الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ قَال: أذِنْتَ لِي فِي تَفْصِيلهِ قَبَاءً. قَال: بَلْ قَمِيصًا. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْخَيَّاطِ. نَصَّ عَلَيهِ.
ــ
2220 - مسألة: (وإن قال: أذِنْتَ لي في تَفْصيلِه قَباءً. قال: بل قَمِيصًا. فالقولُ قولُ الخَيّاطِ. نَصَّ عليه)
إذا اخْتَلَفَ المُؤجِرُ والمُسْتأجَرُ فقال: أذِنْتَ لي في قَطْعِه قَمِيصَ امرأةٍ. قال: بل أذِنْتُ لك في قَطعِه قَمِيصَ رَجُل. أو قال: أذِنْتَ لي في قَطْعِه قَمِيصًا. قال: بل قَباءً. أو قال الصَّبّاغُ: أمَرتَنِي بصَبْغِه أخمَرَ. قال: بل أسْوَدَ. فالقولُ قولُ الخَيّاطِ والصَّبّاغِ. نَصَّ عليه أحمدُ، في رِوايةِ ابنِ مَنْصُور. وهذا قولُ ابنِ أبي لَيلَى. وقال مالكٌ، وأبو حنيفةَ، وأبو ثَوْرٍ: القولُ قولُ صاحِبِ الثَّوْبِ. واخْتَلَف أصحابُ الشافعيِّ؛ فمِنْهُم مَن قال: له قَوْلانِ، كالمَذهبَينِ. ومنهم مَن قال: له قولٌ ثالِثٌ، أنَّهما يَتَحالفان، كالمُتَبايِعَين يَخْتَلِفَانِ في الثَّمَنِ. ومنهم مَن قال: الصَّحِيحُ أنَّ القَوْلَ قولُ رَبِّ الثَّوْبِ؛ لأنَّهما اخْتَلَفا في صِفَةِ إذْنِه، والقولُ قولُه في أصلِ الإِذْنِ، فكذلك في صِفَتِه، ولأنَّ الأصلَ عَدَمُ الإذْنِ المُخْتَلَفِ فيه، فالقولُ قولُ مَن يَنْفِيه. ولَنا، أنَّهُما اتَّفَقا على الإِذْنِ، واخْتَلَفا في صِفَتِه، فكان القولُ قولَ المَأذُونِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
له، كالمُضارِبِ إذا قال: أذِنْتَ لي في البَيعِ نَسَاءً. فأنْكَرَه. ولأنَّهما اتَّفقَا على مِلْكِ الخَيّاطِ القَطْعَ، والصَّبّاغِ الصِّبْغَ. والظاهِرُ أنَّه فَعَل ما مَلَكَه، واخْتَلَفا في لزُوم الغُرمِ له، والأصلُ عَدَمُه. فعلى هذا، يَخلِفُ الخَيّاطُ والصَّبّاغُ: لقد أذِنْتَ لي في قَطْعِه قَبَاءً وصَبْغِه أحمَرَ. ويَسْقُطُ عنه الغُرمُ، ويَسْتَحِقُّ أجْرَ المِثْلِ؛ لأنَّه ثَبَت وُجُودُ فِعلِه المَأذُونِ فيه بعِوَض، ولا يَسْتَحِقُّ المُسَمَّى؛ لأنَّ المُسَمَّى يَثْبُتُ بقَوْلِه ودَعواه، فلا يَجِبُ بِيَمينه، ولأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«لَوْ يُعطَى النَّاسُ بِدعوَاهم لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وأموَالهُم، وَلِكنَّ اليَمِينَ عَلَى المُدَّعَى عَلَيهِ» . أخْرَجَه مُسْلِمٌ (1). فأمّا المُسَمَّى في العَقْدِ فإنَّما يَعتَرِفُ رَبُّ الثَّوْبِ بتَسْمِيَته أجْرًا، لِقَطْعِه قَمِيصًا، أو صَبْغِه أسْوَدَ. وأمّا مَن قال: القَوْلُ قولُ رَب الثَّوْبِ. فإنَّه يَحْلِفُ باللهِ: ما أذِنْتُ في قَطْعِه قَبَاءً، ولا صَبْغِه أحمَرَ. ويَسْقُطُ عنه المُسَمَّى، ولا يَجِبُ للخَيّاطِ والصَّبّاغِ أجْر؛ لأنَّهما فَعَلا غيرَ ما أذِنَ لهما فيه. وذَكَر ابنُ أبي موسى، عن أحمدَ رِوايةً أخْرَى، أنَّ صاحِبِ الثَّوْبِ إذا لم يَكُنْ مِمَّن (2) يَلْبَسُ الأقْبِيةَ والسَّوادَ،
(1) تقدم تخريجه في 12/ 478.
