الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ عَلَى عَمَلٍ يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ؛ كَالْحَجِّ، وَالْأَذَانِ، وَنَحْوهِمَا. وَعَنْهُ؛ تَصِحُّ.
ــ
لأنَّ الإِخْلال بالشَّرْطِ منه، فلا يكونُ ذلك وَسِيلةً له إلى الفَسْخِ، كما لو تَعَذَّرَ المُسَلَّمُ فيه في وَقْتِه لم يَمْلِكِ المُسَلَّمُ إليه الفَسْخَ، ومَلَكَهُ المُسَلِّمُ، فإن اخْتارَ إمْضاءَ العَقْدِ طالبَه بالعَمَلِ لا غيرُ، كالمُسَلِّمِ إذا صَبَر عند تَعَذُّرِ المُسَلَّمِ فيه إلى حينِ وُجُودِه، لم يَكُنْ له أكْثَرُ مِن المُسَلَّمِ فيه، وإن فَسَخ العَقْدَ قبلَ العَمَلِ، سَقَط الأجْرُ والعَمَلُ، وإن كان بعد عَمَلِ بعضِه، فله أجْرُ المِثْلِ؛ لأنَّ العَقْدَ قد انْفَسَخَ، فسَقَطَ المُسَمَّى، ورَجَع إلى أجْرِ المِثْلِ.
2188 - مسألة: (ولا تجوزُ الإِجارَةُ على عَمَلٍ يَخْتَصُّ فاعِلُه أن يكونَ من أهْلِ القُرْبَةِ؛ كالحَجِّ، والأذانِ، ونحوهما. وعنه، تَصِحُّ)
معنى قولِه: يَخْتَصُّ فاعِلُه أن يكونَ مِن أهْلِ القُرْبَةِ. أنَّه يكونُ مُسْلِمًا. وقد اخْتَلَفتِ الرِّوايةُ عن أحمدَ، رحمه الله، في الاسْتِئْجارِ على ما (1)
(1) في م: «عمل» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَخْتَصُّ فاعِلُه أن يكونَ مُسْلِمًا؛ كالإِمامَةِ، والحَجِّ، والأذانِ، وتَعْلِيمِ القُرْآنِ، فرُوِيَ عنه، أنَّها لا تَصِحُّ. وبه قال عَطاءٌ، والضَّحّاكُ بنُ قَيسٍ، وأبو حنيفةَ، والزُّهْرِيُّ. وكَرِهَ إسحاقُ تَعْلِيمَ القُرْآنِ بأجْرٍ. قال عبدُ اللهِ بنُ شَقِيقٍ: هذه الرُّغْفانُ التي يَأْخُذُها المُعَلِّمُونَ مِنَ السُّحْتِ. وكَرِهَ أجْرَ المُعَلِّمِ مع الشَّرْطِ؛ الحَسَنُ، وابنُ سِيرِينَ، وطاوُسٌ، والشَّعْبِيُّ، والنَّخَعِيُّ. وعن أحمدَ رِوايةٌ أخرى، أنَّه يجوزُ. حكاهَا أبو الخَطّابِ، ونَقَل أبو طالبٍ عن أحمدَ أنَّه قال: التَّعْلِيمُ أحَبُّ إليَّ مِن أن يتَوَكَّلَ لهؤلاءِ السَّلاطِينِ، ومِن أن يتَوَكَّلَ لِرَجُلٍ مِن عامَّةِ الناسِ في ضَيعةٍ، ومِن أن يَسْتَدِينَ ويَتَّجِرَ، لعلَّه لا يَقْدِرُ على الوَفاءِ فيَلْقَى اللهَ بأماناتِ الناسِ، التَّعْلِيمُ أحَبُّ إليَّ. وهذا يَدُلُّ على أنَّ مَنْعَه منه في مَوْضِعِ مَنْعِه للكَراهةِ لا للتَّحْرِيمِ. ومِمَّنْ أجازَ ذلك مالكٌ، والشافعيُّ. ورَخَّصَ في أُجُورِ المُعَلِّمينَ أبو قِلابَةَ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ؛ لأنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زَوَّجَ رَجُلًا بما مَعَهُ مِنَ القُرْآنِ. مُتَّفَقٌ عليه (1). فإذا جازَ تَعْلِيمُ القُرآنِ عِوَضًا في النِّكاحِ وقامَ مَقامَ المَهْر، جازَ أخْذُ الأُجْرةِ عليه في الإِجارَةِ. وقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«أحَقُّ مَا أَخَذْتُمْ علَيهِ أَجْرًا كِتابُ اللهِ» (2). حَديِثٌ
(1) أخرجه البخاري، في: باب وكالة الامرأة الإمام في النكاح، من كتاب الوكالة، وفي: باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه، وباب القراءة عن ظهر قلب، من كتاب فضائل القرآن، وفي: باب تزويج المعسر. . .، وباب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح، وباب النظر إلى المرأة قبل التزويج، وباب إذا كان الولى هو الخاطب، وباب السلطان ولي، وباب إذا قال الخاطب للولي زوجني فلانة. . .