الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَضْمَنُ الأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ مَا جَنَتْ يَدُهُ؛ مِنْ تَخْرِيقِ الثَّوْبِ، وَغَلَطِهِ فِي تَفْصِيلِهِ.
ــ
يَسْتَأْجِرُ أجيرًا مُدَّةً يَسْتَعْمِلُه فيها، فتَقَبَّلَ صاحِبُ الدُّكّانِ خِياطَةَ ثَوْبٍ، ودَفَعَه إلى أَجيرِه فخَرَقَه أو أفْسَدَه، لم يَضْمَنْه، لأنَّه أجِيرٌ خاصٌّ، ويَضْمَنُه صاحِبُ الدُّكّانِ، لأنَّه أجِيرٌ مُشْتَرَكٌ.
2212 - مسألة: (ويَضْمَنُ الأجِيرُ المُشْتَرَكُ ما جَنَتْ يَدُه، مِن تَخْرِيقِ الثَّوْبِ، وغَلَطِه في تَفْصِيلِه)
قد ذَكَرْنا أنَّ الأجِيرَ المُشْتَرَكَ هو الصّانِعُ الذي لا يَخْتَصُّ المُسْتَأْجِرُ بنَفْعِه، فيَضْمَنُ ما جَنَتْ يَدُه، فالحائِكُ إذا أفْسَدَ حِياكَتَه ضامِنٌ لِما أفْسَدَ. نَصَّ عليه أحمدُ، في رِوايةِ ابنِ مَنْصُورٍ. والقَصّارُ ضامِنٌ لِما يَتَخَرَّقُ مِن دَقِّه أو مَدِّه أو عَصْرِه أو بَسْطِه. والطّبّاخُ ضامِنٌ لِما أفْسَدَ مِن طَبِيخِه. والخَبّازُ ضامِن لِما أفْسَدَ مِن خُبْزِه. والحَمّال يَضْمَنُ ما سَقَطَ مِن حِمْلِه عن دابَّتِه، أو تَلِفَ مِن عَثْرَتِه. والجَمّالُ يَضْمَنُ ما تَلِفَ بقَوْدِه وسَوْقِهِ، وانْقِطاعِ حَبْلِه الذي يَشُدُّ به حِمْلَه. والمَلَّاحُ يَضْمَنُ ما تَلِفَ مِن مَاه، أو جَذْفِه، أو ما يُعالِجُ به السَّفِينَةَ. رُوِيَ ذلك عن عُمَرَ، وعَلِيٍّ، و [عبدِ الله](1) بنِ عُتْبةَ، وشرَيحٍ، والحَسَنِ،
(1) في الأصل، ر، ق:«عبيد الله» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والحَكَمَ. وهو قولُ أبي حنيفةَ، ومالكٍ، وأحَدُ قَوْلَي الشافعيِّ. وقال في الآخَرِ: لا يَضْمَنُ ما لم يَتَعَدَّ. قال الرَّبِيعُ: هذا مَذْهَبُ الشافعيِّ، وإن لم يَبُحْ به. رُوِيَ ذلك عن عَطاءٍ، وطَاوُسٍ، وزُفَرَ؛ لأنَّها عَين مَقْبُوضةٌ بعَقْدِ الإجارَةِ، فلم تَصِرْ مَضْمُونةً، كالعَينِ المُسْتَأجَرَةِ. ولَنا، ما روَى جَعْفَرُ بنُ محمدٍ، عن أبيه، عن عَلِيٍّ، أنَّه كان يُضَمِّنُ الصّبّاغَ والصَّوّاغَ، وقال: لا يَصْلُحُ الناسُ إلَّا على ذلك (1). ورَوَى الشافعيُّ بإسْنادِه عن عَلِيٍّ، أنَّه كان يُضَمِّنُ الأُجَراءَ ويَقُولُ: لا يُصْلِحُ النّاسَ إلَّا هذا (1). ولأنَّ عَمَلَ الأجِيرِ المُشْتَرَكِ مَضْمُون عليه، فما تَوَلَّدَ منه يَجِبُ أن يكونَ مَضْمُونًا، كالعُدْوانِ بقَطْعِ عُضْوٍ، بخِلافِ الأجِيرِ الخاصِّ. والدَّلِيلُ على أنَّ عَمَلَه مَضْمُونٌ عليه، أنَّه لا يَسْتَحِقُّ العِوَضَ إلَّا بالعَمَلِ، وأنَّ الثَّوْبَ لو تَلِفَ في حِرْزِه بعدَ عَمَلِه، لم يَكُنْ له أجْر فيما عَمِلَ فيه، وكان ذَهَابُ عَمَلِه مِن ضَمانِه، بخِلافِ الخاصِّ، فإنَّه إذا أمْكَنَ المُسْتَأْجِرَ مِن اسْتِعمالِه، اسْتَحَقَّ العِوَضَ بمُضِيِّ المُدَّةِ وإن لم يَعْمَل، وما عَمِلَ فيه مِن شيءٍ فتَلِفَ مِن حِرْزِه، لم يَسْقُطْ أجْرُه بِتَلَفِه.
