الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَجُوزُ بَيعُ الْعَينِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَلَا تَنْفَسِخُ الإجَارَةُ، إلَّا أَنْ
ــ
2211 - مسألة: (ويجوزُ بَيعُ العَينِ المُسْتَأْجَرةِ، ولا تَنْفَسِخُ
يَشْتَرِيَهَا الْمُسْتَأْجِرُ، فَتُفْسَخُ، عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَينِ.
ــ
الإجارَةُ، إلَّا أن يَشْتَرِيَها المُسْتَأْجرُ، فتَنْفَسخُ، في إحْدَى الرِّوايَتَينِ) يَصِحُّ بَيعُ العَينِ المُسْتَأْجَرَةِ. نَصَّ عليه أحمدُ. سواءٌ باعَها للمُسْتَأْجِرِ أو لغيرِه. وهو أحَدُ قَوْلَي الشافعيِّ. وقال في الآخَرِ: إن باعَها لغيرِ المُسْتَأْجِرِ لم يَصِحَّ؛ لأنَّ يَدَ المُسْتَأْجِرِ تَمْنَعُ التَّسْلِيمَ إلى المُشْتَرِي، فمَنَعَتِ الصِّحَّةَ، كما في بَيعِ المَغْصُوبِ. ولَنا، أنَّ الإِجارَةَ عَقْدٌ على المَنافِعِ، فلم تَمْنعِ الصِّحَّةَ، كَبَيعِ الأمَةِ إذا زَوَّجَها. وقولُهم: يَدُ المُسْتأْجِرِ تَمْنَعُ التَّسْلِيمَ. لا يَصِحُّ؛ لأنَّ يَدَ المُسْتَأْجرِ إنَّما هي على المَنافِعِ، والبَيعُ على الرَّقَبَةِ، فلا يَمْنَعُ ثُبُوتُ اليَدِ على أَحَدِهما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تَسْلِيمَ الآخَرِ، كما لو باعَ الأمَةَ المُزَوَّجَةَ، ولأنَّها مَنَعَتِ التَّسْلِيمَ في الحالِ، فلا تَمْنَعُ في الوَقْتِ الذي يَجِبُ التَّسْلِيمُ فيه، وهو عندَ انْقِضاء الإِجارَةِ، ويَكْفِي القُدْرَةُ على التَّسْلِيمِ حينئذٍ، كالمُسْلَمِ فيه. وقال أَبو حنيفةَ: البَيعُ (1) مَوْقوفٌ على إجازَةِ المُسْتَأْجِرِ، فإن أجازَه، جازَ، وبَطَلَتِ الإِجارَةُ، وإن رَدَّه، بَطَل. ولَنا، أنَّ البَيعَ على غيرِ المَعْقُودِ عليه في الإِجارَةِ، فلم تُعْتَبرْ إجازَتُه، كَبَيعِ الأمَةِ المُزَوَّجةِ. إذا ثَبَت هذا، فإنَّ المُشْتَرِيَ يَمْلِكُ المَبِيعَ مَسْلُوبَ المَنْفَعَةِ إلى حينِ انْقِضاءِ الإِجارَةِ، ولا يَسْتَحِقُّ تَسْلِيمَ العَينِ إلَّا حِينئذٍ؛ لأنَّ تَسْلِيمَ العَينِ إنَّما يُرادُ لاسْتِيفاءِ نَفْعِها، وإنَّما يَسْتَحِقُّ نَفْعَها إذا انْقَضَتِ الإِجارَةُ، فهو كمَن اشْتَرَى عَينًا في مكانٍ بَعِيدٍ، لا يَسْتَحِقُّ تَسْلِيمَها إلَّا بعدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ يُمْكِنُ إحْضارُها فيه. وكالمُسْلَمِ إلى وَقْتٍ لا يَسْتَحِقُّ تَسْليِمَ المُسْلَمِ فيه إلَّا في وَقْتِه، فإن لم يَعْلَمِ المُشْتَرِي بالإِجارَةِ، فله الخِيارُ بينَ الفَسْخِ وإمْضاءِ البَيعِ بكلِّ الثَّمَنِ؛ لأنَّ ذلك عَيبٌ و (2) نَقْصٌ.
(1) في الأصل: «هو» .
