الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي النَّخْلِ، وَفِي كُلِّ شَجَرٍ لَهُ ثَمَرٌ مَأكُولٌ بِبَعْضِ ثَمَرَتِهِ.
ــ
الحُسَينِ بنِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ، رضي الله عنه وعن آبائِه: عامَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أهْلَ خَيبَرَ بالشَّطرِ، ثم أبو بَكْرٍ، ثم عُمَرُ، ثم عُثْمانُ، ثم عَلِيٌّ، ثم أهلُوهُم إلى اليَوْمِ، يُعْطُون الثُّلُثَ والرُّبْعَ (1). وهذا عَمِلَ به الخُلَفاءُ الرَّاشِدُون مُدَّةَ خِلافَتِهم، واشْتَهَرَ ذلك، ولم يُنْكِرْهُ مُنْكِرٌ، فكان إجْماعًا.
2114 - مسألة: (تجوزُ المُساقاةُ في النَّخْلِ، وفي كُل شَجَرٍ له ثَمَرٌ مَأكُولٌ ببعضِ ثَمَرَتِه)
هذا قولُ الخُلَفاءِ الراشِدِين، رضي الله عنهم. وبه قال سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ، وسالِمٌ، ومالِكٌ، والثَّوْرِيُّ، والأوْزاعِيُّ، وأبو يُوسُفَ، ومحمدٌ، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ. وقال داودُ: لا تجوزُ إلَّا في ثَمَرِ النَّخْلِ؛ لأنَّ الخَبَرَ إنَّما وَرَدَ بها فيه. وقال الشافعيُّ: لا تجوزُ إلَّا في النَّخْلِ والكَرْمِ؛ لأنَّ الزَّكاةَ تجبُ في ثَمَرتِهما. وفي سائِرِ الشَّجَرِ قولان؛ أحَدُهما، لا تجوزُ فيه؛ لأنَّ الزَّكاةَ لا تَجِبُ في نَمائِه، فأشْبَهَ ما
(1) أخرجه البخاري، في: باب المزارعة بالشطر ونحوه، من كتاب الحرث والمزارعة. صحيح البخاري 3/ 137.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا ثَمَرَةَ له. وقال أبو حنيفةَ، وزُفَرُ: لا تجوزُ بحالٍ؛ لأنَّها إجَارَةٌ بثَمَرَةٍ لم تُخْلَقْ، أو إجَارَةٌ بثَمَرَةٍ مَجْهُولَةٍ، أشْبَهَ إجَارَتَه بثَمَرةِ غيرِ الشَّجَرِ الذي يَسْقِيه. ولَنا، ما ذَكَرْنا مِن الحَدِيثِ والإِجْماعِ، ولا يجوزُ التَّعْويلُ على ما خالفَهُما. فإن قِيلَ: راوي حَدِيثِ خَيبَرَ ابنُ عُمَرَ، وقد رَجَع عنه، فقال: كُنّا نُخابِرُ أرْبَعِين سَنَةً حتى حَدَّثَنا رافِعُ بنُ خَدِيجٍ، أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن المُخابَرَةِ (1). ولا يَنْعَقِدُ الإِجْماعُ مع مُخالفَتِه، ويَدُلُّ أيضًا على نسْخِ حَدِيثِ ابنِ عُمَرَ؛ لرُجُوعِه عن العَمَلِ به إلى حَدِيثِ رافِع. قلنا: لا يجوزُ حَمْلُ حَدِيثِ رافِع على ما يُخالِفُ الإِجْماع، ولا حَدِيثِ ابنِ عُمَرَ؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يَزَلْ يُعامِلُ أهْلَ خَيبَرَ حتى ماتَ، ثم عَمِلَ (2) به الخُلفاءُ بعدَه، ثم مَن بعدَهم، فكيف يُتَصَوَّرُ نَهْيُ النبيِّ
(1) أخرجه البخاري، في: باب ما كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يواسي بعضهم بعضا في الزراعة والثمرة، من كتاب الحرث والمزارعة. صحيح البخاري 3/ 141. ومسلم، في: باب كراء الأرض، من كتاب البيوع. صحيح مسلم 3/ 1180، 1181. وأبو داود، في: باب في التشديد في ذلك، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 232، 233. والنسائي، في أول كتاب المزارعة. المجتبى 7/ 41 - 45. وابن ماجه، في: باب كراء الأرض، من كتاب الرهون. سنن ابن ماجه 2/ 820. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 465، 4/ 142.
