، ولكُلِّ واحِدٍ منهما أُجْرَةُ دابَّتِه؛ لأنَّه لم يَجِبْ ضَمانُ الحَمْلِ في ذِمَّتهما (1)، وإنما اسْتَحَقَّ المُكْتَرِي مَنْفَعَةَ البَهِيمَةِ التي اسْتَأجَرَها، ولهذا تَنْفَسِخُ الإجارَةُ بمَوْتِ الدّابَّةِ المُسْتأجَرَةِ، ولأنَّ الشَّرِكَةَ إمّا أن تَنْعَقِدَ علي الضَّمانِ في ذِمَمِهما، أو على عَمَلِهما. وليس هذا بواحِدٍ منهما، فإنه لم يَثْبُتْ في ذِمَمِهما ضَمان، ولا عَمِلا بأبْدانِهما ما تَجِبُ الأجْرَةُ في مُقابَلَتِه، ولأنَّ الشَّرِكَةَ تَتَضمَّنُ الوَكالةَ،
(1) في م: «ذممهما» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والوَكالةُ على هذا الوَجْهِ لا تَصِحُّ، ولهذا لو (1) قال: آجِرْ عَبْدَك وتَكُونُ أُجْرَتُه بَيني وبَينَك. لَم يَصِحَّ، كما لو قال: بع عَبْدَك وثَمَنُه بَينَنا. لم يَصِحَّ. قال شيخُنا (2): ويَحْتَمِلُ أن تَصِحَّ الشَّرِكَةُ، كما لو اشْتَرَكا فيما يَكْتَسِبان بأبدانِهما مِن المُباحِ. فإن أعان أحَدُهما صاحِبَه في التحْمِيلِ والنَّقْلِ، كان له أجْرُ مِثْلِه؛ لأنَّها مَنافِعُ وَفّاها بشُبْهَةِ عَقْدٍ.
فصل: فإن كان لأحَدِهما أداةُ قِصارَةٍ، ولآخَرَ بَيتٌ، فاشْتَرَكا على أن يَعْمَلا بأداةِ هذا في بَيتِ هذا، والكَسْبُ بينَهما، جاز، والأجْرَةُ على ما شَرَطا؛ لأنَّ الشَّرِكَةَ وَقَعَتْ على عَمَلِهما، والعَمَلُ يُسْتَحَقُّ به الرِّبْحُ في الشَّرِكَةِ، والآلةُ والبَيتُ لا يُسْتَحَقُّ بهما شيءٌ؛ لأنَّهما يُسْتَعْمَلان في العَمَلِ المُشْتَركِ، فصارا كالدّابتَّين اللَّتَين أجَراهُما لحَمْلِ الشيء الذي تَقَبَّلا حَمْلَه. وإن فَسَدتِ الشَّرِكَةُ، قُسِم الحاصِلُ لهما على قَدر أَجْرِ عَمَلِهما وأجْرِ الدارِ والأداةِ. وإنِ كانت لأحَدِهما آلة وليس للآخرِ شيءٌ، أو لأحَدِهما بَيتٌ وليس للآخرِ شيءٌ، فاتَّفَقا على أن يَعْمَلا بالآلةِ أو في البَيتِ، والأجْرَةُ بينَهما، جاز؛ لِما ذَكَرْنا.
(1) سقط من: م.