، وباب التزويج على القرآن وبغير صداق، من كتاب النكاح، وفي: باب خاتم الحديد، من كتاب اللباس. صحيح البخاري 3/ 132، 6/ 236، 237، 7/ 8، 17، 19، 22، 23، 24، 26، 202. ومسلم، في: باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن. . .، من كتاب النكاح. صحيح مسلم 2/ 1041.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في التزويج على العمل يعمل، من كتاب النكاح. سنن أبي داود 1/ 487. والترمذي، في: باب مما جاء في مهور النساء، من أبواب النكاح. عارضة الأحوذي 5/ 34، 35. والنسائي، في: باب الكلام الذي ينعقد به النكاح، وباب هبة المرأة نفسها لرجل بغير صداق، من كتاب النكاح. المجتبى 6/ 76، 100، 101. وابن ماجه، في: باب صداق النساء، من كتاب النكاح. سنن ابن ماجه 1/ 608. والدارمي، في: باب ما يجوز أن يكون مهرا، من كتاب النكاح. سنن الدارمي 2/ 142. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 334، 336.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 372.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صَحِيحٌ. وفي حَدِيثِ أبي سعيدٍ أنَّ رَجلًا رَقَى رَجُلًا بِفاتِحَةِ الكِتابِ على جُعْلٍ، فَبَرأ، وأخَذَ أصحابُه الجُعْلَ، فأتَوْا به النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأخْبَرُوه وسَألُوه، فقال:«لَعَمْرِي لَمَنْ أكَلَ بِرُقْيَةِ باطِلٍ، لَقَدْ أكَلْتَ بِرُقْيَةِ حَقٍّ، كُلُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ بِسَهْمٍ» (1). حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وإذا جازَ أخْذُ الجُعْلِ، جازَ أخْذُ الأجْرِ؛ لأنَّه في مَعْناه، ولأنَّه يجوزُ أخْذُ الرِّزْقِ عليه مِن بَيتِ المالِ، فجازَ أخْذُ الأجْرِ عليه، كبِناءِ المَساجِدِ، ولأنَّ الحاجَةَ تَدْعُو إلى الاسْتِنابةِ في الحَجِّ عَمَّنْ وَجَب عليه وعَجَز عن فِعْلِه، ولا يَكادُ يُوجَدُ مُتَبَرِّعٌ بذلك، فيُحْتاجُ إلى بَذْلِ الأجْرِ فيه. ووَجْهُ الرِّوايةِ الأُولَى، ما رَوَى عُثمانُ بنُ أبي العاصِ، قال: إنَّ آخِرَ ما عَهِدَ إليَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، أنِ
(1) أخرجه البخاري، في: باب ما يعطى في الرقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب، من كتاب الإجارة، وفي: باب فاتحة الكتاب، من كتاب فضائل القرآن، وفي: باب الرقى بفاتحة الكتاب، وباب النفث في الرقية، من كتاب الطب. صحيح البخاري 3/ 121، 6/ 231، 7/ 170، 173. ومسلم، في: باب جواز أخذ الأجرة على الرقية بالقرآن والأذكار، من كتاب السلام. صحيح مسلم 4/ 1727، 1728. وأبو داود، في: باب كسب الأطباء، من كتاب البيوع، وفي: باب كيف الرقى، من كتاب الطب. سنن أبي داود 2/ 237، 238، 340. والترمذي، في: باب ما جاء في أخذ الأجر على التعويذ، من أبواب الطب. عارضة الأحوذي 8/ 223. وابن ماجه، في: باب أجر الراقي، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 729. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 2، 10، 44، 83. أما قوله: «لعمرى لمن أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق» . فأخرجها أبو داود في قصة الرجل المعتوه، في: باب كسب الأطباء، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 238. وليست من رواية أبي سعيد.