الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ قَال الْعَامِلُ: رَبِحْتُ ألْفًا، ثُمَّ خَسِرْتُهَا. أوْ هَلَكَتْ، قُبِلَ قَوْلُهُ. وَإنْ قَال: غَلِطْتُ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ.
ــ
2104 - مسألة: (وإن قال: رَبِحْتُ ألْفًا ثم خَسِرْتُها)
أو: تَلِفَتْ (قُبِلَ قَوْلُه) لأنَّه أمِينٌ يُقْبَلُ قَوْلُه [في التَّلفِ](1)، فقُبِلَ في الخَسارةِ، كالوَكِيلِ.
2105 - مسألة: (وإن قال: غَلِطْتُ)
أو نَسِيتُ (لم يُقْبَلْ قَوْلُه) لأنَّه مُقِرٌّ بحَقٍّ لآدَمِيٍّ، فلم يُقْبَلْ قَوْلُه في الرُّجُوعِ عنه، كما لو أقَرَّ بأنَّ رَأسَ المال ألْفٌ، ثم رَجَع. ولو أنَّ (2) العامِلَ خسِر، فقال لرَجُلٍ: أقْرِضْنِي ما أُتمِّمُ به رَأسَ المالِ لأعْرِضَه على رَبِّه، فإنِّي أخْشَى أن يَنْزِعَه مِني إن عَلِم بالخَسارَةِ. فأقْرَضَه، فعَرَضَه على رَبِّ المالِ، فقال: هذا رَأسُ مالِكَ. فأخَذَه، فله ذلك. ولا يُقْبَلُ رُجُوعُ العامِلِ عن إقْرارِه إن رَجَع. ولا شَهادَةُ المُقْرِضِ له، لأنَّه يَجُرُّ إلى نَفْسِه نَفْعًا. وليس له مُطالبَةُ رَبِّ المالِ، لأنَّ العامِلَ مَلَكَه بالقَرْضِ، ثم سَلَّمَه إلى رَبِّ المالِ، وأقرَّ أنَّه له، ولكنْ يَرْجِعُ المُقْرِضُ على العامِلِ لا غيرُ.
(1) سقط من: م.
(2)
في الأصل: «قال» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإذا دَفَع رَجُلٌ إلى رَجُلَين مالًا قِراضًا على النِّصْفِ، فنَضَّ المالُ وهو ثَلاثةُ آلافٍ، فقال رَبُّ المالِ: رَأسُ المالِ ألْفانِ. فصَدَّقَه أحَدُهما، وقال الآخَرُ: بل هو ألْفٌ. فالقَوْلُ قولُ المُنْكِرِ مع يَمِينه. فإذا حَلَف أنَّه ألفٌ، فالرِّبْحُ ألْفان، ونَصِيبُه منهما خَمْسُمائَةٍ، يبقَى ألْفان وخَمْسُمائَةٍ، يَأخُذُ رَبُّ المالِ ألْفَينِ؛ لأنَّ الآخَرَ يُصَدِّقُه، يَبْقَى خَمْسُمائَةٍ رِبْحًا بينَ رَبِّ المالِ والعامِلِ الآخرِ، يَقْتَسِمانِها (1) أثْلاثًا؛ لرَبِّ المالِ ثُلُثاها، وللعامِلِ ثُلُثُها؛ وذلك لأنَّ نَصِيبَ رَبِّ المالِ نِصْفُ الرِّبْحِ، ونَصِيبَ العامِلِ رُبْعُه، فيُقْسَمُ بينَهما باقِي الربْحِ على ثَلاثةٍ، وما أخَذَه الحالِفُ فيما زاد على قَدْرِ نَصِيبِه، كالتَّالِفِ منهما، والتّالِفُ يُحْسَبُ في المُضارَبَةِ مِن الرِّبْحِ. وهذا قولُ الشافعيِّ.
