الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذَا فَسَدَ الْعَقْدُ، قُسِمَ الرِّبْحُ عَلَى قَدْرِ الْمَالينِ. وَهَلْ يَرْجِعُ أَحدُهُمَا بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ؟ عَلَى وَجْهَينِ.
ــ
في أظْهَرِ الرِّوَايَتَين عنه، أنَّ العَقْدَ صَحِيحٌ. ذَكَرَه عنه الأثْرَمُ وغيرُه، ولأنَّه عَقْدٌ يَصِحُّ على مَجْهُولٍ، فلم تُبْطِلْه الشُّرُوطُ الفاسِدَةُ، كالنِّكاحِ والعَتاقِ. وفيه رِوايَةْ أُخْرَى، أنَّ العَقْدَ يَبْطُلُ. ذَكَرَها القاضي، وأبو الخَطّابِ؛ لأنه شَرْطٌ فاسِدٌ، فأبطَلَ العَقْدَ، كالمُزارَعَةِ إذا شُرِط البَذْرُ مِن العامِلِ، وكالشرُوطِ الفاسِدَةِ في البَيعِ، [ولأنَّه إنَّما رَضِيَ بالعَقْدِ بهذا الشَّرْطِ، فإذا فَسَد فات الرِّضا به](1). ودَلِيلُ فَسادِ هذه الشُّرُوطِ، أنَّها لَيسَت مِن مَصْلَحَةِ العَقْدِ، ولا يَقْتَضِيها العَقْدُ، فإنَّ مَقْصُودَه الرِّبْحُ، فكيفَ يَقْتَضِي الضمانَ ولا يَقْتَضِي مُدَّةً مُعَيَّنَةً لأنَّه جائِزٌ؟
2064 - مسألة: (وإذا فَسَد العَقْدُ، قُسِمَ الرِّبْحُ على قَدْرِ المالين)
لأن التَّصَرُّفَ صَحِيحٌ، لكَوْنِه بإذْنِ رَبِّ المالِ، والوَضِيعَةُ عليه؛ لأنَّ كلُّ
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عَقْدٍ لا ضَمانَ في صَحِيحِه لا ضَمانَ في فاسِدِه. ويُقْسَمُ الرِّبْحُ على قَدْرِ المالين؛ لأنَّه نَماءُ المالِ، ويَرْجِعُ كلُّ واحِدٍ منهما على الآخَرِ بأُجْرَةِ عَمَلِه، يُسْقِطُ منها أُجْرَةَ عَمَلِه في مالِه، ويَرْجِعُ على الآخَرِ بقَدْرِ ما بَقِيَ له. فإن تَساوَى مالاهُما وعَمَلُهُما، تَقاصَّ الدَّينان، واقْتَسَما الرِّبْحَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نِصْفَين. وإن فَضَل أحَدُهما صاحِبَه بفَضْلٍ (1)، تَقاصَّ دَينُ القَلِيلِ بمِثْلِه، ويَرْجِعُ على الآخَرِ بالفَضْلِ. والوَجْهُ الثّانِي، ذَكَرَه الشَّرِيفُ أبو جَعْفَر، أنَّهما يَقْتَسِمان الرِّبْحَ على ما شَرَطاه؛ لأنَّه عَقْدٌ يَجُوزُ أن يَكُونَ عِوَضُه مَجْهُولًا، فوَجَبَ المُسَمَّى في فاسِدِه، كالنِّكاحِ.
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: والشَّرِكَةُ مِن العُقُودِ الجائِزَةِ، تَبْطُل بمَوْتِ أحَدِ الشَّرِيكَين، وجُنُونِه، والحَجْرِ عليه للسَّفَهِ، وبالفَسْخِ مِن أحَدِهما؛ لأنَّه عَقْدٌ جائِزٌ، فبَطَلَتْ بذلك، كالوَكالةِ وإن عَزَل أحَدُهما صاحِبَه، انْعَزَلَ المَعْزُولُ، فلم يَكنْ له أن يَتَصَرفَ إلَّا في قَدْرِ نَصِيبِه، وللعازِلِ التَّصَرُّفُ في الجَمِيعِ؛ لأنَّ المَعْزُولَ لم يرجِعْ عن إذْنِه، هذا إذا نضَّ (1) المالُ. وإن كان عَرْضًا، فذَكَرَ القاضي أن ظاهِرَ كَلامِ أحمدَ، أنَّه لا يَنْعَزِلُ بالعَزْلِ، وله التَّصَرُّفُ حتى يَنِضَّ المالُ، كالمُضَارِبِ إذا عَزَلَه رَبُّ المالِ، ويَنبغِي أن يَكُونَ له التَّصَرُّفُ بالبَيعِ دُونَ المُعاوضَةِ بسِلْعَةٍ أُخْرَى، أو التَّصَرُّف بغيرِ ما يَنِضُّ به المالُ. وذَكَر أبو الخَطّابِ أنَّه يَنْعَزِلُ مُطْلَقًا. وهو مَذْهَبُ الشافعيِّ، قِياسًا على الوَكالةِ. فعلى هذا، إنِ اتَّفَقا على البَيعِ أو القِسْمَةِ، فعَلا. وإن طَلَب أحَدُهما القِسْمَةَ والآخَرُ البَيعَ، قسِمَ ولم يُبعَ. فإن قِيلَ: ألَيس إذا فَسَخ رَبُّ المالِ المُضارَبَةَ، فطَلَبَ العامِلُ البَيعَ، أُجِيبَ إليه.؟ فالجَواب أنَّ حَقَّ العامِلِ في الرِّبْحِ، ولا يَظْهَر إلَّا بالبَيعِ، فاسْتَحَقَّه العامِلُ؛ لوُقُوفِ
