الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالعُرْفِ. وكلُّ مَوْضِع وَقَع العَقْدُ على مُدةٍ، فلا بُدَّ مِن مَعْرِفةِ الظَّهْرِ الذي يَعْمَلُ عليه؛ لأن الغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِها في القُوَّةِ والضعْفِ. وإن وَقَع على عَمَل مُعَيَّن، لم يَحْتَجْ إلى ذلك؛ لأنه لا يَخْتَلِفُ. ويَحْتَمِلُ أن يَحْتاجَ إلى ذلك في اسْتِقاءِ الماءِ عليه؛ لأن منه ما رَوْثُه وجِسْمُه طاهِر، كالخَيلِ والبَقَرِ، ومنه ما رَوْثُه نَجِس وفي جِسْمِه اخْتِلاف، كالبِغَالِ، فرُبما نَجَّسَ يَدَ المُسْشَقِي أو دَلْوَه، فيَتَنَجَّس الماءُ به، فيَخْتَلِفُ الغرَضُ بذلك، فاحْتِيجَ إلى مَعْرِفَتِه.
2185 - مسألة: يجوزُ (اسْتِئْجارُ رَجُل ليَدُلَّهُ على طَرِيقٍ)
لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأبا بكر اسْتَأجَرَا عَبْدَ اللهِ بنَ الأرَيقِطِ هادِيًا خِرِّيتًا (1). وهو الماهِرُ بالهِدايةِ، ليَدُلَّهُما على الطرِيقِ إلى المَدِينةِ.
2186 - مسألة: (و)
يَصِحُّ اسْتِئْجارُ (رَحًى لِطَحْنِ قُفْزانٍ مَعْلُومةٍ) ويَحْتاجُ إلى مَعْرِفةِ جِنْسِ المَطْحُونِ؛ بُرًّا، أو شَعِيرًا، أو ذُرَةً، أو غيرَه؛ لأنَّ ذلك يَخْتَلِفُ، فمنه ما يَسْهُلُ طَحْنُه، ومنه ما يَعْسُرُ، فاحْتِيجَ إلى مَعْرِفَتِه، لتَزُولَ الجَهالةُ.
فصل: يجوزُ اسْتِئْجارُ كَيّالٍ، ووَزَّانٍ لِعَمَل مَعْلُوم، أو في مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ. وبه قال مالك، والثَّوْرِيُّ، والشافعيُّ، وأصحابُ الرَّأي. لا نَعْلَمُ فيه خِلافًا، وقد رُوِيَ في حَدِيثِ سُوَيدِ بنِ قَيس: أتانا رسولُ اللهِ
(1) تقدم تخريجه في 10/ 129.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صلى الله عليه وسلم فاشْتَرَى مِنّا رجلٌ سَراويلَ، وثَمَّ رَجُلٌ يَزِنُ بأجْرٍ، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«زِنْ وأرْجِحْ» . رَواه أبو داوُدَ (1).
فصل: ويجوزُ اسْتِئْجارُ رَجُل لِيُلازِمَ غَرِيمًا تُسْتَحَقُّ مُلازَمَتُه. وقد رُوِيَ عن أحمدَ أنَّه كَرِهَ ذلك، وقال: غيرُ هذا أعْجَبُ إليَّ. وإنَّما كَرِهَه؛ لأنَّه يَئُولُ إلى الخُصُومَةِ، وفيه تَضْيِيقٌ على المُسْلِمِ، ولا يَأمَنُ أن يكونَ ظالِمًا فيُساعِدَه على ظُلْمِه. ورُوِيَ عنه أنَّه قال: لا بأس به؛ لأنَّ الظاهِرَ أنَّه مُحِقٌّ (2)، فإنَّ الحاكِمَ في الظاهِرِ لا يَحْكُمُ إلَّا بحَق، ولهذا أجَزْنا للمُوَكلِ فِعْلَه.
