الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُ أجْرَةِ الْعَمَلِ فِي الذِّمَّةِ حَتَّى يَتَسَلَّمَهُ.
ــ
والصداقُ يَجِبُ قبلَ الاسْتِمتاعِ. وهذا هو الجَوابُ عن الحَدِيثِ، ويَدُلُّ عليه أنَّه إنَّما تَوَعَدَّ على تَزكِ الإيفاءِ بعدَ الفراغِ مِن العَمَلِ، وقد قُلْتُم: يَجِبُ الأجْرُ شيئًا فشيئًا. ويَحتَمِلُ أَنه تَوَعَّدَه على تَركِ الوَفاءِ في الوَقْتِ الذي تَتَوَجَّه المُطالبة فيه عادةً. جَوابٌ آخَرُ، أنَّ الآيَةَ والأخْبارَ إنَّما وَرَدَتْ في مَن اسْتُؤْجِرَ على عَمَل، فأمّا إن وَقَعتِ الإجارَةُ فيه على مُدَّةٍ فلا تَعَرضَ لها به.
2221 - مسألة: (ولا يَجبُ تَسْلِيمُ أجْرَةِ العَمَلِ في الذِّمَّةِ حتى يَتَسَلَّمَه)
إذا اسْتُؤْجِرَ على عَمَل، فإنَّ الأجْرَ يُفلَكُ بالعَقْدِ أيضًا، لكن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا يُسْتَحَقُّ تَسْلِيمُه إلا عندَ تَسْلِيمِ العَمَلِ. وقال ابنُ أبي موسى: مَن اسْتُؤْجِرَ لعَمَل مَعلُوم، اسْتَحَقَّ الأجْرَ عندَ إيفاءِ العَمَلِ، وإنِ اسْتُؤْجرَ في كلِّ يوم بأجْر مَعلُوم، فله أجْرُ كلِّ يوم عندَ تَمامِه. وقال أَبو الخَطّابِ: الأجْرُ يُملَكُ بالعَقْدِ، ويُسْتَحَقُّ التَّسْلِيمُ ويَسْتَقِرُّ بمُضِيِّ المُدَّةِ. وإنَّما تَوقَّفَ اسْتِحقاقُ تَسْلِيمِه على العَمَلِ؛ لأنَّه عِوَضٌ، فلا يُسْتَحَقُّ تَسْلِيمُه إلَّا مع تَسْلِيمِ المُعَوَّضِ، كالصَّداقِ، والثَّمَنِ في المَبِيعِ. وفارَقَ الإِجارَةَ على الأعيانِ؛ لأن تَسْلِيمَها أجْرِىَ مُجْرَى تَسْلِيم نَفْعِها، ومتى كانت على مَنْفَعةٍ في الذِّمَّةِ لم يحصُلْ تَسْلِيمُ المَنْفَعةِ ولا ما يَقُومُ مَقامَها، فتَوقَّفَ اسْتِحقاقُ تَسْلِيمِ الأجْرِ على تَسْلِيم العَمَلِ. وقولُهم: لم يَملِكِ المَنافِعَ. قد سَبَقَ الجَوابُ عنه. فإن قِيلَ: فإنَّ المُؤْجِرَ إذا قَبَضَ الأجْرَ، انْتَفَع به كلِّه، بخِلافِ المُسْتأجِرِ، فإنَّه لا يحصُلُ له اسْتِيفاءُ المَنْفعةِ كلِّها. قلنا: لا يَمنَعُ هذا، كما لو شَرَطَ التعجِيلَ وكانت الأجْرةُ عَينًا. فأمّا إن شَرَطَ التَّأجِيلَ في الأجْرِ، فهو على ما شَرَطَ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإن شَرَطَ مُنَجَّمًا يومًا يومًا، أو شَهْرًا شهرًا، فهو على ما شَرَطاه؛ لأنَّ إجارَةَ العَينِ كبَيعِها، وبَيعُها يَصِحُّ بثَمَنٍ حالٍّ ومُؤَجَّل، كذلك إجارَتُها. وفيه وَجْه آخَرُ: أنَّ الإِجارَةَ على المَنْفَعةِ في الذِّمَّةِ لا يجوزُ تَأجِيلُ عِوَضِها، [كالمُسْلَمِ فيه](1).