(2)
في المغني 7/ 115.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن دَفَع رَجُلٌ دابَّته إلى آخَرَ ليَعْمَلَا عليها، وما رَزَق الله بينَهما نِصْفَين، أو أثْلاثًا، أو ما شَرَطاه، صَحَّ. نَصَّ عليه أحمدُ في رِوايَةِ الأثْرَمِ، ومحمدِ بنِ أبي حَرْب، وأحمدَ بنِ سعيدٍ. ونُقِل عن الأوزاعِيِّ ما يَدُلُّ على هذا. وكَرِه ذلك الحَسَنُ، والنّخَعِيُّ. وقال الشافعيُّ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ، وأصحابُ الرأي: لا يَصِحُّ، والرِّبْحُ كلُّه لرَبِّ الدّابَّةِ؛ لأنَّ الحِمْلَ الذي يُسْتَحَقُّ به العِوَضُ منها، وللعامِلِ أجْرُ مِثْلِه؛ لأنَّ هذا ليس مِن أقْسامِ الشَّرِكَةِ، إلَّا أن تَكُونَ المُضارَبَةُ، ولا تَصِحُّ المُضارَبَةُ بالعُرُوضِ، ولأنَّ المُضارَبَةَ تَكُونُ بالتِّجارَةِ في الأعْيانِ، وهذه لا يَجُوزُ بَيعُها ولا إخْراجُها عن مِلْكِ مالِكِها. وقال القاضي: يتَخَرَّجُ أن لا يَصِحَّ، بِناءً على أنَّ المُضارَبَةَ بالعُرُوضِ لا تَصِحُّ. فعلى هذا، إن كان أجَرَ الدّابَّةَ بعَينها، فالأجْرَةُ لمالِكِها، وإن تَقَبَّلَ حَمْلَ شيء فحَمَلَه عليها، أو حَمَل عليها شيئًا مُباحًا فباعَه، فالأجْرَةُ والثَّمَنُ له، وعليه أجْرُ مِثْلِها لمالِكِها. ولَنا، أنَّها عَينٌ تُنَمَّى بالعَمَلِ عليها، فصَحَّ العَقْدُ ببعض نَمائِها، كالدّراهِمِ والدَّنانِيرِ، وكالشَّجَرِ في المُساقاةِ، والأرْضِ في المُزارَعَةِ. [فإن رَجَح] (1) قَوْلُهم: إنَّه ليس مِن أقْسامِ الشَّرِكَةِ، ولا هو مُضارَبَةٌ.
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قُلْنا: نَعَم، لكنَّه يُشْبِهُ المُساقاةَ والمُزارَعَةَ؛ فإنَّه دَفْعٌ لعَينِ المالِ إلى مَن يَعْمَلُ عليها ببَعْضِ نَمائِها مع بَقاءِ عَينها. وبهذا يَتَبَيَّنُ أنَّ تَخْرِيجَها على المُضارَبَةِ بالعُرُوضِ فَاسِدٌ؛ فإنَّ المُضارَبَةَ إنَّما تَكُونُ بالتِّجارةِ والتَّصَرُّفِ في رَقَبَةِ المالِ، وهذا بخِلافِه. وذَكَر القاضي في مَوْضِعٍ آخَرَ، في مَن اسْتَأجَرَ دابَّةً بنِصْفِ ما يَرْزُقُ الله تعالى أو ثُلُثِه، جاز. قال شيخُنا (1): ولا أرَى لهذا وَجْهًا، فإنَّ الإجارَةَ (2) يُشْتَرَطُ لصِحَّتِها العِلْمُ بالعِوَضِ، وتَقْدِيرُ المُدَّةِ أو العَمَلِ، ولم يُوجَدْ، ولأن هذا عَقْدٌ غيرُ مَنْصُوصٍ عليه، ولا هو في مَعْنَى المَنْصُوصِ، فهو كسائِرِ العُقُودِ الفاسِدَةِ، إلَّا أن يُرِيدَ بالإِجارَةِ المُعامَلَةَ على الوَجْهِ الذي تَقَدَّمَ. وقد أشار أحمدُ إلى ما يَدُلُّ على تَشْبيهِه لمِثْلِ هذا بالمُزارَعَةِ، فقال: لا بَأسَ بالثَّوْبِ يُدْفَعُ بالثُّلُثِ والرُّبْعِ؛ لحديث جابِر، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أعْطَى خَيبَرَ على الشَّطْرِ (3). وهذا يَدُلُّ على أنَّه صار في هذا ومِثْلِه إلى الجَوازِ؛ لشَبَهِه بالمُساقاةِ والمُزارَعةِ لا إلى المُضارَبَةِ ولا إلى الإجارَةِ.