(1) تقدم تخريجه في صفحة 473.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصلِ: ذَكَر القاضِي أنَّ الأجِيرَ المُشْتَرَكَ إنَّما يَضْمَنُ إذا كان يَعْمَلُ في مِلْكِ نفْسِه، [مثلَ الخَبّازِ](1) يَخْبِزُ في تَنُّورِه، والقَصّارِ والخَيّاطِ في دُكَّانَيهِما، قال: ولو دَعَا الرجلُ خَبّازًا فخَبَزَ له في دارِه، أو خَيّاطًا أو قَصّارًا لِيَقْصِرَ ويَخِيطَ عندَه، لا ضَمانَ عليه فيما أتْلَفَ، ما لم يُفَرِّطْ؛ لأنَّه سَلَّمَ نَفْسَه إلى المُسْتَأْجِرِ، فصار كالأجِيرِ الخاصِّ. قال (2): ولو كان صاحِبُ المتاعِ مع المَلَّاحِ في السَّفِينَةِ، أو راكِبًا على الدّابّةِ فوقَ حِمْلِه، فعَطِبَ الحِمْلُ، لا ضَمانَ على المَلَّاحِ والمُكارِي؛ لأنَّ يَدَ صاحِبِ المَتَاعِ لم تَزُلْ. ولو كان رَبُّ المَتاعِ والحَمّالُ راكِبَينِ على الحِمْلِ، فتَلِفَ حِمْلُه، لم يَضْمَنِ الحَمّالُ؛ لأنَّ رَبَّ المَتاعِ لم يُسَلِّمْه إليه. ومَذْهَبُ مالكٍ والشافعيِّ نحوُ هذا. قال أصحابُ الشافعيِّ: لو كان العَمَلُ في دُكّانِ الأجِيرِ، والمُسْتَأْجِرُ حاضِرٌ، أو اكْتَراهُ لِيَعْمَلَ له شيئًا وهو معه، لم يَضْمَنْ؛ لأنَّ يَدَه عليه، فلم يَضمَنْ مِن غيرِ جِنايَةٍ، ويَجِبُ له أجْرُ عَمَلِه؛ لأنَّ يَدَه عليه، فكُلَّما عَمِلَ شيئًا صار مُسَلَّمًا إليه. وظاهِرُ كلامَ الخِرَقِيِّ أنَّه لا فَرْقَ بينَ كَوْنِه في مِلْكِ نَفْسِه أو مِلْكِ مُسْتَأْجِرِه،
(1) في م: «كالخباز» .
(2)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو كان صاحِبُ العَمَلِ حاضِرًا عنده أو غائِبًا، أو كَوْنِه مع المَلَّاحِ أو الحَمّالِ أوْ لا، وكذلك (1) قال ابنُ عَقِيل: ما تَلِفَ بجِنايَةِ المَلَّاحِ بجَذْفِه، أو بجِنايةِ المُكارِي بِشَدِّه المَتاعَ، ونحوه، فهو مَضمُونٌ عليه، سواءٌ كان صاحِبُ المَتاعِ معه أو لم يَكُنْ؛ لأنَّ وُجُوبَ الضَّمانِ عليه لِجنايَةِ يَدِه، فلا فَرْقَ بينَ حُضُورِ المالِكِ وغَيبَتِه، كالعُدْوانِ، ولأنَّ جِنايَةَ الحَمّالِ والمَلَّاحِ إذا كان صاحِبُ المَتاعِ راكِبًا معه تَعُمُّ المتاعَ وصاحِبَه، وتَفْرِيطَه يَعُمُّهُما، فلم يُسْقِطْ ذلك الضَّمَانَ، كما لو رَمَى إنسانًا مُتَتَرِّسًا فكَسَرَ تُرْسَه وقَتَلَه، ولأنَّ الطَّبِيبَ والخَتّانَ إذا جَنَتْ يَداهُما، ضَمِنا مع حُضُورِ المُطَبَّبِ والمَخْتُونِ. وقد ذَكَرَ القاضِي، أنَّه لو كان حَمّالٌ يَحْمِلُ على رَأْسِه ورَبُّ المتاعِ معه، فعَثَرَ، فسَقَطَ المَتاعُ فتَلِفَ، ضَمِنَ، وإن سُرِق، لم يَضْمَنْ، لأنَّه في العِثارِ تَلِف بجِنايَتِه، والسَّرِقَةُ ليست مِن جِنايَتِه، ورَبُّ المالِ لم يَحُلْ بينه وبينه. وهذا يَقْتَضِي أنَّ تَلَفَه بجِنايَتِه مَضْمُونٌ عليه، سواء حَضَر رَبُّ المالِ أو غاب، بل وُجُوبُ الضَّمانِ في محَلِّ النزاع أوْلَى؛ لأنَّ الفِعْلَ في ذلك المَوْضِعِ مَقْصُودٌ لِفاعِلِه، والسَّقْطَةُ مِن الحَمّالِ غيرُ مَقْصودةٍ له، فإذا وَجَب الضَّمانُ ههُنا، فثَمَّ أوْلَى.
(1) في ر 1، م:«ولذلك» .