الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْبَذْرِ مِنْ رَبِّ الْأرْض. وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ اشْتِرَاطُهُ.
ــ
2135 - مسألة: (وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْبَذْرِ مِنْ رَبِّ الْأرْض. وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ اشْتِرَاطُهُ)
اخْتَلَفَتِ الرِّوايَةُ عن أحمدَ، رحمه الله، في هذه المَسْألَةُ، فرُويَ عنه اشْتِراطُ كوْنِ البَذْرِ مِن رَبِّ الأرْضِ. نَصَّ عليه في رِوايَةِ جَماعةٍ. وهو اخْتِيارُ الخِرَقِيِّ، وعامّةِ الأصْحابِ. وهو قولُ ابنِ سِيرِينَ، والشافعيِّ، وإسحاقَ؛ لأنَّه عَقْدٌ يَشْتَرِكُ رَبُّ المالِ والعامِلُ في نَمائِه، فوَجَب أن يكونَ رأسُ الْمالِ كلُّه مِن عندِ أحَدِهِما، كالمُساقاةِ، والمُضارَبةِ. ورُوِيَ عنه ما يَدُلُّ على أنَّ البَذْرَ يجوزُ أن يكونَ مِن العامِلِ، فإنَّه قال في رِوايةِ مُهَنّا، في الرَّجُلِ يكونُ له الأرضُ فيها نَخْلٌ وشَجَرٌ، يَدْفَعُها إلى قومٍ يَزْرَعُون الأرْضَ ويَقُومُون على الشَّجَرِ على أنَّ (1) له النِّصْفَ، ولهم النِّصْفُ: فلا بَأْسَ بذلك، [قد دفع](2) النبيُّ صلى الله عليه وسلم
(1) في م: «أنَّه» .
(2)
في الأصل، م:«فدفع» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
خَيبَرَ على هذا. فأجازَ دَفْعَ الأَرْضِ ليَزْرَعَها مِن غيرِ ذِكْرِ البَذْرِ. فعلى هذا، أَيُّهما أخْرَجَ البَذْرَ، جازَ. رُوِيَ نحوُ ذلك عن عُمَرَ، رضي الله عنه. وهو قولُ أبي يوسُفَ، وطائفةٍ مِن أهْلِ الحَدِيثِ، وهو أصَحُّ، إن شاء اللهُ تعالى. ورُوِيَ عن سَعْدٍ، وابنِ مَسْعُودٍ، وابنِ عُمَرَ، أنَّ البَذْرَ مِن العامِلِ. ولَعَلَّهُم أرادُوا به، أنَّه (1) يجوزُ أن يكونَ مِن العامِلِ، فيكونُ كقَوْلِ عُمَرَ، ولا يكونُ قَوْلًا ثالِثًا. والدَّلِيلُ على ذلك قولُ ابنِ عُمَرَ: دَفَع رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى يَهُودِ خَيبَرَ نَخْلَ خَيبَرَ وأرْضَها، على أن يَعْمَلُوها مِن أمْوالِهم، ولرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَطْرُ ثَمَرِها (2). وفي لَفْظٍ: على أن يَعْمَلُوها ويَزْرَعُوها، ولهم شَطْرُ ما يَخرُجُ منها (2). فجَعَلَ عَمَلَها مِن أمْوالِهم، وزَرْعَها عليهم، ولم يَذْكُرْ شيئًا آخَرَ، وظاهِرُه أنَّ البَذْرَ مِن أهْلِ خَيبَرَ، والأصْلُ [المُعَوَّلُ عليه](3) في المُزارَعةِ قِصَّةُ خَيبَر، ولم يَذْكُرِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ البَذْرَ على المسلمين، ولو كان شَرْطًا لَما أخَلَّ بذِكْرِه، ولو
(1) سقط من: الأصل.
(2)
تقدم تخريجه في 10/ 313، وفي صفحة 181.