فصل: نَقَل أبو داوُدَ عن أحمدَ، في مَن يُعْطِي فَرَسَه على النِّصْفِ مِن الغَنِيمَةِ: أرْجُو أن لا يَكُونَ به بَأسٌ. قال إسحاقُ بنُ إبراهيمَ: قال
(1) في المغني 7/ 117.
(2)
في الأصل: «الأجرة» .
(3)
أخرجه أبو داود، في: باب في الخرص، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 236.
كما أخرجه أبو عبيدة، في: كتاب الأموال 56.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أبو عبدِ اللهِ: إذا كان على النِّصْفِ والربْعِ، فهو جائِزٌ. وبه قال الأوْزاعِيُّ. ونَقَل أحمدُ بنُ سعيدٍ، عن أحمدَ، في مَن دَفَع عَبْدَه إلى رَجُل ليَكْتَسِبَ عليه ويَكُونَ له ثُلُثُ ذلك، أو رُبْعُه، فجائِز. والوَجْهُ فيه ما ذَكَرْناه في مَسْألَةِ الدّابَّةِ. وإن دَفَع ثَوْبَه إلى خَيّاطٍ ليُفَصِّلَه قُمُصًا ويَبِيعَها، وله نِصْفُ رِبْحِها (1) بحَقِّ عَمَلِه، جاز. نَصَّ عليه في رِوايَةِ حَرْبٍ. وكذلك إن دَفَع غَزْلًا إلى رَجُل يَنْسِجُه بثُلُثِ ثَمَنِه أو رُبْعِه، جازَ. نَصَّ عليه. وقال مالكٌ، وأبو حنيفةَ، والشافعيُّ: لا يَجُوزُ شيءٌ مِن ذلك؛ لأنَّه عِوَضٌ مَجْهُولٌ وعَمَلٌ مَجْهُولٌ. وقد ذَكَرْنا وَجْهَ جَوازِه، فإن جَعَل له مع ذلك دَرَاهِمَ، لم يَجُزْ. نَصَّ عليه. وعنه، يَجُوزُ. والصَّحِيحُ الأوَّلُ. قال أبو بكر: هذا قول قَدِيم، وما رُوِيَ غيرُ هذا فعليه المُعْتَمَدُ. قال الأثْرَمُ: سَمِعْتُ أبا عبدِ اللهِ يَقُولُ: لا بَأسَ بالثَّوْبِ يُدْفَعُ بالثُّلُثِ والرُّبْعِ. وسُئِلَ عن الرَّجُلِ يُعْطِي الثَّوْبَ بالثُّلُثِ ودِرْهَم أو دِرْهَمَين، قال: أكْرَهُه؛ لأنَّ هذا شيءٌ لا يُعْرَفُ، والثُّلُثُ إذا لم يَكُنْ معه شيءٌ، نَراه جائِزًا؛ لحديثِ جابِر، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أعْطى خَيبَرَ على الشَّطْرِ. قِيلَ لأبِي عبدِ اللهِ: فإن كان النَّسَّاجُ لا يَرْضَى حتى يُزادَ على الثُّلُثِ دِرْهَمًا؟ قال: فلْيَجْعَلْ له ثُلُثًا [وعُشْرَى ثُلُثٍ](2)، ونِصْفَ عُشْر، وما أشْبَهَه. وروَى الأثْرَمُ عن ابنِ سِيرِينَ، والنَّخَعِيِّ، والزُّهْرِيِّ، وأيوبَ،
(1) في الأصل، ق:«ريعها» .
