الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ أخرَجَ مَالًا لِيَعْمَلَ هُوَ فِيهِ وَآخَرُ، وَالرِّبْحُ بَينَهُمَا، صَحَّ. ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ.
ــ
وقال أبو ثَوْرٍ، وأصْحابُ الرأي: تَصِحُّ إذا شاهَداه، والقولُ قول العامِلِ مع يَمِينه في قَدْرِه، لأنَّه أمِينُ رَبِّ المالِ، والقولُ قَوْلُه فيما في يَدِه، فقامَ ذلك مَقامَ المَعْرِفَةِ به. ولَنا، أنَّه مَجْهُول، فلم تَصِحَّ المُضارَبَةُ به، كما لو لم يُشاهِداه، ولأنَّه لا يَدْرِي بكم يَرْجِعُ عندَ المُفاصَلَةِ، ويُفْضِي إلى المُنازَعَةِ والاخْتِلافِ في مِقْدارِه، فلم يَصِحَّ، كما لو كان في الكِيسِ. وما ذَكَرُوه يَبْطُلُ بالسَّلَمِ، وبما إذا لم يُشاهِداه (1).
فصل: ولو أحْضَرَ كِيسَين، في كلِّ واحِدٍ منهما مال مَعْلُومُ المِقْدارِ، وقال: قارَضْتُك على أحَدِهما. لم يَصِحَّ، سواء تَساوَى ما فيهما أو اخْتَلَفَ؛ لأنَّه عَقْدٌ تَمْنَعُ صِحَّتَه الجَهالةُ، فلم يَجُزْ على غيرِ مُعَيَّن، كالبَيعَ.
2078 - مسألة: (وإن أخْرَجَ مالًا ليَعْمَلَ فيه هو وآخَرُ، والرِّبْحُ بينَهما، صَحَّ. ذكَرَه الخِرَقِيُّ)
ونَصَّ عليه أحمدُ في رِوَايةِ أبِي الحارِثِ. وتَكُونُ مُضارَبَةً؛ لأنَّ غيرَ صاحِبِ المالِ يَسْتَحِقُّ المَشْرُوطَ له
(1) في م: «يشاهده» .
وَقَال الْقَاضِي: إذَا شَرَطَ الْمُضَارِبُ أنْ يَعْمَلَ مَعَهُ رَبُّ الْمَالِ، لَمْ يَصِحَّ، وَإنْ شَرَطَ عَمَلَ غُلَامِهِ، فَعَلَى وَجْهَينِ.
ــ
مِن الرِّبْحِ بعَمَلِه في مالِ غيرِه، وهذا حَقِيقَة المضارَبَةِ، (وقال) أبو عبدِ اللهِ ابن حامِدٍ، و (القاضي)، وأبو الخَطّابِ:(إذا شَرَط أن يَعْمَلَ معه رَبُّ المالِ، لم يَصِحَّ). وهذا مَذْهَب مالكٍ، والشافعيِّ، والأوْزاعِيِّ، وأصحابِ الرأىِ، وأبي ثَوْر، وابنِ المنذرِ. وقال: ولا تَصِحُّ المضارَبَة حتى تسَلِّمَ المال إلى العامِلِ ويخَلِّيَ بينَه وبينَه؛ لأنَّ المضارَبَةَ تَقْتَضِي تَسْلِيمَ المالِ إلى المضارِبِ، فإذا شَرَط عليه العَمَلَ فيه ولم يُسَلِّمْه، فيُخالِف مَوْضُوعَها. وتَأولَ القاضِي كَلامَ أحمدَ والخِرَقِيِّ، على أنَّ رَبَّ المالِ عَمِل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فيه مِن غيرِ اشْتِراطٍ. والأوَّلُ أظْهَرُ؛ لأنَّ العَمَلَ (1) أحَدُ رُكْنَي المُضارَبَةِ، فجاز أن يَنْفَرِدَ به أحَدُهما مع وُجُودِ الأمْرَين مِن الآخَرِ، كالمالِ. وقَوْلُهم: إنَّ المُضارَبَةَ تَقْتَضِي تَسْلِيمَ المالِ إلى العامِلِ. مَمْنُوع، إنَّما تَقْتَضِي إطْلاقَ التَّصَرُّفِ في مالِ غيرِه بجُزْء مُشَاع مِن رِبْحِه، وهذا حاصِل مع اشْتِراكِهما في العَمَلِ، ولهذا لو دَفَع ماله إلى اثْنَين مُضارَبَةً، صَحَّ، ولم يَحْصُلْ تَسْلِيمُه إلى أحَدِهما.
