الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّاعِي إِذَا لَمْ يَتَعَدَّ.
ــ
فصل: وإن خَتَنَ صَبِيًّا بغيرِ إذْنِ وَلِيِّه، أو قَطَع سَلْعَةً مِن إنْسانٍ بغيرِ إذْنِه، أو مِن صَبِيٍّ بغيرِ إذْنِ وَلِيِّه، فَسَرَتْ جِنايَتُه، ضَمِنَ؛ لأنَّه قَطْعٌ غيرُ مَأْذُونٍ فيه، وإن فَعَل ذلك الحاكِمُ، أو وَلِيُّه، أو فَعَلَه مَن أذِنَا له، لم يَضْمَنْ؛ لأنَّه مَأْذُونٌ فيه شَرْاعًا.
2215 - مسألة: (ولا ضَمانَ على الرّاعِي إذا لم يَتَعَدَّ)
يَصِحُّ اسْتِئْجارُ الرّاعِي، بغيرِ خِلافٍ عَلِمْناه. وقد أجَرَ مُوسَى، عليه السلام، نَفْسَه لرِعايةِ الغَنِمِ (1). إذا ثَبَت ذلك، فإنَّه لا يَضْمَنُ ما تَلِفَ مِن الماشِيةِ إذا لم يَتَعَدَّ أو يُفرِّطْ في حِفْظِها. لا نَعْلَمُ فيه خِلافًا، إلَّا ما رُوِيَ عن الشَّعْبِيِّ أنَّه كان يُضَمِّنُ الرّاعِيَ. ولَنا، أنَّه مُؤْتَمَن على حِفْظِها، فلم يَضْمَنْ منِ غيرِ تَعَدٍّ ولا تَفْرِيطٍ، كالمُودَعِ، ولأنَّه قَبَضَ العَينَ بحُكْمِ الإِجارَةِ، فلم يَضْمَنْها مِن غيرِ تَعَدٍّ كالعَينِ المُسْتَأْجَرَةِ. فأمّا ما تَلِفَ بتَعَدِّيه، فيَضْمَنُه بغيرِ خِلافٍ، مثلَ أن يَنامَ عن الماشِيةِ، أو يَغْفُلَ عنها، أو يَتْرُكَها تَتَباعَدُ عنه أو تَغِيبُ عن نَظَرِه وحِفْظِه، أو يُسْرِفَ في ضَرْبِها،
(1) تقدم تخريجه في صفحة 259.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو يَضْرِبَها في غيرِ مَوْضِعِ الضَّرْبِ، أو مِن غيرِ حاجَةٍ إليه، أو يَسْلُكَ بها مَوْضِعًا تَتَعَرَّضُ فيه للتَّلَفِ، وأشْباهُ هذا ممّا يُعَدُّ تَفْرِيطًا وتَعَدِّيًا، فتَتْلَفُ به، فيَضْمَنُها؛ لأنَّها تَلِفَتْ بعُدْوانِه، فضَمِنَها، كالمُودَعِ إذا تَعَدَّى. فإنِ اخْتَلَفا في التَّعَدِّي وعَدَمِه، فالقولُ قولُ الرَّاعِي؛ لأنَّه أمِينٌ. وإن فَعَل فِعْلًا اخْتَلفا في كَوْنِه تَعَدِّيًا، رُجِعَ إلى أهلِ الخِبْرةِ. ولو جاء بجِلْدِ شاةٍ وقال: ماتَتْ. قُبِلَ قَوْلُه، ولم يَضْمَنْ. وعن أحمدَ، أنَّه لا يُقْبَلُ قولُه، ويَضْمَنُ. والصَّحِيحُ الأوّلُ؛ لأنَّ الأُمَناءَ يُقْبَلُ قولُهم، كالمُودَعِ، ولأنَّه يَتَعَذَّرُ عليه إقامَةُ البَيِّنةِ في الغالِبِ، أشْبَهَ المُودَعَ. وكذلك إذا ادَّعَى مَوْتَها ولم يَأْتِ بجِلْدِها.
