الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ في الْمُزَارَعَةِ:
وَتَجُوزُ الْمُزَارَعَةُ بِجُزْءٍ مَعْلُوم يُجْعَلُ لِلْعَامِلَ مِنَ الزَّرْعِ.
ــ
فَصْلٌ في الْمُزَارَعَةِ
2133 - مسألة: (وَتَجُوزُ الْمُزَارَعَةُ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ يُجْعَلُ لِلْعَامِلِ مِنَ الزَّرْعِ)
في قولِ أَكْثَرَ أهْلِ العِلْمِ. قال البُخارِيُّ (1): قال أبو جَعْفَر: ما بالمَدِينَةِ أهْلُ بَيتٍ إلَّا ويَزْرَعُونَ على الثُّلُثِ والرُّبْعِ. وزارَعَ عَلِيٌّ، وسَعْدٌ، وابنُ مَسْعُودٍ، وعُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ، والقاسِمُ، وعُرْوَةُ، وآلُ أبي بكرٍ، وآلُ عَلِيٍّ، وابنُ سِيرِينَ. وهو قولُ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ، وطاوُسٍ، وعبدِ الرَّحْمنِ بنِ الأسْوَدِ، ومُوسَى بنِ طَلْحَةَ، والزُّهْرِيِّ، وعبدِ الرحْمنِ بنِ أبي لَيلَى، وابْنِه، وأبي يُوسُف، ومحمدٍ. ورُوِيَ ذلك عن مُعاذٍ، والحَسَنِ، وعبدِ الرَّحمنِ بنِ يزيدَ (2). قال البُخارِيُّ: وعامَلَ عُمَرُ الناسَ على أنَّه إن جَاءَ عُمَرُ بالبَذْرِ مِن عِنْدِه فله الشَّطْرُ، وإن جاءُوا بالبَذْرِ فلهم كذا وكذا. وكَرِهَها عِكْرِمَةُ، ومُجاهِدٌ، والنَّخَعِيُّ، ومالكٌ، وأبو حنيفةَ. ورُوِيَ عن ابنِ عباسٍ الأمْرانِ جميعًا. وأجازَها
(1) في باب المزارعة بالشَّطر، من كتاب الحرث. صحيح البخاري 3/ 137.
(2)
في م: «مرثد» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الشافيُّ في الأرْضِ بينَ النَّخْلِ، إذا كان بياضُ الأرْضِ أقَلَّ، فإن كان أكْثَرَ، فعلى وَجْهَين. ومَنَعَها في الأرْضِ البَيضاءِ؛ لِما روَى رافِعُ بنُ خَدِيجٍ قال: كُنّا نُخابِرُ على عَهْدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فذَكَرَ أنَّ بعضَ عُمُومَتِه أتاهُ فقال: نَهَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن أمْر كان لَنا نافِعًا، وطَواعِيةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْفَعُ. قال: قلنا: ما ذاك؛؟ قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْها وَلَا يُكْرِيها بِثُلُثٍ وَلَا بِرُبْع، وَلَا بِطَعَام مُسَمًّى» (1). وعن ابنِ عُمَرَ، قال: ما كُنَّا نَرَى بالمُزارَعَةِ بأْسًا حَتَّى سَمِعْتُ رافِعَ بنَ خَدِيجٍ يقولُ: نَهى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عنها (2). و [قال جابِرٌ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن المُخابَرَةِ (3). وهذه كلُّها أحادِيثُ صِحاحٌ مُتَّفَق عليها. والمُخابَرَةُ: المُزارَعةُ. واشْتِقاقُها مِن الخَبَارِ، وهي الأرْضُ اللَّيِّنَةُ. والخَبِيرُ: الأكّارُ. وقيل: المُخابَرَةُ: مُعامَلَةُ أهْلِ خيبَرَ. وقد جاء حَدِيثُ جابرٍ مُفَسَّرًا، فروَى البُخارِيُّ](4)، عن جابِر، قال:
(1) أخرجه البخاري، في: باب ما كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يواسي بعضهم بعضا في الزراعة والثمرة، من كتاب الحرث والمزارعة. صحيح البخاري 3/ 141. ومسلم، في: باب كراء الأرض بالطعام، من كتاب البيوع. صحيح مسلم 3/ 1181.
وأبو داود، في: باب في التشديد في ذلك، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 233. والنسائي، في: باب ذكر الأحاديث المختلفة في النهي عن كراء الأرض. . . .، من كتاب المزارعة. المجتبى 7/ 39. وابن ماجة، في: باب استكراء الأرض بالطعام، من كتاب الرهون. سنن ابن ماجة 2/ 823، 824. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 465.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 183.