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لا يَأْخُذُ على أذانِه أجْرًا. قال التِّرْمِذِيُّ (1): هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وروَى عُبادَةُ بنُ الصّامِتِ، قال: عَلَّمْتُ أُناسًا مِن أهْلِ الصُّفَّةِ القُرْآنَ والكِتابةَ، فأهْدَى إليَّ رَجُلٌ منهم قَوْسًا، قال: قلتُ: قَوْسٌ ولَيسَتْ بمالٍ (2)، أتَقَلَّدُها في سَبِيلِ اللهِ. فذَكَرْتُ ذلك للنبيِّ صلى الله عليه وسلم. وقَصَّ عليه القِصَّةَ، قال:«إِنْ سَرَّكَ أنْ يُقَلِّدَكَ اللهُ قَوْسًا مِنْ نارٍ فَاقْبَلْها» (3). وعن أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، أنَّه عَلَّمَ رجلًا سُورَةً مِن القُرآنِ، فأهْدَى له خَمِيصَةً (4) أو ثَوْبًا. فذَكَرَ ذلك للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال:«لَوْ أنَّكَ لَبِسْتَها، أوْ أخَذْتَها، ألْبَسَكَ اللهُ مَكانَها ثَوْبًا مِنْ نَارٍ» (5) وعن أُبَيٍّ، قال: كُنْتُ أَخْتَلِفُ إلى رجلٍ مُسِنٍّ قد أصابَتْه عِلَّةٌ، قد احْتَبَسَ في بَيتِه أُقْرِئُه القُرآنَ، فكان عندَ فَراغِه ممَّا أُقْرِئُه يقولُ لجارِيَةٍ له: هَلُمِّى طَعامَ أخِي. فيُؤْتَى بطَعامٍ لا آكُلُ
(1) أخرجه الترمذي، في: باب في كراهية أن يأخذ على الأذان أجرًا، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذي 2/ 11. والنسائيُّ، في: باب اتخاذ المؤذن الذي لا يأخذ على أذانه أجرا، من كتاب الأذان. المجتبى 2/ 20. وابن ماجه، في: باب السنة في الأذان، من كتاب الأذان. سنن ابن ماجه 1/ 236. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 217.
(2)
بعده في م: «قال: قلت» .
(3)
أخرجه أبو داود، في: باب في كسب المعلم، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 237. وابن ماجه، في: باب الأجر على تعليم القرآن، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 730.
(4)
الخميصة: ثوب أسود أو أحمر له أعلام.
(5)
أخرجه ابن ماجه، في: باب الأجر على تعليم القرآن، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 730.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مثلَه بالمَدِينةِ، فحاكَ في نَفْسِي منه شيءٌ، فذَكَرْتُه للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال:«إنْ كَانَ ذَاكَ الطَّعامُ طَعَامَهُ وطَعامَ أهْلِه فَكُلْ مِنْهُ، وإن كان يُتْحِفُكَ به فَلَا تَأْكُلْهُ» (1). وعن عبدِ الرحمنِ بنِ شِبْلٍ الأنْصارِيِّ، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «اقْرَأُوا القُرْآنَ، وَلَا تَغْلُوا فيه، ولا تَجْفُوا عَنْهُ، وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ، وَلَا تَسْتَكْثِرُوا بِهِ» (2). روَى هذه الأحادِيثَ كُلَّها الأثْرَمُ في «سُنَنِه» . ولأنَّ مِن شَرْطِ صِحَّةِ هذه الأفْعالِ كَوْنَها قُرْبةً إلى اللهِ تعالى، فلم يَجُزْ أخْذُ الأجْرِ عليها، كما لو اسْتَأْجَرَ قَوْمًا يُصَلُّونَ خَلْفَه الجُمُعَةَ أو التَّراويحَ. فأمَّا الأخْذُ على الرُّقْيَةِ، فإنَّ أحمدَ اخْتارَ جَوازَه، وقال: لا بَأْسَ. وذَكَرَ حَدِيثَ أبي سعيدٍ. والفَرْقُ بينه وبينَ ما اخْتُلِفَ فيه، أنَّ الرُّقْيَةَ نَوْعُ مُداواةٍ؛ والمَأْخُوذُ عليها جُعْلٌ، والمُداواةُ يُباحُ أخْذُ الأجْرِ عليها، والجَعالةُ أوْسَعُ مِنَ الإِجارَةِ، ولهذا تجوزُ مع جَهالةِ العَمَلِ والمُدَّةِ. وقولُه عليه السلام:«أَحَقُّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيهِ أَجْرًا كِتَابُ اللهِ» . يَعْنِي به الجُعْلَ أيضًا في الرُّقْيَةِ؛ لأنَّه ذَكَر ذلك في سِياقِ خَبَرِ الرُّقْيَةِ. وأمَّا جَعْلُ تَعْلِيمِ القُرْآنِ صَداقًا، فعنه فيه اخْتِلافٌ، وليس في الخَبَرِ تَصْرِيحٌ
(1) لم نجده.