فصل: ولا يَصِحُّ العَقْدُ في الرَّعْي إلَّا على مُدَّةٍ مَعْلُومةٍ؛ لأنَّ العَمَلَ لا يَنْحَصِرُ. ويجوزُ العَقْدُ على رَعْي ماشِيةٍ مُعَيَّنةٍ، وعلى جِنْسٍ في الذمَّةِ، فإن عَقَد على مُعَيَّنةٍ، كمائةِ شاةٍ مُعَيَّنةٍ، فذَكَرَ أصحابُنا، أنَّه يَتَعَلَّقُ بأعْيانِها، كما لو اسْتأْجَرَ (1) لخِياطَةِ ثَوْبٍ بعَينه، فلا يَجُوزُ إبْدالُها (2)، ويبْطُلُ العَقْدُ بتَلَفِها. وإن تَلِفَ بعضُها، بَطَلَ العَقْدُ فيه، وله أجْرُ ما بَقِيَ
(1) في م: «استأجره» .
(2)
في م: «إبداله» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالحِصَّةِ. وإن وَلَدَتْ، لم يَكُنْ عليه رَعْيُ سِخالِها (1)؛ لأنَّها زِيادَةٌ لم يَتناوَلْها العَقْدُ. ويَحْتَمِلُ أن لا يتَعَلَّقَ بأعْيانِها؛ لأنَّها ليستِ المَعْقُودَ عليها، إنَّما يَسْتَوْفِي المَنْفَعَةَ بها، فأشْبَهَ ما لو اسْتَأْجَرَ ظَهْرًا لِيَرْكَبَه فله أن يُرْكِبَ غيرَه مكانَه، ولو اسْتَأْجَرَ دارًا لِيَسْكُنَها جاز (2) أن يُسْكِنَها مثلَه، وإنَّما المَعْقُودُ عليه مَنْفَعةُ الرَّاعِي، ولهذا تَجبُ له الأجْرَةُ إذا سَلَّمَ نَفْسَه وإن لم يَرْعَ. ويُفارِقُ الثَّوْبَ في الخياطةِ، لأنَّ الثِّيابَ في مَظنَّةِ الاخْتِلافِ في سُهُولَةِ خِياطَتِها ومَشَقَّتِها، بخِلافِ الرَّعْي. فعلى هذا، له إبْدالُها بمِثْلِها، وإن تَلِفَ بعضُها لم يَنْفَسِخِ العَقْدُ فيه، وكان له إبْداله.
(1) السخلة: ولد الشاة.
(2)
في ر 1، م:«فله» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن وَقَع العَقْدُ على مَوْصُوفٍ في الذِّمَّةِ، فلا بُدَّ مِن ذِكْرِ جِنْسِ الحَيوانِ ونَوْعِه، إبلًا، أو بَقَرًا، أو غَنَمًا، أو ضَأْنًا، أو مَعْزًا. وإن أطْلَقَ ذِكْرَ البَقَرِ والابِلِ، لم يَتَناوَلِ الجَوامِيسَ والبَخاتِيَّ؛ لأنَّ إطلاقَ الاسْمِ لا يَتناوَلُها عُرْفًا، إلَّا أن يَقَعَ العَقْدُ في مكانٍ يَتَناوَلُها إطلاقُ (1) الاسْمِ، فيَحْتاجُ إلى ذِكْرِ نَوْعِ ما يَرْعاهُ منها، كالغَنَمِ؛ لأنَّ كلَّ نَوْع له أثَرٌ في إتْعابِ الرَّاعِي. ويَذْكُرُ الكِبَرَ والصِّغَرَ، فيقولُ: كِبارًا. أو: صِغارًا. أو: عَجاجِيلَ. أو: فُصْلانًا. إلَّا أن يكونَ ثَمَّ قَرِينَةٌ أو عُرْفٌ صارِفٌ إلى بعضِها، فيُكْتَفَى بذلك. ومتى عَقَد على عَدَدٍ مَوْصوفٍ، كالمائةِ، لم يَجِبْ عليه رَعْيُ زِيادةٍ عليها (2)، من سِخالِها ولا مِن غيرِها. وإن أطْلَقَ ولم يَذْكُرْ عَدَدًا، لم يَجُزْ. وهذا ظاهِرُ مَذْهَبِ الشافعيِّ. وقال القاضِي: يَصِحُّ، ويُحْمَلُ على ما جَرَتْ به العادَةُ، كالمائةِ مِن الغَنَمِ ونحوها. وهو قولُ بعضِ أصحابِ الشافعيِّ. والأوَّلُ أصَحُّ؛ لأنَّ العادَةَ في ذلك تَختَلِفُ وتَتَباينُ كثيرًا، والعَمَلُ يَخْتَلِفُ باخْتِلافِه.
(1) سقط من: تش، م.
(2)
سقط من: م.