فصل: إذا دَفَع إلى رَجُلٍ ألْفًا يَتَّجِرُ فيه، فرَبِحَ، فقال العامِلُ: كان قَرْضًا لي رِبْحُه كله. وقال رَبُّ المالِ: كان قِرَاضًا رِبْحُه بَينَنا. فالقَوْلُ قولُ رَبِّ المالِ؛ لأنَّه مِلْكُه، فكان القَوْلُ قَوْلَه في صِفَةِ خُرُوجِه عن يَدِه. فإذا حَلَف، قُسِم الرِّبْحُ بينَهما. ويَحْتَمِلُ أن يَتَحالفا ويَكُونَ للعامِلِ أكْثَرُ
(1) في م: «يقسمانه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأمْرَين مِمّا شَرَطَ له مِن (1) الرِّبْحِ أو أجْرِ مِثْلِه؛ لأنَّه إن كان الأكْثَرُ نَصِيبَه مِن الرِّبْحِ، فرَبُّ المالِ مُعْتَرِفٌ له به، وهو يَدَّعِي الرِّبْحَ كلَّه، وإن كان أجْرُ مِثْلِه أكثَرَ، فالقَوْلُ قَوْلُه في عَمَلِه، [مع يَمِينه](2). كما أنَّ القَوْلَ قولُ رَبِّ المالِ في مالِه، فإذا حَلَف، قُبِلَ قَوْلُه في أنَّه ما عَمِل بهذا الشرْطِ، إنَّما عَمِل لغَرَضٍ لم يَسْلَمْ له، فيَكُونُ له أجْرُ المِثْلِ. فإن أقامَ كلُّ واحِدٍ منهما بَيِّنةً بدَعْواه. فنَصَّ أحمدُ في رِوايَةِ مُهَنَّا، أنَّهما يَتعارَضان، ويُقسَمُ المالُ بينَهما نِصْفَين. وإن قال رَبُّ المالِ: كان بِضاعةً. وقال العامِلُ: كان قِرَاضًا. احْتَمَلَ أن يَكُونَ القَوْلُ قولَ العامِلِ؛ لأنَّ عَمَلَه له، فيَكُونُ القَوْلُ قَوْلَه فيه. ويَحْتَمِلُ أن يَتَحالفا ويَكُونَ للعامِلِ أقَلُّ الأمْرَين مِن نَصِيبِه مِن الرِّبْحِ أو أجْرِ مِثْلِه، لأنَّه لا (3) يَدَّعِي أكْثَرَ مِن نَصِيبِه مِن الرِّبْحِ، فلم يَسْتَحِقَّ زِيادَةً عليه (4)، وإن كان الأقَلُّ أجْرَ مِثْلِه، فلم يَثْبُتْ كونُه قِرَاضًا، فيكونُ له أجْرُ عَمَلِه، وإن قال رَبُّ المالِ: كان
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سقط من: م.
(3)
سقط من: الأصل، م.
(4)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بِضاعَةً. وقال العامِلُ: كان قَرْضًا. حلَف كلُّ واحِدٍ منهما على إنْكارِ ما ادَّعاهُ خَصْمُه، وكان للعامِلِ أجْرُ عَمَلِه لا غيرُ، وإن خَسِر المالُ أو تَلِف، فقال رَبُّ المالِ: كان قَرْضًا. وقال العامِلُ: كان قِراضًا -أو: بِضاعَةً. فالقَوْلُ قولُ رَبِّ المالِ.
فصل: وإذا شَرَط المُضارِبُ النَّفَقَةَ، ثم ادَّعَى أنَّه أنْفَقَ مِن مالِه، وأرادَ الرجُوعَ، فله ذلك؛ سواء كان المالُ باقِيًا في يَدَيه، أو قد رَجَع إلى مالِكِه. وبه قال أبو حنيفةَ: إذا كان المالُ في يَدَيه، وليس له ذلك بعدَ رَدِّه. ولَنا، أنَّه أمِينٌ، فكان القَوْلُ قَوْلَه في ذلك، كما لو كان باقِيًا في يَدَيهِ، وكالوَصِيِّ إذا ادَّعَى النَّفَقَةَ. على اليَتيمِ.