فصل: وإن شَرَط أن يَعْمَلَ معه غُلامُ رَبِّ المالِ، صَحَّ. وهذا ظاهِرُ كَلامِ الشافعيِّ، وقولُ أكْثَرِ أصْحابِه (2). ومَنَعَه بعضُهم. وهو قولُ القاضي؛ لأنَّ يَدَ الغُلامِ كيَدِ سَيِّدِه. وقال أبو الخَطَّابِ: فيه وَجْهان؛ أحَدُهما: الجَوازُ؛ لأنَّ عَمَلَ الغُلامِ مال لسيِّدِه، فَصَحَّ ضَمُّه إليه، كما يَصِحُّ أن يَضُمَّ إليه بَهِيمَتَه يَحْمِلُ عليها. والثانِي، لا يَجُوزُ؛ لأنَّ يَدَ العَبْدِ كيَدِ سَيِّدِه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإنِ اشْتَرَكَ مالانِ ببَدَنِ صاحِبِ أحَدِهما، فهذا يَجْمَعُ شَرِكةً ومُضارَبَة، وهو صَحِيح. فلو كان بينَ رَجُلَين ثَلاثةُ آلافِ دِرْهم؟ لأحَدِهما ألْف وللآخَرِ ألْفانِ، فأذِنَ صاحِبُ الألْفَين لصاحِبِ الألْفِ أن يَتَصَرّفَ فيه على أن يَكُونَ الرِّبْحُ بينَهما نِصْفَينِ، صحّ، ويَكُونُ لصاحِبِ الألْفِ ثُلُثُ الرِّبْحِ بحَقِّ مالِه، والباقي وهو ثُلُثا الرِّبْحِ، بينَهما؛ لصاحِبِ الألْفَين ثَلاثةُ أرْباعِه، وللعامِلِ رُبْعُه، وذلك لأنَّه جَعَل له نِصْفَ الرِّبْحِ فجَعَلْناه سِتَّةَ أسْهُم، منها ثَلاثة للعامِلِ، حِصَّةُ مالِه سَهْمان، وسَهْم يَسْتَحِقه بعَمَلِه في مالِ شَرِيكِهِ، وحِصةُ مالِ شَرِيكِه أرْبعَةُ أسْهُم، للعامِلِ سَهْم، وهو الرُّبْعُ. فإن قِيلَ فكيفَ تَجُوزُ المُضارَبَةُ ورَأسُ المالِ مُشَاع؟ قُلْنا: إنَّما تَمْنَعُ الإشاعةُ الجَوازَ إذا كانت مع غيرِ العامِلِ؛ لأنَّها تَمْنَعُه مِن التَّصَرُّفِ، [بخِلافِ ما إذا كانت مع العامِلِ، فإنَّها لا تَمْنَعُه مِن التَّصَرُّفِ](1)، فلا تَمْنَعُ صِحَّةَ المُضارَبَةِ. وإن شَرَط للعامِلِ ثُلُثَ الرِّبْحِ فقط، فمالُ صاحِبِه بِضاعةٌ في يَدِه ولَيسَتْ مُضارَبَة؛ لأنَّ المُضارَبَةَ
(1) سقط من: الأصل، ق.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إنما تَحْصُلُ إذا كان الرِّبْحُ بينَهما، فأمّا إذا قال: رِبْحُ مالِكَ لك ورِبْحُ مالِي لي. فقَبِلَ الآخَرُ، كان إبْضاعًا لا غيرُ. وبِهذا كلِّه قال الشافعي. وقال مالِك: لا يَجُوزُ أن يَضُمَّ إلى القِراضِ شَرِكةً، كما لا يَجُوزُ أن يَضُم إليه عَقْدَ إجارَةٍ. ولَنا، أنهما لم يَجْعَلَا أحَدَ العَقْدَين شَرْطًا للآخرِ، فلم يَمْنَعْ مِن جَمْعِهما، كما لو كانْ المالُ مُتَمَيِّزًا.
