الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَحُكْمُ الْعَامِلِ حُكْمُ الْمُضَارِبِ فِيمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ وَمَا يُرَدُّ، وَإنْ ثَبَتَتْ خِيَانَتُهُ، ضُمَّ إِلَيهِ مَنْ يُشَارِفُهُ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ حِفْظُهُ اسْتُؤْجِرَ مِنْ مَالِهِ مَنْ يَعْمَلُ الْعَمَلَ.
ــ
2129 - مسألة: (وحُكْمُ العامِلِ حُكْمُ المُضارِبِ فيما يُقْبَلُ قولُه فيه و)
في (ما يُرَدُّ) لأنَّ رَبَّ المال ائْتَمَنَهُ، فأشْبَهَ المُضارِبَ. فإنِ اتُّهِمَ حَلَف (وإن ثَبَتَتْ خِيانته ضُمَّ إليه مَن يُشارفُه) كالوَصِيِّ إذا ثَبَتَتْ خِيانَتُه (فإن لم يُمْكِنْ حِفْظُه، اسْتُؤْجِرَ مِن مالِه مَن يَعْمَلُ العَمَلَ). وبهذا قال الشافعيُّ. وقال أصحابُ مالكٍ: لا يُقَامُ غيرُه مُقامَه، بل يُحْفَظُ منه؛ لأنَّ فِسْقَه لا يَمْنَعُ اسْتِيفاءَ المَنافِعِ المَقْصُودَةِ منه، فأشْبَهَ ما لو فَسَق بغيرِ الخِيانَةِ. ولَنا، أنَّه تَعَذَّرَ اسْتِيفاءُ المَنافِعِ المَقْصُودَةِ منه (1)، فاسْتُوفِيَت بغيرِه، كما لو هَرَب، ولا نُسَلِّمُ إمْكانَ اسْتِيفاءِ المَنافِعِ منه؛ لأَنه لا يُؤْمَنُ منه (2) تَرْكُها، ولا يُوثَقُ منه بفِعْلِها، ولا نقولُ: إنَّ له فَسْخَ المُساقاةِ.
(1) زيادة من: م.
(2)
في م: «من» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإنَّما نقولُ: لمّا لم يُمْكِنْ حِفْظُها مِن خِيانَتِكَ، أقِمْ غيرَك يَعْمَلْ ذلك، وارْفَعْ يَدَكَ عنها؛ لأنَّ الأمانةَ قد تَعَذَّرَتْ في حَقِّكَ، فلا يَلْزَمُ رَبَّ المالِ ائْتِمانُك. وفارَقَ فِسْقَه بغيرِ الخِيانَةِ، فإنَّه لا ضَرَرَ على رَبِّ المالِ فيها، وههُنا يَفُوتُ مالُه. فإن عَجَز عن العَمَلِ لضَعْفِه مع أمانَتِه، ضُمَّ إليه غيرُه، ولا تُنْزَعُ يَدُه؛ لأنَّ العَمَلَ مُسْتَحَقٌّ عليه، ولا ضَرَرَ في بَقاءِ يَدِه عليه. وإن عَجَز بالكُلِّيَّةِ، أقامَ مُقامَه مَن يَعْمَلُ، والأُجْرةُ عليه في المَوضعَين؛ لأنَّ عليه تَمامَ العَمَلِ، وهذا مِن تَمامِه.
فصل: ويَمْلِكُ العامِلُ حِصَّتَه مِن الثَّمَرَةِ بظُهُورِها، فلو تَلِفَتْ كُلُّها إلَّا واحدةً، كانت بينَهما. وهذا أحَدُ قَوْلَي الشافعيِّ. والثاني، يَمْلِكُه بالمُقاسَمةِ، كالمُضارِبِ. ولَنا، أنَّ الشَّرْطَ صَحِيحٌ، فيَثْبُتُ مُقْتَضاهُ، كسائِرِ الشُّرُوطِ الصَّحِيحَةِ، ومُقْتَضاهُ كَوْنُ الثَّمَرَةِ بينَهما على كل حالٍ. وأمّا القِراضُ، فنقولُ: إَّنه يَمْلِكُ الرِّبْحَ بالظُّهُورِ، كمسألَتِنا. وإن سُلِّمَ، فالفَرْقُ بينَهما أنَّ الرِّبْحَ وقاية لرَأْسِ المالِ، فلم يَمْلِكْ حتَّى يُسَلِّمَ رَأْسَ المالِ لرَبِّه، وهذا ليس بوقايةٍ لشيءٍ، فإنَّه لو تَلِفَتِ الأُصُولُ كُلُّها، كان الثَّمَرُ بينَهما. إذا ثَبَت ذلك، فإنَّه يَلْزَمُ كُلَّ واحدٍ منهما (1) زَكَاةُ حِصَّتِه إذا بَلَغَتْ نِصابًا. نَصَّ عليه أحمدُ في المُزارَعَةِ. فإن لم تَبْلُغ نِصابًا إلَّا بجَمْعِهما، لم تَجِبْ إلَّا على قَوْلِنا: إنَّ الخُلْطَةَ تُؤَثِّرُ في غيرِ السائِمَةِ. فيُبْدَأُ بإخْراجِ الزكاةِ ثم يَقْتَسِمان ما بَقِيَ. فإن بَلَغَتْ حِصَّةُ أحَدِهما نِصابًا دونَ