(3)
أخرجه البخاري، في: باب الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط أو في نخل، من كتاب المساقاة. صحيح البخاري 3/ 151. ومسلم، في: باب النهي عن المحاقلة والمزابنة وعن المخابرة. . . .، وباب كراء الأرض، من كتاب البيوع. صحيح مسلم 3/ 1174، 1175، 1177.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في المخابرة، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 235. والترمذي، في: باب ما جاء في النهي عن الثنيا، وباب ما جاء في المخابرة والمعاومة، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذي 5/ 290، 6/ 52. والنسائي، في: باب بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه، وباب الزرع بالطعام، وباب النهي عن بيع الثنيا حتَّى تعلم، من كتاب البيوع. المجتبى 7/ 231، 232، 237، 260. والإمام أحمد، في المسند: 3/ 313. 356، 391.
(4)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كانُوا يَزْرَعُونَها بالثُّلُثِ والرُّبْعِ والنِّصْفِ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ كانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا، أوْ لِيَمْنَحْهَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ» (1). ورُوِيَ تَفْسِيرُها عن زَيدِ بنِ ثابتٍ، فروَى أبو داوُدَ (2) بإسْنادِه عن زَيدِ بنِ ثابِتٍ، قال: نَهَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن المُخابَرَةِ. قلتُ: وما المُخابَرَةُ؟ قال: أنْ يَأْخُذَ الأرْضَ بنصْفٍ أوْ ثُلُثٍ أوْ رُبْع. ولنا، ما روَى ابنُ عُمَرَ قال: إنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عامَلَ أهْلَ خَيبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ منها مِن زَرْعٍ أو ثَمَرٍ. مُتَّفَقٌ عليه (3). وقد رُوِيَ ذلك عن ابنِ عباسٍ، وجابرِ بنِ عبدِ الله (4). وقال أبو جَعْفَرٍ: عامَلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ خيبَرَ
(1) أخرجه البخاري في: باب فضل المنيحة، من كتاب الهبة. صحيح البخاري 3/ 217.
ومسلم، في: باب كراء الأرض، من كتاب البيوع. صحيح مسلم 3/ 1177. وابن ماجة، في: باب المزارعة بالثلث والربع، من كتاب الرهون. سنن ابن ماجة 2/ 819.
(2)
في: باب في المخابرة، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 235.
كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 5/ 187، 188.
(3)
تقدم تخريجه في 10/ 313، وفي صفحة 181.
(4)
حديث ابن عباس أخرجه أبو داود، في: باب في المساقاة، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 235، 236. وابن ماجة، في: باب خرص النخل والعنب، من كتاب الزكاة. سنن ابن ماجة 1/ 582. وحديث جابر تقدم تخريجه في صفحة 171.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالشَّطْرِ، ثم أبو بكرٍ، ثم عُمَرُ، ثم عُثْمانُ، ثم عَلِيٍّ، ثم أَهْلُوهُم إلى اليَوْم يُعْطُونَ الثُّلُثَ والرُّبْعَ (1). وهذا أمْرٌ (2) صَحِيحٌ مَشهُورٌ عَمِلَ به رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حتَّى مات، ثم خُلفاؤه الراشِدُون حتَّى ماتُوا، ثم أَهْلُوهُم ومَن بَعدَهم، ولم يَبْقَ بالمَدِينةِ أهْلُ بَيتٍ إلا عَمِلَ به. وعَمِلَ به أَزْواجُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِن بعدِه، فرَوَى البُخارِيُّ (3) عن ابنِ عُمَرَ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عامَلَ أَهَلَ خَيبَرَ بِشَطْرِ ما يَخْرُجُ منها مِن زَرْعٍ أو ثَمَرٍ، فكان يُعْطِي أزْواجَهُ مائةَ وَسْقٍ، ثمانُونَ وَسْقًا تَمْرًا، وعِشْرُون وَسْقًا شَعِيرًا، فقَسَمَ عُمَرُ خَيبَرَ، فخَيَّرَ أزْوْاجَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن يَقْطَعَ لَهُنَّ مِن الماءِ والأرْضِ، أو يُمْضِيَ لَهُنَّ الأَوْسُقَ، فَمِنْهُنَّ مَن اخْتارَ الأرْضَ، ومِنْهُنَّ مَن اخْتارَ الوَسْقَ، فكانت عائشةُ اختارَتِ الأرْضَ. فإن قِيل: حَدِيثُ خَيبَرَ مَنسُوخٌ بخبَرِ رافِعٍ. قلنا: مثلُ هذا لا يجوزُ أن يُنْسَخَ؛ لأن النَّسْخَ إنَّما يكون في حَياةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فأمّا شيءٌ عَمِلَ به إلى أن مات، ثم عَمِلَ به خُلَفاؤُه بعدَه، وأجْمَعَتِ الصَّحابةُ، رضي الله عنهم، عليه، وعَمِلُوا به، ولم يُخالِفْ فيه منهم أحَدٌ، فكيف يجوزُ نَسْخُه، ومتى نُسِخَ؟ فإن كان نُسِخَ في حياةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فكيف عُمِلَ به بعدَ نَسْخِه؟ وكيف خَفِيَ نَسْخُه
(1) تقدم تخريجه في صفحة 182.
