الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَأَمَّا تَفْرِيغُ البَالُوعَةِ وَالْكَنِيفِ، فَيَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ إِذَا تَسَلَّمَهَا فَارِغَةً.
ــ
2196 - مسألة. (فأمّا تَفْرِيغُ البالُوعَةِ والكَنِيفِ، فيَلْزَمُ المُسْتَأْجِرَ إذا تسَلَّمَها فارِغَةً)
إنِ احْتِيجَ إلى تَفْرِيغِ البالُوعَةِ والكَنِيفِ عندَ الكِراءِ، فعلى المُكْرِي؛ لأنَّه ممّا يَتَمَكَّنُ به مِن الانْتِفاعِ، وإن امْتلأتْ بفِعْلِ المُسْتَأْجِرِ، فتَفْرِيغُها عليه. وهذا قولُ الشافعيِّ. وقال أبو ثَوْرٍ: هو على رَبِّ الدّارِ؛ لأنَّ به يَتَمَكَّنُ مِن الانْتِفاعِ، أشْبَهَ ما لو اكْتَراها وهي مَلْأى. وقال أبو حنيفةَ: القِياسُ أنَّه على المُكْتَرِي،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والاسْتِحْسانُ أنَّه على رَبِّ الدّارِ؛ لأنَّ ذلك عادَةُ الناسِ. ولَنا، أنَّ ذلك حَصَل بفِعْلِ المُكْتَرِي، فكان عليه تَنْظِيفُه، كما لو طَرَح فيها قُماشًا. والقولُ في تَفْرِيغِ جِيَّةِ (1) الحَمّامِ، التي هي مَصْرِفُ مائِه، كالقَوْلِ في بالُوعَةِ الدّارِ. وإنِ انْقَضَتِ الإِجارَةُ وفي الدّارِ زِبْلٌ أو قُمامَةٌ مِن فِعْلِ الساكِنِ، فعليه نَقْلُه. وهذا قولُ الشافعيِّ، وأبي ثَوْرٍ، وأصحابِ الرَّأْي.
فصل: فإن شَرَط على مُكْتَرِي الحَمّامِ، أو غيرِه، أنَّ مُدَّةَ تَعْطِيلِه عليه، لم يَصِحَّ؛ لأنَّه لا يجوزُ أن يُؤْجِرَ مُدَّةً لا يُمكِنُه الانْتِفاعُ [في بعضِها](2)، ولا يجوزُ أن يَشْتَرِطَ أنَّه يَسْتَوْفِي بقَدْرِها بعدَ (3) انْقِضاءِ مُدَّتِه؛ لأنَّه يُؤَدِّي إلى أن يكونَ انْتِهاءُ مُدَّةِ الإِجارَةِ مَجْهُولًا. فإن أطْلَقَ، وتَعَطَّلَ، فهو عَيبٌ حادِثٌ، والمُكْتَرِي بالخِيارِ بينَ الإِمْساكِ بكُلِّ الأجْرِ وبينَ الفَسْخِ. ويَتَخَرَّجُ أنَّ له أَرْشَ العَيبِ، كالمَبِيعِ المَعِيبِ. فإن لم يَعْلَمْ بالعَيبِ حتى انْقَضَتْ مُدَّةُ الإِجارَةِ، فعليه جَمِيعُ الأجْرِ؛ لأنَّه اسْتَوْفَى المَعْقُودَ عليه، فأشْبَهَ ما لو عَلِمَ العَيبَ بعد العَقْدِ فَرَضِيَه، ويتَخَرَّجُ أنَّ له أَرْشَ العَيبِ، كما لو اشْتَرَى مَعِيبًا فلم يَعْلَمْ عَيبَه حتى تَلِفَ في يدِه، أو أكَلَه.
(1) الجية: الموضع الذي يجتمع فيه الماء.
(2)
في ر، ق:«ببعضها» .