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الآخَرِ، فعلى من بَلَغتْ حِصَّتُه نِصابًا الزَّكاةُ وحدَه، يُخْرِجُها بعدَ المُقاسَمَةِ، إلَّا أنْ يكونَ لمَن لم تَبْلُغْ حِصَّتُه نِصابًا ما يَتِمُّ به النِّصابُ مِن مَوْضِعٍ آخَرَ، فيَجبُ عليهما جيعًا. وإن كان أحَدُهما لا زَكاةَ عليه، كالمُكاتَبِ، والذِّمِّيِّ، فعلى الآخَرِ زَكاةُ حِصَّتِه إن بَلَغَتْ نِصابًا. وبهذا كلِّه قال مالكٌ، والشافعيُّ. وقال اللَّيثُ: إن كان شَرِيكُه نَصْرَانِيًّا، أعْلَمَه أنَّ الزَّكاةَ مُبَدَّأَةٌ (1) في الحائِطِ، ثم يُقاسِمُه بعد الزَّكاةِ ما بَقِيَ. ولَنا، أنَّ النَّصْرانِيَّ لا زَكاةَ عليه، فلم يَخْرُجْ مِن حِصَّتِه شيءٌ، كما لو انْفَرَدَ بها، وقد روَى أبو داوُدَ، في «سُنَنِه» (2)، عن عائشةَ، رضي الله عنها، قالت: كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَبْعَثُ عبدَ اللهِ بنَ رِواحَةَ، فيَخْرُصُ النَّخْلَ حينَ يَطِيبُ قَبْلَ أنْ يُؤْكَلَ، ثم يُخَيِّرُ يَهُودَ خيبَرَ، أيَأْخُذُونَه بذلك الخَرْصِ، أمْ يَدْفَعُونَهُ إليهم بذلك الخَرْصِ، لكى تُحْصَى الزَّكَاةُ قبلَ أن تُؤْكَلَ الثِّمارُ وتُفَرَّقَ (3). قال جابر: خرَصَها ابنُ رَواحَةَ أرْبَعِينَ ألْفَ وَسْقٍ. وزَعَم أنَّ اليَهُودَ لمّا خَيَّرَهُم ابنُ رَواحَةَ، أخَذُوا الثَّمَرَ وعَلَيهم عِشْرُونَ ألْفَ وَسْقٍ (4).
فصل: وإن ساقاهُ على أرْضٍ خَراجِيَّةٍ، فالخَراجُ على رَبِّ المالِ؛ لأنَّه
(1) في م: «مؤداة» . وفي: ر، ق:«مبتدأة» .
(2)
تقدم تخريجه في 6/ 547.
(3)
في الأصل، ر، ر 1، ق:«تفترق» .
(4)
أخرجه أبو داود، في: باب في الخرص، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 236. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 296.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَجِبُ على الرَّقَبَةِ، بدَلِيلِ أنَّه يَجِبُ سواءٌ أثْمَرَتِ الشَّجرةُ أو لم تُثْمِرْ، ولأنَّ الخَراجَ يَجِبُ أُجْرَةٌ للأَرْضِ، فكان على رَبِّ الأرْضِ، كما لو اسْتَأْجَرَ أرْضًا وزارَع غيرَه فيها. وبه قال الشافعيُّ. وقد نُقِلَ عن (1) أحمدَ في الَّذي يَتَقَبَّلُ الأرْضَ البَيضاءَ ليَعْمَلَ عليها، وهي مِن أرْضِ السَّوادِ يَقْبَلُها مِن السُّلْطانِ، فعلى مَن يَقْبَلُها أن يُؤَدِّيَ وَظِيفَةَ عُمَرَ، رضي الله عنه، ويُؤَدِّيَ العُشْرَ بعدَ وَظِيفَةِ عُمَرَ. وهذا معناهُ، واللهُ أعلمُ، إذا دَفَع السُّلْطانُ أرْضَ الخراجِ إلى رَجُل يَعْمَلُها ويُؤَدِّي خَراجَها، فإنَّه يَبْدأُ بخَراجِها، ثم يُزَكِّي ما بَقِيَ. كما ذَكَر الخِرَقِيُّ في بابِ الزَّكاةِ. ولا تَنافِيَ بينَ ذلك وبينَ ما ذَكَرْناه ها هنا.
