الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ قَال: مَا زَرَعْتَ مِنْ شَعِيرٍ فَلِيَ رُبْعُهُ، وَمَا زَرَعْتَ مِنْ حِنْطَةٍ فَلِيَ نِصْفُهُ. أَوْ: سَاقَيتُكَ هَذَا الْبُسْتَانَ بِالنِّصْفِ، عَلَى أَنْ أُسَاقِيَكَ الْآخَرَ بِالرُّبْعِ. لَمْ يَصِحَّ، وَجْهًا وَاحِدًا.
ــ
2131 - مسألة: (وَإنْ قَال: مَا زَرَعْتَ مِنْ شَعِيرٍ فَلِيَ رُبْعُهُ، وَمَا زَرَعْتَ مِنْ حِنْطَةٍ فَلِيَ نِصْفُهُ)
لم يَصِحَّ؛ لأنَّ ما يَزْرَعُه مِن كلِّ واحدٍ منهما مَجْهُولُ القَدْرِ، فهو كما لو شَرَط له في المُساقاةِ ثُلُثَ هذا النَّوْعِ ونِصْفَ النَّوْعِ الآخَرِ، وهو جاهِلٌ بما فيه منهما.
2132 - مسألة: ولو قال: (ساقَيتُك هذا البُسْتانَ بالنِّصْفِ، على أن أُساقِيَك الآخَرَ بالرُّبْعِ. لم يَصِحَّ، وَجْهًا واحِدًا)
لأنَّه يَشْرُطُ عَقْدًا في عَقْدٍ، فصار في مَعْنَى قَوْلِه: بِعْتُك هذا على أن تَبِيعَني هذا، أو (1) تَشْتَرِيَ مِنِّي هذا. وإنَّما فَسَد لمَعْنَيَين؛ أحدُهما، أنَّه شَرَط في العَقْدِ عَقْدًا آخَرَ، والنَّفْعُ الحاصِلُ بذلك مَجْهُولٌ، فكأنَّه شَرَط العِوَضَ في مُقابَلَةِ
(1) في م: «و» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مَعْلُومٍ ومَجْهُولٍ. الثاني، أنَّ العَقْدَ الآخَرَ لا يَلْزَمُ بالشُّرْطِ، فيَسْقُطُ الشَّرْطُ، وإذا سَقَط وَجَب رَدُّ الجُزْءِ الَّذي تَرَكَه مِن العِوَضِ لأجْلِه، وذلك مَجْهُولٌ، فيَصِيرُ الكُلُّ مَجْهُولًا.
فصل: ولو قال: لك الخُمْسانِ إن كانت عليك خَسارَةٌ، وإن لم يَكُنْ عليك خَسارَةٌ فلَكَ الرُّبْعُ. لم يَصِحَّ، نَصَّ عليه أحمدُ، وقال: هذا شَرْطانِ في شَرْطٍ. وكَرِهَه. قال شيخُنا (1): ويُخَرَّجُ فيها مِثْلُ ما إذا شَرَط إن سَقَى سَيْحًا فله الرُّبْعُ، وإن سَقَى بكُلْفَةٍ فله النِّصْفُ.