(2)
بعده في الأصل: «لا» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فالقولُ قولُه، وعلى الصّانِع (1) غُرمُ ما نَقَص بالقَطْعِ، وضَمان ما أفْسَدَ، ولا أجْرَ له؛ لأنَّ قَرِينَةَ حالِ رَبِّ الثَّوْبِ تَدُل على صِدقِه، فتَتَرَجَّحُ دَعواه بها، كما لو اخْتلَفَ الزَّوْجانِ في مَتاعِ البَيتِ، رَجَّحنَا دعوَى كل واحدٍ منهما فيما يَصلُحُ له. ولو اخْتَلَفَ صانِعان في الآلةِ التي في دُكّانِهما، رَجّحنا قولَ كلِّ واحد منهما في آلةِ صِنَاعَتِه. فعلى هذا، يَخلِفُ رَبُّ الثَّوْبِ: ما أذِنْتُ لك في قَطْعِه قَبَاءً. ويَكْفي هذا؛ لأنَّه يَنْتَفِي به الإذْنُ، فيَصِيرُ قاطِعًا لغيرِ ما أذِنَ فيه. فإنْ كان القَباءُ مَخِيطًا بخُيُوطٍ لِمالكِه، لم يَملِكِ الخَيّاطُ فَتْقَه، وكان لِمالِكِه أخْذُه مَخِيطًا بلا عِوَض، لأنَّه عَمِلَ في مِلْكِ غيرِه عَمَلًا مُجَرَّدًا عن عَين مَملُوكةٍ له، فلم يَكُنْ له إزالته، كما لو نَقَل مِلْكَ غيرِه مِن مَوْضِع إلى مَوْضِع، لم يَكُنْ له رَدُّه إذا رَضِيَ صاحِبُه بتَركِه فيه. كان كانت الخُيُوطُ للخَيّاطِ، فله نَزْعُها؛ لأنَّها عَينُ مالِه، ولا يَلْزَمُه أخْذُ قِيمَتِها؛ لأنَّها مِلْكُه، ولا يَتْلَفُ بأخْذِها ما لَه حُرمَةٌ. فإنِ اتَّفَقَا على تَعويضه عنها، جازَ؛ لأنَّ الحَقَّ لهما، وإن قال رَبُّ الثَّوْبِ: أنا أشُدُّ في
(1) في الأصل، تش:«الصباغ» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كلِّ خَيطٍ خَيطًا. حتى إذا سَلَّه (1) عادَ خَيطُ رَبِّ الثَّوْبِ في مكانِه، لم يَلْزَمِ الخَيّاطَ الإِجابَةُ إلى ذلك؛ لأنَّه انْتِفاعٌ بمِلْكِه. وحُكْمُ الصَّبّاغِ في قَلْعِ الصِّبْغِ إنِ اخْتارَه، وفي غيرِ ذلك مِن أحكامِه، حُكْمُ صِبْغِ الغاصِبِ (2) على ما يأتِي في بَابِه. قال شيخُنا (3): والذي يَقْوَى عندي، أنَّ القَوْلَ قولُ رَبِّ الثَّوْبِ؛ لِما ذَكَرنا في دَلِيلهم. وما قاسُوا عليه فيما إذا قال المُضارِب: أذِنْتَ لي في البَيعِ نَساءً. فأنْكَرَ رَبُّ المالِ، أنَّ القَوْلَ قَوْلُ المُضارِبِ، مَمنُوعٌ.