فصل: ويجوزُ الاسْتِئْجارُ لِحَفْرِ الآبارِ والأنْهارِ والقُنِيِّ؛ لأنها مَنْفَعة مَعْلُومة، يجوزُ أن يَتَطوَّعَ بها، [الرجلُ على غيرِه](3)، فجازَ الاسْتِئْجارُ عليها، كالخِدْمَةِ. ولابدَّ مِن تَقْدِيرِ العَمَلِ بمُدَّةٍ أو عَمَل مُعَيَّن، فإن قَدَّرَهُ بمُدَّةٍ، نحوَ أن يَسْتَأجِرَه شَهْرًا لِيَحْفِرَ له بِئْرًا أو نَهْرًا؛ لم يَحْتَجْ إلى مَعْرِفةِ القَدْرِ، وعليه الحَفْرُ في ذلك الشَّهْرِ، قَلِيلًا حَفَر أو كثيرًا. قال شيخُنا (4): ويَفْتَقِرُ إلى مَعْرِفةِ الأرْضِ التي يَحْفِرُ فيها. وقال بعضُ أصحابِنا: لا يَحْتاجُ إلى ذلك؛ لأنَّ الغَرَضَ لا يَخْتَلِفُ بذلك. والأوَّلُ أوْلَى، إن شاءَ اللهُ تعالى؛ لأنَّ الأرْضَ الصلْبَةَ يَشُقُّ حَفْرُها، واللَّيِّنَةَ يَسْهُلُ.
(1) تقدم تخريجه في 11/ 202.
(2)
في م: «بحق» .
(3)
سقط من: تش، م.
(4)
في المغني 8/ 37.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإن قَدَّرَه بالعَمَلِ، فلابُدَّ مِن مَعْرِفةِ المَوْضِعِ بالمُشاهَدةِ؛ لكَوْنِها تَخْتَلِفُ بالسُّهُولةِ والصَّلَابَةِ، ولذلك (1) لا يَنْضَبِطُ بالصِّفَةِ، ويَعْرِفُ دَوْرَ البِئرِ، وعُمْقَها، وطُولَ النَّهْرِ، وعَرْضَه، وعُمْقَه؛ لأنَّ العَمَلَ يَخْتَلِفُ بذلك. وإذا حَفَر بئرًا فعليه شَيلُ التُّرابِ؛ لأَنه لا يُمْكِنُه الحَفْرُ إلَّا بذلك، فقد تَضَمَّنَه العَقْدُ. فإن تَهَوَّرَ تُرابٌ مِن جانِبَيها أو سَقَطَتْ فيه بَهِيمةٌ أو نحو ذلك، لم يَلْزَمْه شَيلُه، وكان على صاحِبِ البِئْرِ؛ لأنَّه سَقَط فيها مِن مِلْكِه، ولا يتَضَمَّنُ عَقْدُ الإجارَةِ رَفْعَه. وإن وَصَل إلى صَخْرةٍ أو جَمادٍ يَمْنَعُ الحَفْرَ، لم يَلْزَمْه حَفْرُه؛ لأنَّ ذلك مُخالِف لِما شاهَدَه مِنَ الأرضِ، وإنَّما اعْتُبِرَتْ مُشاهَدَةُ الأرْضِ؛ لأنَّها تَخْتَلِفُ، فإذا ظَهَر فيها ما يُخالِفُ المُشاهَدَةَ، كان له الخِيارُ في الفَسْخِ، فإن فَسَخ، كان له مِنَ (2) الأجْرِ بحِصَّةِ ما عَمِلَ، فيُسقَطُ الأجْرُ على ما بَقِيَ وما عَمِلَ، فيقال: كم أجْرُ ما عَمِلَ، وكم أجْرُ ما بَقِيَ؟ فيُقَسَّطُ الأجْرُ المُسَمَّى عليهما. ولا يجوزُ تَقْسِيطُه على عَدَدِ الأذْرُعٍ؛ لأنَّ أعْلَى البِئرِ يَسْهُلُ نَقْلُ التُّراب منه، وأسْفَلَه يَشُقُّ ذلك فيه. وإن نبَع منه ما مَنَعَه مِنَ الحَفْرِ، فهو كالصَّخْرةِ، على ما ذَكَرْنا.