(3)
في م: «عند» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإن شَرَط على المُكْتَرِي النَّفَقَةَ الواجِبَةَ على المُكْرِي؛ كَعِمارَةِ الحَمّامِ، فالشَّرْطُ فاسِدٌ؛ لأنَّ العَينَ مِلْكٌ للمُؤْجِرِ، فنَفَقَتُها عليه. فإن أَنْفَقَ بِناءً على هذا الشَّرْطِ، احْتَسَبَ به على المُكَرِي (1)؛ لأنَّه أنْفَقَه على مِلْكِه بشَرْطِ العِوَضِ. فإنِ اخْتَلَفا في قَدْرِ ما أنْفَقَ، ولا بَيِّنَةَ، فالقْولُ قولُ لمُكْرِي؛ لأنَّه مُنْكِرٌ، فإن لم يَشْرُطْ، لكن أذِنَ له في الإِنْفاقِ ليَحْتَسِبَ له به مِن الأجْرِ، فَفَعَلَ، ثمَّ اخْتَلَفا، فالقولُ قولُ المُكْرِي أيضًا. وإن أنْفَقَ مِن غيرِ إذْنِه، لم يَرْجِعْ بشيءٍ؛ لأنَّه أنْفَقَ على مالِه بغيرِ إذْنِه نَفَقَةً غيرَ واجِبَةٍ على المالِكِ، أشْبَهَ ما لو عَمَرَ له دارًا أُخْرَى.
فصل: لا خِلافَ بينَ أهْلِ العِلْمِ في جَوازِ كِراءِ الإِبِلِ وغيرِها مِن الدَّوابِّ إلى مَكَّةَ وغيرِها، قال اللهُ تعالى:{وَالْخَيلَ وَالْبِغَال وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا} (2). ولم يُفَرِّقْ بينَ المَمْلُوكَةِ والمُسْتَأْجَرَةِ. ورُوِيَ عن ابنِ عباسٍ في قولِه تعالى: {لَيسَ عَلَيكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} (3). أن يَحُجَّ ويُكْرِيَ. ونحوُه عن ابنِ عُمَرَ. ولأنَّ بالنّاسِ حاجَةً إليه، وقد فَرَض اللهُ تعالى الحَجَّ على النَّاسِ، وليس لكلِّ أحَدٍ بَهِيمَةٌ يَمْلِكُها، ولا يُحْسِنُ القِيامَ بها والشَّدَّ عليها، فدَعَتِ الحاجَةُ إلى اسْتِئْجارِها، فجاز ذلك؛ دَفْعًا للحاجَةِ. إذا ثَبَت هذا، فمِن شَرْطِ
(1) في م: «المكتري» .
(2)
سورة النحل 8.
(3)
سورة البقرة 198.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صِحَّةِ العَقْدِ مَعْرِفَةُ المُتَعاقِدَين المَعْقُودَ عليه؛ لأنَّه عَقْدُ مُعاوَضَةٍ، أشْبَهَ البَيعَ. فأمَّا الجَمّالُ فيَحْتاجُ إلى مَعْرِفةِ الرّاكِبَينِ بالرُّؤْيةِ أو بالصِّفَةِ؛ لأنَّ المَعْرِفَةَ بالصِّفَةِ تَقُومُ مَقامَ الرُّؤْيَةِ، إذا وَصَفَهُما بالطُّولِ والقِصَرِ، والهُزالِ والسِّمَنِ، والصِّغَرِ والكِبَرِ، والذُّكُورِيَّةِ والأنُوثِيَّةِ. وقال الشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ، وأبو الخَطّابِ: لا يَكْفِي في ذلك الصِّفَةُ؛ لأنَّه يَخْتَلِفُ بثِقَلِه وخِفَّتِه، وسُكُونِه وحَرَكَتِه، ولا يَنْضَبِطُ بالوَصْفِ، فيَجِبُ تَعْيِينُه. وهذا مَذْهَبُ الشافعيِّ. ولهم في المَحْمِلِ وَجْهٌ، أنَّه لا يُكْتَفَى فيه بالصِّفَةِ، ويَجِبُ تَعْيِينُه. ولَنا، أنَّه عَقْدُ مُعاوَضَةٍ مُضافٌ إلى