الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وما وراءه تزيد بغير يقين، وتعريض للنص القرآني لبلبلة الآراء والنظريات والأفكار، فالقرآن الكريم -ولا شك- يشتمل على آيات معجزة في هذا الكون توصل العلم إليها، فما توصل العلم إليه من حقائق علمية ثابتة وافقت ما جاء سلفا في كتاب الله عز وجل قبل أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمان نقبله، ونقول بأن القرآن الكريم قد سَبَقَ إلى ذلك، وهذا لون يكشف عن إعجاز كتاب الله تبارك وتعالى.
الإعجاز العلمي في القرآن الكريم
أنتقل إلى العنصر الثاني من عناصر هذه المحاضرة، وهو بعنوان: الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، ويشتمل على النقاط التالية:
أ- نماذج من الإعجاز العلمي في كتاب الله: طالما أنني قلت بأن القرآن الكريم لا يتناقض مع العلم، وأن الله عز وجل قد ذكر آيات في كتابه كونية كثيرة وعلمية تَوَصَّلَ العلم الحديث اليوم إلى شيء منها، وأصبحت لدى العلماء اليوم حقائق علمية ثابتة، أود هنا أن أذكر شيئًا من نماذج -أو من النماذج- التي تدل على ذلك، من هذه النماذج مراحل خلق الجنين؛ القرآن الكريم فصل هذه المراحل تفصيلًا دقيقًا، ولم يعرف العلماء هذه التفصيلات إلا قريبًا، وبعد اكْتُشِفَتْ وعرفت العلوم الحديثة، قال الله تبارك وتعالى مثلًا:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ} (الحج: 5) ثم قال سبحانه وتعالى في موطن آخر: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} (المؤمنون: 12: 14).
ولو رجعنا إلى أوثق المصادر الطبية التي تتحدث عن خلق الجنين لوجدناها لا تتناقض أبدًا مع هذه الحقائق التي ذكرها العزيز العليم، ومن الأمثلة أيضًا الأذى
الذي في المحيض، فقد نهى الله تبارك وتعالى في الكتاب نهى الرجال عن معاشرة أزواجهم في المحيض، وعلل ذلك بأن المحيض أذًى قال تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ولا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} (البقرة: 222)، وقد تَبَيَّنَ للعلماء في هذا العصر أن دَمَ الحيض دم فاسد يحتوي على مايكروبات عديدة، وجراثيم متنوعة؛ فإذا عاشر الرجل زوجته أثناء فترة الحيض فلا يأمن أن يصاب بالتهابات وأمراض مؤذية، أضف إلى هذا أن الأعضاء التناسلية في المرأة تكون محتقنة أثناء فترة الحيض، وبخاصة الرحم الذي يكون محتقنًا إلى درجة أنه ينزف، فإذا خالط الرجل زوجته فإن هذا قد يؤدي إلى تمزيق أغشية رحم المرأة، فتنتشر العدوى بواسطة المايكروبات الموجودة في الأغشية مما يؤثر في صحة المرأة، ثم هناك أذى من نوع ثالث، وهو الأذى النفسي الذي يصيب الزوجين، فكثير من الرجال والنساء يصابون باشمئزاز، ونفور نفسي ينتج عنه ضعف جنسي قد يكون شديدًا.
ومن الأمثلة أيضًا على جوانب أو نماذج الإعجاز العلمي في القرآن الكريم مكان الأعصاب التي تحس بالحرق أو الإصابة، هذه الأعصاب لا توجد إلا في الجلد فقط، ولذلك لو قطعت أمعاء إنسان بعد فتح بطنه ما أحس بقطعها، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة بقوله:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا} (النساء: 56)، ولا يعترض على هذا بإحساس الإنسان بالبرودة والحرارة في أمعائه؛ لأن الذي في الجلد هو أعصاب الإحساس بالإصابة والحرق، وهناك أعصاب أخرى كثيرة منتشرة في أجزاء الجسم.
ومن أمثلة الإعجاز العلمي أيضًا الشمس الجارية في الفضاء، وقد كان الناس يظنون أن الشمس تدور حول الأرض، ثم ثَبَتَ لدى العلماء أن الأرض هي التي
تدور حول الشمس، ولكن العلماء أيضا أخطئوا عندما زعموا أن الشمس واقفة، وأخيرًا تبين لهم أنها تسير بسرعة خارقة، وأفضل تعبير عن حركتها هو الجريان، وصدق الله إذ يقول:{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (يس: 38).