فصل: ويجوزُ اسْتِئْجارُ ناسِخٍ لِيَنْسَخَ له كُتُبًا مِنَ الفِقْهِ والحَدِيثِ والشِّعْرِ المُباحِ، أو سِجِلاتٍ، نص عليه في روايةِ مُثَنَّى بنِ جامِع،
(1) في م: «وذلك» .
(2)
سقط من: «م» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وسَأله عن كِتابَةِ الحَدِيثِ بالأجْرِ، فلم يَرَ به بَأسًا. ولابدَّ مِنَ التَّقْدِيرِ بالمُدَّةِ أو العَمَلِ، فإن قَدَّرَه بالعَمَلِ، ذَكَر عَدَدَ الوَرَقِ، وقَدرَه، وعَدَدَ السُّطُورِ في كلِّ ورَقةٍ، وقَدْرَ الحَواشِي، ودِقةَ القَلَمِ وغِلَظَه. فإن عَرَفَ الخَطَّ بالمُشاهَدَةِ، جازَ، وإن أمْكَنَه (1) بالصِّفَةِ ضَبَطَه، وإلَّا فلابُدَّ مِنَ المُشاهَدةِ؛ لأنَّ الأجْرَ يَخْتَلِفُ باخْتِلافِه. ويجوزُ تَقْدِيرُ الأجْرِ بأجْزاءِ الفَرْعِ، وبأجْزاءِ الأصْلِ. وإن قاطَعَه على نَسْخِ الأصْلِ بأجْر واحدٍ، جازَ. وإن أخْطَأ بالشَّيءِ اليَسِيرِ، عُفِيَ عنه؛ لأَنه لا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ منه. وإن كان كثيرًا بحيث يَخْرُجُ عنِ العادَةِ، فهو عَيب يُرَدُّ به. وقال ابنُ عَقِيلٍ: ليس له مُحادَثَةُ غيرِه حال النَّسْخِ. ولا التَّشاغُلُ بِما يَشْغَلُ سِرَّه ويُوجِبُ غَلَطَه، ولا لغيرِه تَحْدِيثُه وشَغْلُه. وكذلك الأعْمالُ التي تَخْتلُّ بِشَغْلٍ السِّرِّ والقَلْبِ، كالقِصارَةِ والنِّساجَةِ ونحوهما. ويجوزُ أن يَسْتَأجِرَ على نسْخِ مُصْحَفٍ، في قولِ أكثرِ أهْلِ العِلْمِ؛ منهم جابرُ بنُ زَيدٍ، ومالِكُ بنُ دينار، وبه قال أبو حنيفةَ، والشافعيُّ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ. وقال ابنُ سِيرينَ: لا بَأسَ أن يَسْتَأجرَ الرجلَ شَهْرًا، ويَسْتَكْتِبَه مُصْحَفًا. وكَرِهَ عَلْقَمةُ كِتابَةَ المُصْحَفِ بالأَجْرِ، ولَعَلَّه يَرَى ذلك مما يَخْتَصُّ كَوْنَ فاعِله مِن أهْلِ القُرْبَةِ، فكَرِهَ الأجْرَ عليه، كالصَّلاةِ. ولَنا، أَنه فِعْل مُباح يجوزُ أن يَنُوبَ فيه الغيرُ عن الغيرِ، فجازَ أخْذُ الأجْرِ عليه،
(1) في م: «أمكن ضبطه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كَكِتابَةِ الحَدِيثِ، وقد جاء في الخَبَرِ:«أَحَقُّ مَا أخَذْتُمْ عَلَيهِ أجْرًا كِتَابُ اللهِ» (1).