(2)
سقط من: م.
(3)
انظر تخريجه عند البخاري ومسلم في 10/ 313.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فلم يَبْلُغْ خُلَفاءَه، مع اشْتِهارِ قِصّةِ خَيبَرَ وعَمَلِهِم فيها؟ وأين كان راوي النَّسْخِ حتَّى لم يَذْكُرْه ولم يُخْبِرْهُم به. فأمّا ما احْتَجُّوا به، فالجَوابُ عن حَدِيثِ رافع مِن أرْبَعِة أوْجُهٍ؛ أحَدُها، أنَّه قد فَسَّرَ (1) المَنْهِيَّ عنه في حَديِثِه بما لا يُخْتَلَفُ في فَسادِه، فإنَّه قال: كُنّا مِن أكْثَرِ الأنْصارِ حَقْلًا، فكُنّا نُكْري الأرْضَ على أنَّ لَنا هذه ولهم هذه، فرُبَّما أخْرَجَت هذه ولم تُخْرِجْ هذه، فَنهانا عن ذلك، فأمّا بالذَّهَبِ والوَرِقِ، فلم يَنْهَنا. مُتَّفَقٌ عليه (2). وفي لَفْظٍ: فأمَّا بشيءٍ مَعْلُوم مَضْمُونٍ فلا بَأْسَ. وهذا خارِجٌ عن مَحَلِّ الخِلافِ، فلا دَلِيلَ فيه عليه، ولا تَعَارُضَ بينَ الحَدِيثَين. الثاني، أنَّ خَبَرَه وَرَدَ في الكِراءِ بثُلُثٍ أو رُبْع، والنِّزاعُ في المُزارَعةِ، ولم يَدُل حَدِيثُه عليها (3) أصْلًا، وحَدِيثُه الَّذي فيه المُزارَعَةُ يُحْمَلُ على الكِراءِ أيضًا؛ لأنَّ القِصَّةَ واحِدَةٌ أتَتْ بأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، فيَجِبُ تَفْسِيرُ أحَدِ اللَّفظَينِ بما يُوافِقُ الآخَرَ. الثَّالِثُ، أنَّ أحادِيثَ رافعٍ مُضْطَرِبةٌ جِدًّا، مُخْتَلِفَةٌ اخْتِلافًا كَثِيرًا يُوجِبُ تَرْكَ العَمَلِ بها لو انْفَرَدتْ، فكيف تُقَدَّمُ على مِثْلِ حَدِيثِنا؟ قال الإمامُ أحمدُ: حَدِيثُ رافِعٍ أَلْوَانٌ. وقال ابنُ المُنْذِرِ: قد جاءَتِ الأخبارُ عن رافِعٍ بعِلَلٍ تَدُلُّ على أنَّ النَّهْيَ كان
(1) بعده في الأصل، ر، ر 1، ق:«حديث» .
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 184.