(2)
في الأصل: «أو» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ويَصِحُّ بَيعُها للمُسْتَأْجِرِ؛ لأنَّه إذا صَحَّ بَيعُها لغيرِه، فله أوْلَى؛ لأنَّ العَينَ في يَدِه. وهل تَبْطُلُ الإِجارَةُ؟ فيه وَجْهانِ؛ أحَدُهما، لا تَبْطُلُ؛ لأنَّه مَلَك المَنْفَعَةَ، ثم مَلَك الرَّقَبَةَ المَسْلُوبَةَ بعَقْدٍ آخَرَ، فلم يَتَنافَيا، كما يَمْلِكُ الثَّمَرةَ بعَقْدٍ ثم يَمْلِكُ الأصْلَ بعَقْدٍ آخَرَ. ولو أجَرَ المُوصَى له بالمَنْفَعَةِ مالِكَ الرَّقَبةِ، صَحَّتِ الإِجارَةُ، فدَلَّ على أنَّ مِلْكَ المَنْفَعةِ لا يُنافِي العَقْدَ على الرَّقَبةِ. وكذلك (1) لو اسْتَأْجَرَ المالِكُ العَينَ المُسْتَأْجَرَةَ مِن مُسْتَأْجِرِها، جازَ. فعلى هذا، يكونُ الأجْرُ باقِيًا على المُشْتَرِي، وعليه
(1) في تش، م:«ولذلك» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الثَّمَنُ، ويَجْتَمِعانِ للبائِعِ، كما لو كان المُشْتَرِي غيرَه. والثاني، تَبْطُلُ الإجارَةُ فيما بَقِيَ مِن المُدَّةِ؛ لأنَّه عَقَدَ على مَنْفَعَةِ العَينِ، فبَطَلَ بمِلْكِ العاقِدِ الرَّقَبَةَ، كما لو تَزَوَّجَ أمَةً ثم اشْتَراها، بَطَل نِكاحُه، ولأنَّ مِلكَ الرَّقَبةِ يَمْنَعُ ابْتِداءَ الإِجارَةِ، فمَنَعَ اسْتِدامَتَها، كالنِّكاحِ. فعلى هذا، يَسْقُطُ عن المُشْتَرِي الأجْرُ فيما بَقِيَ مِن مُدَّةِ الإِجارَةِ، كما لو بَطَلَتِ الإِجارَةُ بتَلَفِ العَينِ. وإن كان المُؤْجِرُ قد قَبَض الأجْرَ كُلَّه، حَسَبَه عليه مِن الثَّمَنِ إن كان مِن جِنْسِ الثَّمَنِ.
فصل: [وإن وَرِثَ](1) المُسْتَأْجِرُ العَينَ المُسْتَأْجَرَةَ، فالحُكْمُ فيه كما لو اشْتَراها، في بُطْلانِ الإِجارَةِ وبَقائِها. فلو اسْتَأْجَرَ إنْسانٌ مِن أبِيه دارًا، ثم مات الأبُ وخَلَفَ ابْنَينِ، أحَدُهما المُسْتَأْجِرُ، فالدّارُ بينهما نِصْفَينِ، والمُسْتَأْجِرُ أحَقُّ بمَنْفَعَتِها؛ لأنَّ النِّصْفَ الذي لأخِيه الإِجارَةُ باقِيَةٌ فيه، والنِّصْفَ الذي وَرِثَه يَسْتَحِقُّه، إمّا بحُكْمِ المِلْكِ أو بحُكْمِ الإِجارَةِ، وما عليه مِن الأُجْرةِ بينهما نِصْفَينِ. فإن كان أبُوه قد
(1) في م: «فإن رد» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قَبَض الأجْرَ، لم يَرْجِعْ على أخِيه بشيء منه، ولا على تَرِكَةِ أبِيه، ويكونُ ما خَلَفَه أبُوه بينهما نِصْفَينِ؛ لأنَّه لو رَجَع بشيءٍ أفْضَى إلى أن يكونَ قد وَرِثَ النِّصْفَ بمَنْفَعَتِه، وَوَرِثَ أخُوه نِصْفًا مَسْلُوبَ المَنْفَعَةِ، واللهُ سُبْحانَه قد سَوَّى بينَهُما في المِيراثِ. ولأنَّه لو رَجَع بنِصْفِ أجْرِ النِّصْفِ الذي انْتَقَضتِ الإِجارَةُ فيه، لوَجَبَ أن يَرْجِعَ أخُوه بنِصْفِ المَنْفَعَةِ التي بَطَلَتِ الإِجارَةُ فيها، إذ لا يُمْكِنُ أن يُجْمَعَ له بينَ المَنْفَعَةِ وأخْذِ عِوَضِها مِن غيرِه.