فصل: إذا دَفَع إلى خَيّاطٍ ثَوْبًا، فقال: إن كان يُقْطَعُ قَمِيصًا فاقْطَعهُ. فقال: هو يُقْطَعُ. وقَطَعَه، فلم يَكْفِ، ضَمِنَه. ولو قال: انْظُر هذا يَكْفِيني قَمِيصًا. قال: نعم. قال: اقْطَعهُ. فقَطَعَه، فلم يَكْفِه، لمِ يَضْمَنْ. وبه قال الشافعيّ، وأصحابُ الرأي. وقال أبو ثَوْرٍ: لا ضَمان عليه في المسْألَتَين، لأنَّه لو كان غَرَّه في الأولَى، لكان قد غَرَّهُ في الثانيةِ. ولَنا، أنَّه إنَّما أذِنَ له في الأولَى بِشَرطِ كِفايته، فقَطَعَه بدُونِ شَرطِه، وفي الثانيةِ أذِنَ له مِن غيرِ شَرْطٍ، فافْتَرَقا، ولم يَجِبْ عَليه الضَّمانُ في الأولَى لِتَغْرِيرِه، بل لِعَدَمِ الإذْنِ في قَطْعِه، لأنَّ إذنه مُقَيَّد بشَرطِ كِفايته فلا يكونُ إذنًا في غيرِ ما وُجِدَ فيه الشَّرطُ، بخِلافِ الثانيةِ.
(1) في م: «سلمه» .
(2)
في م، ر 1:«الصباغ» .
(3)
في: المغني 8/ 111.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن أمَرَه أن يَقْطَعَ الثَّوْبَ قَمِيصَ رَجُل، فقَطَعَه قَمِيصَ امرَأةٍ، فعليه غُرمُ ما بينَ قِيمَتِه صَحِيحًا ومَقْطُوعًا؛ لأنَّ هذا قَطْعٌ غيرُ مَأذُونٍ فيه، فأشْبَه ما لو قَطَعَه مِن غيرِ إذْنٍ. وقيل: يَغْرَمُ ما بينَ قَمِيصِ رَجُل وقَميص امرَأةٍ؛ لأنه مَأذُونٌ في قَمِيص في الجُملَةِ. والأوَّلُ أصَحُّ؛ لأنَّ المَأذُونَ فيه قَمِيص مَوْصُوف بصِفَةٍ، فإذا قَطَع قَمِيصًا غيرَه، لم يَكُنْ فاعِلًا لِما أذِنَ فيه، فكان مُتَعديا بابْتِداءِ القَطْعِ، ولذلك لا يَسْتَحِقُّ على القَطْعِ أجْرًا، ولو فَعَل ما أمِرَ به، لاسْتَحَقَّ أجْرَه.