فصل: يَجوزُ أن يَسْتَأْجِرَ لحَصادِ زَرْعِه، لا نَعْلَمُ فيه خِلافًا. وكان إبراهيمُ بنُ أدْهَمَ يُؤْجِرُ نَفْسَه لحَصادِ الزَّرْعِ. ويجوزُ تَقْدِيرُه بمُدَّةٍ وبِعَمَلٍ، مثلَ أن يُقاطِعَه على حَصادِ زَرْعٍ مُعَيَّنٍ. ويجوزُ أن يَسْتَأْجِرَ رجلًا لِسَقْي زَرْعِه وتَنْقِيَتِه ودياستِه (2) ونَقْلِه إلى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ. ويجوزُ أن يَسْتَأْجِرَ رَجُلًا يَحْتَطِبُ له؛ لأنَّه عَمَلٌ مُباحٌ، تَدْخُلُه النِّيابةُ، أشْبَهَ حَصادَ الزَّرْعِ. قال أحمدُ في رجلٍ اسْتَأْجَرَ أجِيرًا على أن يَحْتَطِبَ له على حِمارَينِ كلَّ يَوْمٍ، فكان الرجلُ يَنْقُلُ عليهما وعلى حَمِيرٍ لرجلٍ آخَرَ، ويَأْخُذُ منه الأُجْرَةَ، فإن كان يَدْخُلُ عليه ضَرَرٌ، يَرْجِعُ عليه بالقِيمَةِ. وظاهِرُ هذا أن المُسْتأْجِرَ يَرْجِعُ على الأجِيرِ بقِيمَةِ ما اسْتَضَرَّ باشْتِغالِه عن عَمَلِه؛ لقولِه: إن كان يَدْخُلُ عليه ضَرَرٌ، يَرْجِعُ (3) بالقِيمَةِ. فاعْتَبَرَ الضَّرَرَ. وظاهِرُ هذا أنَّه إذا لم يَسْتَضِرَّ، لا يَرْجِعُ بشيءٍ؛ لأنَّه اكْتَراه لعَمَلٍ فَوفّاه على التَّمامِ، فلم يَلْزَمْه شيءٌ، كما لو اسْتَأْجَرَه لِعَمَلٍ، فكان يَقْرَأُ القُرآنَ في حال عَمَلِه، فإن ضَرَّ المُسْتَأْجِرَ، رَجَع عليه بقِيمَةِ ما فَوَّتَ عليه. ويَحْتَمِلُ أنَّه أرادَ أنَّه يَرْجِعُ عليه بقِيمَةِ ما عَمِلَه لغيرِه؛ لأنَّه صَرَف مَنافِعَه المَعْقُودَ عليها إلى عَمَلِ غيرِ المُسْتَأْجِرِ، فكان عليه
(1) أخرجه البخاري، في: باب ما يعطى في الرقية على أحياء العرب، من كتاب الإجارة، وفي: باب الشرط في الرقية بقطيع من الغنم، من كتاب الطب. صحيح البخاري 3/ 121، 7/ 171.
(2)
في م: «دياسه» .
(3)
في م: «رجع» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قِيمَتُها، كما لو عَمِلَ لِنَفْسِه. وقال القاضي: معناه أنَّه يَرْجِعُ عليه بالأجْرِ الذي أخَذَه مِنَ الآخَرِ؛ لأنَّ مَنافِعَه في هذه المُدَّةِ مَمْلُوكَةٌ لغيرِه، فما حَصَل في مُقابَلَتِها يكونُ للذي اسْتَأْجَرَه.