فصل: إذا دَفَع إليه ألْفًا مُضارَبَةً، وقال: أضِفْ إليه ألْفًا مِن عِنْدِك واتَّجِرْ بهما، والرِّبْحُ بينَنَا، لك ثُلُثاه ولِي ثُلثه. جاز، وكان شَرِكَةً وقِراضًا. وقال أصحابُ الشافعيِّ: لا يَجُوزُ؛ لأنَّ الشَّرِكَةَ إذا وَقَعَتْ على المالِ، كان الرِّبْحُ تابِعًا له دُونَ العَمَلِ. ولَنا، أنهما تَساوَيا في المالِ، وانْفَرَدَ أحَدُهما بالعَمَلِ، فجاز أن يَنْفَرِدَ بزِيادَةِ الرِّبْحِ، كما لو لم يَكُنْ له مال. قَوْلُهم: إنَّ الرِّبْحَ تابع للمالِ وحدَه. مَمْنُوع، بل هو تابع لهما، كما أنه حاصِل بهما. فإن شَرَط غيرُ العامِلِ لنَفْسِه ثُلُثَي الرِّبْحِ، لم يَجُزْ. وقال القاضي: يَجُوزُ، بِناءً على جَوازِ تَفاضُلِهما في شَرِكَةِ العِنانِ. ولَنا، أنه شَرَطَ لنَفْسِه جُزْءًا مِن الرِّبْحِ لا مُقابِلَ له، فلم يَصِحَّ، كما لو شَرَطَ رِبْحَ مالِ العامِلِ المُنْفَرِدِ، وفارق شَرِكةَ العِنَانِ؛ لأنَّ فيها عَمَلًا منهما، فجاز أن يَتَفاضَلا في الرِّبْح؛ لتَفاضُلِهما في العَمَلِ، بخِلافِ مَسْألتِنا. وإن جَعَلا الرِّبْحَ بينَهما نِصْفين، ولم يَقُولا: مُضارَبَةً. جازَ، وكان إبْضاعًا، كما تَقَدَّمَ. وإن قالا: مُضارَبَة. فَسَد العَقْدُ؛ لِما ذَكَرْناه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وقد ذَكَرْنا أنَّ حُكْمَ المُضارَبَةِ حُكْمُ الشَّرِكَةِ فيما للعامِلِ أن يَفْعَلَه أوْ لا يَفْعَلَه، والذي اخْتُلِفَ فيه في حَقِّ الشَّرِيكِ، فكذلك في حَق عامِلِ المُضارَبَةِ. وهل له أن يَبِيعَ نَساءً إذا لم يُنْهَ عنه؟ فيه رِوايَتان؛ إحْداهُما، ليس له ذلك. وبه قال مالك، وابنُ أبي لَيلَى، والشافعيُّ؛ لأنَّه نائِب في البَيعِ، فلم يَجُزْ له ذلك بغيرِ إذْنٍ، كالوَكِيلِ، يُحَقِّقُ ذلك أنَّ النائِبَ لا يَجُوزُ له التَّصَرُّفُ إلَّا على وَجْهِ الحَظِّ والاحْتِياطِ، وفي النَّسِيئَة تَغْرِيرٌ بالمالِ. والثّانِيَةُ، يَجُوزُ له ذلك. وهو قولُ أبي حنيفةَ، واخْتِيارُ ابنِ عَقِيل؛ لأنَّ إذنه في التِّجارَةِ والمُضارَبَةِ يَنْصَرِفُ إلى التِّجارَةِ المُعْتادَةِ، وهذا عادَةُ التُّجّارِ، ولأنَّه يَقْصِدُ به الرِّبْحَ، والرِّبْحُ في النَّساءِ أكْثَرُ، والحُكْمُ في الوَكالةِ مَمْنُوع، ثم