الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ سَاقَاهُ عَلَى شَجَرٍ يَغْرِسُهُ وَيَعْمَلُ عَلَيهِ حَتَّى يُثْمِرَ بِجُزْءٍ مِنَ الثَّمَرَةِ، صَحَّ.
ــ
2119 - مسألة: (وَإنْ سَاقَاهُ عَلَى شَجَرٍ يَغْرِسُهُ وَيَعْمَلُ عَلَيهِ حَتَّى يُثْمِرَ بِجُزْءٍ مِنَ الثَّمَرَةِ، صَحَّ)
والحُكْمُ فيه كالحُكْمِ فيما إذا ساقاهُ على صِغَارِ الشَّجَرِ على ما بَيَّنْتُه. قال أحمدُ في رِوَايةِ المَرُّوذِيِّ، في مَن قال لرَجُلٍ: اغْرِسْ في أرْضِي هذه شَجَرًا أو نَخْلًا، فما كان من غَلَّةٍ، فلك بِعَمَلِكَ كذا وبهذا سَهْمًا، مِن كذا وكذا. فأجازَه، واحْتَجَّ بحَدِيثِ خَيبَرَ (1) في الزَّرْعِ والنَّخْلِ، لكنْ بشَرْطِ أن يكونَ الغَرْسُ (1) مِن رَبِّ الأرْضِ، كما يُشْتَرَطُ في المُزارَعةِ كَوْنُ البَذْرِ مِن رَبِّ الأرْضِ. فإن كان مِن العامِلِ، خُرِّجَ على الرِّوايَتَين في المُزارَعَةِ، إذا شُرِطَ
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
البَذْرُ من العامِلِ. وقال القاضي: المُعَامَلَةُ باطِلةٌ، وصاحِبُ الأرْضِ بالخِيَارِ بينَ تَكْلِيفِه قَلْعَها، ويَضْمَنُ له نَقْصَها، وبين تَرْكِها في أَرْضِه، ويَدْفَعُ إليه قِيمَتَها، كالمُشْتَرِي إذا غَرَس في الأرضِ ثم جاء الشَّفِيعُ فأخَذها. وإنِ اخْتارَ العامِلُ قَلْعَ شَجَرِه، فله ذلك، سواءٌ بَذَلَ له القِيمَةَ أو لم يَبْذُلْها؛ لأنَّه مِلْكُه، فلم يُمْنَعْ تَحْويلَه. وإنِ اتَّفَقَا على إبْقاءِ الغَرْسِ ودَفْعَ أجْرِ الأرْضَ، جازَ.
فصل: ولو دَفَع أرْضَه إلى رَجُلٍ يَغْرِسُها، على أنَّ الشَّجَرَ بينَهما، لم يَجُزْ. ويَحْتَمِلُ الجَوَازُ، بِنَاءً على المُزارَعَةِ، فإنَّ المُزارِعَ يَبْذُرُ في (1) الأرْضِ، فيَكونُ بينَه وبينَ صاحِبِ الأرْضِ، وهذا نَظِيرُه. فأمَّا إن دَفَعَها على أنَّ الأرْضَ والشَّجَرَ بينهما، فذلك فاسِدٌ، وَجْهًا واحدًا. وبه قال مالكٌ، والشافعيُّ، وأبو يُوسُفَ، ومحمدٌ. ولا نَعْلَمُ فيه مُخالِفًا؛ لأنَّه يُشْتَرَطُ اشْتِراكُهُما في الأَصْلِ، ففَسَد، كما لو دَفَع إليه الشَّجَرَ و (2) النَّخِيلَ؛ ليكونَ الأصْلُ والثَّمَرَةُ بينهما، أو شَرَط في المُزَارَعةِ كَوْنَ الأرْضِ والزَّرْعَ بينهما.
(1) سقط من: م.
