الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلا أنَّهُ يَصِحُّ أن يَسْتَأجِرَ الأجِيرَ بِطَعَامِهِ وَكُسْوَتِهِ. وَكَذَلِكَ الظِّئْرُ.
ــ
2148 - مسألة: (إلَّا أنَّه يجوزُ أن يَسْتَأجِرَ الأجِيرَ بطَعَامِه وكُسْوَتِه، وكذلك الظِّئْرُ)
اخْتَلَفَتِ الرِّوايةُ عن أحمدَ، رحمه الله، في مَن اسْتَأجَرَ أجيرًا بطَعامِه وكُسْوَتِه، أو جَعَل له أجْرًا وشَرَط طَعامَه وكُسْوَتَه، فرُوىَ عنه جوازُ ذلك. وهو مَذْهَبُ مالكٍ، وإسحاقَ. ورُوِيَ عن أبي بكر، وعُمَرَ، [وأبي موسى](1)، رضي الله عنهم، أنَّهم اسْتَأجَرُوا الأجَراءَ بطَعامِهم وكُسْوَتِهم. ورُوِيَ عنه، أنَّ ذلك جائِزٌ في الظِّئْرِ دُونَ غيرِها. اخْتارَه القاضي. وهو مَذْهَبُ أبي حنيفةَ؛
(1) في الأصل: «وابن أبي موسى» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأنَّ ذلك مَجْهُولٌ، وإنَّما جازَ في الظِّئْرِ؛ لقولِ اللهِ تعالى:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (1). أوْجَبَ لَهُنَّ النَّفَقَةَ والكُسْوَةَ على الرَّضاعِ، ولم يُفَرِّقْ بينَ المُطَلَّقَةِ وغيرِها، بل في الآيَةِ قَرينةٌ تَدُلُّ على طَلاقِها؛ لأنَّ الزَّوْجَةَ تَجِبُ نَفَقَتُها وكُسْوَتُها بالزَّوْجِيَّةِ وإن لم تُرْضِعْ، ولأنَّ اللهَ تعالى قال:{وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} . والوارِثُ ليس بزوجٍ. ولأنَّ المَنْفَعَةَ في الرَّضاعِ والحَضانَةِ غيرُ مَعْلُومةٍ، فجاز أن يكونَ عِوَضُها كذلك. ورُوِيَ عنه رِوايةٌ ثالثةٌ، أنَّ ذلك لا يَجُوزُ بحالٍ، في الظِّئْرِ ولا في غيرِها. وبه قال الشافعيُّ، وأبو يُوسُفَ، ومحمدٌ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ؛ لأنَّ ذلك يَخْتَلِفُ اخْتِلافًا كثيرًا مُتَبايِنًا، فيَكُون مَجْهُولًا، والأجْرُ مِن شَرْطِه أن يَكُونَ مَعْلُومًا. ولَنا، ما روَى ابنُ ماجه (2) عن عُتْبَةَ بنِ النُّدَّرِ، قال: كُنّا عندَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَرأ: {طسم} حتى إذا بَلَغ قِصَّةَ موسى عليه السلام قال.: «إنَّ موسَى أجَرَ نَفْسَه ثَمَانِيَ سِنِينَ أوْ عَشْرًا، عَلَى عِفَّةِ فَرْجِهِ، وطَعَامِ بَطْنِه» . وشَرْعُ
(1) سورة البقرة 233.