(1) نَضَّ المال: أي صار عينًا بعد أن كان متاعًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حُصُولِ حَقِّه عليه. وفي مَسْألَتِنا ما يَحْصُلُ مِن الرِّبْحِ يَسْتَدْرِكُه كلُّ واحِدٍ منهما في نَصِيبِه مِن المَتاعِ (1)، فلم يُجْبَرْ عليه (2). قال شيخُنا (3): وهذا إنَّما يَصِحُّ إذا كان الرِّبْحُ على قَدْرِ المالين، أمّا إذا زاد رِبْحُ أحَدِهما عن مالِه، فإنَّه لا يَسْتَدْرِكُ رِبْحَه بالقِسْمَةِ، فيَتَعَيَّنُ البَيعُ، كالمُضارَبَةِ.
فصل: إذا مات أحَدُ الشَّرِيكَين وله وارِثٌ رَشِيدٌ، فله أن يُقِيمَ على الشَّرِكَةِ، ويَأْذَنُ له الشَّرِيكُ في التَّصَرُّفِ، ويَأذَنُ للشَّرِيكِ في التَّصَرُّفِ (4)؛ لأنَّ هذا إتمامٌ للشَّرِكَةِ، وليس بابْتِدائِها، فلا تُعْتَبَرُ شُرُوطُها، وله المُطالبَةُ بالقِسْمَةِ، فإن كان مُوَلَّيًا عليه، قام وَلِيُّه مَقامَه في ذلك، إلَّا أنَّه لا يَفْعَلُ إلَّا ما فيه المَصْلَحَةُ للمُوَلَّى عليه. فإن كان المَيِّتُ قد وَصَّى بمالِ الشَّرِكَةِ أو ببَعْضِه لمُعَيَّنٍ، فالمُوصَى له كالوارِثِ فيما ذَكَرْنا. وإن وَصَّى به لغيرِ مُعَيَّنٍ، كالفُقَراءِ، لم يَجُزْ للوَصِيِّ (5) الإذْنُ
(1) في الأصل: «المبدع» .
(2)
في م: «على البيع» .
(3)
انظر: الكافي 2/ 259.
(4)
سقط من: م.
(5)
في الأصل: «للموصى» .
فَصْلٌ: الثَّانِي، الْمُضَارَبَةُ؛ وَهِيَ أنْ يَدْفَعَ مَالهُ إِلَى آخَرَ يَتَّجِرُ فِيهِ وَالرِّبْحُ بَينَهُمَا.
ــ
في التَّصَرُّفِ؛ لأنَّه قد وَجب دَفْعُه إليهم، فيَعْزِلُ نَصِيبَه، ويُفَرِّقُه عليهم، فإن كان على المَيِّتِ دَينٌ (1) تَعَلَّقَ بتَرِكَتِه، فليس للوارِثِ إمْضاءُ الشَّرِكَةِ حتى يَقْضِيَ دَينَه، فإن قَضاه مِن غيرِ مالِ الشَّرِكَةِ، فله الإِتْمامُ، وإن قَضَاه منه، بَطَلَتِ الشَّرِكَةُ في قَدْرِ ما قَضَى.
فصل: قال، رَحِمَه اللهُ تعالى:(الثّانِي، المُضارَبَةُ؛ وهي أن يَدْفَعَ ماله إلى آخَرَ يَتَّجِرُ فيه والرِّبْحُ بينَهما) فأهْلُ العِراقِ يُسَمُّونَه مُضارَبَةً، مَأْخُوذٌ مِن الضَّرْبِ في الأرْضِ، وهو السَّفَرُ فيها للتِّجارَةِ، قال الله تعالى:{وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} (2). ويَحْتَمِلُ أن يَكُونَ مِن ضَرْبِ كلِّ واحِدٍ منهما بسَهْمٍ في الرِّبْحِ. ويُسَمِّيه أهْلُ الحِجازِ القِرَاضَ (3). قِيل: هو مُشْتَقٌّ مِن القَطْعِ. يُقالُ: قَرَض الفَأْرُ الثَّوْبَ. إذا قَطَعَه، فكأنَّ صاحِبَ المالِ اقْتَطَعَ مِن مالِه قِطْعَةً وسَلَّمَها
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سورة المزمل 20.