فصل: ولا يجوزُ أن يَجْعَلَ له فَضْلَ دَراهِمَ زائِدَةٍ على ما شَرَط له مِن الثَّمَرَةِ، بغيرِ خِلافٍ؛ لأنَّه رُبَّما [لم يَحْدُث مِن النَّمَاءِ](2) بقَدْرِ تلك الدَّراهِمِ، فيَضُر برَبِّ المالِ، ولذلك مَنَعْنَا مِن اشْتِراطِ أقْفِزَةٍ مَعْلُومَةٍ. فإن جَعَل له ثَمرةَ سَنَةٍ غيرِ السَّنةِ التي ساقاهُ عليها فيها، أو ثَمَرَ شَجَرٍ غيرِ الشَّجَرِ الَّذي ساقاهُ عليه، لم يَجُزْ. وكذلك لو شَرَطَ عليه عَمَلًا في غيرِ الشَّجَرِ الَّذي ساقاهُ عليه، أو عَمَلا في غيرِ السَّنةِ، فهذا يُفْسِدُ العَقْدَ، سواءٌ جَعَل ذلك كلَّ (3) حَقِّه أو بعضَه، أو جميعَ العَمَلِ أو بعضَه؛ لأنَّه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يُخالِفُ مَوْضُوعَ المُساقاةِ، إذ مَوْضُوعُها أن يَعْمَلَ في شَجَرٍ مُعَيَّنٍ، بجُزْءٍ مُشاعٍ مِن ثَمَرَتِه، في ذلك الوَقْتِ الَّذي يُسْتَحَقُّ عليه فيه العَمَلُ.
فصل: إذا ساقَى (1) رَجُلًا أو زَارَعَه، فعامَلَ العامِلُ غيرَه على الأرْضِ أو الشَّجَرِ، لم يَجُزْ. وبه قال أبو يوسُفَ، وأبو ثَوْرٍ. وأجازَه مالِكٌ إذا جاء برَجُلٍ أمِينٍ. ولَنا، أنَّه عامِلٌ في المالِ بجُزْءٍ مِن نَمائِه، فلم يَجُزْ أن يُعامِلَ غيرَه فيه، كالمُضارِبِ، ولأنَّه إنَّما أذِنَ له في العَمَلِ فيه، فلم يَجُزْ أن يَأْذَنَ لغيرِه، كالوَكِيلِ. فأمّا إن اسْتَأجَرَ أرْضًا، [فله أن](2) يزارِعَ غيرَه فيها؛ لأنَّ منافِعَها صارت مُسْتَحَقَّةً له، فمَلَكَ المُزارَعَةَ فيها، كالمالِكِ، والأُجْرةُ على المُسْتَأْجر دُونَ المُزارِعِ، كما ذَكَرْنا في الخَراجِ. وكذلك يجوزُ لمَن في يَدِه أرْضٌ خراجِيَّة أن يُزارِعَ فيها؛ لأنَّها كالمُسْتَأَجَرةِ، وللمَوْقُوفِ عليه أن يُزارِعَ في الوَقْفِ ويُساقِيَ على شَجَرِه؛ لأنَّه إمّا مالكٌ لرَقَبَةِ ذلك، أو بمَنْزِلَةِ المالكِ. ولا نَعْلَمُ في هذا خِلافًا عند مَن أجازَ المُساقاةَ والمُزارَعَةَ. والله أعلمُ.
(1) في م: «ساقاه» .
(2)
في م: «فإنه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإن ساقاهُ على شَجَرٍ، فبانَ مُسْتَحَقًّا بعد العَمَلِ، أخَذَه ربُّه وثَمَرَتَه؛ لأنَّه عَينُ مالِه، ولا حَقَّ للعامِلِ في ثَمَرَتِه؛ لأنَّه عَمِلَ فيها بغيرِ إذْنِ مالِكِها، ولا [أجْرَ له عليه](1)؛ لذلك، وله على الغاصِبِ أجْرُ مِثْلِه؛ لأنَّه غَرَّهُ واسْتَعْمَلَه، فأشْبَهَ ما لو غَصَب نُقْرَةً واسْتَأْجَرَ مَن ضَرَبَها دَراهِمَ. وإن شَمَّسَ الثَّمَرَةَ فلم تَنْقُصْ، أخَذَها رَبُّها، وإن نَقَصَتْ، فله أرْشُ نَقْصِها، يَرْجِعُ به على مَن شاءَ منهما. ويَسْتَقِرُّ الضَّمانُ على الغاصِبِ. وإنِ اسْتُحِقَّتْ بعد أن اقْتَسماها وأكَلَاهَا، فلِلْمالِكِ تَضْمِينُ مَن شاء منهما، فإن ضَمَّن الغاصِبَ، فله تَضْمِينُه الكلَّ، وله تَضْمِينُه قَدْرَ نَصِيبِه، وتَضْمِينُ العامِلِ قَدْرَ نَصِيبِه؛ لأنَّ الغاصِبَ سَبَبُ يَدِ العامِلِ، فلَزِمَه ضَمانُ الجميعِ، فإن ضَمَّنَه الكُلَّ، رَجَع على العامِلِ بقَدْرِ نَصِيبِه؛ لأنَّ التَّلَفَ حَصَل في يَدِه، فاسْتَقرَّ الضَّمانُ عليه، ويَرْجِعُ العامِلُ على الغاصِبِ بأجْرِ مِثْلِه. ويَحْتَمِلُ أن لا يَرْجِعَ الغاصِبُ على العامِلِ بشيءٍ؛
(1) في م: «أجرة له» .