(2)
في النسخ: «وعشرا ثلثا» . وانظر المغني 7/ 118.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ويَعْلَى بنِ حَكِيمٍ (1)، أنَّهم أجازُوا ذلك. وقال ابنُ المُنْذِرِ: كَرِه هذا كلَّه الحَسَنُ. وقال أبو ثَوْرٍ، وأصحابُ الرَّأي: هذا كلُّه فاسِدٌ. واختارَه ابنُ المُنْذِرِ، وابنُ عَقِيل، [وقالوا] (2): لو دَفَع شَبَكَتَه إلى الصَّيادِ ليَصِيدَ بها السَّمَكَ بينَهما نِصْفَان، فالصَّيدُ كلُّه للصائِدِ، ولصاحِبِ الشَّبَكَةِ أجْرُ مِثْلِها. وقِياسُ ما نُقِل عن أحمدَ صِحَّةُ الشَّرِكَةِ وما رَزَق الله بينَهما على ما شَرَطاه؛ لأنَّها عَينٌ تُنَمَّى بالعَمَلِ فيها، فصَحَّ دَفْعُها ببعضِ نَمائِها، كالأرْضَ.
فصل: وقد ذَكَر ابنُ عَقِيلٍ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عن قَفِيزِ الطَّحّانِ (3)، وهو أن يُعْطِيَ الطَّحّانَ أقْفِزَةً مَعْلُومةً يَطْحَنُها بقَفِيزِ دَقِيقٍ منها. وعِلَّةُ المَنْعِ، أنَّه جَعَل له بعضَ مَعْمُولِه أجْرًا لعَمَلِه، فيَصِيرُ الطَّحْنُ مُسْتَحَقًا له وعليه. وهذا الحديثُ لا نعْرِفُه، ولم تَثْبُتْ صِحَّتُه، ولا ذَكَرَه أصحابُ السُّنَنِ. وقِياسُ قولِ أحمدَ جَوازُه؛ لِما ذَكَرْنا عنه مِن المَسائِلِ.
فصل: فإن كان لرجلٍ دابَّةٌ، ولآخَرَ إِكافٌ وجُوالِقَاتٌ، فاشْتَرَكا على أن يُؤجِرَاهُما والأجْرَةُ بينَهما نِصْفان، فهو فاسِدٌ؛ لأنَّ هذه أعيان لا يَصِحُّ الاشْتِراكُ فيها، كذلك في مَنافِعِها، إذ تَقْدِيرُه: آجِرْ دابَّتك لتَكُونَ
(1) يعلى بن حكيم الثقفي مولاهم، المكي، سكن البصرة، وروى عن سعيد بن جبير وغيره، وكان ثقة صدوقا. تهذيب التهذيب 11/ 401.
(2)
في الأصل: «وقال» .
(3)
تقدم تخريجه في 11/ 220.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أُجْرَتُها بَينَنا، وأؤجرُ جُوَالِقاتِي لتَكُونَ أُجُرَتُها بَيننا. وتكونُ كلُّها لصاحِبِ البَهِيمَةِ؛ لَأنَّه مالِكُ الأصْلِ، وللآخَرِ أجْرُ مِثْلِه على صاحِبِ البَهِيمَةِ؛ لأنَّه اسْتَوْفَى مَنافِعَ مِلْكِه بعَقْدٍ فاسِدٍ، هذا إذا أجَرَ الدّابَّةَ بما عليها مِن الإكافِ والجُوالِقاتِ في عَقْدٍ واحِدٍ، فأمّا إن أجَرَ كلُّ واحدٍ منهما مِلْكَه مُنْفَرِدًا، فَلِكُلِّ واحدٍ منهما (1) أجْرُ مِلْكِه. وهكذا لو قال رجلٌ لصاحِبِه: آجِرْ عَبْدِي، والأجْرُ بَينَنا. كان الأجْرُ لصاحِبِه، وللآخَرِ أجْرُ مِثْلِه. وكذلك في جميعِ الأعْيانِ.
