الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإذَا حَبَسَ الصَّانِعُ الثَّوْبَ عَلَى أُجْرَتِهِ، فَتَلِفَ، ضمِنَهُ.
وَإنْ أَتْلَفَ الثَّوْبَ بَعْدَ عَمَلِهِ، خُيِّرَ مَالِكُهُ، بَينَ تَضْمِينِهِ إِيَّاهُ غَيرَ مَعْمُولٍ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ، وَبَينَ تَضْمِينِهِ إِيَّاهُ مَعْمُولًا وَيَدْفَعُ إِلَيهِ أُجْرَتَهُ.
ــ
2216 - مسألة: (وإذا حَبَس الصانِعُ الثَّوْبَ على أُجْرَتِه، فتَلِفَ، ضَمِنَه)
لأنَّه لم يَرْهَنْه عنده، ولا أذِنَ له في إمْساكِه، فلَزِمَه الضَّمانُ، كالغاصِبِ.
2217 - مسألة: (وإن أتْلَفَ الثَّوْبَ بعد عَمَلِه خُيِّرَ)
المالِكُ (بينَ تَضْمِنِه إيّاه غيرَ مَعْمُولٍ ولا أُجْرَةَ له، وبينَ تَضْمِينِه إيّاه مَعْمُولًا ويَدْفَعُ إليه) الأُجْرةَ. وكذلك لو وَجَب عليه ضَمانُ المَتاعِ المَحْمُولِ، فصاحِبُه مُخَيَّر بينَ تَضْمِينِه قِيمَتَه في المَوْضِعِ الذي سَلَّمَه إليه ولا أجْرَ له،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وبينَ تَضْمِينِه إيّاه في المَوْضِعِ الذي أفْسَدَه ويُعطِيه الأجْرَ إلى ذلك المكانِ. وإنَّما كان كذلك؛ لأنَّه إذا أحَبَّ تَضْمِينَه مَعْمُولًا، أو في المكانِ الذي أفسَدَه فيه، فله ذلك؛ لأنَّه مَلَكَه في ذلك المَوْضِعِ على تلك الصِّفَةِ، فمَلَكَ المُطالبَةَ بعِوَضِه حينئذٍ، وإن أحَبَّ تَضْمِينَه قبل ذلك، فلأنَّ أجْرَ العَمَلِ لا يَلْزمُه قبلَ تَسْلِيمِه، وما سُلِّمَ إليه فلا يَلْزَمُه.
فصل: إذا أخْطَأَ القَصّارُ فدَفَعَ الثَّوْبَ إلى غيرِ مالِكِه، فعليه ضَمانُه؛ لأنَّه فَوَّتَه على مالِكِه. قال أحمدُ: يَغْرَمُ القَصّارُ، ولا يَسعُ المَدْفُوعَ إليه لُبْسُه إذا عَلِمَ أنَّه ليس بثَوْبِه. ويَرُدُّه إلى القَصّارِ ويُطالِبُه بثَوْبِه. فإن لم يَعْلَم القابِضُ حتى قَطَعَه ولَبِسَه، ثم عَلِمَ، رَدَّه مَقْطُوعًا، وضَمِنَ أرْشَ القَطْعِ، وله مُطالبتُه بثَوْبِه إن كان مَوْجُودًا. وإن هَلَك عند القَصّارِ، ضَمِنَه، في إحدى الرِّوايتين؛ لأنَّه أمْسَكه بغيرِ إذْنِ صاحِبه بعد طَلَبِه، فضَمِنَه، كما لو عَلِمَ. والثانيةُ، لا يَضْمَنُهُ؛ لأنَّه لم يُمْكِنْه رَدُّه، فأشْبَهَ ما لو عَجَز عن دَفْعِه لِمَرَضٍ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: والعَينُ المُسْتَأْجَرَةُ أمانةٌ في يَدِ المُسْتَأْجِرِ، إن تَلِفَتْ بغيرِ تَفْرِيطٍ لم يَضْمَنْها. قال الأثْرمُ: سَمِعْتُ أبا عبدِ الله يُسْألُ عن الذين يُكْرُونَ الخَيمَةَ إلى مَكَّةَ، فَتَذْهَبُ مِن المُكْتَرِي بِسَرَقٍ، هل يَضْمَنُ؟ قال: أرْجُو أن لا يَضْمَنَ، وكيف يَضْمَنُ؟ إذا ذَهَب لا يَضْمَنُ. ولا نَعْلَمُ في هذا خِلافًا؛ لأنَّه قَبَض العَينَ لاسْتِيفاءِ مَنْفَعةٍ يَسْتَحِقُّها منها، فكانت أمَانَةً، كما لو قَبَض العَبْدَ المُوصَى له بخِدْمَتِه سَنَةً، أو قَبَض الزَّوْجُ امْرَأتَه الأمَةَ. ويُخالِفُ العارِيَّةَ؛ فإنَّه لا يَسْتَحِقُّ مَنْفَعَتَها، وإذا انْقَضَتِ المُدَّةُ فعليه رَفْعُ يَدِه عنها، وليس عليه الرَّدُّ. أومَأَ إليه في رِوايةِ ابنِ مَنْصُورٍ. قِيلَ له: إذا اكْتَرَى دابَّةً، أو اسْتعارَ، أو اسْتُودِعَ، فليس عليه أن يَحْمِلَها؟ فقال أحمدُ: مَن اسْتَعارَ شيئًا، فعليه رَدُّه مِن حيث أخَذَه. فأوْجَبَ الرَّدَّ في العارِيَّةِ، ولم يُوجِبْه في الإِجارَةِ والوَدِيعَةِ. وَوَجْهُ ذلك، أنَّه عَقْدٌ لا يَقْتَضِي الضَّمانَ، فلا يَقْتَضِي رَدَّه ومُؤْنَتَه، كالوَدِيعةِ، بخِلافِ العارِيَّةِ، فإنَّ ضَمانَها يَجِبُ، فكذلك رَدُّها. وعلى هذا متى انْقَضَتِ المُدَّةُ، كانتِ العَينُ في يَدِه أمانةً، كالوَدِيعةِ إن تَلِفَتْ مِن غيرِ تَفرِيطٍ، فلا ضَمانَ عليه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهو قولُ بعضِ الشافعيَّةِ. وقال بعضُهم: يَضْمَنُ؛ لأَنه بعد انْقِضاءِ الإجارَةِ غيرُ مَأذُونٍ له في إمساكِه، أشْبَه العارِيَّةَ المُؤَقَّتَةَ بعدَ وَقْتِها. ولَنا، أنَّها أمانة، أشْبَهتِ الوديعَةَ، ولأنَّه لو وَجَب ضَمانُها لوَجَبَ رَدُّها. أمّا العارِيَّةُ فإنَّها مَضْمُونةٌ بكلِّ حالٍ، بخِلافِ مَسْألَتِنا، ولأنَّه يَجِبُ رَدُّها. ومتى طَلَبها صاحِبُها، وَجَب تَسْلِيمُها إليه، فإنِ امتَنَعَ مِن ذلك لغيرِ عُذْرٍ، صارَتْ مَضْمُونةً، كالمَغْصُوبةِ.
فصل: فإن شَرَط المُؤْجِرُ على المُسْتَأجِرِ ضَمانَ العَينِ، فالشّرطُ فاسِدٌ؛ لأنَّه يُنافِي مُقْتَضَى العَقْدِ، وتَفسُدُ به الإِجارَةُ، في أحدِ الوَجْهينِ، بِناءً على الشرُوطِ الفاسِدَةِ في البَيعِ. قال أحمدُ، فيما إذا شَرَط ضَمانَ العَينِ: الكِراءُ والضَّمانُ مَكْرُوهٌ. ورَوَى الأثْرمُ بإسْنادِه عن ابنِ عُمَرَ، قال: لا يَصلُحُ الكِراءُ بالضَّمانِ. وعن فُقَهاءِ المَدِينةِ أنَّهم كانوا يقولون: لا نُكْرِي بضَمانٍ، إلَّا أنَّه مَن شَرَط على كَرِيٍّ ألا يَنْزِلَ بمَتاعِه بَطْنَ وادٍ، أو لا يَسِيرَ به لَيلًا، مع أشْباهِ هذه الشرُوطِ، فتَعَدَّى ذلك، فتَلِف شيءٌ ممّا حَمَل في ذلك التَّعَدِّي، فهو ضامِنٌ. فأمّا غيرُ ذلك، فلا يَصِحُّ شَرطُ الضَّمانِ فيه، كان شَرَطَه، لم يَصِحَّ؛ لأنَّ ما لا يَجِبُ ضَمانه لا يَصِيرُ مَضْمُونًا بالشَّزطِ. وعن أحمدَ أنَّه سُئِلَ عن ذلك، فقال:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المُسْلِمونَ عَلَى شُرُوطِهِم. وهذا يَدُلُّ على وُجُوبِ الضَّمانِ بشَرطِه، وسَنَذْكُرُ ذلك في العارِيةِ. فأمّا إن أكْراهُ عَينًا، وشَرَطَ أن لا يَسِيرَ بها في اللَّيلِ، أو وَقْتَ القائِلَةِ، أو لا يَتأخرَ بها عن القافِلَةِ، أو لا يَجْعَل سيرَه في آخِرها، وأشْباهُ هذا ممّا له فيه غَرَض، فخالفَ، ضَمِنَ؛ لأنه مُتَعد لشرطِ كَرْيِه (1)، فضَمِنَ ما تَلِفَ به، كما لو شَرَط عليه إلا يَحمِلَ إلَّا قَفِيزًا فحَمَلَ قَفِيزَينِ. وحُكْمُ الإجارةِ الفاسِدَةِ حُكْمُ الصَّحِيحَةِ، في أَنه لا يَضْمَنُ إذا تَلِفَتِ العَينُ مِن غيرِ تَفْرِيطٍ ولا تَعَدٍّ، لأَنه عَقْد لا يَقْتَضِي الضَّمانَ صَحِيحُه، فلا يَقْتَضِيه فاسِدُه، كالوَكالةِ. وحُكْمُ كلِّ عَقْدٍ فاسِدٍ في وُجُوبِ الضَّمانِ وعَدَمِه حُكْمُ صَحِيحِه، فما وَجَب الضَّمانُ في صَحِيحِه، وَجَب في فاسِدِه، وما لا، فلا.
(1) في م: «كريته» .