(2)
في الأصل: «عامل» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صلى الله عليه وسلم عن شيءٍ ثم يُخالِفه؟ أم كيف يُعْمَل ذلك في عَصْرِ الخلَفاءِ ولم يُخْبِرْهُم مَن سَمِعَ النَّهْيَ، وهو حاضِرٌ معهم وعالِمٌ بفِعْلِهم؟ فلو صَحَّ خبَر رافِعٍ لوجَبَ حَمْله على ما يُوافِق السُّنَّةَ والإِجْماعَ. على أنَّه قد رُوِيَ في تَفسِيرِ خبَرِ رافِعٍ عنه (1) ما يَدلُّ على صِحَّةِ قَوْلِنا، فرَوَى البُخارِيُّ (2)، بإسْنادِه، قال: كُنَّا نُكْرِي الأرْضَ بالنّاحِيَةِ منها تُسَمَّى لِسَيِّدِ الأرْضِ، فَمِمّا (3) يُصَابُ ذلك وتَسْلَمُ الأرْضُ، ومِمَّا (3) تُصابُ الأرْضُ ويَسْلَمُ ذلك، فنُهِينَا، فأمّا الذَّهَبُ والوَرِقُ، فلم يَكُنْ يَوْمَئِذٍ. ورُوِيَ تَفسِيرُه أيضًا بشيءٍ غيرِ هذا مِن أنواعِ الفَسَادِ، وهو مُضْطَربٌ جِدًّا. قال الأثْرَمُ: سَمِعْتُ أبا عبدِ اللهِ يُسْألُ عن حديثِ رافِع: نهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن المُزارَعةِ. فقال: رافِعٌ يُرْوَى عنه في هذا ضُرُوبٌ. كأنَّه يُرِيدُ أنَّ اخْتِلافَ الرِّواياتِ عنه يُوهِنُ حَدِيثَه. وقال طاوُسٌ: إنَّ
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في: باب حدثنا محمد. . . .، من كتاب الحرث والمزارعة، وفي: باب الشروط في المزارعة، من كتاب الشروط. صحيح البخاري 3/ 137، 249.
كما أخرجه مسلم، في: باب كراء الأرض بالذهب والورق، من كتاب البيوع. صحيح مسلم 3/ 1183. وأبو داود، في: باب في المزارعة، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 231، 232. والنسائي، في: باب ذكر الأحاديث المختلفة في النهي عن الكراء، من كتاب المزارعة. المجتبى 7/ 39، 40. وابن ماجه، في: باب الرخصة في كراء الأرض البيضاء بالذهب والفضة، من كتاب الرهون. سنن ابن ماجه 2/ 821. والإمام مالك، في: باب ما جاء في كراء الأرض، من كتاب كراء الأرض. الموطأ 2/ 711.
(3)
في ق، م:«فربما» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أعلَمَهُم، يَعْنِي ابنَ عَبّاسٍ، أخْبَرني أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يَنْهَ عنه، ولكن قال:«لأنْ يَمْنَحَ أحدُكُمْ أخاهُ أرضَهُ، خَيرٌ مِنْ أن يَأخُذَ عَلَيهَا خَرَاجًا مَعْلُومًا» . رَواه البُخارِيُّ، ومُسْلِمٌ (1). وأنْكَرَ زَيدُ بنُ ثابتٍ حَدِيثَ رافعٍ عليه (2). فكَيف يجوزُ نَسْخُ [أمْرٍ فَعَلَه](3) رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حتى ماتَ وهو يَفْعَلُه، ثم أجْمَعَ عليه خُلَفاؤه وأصحابُه بعدَه، بخَبَرٍ (4) لا يجوزُ العَمَلُ به، ولو لم يُخالِفْه غيرُه! ورُجُوعُ ابنِ عُمَرَ إليه يَحْتَمِلُ أنَّه رَجَعَ عن شيءٍ مِن المُعامَلاتِ الفاسِدَةِ التي فسَّرَها رافِعٌ في حَدِيثه. وأمَّا غيرُ ابنِ عُمَرَ فقد أنْكَرَ على رافع ولم يَقْبَلْ حَدِيثَه، وحَمَلَه على أنَّه غَلِطَ في رِوايته. والمَعْنَى يَدُلُّ على ذلك؛ فإنَّ كثيرًا مِن أهْلِ النَّخِيلِ والشَّجَرِ يَعْجِزُونَ
(1) أخرجه البخاري، في: باب حدثنا علي بن عبد الله. . . .، من كتاب الحرث والمزارعة، وفي: باب ما كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يواسي بعضهم بعضا في المزارعة والثمرة، من كتاب الهبة. صحيح البخاري 3/ 138، 141. ومسلم، في: باب الأرض تمنح، من كتاب البيوع 3/ 1184، 1185.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في المزارعة، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 231. والنسائي، في: باب ذكر الأحاديث المختلفة في النهي عن كراء الأرض. . . .، من كتاب المزارعة. المجتبى 7/ 33. وابن ماجه، في: باب الرخصة في المزارعة. . . .، من كتاب الرهون. سنن ابن ماجه 2/ 823. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 234، 281، 349.