(2)
في تش: «أحمد وابن ماجه» . والحديث تقدم تخريجه عند ابن ماجه في صفحة 259. ولم نجده في مسند الإمام أحمد.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مَن قبلَنا شَرْعٌ لَنا ما لم يَثْبُتْ نَسْخُه. وعن أبي هُرَيرَةَ أنَّه قال: كُنْتُ أجِيرًا لابنةِ غَزْوانَ بطعامِ بَطْنِي، وعُقْبَةِ رِجْلِي (1)، أحْطِبُ لهم إذا نَزَلُوا، وأحْدُو بهم إذا رَكِبُوا. رواه الأثْرَمُ، وابنُ ماجه (2). ولأنَّه فِعْلُ مَن ذَكَرْنا مِن الصَّحابَةِ، فلم يُنْكَرْ، فكان إجْماعًا، ولأنَّه قد ثَبَت في الظِّئرِ في الآيَةِ، فيَثْبُتُ في غيرِها بالقِياسِ عليها، ولأنَّه عِوَضُ مَنْفَعةٍ، فقام العُرْفُ فيه مَقامَ التَّسْمِيَةِ، كنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ. ولأنَّ للكُسْوَةِ عُرْفًا، وهي كُسْوَةُ الزَّوْجاتِ، وللإطْعامِ عُرْفٌ، وهو الإطْعامُ في الكَفّاراتِ، فجاز إطْلاقُه، كنَقْدِ البَلَدِ. ونَخُصُّ أبا حَنِيفةَ بأنَّ ما جاز عِوَضًا في الرَّضاعِ، جاز في الخِدْمَةِ، كالأثْمانِ. إذا ثَبَت هذا، وتَشاحّا في مِقْدارِ الطعامِ والكُسْوةِ، رَجَع في القُوتِ إلى الإطْعامِ في الكَفّارَةِ، وفي الكُسْوَةِ (3) إلى أقَل مَلْبُوسِ مثلِه؛ لأنَّ الإِطْلاقَ (4) يُجْزِء فيه أقَلُّ ما يَتَناوَلُه اللَّفْظُ، كالوَصِيَّةِ. ويَحْتَمِلُ أن يُحْمَلَ على المَلْبُوسِ في الكَفّارَةِ، كالمَطْعُومِ. قال أحمدُ: إذا تَشاحّا في الطَّعامِ حُكِم بمُدٍّ كُلَّ يَوْمٍ. ذَهَب به إلى ظاهِرِ ما أمَرَ الله تعالى مِن إطْعامِ
(1) أي للنوبة من الركوب.
(2)
أخرجه ابن ماجه، في: باب إجارة الأجير على طعام بطنه، من كتاب الرهون. سنن ابن ماجه 2/ 817. في الزوائد: إسناده صحيح.
(3)
في م: «الملبوس» .
(4)
بعده في م: «فيه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المَساكِينِ، ففَسَّرَتْ ذلك السُّنَّةُ بأَنه مُدٌّ لكُلِّ مِسْكِين. ولأنَّ الإِطْعامَ مُطْلَقٌ في المَوْضِعَين، فما فُسِّرَ به أحَدُهما يُفَسَّرُ به الآخَرُ. وليس له إطْعامُ الأجِيرِ إلَّا ما يُوافِقُه مِن الأغْذِيةِ؛ لأنَّ عليه ضَرَرًا، ولا يُمْكِنُه اسْتِيفاءُ الواجِبِ له منه.
فصل: فإن شَرَط الأجِيرُ كُسْوَةً ونَفَقَةً مَعْلُومة مَوْصُوفَةً، كصِفَتِها في السَّلَمِ، جاز عندَ الجميعِ، وإن لم يَشْرُطْ طَعامًا ولا كُسْوَةً، فنَفَقَتُه وكُسْوَتُه على نَفْسِه، وكذلك الظِّئرُ. قال ابنُ المُنْذِرِ: لا أعْلَمُ عن أحَدٍ خِلافًا فيما ذَكَرْتُ. وإن شَرَط للأجِيرِ طَعامَ غيرِه وكُسْوَتَه مَوْصُوفًا، جاز؛ لأنَّه مَعْلُومٌ، فهو كما لو شَرَط دَراهِمَ مَعْلُومَةً، ويَكُونُ ذلك للأجِيرِ، إن شاء أطْعَمَه، وإن شاء تَرَكَه. وإن لم يَكُنْ مَوْصُوفًا، لم يَجُزْ؛ لأنَّ ذلك مَجْهُولٌ، احْتَمَلَ فيما إذا شَرَطَه للأجِيرِ للحاجةِ إليه وجَرْيِ العادَةِ به، فلا يَلْزَمُ احْتِمالُها مع عَدَمِ ذلك. ولو اسْتَأجَرَ دابَّةً بعَلَفِها، أو بأجْرٍ مُسَمَّى وعَلَفِها، لم يَجُزْ؛ لأنَّه مَجْهُولٌ، ولا عُرْفَ له يَرْجِعُ إليه، ولا نَعْلَمُ أحدًا قال بجَوازِه، إلَّا أن يَشْتَرِطَه مَوْصُوفًا، فيَجُوزُ.