حَيَوانٍ، فاكْتُفِيَ فيه بالصِّفَةِ، كالبَيعِ، وكالمَرْكُوبِ في الإِجارَةِ. ولأنَّه لو لم يُكْتَفَ فيه بالصِّفَةِ، لمَا جاز للرّاكِبِ أن يُقِيمَ غيرَه مُقامَه؛ لأنَّه إنَّما يَعْلَمُ كَوْنَه مِثْلَه لِتَساويهما في الصِّفاتِ، فما لا تَأْتِي عليه الصِّفاتُ، لا يَعْلَمُ تَساويَهما فيه. ولأنَّ الوَصْفَ يُكْتَفَى به في البَيعِ، فاكْتُفِيَ به في الإِجارَةِ، كالرُّؤْيَةِ. والتَّفاوُتُ بعد ذِكْرِ الصِّفاتِ يَسِيرٌ، تَجْرِي المُسامَحةُ فيه، كالمُسْلَمِ فيه. ويَحْتاجُ إلى مَعْرِفَتِه (1) الآلَةَ التي يَرْكَبانِ فيها، مِن مَحْمِلٍ ومَحارَةٍ وقَتَبٍ، وغيرِ ذلك. وهل يكونُ مُغَطّىً أو مَكْشوفًا؟ فإن كان مُغَطّىً، احْتاجَ إلى مَعْرِفَةِ الغِطاءِ. ويَحْتاجُ إلى مَعْرِفَةِ الوطاءِ، ومَعْرِفَةِ المَعالِيقِ التي معه، مِن قِرْبَةٍ وسَطِيحةٍ وقِدْرٍ وسُفْرَةٍ ونحوها، وذِكْرِ سائِرِ ما يَحْمِلُ معه. وبه قال الشافعيُّ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ، إلَّا أنَّ الشافعيَّ قال:
(1) في م، تش:«معرفة» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يجوزُ إطْلاقُ غطاءِ المَحْمِلِ؛ لأنَّه لا يَخْتَلِفُ اخْتِلافًا كثيرًا مُتَباينًا. وحُكِيَ عنه في المَعالِيقِ قولٌ، أنَّه يجوزُ إطْلاقُها، ويُحْمَلُ على العُرْفِ. وحُكِيَ عن مالكٍ، أنَّه يجوزُ إطْلاقُ الراكِبينَ؛ لأنَّ أجْسامَ الناسِ مُتقارِبةٌ في الغالِبِ. وقال أبو حنيفةَ: إذا قال: في المَحْمِلِ رَجُلانِ، وما يُصْلِحُهما مِن الوطَاءِ والدُّثُرِ. جاز اسْتِحْسانًا؛ لأنَّ ذلك يَتقارَبُ في العادَةِ، فحُمِلَ على العَادَةِ، كالمَعاليقِ. وقال القاضِي في غِطَاءِ المَحْمِلِ كَقَوْلِ الشافعيِّ. ولَنا، أنَّ هذا يَخْتَلِفُ وَيتَبايَنُ كثيرًا، فاشْتُرِطَتْ مَعْرِفَتُه، كالطَّعامِ الذي يَحْمِلُه معه. وقولُ مالكٍ: إنَّ أجسامَ الناسِ مُتقارِبةٌ. لا يَصِحُّ؛ فإنَّ منهم الكَبِيرَ والصَّغِيرَ، والطَّويلَ والقَصِيرَ، والسَّمِينَ والهَزِيلَ، والذَّكَرَ والأُنْثَى، ويَخْتَلِفُون بذلك، ويَتَبايَنُونَ كثيرًا. ويَتَفاوَتُون أيضًا في المَعالِيقِ؛ منهم مَن يُكْثِرُ الزّادَ والحَوائِجَ، ومنهم مَن يَقْنَعُ باليَسِيرِ، ولا عُرْفَ له يُرْجَعُ إليه، فاشْتُرِطَتْ مَعْرِفَتُه، كالمَحْمِلِ والأوْطِئَةِ. وكذلك غِطاءُ المَحْمِلِ، مِن الناسِ مَن يَخْتارُ الواسِعَ الثَّقِيلَ الذي يَشْتَدُّ على المَحْمِلِ (1) في الهَواءِ، ومنهم مَن يَقْنَعُ بالضَّيِّقِ الخَفِيفِ، فتَجِبُ مَعْرِفَتُه، كسائِرِ ما ذَكَرْنا. فإن رَأَى الرّاكِبَين أو وُصِفا له وذُكِر الباقِي بأرْطالٍ مَعْلُومَةٍ، جازَ. ذَكَرَه الخِرَقِيُّ. وأمَّا الرّاكِبُ، فيَحْتاجُ إلى مَعْرِفَةِ الدّابَّةِ التي يَرْكَبُ عليها؛ لأنَّ الغَرَضَ يَخْتَلِفُ بذلك، ويَحْصُلُ بالرُّؤْيَةِ؛ لأنَّها أعْلَى طُرُقِ العِلْمِ، إلَّا أن يكونَ ممَّا