فصل: إذا اسْتَوْفَى المُسْتأجِرُ المَنافِعَ، اسْتَقَرَّ الأجْرُ؛ لأنَّه قَبَضَ المَعقُودَ عليه، فاسْتَقَرَّ عليه البَدَلُ، كما لو قَبَض المَبِيعَ. وإن تَسَلَّمَ العَينَ المُسْتَأجَرَةَ، ومَضَتِ المُدَّةُ، و (2) لا مانِعَ له مِن الانْتِفاعِ، اسْتَقَرَّتِ الأجْرَةُ أيضًا كان لم يَنْتَفِع؛ لأنَّ المَعقُودَ عليه تَلِفَ تحت يَدِه، وهي حَقُّه، فاسْتَقَرَّ عليه بَدَلُها، كثَمَنِ المَبِيعِ إذا تَلِفَ في يَدِ البائِعِ. فإن كانت الإجارَةُ على عَمَل، فتَسلَّم (3) المَعقُودَ عليه، ومَضَتْ مُدَّة يمكِنُ اسْتِيفاءُ المَنْفَعةِ فيها، مثلَ أن يَكْتَرِيَ دابَّةً لِيركَبَها إلى حِمصَ، فقَبَضَها، ومَضَتْ
(1) في م: «كالسلم» .
(2)
سقط من: م.
(3)
في م: «فسلم» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مُدَّة يمكِنُ رُكُوبُها فيها، فقال أصحابُنا: يَسْتَقِرُّ عليه الأجْرُ. وهو مذهبُ الشافعيِّ؛ لأنَّ المَنافعَ تَلِفَتْ تحت يَدِه باخْتِيارِه، فاسْتَقَرَّ الضَّمان عليه، كما لو تَلِفَتِ العَينُ في يَدِ المُشْتَرِي، وكما لو كانتِ الإجارَةُ على مُدَّةٍ فمَضَتْ. وقال أبو حنيفةَ: لا يَسْتَقِرُّ الأجْرُ عليه حتى يَسْتَوْفِيَ المَنْفَعةَ؛ لأنَّه عَقْد على مَنْفَعةٍ غيرِ مُؤَقَّتةٍ بزَمَن، فلم يَسْتَقِرَّ بَدَلُها قبلَ اسْتِيفائِها، كالأجْرِ في الأجِيرِ المُشْتَرَكِ. وإن بَذَلَ تَسْلِيمَ العَينِ، فلم يَأخُذْها المُسْتَأجِرُ حتى انْقَضَتِ المُدَّةُ، اسْتَقَرَّ الأجْرُ عليه؛ لأنَّ المنافِعَ تَلِفَتْ باخْتِيارِه في مُدَّةِ الإِجارَةِ، فاسْتَقَرَّ عليه الأجْرُ، كما لو كانت في يَدِه. وإن بَذَلَ تَسْلِيمَ العَينِ، وكانت الإِجارَةُ على عَمَل، فقال أصحابُنا: إذا مضتْ مُدَّة يمكنُ الاسْتِيفاءُ فيها، اسْتَقَرَّ عليه الأجْرُ. وبهذا قال الشافعيُّ؛ لأنَّ المَنافِعَ تَلِفَتْ باخْتِيارِه. وقال أبو حنيفةَ: لا أجْرَ عليه. قال شيخُنا (1): وهو أصَحُّ (2) عندي، لأنَّه عَقْدٌ على ما في الذِّمَّةِ، فلم يَسْتَقِرَّ عِوَضُه ببَذْلِ التَّسْلِيمِ، كالمُسْلَمِ فيه، ولأنَّه عَقدٌ على مَنْفَعةٍ غيرِ مُؤَقَّتةِ بزَمَن، فلم يَسْتَقِرَّ عِوَضُها بالبَذْلِ، كالصَّداقِ إذا بَذَلَتْ تَسْلِيمَ نَفْسِها، وامتَنَعَ الزَّوْجُ مِن أخْذِها.
(1) في: المغني 8/ 20.
(2)
في م: «الصحيح» .