فصل: فإنِ اشْتَرَى المُسْتَأْجِرُ العَينَ، فوَجَدَها مَعِيبةً، فرَدَّها، فإن قُلْنا: لا تَنْفَسِخُ الإِجارَةُ بالبَيعِ. فهي باقيةٌ بعدَ رَدِّ العَينِ كما كانتْ قبلَ البَيعِ. وإن قُلْنا: قد انْفَسَخَتْ. فالحُكْمُ فيها كما لو انْفَسَخَتْ بتَلَفِ العَينِ. فإن كان المُشْتَرَى أجْنَبيًّا، فرَدَّ المُسْتَأْجِرُ الإِجارَةَ لِعَيبٍ، فيَنْبَغِي أن تَعُودَ المَنْفَعَةُ إلى البائِعِ؛ لأَنَّه يَسْتَحِقُّ عِوَضَها على المُسْتَأجِرِ، وإذا سَقَط العِوَضُ، عاد إليه المُعَوَّضُ. ولأنَّ المُشْتَرِيَ مَلَك العَينَ مَسْلُوبةَ المَنْفَعةِ مُدَّةَ الإجارَةِ، فلا يَرْجِعُ إليه، ما لم يَمْلِكْهُ. وقال بعضُ أصحابِ الشافعيِّ: يَرْجِعُ إلى المُشْتَرِي؛ لأنَّ المَنْفَعَةَ تابِعَةٌ للرَّقَبةِ، وإنَّما اسْتُحِقَّتْ بعَقْدِ الإِجارَةِ، فإذا زالتْ، عادَتْ إليه، كما لو اشْتَرَى أمَةً مُزَوَّجةً فطَلَّقَها
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الزَّوْجُ. قال شيخُنا (1): ولا يَصِحُّ هذا القِياسُ؛ لأنَّ مَنْفَعَةَ البُضْعِ قد اسْتَقَرَّ عِوَضُها للبائِعِ بمُجَرَّدِ دُخُولِ الزَّوْجِ بها، ولا يَنْقَسِمُ العِوَضُ على المُدَّةِ، ولهذا لا يَرْجِعُ الزَّوجُ بشيءٍ مِن الصَّداقِ فيما إذا انْفَسَخَ النِّكاحُ أو وَقَع الطلاقُ، بخِلافِ الأجْرِ في الإِجارَةِ، فإنَّ المُؤْجِرَ يَسْتَحِقُّ الأجْرَ في مُقابَلَةِ المَنْفَعَةِ مَقْسُومًا على مُدَّتِها، فإذا كان له عِوَضُ المَنْفَعَةِ المُسْتَقْبَلَةِ. فزال بالفَسْخِ، رَجَع إليه مُعَوِّضُها، وهو المَنْفَعَةُ. ولأنَّ مَنْفَعةَ البُضْعِ لا يجوزُ أن تُمْلَكَ بغيرِ مِلْكِ الرَّقَبةِ أو النِّكاحِ، فلو رَجَعَتْ إلى البائعِ، لمُلِكَتْ بغيرِهما. ولأنَّها ممّا لا يجوزُ للزَّوْجِ نَقْلُها إلى غيرِه ولا المُعاوَضَةُ عنها، ومَنْفَعةُ البَدَنِ بخِلافِها.
فصل: وإذا وقَعَتِ الإِجارَةُ على عَين، كمَن اسْتَأْجَرَ عَبْدًا للخِدْمَةِ، أو للرَّعْي، فتَلِفَ، انْفَسَخَ العَقْدُ، وقد ذَكَرْناه. وإن خَرجَتِ العَينُ مُسْتَحَقَّةً، تَبَينا أنَّ العَقْدَ باطِلٌ. وإن وَجَد بها عَيبًا فرَدَّها، انْفَسَخَ العَقْدُ أيضًا، ولم يَمْلِكْ إبْدالها؛ لأنَّ العَقْدَ على مُعَيَّن، فتَثْبُتُ هذه الأحكامُ، [كما لو](2) اشْتَرَى عَينًا. وإن وَقَعَتْ على عَين مَوْصُوفةٍ في
(1) في: المغني 8/ 50.