(2)
أخرجه أبو داود، في: باب في المزارعة، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 231. والنسائي، في: كتاب المزارعة. المجتبى 7/ 47. وابن ماجه، في: باب ما يكره من المزارعة، من كتاب الرهون. سنن ابن ماجه 2/ 822. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 182، 187.
(3)
في الأصل: «فعل» .
(4)
سقط من النسخ، وانظر المغني 7/ 529.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عن عِمارَتِه وسَقْيِه، ولا يُمْكِنُهم الاسْتِئْجارُ عليه، وكَثِيرٌ مِن النّاسِ لا شَجَرَ لهم، ويَحْتاجُون إلى الثَّمرِ، ففي تَجْويزِ المُساقاةِ دَفعٌ للحاجَتَين، وتَحْصِيلٌ لِمَصْلحةِ الفِئَتَينِ، فجازَ، كالمُضارَبَةِ بالأثْمانِ. فأمَّا قياسُهم فيَبْطُلُ بالمُضارَبَةِ، فإنَّه يَعْمَلُ في المالِ بنَمائِه، وهو مَعْدُومٌ مَجْهُولٌ، وقد جازَ بالإجْماعِ، وهذا في مَعْناه. ثم إنَّ الشارِعَ قد جَوَّزَ العَقْدَ في الإجارةِ على المَنافِعِ المَعْدُومةِ للحاجَةِ، فلِمَ لا يجوزُ على الثَّمَرةِ المَعْدُومةِ للحاجَةِ، مع أنَّ القياسَ إنَّما يكونُ في إلْحاقِ المَسْكُوتِ عنه بالمَنْصُوصِ عليه، أو المُجْمَعِ عليه، فأمَّا في إبْطالِ نَصٍّ وخَرْقِ إجْماعٍ بقِياسِ نَصٍّ آخَرَ، فلا سَبِيلَ إليه. وأمَّا تَخْصِيصُ ذلك بالنَّخْلٍ، أو به وبالكَرْمِ، فيُخالِفُ عُمُومَ قولِه: عامَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أهْلَ خيبَرَ بِشَطْرِ ما يَخْرُجُ مِنها مِنْ زَرعٍ أو ثَمَرٍ. وهذا عامٌّ في كلِّ ثَمَرٍ، ولا تكادُ بَلْدةٌ ذاتُ أشْجارٍ تَخْلُو مِن شجَرٍ غيرٍ النَّخِيلِ، وقد جاءَ في لَفْظِ بعضِ الأخْبارِ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عَامَلَ أهْلَ خيبَرَ بِشَطْرِ ما يَخْرُجُ مِنَ النَّخْلِ والشَّجَرِ. [رَواه الدّارَقُطْنِيُّ](1). ولأنَّه شَجَرٌ يُثْمِرُ كلَّ حَوْلٍ، فأشْبَهَ النَّخْلَ والكَرْمَ، ولأنَّ
(1) سقط من: الأصل، ق.
وهذا اللفظ أخرجه الدارقطني، في: كتاب البيوع. سنن الدارقطني 3/ 38، 39. وقال: ابن صاعد وهم في ذكر الشجر، ولم يقله غيره. ووافقه الحافظ في تلخيص الحبير 3/ 59.