ومن الأمثلة أيضًا العسل الذي فيه شفاء للناس، فقبلَ نصفِ قرنٍ تقريبًا كان الشائع في أمريكا أن العسل ناقل للجراثيم، ولم يظهر للعلماء فوائد العسل الطبية إلى منذ عهد قريب، واليوم يدخل العسل في أكثر من خمسينَ دواء، وتبين للعلماء أن العسل قاتل للجراثيم، وتبين لهم أيضا أنه علاج جيد لكثير من الأمراض كفقر الدم، وأمراض الرئة، وأمراض الجهاز التنفسي، وأمراض العين، والأمراض الجلدية، وغيرها كثير، وصدق الله إذ يقول:{يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} (النحل: 69).
أنتقل إلى النقطة الأخرى التالية، وهي: الإعجاز العلمي دليل صدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
أقول في هذا: العجيب في أمر هذا القرآن أن إعجازه متجدد على مر الزمان، فكل قوم يصل إليهم هذا القرآن، وينظرون فيه نظر معتبر متبصر يجدون فيه من الآيات والدلائل ما يؤكد لهم أنه من عند الله، ونحن اليوم في هذا العصر نبغنا في العلوم التي كشفت عن شيء من أسرار هذا الكون، فتطلعنا نبحث عن في مواقع النجوم، ومساراتها، وأحجامها، وأجوائها، كما بحث العلماء في تكوين الخلق، وأسرار المخلوقات، فبحثوا في الذرات والخلية، وغاصوا في أعماق الأرض وقيعان البحار، وإذا بنا نفاجأ بأن كثيرًا من الحقائق التي توصل إليها العلماء بعد دراسات طويلة وجهود مضنية قد تحدث عنها هذا القرآن العظيم، أو أشار إليها إشارات موضحة، وكل هذا مما يزيد في الإيمان ويعمقه، وهذا ما أود أن أصل
إليه أن الإعجاز العلمي اليوم يدعو إلى تصديق النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويؤكد رسالته، ويدل على أن هذا القرآن العظيم منزل من عند الله الحكيم العليم الخبير، فهذا القرآن قول الله وأمره، والخلق خلقه، فإذا تحدث الخالق عن الكون، وذكر شيئًا من حقائق الخلق فلا بد أن يتطابق الخبر القولي مع الخلق الكوني، فالقول قوله، والخلق خلقه، كما قال تعالى:{أَلا لَهُ الْخَلْقُ والأَمْرُ} (الأعراف: 54)، والنفوس الإنسانية تخضع خضوعًا عظيمًا عندما تعلم أسرارًا مذهلة لم يكن للبشر علم بها، ثم تجد أن النبي العربي الأمي -صلوات الله وسلامه عليه- الذي لم يخط بقلم، ولا قرأ من كتاب، ولا درس في جامعة، ولا تعلم من معلم من بني آدم تحدث عن تلك الحقيقة العلمية، وأشار إليها.
فلو لم يكن هذا القرآن وحيًا من الخالق لما استطاع محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن يقرر هذه الحقائق المجهولة، والأسرار الخفية التي لم يتطلع عليها البشر قبل هذا العصر؛ قال الله تبارك وتعالى:{وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ ولا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} (العنكبوت: 48)، وأزيد القول هنا تفصيلًا، فأقول: إن هذا القرآن الكريم لا تنقضي عجائبه، ولا تنتهي وجوه إعجازه، وقد جعل الله عز وجل القرآن معجزة رسوله الخالدة الباقية، وإذا كان سبحانه قد أعطى كل نبي من الأنبياء من المعجزات ما يناسب حال قومه، كما قال -صلوات الله وسلامه عليه-:((ما من نبي من الأنبياء إلا أوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيًا يوحى، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة)).
ولذلك أقول: إن إعجاز القرآن المتجدد يظهر منه في كل عصر وجه، لم يكن قد بدا من قبل، فالمعاصرون للنبي صلى الله عليه وآله وسلم قد بدا لهم من وجوه إعجازه ما دفعهم أن يخروا لجلال الله ساجدين، وكل من تدبر القرآن الكريم على اختلاف الأعصار، وتباين الأمصار، لا يملك إلا هذا الإجلال وهذا السجود.