الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنْ كَانَ في الْأَرْضِ شَجَرٌ، فَزَارَعَهُ الأَرْضَ، وَسَاقَاهُ عَلَى الشَّجَرِ، صَحَّ.
ــ
وفُقهاءِ الصَّحابَةِ، وهم أعْلَمُ بحَدِيثِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وسُنَّتِه ومَعانِيها، فكان أوْلَى مِن قولِ مَن خالفَهُم. الخامسُ، أنَّ ما ذَهَبْنا إليه مُجْمَعٌ عليه على ما رَواه أبو جَعْفَرٍ، رَحْمَةُ اللهِ عليه، وما رُوِيَ في مُخالفَتِه فقد بَيَّنَا فَسادَهُ، فيكونُ هذا إجْماعًا مِن الصَّحابَةِ، رضي الله عنهم، فلا يَسُوغُ لأَحَدٍ خِلافُه. والقِياسُ يَقْتَضِيه، فإنَّ الأرْضَ عَينٌ تَنَمَّى بالعَمَلِ، فجازَتِ المُعامَلَةُ عليها ببعضِ نَمائِها، كالمالِ في المُضارَبَةِ، والنَّخْلِ في المُساقاةِ. ولأنَّه أرْضٌ، فجازَتِ المُزارعةُ عليها، كالأرْضِ بينَ النَّخِل. ولأنَّ الحاجَةَ داعِية إلى المُزارَعةِ؛ لأنَّ أصحابَ الأرضِ قد (1) لا يَقْدِرُون على زَرْعِها والعَمَلِ عليها، والأَكَرَةُ يَحتاجُون إلى الزَّرْعِ ولا أرْضَ لهم، فاقْتَضتِ الحِكْمةُ جوازَ المُزارَعةِ، كما قُلْنا في المُضارَبةِ والمُساقاةِ، بل ههُنا آكَدُ؛ لأنَّ الحاجَةَ إلى الزَّرْعِ آكَدُ منها إلى غيرِه؛ لكَوْنِه قُوتًا، ولأنَّ الأرْضَ لا يُنْتَفَعُ بها إلا بالعَمَلِ فيها، بخِلافِ المالِ. واللهُ أعلمُ.
2134 - مسألة: (فَإِنْ كَانَ في الْأَرْضِ شَجَرٌ، فَزَارَعَهُ الأَرْضَ، وَسَاقَاهُ عَلَى الشَّجَرِ، صَحَّ)
سواء قَلَّ بَياضُ الأرضِ أو كَثُرَ. نَصَّ عليه
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أحمدُ، وقال: قد دَفَع النبيُّ صلى الله عليه وسلم خَيبَرَ على هذا. وبهذا قال كُلُّ مَن أجازَ المُزارَعَةَ في الأرْضِ المُفْرَدَةِ. فإذا قال: ساقَيتُكَ على الشَّجَرِ، وزارَعْتُكَ على الأرْضِ بالنِّصْفِ. جاز (1). وكذلك إن قال: عامَلْتُك [على الأرضِ والشجرِ](2) على النِّصْفِ. لأن المُعامَلَةَ تَشْمَلُهُما. وإن قال: زَارَعْتُكَ الأرْضَ بالنِّصْفِ، وساقَيتُكَ على الشجَرِ بالرُّبْعِ. جازَكما يجوزُ أن يُساقِيَهُ على أنواعٍ مِن الشَّجَرِ ويَجْعَلَ له في كلِّ نَوْعٍ قَدْرًا. وإن قال: ساقَيتُكَ على الأرْضِ والشَّجَرِ بالنِّصْفِ. جازَ؛ لأنَّ المُزارَعَةَ مُساقاة مِن حيث إنَّها تَحْتاجُ إلى السَّقْي. وقال أصحابُ الشافعيِّ: لا يَصِحُّ؛ لأنَّ المُساقاةَ لا تَتَناوَلُ الأرْضَ، فتَصِحُّ في النَّخْلِ وحدَه. وقيل: يَنْبَنِي على تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. ولَنا، أنَّه عَبَّرَ عن عَقْدٍ بلَفْظِ عَقْدٍ يُشارِكُه في المَعْنَى المَشْهُورِ به في الاشْتِقاقِ، فَصَحَّ، كما لو عَقَد بلَفْظِ البَيعِ في السَّلَمِ. وهكذا إن قال في الأرْضِ البَيضاءِ: ساقَيتُك على هذه الأرْضِ بنِصْفِ ما يُزْرَعُ فيها. فإن قال: ساقَيتُكَ على الشَّجَرِ بالنِّصْفِ. ولم يَذْكُرِ الأرْضَ، لم تَدْخُلْ في العَقْدِ، وليس للعامِلِ أن يَزْرَعَ. وبه قال الشافعيُّ.
(1) سقط من: ق، ر، ر 1.
(2)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال مالكٌ، وأبو يُوسُفَ: للدّاخِلِ زَرْعُ البَياضِ، فإن تَشارَطا أنَّ ذلك بينَهما، فهو جائِزٌ، وإنِ اشْتَرَطَ صاحِبُ الأرْضِ أنَّه يَزْرَعُ البَياضَ، لم يَصِحَّ؛ لأنَّ الدَّاخِلَ يَسْقِي لِرَبِّ الأرْضِ، فتلك زِيادَة ازْدادَها عليه. ولَنا، أنَّ هذا لم يَتَناوَلْه العَقْدُ، فلم يَدْخُلْ فيه، كما لو كانت أرْضًا مُنْفَرِدَةً.
فصل: وإن زارَعَه أرْضًا فيها شَجَراتٌ يَسِيرةٌ، لم يَجُزْ أن يَشْتَرِطَ العامِلُ ثَمَرتَها. وبه قال الشافعيُّ، وابنُ المُنْذِرِ. وأجَازَه مالكٌ إذا كان الشَّجَرُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ أو أقَلَّ؛ لأنَّه يَسِير، فيَدْخُلُ تَبَعًا. ولَنا، أنَّه اشْتَرَط الثَّمَرَةَ كُلَّها، فلم يَجُزْ، كما لو كان الشَّجَرُ أَكْثَرَ مِن الثُّلُثِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإن أجَرَه بَياضَ الأرْضِ، وساقاه على الشَّجَرِ الَّذي فيها، جازَ؛ لأنَّهما عَقْدان يجوزُ إفْرادُ كلِّ واحدٍ منهما، فجازَ الجَمْعُ بينَهما، كالبَيعِ والإِجارَةِ. وقيل: لا يجوزُ، بِناءً على الوَجْهِ الَّذي لا يُجَوِّزُ الجَمْعَ بينَهما في الأصْلِ. والأوَّلُ أوْلَى، إلَّا أن يَفْعَلا ذلك حِيلَةً على شِراءِ الثَّمَرَةِ قبلَ وُجُودِها، أو قبلَ بُدُوِّ صَلاحِها، فلا يجوزُ، سواء جَمَعا بينَ العَقْدَين، أو عَقَدا أحَدَهُما بعدَ الآخَرِ؛ لِما ذَكَرْنا في إبْطالِ الحِيَلِ.