فصل: يجوزُ الاستِئجارُ لِاسْتِيفاءِ القِصاصِ، في النَّفْسِ وما دُونَها. وبه قال مالكٌ، والشافعيُّ، وأبو ثَوْرٍ. وقال أبو حنيفةَ: لا يجوزُ في النَّفْسِ؛ لأنَّ عَدَدَ الضَّرَباتِ يَخْتَلِفُ، ومَوْضِعُ الضَّرَباتِ غيرُ مُتَعَيَّنٍ، إذْ يُمْكِنُ أن يَضْرِبَ ممَّا يَلِي الرَّأْسَ، وممّا يَلي الكَتِفَ، فكان مَجْهُولًا. ولَنا، أنَّه حَقٌّ يجوزُ التَّوْكِيلُ في اسْتِيفائِهِ، لا يَخْتَصُّ فاعِلُه بكَوْنِه (1) مِن أهْلِ القُرْبَةِ، فجازَ الاسْتِئْجارُ عليه، كالقِصاصِ في الطَّرفِ. وقولُه: إنَّ عَدَدَ الضَّرَباتِ يَخْتَلِفُ وهو مَجْهُولٌ. يَبْطُلُ بخِياطَةِ الثَّوْبِ، فإنَّ عَدَدَ الغَرَزاتِ مَجْهُولٌ. وقولُه: إن مَحَلَّه غيرُ مُتَعَيَّنٍ. قلنا: هو مُتَقارِبٌ، فلا يَمْنَعُ ذلك صِحَّتَه، كمَوْضِعِ الخِياطةِ مِن حاشِيَةِ الثَّوْبِ.
فصل: ويجوزُ أن يَسْتَأْجِرَ سِمْسارًا يَشْتَرِي له ثِيابًا. ورَخَّصَ فيه ابنُ سِيرِينَ، وعَطاءٌ، والنَّخَعِيُّ. وكَرِهَه الثَّوْرِيُّ، وحَمّادٌ. ولَنا، أنَّها مَنْفَعَةٌ مُباحةٌ تجوزُ النِّيابةُ فيها، فجازَ الاسْتِئْجارُ عليها، كالبِناءِ. وتجوزُ على مُدَّةٍ مَعْلُومةٍ، مثلَ أن يَسْتَأْجِرَه عَشَرَةَ أيامٍ يَشْتَرِي له فيها؛ لأنَّ المُدَّةَ مَعْلُومةٌ، والعَمَلَ مَعْلُومٌ، فأشْبَهَ الخَيّاطَ والقَصّارَ. وإن عَيَّنَ العَمَلَ دُونَ الزَّمانِ، فجَعَلَ له مِن كلِّ ألْفِ دِرْهَمٍ شَيئًا مَعْلُومًا، صَحَّ أيضًا. وإن
(1) في تش، م:«أن يكون» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال: كُلَّما اشْتَرَيتَ ثَوْبًا فلَكَ دِرْهَمٌ أجْرًا. وكانتِ الثِّيابُ مَعْلُومةً بِصِفَةٍ، أو مُقَدَّرَةً بثَمَنٍ، جازَ، وإن لم تَكُنْ كذلك، فظاهِرُ كلامِ أحمدَ، أنَّه لا يجوزُ؛ لأنَّ الثِّيابَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ أثْمانِها، والأَجْرُ يَخْتَلفُ باخْتِلافِها. فإن اشْتَرَى فله أجْرُ مِثْلِه. وهذا قولُ أبي ثَوْرٍ، وابنِ المُنْذِرِ؛ لأنَّه عَمِلَ عَمَلًا بِعِوَضٍ لم يُسَلَّمْ له، فكان له أجْرُ المِثْلِ، كسائِرِ الإِجاراتِ الفاسِدَةِ.