(3)
في الأصل: «عليهما» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[لتلك العِللِ](1)؛ منها الَّذي ذكَرْنا. ومنها، خَمْسٌ أخْرَى. وقد أنْكَرَه فَقِيهانِ مِن فُقَهاءِ الصَّحابَةِ؛ زَيدُ بنُ ثابتٍ، وابنُ عباس. قال زيدُ بنُ ثابتٍ: أنا أعْلَمُ بذلك منه، وإنَّما سَمِع النبيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلَينِ قد اقْتَتَلا فقال:«إنْ كَانَ هذَا شَأْنُكُمْ فَلَا تُكْرُوا المَزَارِعَ» . رَواه أبو دَاوُدَ (2). وروَى البخارِيُّ (3) عن عَمْرِو بنِ دِينارٍ، قال: قُلْتُ لطاوُسٍ: لو تَركْتَ المُخابَرَةَ، فإنَّهم يَزْعُمُونَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عنها. قال: إنَّ أعْلَمَهُم، يَعْني ابنَ عباسٍ، أخْبَرِني أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يَنْهَ عنها، ولكن قال:«أَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أخَاهُ، خيرٌ لَهُ مِنْ أنْ يَأْخُذ عَلَيهَا خَرَاجًا مَعْلُومًا» . ثم إنَّ أَحادِيثَ رافعٍ منها ما يُخالِفُ الإجْماعَ، وهو النَّهْي عن كِراءِ المَزارِعِ على الإطْلاقِ، ومنها ما لا يُخْتَلَفُ في فَسادِه، كما قد بَيَّنَا. وتارَةً يُحَدِّثُ عن بَعْضِ عُمُومَتِه، وتارَةً عن سَماعِه، وتارةً عن ظَهِيرِ بنِ رافعٍ، وإذا كانت أخبارُ رافعٍ هكذا، وَجَبَ اطِّراحُها واسْتِعمالُ الأخْبارِ الوارِدَةِ في شَأنِ خَيبَرَ، الجارِيةِ مَجْرَى التَّواتُرِ، التي لا اخْتِلافَ فيها، وقد عَمِلَ بها الخُلَفاءُ الرَّاشِدُونَ وغيرُهم، فلا مَعْنَى لتَرْكِها بمِثلِ هذه الأحادِيثِ الواهيةِ (4). والجوابُ الرابعُ، أنَّه لو قُدِّرَ صِحّةُ خبَرِ رافعٍ، وامْتَنَعَ
(1) في م: «لذلك» .
(2)
تقدم تخريجه في 185.
(3)
تقدم تخريجه في 185.
(4)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تَأْويلُه، وتَعَذَّرَ الجَمْعُ، وَجَب حَمْلُه على أنَّه مَنْسُوخٌ؛ لأنَّه لا بُدَّ مِن نَسْخِ أحَدِ الخَبَرَين، ويَسْتَحِيلُ القولُ بنَسْخِ خبَرِ خَيبَرَ؛ لكَوْنِه مَعْمولًا به مِن جِهَةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى حين مَوْتِه، ثم مِن بعدِه إلى عَصْرِ التابِعِينَ، فمتى كان نَسْخُه؛ فأمّا حَدِيثُ جابر في النَّهْي عن المُخابَرَةِ، فيَجِبُ حَمْلُه على أحدِ الوُجُوهِ التي حُمِلَ عليها خَبَرُ رافع، فإنَّه قد روَى حَدِيثَ خَيبَرَ أيضًا، فيَجِبُ الجمعُ بينَ حَدِيثَيه مَهما أمْكَنَ، ثم لو حُمِلَ على المُزارَعةِ، لكان مَنْسُوخًا بقِصّةِ خَيبَرَ، لاسْتِحالةِ نَسْخِها، كما ذَكَرْنا. وكذلك القولُ في حَدِيثِ زَيدِ بنِ ثابتٍ. فإن قال أصحابُ الشافعيِّ: تُحْمَلُ أحادِيثُكُم على الأرضِ التي بينَ النَّخِيلِ، وأحاديثُ النَّهْي على الأرْضِ البَيضاءِ، جَمْعًا بينَهما. قلنا: هذا بعيدٌ؛ لوُجُوهٍ خمسةٍ؛ أحدُها، أنَّه يَبْعُدُ أن تكُونَ بَلْدَةٌ كبيرةٌ يأتي منها أرْبَعُونَ أَلْفَ وَسْقٍ، ليس فيها أرضٌ بيضاءُ، وَيبْعُدُ أن يكونَ قد عامَلَهُم على بعضِ الأرْضِ دُونَ بعض، فيَنْقُلُ الرُّوَاةُ كُلهم القِصةَ على العُمُومِ مِن غيرِ تَفْصيلٍ، مع الحاجَةِ إليه. الثّاني، أنَّ ما يَذْكُرُونَه مِن التَّأْويلِ لا دَلِيلَ عليه، وما ذَكَرْناه دَلَّتْ عليه بعضُ الرِّواياتِ، وفَسَّرَه راويه بما ذكرناه. وليس معهم سوى الجمعِ بينَ الأحادِيثِ، والجمعُ بينَهما بحَمْلِ بعضِها على ما فَسَّرَه راويه به أوْلَى مِن التَّحَكمِ بما لا دَلِيلَ عليه. الثّالثُ، أنَّ قَوْلَهُم يُفْضي إلى تَقْيِيدِ كلِّ واحدٍ مِن الحَدِيثَين، وما ذَكَرْناه حَمْلٌ لأحَدِهما على بعضِ مُحْتَملاته لا غيرُ. الرابعُ، أنَّ فيما ذَكَرْناه مُوافَقَةَ عَمَلِ الخُلَفاءِ الراشِدِين وأهْلِيهِم