فصل: فإنِ اسْتَغْنَى الأجِيرُ عن طَعامِ المُسْتَأجِرِ بطَعامِ نَفْسِه أو غيرِه، أو عَجَز عن الأكْلِ لمَرَضٍ أو غيرِه، لم تَسْقُطْ نَفَقتُه، وكان له المُطالبَةُ بها؛ لأنَّها عِوَضٌ، فلا تَسْقُطُ بالغِنَى عنه، كالدَّراهِمِ. وإنِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
احْتاجَ إلى دَواءٍ لمَرَضِه، لم يَلْزَمِ المُسْتَأجِرَ؛ لأنَّه لم يَشْرُطْ له إلَّا طَعامَ الأصِحّاءِ، لكنْ يَلْزَمُه بقَدْرِ طَعام الصَّحِيحِ؛ لأنَّ ما زاد على ذلك لم يَقَعِ العَقْدُ عليه، فلم يَلْزَمْ، كالزَّائِدِ في القَدْرِ.
فصل: فإن قَبَضَ الأجيرُ طَعامَه، فأحَبَّ أن يَسْتَفْضِلَ بعضَه لنَفْسِه، وكان المُؤجِرُ دَفَع إليه أكْثَرَ مِن الواجِبِ له ليَأكُلَ منه قَدْرَ حاجَتِه ويُفْضِلَ الباقيَ، أو كان في تَرْكِه لأكْلِه كُلِّه ضَرَرٌ على المُؤْجِرِ، بأن يَضْعُفَ عن العَمَلِ، أو يَقِلَّ لَبَنُ (1) الظِّئْرِ، مُنِع منه؛ لأنَّه في الصُّورَةِ الأولَى لم يُمَلِّكْه، وإنَّما أباحَه قَدْرَ حاجَتِه. وفي الثانيةِ على المُؤْجِرِ ضَرَرٌ بتَفويتِ بعضِ مَنْفَعَتِه عليه، فمُنِع منه، كالجَمّالِ إذا امْتَنَعَ مِن عَلْفِ الجِمالِ. وإن دَفَع إليه قَدْرَ الواجِبِ فَقَط أو أكثرَ منه، فمَلَّكَه إيّاه، ولم يكنْ في تَفْضِيله لبعضِه ضَرَرٌ بالمُؤْجِرِ، جاز؛ لأنَّه [حَقٌّ لا ضَرَرَ](2) فيه على المُؤْجِرِ، أشْبَهَ الدَّراهِمَ.
(1) في م: «لأن» .
(2)
في م: «ضرر لاحق» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن قَدَّمَ إليه طَعامًا فنُهِبَ أو تَلِف قبلَ أكْلِه، وكان على مائِدةٍ لا يَخُصُّه فيها بطَعامِه، فهو مِن ضَمانِ المُسْتَأجِرِ؛ لكَوْنِه لم يُسَلِّمْه إليه. وإن خَصَّه بذلك وسَلَّمَه إليه، فهو مِن [ضَمانِ الأجِيرِ](1)؛ لأنَّه تَسَلَّمَ عِوَضَه على وَجْهِ التَّمليكِ، أشْبَهَ البَيعَ.