فصل: إذا كان عَبْدٌ بينَ رَجُلَين، فباعَه أحَدُهما بِأمْرِ الآخَرِ بِألْفٍ، وقال: لم (1) أقْبِضْ ثَمَنَه. وادَّعَى المُشْتَرِي أنَّه قَبَضَه، وصَدَّقَه الذي لم يَبعْ، بَرِئَ المُشْتَرِي مِن نِصْفِ ثَمَنِه؛ لاعْتِرافِ شَرِيكِ البائِع بقَبْضِ وَكِيله حَقَّه، فبَرِئ المُشْتَرِي منه، كما لو أقَرَّ بقَبْضِه بنَفْسِه، وتَبْقَى الخُصُومَةُ بينَ البائِع وشَرِيكِه والمُشْتَرِي، فإن خاصَمَه شَرِيكُه، وادَّعَى عليه أنَّك قَبَضْتَ (2) نصِيبِي مِن الثَّمَنِ، فأنْكَرَ، فالقَوْلُ قَوْلُه مع يَمِينه، فإن كان للمُدَّعِي بَيَنةٌ، حُكِمَ بها، ولا تُقْبَلُ شَهادَةُ المُشْتَرِي له؛ لأنَّه
يَجُرُّ بها إلى نَفْسِه نَفْعًا. وإن خاصَمَ البائِعُ المُشْتَرِيَ، فالقَوْلُ قولُ البائِع
(1) في م: «له» .
(2)
في م: «قبضته» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مع يَمِينه في عَدَمِ القَبْضِ؛ لأنَّه مُنْكِرٌ. فإذا حَلَف أخَذَ مِن المُشْتَرِي نِصْفَ الثَّمَنِ، ولا يُشارِكُه فيه شَرِيكُه؛ لأَنه يُقِرُّ أنَّه يَأخُذُه ظُلْمًا، فلا يَسْتَحِقُّ مُشارَكَتَه فيه. وإن كانت للمُشْتَرِي بَيِّنة، حُكِم بها، ولا تُقْبَلُ شَهادَةُ شَرِيكِه عليه؛ لأنَّه يَجُرُّ بها إلى نَفْسِه نَفْعًا ومَن شَهِد شَهادَةً يَجُرُّ بها إلى نَفْسِه نَفْعًا، بَطَلَتْ شَهادَتُه في الكُلِّ. ولا فَرْقَ بينَ مُخاصَمَةِ الشَّرِيكِ قبلَ مُخاصَمةِ المُشْتَرِي أو بعدَها. وإن ادَّعَى المُشْتَرِي أنَّ شَرِيكَ البائِعِ قَبَض الثَّمَنَ منه، فصَدَّقَه البائِعُ، نَظَرْتَ؛ فإن كان البائِعُ أذِنَ لشَرِيكِه في القَبْضِ، فهي كالتي قبلَها، وإن لم يَأذَنْ له [في القَبْضِ](1)، لم تَبْرَأ ذِمَّةُ المُشْتَرِي مِن شيءٍ مِن الثَّمَنِ؛ لأنَّ البائِعَ لم يُوَكِّلْه في القَبْضِ، فقَبْضُه له لا يَلْزَمُه ولا يَبْرأُ المشْتَرِي منه، كما لو دَفَعَه إلى أجْنَبِي. ولا يُقْبَلُ قولُ المُشْتَرِي على شَرِيكِ البائِعِ؛ لأَنَّه يُنْكِرُه، وللبائِعِ المُطالبَةُ (2) بقَدْرِ نَصِيبِه لا غيرُ؛ لأنَّه مُقِرٌّ أنَّ شَرِيكَه قَبَض حَقَّه. ويَلْزَمُ المُشْتَرِيَ دَفْعُ نَصِيبِه إليه مِن غيرِ يَمِين؛ لأنَّ المُشْتَرِيَ مُقِرٌّ ببَقاءِ حَقِّه. وإن دَفَعَه إلى شَريكِه، لم تَبْرَأ ذِمته، فإذا قَبَض حَقَّه، فلِشَرِيكِه مُشارَكَتُه فيما قَبَض؛ لأنَّ الدَّينَ لهما ثابتٌ بسَبِبٍ واحدٍ، فما قَبَض منه يَكُونُ بينَهما، كما لو كان مِيراثًا. وله أَن لا يُشارِكَه ويُطالِبَ المُشْتَرِيَ بِحَقِّه كلِّه.