الفَرْقُ بينَ الوَكالةِ المُطْلَقَةِ والمُضارَبَةِ، أنَّ الوَكالةَ المَقْصُودُ منها تَحْصِيلُ الثَّمَنِ فحَسْبُ، ولا تَخْتَصُّ بقَصْدِ الرِّبْحِ، فإذا أمْكَنَ تَحْصِيلُه مِن غيرِ خَطَر، كان أوْلَى، ولأنَّ الوَكالةَ المُطْلَقَةَ في البَيعِ تَدُلُّ على أنَّ حاجَةَ المُوَكِّلِ (1) إلى الثَّمَنِ ناجزَة، فلم يَجُزْ تَأخِيرُه، بخِلافِ المُضارَبَةِ. فإن قال له: اعْمَلْ برأَيِكَ. أو: تَصَرَّفْ كيف شِئْتَ. فله البَيعُ نَساءً. وقال الشافعي: ليس له ذلك؛ لأنَّ فيه تَغْرِيرًا، أشْبَهَ ما لو لم يَقُلْ له ذلك. ولَنا، أنَّه داخِل
(1) في الأصل: «الوكيل» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في عُمُوم لَفْظِه، وقَرِينةُ حالِه تَدُلُّ على رِضاه برأيِه في صِفاتِ البَيعِ وفي أنْواعِ التِّجارَةِ، وهذا منها. فإذا قُلْنَا: له البَيعُ نَساءً. فالبَيعُ صَحِيح، ومهما فات مِن الثَّمَنِ. لا يَضْمَنُه، إلَّا أن يُفَرِّطَ ببَيعِ مَن لا يوثَقُ به، أو مَن لا يَعْرِفُه، فيَضْمَنُ الثمَنَ المُنْكَسِرَ على المُشْتَرِي. وإن قُلْنا: ليس له البَيعُ نَساءً. فالبَيعُ باطِل؛ لأنه فَعَل ما لم يُؤذَنْ له فيه، فهو كالبَيع. مِن الأجْنَبِيِّ، إلَّا على الروايَةِ التي تَقُولُ: يَقِفُ بَيعُ الأجْنَبِيِّ على الإِجازةِ. فههُنا مِثْلُه. ويَحْتَمِلُ كَلامُ الخِرَقِيِّ صِحةَ البَيعِ؛ فإنه قال: إذا باع المُضارِبُ نَساءً بغيرِ إذْنٍ، ضَمِن. ولم يَذْكُرْ فَسادَ البَيعِ. وعلى كلِّ حالٍ يَلْزَمُ العامِلَ الضمانُ؛ لأنَّ ذَهابَ الثَّمَن حَصَل بتَفْرِيطِه. وإذا قُلْنا بفَسادِ البَيعِ، ضَمِن المَبِيعَ بقِيمَتِه، إذا تَعَذر عليه اسْتِرْجاعُه، بتلَف المَبِيعِ أو امْتِناعِ المُشْتَرِي مِن رَده إليه. وإن قُلْنا بصِحتِه، احْتَملَ أن يَضْمَنَه بقِيمَتِه أيضًا؛ لأَنه لم يَفُتْ بالبَيعِ أكثرُ منها، ولا يَنْحَفِظُ (1) فيَ بتركِه سواها، وزيادَةُ الثمَن حَصَلَتْ بتَفْرِيطِه، فلا يَضْمَنُها، واحْتَمَل أن يَضْمَنَ الثَّمَنَ؛ لأنه وَجَب بالبَيعِ، وفات بتَفرِيطِ البائِعِ. فعلى هذا، إن نَقَص عن القِيمَةِ، فقد انْتَقَلَ الوُجُوبُ إليه، بدَلِيلِ أنه لو حَصَل الثَّمنُ، [لم يَضْمَنْ](2) شيئًا.
(1) في الأصل: «يحفظ» .