فصل: قال أحمدُ في رِوايةِ مُهَنّا: لا بَأسَ أن يَحْصُدَ الزَّرْعَ، ويَصْرِمَ النَّخْلَ، بسُدْسِ ما يَخرُجُ منه، وهو أحَبُّ إليَّ مِن المُقاطَعَةِ. إنَّما جاز هاهُنا؛ لأنَّه مَعْلُومٌ بالمُشاهَدَةِ، وهي أعْلَى طُرُقِ العِلْمِ، ومَن عَلِم شيئًا عَلِم جُزْءَه المُشاعَ، فيكونُ أجْرًا مَعْلُومًا. واختارَه على المُقاطَعَةِ معَ جَوازِها (2)؛ لأنَّه رُبَّما لم (3) يَخْرُجْ مِن الزَّرْعِ مثلُ الذي قاطَعَ عليه، وهاهُنا هو أقَلُّ منه يَقِينًا.
فصل: يَجُوزُ اسْتِئْجارُ الظِّئْرِ بطَعامِها وكُسْوَتِها، وفيه خِلافٌ ذَكَرْناه. وقد أجْمَعَ أهْلُ العِلْمِ على اسْتِئْجارِ الظِّئْرِ، وهي المُرْضعَةُ؛ لقولِ اللهِ تعالى:{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (4). واسْتَرْضَعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لوَلَدِه إبراهيمَ (5). ولأنَّ الحاجَةَ تَدْعُو إليه أكْثَرَ مِن الحاجَةِ إلى غيرِه، فإنَّ الطِّفْلَ في العادَةِ إنَّما يَعِيشُ بالرَّضاعِ، وقد يَتَعَذَّرُ
(1) في م: «مال الأجير» ، وفي الأصل:«ضمان الأجير لأجير» .
(2)
في م: «وجودها» .
(3)
سقط من: م.
(4)
سورة الطلاق 6.
(5)
أخرجه مسلم، في: باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال. . . .، من كتاب الفضائل. صحيح مسلم 4/ 1808.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رَضاعُه مِن أُمِّه، فجاز ذلك، كالإجارَةِ في سائرِ المَنافِعِ. فإنِ اسْتَأجَرَها للرَّضاعِ دُونَ الحَضانَةِ، أو للحضانَةِ دُونَ الرَّضاعِ، أو لَهما، جازَ. وإن أطْلَقَ العَقْدَ على الرَّضاعِ، دَخَلَتْ فيه الحَضانةُ في أحدِ الوَجْهَينِ. وهو قولُ أصْحابِ الرَّأي؛ لأنَّ العُرْفَ جارٍ بأنَّ المُرْضِعَةَ تَحْضُنُ الصَّبِيَّ، فَحُمِلَ (1) الإطْلاقُ عليه. والثاني، لا تَدْخُلُ. وهو قولُ أبي ثَوْرٍ، وابنِ المُنْذِرِ؛ لأنَّ العَقْدَ ما تَناوَلَها. ولأصْحابِ الشافعيِّ كهذين الوَجْهَينِ. والحَضانَةُ: تَرْبِيةُ الصَّبِيِّ وحِفْظُه وجَعْلُه في سَرِيرِه، ورَبْطُه، ودَهْنُه، وكَحْلُه، وتَنْظِيفُه، وغَسْلُ خِرَقِه، وأشْباهُ ذلك. واشْتِقاقُه مِن الحِضْنِ، وهو ما تحتَ الإِبطِ وما يَلِيه. وسُمِّيَتِ التَّرْبِيةُ حَضانةً تَجَوُّزًا مِن حَضانَةِ الطَّيرِ لبَيضِه وفِراخِه؛ لأنَّه يَجْعَلُها تحتَ جَناحِه، فَسُمِّيَتْ تَرْبِيةُ الصَّبِيِّ بذلك أخْذًا مِن فِعْلِ الطّائِرِ.