(2)
أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 3/ 428، 444. وقال الحافظ: سنده قوي. الفتح 9/ 101.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بأنَّ التَّعْلِيمَ صَداقٌ، إنَّما قال:«زَوَّجْتُكهَا [على ما] (1) مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ» . فيَحْتَمِلُ أنَّه [زَوَّجه إياها](2) بغيرِ صَداقٍ إكْرامًا له، كما زَوَّجَ أبا طَلْحةَ أُمَّ سُلَيمٍ على إسْلامِه (3)، ونُقِلَ عنه جوازُه. والفَرْقُ بين المَهْرِ والأجْرِ، أنَّ المَهْرَ ليس بعِوَضٍ مَحْضٍ وإنَّما وَجَب نِحْلَةً ووُصْلَةً، ولهذا جاز خُلُوُّ العَقْدِ عن تَسْمِيَتِه، وصَحَّ مع فَسادِه، بخِلافِ الأجْرِ في غيرِه.
فصل: فأمَّا الرِّزْقُ مِن بَيتِ المالِ، فيجوزُ على ما يَتَعَدَّى نَفْعُه مِن هذه الأُمُورِ؛ لأنَّ بَيتَ المالِ مِن مَصالِحِ المُسْلِمِين، فإذا كان بَذْلُه لمن يَتَعَدَّى نَفْعُه إلى المُسْلِمِين مُحْتاجًا إليه، كان مِنَ المَصالِحِ، وكان له أخْذُه؛ لأنَّه مِن أهْلِه، وجَرَى مَجْرَى الوَقْفِ على مَن يَقُومُ بهذه المَصالِحِ، بخِلافِ الأجْرِ.
فصل: فإن أُعْطِيَ المُعَلِّمُ شَيئًا مِن غيرِ شَرْطٍ، جازَ، في ظاهِرِ كلامِ أحمدَ، فإنَّه قال، في رِوايةِ أيُّوبَ (4) ابنِ سافرى: لا يَطْلُبُ، ولا يُشارِطُ، فإن أُعْطِيَ شيئًا أخَذَه. وقال، في رِوايةِ أحمدَ بنِ سعيدٍ: أكْرَهُ أجْرَ المُعَلِّمِ إذا شَرَط. وقال: إذا كان المُعَلِّمُ لا يُشارِطُ، ولا يَطْلُبُ
(1) في م: «بما» .
(2)
في م: «زوجها إياه» .
(3)
انظر: الإصابة 8/ 228.