(1) في م: «فيه» .
(2)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ويَحْتَمِلُ أن لا يَمْلِكَ الشَّرِيكُ مُشارَكَتَه فيما قَبَض؛ لأنَّ كلَّ واحِدٍ منهما يَسْتَحِقُّ ثَمَنَ نَصِيبِه الذي يَنْفَرِدُ به، فلم يَكُنْ لشَرِيكِه مشارَكَتُه فيما قَبَض مِن ثَمَنِه، كما لو باعَ كلُّ واحِدٍ نَصِيبَه في صَفْقَةٍ. ويُخالِفُ المِيراثَ؛ لأنَّ سَبَبَ اسْتِحقاقِ الوَرَثَةِ لا يَتَبَعَّضُ، فلم يَكُنْ للوَرَثَةِ تَبْعِيضُه، وهاهنا يَتَبَعَّضُ؛ لأنَّه إذا كان البائعُ اثْنَين كان بمَنْزِلَةِ عَقْدَين، ولأنَّ الوارِثَ نائبٌ عن المَوْرُوثِ، فكان ما يَقْبِضُه للمَوْرُوثِ، يَشْتَرِكُ فيه جَمِيعُ الوَرَثَةِ، بخِلافِ مَسْألَتِنا، فإنَّ ما يَقْبِضُه لنَفْسِه. فإن قُلْنا: له مُشارَكَتُه فيما قَبَض. فعليه اليَمِينُ أنَّه لم يَسْتَوْفِ حَقَّه مِن المُشْتَرِي، ويَأخُذُ مِن القابضِ نِصْفَ ما قَبَضَه، ويُطالِبُ المُشْتَرِيَ ببَقِيَّةِ حَقِّه إذا حَلَف له أيضًا أَنَّه ما قَبَض منه شيئًا. وليس للمَقْبُوضِ منه أن يَرْجِعَ على المُشْتَرِي بعِوَضِ ما أخَذَ منه؛ لأنَّه مُقِرٌّ أنَّ المُشْتَرِيَ قد بَرِئَتْ ذِمَّتُه مِن حَقِّ شَرِيكِه، وإنَّما أخَذَ منه ظُلْمًا، فلا يَرْجِعُ بما ظَلَمَه هذا على غيرِه. وإن خاصَمَ المُشْتَرِي شَرِيكَ البائعِ، وادَّعَى عليه أنَّه قَبَض الثَّمَنَ منه، وكانت له بَيِّنة، حُكِم بها، وتُقْبَلُ شَهادَةُ البائعِ له إذا كان عَدْلًا، لأنَّه لا يَجُرُّ إلى نَفْسِه نَفْعًا، ولا يَدْفعُ عنه ضَرَرًا؛ لأنّه إذا ثَبَت أنَّ شَرِيكَه قَبض الثَّمَنَ، لم يَمْلِكْ مُطالبَتَه بشيءٍ؛ لأنَّه ليس بِوَكِيلٍ له في القَبْضِ، فلا يَقَعُ قَبْضُه له. هكذا ذَكَر بعضُ أصْحابِنا. قال شيخُنا (1): وعندِي لا تُقْبَلُ شَهادَتُه له؛ لأنَّه يَدْفَعُ عن نفْسِه ضَرَرَ مُشَارَكةِ شَرِيكِه له فيما يَقْبِضُه مِن المُشْتَرِي. وإذا لم يَكُنْ
(1) في: المغني 7/ 190.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بَيِّنةً فحَلَفَ، أخَذَ مِن المُشْتَرِي نِصْفَ الثَّمَنِ، وإن نَكَل، أخَذَ المُشْتَرِي منه نِصْفه.