فصل: ولهذا العَقْدِ أرْبَعةُ شُرُوطٍ؛ أحَدُها، العِلْمُ بمُدَّةِ الرَّضاعَةِ؛ لأنَّه لا يُمْكِنُ تَقْدِيرُه إلَّا بِها؛ لأنَّ السَّقْيَ والعَمَلَ فيها يَخْتَلِفُ. الثاني، مَعْرِفةُ الصَّبِيِّ بالمُشاهَدَةِ؟ لأنَّ الرَّضاعَ يَخْتَلِفُ بكِبَرِ الصَّبِيِّ وصِغَرِه، ونَهْمَتِه وقَناعَتِه. وقال القاضي: يُعْرَفُ بالصِّفَةِ، كالرَّاكِبِ. الثالثُ، مَوْضِعُ الرَّضاعِ؛ لأنَّه يَخْتَلِفُ، فيَشُقُّ عليها في بَيته، ويَسْهُلُ في بَيتها. الرابعُ، مَعْرِفة العِوَضِ؛ لِما ذَكَرْنا.
(1) بعده في الأصل: «على» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: والمَعْقُودُ عليه في الرَّضاعِ خِدْمَةُ الصَبِيِّ وحَمْلُه ووَضْعُ الثَّدْيِ في فِيه، واللَّبَنُ تَبَعٌ، كالصِّبْغِ في إجارَةِ الصَّبّاغِ، وماءِ البِئْرِ في الدّارِ؛ لأنَّ اللَّبَنَ عَينٌ، فلا يُعْقَدُ عليه في الإِجارَةِ، كلَبَنِ غيرِ الآدَمِيِّ. وقِيلَ: هو اللَّبَنُ. قال القاضي: وهو أشْبَهُ؛ لأنَّه المَقْصُودُ دُونَ الخِدْمَةِ، ولهذا لو أرْضَعَتْه ولم تَخْدُمْه، اسْتَحَقَّتِ الأجْرَةَ، ولو خَدَمَتْه ولم تُرْضِعْه، لم تَسْتَحِقَّ شيئًا، ولأنَّ اللهَ تعالى قال:{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} . فجَعَلَ الأجْرَ مُرَتَّبًا على الإِرْضاعِ، فيَدُلُّ على أنَّه المَعْقُودُ عليه. ولأنَّ العَقْدَ لو كان على الخِدْمةِ، لَما لَزِمها سَقْيُه لَبَنَها، وإنَّما جازَ العَقْدُ عليه مع كَوْنِه عَينًا رُخْصَةً؛ لأنَّ غيرَه لا يَقُومُ مَقَامَه، والضَّرُورَةُ تَدْعُو إلى اسْتِيفائِه. وإنَّما جازَ في الآدَمِيِّينَ دُونَ سائِرِ الحَيَوانِ؛ للضَّرُورَةِ إلى حِفْظِ الآدَمِيِّ، والحاجةِ إلى إبْقائِه.
فصل: وعلى المُرْضِعَةِ أن تَأكُلَ وتَشْرَبَ ما يُدِرُّ لَبَنَها، ويَصْلُحُ به، وللمُكْتَرِي مُطالبَتُها بذلك؛ لأنَّه مِن تَمامِ التَّمْكِينِ مِن الرَّضاعِ، وفي تَرْكِه إضْرارٌ بالصَّبِيِّ. فإن لم تُرْضِعْه، لكِنْ سَقَتْه لَبَنَ الغَنَمِ، أو أطْعَمَتْه، فلا أجْرَ لها؛ لأنَّها لم تُوَفِّ المَعْقُودَ عليه، أشْبَهَ ما لو اسْتَأجَرَها لخِياطَةِ ثَوْبٍ، فلم تَخِطْه. وإن دَفَعَتْه إلى خادِمِها فأرْضَعَتْه، فكذلك. وبه قال أبو ثَوْرٍ. وقال أصحابُ الرَّأي (1): لها أجْرُها؛ لأنَّ رَضاعَه حَصَل بفِعْلِها. ولَنا، أنَّها لم تُرْضِعْه، أشْبَهَ ما لو سَقَتْه لَبَنَ الغَنَمِ، فإن قالت:
(1) سقط من: م.