(2)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وهل له السَّفَرُ بالمالِ؟ فيه وَجْهان؛ أحَدُهما، ليس له ذلك. وهو مَذْهَبُ الشافعيِّ، لأنَّ في السَّفَرِ تَغْرِيرًا بالمالِ وخَطَرًا، ولهذا يُرْوَى:«إنَّ المُسافِرَ [وماله] (1) على قَلَتٍ، إلَّا ما وقَى الله» (2) أي هَلاكٍ. ولا يَجُوزُ له التَّغْرِيرُ بالمالِ بغيرِ إذْنِ مالِكِه. والثّانِي، له السَّفَرُ به إذا لم يَكُنْ مَخُوفًا. قال القاضي: قِياسُ المَذْهَبِ جَوازُه، بِناءً على السَّفَرِ بالوَدِيعَةِ. وهو قولُ مالك. وحُكِيَ عن أبي حنيفةَ، لأنَّ الإذْنَ المُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلى ما جَرَتْ به العادَةُ، والعادَةُ جارِيَة بالتِّجارَةِ سَفَرًا و (3) حَضَرًا، ولأنَّ المُضارَبَةَ مُشْتَقَّة مِن الضَّرْبِ في الأرْضِ، فمَلَكَ ذلك بمُطْلَقِها. وهذان الوَجْهانِ في المُطْلَقِ. فأمّا إن أذِنَ فيه أو نُهِيَ عنه، أو وُجِدَتْ قَرِينة دالَّة على أحَدِ الأمْرَينِ، تَعَيَّنَ ذلك، وجاز مع الإِذْنِ (4)، وحَرُم مع النَّهْي. وليس له السَّفَرُ في مَوْضع مَخُوفٍ، على كِلا الوَجْهَين. وكذلك لو أذِنَ لا في السَّفَرِ مُطْلَقًا، لم يَكُنْ له السَّفَرُ في طَرِيقٍ مَخُوفٍ، ولا إلى بَلَدٍ مَخُوفٍ، فإن فَعَل فهو ضامِن لما يَتْلَفُ؛ لأنَّه تَعَدَّى بفِعْلِ ما ليس له فِعْلُه.
فصل: وليس للمُضارِب البَيعُ بدُونِ ثَمَنِ المِثْلِ، ولا أن يَشْتَرِيَ بأكثر منه مِمّا لا يَتَغابَنُ الناسُ بمِثْلِه، فإن فَعَل، فقد رُوِيَ عن أحمدَ،
(1) في م: «وما معه» .
(2)
ذكره ابن قتبية، في: غريب الحديث 2/ 564، وابن الأثير، في: النهاية 4/ 98. وانظر تلخيص الحبير 3/ 98، وإرواء الغليل 5/ 383، 384.
(3)
في م: «أو» .
(4)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أنَّ البَيعَ يَصِحُّ، ويَضْمَنُ النقْصَ، كالوَكِيلِ، ولأنَّ الضَّرَرَ يَنْجَبِرُ بضَمانِ النَّقْصِ. قال شيخُنا (1): والقِياسُ بُطلانُ البَيعِ. وهو مذهَبُ الشافعي؛ لأنَّه بَيع لم يُؤذَنْ فيه، أشْبَهَ بَيعَ الأجْنَبِيِّ. فعلى هذا، إن تَعَذرَ رَدُّ المَبِيعِ، ضَمِن النَّقْصَ أيضًا، وإن أمْكَنَ رَدُّه، وَجَب إن كان باقِيًا، أو قِيمَتُه إن تَلِف، ولرَب المالِ مُطالبَةُ مَن شاء مِن العامِلِ أو المشتَرِي، فإن أخَذَ مِن المُشْتَرِي بقِيمَتِه، رَجَع المُشْتَرِي على العامِلِ بالثَّمَن، وإن رَجَع على العامِلِ بِقِيمَتِه، رَجَع العامِلُ على المُشْتَرِي بها ورَدَّ عليه الثَّمَنَ؛ لأنَّ التَّلَفَ حَصَل في يَدِه. أمّا ما يَتَغابَنُ الناسُ بمِثْلِه فلا يُمْنَعُ منه؟ لأنَّه لا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ منه. وأمّا إذا اشْتَرَى بأكْثَرَ مِن ثَمَن المِثْلِ بعَينِ المالِ، فهو كالبَيعِ. وإنِ اشْتَرَى في الذمةِ، لَزِم العامِلَ دُونَ رَب المالِ إلَّا أن يُجِيزَه، فيَكُونَ له. هذا ظاهِرُ كَلامِ الخِرَقِي. وقال القاضي: إن أطْلَقَ الشِّراءَ ولم يَذْكُرْ رَبَّ المالِ، فكذلك، وإن صَرَّحَ للبائِعِ أنِّي اشْتَرَيتُه فُلانٍ، فالبَيعُ باطِل أيضًا.
