الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْمُسَاقَاةُ عَقْدٌ جَائِزٌ في ظَاهِرِ كَلَامِهِ.
ــ
فصل: ولا تَصِحُّ المُساقَاةُ إلا على شَجَرٍ مَعْلُومٍ بالرُّؤْيَةِ، أو بالصِّفَةِ التي لا يُخْتَلَف معها، كالبَيعِ. فإن ساقاهُ على بُسْتانٍ لم يَرَه ولم يُوصَفْ له، لم يَصِحَّ؛ لأنَّه عَقْدٌ على مَجْهُولٍ، أشْبَهَ البَيعَ، وإن ساقاهُ على أحَدِ هذَينِ الحائِطَينِ، لم يَصِحَّ؛ لأنَّها مُعاوَضةٌ يَخْتَلِفُ العِوَضُ فيها باخْتِلافِ الأعْيانِ، فلم يَجُزْ على غيرِ مُعَيَّنٍ، كالبَيعِ.
فصل: وتَصِحُّ على البَعْلِ، كما تَصِحُّ على السَّقْي. وبه قال مالكٌ. ولا نَعْلَمُ فيه خِلافًا عند من يُجَوِّزُ المُساقاةَ؛ لأنَّ الحاجةَ تَدْعُو إلى المُعامَلةِ في ذلك، كَدُعائِها إلى المُعامَيَةِ في غيرِه، فيُقاسُ عليه.
2120 - مسألة: (والمُساقاةُ عَقْدٌ جائِزٌ في ظاهِرِ كَلامِهِ)
وكذلك المُزارَعَةُ. أوْمأ إليه أحمدُ في رِوايةِ الأثْرَمِ، وقد سُئِلَ عن الأكَّارِ يَخْرُجُ من غيرِ أن يُخْرِجَه صاحِبُ الضَّيعَةِ، فلم يَمْنَعْه من ذلك. ذَكَرَه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[أبو عبدِ اللهِ](1) ابنُ حامِدٍ. وهو قولُ بَعْضِ أصحاب الحَدِيثِ. وقال بَعْضُ أصْحابِنا: هو لازمٌ. وهو قولُ أكْثَرِ الفُقَهاءِ؛ لأَنَّه عَقْدُ مُعاوَضَةٍ، فكان لازِمًا، كالإِجَارَةِ، ولأنَّه لو كان جائِزًا، جاز (2) لِرَبِّ المالِ فَسْخُه إذا ظَهَرَتِ الثَّمَرَةُ، فيَسْقُطُ سَهْمُ العامِلِ، فيَتَضَرَّرُ. ولَنا، ما رَوَى مُسلمٌ (3) عن ابنِ عُمَرَ، أنَّ اليَهُودَ سَأَلُوا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن يُقِرَّهُم بخَيبَرَ، على أن يَعْمَلُوها، ويكونَ لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَطْرُ ما يَخْرُجُ منها مِن زَرْع أو ثَمَر، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:«نُقِرُّكُمْ عَلَى ذلِكَ مَا شِئْنَا» . ولو كان لازِمًا لم يَجُزْ بغيرِ تَقْدِيرِ مُدَّةٍ، ولا أن يَجْعَلَ الخِيَرَةَ إليه في مُدَّةِ إقْرارِهم، ولأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لو قَدَّرَ لهم مُدَّةً لنُقِلَ؛ لأنَّ هذا مما يُحْتاجُ إليه، فلا يَجُوزُ الإِخْلالُ بنَقْلِه، وعُمَرُ، رضي الله عنه، أجْلاهُم مِن أرْضِ الحِجازِ، وأَخْرَجَهُم مِن خَيبَرَ، ولو كانت لهم مُدَّةٌ مُقَدَّرَةٌ، لم يَجُزْ إخْراجُهم فيها، ولأنَّه عَقدٌ على جُزْءٍ من نَماءِ المالِ، فكان جائِزًا:
(1) سقط من: م.
(2)
في م: «كان» .
(3)
في: باب المساقاة والمعاملة بجزء من الثمر والزرع، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم 3/ 1187، 1188.
كما أخرجه البخاري، في: باب إذا قال رب الأرض أقرك ما أقرك الله. . . .، من كتاب الحرث، وفي: باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم. . . .، من كتاب الخمس. صحيح البخاري 3/ 140، 4/ 116. وأبو داود، في: باب ما جاء في حكم أرض خيبر، من كتاب الإمارة. سنن أبي داود 2/ 141. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 149.