فصل: إذا كان عَبْدٌ بينَ اثْنَين، فغَصَبَ رَجُلٌ نَصِيبَ أحَدِهما، بأن يسْتَوْلِيَ على العَبْدِ ويَمْنَعَ أحَدَهما الانْتِفاعَ دُونَ الآخرِ، ثم إنَّ مالِكَ نِصْفِه والغاصِبَ باعَا العَبْدَ صَفْقَةً واحِدَةً، صَحَّ في نَصِيبِ المالِكِ، وبَطَل في نَصِيبِ الغاصِبِ. وإن وَكَّلَ الشَّرِيكُ الغاصِبَ، أو وَكَّلَ الغاصِبُ الشَّرِيكَ في البَيعِ، فباعَ العَبْدَ كلَّه صَفْقَةً واحِدَةً، بَطَل في نَصِيبِ الغاصِب، في الصَّحِيحِ. وهل يَصِحُّ في نَصِيبِ الشَّرِيكِ؟ على رِوايَتَين، بِناءً على تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وقد بَطَل البَيعُ في بعضِها، فيَبْطُلُ في سائِرِها. بخِلافِ ما إذا باع المالِكُ والغاصِبُ، فإنَّهما عَقْدان؛ لأنَّ عَقْدَ الواحِدِ مع الاثْنَين عَقْدان. ولو أنَّ الغاصِبَ ذَكَر للمُشْتَرِي أنَّه وَكِيلٌ في نِصْفِه، لَصَحَّ في نَصِيبِ الآذِنِ؛ لكَوْنِه كالعَقْدِ المُنْفَرِدِ.
فصل: إذا كان لرَجُلَين دَينٌ [بِسَببٍ واحدٍ](1)؛ إمّا عَقْدٍ أو مِيراثٍ أو اسْتِهلاكٍ أو غيرِ ذلك، فقَبَضَ أحَدُهما منه شيئًا، فللآخَرِ مُشارَكَتُه فيه في ظاهِرِ المَذْهَب. وعنِ أحمدَ ما يَدُلُّ على أنَّ لأحَدِهما أخْذَ حَقِّه دُونَ صاحِبِه، ولا يُشارِكُه الآخرُ فيما أخَذَ. وهو قولُ أبي العالِيَةِ، وأبي قِلابَةَ، وابنِ سِيرِينَ، وأبي عُبَيدٍ. قِيلَ لأحمدَ: بِعْتُ أنا وصاحِبي مَتاعًا بيني وبينَه، فأعْطانِي حَقِّي، وقال: هذا حَقُّكَ خاصَّةً، وأنا أُعْطِي شَرِيكَكَ
(1) زيادة من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بعدُ؟ قال: لَا يجوزُ. قِيلَ له: فإن أخَّرَه أو أبرَأه مِن حَقِّه دُونَ صاحِبِه؟ قال: يَجُوزُ. قِيل: فقد قال أبو عُبَيدٍ: يَجُوزُ أن يَأخُذَ دُونَ صاحِبِه إذا كان له أن يُؤخِّرَ ويُبْرِئَه دُونَ صاحِبِه؟ ففَكَّرَ فيها، ثم قال: هذا يُشْبِهُ المِيراثَ إذا أخَذَ منه بعضُ الوَرَثَةِ دُونَ بعضٍ، وقد قال ابنُ سِيرينَ وأبو قِلَابَةَ وأبو العالِيَةِ: مَن أخَذَ شيئًا فهو مِن (1) نصِيبِه. قال: فرأيتُه قد احْتَجَّ له وأجَازَه. قال أبو بَكْرٍ: العَمَلُ عندِي على ما رَواه حَنْبَل وحَرْب، أنه لا يَجُوزُ أن يَكُونَ نَصِيبُ القابِضِ له فيما أخَذَه؛ لِما في ذلك مِن قِسْمَةِ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ مِن غيرِ رِضَا الشَّرِيكِ، فيَكُونُ المَأخُوذُ والباقي جَمِيعًا مُشْتَرَكًا. ولغيرِ القابِضِ الرُّجُوعُ [على القابِضِ](2) بحِصَّتِه مِن الدَّينِ، سواءٌ كان المالُ باقِيًا في يَدِه، أو أخْرَجَه عنها برَهْنٍ أو قَضاءِ دَينٍ أو غيرِه. وله أن يَرْجِعَ على الغَرِيمِ؛ لأنَّ الحَقَّ يَثْبُت في ذِمَّتِه لهما على وَجْهٍ سواءٍ، فليس له تَسْلِيمُ حَقِّ أحَدِهما إلى الآخَرِ. فإن أخَذَ مِن الغَرِيمِ، لم يَرْجِعْ على الشَّرِيكِ بشيء؛ لأنَّ حَقَّه ثَبَت في أحَدِ المَحَلَّين، فإذا أجاز (3) أحَدُهما سَقَط حَقُّه مِن الآخَرِ، وليسِ للقابِضِ مَنْعُه مِن الرُّجُوعِ على الغَرِيمِ، بأن يَقُولَ: أنا أعْطِيكَ نِصْف ما قَبَضْتُ. بل الخِيَرَةُ إليه، مِن أيِّهما شاء قَبَض، فإن قَبَض مِن شَرِيكِه شيئًا، رَجَع الشَّرِيكُ على الغَرِيم
(1) سقط من: م.