فصل: وهل له أن يَبِيعَ ويَشْتَرِيَ بغيرِ نَقْدِ البَلَدِ؟ على رِوايَتَين؛ أصَحُّهما، جَوازُه إذا رَأى المَصْلَحةَ فيه والرِّبْحَ حاصِلًا به، كما يَجُوزُ أن يَبِيعَ عَرْضًا بعَرْض ويَشْتَرِيَه به. فإن قُلْنا: لا يَمْلِكُ ذلك. ففَعَلَ، فحُكْمُه حُكْمُ ما لو اشْتَرَى أو باع بغيرِ ثَمَنِ المِثْلِ. وإن قال: اعْمَلْ برَأيِك.
(1) في: المغني 7/ 150.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فله ذلك، وهل له الزِّراعَةُ (1)؟ يَحْتَمِلُ أن لا يَملِكَها؛ لأن المُضارَبَةَ لا يُفْهَمُ مِن إطْلاقِها الزِّراعة (1)، وقد رُوِيَ عن أحمدَ، رحمه الله، في مَن دَفَع إلى رجلٍ ألْفًا، وقال: اتَّجِرْ فيها بما شِئْتَ. فزَرَعَ زَرْعًا، فرَبحَ فيه، فالمُضارَبَة جائِزَة، والرِّبْحُ بينَهما. قال القاضي: ظاهِرُ هذا أن قَوْلَه: اتُّجِرْ بما شِئْتَ. دَخَلَتْ فيه المُزارَعةُ؛ لأنها مِن الوُجُوهِ التي يبتغَى بها النَّماءُ. فعلى هذا، لو تَوَى المالُ في المُزارَعَةِ، لم يَلْزَمْهُ ضَمانُه.
فصل: وله أن يَشْتَرِيَ المَعِيبَ إذا رَأى المَصْلَحةَ فيه؛ لأن المَقْصُودَ الرِّبْحُ، وقد يَكُونُ الرِّبْحُ في المَعِيبِ. فإنِ اشْتَراه يَظنه سَلِيمًا فبانَ مَعِيبًا، فله فِعْلُ ما يَرَى فيه المَصْلَحَةَ؛ مِن رَدِّه، أو إمْساكِه وأخْذِ الأرْش. فإنِ اخْتَلَفَ العامِلُ ورَبُّ المالِ في الرَّدِّ، فطَلَبه أحَدُهما، واصباه الآخَرُ، فَعَل ما فيه النَّظَرُ والحَظُّ؛ لأنَّ المَقْصُودَ تَحْصِيلُه، فيُحْمَلُ الأمْرُ على ما فيه الحَظُّ. وأمّا الشريكان إذا اخْتَلَفا في رَد المَعِيبِ، فلِطَالِبِ الرَّدِّ رَدُّ نصِيبِه، وللآخَرِ إمْساكُ نَصِيبِه، إلَّا أن لا يَعْلَمَ البائِعُ أنَّ الشِّراءَ لهما، فلا يَلْزَمُه قَبُولُ رَدِّ بَعْضِه؛ لأنّ ظاهِرَ الحالِ أن العَقْدَ لمَن وَلِيَه، فلم يَجُزْ إدْخالُ الضَّرَرِ على البائِعِ بتَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ عليه. ولو أرادَ الذي وَلِيَ العَقْدَ رَدَّ بعضِ المَبِيعِ وإمْساكَ البَعْضِ، كان (2) حُكْمُه حُكْمَ ما لو أرادَ شَرِيكُه ذلك، على ما فَصَّلْناه. واللهُ أعلمُ.
(1) في م: «المزارعة» .
(2)
في م: «فإن» .