لَا يَفْتَقِرُ إِلَى ذِكْرِ مُدَّةٍ. وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهَا، فَمَتَى انْفَسَخَتْ بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ، فَهِيَ بَينَهُمَا.
ــ
كالمُضارَبَةِ. وفارَقَ الإِجارَةَ؛ لأنَّها بَيع، فكانت لازِمَةً، كَبَيعِ الأعْيانِ، ولأنَّ عِوَضَها مَعْلُومٌ، أشْبَهَتِ البَيعَ. وقِياسُهُم يَنْتَقِضُ بالمُضارَبَةِ، وهي أشْبَهُ بالمُساقاةِ من الإِجارَةِ، فقِياسُها عليها أوْلَى. وقولُهم: إنَّه يُفْضِي إلى أنَّ رَبَّ المَالِ يَفْسَخُ بعدَ إدْراكِ الثَّمَرَةِ. قلنا: إذا ظَهَرَتِ الثَّمَرَةُ، ظَهَرَتْ على مِلْكَيهما، فلا يَسْقُطُ حَقُّ العامِلِ منها بفَسْخ ولا غيرِه؛ كما إذا فَسَخ المُضاربةَ (1) بعد ظُهُورِ الرِّبْحِ. فعلى هذا (لا يَفْتَقِرُ إلى ذِكْرِ مُدَّةٍ) لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يَضْرِبْ لأهْلِ خَيبَرَ مُدَّةً مَعْلُومةً، ولا خُلَفاؤُه حين عامَلُوهُم، ولأنَّه عَقْدٌ جائِزٌ فلم يَفتَقِرْ إلى ضَرْبِ مُدَّةٍ، كالمُضارَبَةِ وسائِرِ العُقُودِ الجائِزَةِ. و (متى) فَسَخ أحَدُهما (بعدَ ظُهُورِ
(1) في م: «المضارب» .
وَإنْ فَسَخَ الْعَامِلُ قَبْلَ ظُهُورِهَا، فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ فَسَخَ رَبُّ الْمَالِ، فَعَلَيهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ عَمَلِهِ.
ــ
الثَّمَرَةِ، فهي بينهما) على ما شَرَطاهُ، وعلى العامِلِ تَمامُ العَملِ (1)، كما يَلْزَمُ المُضارِبَ بَيعُ العُرُوضِ إذا فُسِخَتِ المُضارَبَةُ بعد ظُهُورِ الرِّبْحِ، (وإن فَسَخ العامِلُ قبلَ) ذلك (فلا شيءَ له) لأنَّه رَضِيَ بإسْقاطِ حَقِّه، فهو كعامِلِ المُضارَبَةِ إذا فسخ قبلَ ظُهُورِ الرِّبْحِ، وعامِلِ الجَعَالةِ إذا فَسَخ قبلَ إتْمامِ عَمَلِه (وإن فَسَخَ رَبُّ المالِ) قبل ظُهُورِ الثَّمَرَةِ (فعليه) أجْرُ المِثْلِ للعامِلِ؛ لأنَّه مَنَعَه إتْمامَ عَمَلِه الَّذي يَسْتَحِقُّ بِهِ العِوَضَ، فأشْبَهَ ما لو فَسَخ الجاعِلُ قبلَ إتْمامِ عَمَلِ الجَعَالةِ. وفارَقَ رَبَّ المالِ في المُضارَبَةِ إذا فَسَخَها قبلَ ظُهُورِ الرِّبْحِ؛ لأنَّ عَمَلَ هذا مُفْضٍ إلى ظُهُورِ الثَّمَرَةِ غالِبًا، فلَوْلا الفَسْخُ لَظَهَرتِ الثَمَرَةُ، فمَلَكَ نَصِيبَه منها، وقد قَطَع ذلك بِفَسْخِه، فأشْبَهَ فَسْخَ الجَعَالةِ، بخِلافِ المُضارَبَةِ، فإنَّه لا يُعْلَمُ إفْضاؤُها إلى الرِّبْحِ، ولأنَّ الثَّمَرَةَ إذا ظَهَرت في الشَّجَرِ، كان العَمَلُ عليها في الابْتِداءِ من أسْباب ظُهُورِها، والرِّبْحُ إذا ظَهَر في المُضارَبَةِ، قد لا يكونُ للعَمَلِ الأوَّلِ فيه أَثَرٌ أصْلًا.
(1) في الأصل: «العلم» .