(2)
زيادة من: م.
(3)
في م: «اختار» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بمِثْلِه، فإن هَلَك المَقْبُوضُ في يَدِ القابِضِ، تَعَيَّن حَقَّه فيه، ولم يَضْمَنْه للشَّرِيكِ؛ لأَنه قَدْرُ حَقِّه فما تَعَدَّى بالقَبْضِ، وإنما كان لشَرِيكِه مشارَكَتُه لثُبُوتِه في الأصْلِ مُشْتَرَكًا. وإن أبرأ أحَدَ الشَّرِيكَين مِن حَقِّه، بَرِئ منه؛ لأَنه بمَنْزِلَةِ تَلَفِه، ولا يَرْجِعُ [عليه غَرِيمُه](1) بشيءٍ، وإن أبرأ أحَدَهما مِن عُشْرِ الدَّينِ، ثم قَبَضا مِن الدَّينِ شيئًا، اقْتَسماه على قَدْرِ حَقهما في الباقِي؛ للمُبْرِئ (2) أرْبَعَةُ أتْساعِه، ولشَرِيكِه خَمْسَةُ أتْساعِه. فإن قَبَضا نِصْفَ الدَّين ثم أبرأ أحَدَهما مِن عُشْرِ الدَّينِ كلِّه، نَفَذَتْ بَراءَتُه في خُمْسِ الباقِي، وما بَقِيَ بينَهما على ثَمانِيَةٍ؛ للمُبْرِئ (2) ثَلاثةُ أثْمانِه، وللآخَرِ خَمْسَةُ أثْمانِه، فما قَبَضاه بعدَ ذلك اقْتَسَماه على هذا. وإنِ اشْتَرَى أحَدُهما بنَصِيبِه ثَوْبًا أو غيرَه، فللآخَرِ إبْطالُ الشراءِ، فإن بَذَل له المُشْتَرِي نِصْفَ الثَّوْبِ ولا يُبْطِلُ البَيعَ، لم يَلْزَمْه ذلك. وإن أجاز البَيعَ ليَمْلِكَ نِصْفَ الثَّوْبِ، انْبَنَى على بَيعِ الفُضُولِيِّ، هل يَقِفُ على الإِجازَةِ أو لا؟ وإن أخَّرَ أحَدُهُما حَقَّه مِن الدَّينِ، جاز؛ لأنه لو أسْقَطَ حَقَّه، جاز، فتَأخِيرُه أوْلَى. فإن قَبَض الشَّرِيكُ بعدَ ذلك شيئًا، لم يَكُنْ لشَرِيكِه الرُّجُوعُ عليه بشيءٍ. ذَكَرَه القاضي. والأوْلَى أنَّ له الرُّجُوعَ؛ لأنَّ الدَّينَ الحالَّ لا يتَأجَّلُ بالتَّأجِيلِ، فوُجُودُ التَّأجِيلِ كعَدَمِه. وأمّا إذا قُلْنا بالرِّوايَةِ الأخْرَى، وأنَّ ما يَقْبِضُه أحَدُهما له دُونَ صاحِبِه، فوَجْهُها أنَّ ما في الذِّمَّةِ لا يَنْتَقِلُ إلى
(1) في الأصل: «عليه» ، وفي م:«على غريمه» .