(2)
في ر 1، م:«كمن» .
فَصْلٌ: وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأجِيرِ الْخَاصِّ، وَهُوَ الَّذِي يُسَلِّمُ
ــ
الذِّمَّةِ، انْعَكَسَتْ هذه الأحْكامُ، فمتى (1) سَلَّمَ إليه عَينًا فتَلِفَتْ، أو خَرَجَتْ مَغْصُوبةً، أو وَجَد بها عَيبًا، فرَدَّها، لم تَنْفَسِخِ الإِجارَةُ، ولَزِمَ المُؤْجِرَ إبْدالُها، لأنَّ المَعْقُودَ عليه غيرُ هذه العَينِ، وهذه بَدَلٌ عنه، فلم يُؤَثِّرْ ذلك في إبْطالِ العَقْدِ، كما لو اشْتَرَى بثَمَنٍ في الذِّمَّةِ، على ما قُرِّرَ في مَوْضِعِه. فإن قِيلَ: فقد قُلْتُمْ في مَن اكْتَرَى جَمَلًا لِيَرْكَبَه، جازَ أن يَرْكَبَه مَن هو مِثْلُه. ولو اكْتَرَى أرْضًا لِزَرْعِ شيءٍ بعَينِه، جازَ له زَرْعُ ما هو مِثْلُه أو دُونَه في الضَّرَرِ. فِلم قُلْتُم: إذا اكْتَرَى جَمَلًا بعَينه لا يجوزُ أن يُبْدِلَه؟ قلنا: المَعْقُودُ عليه مَنْفَعَةُ العَينِ، فلم يَجُزْ أن يَدْفَعَ إليه غيزَ المَعْقُودِ عليه، كما لو اشْتَرَى عينًا، لا يَجُوزُ أن يَأْخُذَ غيرَها، والراكِبُ غيرُ مَعْقُودٍ عليه، إنَّما هو مُسْتَوْفٍ لِلْمَنْفَعةِ، وإنَّما يُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُه لِتُقَدَّرَ به المَنْفَعَةُ، لا لِكَوْنِه مَعْقُودًا عليه. وكذلك الزَّرْعُ في الأرْضِ، فإنَّما يُعَيَّنُ لِيُعْرَفَ به قَدْرُ المَنْفَعَةِ المُسْتَوْفاةِ، فيَجُوزُ الاسْتِيفاءُ بغَيرِها، كما لو وَكَّلَ المُشْتَرِي غيرَه في اسْتِيفاءِ المَبيعِ، ألا تَرَى أنَّه لو تَلِفَ البَعِيرُ أو الأرْضُ انْفَسَخَتِ الإِجارَةُ، ولو ماتَ الرّاكِبُ أو تَلِفَ البَذْرُ لم تَنْفَسِخْ، وجازَ أن يَقُومَ غيرُه مَقامَه، فافتَرَقا.
فصل: قال الشيخُ، رضي الله عنه: (ولا ضَمانَ على الأجيرِ
(1) في م: «فمن» .
نَفْسَهُ إِلَى الْمُسْتَأْجِرِ فِيمَا يَتْلَفُ فِي يَدِهِ، إلَّا أنْ يَتَعَدَّى.
