الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس: 1 الدعوة وصلتها بالحياة وأثر الإسلام في الاجتماع
.
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الأول
(الدعوة وصلتها بالحياة وأثر الإسلام في الاجتماع)
1 -
الدَّعْوَةُ وَصِلَتُهَا بِالْحَيَاةِ
الأَحْوَالُ السياسيةُ قَبْلَ الإسْلامِ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والمرسلينَ، وعلى آلِهِ، وأصحابِهِ، ومنِ اهتدَى بهديهِم إلى يَوْمِ الدينِ، وبَعْدُ:
فَأُرحِّبُ بِكمْ -أيُّها الأُخوةُ الكِرامُ- في هذا اللقاءِ الأولِّ في المحاضراتِ التي سأسجلُها لكم -إن شاءَ اللهُ تعالى- في مُقررِ أصولِ الدعوةِ، وهذا المُقررٌ مُهمٌّ للمسلمين؛ لأنَّه يُعطيهمْ فِكرةً واضحةً عن كثيرٍِ من المباحثِ الإسلاميةِ التي يحتاجُ إليها المسلمُ، ثم هي بعدَ ذلك تُوجِّهُهُم -بفضل الله تبارك وتعالى إلى أن يسلكوا طريقَ الأنبياءِ والمرسلينََ في الدعوةِ إلى اللهِ ربِّ العالمين، على المنهجِ الذي سَلَكَهُ نبيُّ الهُدى والرحمةِ صلى الله عليه وآله وسلم.
والمحاضرةُ الأولى التي معنا في هذا اللقاء تحت عُنوانٍ كبيرٍ، ألا وهو:"الدعوةُ وصلتُها بالحياةِ" وهذا العنوان تحته موضوعاتٍ متعددةٍ، وهي ثلاثةٌ إذا أردتُ أن أحصرَها الآن، وسندرسُ -إن شاء الله تعالى- في كل محاضرةٍ موضوعًا منها.
والموضوعُ الأولُ في هذا اللقاء بعنوان: "أَثَرُ الإسلامِ في السياسةِ" وتحته العناصر التالية:
العنصرُ الأولُ: الأحوالٌ السياسيةُ قبل الإسلام، ويشتملُ على النقاط التالية:
أ- تعريفٌ السياسةِ: لغةً واصطلاحًا:
السياسةُ في اللغةِ: جاء في (المصباح المنير): ساسَ زيدٌ الأمرَ يسوسه أي: دبَّره وقامَ بأمرِهِ، وجاء في (لسان العرب): السُّوسُ: الزيادةُ، يقول: ساسُوهم سَوْسًا، والسياسة: القيامُ على الشيء بما يُصلِحُهُ.
هذا هو تعريفُ السياسة في اللغة.
أما تعريفُ السياسةِ اصطلاحًا فلها تعريفاتٌ متعددةٌ؛ وقبلَ أنْ أُعَرِّفَها في الاصطلاحِ، أودُّ أنْ أُشيرَ إلى أنَّ استتبابَ أيِّ أمرٍ من أمورِ أيِّ مجتمعٍ بشريٍّ لا بد فيه من عدلٍ قائمٍ، وقد أشار إلى ذلك ابنُ خلدونَ رحمه الله تبارك وتعالى في مواضِعَ من مقدمته، ومما ذكرَ رحمه الله من قولٍ في هذا:
إنَّ الاجتماعَ الإنسانيَّ ضَروريٌّ، ويعبر الحكماءُ عن هذا بقولهم: الإنسانُ مَدنيٌّ بالطبع، أي: لا بد له من الاجتماعِ الذي هو المَدنيةُ في اصطلاحهم، وهو معنى العُمرانِ
…
إلى أن قالَ: ثم إنَّ هذا الاجتماعَ إذا حصلَ للبشر وتم عُمران العالَم بهم، فلا بد من وازعٍ يدفع بعضَهم عن بعضٍ.
وهذا ما أودُّ أن أشيرَ إليه في أنه: لا بد للمجتمعِ البشريِّ من عدلٍ قائمٍ يسودُهم وينطلقون من خلالِهِ، وهذا ولا شكَّ يكون بسلوكِ الصراطِ المستقيم، صراطِ اللهِ الذي له ما في السمواتِ وما في الأرضِ، وقد جاءتْ الشرائعُ الإسلاميةُ ببيانِ هذه الأمور، وتوضيحِها، ودعوةِ الناس إليها.
وبناءً على ذلك، أُذكرُ بعضَ التعريفاتِ لكلمة السياسةِ في الاصطلاح، فقد قيل فيها: بأنها تدبيرُ شُئونِ الدولةِ الإسلاميةِ، التي لم يرِدْ بحكمها نص صريح، أو التي من شأنها أن تتغير وتتبدل بما فيه مصلحة الأمة، ويتفق مع أحكام الشريعة وأصولها العامة.
وعرفها بعضُهم بأنها: هي تحقيق الحاكم الذي يسوس أمر الأمة للمصلحة التي تُعود على الأفراد والجماعات، وذلك بتطبيق أحكام استُنبطت بواسطة أُسس سليمة، أقرتْها الشرعية، مثل: المصالح المرسلة، سد الذرائع، الاستحسان، العرف، الاستصحاب، الإباحة الأصلية، وكل ذلك فيما لم يرد فيه نصٌّ.