فصل: وإنِ اسْتَأْجَرَه لِيَبِيعَ له ثِيابًا بِعَينِها، صَحَّ. وبه قال الشافعيُّ. وقال أبو حنيفةَ: لا يَصِحُّ؛ لأنَّ ذلك يتَعَذَّرُ عليه، فأشْبَهَ ضِرابَ الفَحْلِ، وحَمْلَ الحَجَرِ الكَبِيرِ. ولَنا، أنَّه عَمَلٌ مُباحٌ مَعْلُومٌ، تجوزُ النِّيابةُ فيه، فجازَ الاسْتِئْجارُ عليه، كَشِراءِ الثِّيابِ؛ ولأنَّه يجوزُ الاسْتِئْجارُ عليه مُقَدَّرًا بزَمَنٍ، فجاز مُقَدَّرًا بالعَمَلِ، كالخِياطَةِ. وقولُهم: إنه يتَعَذَّرُ. مَمْنُوعٌ؛ فإنَّ الثِّيابَ لا تَنْفَكُّ عن راغبٍ فيها، ولذلك صَحَّتِ المُضارَبةُ، ولا تكونُ إلَّا بالبَيعِ والشِّراءِ، بخِلافِ ما قاسُوا عليه، فإنَّه يتَعَذَّرُ. وإنِ اسْتَأْجَرَه على شِراءِ ثِيابٍ مُعَيَّنةٍ من رَجُلٍ مُعَيَّنٍ، [أو على بيعِها مِن رجلٍ مُعَيَّنٍ](1)، احْتَمَلَ أن لا يَصِحَّ؛ لأنَّه قد يتَعذَّرُ، لامْتِناعِ صاحِبِها مِنَ البَيعِ، فيَتَعَذَّرُ تَحْصِيلُ العَمَلِ بحُكْمِ الظاهِرِ، بخِلافِ البَيعِ. ويَحْتَمِلُ أن يَصِحَّ؛ لأَنه مُمْكِنٌ في الجُملةِ، فإن حَصَل مِن ذلك شيءٌ، اسْتَحَقَّ الأجْرَ، وإلَّا بَطَلَتِ الإِجارَةُ، كما لو لَمْ يُعَيِّنِ البائِعَ ولا المُشْتَرِيَ.
(1) سقط من: م.
فَصْلٌ: الضَّرْبُ الثَّانِي، عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ فِي الذِّمَّةِ، مَضْبُوطَةٍ بِصِفَاتٍ، كَالسَّلَمِ؛ كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ، وَبِنَاءِ دَارٍ، وَحَمْلٍ إِلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ. وَلَا يَكُونُ الْأَجِيرُ فِيهَا إِلَّا آدَمِيًّا جَائِزَ التَّصَرُّفِ، وَيُسَمَّى الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ.
ــ
فصل: قال الشيخُ، رحمه الله:(الضَّرْبُ الثاني، عَقْدٌ على مَنْفَعَةٍ في الذِّمَّةِ، مَضْبُوطةٍ بصِفَاتٍ، كالسَّلَمِ؛ كخِياطَةِ ثَوْبٍ، وبِناءِ دارٍ، وحَمْلٍ إلى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ. ولا يكونُ الأجِيرُ فيها إلَّا آدِميًّا جائِزَ التَّصَرُّفِ، ويُسَمَّى الأجِيرَ المُشْتَركَ) يجوزُ للآدَمِيِّ أَن يُؤْجِرَ نَفْسَه، بغيرِ خِلافٍ، وقد أجَرَ مُوسَى، عليه السلام، نَفْسَه لرِعايةِ الغَنَمِ، واسْتَأْجَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأبو بكرٍ، رضي الله عنه، رَجُلًا ليَدُلَّهُما على الطَّرِيقِ (1)؛ لأنَّه يجوزُ الانْتِفاعُ به مع بَقاءِ عَينِه، أشْبَهَ الدُّورَ، ثمَّ إنَّ إجارَتَه تَقَعُ على مَوْصُوفٍ في الذِّمَّةِ، كالسَّلَمِ، ومتى كانت (2) على عَمَلٍ مَوْصُوفٍ في الذِّمَّةِ لم يَكُنِ الأجيرُ فيها إلا آدَمِيًّا جائِزَ التَّصَرُّفِ؛ لأنَّ الذِّمَّةَ لا تكونُ لغيرِ الآدَمِيِّ، ولا تَثْبُتُ المُعاوَضَةُ لِعَمَلٍ في الذِّمَّةِ لغيرِ جائِزِ التَّصَرُّفِ، ولا بُدَّ أن يكونَ
(1) تقدم تخريجه في 10/ 129.
(2)
في م: «كان» .