فصل: إذا دَفَع إلى حائِكٍ غَزْلًا، فقال: انْسِجْه لي عَشَرَةَ أذْرُعٍ في عَرضِ ذِراعٍ. فنَسَجَه زائدًا على ما قَدَّرَ له في الطُّولِ والعرضِ، فلا أجْرَ له في الزِّيادَةِ؛ لأنَّه غيرُ مَأمُورٍ بها، وعليه ضَمانُ (1) نَقْصِ الغَزْلِ المَنْسوجِ فيها. فأمّا ما عَدا الزّائِدَ فيُنْظَرُ فيه؛ فإن كان جاءَهُ زائِدًا في الطّولِ وحدَه، ولم يَنْقُصِ الأصلُ بالزِّيادَةِ، فله ما سَمَّى له مِن الأجْرِ، كما لو اسْتَأجَرَه أن يَضْرِبَ له مائةَ لَبِنَةٍ فضَرَبَ له مائَتَينِ. وإن جاء به زائدًا في العَرضِ وحدَه، أو فيهما، ففيه وَجْهان؛ أحَدُهما، لا أجْرَ له؛ لأنَّه مُخالِفٌ لأمرِ المُسْتَأجِرِ، فلم يَسْتَحِقَّ شيئًا، كما لو اسْتأجَرَه على بِناءِ حائِطٍ
(1) بعده في م: «ما» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عَرضَ ذِراعٍ، فبَناه عَرضَ ذراعِين. والثاني، له المُسَمَّى؛ لأنَّه زادَ على ما أمِرَ به، فأشْبَه زِيادَةَ الطُّولَ. ومَن قال بالوَجْهِ الأوّلِ، فَرَّقَ بينَ الطولِ والعرضِ، بأنَّه يُمكِنُ قَطْعُ الزّائِدِ في الطُّولِ، ويَبْقَى الثَّوْبُ على ما أرَادَ، ولا يمكِنُ ذلك في العَرضِ. فأمّا إن جاءَ به ناقِصًا في الطُّولِ والعَرضِ، أو في أحَدِهما، ففيه أيضًا وَجْهانِ؛ أحدُهما، لا أجْرَ له، وعليه ضَمانُ نَقْصِ الغَزْلِ؛ لأنَّه مُخالِف لِما أمِرَ به، فأشْبَه ما لو استأجَرَه على بِناءِ حائطٍ عَرضَ ذراعٍ فبَناهُ عَرضَ نِصفِ ذِراعٍ. والثاني، له بحِصَّتِه مِن المُسَمَّىَ، كمَن اسْتُؤْجِرَ على ضَربِ لَبِن فضَرَبَ بعضَه. ويَحتَمِلُ أنَّه إن جاءَ به ناقِصًا في العرضِ فلا شيءَ له، وإن كان ناقِصًا في الطُّولِ فله بحِصَّتِه مِن المُسَمَّى؛ لِما ذَكَرنا مِنِ الفَرقِ بينَ الطُّولِ والعَرضِ. كان جاء به زائِدًا في أحَدِهما ناقِصًا في الآخرِ، فلا أجْرَ له في الزّائِد، وهو في النّاقِصِ على ما ذَكَرنا مِن التَّفْصِيلِ فيه. وقال محمدُ بنُ الحَسَنِ، في المَوْضِعَينِ: يتَخَيَّرُ صاحِبُ الثَّوْبِ بينَ دَفْعِ الثَّوْبِ إلى النسّاجِ ومُطالبَتِه بثَمَنِ غَزْلِه، وبينَ أن يأخُذَه ويدفَعَ إليه المُسَمَّى في الزّائِدِ وبحِصَّةِ المَنْسُوجِ في النّاقِصِ؛ لأنَّ غَرَضَه لم يَسْلَم له؛ لأنَّه (1) يَنتَفِعُ
(1) في الأصل: «لا» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالطَّويلِ ما لا يَنْتَفِعُ بالقَصِيرِ، ويَنْتَفِعُ بالقَصِيرِ ما لا يَنْتَفِعُ بالطَّويلِ، فكأنه أتلف عليه غَزْلَه. ولَنا، أنَّه وَجَد عَينَ مالِه، فلم يَكُنْ له المُطالبَةُ بعِوَضِه، كما لو جاء به زائِدًا في الطول وحدَه. فأمّا إن أثَّرتِ الزِّيادَةُ أو النَّقْصُ في الأصلِ، مثلَ أن يَأمُرَه بِنَسْجِ كشَرَةِ أذْرُعٍ؛ ليكُونَ الثَّوْبُ صَفِيقًا، فنَسجَه خَمسَةَ عَشَرَ، فصارَ خَفِيفًا، أو بالعَكْس، فلا أجْرَ له بحالٍ، وعليه ضَمانُ نَقْصِ (1) الغَزْلِ؛ لأنَّه لم يَأتِ بشيءٍ ممّا أمِرَ به.