ب- النقطةُ التاليةُ في هذا العنصر هي بعنوان: "الحياةُ السياسيةُ خارج الجزيرة العربية قبل الإسلام":
وأَضْرِبُ في ذلك بعضَ النماذج، وأبدأ بنموذج الهند والصين قديمًا، فأقول فيما كان من سياسة في الهند: كانت تقوم على اعتبار القوة الإلهية مصدرًا لكل القواعدِ والأنظمةِ الاجتماعيةِ والسياسيةِ، وكانت ترتكز على قوانين:
"مانو" و"برهما" وتقسِّمُ المجتمعَ إلى طبقاتٍ، وعلى هذا التقسيم يتفاوتُ الأفرادُ في الحقوق والحريات السياسية والمدنية.
أما الصينُ: فكانت تقوم على أساس: أنَّ الإمبراطور يستمد سلطتَه من السماء، فهو يحكم وفقًا للحق الإلهي الذي يُخَوِّلُه سلطةً مطلقةً، فالملكُ في نظرهم: ابنُ السماء، ولكن ظهرت فيما بعد نظرياتٌ واتجاهاتٌ سياسيةٌ حقيقيةٌ على يد الفيلسوف الصيني الشهير:"كنفوشوس" وكذلك: "منشسيوس" وكان لها الأثر الكبير في توجهات الحياة السياسية في الصين قديمًا.
جـ- النقطة التالية تحت هذا العنصر هي بعنوان: "نموذجُ اليونان والرومان السياسي أيضًا":
ويتمثل النموذجُ السياسيُّ الرومانيُّ في أنَّ الفكرَ المثاليَّ المجردَّ طغى على حساب الحركة عندهم، ففشل في إيجاد دولةٍ تعبر عن حقيقة العصر، وآمالِ الشعب؛ أما الرومانُ فقد كان طُغيان الحركة مسيطرًا على الممارسة السياسية، والحركةُ عندهم تعني: القوة، ونشر النفوذ، والسيطرة على المجتمعات الأخرى، وحتى حين تنصَّرت الدولةُ الرومانيةُ على يد الإمبراطور:"قسطنطين" فإنَّ التشريعاتِ والمؤسساتِ لم تتغير هناك، وبقي الأمرُ على ما هو عليه.
د- النقطة الرابعة تحت هذا العنصر وهي: "في بيان السياسة عند العرب قبل الإسلام":
والعربُ قبل الإسلامِ قد وُجد في بعض الممالِكِ عندهم -وخاصة في جنوب الجزيرة العربية- بعضُ القواعد، أو القوانينُ، أو التنظيمُ السياسيُّ في بعض المناطق، ولكن لم يكن للعرب في بلاد الحجاز نوعٌ من الحكومات المعروفة الآن، ولم يكن لهم قضاءٌ يحتكمون إليه، أو جهازُ أمنٍ يُقرُّ النظامَ ويحافظُ عليه، ولا حتى جيشٌ يدرأ عنهم الأخطارَ الخارجيةَ، ولم يكن ثَمَّة سلطة تضرب على أيدي المعتدين، وتُوقِعُ العقاب على المجرمين، وإنما كان الرجلُ المعتدَى عليه يثأر لنفسه بنفسه، وعلى قبيلته بعد ذلك أن تشدَّ أزرَه.
وقد وُجد في مكةَ نوعٌ من الوظائفِ التي لم تكن موجودةً في بلد من البلاد العربية؛ وذلك لمركزها الديني بين البُلدان، ووفود الحُجاج إليها من كل مكان، وقد كانت هذه الوظائفُ متمثلةً -مثلًا- في الحجابة والسقاية والرفادة، وقد اعتبر العرب هذا نوعًا من أنواع السلطات السياسية، ولكنَّ الأقربَ أنها وظائفُ شرفيةٌ، تَطَلَّبْتَها طبيعةُ البلاد، وظروفُ الحجاج، وليست نوعًا من أنواع السلطة السياسية.
ومما يؤكد الفراغَ السياسيَ التي كانت تعيشه بلادُ الحجاز، ما حصل عندما جاء أبرهةُ الأشرمُ؛ لهدمِ الكعبة، فخرج له عبدُ المطلبِ، وسأله أن يردَّ عليه إبلَه، ولم يناقشْهُ في مصير مكةَ وأهلِها، كما أن مكةَ اختلفوا في وضع الحجر الأسود عند تجديد بناء الكعبة، ولو كان هناك ثَمةُ سلطة سياسية في البلاد لكانت هي المرجعُ في مثل هذه المشكلة.
وقد عَرف العرب مع هذا نوعًا من الممارسات شبه السياسية، مثل: الأحلاف، والجِوار؛ وأحلاف الجاهلية منها ما هو على الخير: كحلف الفضول، الذي تعاقدت فيه بُطونٌ من قريشِ في دار عبدِ الله بنِ جدعانَ، على ألا يجدوا في مكة مظلومًا إلا قاموا معه؛ حتى تُردَّ عليه مظلمتُه، ومنها ما هو على الشر: كتحالف بطونِ قريشٍ على حصار النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابِه، وبني هاشم في شِعب أبي طالب.
وكان عندهم أيضًا الجوارُ: والجوار: هو الحمايةُ والمَنعةُ للمستجير، ولم يكن الجوارُ في الجاهلية مقصورًا على الحمايةِ من الظلمِ؛ بل تعدَّى بهم الأمرُ إلى إجارةِ الظالمينَ، وهو ما حرَّمه الإسلامُ، وتوعَّد فاعِلَه بالعذابِ.
ولقد كانت قبائلُ