الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهَلْ تَصِحُّ مَعَ اخْتِلَافِ الصَّنَائِعِ؟ عَلَى وَجْهَينِ. وَتَصِحُّ فِي
ــ
جِهَتَي المُضارَبَةِ، فصَحَّتِ الشَّرِكَةُ عليه، كالمالِ، وعلى أبي حنيفةَ أيضًا، أنَّهما اشْتَرَكا في مَكْسَبٍ مُبَاح، فصَحَّ، كما لَو اشْتَرَكا في الخِياطَةِ والقِصارَةِ. ولا نُسَلِّمُ أنَّ الوَكالةَ لا تَصِحُّ في المُباحاتِ؛ فإنَّه يَصِحُّ أن يَسْتَنِيبَ في تَحْصِيلها بأجْرَةٍ، فكذلك يَصِحُّ بغيرِ عِوَض إذا تَبَرَّعَ أحَدُهما (1) بذلك، كالتَّوْكِيلِ في بَيعِ مالِه. ومَبْناها (2) على الوَكالةِ؛ لأنَّ كلَّ واحِدٍ منهما وَكِيلُ صاحِبِه، وما يَتَقَبّلُه كلُّ واحِدٍ منهما مِن الأعْمالِ، فهو مِن ضَمانِهما، يُطالبُ به كل واحِدٍ منهما.
2108 - مسألة: وتَصِحُّ مع اتِّفاقِ الصَّنائِعِ روايَةً واحِدَةً
، فأمّا مع اخْتِلافِهِما، ففيه وَجْهان؛ أحَدُهما، تَصِحُّ. اخْتَارَه أبو الخَطّابِ.
(1) في الأصل، م:«آخذها» .
(2)
في م: «مبناهما» .
الاحتِشَاشِ، وَالاصْطِيَادِ، وَالتَّلَصُّصِ عَلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ.
ــ
وهو قولُ مالكٍ؛ لأنَّ مُقْتَضاها أنَّ ما يَتَقَبَّلُه كلُّ واحِدٍ منهما مِن العَمَلِ يَلْزَمُهما ويُطالبُ به كلُّ واحِدٍ منهما، فإذا تَقَبَّلَ أحَدُهما شيئًا مع اخْتِلافِ صَنائِعِهما، لم يُمْكِنِ الآخَرَ أن يَقُومَ به، فكيفَ يَلْزَمُه عَمَلُه؟ أم كيف يُطالبُ بما لا قُدْرَةَ له عليه! والثّانِي، تَصِحُّ. اخْتارَه القاضي؛ لأنهما اشْتَرَكا في مَكْسَبٍ مُباحٍ، فصَحَّ، كما لو اتَّفَقَتِ الصَّنائع، ولأنَّ الصَّنائع المُتَّفِقَةَ قد يَكُونُ أحَدُ الرَّجُلَينِ أحْذَقَ فيها مِن الآخَرِ، فربَّما يَتَقَبّلُ أحَدُهما ما لا يُمْكِنُ الآخَرَ عَمَلُهُ، ولم يَمْنَعْ ذلك صِحَّتَها، فكذلك إذا اخْتَلَفَت الصَّنائع. وقَوْلُهم: يَلْزَمُ كلَّ واحِدٍ منهما ما يَتَقَبَّلُه صاحِبُه. قال القاضي: يَحْتَمِلُ أن لا يَلْزَمَه ذلك، كالوَكِيلَين؛ بدَلِيلِ صِحَّتِها في المُباحِ، ولا ضَمانَ فيها. وإن قُلْنا: يَلْزَمُه. أمْكَنَه تَحْصِيلُ ذلك بالأجْرَةِ، أو بمن يَتَبَرَّعُ له بعَمَلِه. ويَدُلُّ على صِحَّةِ هذا، أنَّه لو قال أحَدُهما: أنا أتَقَبَّلُ وأنتَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تَعْمَلُ. صَحَّتِ الشَّرِكَةُ، وعَمَلُ كلِّ واحِدٍ منهما غيرُ عَمَلِ صاحِبِه. وقال زُفَرُ: لا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ إذا قال أحَدُهما: أنا أتَقَبَّلُ وأنْتَ تَعْمَلُ. ولا يَسْتَحِقُّ العامِلُ المُسَمَّى، وإنَّما له أجْرُ المِثْلِ. ولَنا، أنَّ الضَّمانَ يُسْتَحَقُّ به الرِّبْحُ، بدَلِيلِ شَرِكَةِ الأبدانِ، وتَقَبُّلُ العَمَلِ يُوجِبُ الضَّمانَ على المُتَقَبِّلِ، ويَسْتَحِقُّ به الرِّبْحَ، فصار كتَقَبُّلِه المال في المُضارَبَةِ، والعَمَلُ يَسْتَحِقُّ به العامِلُ الرِّبْحَ، كعَمَلِ المُضارِبِ، فيُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ المُضارَبَةِ.
فصل: والرِّبْحُ في شَرِكَةِ الأبدانِ على ما اتَّفَقُوا عليه، مِن مُساواةٍ أو تَفاضُل؛ لأنَّ العَمَلَ يُسْتَحَقُّ به الرِّبْحُ، وقد يَتفاضَلان في العَمَلِ، فجاز تَفاضُلُهُما في الرِّبْحِ الحاصِلِ به. ولكلِّ واحِدٍ منهما المُطالبةُ بالأجْرَةِ، وللمُسْتَأجِرِ دَفْعُها إلى كلِّ واحِدٍ منهما، وأيهما دَفَعَها إليه بَرِئ منها. وإن تَلِفَتْ في يَدِ أحَدِهما مِن غير تَفْرِيطٍ، فهي مِن ضَمانِهما؛ لأنَّهما كالوَكِيلَين في المُطالبةِ، وما يَتَقَبَّلُه كل واحِدٍ منهما مِن الأعْمالِ، فهو مِن ضَمانِهِما، يُطالبُ به كلُّ واحِدٍ منهما، ويَلْزَمُه عَمَلُه؛ لأنَّ هذه الشَّرِكَةَ لا تَنْعَقِدُ إلَّا على الضَّمانِ، ولا شيءَ فيها تَنْعَقِدُ عليه الشَّرِكَةُ حال الضَّمانِ، فكأن الشَّرِكَةَ تَضَمَّنتْ ضَمانَ كلِّ واحِدٍ منهما عنِ الآخَرِ ما يَلْزَمُه. وقال القاضي: يَحْتَمِلُ أن لا يَلْزَمَ أحَدَهما ما لَزِم الآخرَ، كما ذَكَرْنا مِن قَبلُ. وما يَتْلَفُ بتَعَدِّي أحَدِهما أو تَفْرِيطِه أو تحتَ يَدِه على وَجْهٍ يُوجِبُ الضَّمانَ