فصل: فإنِ اشْتَرَكَ ثَلاثَةٌ (2)؛ مِن أحَدِهِم دابَّةٌ، ومِن آخَرَ راويَةٌ (3)، ومِن آخَرَ العَمَلُ، على أنَّ ما رَزَق اللهُ تعالى فهو بينَهم، صَحَّ في قِياسِ قولِ أحمدَ، فإنَّه نصَّ في الدّابَّةِ يَدْفَعُها إلى آخَرَ يَعْمَلُ عليها على أنَّ لهما الأجْرَةَ على الصِّحَّةِ. وهذا مِثْلُه (1)؛ لأنَّه دَفَع دابَّتَهَ إلى آخَرَ يَعْمَلُ عليها، والرَّاويَةُ عَينٌ تُنَمَّى بالعَمَلِ عليها، فهي كالبَهِيمَةِ، فعلى هذا، يكونُ ما رَزَق اللهُ بينَهم على ما اتَّفَقُوا عليه. وهذا قولُ الشافعيِّ. ولأنَّهما وَكَّلَا العامِلَ في كَسْبٍ مُباحٍ بآلةٍ دَفَعاها إليه، فأشْبَهَ ما لو دَفَع إليه أرْضَه ليَزْرَعَها. وهكذا لو اشْتَرَكَ أرْبَعَةٌ؛ مِن أحَدِهِم دُكّان، ومِن آخَرَ رَحًى، ومِن آخَرَ بَغْلٌ، ومِن آخَرَ العَمَلُ، على أن يَطْحَنُوا بذلك، فما رَزَق اللهُ تعالى فهو بينَهم،
(1) سقط من: م.
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
الراوية: وعاء كالقربة ونحوها، يحمل فيها الماء في السفر.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صَحَّ، وكان بينَهم على ما شَرَطُوه. وقال القاضي: العَقْدُ فاسِدٌ في المَسْألتَين جميعًا. وهو ظاهِرُ قولِ الشافعيِّ؛ لأنَّ هذا لا يَجُوزُ أن يكونَ مُشارَكَةً ولا مُضارَبَة؛ لكَوْنِه لا يَجُوزُ أن يكونَ رَأسُ مالِهِما العُرُوضَ، ولأنَّ مِن شَرْطِهِما عَوْدَ رَأسِ المالِ سَلِيمًا، بمَعْنَى أنَّه لا يُسْتَحَقُّ شيء مِن الرِّبْحِ حتى يُسْتَوْفَى رَأسُ المالِ بكَمَالِه، والرّاويَةُ هاهُنا تَخْلُقُ (1) وتَنْقُصُ، ولا إجَارةً؛ لأنَّها تَفْتَقِرُ إلى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ وأجْرٍ مَعْلُوم، فتكونُ فاسِدَةً. فعلى هذا، يكونُ الأجْرُ كلُّه في المَسْألَةِ الأولَى للسَّقَّاءِ؛ لأنَّه لَمّا غَرَف الماءَ في الإِناءِ مَلَكَهُ، فإذا باعَه فثَمَنُه له؛ لأنَّه عِوَضُ مِلْكِه، وعليه لصاحِبَيه (2) أجْرُ المِثْلِ؛ لأنَّه اسْتَعْمَلَ مِلْكَهُما بعِوَضٍ لم يُسَلَّمْ لهما، فكان لهما أجْرُ المِثْلِ، كسائِرِ الإِجاراتِ الفاسِدَةِ. وأمّا في المسْألَةِ الثَّانِيَةِ، فإنَّهم إذا طَحَنُوا لرَجُلٍ طَعامًا بأُجْرَةٍ، نَظَرْتَ في عَقْدِ الإجارَةِ؛ فإن كان مِن واحدٍ منهم، ولم يَذْكُرْ أصحابَه ولا نَوَاهُم، فالأجْرُ كلُّه له، وعليه لأصْحابِه أجْرُ المِثْلِ، وإن نوَى أصْحابَه أو ذَكَرَهُم، كان كما لو عَقَد مع كلِّ واحدٍ منهم مُنْفَرِدًا، أو اسْتَأجَرَ مِن جَمِيعِهم، فقال: اسْتَأجَرْتُكُم لتَطْحَنُوا لي هذا الطَّعامَ بكذا. فالأجْرُ بينَهم أرْباعًا؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهم قد لَزِمَه طَحْنُ رُبْعِه، ويَرْجِعُ كلُّ واحدٍ منهم على أصْحابِه برُبْع
(1) تخلق: تَبْلى.
(2)
في النسخ: «صاحبه» . وانظر المغني 7/ 120.