فصلٌ: وَلَيسَ لِلْعَامِلِ شِرَاءُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ. فَإِنْ فَعَلَ، صَحَّ، وَعَتَقَ، وَضَمِنَ ثَمَنَهُ. وَعَنْهُ، يَضْمَنُ قِيمَتَهُ، عَلِمَ
ــ
فصل: قال الشيخُ، رضي الله عنه:(وليس للعامِلِ شِراءُ مَن يَعْتِقُ على رَبِّ المالِ)[بغيرِ إذْنِه](1)؛ لأنَّ فيه ضَرَرًا، ولأنَّه لا حَظَّ للتِّجارةِ فيه. فإنِ اشْتَراه بإذْنِ رَبِّ المالِ، صَحَّ؛ لأنَّه يَصِحُّ شِراؤه بنَفْسِه، فإذا أذِنَ لغيرِه فيه، جاز، ويَعْتِقُ عليه، وتَنْفَسِخُ المُضارَبَةُ في قَدْرِ ثَمَنِه، [لأنَّه قد تَلِف، ويُحْسَبُ على رَبِّ المالِ، فإن كان ثَمَنُه كلَّ المالِ، انْفَسَخَتِ المُضارَبَةُ](1) وإن كان في المالِ رِبْح، رَجَع العامِلُ بحِصَّتِه منه، فإن كان بغيرِ إذْنِ رَبِّ المالِ، احْتَمَلَ أن لا يَصِح الشراءُ إذا كان الثَّمَنُ عَينًا؛ لأنَّ العامِلَ اشْتَرَى ما ليس له أن يَشْتَرِيَه، فهو كما لو اشْتَرَى شيئًا بأكثرَ مِن ثَمَنِه، ولأنَّ الإذْنَ في المُضارَبَةِ إنَّما يَنْصَرفُ إلى ما يُمْكِنُ بَيعُه والرِّبْحُ فيه، وليس هذا كذلك. وإن كان اشْتَراه في الذِّمَّةِ، وَقَع الشِّراءُ للعاقِدِ، وليس له دَفْعُ الثَّمَنِ مِن مالِ المُضارَبَةِ، فإن فَعَل، ضَمِن. وهذا قولُ الشافعيِّ وأكثرَ الفُقَهاءِ. وقال القاضي: ظاهِرُ كَلامِ أحمدَ صِحَّةُ
(1) سقط من: م.
أوْ لَمْ يَعْلَمْ. وَقَال أبو بَكْر: إِنْ لَمْ يَعْلَمْ، لَمْ يَضْمَنْ. وَيَحْتَمِل ألا يَصِحَّ البَيع.
ــ
الشِّراءِ؛ لأنَّه مالٌ متَقَوَّم قابِل للعُقُودِ، نصَحَّ شِراؤه، كما لو اشْتَرَى مَن نَذَر رَبُّ المالِ عتْقَه، ويَعْتِق على رَبِّ المالِ، وتَنْفَسِخ المضارَبَةُ فيه، ويَلْزَمُ العامِلَ الضَّمانُ، على ظاهِرِ كَلامٍ أحمدَ، عَلِم بذلك أو جَهِل، لأنَّ مال المضارَبَةِ تَلِف بسَبَبِه، ولا فَرْق في (1) الإتْلافِ المُوجبِ للضّمانِ بينَ العِلْمِ والجَهْلِ. ويَضْمَنُ قِيمَتَه في أحَدِ الوَجْهَين؛ لأنَّ المِلْكَ ثَبَت فيه ثم تَلِف، أشْبَهَ ما لو أتْلَفَه بفِعْلِه. والثّانِي، يَضْمَن الثمَنَ الذي اشْتَراه به، لأنَّ التفْرِيطَ منه حَصَل بالشِّراءِ وبَذْلِ الثَّمَنِ فيما يَتْلَفُ بالشِّراء، فكان عليه ضَمانُ ما فَرّطَ فيه. ومتى ظَهَر في المالِ رِبْح، فللعامِلِ حِصته منه. (وقال أبو بَكْر: إن لم يَعْلَمِ) العامِلُ أنَّه يَعْتِقُ على رَبِّ المالِ (لم يَضْمَنْ)
(1) في الأصل: «بين» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأنَّ التَّلَفَ حَصَل لمَعْنًى في المَبِيعِ (1) لم يَعْلَمْ به، فلم يَضْمَنْ، كما لو اشْتَرَى مَعِيبًا لم يَعْلَمْ عَيبَه، فتَلِفَ به. قال: ويَتَوَجَّهُ أن لا يَضْمَنَ، وإن
عَلِم.
(1) في الأصل: «البيع» .