فصل: إذا اخْتَلَفَ المُتكارِيانِ في قَدرِ الأجْرِ، فقال: أجَرتَنِيها سَنةً بدِينارٍ. قال: بل بدِينارَين. تحالفا، ويُبْدَأ بيَمينِ الآجِرِ. نصَّ عليه أحمدُ. وهو قولُ الشافعيِّ؛ لأنَّ الإِجارَةَ نوْع مِن البَيعِ. فإذا تَحالفا قبلَ مُضِيِّ شيءٍ مِن المُدَّةِ، فَسَخَا العَقْدَ ورَجَعَ كل واحدٍ منهما في مالِه. وإن رَضِيَ أحَدُهما بما حَلَف عليه الآخَرُ، أقِرَّ العَقْدُ. وإن فَسَخا العَقْدَ بعدَ المُدَّةِ أو شيءٍ منها، سَقَطَ المُسَمَّى ووَجَبَ أجْرُ المِثْلِ، كما لو اخْتَلَفا في المَبِيعِ بعدَ تَلَفِه. وهذا قولُ الشافعيِّ. وبه قال أبو حنيفةَ إن لم يَكُنْ عَمِلَ العَمَلَ،
(1) في م: «نسج» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإن كان عَمِلَه فالقولُ قولُ المُسْتَأجرِ فيما بينَه وبينَ أجْرِ مِثْلِه. وقال أبو ثَوْرٍ: القولُ قولُ المُستَأجرِ؛ لأنَّه مُنْكِرٌ للزِّيادَةِ في الأجْرِ، والقولُ قولُ المُنْكِرِ. ولَنا، أنَّ الإجارَةَ نوْعٌ مِن البَيعِ، فيَتحالفان عندَ اخْتِلافِهما في عِوَضِها، كالبَيعِ، وكما قَبْلَ أن يعملَ العَمَلَ عندَ أبي حنيفةَ. وقال ابنُ أبي موسى: القولُ قولُ المالكِ؛ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إذَا اخْتَلَفَ المُتَبَايعَانِ، فالقولُ ما قَال البائِعُ» (1). وهذا يَحتَمِلُ أن يَتناوَلَ ما إذا اخْتَلَفا في المُدَّةِ. وأمّا إذا اخْتَلَفَا في العِوَضِ، فالصَّحِيحُ أنَّهما يتَحالفان؛ لِما ذَكرناه.
فصل: فإنِ اخْتَلَفا في المُدَّةِ، فقال: أجَرْتُكَها سنةً بدِينارٍ. فقال: بل سَنَتَين بدِينارَينِ. فالقولُ قولُ المالِكِ؛ لأنَّه مُنْكِرٌ للزِّيادَةِ، فكان القولُ قولَه فيما أنْكَره، لو قال: بِعتُكَ هذا العَبْدَ بمائةٍ. فقال: بل هذَين العَبْدَين بمائتين. كان قال: أجَرتُكَها سَنَةً بدِينارٍ. فقال: بل سَنَتَين بدِينارٍ (2). فههُنا قد اخْتَلفا في قَنرِ العِوَضِ والمُدَّةِ فيتَحالفانِ؛ لأنَّه لم يُوجَد الاتِّفاقُ منهما على مُدَّةٍ بعِوَض، فصارَ كما لو اخْتَلفا في العِوَضِ مع اتّفاقِ المُدَّةِ. وإن قال المالِكُ: أجَرتُكَها سَنَةً بدِينارٍ. فقال الساكِنُ: بل اسْتَأجَرتَنِي على حِفْظِها بدِينارٍ. فقال أحمدُ: القولُ قولُ رَبِّ الدارِ، إلَّا أن تكونَ للساكِنِ بَيِّنة. وذلك لأنَّ سُكْنَى الدارِ قد وُجِدَ
(1) تقدم تخريجه في 11/ 468.