(2)
في م: «أو» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ومِن شَرْطِ صِحَّةِ المُساقاةِ، تَقْدِيرُ نَصِيبِ العامِلِ بجُزْءٍ مَعْلُوم مِن الثَّمَرَةِ، كالثُّلُثِ والرُّبْعِ؛ لحديثِ ابنِ عُمَرَ في خَيبَرَ. وسواءٌ قَلَّ الجُزْءُ أو كَثُرَ، فلو جَعَل للعامِلِ جُزْءًا مِن مائةِ جُزْءٍ، أو جَعَل الجُزْءَ لنَفْسِه والباقِيَ للعامِلِ، جازَ، إذا لم يَفْعَلْ ذلك حِيلَةً. فإن عَقَد على جُزْءٍ مُبْهَمٍ، كالسَّهْمِ والجُزْءِ والنَّصِيبِ، لم يَجُزْ؛ لأنَّه إذا لم يكُنْ مَعْلومًا لا تُمْكِنُ القِسْمَةُ بينهما. ولو جَعَل له آصُعًا مَعْلُومَةً، أو جَعَل مع الجُزْءِ المَعْلُومِ آصُعًا، لم يَجُزْ؛ لأنَّه رُبَّما لم يَحْصُلْ ذلك، أو لم يَحْصُل غيرُه، فيَسْتَضِرُّ رَبُّ الشَّجَرِ، أو يَكْثُرُ الحاصِلُ، فيَتَضَرَّرُ العامِلُ. وكذلك إن شَرَط له ثَمَرَ شَجَرٍ بعَينِه؛ لأنَّه قد لا يَحْمِلُ، وقد لا يَحْمِلُ غيرُها، ولهذه العِلَّةِ نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن المُزارَعةِ التي يَجْعَلُ فيها لرَبِّ الأرْضِ مكانًا مُعَيَّنًا وللعامِلِ مَكانًا مُعَيَّنًا. قال رافِعٌ: كُنَّا نُكْرِي الأرْضَ على أنَّ لَنا هذه ولَهُم هذه، فرُبَّما أخْرَجَتْ هذه ولم تُخْرِجْ هذه، فنَهانا عن ذلك، فأمّا الذَّهَبُ والوَرِقُ فلم يَنْهَنا. مُتَّفَقٌ عليه (1). فمَتَى شَرَط شَيئًا من هذه الشُّرُوطِ الفاسِدَةِ، فسَدَتِ المُساقاةُ، والثَّمَرَةُ كُلُّها لرَبِّ المالِ؛ لأنَّها نَماءُ مِلْكِه، وللعامِلِ أجْرُ مِثْلِه، كالمُضارَبةِ الْفاسِدَةِ.
(1) تقدم تخريجه في صفحة 184.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ولا يُحْتاجُ أن يُشْرَطَ لرَبِّ المالِ؛ لأنَّه يَأْخُذُ بمالِه لا بالشَّرْطِ، فإذا قال: ساقَيتُكَ على أنَّ لك ثُلُثَ الثَّمَرَةِ. صَحَّ، والباقِي لرَبِّ المال. وإن قال: على أنَّ لِي ثُلُثَ الثَّمَرةِ. فقال ابنُ حامِدٍ: يَصِحُّ. وقيلَ: لا يَصِحُّ. وقد ذَكَرْنا تَعْلِيلَ ذلك في المُضارَبةِ. وإنِ اخْتَلَفا في الجُزْءِ المَشْرُوطِ، فهو للعامِلِ؛ لأنَّه إنَّما يَسْتَحِقُّ بالشَّرْطِ كما ذَكَرْنا. فإنِ اخْتَلفا في قَدْرِ الجُزْءِ (1) المَشْرُوطِ للعامِلِ، فقال ابنُ حامِدٍ: القولُ قولُ رَبِّ المالِ. وقال مالكٌ: القولُ قولُ العامِلِ إذا ادَّعَى ما يُشْبِهُ؛ لأنَّه أقْوَى سَبَبًا، لتَسَلُّمِه الحائِطَ والعَمَلَ. وقد ذَكَرْنا في المُضارِبِ رِوايةً، أنَّ القولَ قَوْلُه إذا ادَّعَى أجْرَ المِثْلِ، فيُخَرَّجُ ههُنا مثلُه. وقال الشَّافعيُّ: يَتَحالفان، وكذلك إنِ اخْتَلَفا فيما تَناوَلَتْه المُساقاةُ مِن الشَّجَرِ. ولَنا، أنَّ رَبَّ المالِ مُنْكِرٌ للزِّيادَةِ التي ادَّعاها العامِلُ، فكان القولُ قولَه. فإن كان مع أحَدِهما بَيِّنَةٌ حُكِمَ بها. وإن كان مع كلِّ واحدٍ منهما بَيِّنةٌ، انْبَنَى على بَيِّنةِ الدّاخِلِ والخارِجِ. فإن كان الشَّجَرُ لاثْنَينِ، فصَدَّقَ أحَدُهما العامِلَ وكَذَّبَه الآخَرُ، أخَذَ نَصِيبَه مما يَدَّعِيه مِن مالِ المُصَدِّقِ. وإن شَهِد على المُنْكِرِ، قُبِلَتْ شَهادَتُه إذا كان عَدْلًا؛ لأنَّه لا يَجُرُّ إلى نَفْسِه نَفْعًا ولا
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَدْفَعُ عنها ضَرَرًا، ويَحْلِفُ العامِلُ (1) مع شَهادَتِه (2)، وإن لم يكُنْ عَدْلًا كانت شَهادَتُه كعَدَمِها. ولو كانا عامِلَين، ورَبُّ المالِ واحِدًا، فشَهِدَ أحَدُهُما على صاحِبِه، قُبِلَتْ شَهادَتُه؛ لِما ذَكَرْنا.
