الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهُمَا فِي التَّصَرّفَاتِ كَشَرِيكَي الْعِنَانِ.
فَصْل: الرَّابع، شَرِكَة الْأبْدَانِ؛ وهِيَ أنْ يَشْتَرِكَا فِيمَا يَكْتَسِبَانِ بِأبْدَانِهِمَا، فَهِيَ شَرِكَةٌ صَحِيحَة، وَمَا يَتَقَبَّله أحَدهمَا مِنَ الْعَمَلِ، يَصِير فِي ضَمَانِهِمَا يُطَالبَانِ بِهِ وَيَلْزَمهمَا عَمَلُهُ.
ــ
2107 - مسألة: (وهما في التَّصَرُّفاتِ كَشَرِيكَي العِنَانِ)
يَعْنِي فيما يَجِبُ لهما وعليهما، وفي إقْرارِهما وخُصُومَتِهما، وغيرِ ذلك، على ما ذَكَرْناه. وأيهما عَزَل صاحِبَه عن التَّصَرُّفِ، انْعَزَلَ؛ لأنَّه وَكِيلُه. وسُمِّيَت شَرِكَةَ الوُجُوهِ؛ لأنَّهما اشْتَرَكا فيما يَشْتَرِيانِ بجاهِهِما، والجاهُ والوَجْهُ واحِد، يُقالُ: فلان وَجِيه. إذا كان ذا جاهٍ، قال الله تعالى في مُوسَى عليه السلام:{وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} (1).
فصل: (الرّابعُ، شَرِكَةُ الأبدانِ؛ وهي أن يَشْتَرِكا فيما يَكْتَسِبان بأبْدانِهِما، فهي شرِكَة صَحِيحة) فهي أن يَشْتَرِكَ اثْنان أو أكْثَرُ فيما
(1) سورة الأحزاب 69.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَكْتَسِبُونَه [بأيدِيهم أن يَعْمَلُوا في صِناعَتِهم، فما رَزَق اللهُ سُبْحانه، فهو بينَهم، وكذلك إذا اشْتَرَكُوا فيما يَكْتَسِبُون](1) مِن المُباحِ؛ كالحَطَبِ، والحَشِيشِ، والثِّمارِ المَأخوذَةِ مِن الجِبالِ، والاصْطِيادِ، والمَعادِنِ، والتَّلَصُّصِ على دارِ الحَرْبِ، فهذا جائِز. نَصَّ عليه أحمدُ في رِوايةِ أبي طالِبٍ، فقال: لا بَأسَ أن يَشْتَرِكَ القَوْمُ بِأبْدانِهم وليس لهم مالٌ، مِثْلَ الصَّيّادِين والحَمّالِين والنَّخّالِين، قد أشْرَكَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بينَ عَمّارٍ وسَعْدٍ وابنِ مَسْعُودٍ، فجاء سَعْدٌ بأسِيرَين ولم يَجِيئا بشيءٍ (2). وفَسَّرَ أحمدُ صِفَةَ الشرِكَةِ في الغَنِيمَةِ، فقال: يَشتَرِكان فيما يُصِيبان مِن سَلَبِ المَقْتُولِ؛ لأنَّ القاتِلَ يَخْتَصُّ به دُونَ الغانِمِين. وبه قال مالكٌ. وقال أبو حنيفةَ: تَصِحُّ في الصِّناعَةِ، ولا تَصِحُّ في اكْتِسابِ المُباحِ، كالاحْتِشاشِ والاغْتِنامِ؛ لأن الشَّرِكَةَ مُقْتَضاها الوَكالةُ، ولا تَصِحُّ الوَكالةُ في هذه الأشْياءِ؛ لأنَّ مَن أخَذَها مَلَكَها. وقال الشافعيُّ: شَرِكَةُ الأبدانِ كلُّها فاسِدَة؛ لأنها شَرِكَة على غيرِ مالٍ، فلم تَصِحَّ، كما لو اخْتَلَفَتِ الصِّناعاتُ. ولَنا، ما روَى أبو داوُدَ (3)، والأثْرَمُ، بإسْنادِهما عن عبدِ اللهِ قال: اشْتَرَكْنا أنا وسَعْدٌ وعَمّارٌ يومَ بَدْر، فلم أجِيء أنا وعمّارٌ بشيءٍ، وجاء سَعْدٌ بأسِيرَين. ومِثْلُ هذا لا يَخْفَى عن رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وقد أقرَّهُم،
(1) سقط من: م.
(2)
أخرجه أبو داود، في: باب الشركة على غير رأس مال، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 230. والنسائي، في: باب الشركة بغير مال، من كتاب البيوع. المجتبى 7/ 280.
(3)
هو الحديث المتقدم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقد قال أحمدُ: أشْرَكَ بينَهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم. فإن قِيلَ: فالمَغانِمُ مُشتَرَكَة بينَ الغانِمِين بحُكْمِ الله تِعالى، فكيف يَصِحُّ اخْتِصاصُ هؤلاء بالشَّرِكَةِ فيها؟ وقال بعضُ الشافعيّةِ: غَنائِمُ بَدْرٍ كانت لرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فكان له أن يَدْفعَها إلى مَن يَشاءُ، فيَحْتَمِلُ أن يَكُونَ فَعَل ذلك لهذا. قُلْنا: أمَّا الأوَّلُ، فالجَوابُ عنه: أنَّ غَنائِمَ بَدْرٍ كانت لمَن أخَذَها قبل أن يُشرِكَ الله تعالى بينَهم، ولهذا نُقِلَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ أخَذَ شَيئًا فَهُوَ لَهُ» (1). فكان ذلك مِن قَبِيلِ المباحاتِ؛ مَن سَبَق إلى أخْذِ (2) شيء، فهو له. ويَجُوزُ أن يَكُونَ شَرَّك بينَهم فيما يُصِيبُونَه مِن الأسْلابِ والنَّفَلِ. إلَّا أنّ الأوَّلَ أصَحُّ؛ لقَوْلِه: جاء سَعْدٌ بأسِيرَين ولم أجِئ أنا وعمّارٌ بشيء. وأمّا الثّانِي، فإنَّ اللهَ تعالى إنَّما جَعَل الغَنِيمَةَ لنَبيِّه عليه السلام بعدَ أن غَنِمُوا واخْتَلَفُوا في الغَنائِمِ، فأنْزَلَ الله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} (3). والشَّرِكَةُ كانت قبلَ ذلك. ويَدُلُّ على صِحَّةِ هذا، أنَّها لو كانت لرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فإمّا أن يَكُونَ قد أباحَهُم أخْذَها، فصارَتْ كالمُباحاتِ، أو لم يُبِحْها لهم، فكيفَ يَشْتَرِكُون في شيءٍ لغيرِهم؟ وفي هذا الخَبَرِ حُجَّة على أبي حنيفةَ أيضًا؛ لأنَّهم اشْتَرَكُوا في مُبَاحٍ، وفيما ليس بصِناعَةٍ (4)، وهو يَمْنَعُ ذلك، ولأنَّ العَمَلَ أحَدُ
(1) تقدم تخريجه في 5/ 572.
(2)
سقط من: م.
(3)
سورة الأنفال 1.
(4)
في م: «بضاعة» .