(2)
في الأصل: «بدينارين» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مِن السّاكنَ واسْتِيفاءَ مَنْفَعَتِها، وهي مِلْكُ صاحِبِها، والقولُ قولُه في مِلْكِه، والأصلُ عَدَمُ [اسْتِئجارِ السّاكِنِ](1) في الحِفْظِ، فكان القولُ قولَ مَن يَنْفِيه، ويَجبُ على الساكِنِ أجْرُ المِثْلِ.
فصل: وإنِ اخْتَلَفا في التَّعَدِّي في العَينِ المُسْتَأجَرَةِ، فالقولُ قولُ المُسْتأجِرِ، لأنَّه أمِين، فأشْبَه المُودَعَ، ولأنَّ الأصلَ عَدَمُ العُنوانِ والبَرَاءةُ مِن الضَّمانِ. وإنِ ادَّعَى أنَّ العَبْدَ أبقَ مِن يَدِه، وأنَّ الدّابَّةَ شَرَدتْ أو نَفَقتْ، وأنْكَرَ المُؤْجِرُ، فالقولُ قولُ المُسْتأجِرِ؛ لِما ذَكَرنا، ولا أجْرَ عليه إذا حَلَفَ أنَّه ما انْتَفَعَ بها؛ لأنَّ الأصلَ عَدَمُ الانْتِفاعِ. وعنه، القولُ قولُ المُؤْجِرِ؛ لأن الأصلَ السَّلامةُ. فأمّا إنِ ادَّعَى أن العَبْدَ مَرِضَ في يَدِه؛ فإن جاء به صَحِيحًا، فالقولُ قولُ المالِكِ، سواء وافَقَه العَبْدُ أو خالفَه. نَصَّ عليه أحمدُ. وإن جاء به مَرِيضًا، فالقولُ قولُ المُسْتَأجِرِ. وهذا قولُ أبي حنيفةَ؛ لأنَّه إذا جاء به صحيحًا، فقد ادَّعَى ما يُخالِف الأصلَ، وليس معه دَلِيل عليه، وإن جاء به مَرِيضًا، فقد وُجِدَ ما يُخالِف الأصلَ يَقِينًا، فكان القولُ قولَه في مُدَّةِ المَرَضِ؛ لأنَّه أعلَمُ بذلك، لكَوْنِه في يَدِه. وكذلك لو ادَّعَى إبَاقَه في حالِ إباقِه. ونَقَلَ إسحاقُ بنُ مَنْصورٍ عن أحمدَ، أنَّه يُقْبَلُ قولُه في إباقِ العَبْدِ دُونَ مَرَضِه. وبه قال الثَّوْرِيُّ، وإسحاقُ. قال أبو بكر: وبالأوَّلِ أقُولُ؛ لأنَّهما سواء في تَفْويتِ مَنْفَعتِه، فكانا سواءً
(1) في م: «استئجاره للساكن» .
فصلٌ: وَتَجِبُ الأجْرَةُ بِنَفْس الْعَقْدِ، إِلَّا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى تأخِيرِها.
ــ
في دَعوَى ذلك. وإن هلَكَتِ العَينُ، فاخْتَلَفا في وَقْتِ هلاكِها، أو أبقَ العَبْدُ أو مَرِضَ، واخْتَلَفا في وَقْتِ ذلك، فالقولُ قولُ المُسْتَأجِرِ؛ لأنَّ الأصلَ عَدَمُ العَمَلِ، ولأنَّ ذلك حَصَلَ في يَدِه، وهو أعلَمُ به.