فصل: وإن ساقَى أحَدُ الشَّرِيكَينِ شَرِيكَه، وجَعَل له مِن الثَّمرِ أَكْثَرَ مِن نَصِيبه، مثلَ أن يكونَ الأصْلُ بينَهما نِصْفَين، فجَعَلَ له ثُلُثَي الثَّمَرَةِ، صَحَّ، وكان السُّدْسُ حِصَّتَه مِن المُساقاةِ، فصارَ كأنَّه قال: ساقَيتُكَ على نَصِيبي بالثُّلُثِ. وإن جَعَلَ الثَّمَرَةَ بينَهما نِصْفَين، أو جَعَل للعامِلِ الثُّلُثَ، فهي مُساقاةٌ فاسِدةٌ؛ لأنَّ العامِلَ يَسْتَحِقُّ نِصْفَها بمِلْكِه، فلم يَجْعَلْ له في مُقابَلَةِ عَمَلِه شَيئًا، وإذا شَرَط له الثُّلُثَ، فقد شَرَط أنَّ غيرَ العامِلِ يَأْخُذُ مِن نَصِيبِ العامِلِ ثُلُثَه ويَسْتَعْمِلُه بلا عِوَض، فلا يَصِحُّ. فإذا عَمِل في الشَّجَرِ بِناءً على هذا، كانتِ الثَّمَرَةُ بينَهما بحُكْمِ المِلْكِ، ولا يَسْتَحِقُّ العامِلُ بعَمَلِه شيئًا؛ لأنه تَبَرَّعَ به لرِضاه بالعَمَلِ بغيرِ عِوَضٍ، فأشْبَهَ ما لو قال له: أنا أعْمَلُ فيه بغيرِ شيءٍ. وذَكَرَ أصحابُنا وَجْهًا آخَرَ، أنَّه يَسْتَحِقُّ أجْرَ المِثْلِ؛ لأنَّ المُساقاةَ تَقْتَضِي عِوَضًا، فلم تَسْقُطْ برِضاه بإسْقاطِه،
(1) انظر المغني 7/ 536.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كالنِّكاحِ إذا لم يُسَلَّمْ له المُسَمَّى، يَجِبُ فيه مَهْرُ المِثْلِ. ولَنا، أنَّه عَمِلَ في مالِ غيرِه مُتَبَرعًا، فلم يَسْتَحِقَّ عِوَضًا، كما لو لم يَعْقِدِ المُساقاةَ. ويفارِق النِّكاحَ مِن وَجْهَين؛ أحَدُهما، أنَّ عَقْدَ النِّكاحِ صَحِيحٌ، فوَجَبَ به العِوَضُ لصِحَّتِه، وهذا فاسِدٌ لا يُوجِبُ شيئًا. والثاني، أن الأبْضاعَ لا تُسْتَباحُ بالبَذْلِ والإِباحَةِ، والعَمَلُ ههُنا يُسْتَباحُ بذلك. ولأنَّ المَهْرَ في النِّكاحِ لا يَخْلُو مِن أن يكونَ واجِبًا بالعَقْدِ، أو بالإِصابَةِ، أو بهما؛ فإن وَجَب بالعَقْدِ، لم يَصِحَّ قياسُ هذا عليهكما لوَجْهَين؛ أحدُهما، أنَّ النِّكاحَ صَحِيحٌ، وهذا فاسِدٌ. والثاني، أنَّ العَقْدَ ههُنا لو أوْجَبَ، وإن وْجَبَ قبلَ العَمَلِ، ولا خِلافَ أنَّ هذا لا يُوجِبُ قبلَ العَمَلِ شيئًا. وإن وَجَبَ بالإصابةِ، لم يَصِحَّ القِياسُ عليه أيضًا؛ لوَجْهَين؛ أحَدُهما، أنَّ الإِصابةَ لا تُسْتَباحُ بالإِباحةِ والبَذْلِ، بخِلافِ العَمَلِ. والثاني، أنَّ (1) الإصابَةَ لو خَلَتْ عن العَقْدِ لأوْجَبَتْ، وهذا بخِلافِه. وإن وَجَبَ بهما، امْتَنَعَ القِياسُ عليه أيضًا؛ لهذه الوُجُوهِ كلِّها. فأمَّا إن ساقَى أحَدُهُما شَرِيكَه على أن يَعْمَلَا معًا، فالمُساقاةُ فاسِدَةٌ، والثَّمَرَةُ بينَهما على قَدْرِ مِلْكَيهِما، ويَتَقاصّانِ العَمَلَ إن تَساوَيا فيه. وإن كان لأحَدِهما فَضْلٌ، نَظَرْتَ؛ فإن كان قد شُرِطَ له فَضْلٌ في مُقابلَةِ عَمَلِه، اسْتَحَقَّ ما فَضَلَ له مِن أجْرِ المِثْلِ، وإن لم يُشْرَطْ، فليس له شيءٌ إلَّا على الوَجْهِ الَّذي ذَكَرَه أصحابُنا، وتَكَلَّمْنا عليه. واللهُ أعلمُ.
(1) في م: «أنه» .