(3)
في م: «المعمول به» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فَعَله النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه لَنُقِلَ، ولم يَجُزْ تَرْكُ نَقْلِه. ولأنَّ عُمَرَ، رضي الله عنه، فَعَل الأمْرَين جميعًا. فروَى البخاريُّ (1) عنه، أَنَّه عامَلَ الناسَ على أنَّه إن جاء عُمَرُ بالبَذرِ مِن عِنْدِه فله الشَّطْرُ، وإن جاءُوا بالبَذْرِ فلهم كذا. وظاهِرُ هذا أنَّ ذلك اشْتَهَرَ فلم يُنْكَرْ، فكان إجْماعًا. فإن قِيلَ: فهذا بمَنْزِلَةِ بَيعَتَين في بَيعَةٍ، فكيف يَفْعَلُه عُمَرُ رضي الله عنه؟ قلنا: يَحْتَمِلُ أنَّه فَعَل ذلك ليُخَيِّرَهُم في أيِّ العَقْدَين شاءُوا، فمَن اختارَ عَقدًا عَقَدَه معه مُعَيَّنًا، كما لو قال في البَيع: إن شِئْتَ بِعْتُكَ بعَشَرَةٍ صِحاحٍ، وإن شِئْتَ بأحَدَ عَشَرَ مُكَسَّرَةً. فاختارَ أحَدَهُما، فَعَقَدَ البَيعَ عليه مُعَيَّنًا. ويجوزُ أن يكونَ مَجِيئُه بالبَذْرِ، أو شُرُوعُه في العَمَلِ بغيرِ بَذْرٍ، مع إقْرارِ عُمَرَ له على ذلك وعِلْمِه به، جَرَى مَجْرَى العَقْدِ. ولهذا رُوِيَ عن أحمدَ صِحَّةُ الإجارةِ فيما إذا قال: إن خِطته رُوميًّا فلك دِرْهَمٌ، وإن خِطْتَه فارِسيًّا فلك نِصْفُ دِرْهمٍ. وما ذَكَره أصحابُنا مِن القِياسِ يُخالِفُ ظاهِرَ النَّصِّ والإجْماعَ الَّذي ذَكَرْناهُما، فكيف يُعْمَلُ به؟ ثم هو مُنْتَقِضٌ بما إذا اشْتَركَ مالانِ بِبَدَنِ صاحِبِ أحَدِهِما.
(1) تقدم تخريجه في صفحة 230.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن كان البَذْرُ منهما نِصْفَينِ، وشَرَطا أنَّ الزَّرْعَ بينهما نِصْفانِ، فهو بينَهما، سواءٌ قُلنا بصِحَّةِ المُزارَعةِ أو فَسادِها؛ لأنَّها إن كانت صَحِيحةً، فالزَّرْعُ بينَهما على ما شَرَطاه، وإن كانت فاسِدةً فلِكُلِّ واحدٍ منهما بقَدْرِ بَذْرِه، لكنْ إن حَكَمْنا بصِحَّتِها، لم يَرْجِعْ أحَدُهُما على صاحِبِه بشيء. وإن قلنا: مِن شَرْطِ صِحَّتِها أن يكونَ البَذْرُ مِن رَبِّ الأرْضِ. فهي فاسِدَةٌ، فعلى العامِلِ نِصْفُ أجْرِ الأرْضِ، وله على رَبِّ الأَرْضِ نِصْفُ أجْرِ عَمَلِه، فيَتقاصّانِ بقَدْرِ الأقَلِّ منهما، ويَرْجِعُ أحَدُهُما على صاحِبِه بالفَضْلِ. وإن شَرَطَا التَّفاضلَ في الزَّرْعِ، وقلنا بصِحَّتِها، فالزَّرْعُ بينهما على ما شَرَطاه، ولا تَراجُعَ. وإن قلنا بفَسادِها، فالزَّرْعُ بينَهما على قَدْرِ البَذْرِ، ويَتَراجَعانِ، كما ذَكَرْنا. وكذلك إن تَفَاضَلا في البَذْرِ، وشَرَطا التَّساويَ في الزَّرْعِ، أو شَرَطا لأحَدِهما أكْثَرَ مِن قَدْرِ بَذْرِه أو أَقَلَّ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن قال صاحِبُ الأرْضِ: أجَرْتُكَ نِصْفَ أرْضِي بنِصْفِ البَذْرِ ونِصْفِ مَنْفَعَتِكَ ومَنْفَعَةِ بَقَرِكَ وآلتِكَ. وأخْرَجَ المُزارِعُ البَذرَ كُلَّهْ، لم يَصِحَّ؛ لأنَّ المَنْفَعَةَ غيرُ مَعْلُومَةٍ. وكذلك لو جَعَلَها أُجْرَةٌ لأرْضٍ أُخْرَى، أو دارٍ، لم يَجُزْ، والزَّرْعُ كلُّه للمُزارِعِ، وعليه أجْرُ مِثْلٍ الأرْضِ. فإن أمْكَنَ عِلْمُ المَنْفَعَةِ وضَبْطُها بما لا تَخْتَلِفُ معه، ومَعْرِفةُ البَذْرِ، جازَ، وإن كان الزَّرْعِ بينَهما. ويَحْتَمِلُ أن لا يَصِحَّ؛ لأنَّ البَذْرَ عِوَضٌ في الإِجارَةِ، فيُشْتَرَطُ قبْضُه، كما لو كان مَبِيعًا وما حَصَلِ فيه قَبْضٌ. وإن قال: أجَرْتُكَ نِصْفَ أرْضِي بنِصْفِ مَنْفَعَتِكَ، ومَنْفعَةِ بَقَرِك، وآلتِكَ، وأخْرَجا البَذْرَ، فهي كالتي قبلَها، إلَّا أنَّ الزَّرْعَ يكونُ بينهما على كلِّ حالٍ.