فصل: قال المُصَنِّفُ، رحمه الله:(وتَجِبُ الأجْرةُ بنَفْسِ العَقْدِ، إلَّا أن يَتَّفِقا على تَأخِيرِها) مَتَى أُطْلِقَ العَقْدُ في الإِجارَةِ مَلَكَ المُؤْجِرُ الأجْرةَ بنَفْسِ العَقْدِ، كما يَملِكُ البائِع الثَّمَنَ بالبَيعِ. وبهذا قال الشافعيُّ. وقال أبو حنيفةَ، [ومالكٌ] (1): لا يملِكُها ولا يَسْتَحِقُّ المُطالبَةَ بها إلَّا يَومًا بِيَوْم، إلَّا أن يَشْتَرِطَ تَعجِيلَها. قال أبو حنيفةَ: إلَّا أن تكونَ مُعَيَّنة، كالثَّوْبِ، والدّارِ، والعَبْدِ؛ لأنَّ الله تعالى قال:{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (2). أمَرَ بإيتائِهِنَّ بعدَ الرَّضاعِ. وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:
(1) سقط من: م.
(2)
سورة الطلاق 6.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«يَقُولُ اللهُ عز وجل: ثَلَاثة أنا خَصمُهُم يَوْمَ القِيَامَةِ؛ رَجُلٌ اسْتَأجَرَ أجيرًا فَاسْتَوْفى مِنْهُ ولم يُوَفِّه أجرَهُ» (1). فتَوَعُّدُه على الامتِناعِ مِن دَفْعِ الأجْرِ بعدَ العَمَلِ دَلَّ على أنَّها حالةُ الوُجُوبِ. ورُوِيَ عنه، عليه الصلاة والسلام، أنَّه قال:«أعطُوا الأجِيرَ أجْرَه قبلَ أن يَجِفَّ عَرَقُه» . رَواهُ ابنُ ماجه (2). ولأنَّه عِوَض لم يَملِكْ مُعَوَّضَه، فلم يَجِبْ تَسْلِيمُه، كالعِوَضِ في العَقْدِ الفاسِدِ، فإنَّ المَنافِعَ مَعدُومة لم تُملَكْ. ولو مُلِكَتْ فلم يَتَسَلمها؛ لأنَّه يتَسلَّمُها شيئًا فشيئًا، فلا يَجِبُ عليه العِوَضُ مع تَعذر التَّسْلِيمِ في العَقْدِ. ولَنا، أنَّه عِوَضٌ أُطْلِقَ ذِكْرُه في عَقْدِ مُعاوَضةٍ، فيُسْتَحقُّ بمُطْلَقِ العَقْدِ، كالثَّمنِ، والصداقِ، أو نقولُ: عِوَضٌ في عَقْدٍ يُتَعَجَّلُ بالشَّرطِ، فوَجَبَ أن يُتَعَجَّلَ بمُطْلَقِ العَقْدِ، كالذي ذَكرنا. فأمّا الآيةُ فيَحتَمِلُ أنَّه أرادَ الإِيتاءَ عندَ الشُّرُوعِ في الإِرضاعِ، أو تَسْلِيم نَفْسِها، كقولِه تعالى:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} (3). أي:
(1) تقدم تخريجه في 11/ 49.
(2)
في: باب أجر الأجراء، من كتاب الرهون. سنن ابن ماجه 2/ 817.
(3)
سورة النحل 98.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إذا أرَدتَ القِراءَةَ. ولأنَّ هذا تَمسُّكٌ (1) بدَلِيلِ الخِطابِ؛ ولا يقولُون به، وكذلك الحَدِيثُ، يُحَقِّقُه أنَّ الأمرَ بالإيتاءِ في وقتٍ لا يَمنَعُ وُجُوبَه قبلَه، كقولِه تعالى:{فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (2).
(1) في الأصل، م:«تمثيل» .
(2)
سورة النساء 24.