(1) في تش، ر، ق:«الحمل» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَحْتاجُ إلى مَعْرِفَةِ صِفَةِ المَشْي؛ كالرهوالِ (1) وغيرِه، وإمّا أن يُجَرِّبَه فيَعْلَمَ ذلك برُؤْيَتِه. ويَحْصُلُ بالصِّفَةِ، فإذا وُجِدَت، اكْتَفَى بها؛ لأنَّه يُمْكِنُ ضَبْطُه بالصِّفَةِ، فجازَ العَقْدُ عليه، كالبَيعِ. وإذا اسْتَأْجَرَ بالصِّفَةِ للرُّكُوبِ، احتاج إلى ذِكْرِ الجِنْسِ؛ فَرَسًا، أو بَعِيرًا، أو بَغْلًا، أو حِمارًا. و (2) النَّوْعِ فيقولُ في الإِبِلِ: بُخْتِيٌّ أو عَرَبيٌّ (3). وفي الخَيلِ: عَرَبيٌّ (3) أو بِرْذَوْنٌ. وفي الحَمِيرِ: مِصْرِيٌّ أو شامِيٌّ. وإن كان في النَّوْعِ ما يَخْتَلِفُ، كالمُهَمْلَج مِن الخَيلِ، والقَطُوفِ، احْتِيجَ إلى ذِكْرِه؛ لأنَّ الغَرَضَ يَخْتَلِفُ به. وقد ذَكَرْنا ذلك والخِلافَ فيه. قال شيخُنا (4): ومتى كان الكِراءُ إلى مَكَّةَ، فالصَّحِيحُ أنَّه لا يَحْتاجُ إلى ذِكْرِ الجِنْسِ ولا النَّوْعِ؛ لأنَّ العادَةَ أنَّ الذي يُحْمَلُ عليه في طَرِيقِ مَكَّةَ الجِمالُ العِرابُ دُونَ البَخاتِيِّ.
فصل: إذا كان الكِراءُ إلى مَكَّةَ، أو طَرِيقٍ لا يكونُ السَّيرُ فيه إلى اخْتِيارِ المُتَكارِيَين، فلا وَجْهَ لذِكْرِ تَقْدِيرِ السَّيرِ فيه؛ لأنَّ ذلك ليس إليهما، ولا مَقْدُورٌ عليه لهما. وإن كان في طَرِيقٍ السَّيرُ فيه إليهما، اسْتُحِبَّ ذِكْرُ قَدْرِ السَّيرِ في كلِّ يَوْمٍ. فإن أطْلَقَ وللطَّرِيقِ مَنازِلُ مَعْرُوفَةٌ، جازَ؛ لأنَّه مَعْلُومٌ بالعُرْفِ. ومتى اخْتَلفا في ذلك، وفي وَقْتِ السَّيرِ لَيلًا أو نهارًا،
(1) الرهوال، بالكردية: البرذون إذا كان لين الظهر في السير. الألفاظ الفارسية المعربة 74.
(2)
في م: «أو» .
(3)
في م: «عرابي» .
(4)
في: المغني 8/ 91.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو في مَوْضِعِ المَنْزِلِ إمّا في داخِلِ البَلَدِ أو خارِجٍ منه، حُمِلَا على العُرْفِ، كما لو أطْلَقَا الثَّمَنَ في بَلَدٍ فيه نَقْدٌ مَعْرُوف. وإن لم يَكُنْ للطَرِّيقِ عُرْفٌ، فقال القاضِي: لا يَصِحُّ، كما لو أطْلَقَا الثَّمَنَ في بَلَدٍ لا عُرْفَ فيه. والأوْلَى أنَّ هذا ليس بشَرْطٍ؛ لأنَّه لو كان شَرْطًا لَما صَحَّ العَقْدُ بدُونِه في الطَّريقِ المَخُوفِ، ولأنَّه لم تَجْرِ العادَة بتَقْدِيرِ السَّيرِ في طَرِيقٍ، فإنِ اخْتَلَفا، رُجِعَ إلى العُرْفِ في غيرِ تلك الطَّريقِ.