ــ
الخاصِّ، وهو الذي يُسَلِّمُ نَفْسَه إلى المُسْتَأْجِرِ فيما تَلِفَ في يَدِه) [بغيرِ تَفْرِيطٍ](1)(إلَّا أن يَتَعَدَّى) وجُملةُ ذلك، أنَّ الأجِيرَ على ضَرْبَينِ؛ خاصٌّ، ومُشْتَرَكٌ. فالخاصُّ: الذي يَقَعُ العَقْدُ عليه في مُدَّةٍ مَعْلُومةٍ، يَسْتَحِقُّ المُسْتَأْجِرُ نَفْعَه في جَمِيعِها، كمَن اسْتُؤْجِرَ لخِدْمةٍ، أو خِياطَةٍ، أو رِعايةٍ، شَهْرًا أو سَنَةً، سُمِّيَ خاصًّا؛ لأنَّ المُسْتَأْجِرَ يَخْتَصُّ بنَفْعِه في تلك المُدَّةِ دُونَ سائِرِ الناسِ. والمُشْتَرَكُ: الذي يَقَعُ العَقْدُ معه على عَمَل مُعَيَّنٍ، كخِياطةِ ثَوْبٍ، أو بِناءِ حائِطٍ، وحَمْلِ شيءٍ إلى مكانٍ مُعَيَّنٍ، أو على عَمَلٍ في مُدَّةٍ لا يَسْتَحِق جَمِيعَ نَفْعِه فيها، كالكَحّالِ والطَّبِيبِ، سُمِّيَ مُشْتَرَكًا؛ لأنَّه يَتَقَبَّلُ أعمالًا لاثْنَينِ وأكْثَرَ في وَقْتٍ واحدٍ، ويَعْمَلُ لهم، فيَشْتَرِكونَ في مَنْفَعَتِه، فسُمِّى مُشْتَرَكًا؛ لاشْتراكِهم في مَنْفَعَتِه. فأمّا الأجِيرُ الخاصُّ، فلا ضَمانَ عليه ما لم يَتَعَدَّ. قال أحمدُ في رِوايةِ مُهَنّا
(1) سقط من: م، تش، ر 1.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في رَجُلٍ أمَرَ غُلامَه يَكِيلُ لرَجُلٍ بَزْرًا، فسَقَطَ الرَّطْلُ مِن يَدِه فانْكَسَرَ: لا ضَمان عليه. فَقِيلَ: ألَيسَ هو بمَنزِلَةِ القَصّارِ؟ قال: لا، القَصّارُ مُشْتَرَكٌ. قيلَ: فرَجُلٌ اكْتَرَى رَجُلًا يَسْتَقِي ماءً فكَسَرَ الجَرَّةَ؛ فقال: لا ضَمانَ عليه. قيلَ له: فإنِ اكْتَرَى رَجُلًا يَحْرُثُ له على بَقَرةٍ، فكَسَرَ الذي يَحْرُثُ به؟ قال: فلا ضَمانَ عليه. وهذا مَذْهَبُ مالكٍ، وأبي حنيفةَ، وأصحابِه، وظاهِرُ مَذْهَبِ الشافعيِّ. وله قولٌ آخَرُ، أنَّ جَمِيعَ الأجَراءِ يَضْمَنُونَ، ورَوَى في مُسْنَدِه (1) أنَّ عَلِيًّا كان يُضَمِّنُ الأُجَراءَ، ويقولُ: لا يُصْلِحُ الناسَ إلَّا هذا. ولَنا، أنَّ عَمَلَه غيرُ مَضْمُونٍ عليه، فلم يَضْمَنْ ما تَلِفَ به، كالقِصاصِ، وقَطْعِ يَدِ السّارِقِ. وخَبَرُ
(1) لم نجده في مسند الشافعي، وأخرجه البيهقي، في: باب ما جاء في تضمين الأجراء، من كتاب الإجارة. السنن الكبرى 6/ 122.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عَلِيٍّ مُرْسَلٌ، والصَّحِيحُ فيه أنَّه كان يُضَمِّنُ الصَّبّاغَ والصَّوَاغَ، وإن رُوِيَ مُطْلَقًا حُمِلَ على هذا، فإنَّ المُطْلَقَ يُحْمَلُ على المُقَيَّدِ. ولأنَّ الأجِيرَ الخاصَّ نائِبٌ عن المالِكِ في صَرْفِ مَنافِعِه إلى ما أمَرَه به، فلم يَضْمَنْ مِن غيرِ تَعَدٍّ، كالوَكِيلِ والمُضارِبِ. فأمّا ما تَلِفَ بتَعَدِّيه، فعليه ضَمانه، مثلَ الخَبّازِ الذي يُسْرِفُ في الوَقُودِ، أو يَلْزَقُه قبلَ وَقْتِه، أو يَتْرُكُه بعدَ وَقتِه حتى يَحْتَرِقَ؛ لأَنه تَلِفَ بتَعَدِّيه، فضَمِنَ، كغيرِ الأجِيرِ.
فصل: وإنِ اسْتَأْجَرَ الأجِيرُ المُشْتَرَكُ أجِيرًا خاصًّا، كالخَيّاطِ في دُكّانٍ