(2)
في ر، ق:«للمشتري» .
فَصْلٌ: الثَّالِثُ، شَرِكَةُ الْوُجُوهِ؛ وَهِيَ أنْ يَشتَرِكَا، عَلَى أن يَشْتَرِيَا بِجَاهِهِمَا دَينًا فَمَا رَبِحَا فَهُوَ بَينَهُمَا.
ــ
العَينِ إلَّا بتَسْلِيمِه إلى غَرِيمِه أو وَكِيله، وما قَبَضَه أحَدُهما فليس لشَرِيكِه فيه قَبْضٌ ولا لوَكِيله، فلا يَثْبُتُ له فيه حَق ويَكُونُ لقابِضِه؛ لثُبُوتِ يَدِه عليه بحَق، فأشْبَهَ ما لو كان الدَّينُ بسَبَبَين. وليس هذا قِسْمَةَ الدَّينِ في الذِّمَّةِ، وإنَّما تَعَيَّنَ حَقه بقَبْضِه، فأشْبَهَ تَعْيِينَه بالإبراءِ، ولأنَّه لو كان لغيرِ القابِضِ حَقٌّ في المَقْبُوضِ لم يَسْقُطْ بتَلَفِه، كسائِرِ الحُقُوقِ، ولأنَّ هذا القَبْضَ إن كان بحَق، لم يُشارِكْه غيرُه فيه، كما لو كان الدَّينُ بسَبَبَين، وإن كان بغيرِ حَق، لم يَكُنْ له مُطالبَتُه؛ لأنَّ حَقَّه في الذِّمَّةِ لا في العَينِ، فأشْبَهَ ما لو أخَذَ غاصِبٌ منه مالًا. فعلى هذا، ما قَبَضَه القابِضُ يَخْتَصُّ به، وليسَ لشَرِيكِه الرُّجُوعُ عليه. وإنِ اشْتَرَى بنَصِيبِه شيئًا، صَحَّ، ولم يَكُنْ لشَرِيكِه إبْطالُ الشِّراءِ. وإن قَبَض أكْثَرَ مِن حَقِّه بغَيرِ إذْنِ شَرِيكه، لم يَبْرَأ الغَرِيمُ ممّا زاد على حَقه.
فصل: (الثّالِثُ، شَرِكَةُ الوُجُوهِ) وقد اخْتُلِفَ في تَفْسِيرِها، قال الخِرَقِي: وهو أن يَشْتَرِكَ اثْنانِ بمالِ غَيرِهما. وقال القاضي: مَعْناها أن يَدْفَعَ واحِدٌ ماله إلى اثْنَين مُضارَبَةً، فيَكُونُ المُضارِبان شَرِيكَين في الرِّبْح
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بمالِ غيرِهما؛ لأنَّهما إذا (1) أخَذا المال بجَاهِهِما، لم يَكونا مُشْتَرِكَين بمالِ (2) غيرِهما. وهذا محْتَمِلٌ. وقال غيرُه: مَعْناها أنَّهما اشْتَركا فيما يَأخُذان مِن مالِ غيرِهما. وحُمِلَ كَلامُ الخِرَقِيِّ على ذلك؛ ليَكُونَ كَلامُه جامِعًا لأنْواعِ الشَّرِكَةِ، وعلى تَفْسِيرِ القاضِي، تَكُونُ الشَّرِكَةُ بينَ ثَلاثةٍ، ويَكُونُ الخِرَقِي قد أخَلَّ بذِكْرِ نَوْعٍ مِن أنْواعِ الشَّرِكَةِ، وهي شَرِكَةُ الوُجُوهِ (3) على تَفْسِيرِ القاضي. فأمّا شَرِكَةُ الوُجُوهِ على ما ذَكَرَه شيخُنا في الكِتابِ المَشْرُوحِ، فهي أن يَشْتَركَ اثْنانِ فيما يَشتَرِيان بجَاهِهما وثِقَةِ التُّجّارِ بهما، مِن غيرِ أن يَكُونَ لهما رَأسُ مالٍ، على أنَّ ما اشْتَرَيا فهو بينَهما نِصْفَين أو أثْلاثًا أو نحوَ ذلك، ويَبِيعان ذلك، فما قَسَم الله مِن الرِّبْحِ، فهو بينَهما فهي جائِزَةٌ، سواءٌ عَيَّنَ أحَدُهما لصاحِبِه ما يَشتَرِيه، أو قَدْرَه، أو ذَكَر صِنْفَ المالِ، أو لم يُعَيِّنْ شيئًا مِن ذلك، بل قال: ما اشْتَرَيتَ مِن شيءٍ فهو بَينَنا. قال أحمدُ في رِوايَةِ ابن مَنْصُورٍ، في رَجُلَين اشْتَرَكا بغيرِ رُءُوسِ أمْوالِهما، على أنَّ ما يَشْتَرِيه كل واحِدٍ منهما بينَهما، فهو جائِز. وبهذا قال الثَّوْرِيُّ، ومحمدُ بنُ الحَسَنِ، وابنُ المُنْذِرِ. وقال
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في م: «بملك» .
(3)
في الأصل: «الوجه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أبو حنيفةَ: لا يَصِحُّ حتى يَذْكُرَ الوَقْتَ أو المال أو صِنْفًا مِنِ الثِّيابِ. وقال مالكٌ، والشافعيُّ: يُشْتَرَطُ ذِكْرُ شَرائِطِ الوَكالةِ؛ لأنَّ شَرائِطَ الوَكالةِ مُعْتَبَرَةٌ في ذلك؛ مِن تَعْيِينِ الجِنْسِ، وغيرِه مِن شُرُوطِ الوَكالةِ؛ لأنَّ كلَّ واحِدٍ منهما وَكِيلُ صاحِبِه. ولَنا، أنَّهما اشْتَرَكا في الابتِياعِ، وأذِنَ كلُّ واحِدٍ منهما للآخرِ فيه، فصَحَّ، وْكان ما (1) يَتَبايَعانه بينَهما، كما لو ذَكَرا أشْراطَ الوَكالةِ. وقَوْلُهم: إنَّ الوَكالةِ لا تَصِحُّ حتى [يَذْكُرَ قَدْرَ](2) الثَّمَنِ والنَّوْعَ. مَمْنُوعٌ، وإن سُلِّمَ، فإنَّما يُعْتَبَرُ في الوَكالةِ المُفْرَدَةِ، أمّا الوَكالةُ الدّاخِلَةُ في ضِمْنِ الشَّرِكةِ، فلا يُعْتَبَرُ فيها ذلك، بدَلِيل المُضارَبَةِ وشَرِكَةِ العِنانِ، فإنَّ في ضِمْنِهما (3) تَوْكِيلًا، ولا يُعْتَبَرُ فيهما (4) شيءٌ مِن هذا، كذا هاهُنا. فعلى هذا، إن قال لرَجُلٍ: ما اشْتَريتَ اليَوْمَ مِن شيءٍ فهو بَيني وبَينَكَ نِصْفين. أو أطْلَقَ الوَقْتَ، فقال: نَعَم. أو قال: ما اشْتَرَيتُ أنا مِن شيءٍ فهو بَيني وبَينكَ نِصفان. جاز، وكانت شَرِكةً صَحِيحَةً؛ لأنَّه أذِنَ له في التِّجارَةِ على أن يَكُونَ المَبِيعُ بينَهما، وهذا مَعْنَى الشَّرِكَةِ، ويَكُونُ تَوْكِيلًا له في شِرَاءِ نِصْفِ المَتاعِ بنِصْفِ الثَّمَنِ،
(1) سقط من: م.
(2)
في م: «يقدّر» .
(3)
في م: «ضمنها» .
(4)
في م: «فيها» .