فصل: فإن شَرَط حَمْلَ زادٍ مُقَدَّرٍ، كمائةِ رَطْلٍ، وشَرَط أنَّه يُبْدِلُ منها ما نَقَصَ بالأَكْلِ أو غيرِه، فله ذلك، وإن شَرَط أنَّ ما نَقَص بالأكْلِ لا يُبْدِلُه، فليس له إبْدالُه. فإن ذَهَب بغيرِ الأكْلِ، كَسَرِقَةٍ أو سُقُوطٍ، فله إبْدالُه؛ لأنَّ ذلك لم يَدْخُلْ في شَرْطِه. وإن أطْلَقَ العَقْدَ، فله إبْدالُ ما ذَهَب بسَرِقَةٍ أو سُقُوطٍ أو أكْلٍ غيرِ مُعْتادٍ، بغيرِ خِلافٍ. وإن نَقَص بالأكْلِ المُعْتادِ، فله إبْدالُه أيضًا؛ لأنَّه اسْتَحَقَّ حَمْلَ مِقْدارٍ مَعْلُومٍ، فمَلَكَ إبْدال ما نَقَص منه،؛ لو نَقَص بِسَرِقَةٍ. ويَحْتَمِلُ أن لا يَمْلِكَ ذلك؛ لأنَّ العُرْفَ جارٍ بأنَّ الزّادَ يَنْقُصُ ولا يُبْدَلُ، فحُمِلَ العَقْدُ عليه عندَ الإِطْلاقِ، وصار كالمُصَرَّحِ به. وقال الشافعيُّ: القِياسُ أنَّ له إبْداله. ولو قِيلَ: ليس له إبْدالُه. كان مَذْهَبًا؛ لأنَّ العادَةَ أنَّ الزَّادَ لا يَبْقَى جَمِيعَ المَسافَةِ، ولذلك يَقِلُّ أجْبرُه عن أجْرِ المَتاعِ.
فصل: إذا اكْتَرَى جَمَلًا لِيَحُجَّ عليه، فله الرُّكُوبُ عليه إلى مَكَّةَ، ومِن مَكَّةَ إلى عَرَفَةَ، والخُرُوجُ عليه إلى مِنًى؛ لأنَّه مِن تَمامِ الحَجِّ. وقيل:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ليس له الركُوبُ إلى مِنًى؛ لأنَّه بعدَ التَّحَلُّلِ مِن الحَجِّ. والأَولَى أنَّ له ذلك؛ لأنَّه مِن تَمامِ الحَجِّ وتَوابِعِه، ولذلك وَجَب على مَن وَجَبَ عليه دُونَ غيرِه، فدَخَلَ في قولِ اللهِ تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيتِ} (1). ولو اكْتَرَى إلى مَكَّةَ فقط، فليس له الرُّكُوبُ إلى الحَجِّ؛ لأنَّها زِيادَةٌ. ويَحْتَمِلُ أنَّ له ذلك؛ لأنَّ الكِراءَ إلى مَكَّةَ عِبارَة عن الكِراءِ للحَجِّ؛ لكَوْنِها لا يُكْتَرَى إليها إلَّا للحَجِّ غالِبًا، فكان بمَنْزِلَةِ المُكْتَرِي للحَجِّ.
فصل: قال أصحابُنا: يَصحُّ كِراءُ العُقْبَةِ. وهو مَذْهَبُ الشافعيِّ. ومَعْناها: الرُّكُوبُ في بَعْضِ الطَّرِيقِ، يَرْكَبُ شيئًا ويَمْشِي شيئًا؛ لأنَّه إذا جازَ اكْتِراؤُها في الجَمِيعِ، جازَ في البَعْضِ. ولا بُدَّ مِن العِلْمِ بها، إمّا بالفَراسِخِ، وإمّا بالزَّمانِ، مثلَ أن يَرْكَبَ لَيلًا ويَمْشِيَ نهارًا، ويُعْتَبَرُ في هذا زَمانُ السَّيرِ دُونَ زَمانِ النُّزُولِ. وإن شَرَط أن يَرْكَبَ يَوْمًا ويَمْشِيَ يَومًا، جازَ، فإن أطْلَقَ، احْتَمَلَ الجَوازَ، [ويُحْمَلُ على العُرْفِ](2). واحْتَمَلَ أن لا يَصحَّ؛ لأنَّه يَخْتَلِفُ، وليس له ضابِطٌ، فيكونُ مَجْهُولًا. وإنِ اتَّفَقا على أن يَرْكَبَ ثَلاثةَ أيّامٍ ويَمْشِيَ ثلاثةً، أو ما زادَ ونَقَص، جازَ. وإنِ اخْتَلَفَا، لم يُجْبَرِ المُمْتَنِعُ منهما؛ لأنَّ فيه ضَرَرًا على كل واحدٍ منهما؛ الماشِي لِدَوامِ المَشْي عليه، والدّابَّةِ لدَوَامِ الرُّكُوبِ عليها، ولأنَّه إذا
(1) سورة آل عمران 97.