(4)
في الأصل: تش، ر، ق:«يعقوب» . وهو أيوب بن إسحاق بن إبراهيم بن سافري، انتقل إلى الرملة، وحدث بها وبمصر، وحدث بمسائل كثيرة صالحة عن الإمام أحمد، وتوفي بدمشق سنة تسع وخمسين ومائتين. طبقات الحنابلة 1/ 117، 118.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مِن أحَدٍ شيئًا، إن أتاهُ شيءٌ قَبِلَه. كأنَّه يَراه أهْوَنَ. وكَرِهَهُ طائِفَةٌ مِن أهْلِ العِلْمِ؛ لِما تَقَدَّمَ مِن حَدِيثِ القَوْسِ والخَمِيصَةِ التي أُعْطِيَهما (1) أُبَيٌّ وعُبادَةُ مِن غيرِ شَرْطٍ. ولأنَّ ذلك قُرْبةٌ، فلم يَجُزْ أخْذُ العِوَضِ عنه بِشَرْطٍ ولا بغيرِه، كالصَّلاةِ والصِّيامِ. ووَجْهُ الأوَّلِ، قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«مَا أتَاكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ مِنْ غَيرِ مسألةٍ وَلَا إِشْرَافِ نَفْسٍ فَخُذْهُ وتَمَوَّلْهُ، فَإنَّه رِزْقٌ سَاقَهُ اللهُ إِلَيكَ» (2). وقد أرْخَصَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأُبَيٍّ (3) في أكْلِ طَعامِ الذي كان يُعَلِّمُه إذا كان طَعامَه وطَعامَ أهْلِه. ولأنَّه إذا كان بغيرِ شَرْطٍ كان هِبَةً مُجَرَّدَةً، فجازَ، كما لو لم يُعَلِّمْه شيئًا. فأمَّا حَدِيثُ القَوْسِ والخَمِيصَةِ فقَضِيَّتان في عَينٍ، فيَحْتَمِلُ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عَلِمَ أنَّهما فَعَلا ذلك خالِصًا، فكَرِهَ أخْذَ العِوَضِ عنه مِن غيرِ اللهِ تعالى، ويَحْتَمِلُ غيرَ ذلك. فأمَّا إن أُعْطِيَ المُعَلِّمُ أجْرًا على تَعْلِيمِ الخَطِّ وحِفْظِه، جازَ. نَصَّ عليه أحمدُ، فقال: إن كان المُعْطِي يَنْوي أنَّه يُعْطِيه لحِفْظِ الصَّبِيِّ وتَعْلِيمِه، فأرْجُو إذا كان كذا. ولأنَّ هذا ممَّا يجوزُ أخْذُ الأجْرِ
(1) في م: «أعطيها» .
(2)
أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 2/ 292، 323، 490، 4/ 221، 5/ 65، 6/ 77، 259، 367.
(3)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عليه مُفْرَدًا، فجازَ مع غيرِه، كسائِرِ ما يجوزُ الاسْتِئْجارُ عليه. وهكذا لو كان إمامُ المَسْجِدِ [قَيِّمًا يَكْنُسُه](1)، ويُسْرِجُ قَنادِيلَه، ويُغْلِقُ بابَه ويَفْتَحُه، فأخَذَ أجْرًا على خِدْمَتِه، أو كان النائِبُ في الحَجِّ يَخْدِمُ المُسْتَنِيبَ له في طَرِيقِ الحَجِّ، ويَشُدُّ (2) له، ويَحُجُّ عن قَرِيبِه، فدَفَعَ إليه أجْرًا لخِدْمَتِه، جازَ ذلك، إن شاء اللهُ تعالى.
فصل: فأمَّا ما لا يَخْتَصُّ فاعِلُه أن يكونَ مِن أهْلِ القُرْبَةِ، كتَعْلِيمِ الخَطِّ والحِسابِ والشِّعْرِ المُباحِ (3) وشِبْهِه، وبناءِ المَساجِدِ والقَناطِرِ، فيجوزُ أخْذُ الأجْرِ عليه؛ لأنَّه يَقَعُ تارَةً قُرْبةً، وتارَةً غيرَ قُرْبةٍ، فلم يُمْنَعْ مِن الاسْتِئْجارِ لِفِعْلِه، كغَرْسِ الأشْجارِ، وبناءِ البُيُوتِ. وكذلك في تَعْلِيمِ الفِقْهِ والحَدِيثِ. ذَكَرَه شَيخُنا (4). وذَكَر القاضِي في «الخِلافِ» أنَّهما مِن القِسْمِ الأوَّلِ. والأوْلَى، إن شاء اللهُ، ما ذَكَرَه شَيخُنا؛ لكَوْنِ فاعِلِها (5) لا يَخْتَصُّ أن يكونَ مِن أهْلِ القُرْبَةِ، واللهُ
(1) في الأصل، ر، ق:«فيما يكتسبه» .
(2)
في م: «ليشد» .
(3)
سقط من: م.
(4)
في: المغني 8/ 141.
(5)
في م: «فاعله» .