(3)
في الأصل، ر، ق:«القرض» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إلى العامِلِ، واقْتَطَعَ له قِطْعَةً مِن الرِّبْحِ. وقِيلَ: اشْتِقاقُه مِن المُساواةِ والمُوازَنَةِ. يُقالُ: تَقارَضَ الشّاعِران. إذا وازَنَ كلُّ واحدٍ منهما الآخرَ بشِعْرِه. وههُنا مِن العامِلِ العَمَلُ، ومِن الآخَرِ المالُ، فتَوازَنا. ويَنْعَقِدُ بلَفْظِ المُضارَبَةِ والقِراضِ، وبكلِّ ما يُؤدِّى مَعْناهما؛ لأنَّ القَصْدَ المَعْنَى، فجاز بكلِّ ما دَلَّ عليه، كالوَكالةِ. وهي مُجْمَعٌ على جَوازِها في الجُمْلَةِ. ذَكَرَه ابنُ المُنْذِرِ. ورُوِيَ عن حُمَيدِ بن عبدِ اللهِ، عن أبيه، عنٍ جَدِّه، أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ، رضي الله عنه، أعْطاه مال يَتِيمٍ مُضَارَبَةً يَعْمَلُ به في العِرَاقِ (1). وروَى مالِكٌ (2)، عن زَيدِ بن أسْلَمَ، عن أبِيه، أنَّ عبدَ اللهِ وعُبَيدَ اللهِ، ابْنَيْ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ، رضي الله عنهم، خَرَجَا في جَيشٍ إلى العِراقِ، فتَسَلَّفا مِن أبي مُوسَى مالًا وابْتاعا به مَتاعًا، وقَدِما به إلى المَدِينَةِ، فباعاه وَرَبِحا فيه، فأرادَ عُمَرُ أخْذَ رَأْسِ المالِ والرِّبْحِ كلِّه، فقال: لو تَلِف كان ضَمانُه علينا، فلمَ لا يكُونُ رِبْحُه لَنا؟ فقال رجلٌ: يا أمِيرَ المُؤْمِنين، لو جَعَلْتَه قِراضًا. قال: قد جَعَلْتُه. وأخَذَ
(1) أخرج نحوه البيهقي، في: باب تجارة الوصى بمال اليتيم أو إقراضه، من كتاب البيوع. السنن الكبرى 6/ 2، 3.
(2)
في: باب ما جاء في القراض، من كتاب القراض. الموطأ 2/ 687.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
منهما نِصْفَ الرِّبْحِ. وهذا يَدُلُّ على جَوازِ القِراضِ. وعن مالكٍ (1)، عن العَلاءِ بنِ عبدِ الرحمنِ، عن أبِيه، عن جَدِّه، أنَّ عُثمانَ، رضي الله عنه، قارَضَه. وعن قَتادةَ، عن الحَسَنِ، أنَّ عَليًّا، رضي الله عنه، قال: إذا خالفَ المُضارِبُ فلا ضَمانَ، هما على ما شَرَطا. وعن ابنِ مَسْعُودٍ، وحَكِيمِ بنِ حِزام، أنَّهما قارَضا، ولم يُعْرَفْ لهما في الصَّحابَةِ مُخالِفٌ، فكان إجْماعًا، ولأنَّ بالنّاس حاجَةً إلى المُضارَبَةِ، فإنَّ الدَّراهِمَ والدَّنانِيرَ لا تُنَمَّى إلَّا بالتَّقْلِيبِ والتِّجارَةِ، وليس كلُّ مَن يَمْلِكُها يُحْسِنُ التِّجارَةَ، ولا كلُّ مَن يُحْسِنُ التِّجارَةَ له مالٌ، فاحْتِيجَ إليها مِن الجانِبَينِ. فشُرِعَتْ لدَفْعَ الحاجَتَين.
فصل: ومِن شَرْطِ صِحَّتِها تَقْدِيرُ نَصِيبِ العامِلِ؛ لأنَّه يَسْتَحِقُّه بالشَّرْطِ، فلم يُقَدَّرْ إلَّا به. فلو قال: خُذْ هذا المال مُضارَبَةً. ولم يَذْكُرْ سَهْمَ العامِلِ، فالرِّبْحُ كلُّه لرَبِّ المالِ، والوَضِيعَةُ عليه، وللعامِلِ أجْرُ مِثْلِه. نَصَّ عليه أحمدُ. وهو قولُ الثَّوْرِيِّ، والشافعيِّ، وإسحاقَ، وأبي ثَوْرٍ، وأصحابِ الرَّأْي. وقال الحَسَنُ، وابنُ سِيرِينَ، والأوْزاعِيُّ: الرِّبْحُ بينَهما نِصْفَين. كما لو قال: والرِّبْحُ بينَنا. فإنَّه يَكُون بينَهما نِصْفَين. كذا هذا. ولَنا، أنَّ المُضارِبَ إنَّما يَسْتَحِقُّ بالشَّرْطِ، ولم يُوجَدْ. وقَوْلُه:
(1) في الموضع السابق.