فصل: وإذا كان في البُسْتانِ شَجَرٌ مِن أجْناسٍ؛ كالتِّينِ، والزَّيتُونِ، والكَرْمِ، فشَرَطَ للعامِلِ من كلِّ جِنْسٍ قَدْرًا؛ كنِصْفِ ثَمَرِ التِّينِ، وثُلُثِ الزَّيتُونِ، ورُبْعِ الكَرْمِ، أو كان فيه أنْواعٌ مِن جِنْسٍ، فشَرَطَ [مِن كلِّ نَوْعٍ](3) قَدْرًا، وهما يَعْرِفانِ قَدْرَ كلِّ نوْعٍ، صَحَّ؛ لأنَّ ذلك كثَلاثةِ بَساتِينَ، ساقاهُ على كُلِّ بُسْتانٍ بقَدْرٍ مُخالِفٍ للقَدْرِ المَشْرُوطِ مِن الآخَرِ. وإن لم يَعْلَما قَدْرَه، أو أحَدُهُما، لم يَجُزْ؛ للجَهالةِ. ولو قال: ساقَيتُكَ علي هَذَين البُسْتانَين بالنِّصْفِ مِن هذا والثُّلُثِ مِن هذا. صَحَّ؛ لأنَّها صَفقَةٌ واحِدَةٌ جَمَعَتْ عِوَضَين، فصار كقَوْلِه: بِعْتُكَ دارَيَّ هاتَين، هذه بألْفٍ وهذه بمائةٍ. وإن قال: بالنِّصْف من أحَدِهِما، والثُّلُثِ مِن الآخَرِ. ولم يُعَيِّنْه، لم يَصِحَّ؛ للجَهالةِ؛ لأنَّه لا يَعْلَمُ الَّذي يَسْتَحِقُّ نِصْفَه. ولو ساقاهُ على بُسْتانٍ واحِدٍ، نِصْفُه هذا بالنِّصْفِ، ونِصْفُه هذا بالثُّلُثِ، وهما مُتَمَيِّزان، صَحَّ؛ لأنَّهما كَبُسْتانَينِ.
(1) زيادة من: ر 1.
(2)
في ق، ر:«شهادة» . وفي م: «شاهده» .
(3)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن كان البُسْتانُ لاثْنَين، فساقَيَا عامِلًا واحدًا، على أنَّ له نِصْفَ نَصِيبِ أحَدِهما، وثُلُثَ نَصِيبِ الآخَرِ، والعامِلُ عالِمٌ ما لكلِّ واحدٍ منهما، جاز؛ لأنَّ عَقْدَ الواحِدِ مع الاثْنَين عَقْدانِ. ولو أفْرَدَ كلَّ واحدٍ منهما بعَقْدٍ، كان له أن يَشْرُطَ ما اتَّفَقَا عليه. وإن جَهِل نَصِيبَ كلِّ واحدٍ منهما، لم يَجُزْ؛ لأنَّه غَرَرٌ، فإنَّه قد يَقِلُّ نَصِيبُ مَن شَرَط له النِّصْفَ، فيَقِلُّ حَظُّه، وقد يَكْثُرُ فيَتَوَفَّرُ حَظَّه. فأمّا إن شَرَطا قَدْرًا واحِدًا مِنِ مالِهِما، جازَ، وإن لم يَعْلَمْ قَدْرَ ما لِكُلِّ واحدٍ منهما؛ لأنَّها جَهالةٌ لا غرَرَ فيها ولا ضَرَرَ، فهو كما لو قالا: بِعْناكَ دارَنا هذه بألْفٍ. ولم يَعْلَمْ نَصِيبَ كلِّ واحدٍ منهما، جازَ (1)؛ لأنَّه أيُّ نَصِيبٍ كان، فقد عَلِمَ عِوَضَه، وعَلِمَ جُمْلةَ المَبِيعِ، فَصَحَّ. كذلك ههُنا. ولو ساقَى واحِدٌ اثْنَين، جاز، ويجوزُ أن يَشْرُطَ لهما التَّساوِيَ في النَّصِيبِ، وأن يَشْرُطَ لأحَدِهما أَكْثَرَ مِن الآخَرِ.
فصل: ولو ساقاهُ ثَلاثَ سِنينَ على أنَّ له في الأولَى النِّصْفَ، وفي الثانِيَةِ الثُّلُثَ، وفي الثالِثَةِ الرُّبْعَ، جازَ؛ لأنَّ قَدْرَ ما لَه في كلِّ سَنَةٍ مَعْلُومٌ، فصَحَّ، كما لو شَرَط له من كلِّ نَوْعٍ قَدْرًا.
(1) سقط من: الأصل.