(2)
سقط من: م.
فَصلٌ: وَالإجَارَةُ عَقْدٌ لَازِمٌ مِنَ الطرَّفَينِ، لَيسَ لِأَحَدِهِمَا فَسْخُهَا.
ــ
رَكِبَ بعد شِدَّةِ التَّعَبِ، كان أثْقَلَ على البَعِيرِ. وإنِ اكْتَرَى اثْنانِ جَمَلًا يتَعاقَبانِ عليه، جازَ، ويكونُ كِراؤُهما (1) كلَّ الطَرِّيقِ، والاسْتِيفاءُ بينهما على ما يَتَّفقانِ عليه. وإن تَشاحّا، قُسِمَ بينهما لكُلِّ واحدٍ منهما فَراسِخُ مَعْلُومَةٌ، أو لأحَدِهما اللَّيلُ وللآخُرِ النَّهارُ. وإن كان لذلك عُرْفٌ رُجِعَ إليه. وإنِ اخْتَلَفا في البادِئ منهما، أُقْرِعَ بينَهما (2). ويَحْتَمِلُ أن لا يَصِحَّ كِراؤُهما (3)، إلَّا أن يَتَّفِقَا على رُكُوبٍ مَعْلُوم لكلِّ واحدٍ منهما؛ لأنَّه عَقْدٌ على مَجْهُولٍ بالنِّسْبَةِ إلى كلِّ واحدٍ منهما، فلم يَصِحَّ، كما لو اشْتَرَيا عَبْدَينِ على أنَّ [لكُلِّ واحدٍ عَبْدًا](4) منهما.
فصل: قال الشيخُ، رحمه الله:(والإِجارَةُ عَقْدٌ لازِمٌ مِن الطَّرَفَينِ، ليس لأحَدِ هما فَسْخُها) وبه قال مالكٌ، والشافعي، وأصحابُ الرَّأْي؛ لأنَّها عَقْدُ مُعاوَضةٍ، فكانت لازِمةً، كالبَيعِ، ولأنّها نَوْع مِن البَيعِ، وإنَّما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اخْتَصَّتْ بِاسْم كالصَّرْفِ والسَّلَمِ، إلَّا (1) أن يَجِدَ العَينَ مَعِيبَةً عَيبًا لم يَكُنْ عَلِمَ به، فله الفَسْخُ بغيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه. قال ابنُ المُنْذِرِ: إذا اكْتَرَى دابَّةً بعَينها، فوَجَدَها جَمُوحًا، أو عَضُوضًا، أو نَفُورًا، أو بها عَيبٌ غيرُ ذلك مما يُفْسِدُ رُكُوبَها، فلِلْمُكْتَرِي الخِيارُ، إن شاءَ رَدَّها وفَسَخ الإِجارَةَ، وإن شاءَ أخَذَها. وهذا قولُ [أبي ثَوْرٍ](2) وأصحابِ الرَّأْي. و (3) لأنَّه عَيبٌ في المَعْقُودِ عليه، فأثْبَتَ الخِيارَ، كالعَيبِ في بُيُوعِ الأعْيانِ، والعَيبِ الذي يَرُدُّ به ما تَنْقُصُ به المَنْفَعَةُ، كتَعَثُّرِ الظَّهْرِ في المَشيِ، والعَرَجِ الذي يتَأخَّرُ به عن القافِلَةِ، ورَبْضِ البَهِيمَةِ بالحِمْلِ، وكونِها جَمُوحًا أو عَضُوضًا، وأشْباهِ (4) ذلك. وفي المُكْتَرَى للخِدْمَةِ، ضَعْفُ البَصَرِ،
(1) في م: «لا» .
(2)
في م: «الثوري» .
(3)
سقط من: م، تش.
(4)
في م، تش:«ونحو» .