الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولكني أكتفي عن تلاميذ الشيخ بما ذكرتُ؛ لأنتقل إلى نقطة أخرى تالية في هذا العنصر، وهي نقطة
ب- بعنوان: وفاته رحمه الله تبارك وتعالى:
في سنة ست ومائتين وألف من هجرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم توفي الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
قال ابن غنَّام: كان ابتداء المرض به في شوال، ثم كانت وفاته في يوم الاثنين من آخر الشهر، وكذا قال عبد الرحمن بن قاسم، وتوفي رحمه الله ولم يخلف دينارًا ولا دِرهمًا - سبحان الله- مع هذا العلم الجليل، ومع هؤلاء الأولاد، إلا أنه كان لا شك كل ماله ينفقه في سبيل العلم، والدعوة إليه، والجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى.
ولذلك قال عنه مَن ترجموا له بأنه توفي ولم يخلف دينارًا ولا درهمًا، فلم يوزع بين ورثته مالًا، ولم يُقسم، وقد رثاه الشعراء، وأثنى عليه العلماء، قال ابن قاسم عن يوم جنازته: وكان يومًا مشهودًا، وتزاحم الناس على سَريره، وصلوا عليه في بلدة الدرعية، وخرج الناس مع جنازته الكبيرُ والصغيرُ، وهنا أذكر بقول الإمام أحمد:"قولوا لأهل البدع بيننا وبينكم الجنائز" وتداول الرسائل فيه المسلمون، وهو جدير بذلك رحمه الله تبارك وتعالى.
مُؤلفَاتُ الشيخِ، وعقيدتُه، وأثرُ دعوتِهِ في العَالَمِ الإسلَامِيِّ
أنتقل بعد ذلك إلى "مؤلفات الشيخ، وعقيدته، وأثر دعوته في العالم الإسلامي".
وهذا العنصر يشتمل على النقاط التالية:
أ- مؤلفات الشيخ:
في الحقيقة لكي أبرز علمَ الشيخ ومكانته وفضله، أود أن أسرد فقط بعضَ مؤلفاته، وإلا الحديث عما في هذه المؤلفات طويل وطويل، عن مكانتها، عن أهميتها،
عن فائدتها، ويكفي أن أشير وأذكر أن كثيرًا من هذه المؤلفات، قد شرحها كثير من أئمة أهل العلم، فإقبال طلبة العلم على شرح كتاب ما، يدل ذلك على مَكانة هذه الكتب، ومكانة مؤلفها رحمه الله تبارك وتعالى وكتاب (التوحيد) وحدَه هو مؤلف من مؤلفات الشيخ، شُرح شروحًا كثيرةً متعددةً.
وإليكم الآن سردٌ لمؤلفات الشيخ رحمه الله:
1 -
كتاب (التوحيد في ما يجب من حق الله على العبيد).
2 -
كتاب (كشف الشبهات).
3 -
كتاب (أصول الإيمان).
4 -
كتاب (فضائل الإسلام).
5 -
كتاب (فضائل القرآن).
6 -
كتاب (السيرة المختصرة).
7 -
كتاب (السيرة المطولة).
8 -
كتاب (مجموع الحديث على أبواب الفقه).
9 -
كتاب (مختصر الإنصاف والشرح الكبير).
10 -
كتاب (مختصر الصواعق).
11 -
كتاب (مختصر فتح الباري).
12 -
كتاب (مختصر الهُدَى).
13 -
كتاب (مختصر العقل والنقل).
14 -
كتاب (مختصر المِنهاج).
15 -
كتاب (مختصر الإيمان).
16 -
كتاب (آداب المشي إلى الصلاة).
ولعل المستمع الكريم يلاحظ من ذكري وسردي لمؤلفات الشيخ، أنه ألَّف في أصول العلم وفروعه، في العقائد، والأحكام، والفضائل رحمه الله تبارك وتعالى.
أنتقل بعد ذلك إلى أمر مهم، ونقطة ضرورية وصلب هذا الموضوع هي والتي يليها -إن شاء الله تعالى-
ب- بعنوان: "منهج الشيخ رحمه الله تبارك وتعالى":
منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب هو منهج السلف الصالح، القائم على اتباع الكتاب والسنة، وعدم الخروج عما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب نفسه عن بيان منهجه:
وأما متابعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فواجب على أمته متابعته في الاعتقادات والأقوال والأفعال، فتُوزن الأقوالُ والأفعالُ بأقوالِهِ وأفعالِهِ صلى الله عليه وسلم فما وافق منها قُبل، وما خالف رُدَّ على فاعله كائنًا مَن كان، فإن شهادة أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تتضمن تصديقه فيما أخبره به، وطاعته، ومتابعته في كل ما أمر به، وقد روى البخاري في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل: ومَن يأبى يا رسول الله؟ صلى الله عليه وآله وسلم قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى)).
ويقول أيضًا:
فتأمل -رحمك الله- ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه بعده والتابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين، وما عليه الأئمة المقتَضى بهم من أهل الحديث والفقهاء، كأبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم أجمعين- لكي تتبع آثارهم.
هذا كلام الشيخ رحمه الله في أول أمر من مناهجه، ألا وهو اتباع الكتاب والسنة.
ومن منهج الشيخ أيضًا هو أن طلب العلم فريضة على كل ذكر وأنثى، وأنه شفاء للقلوب المريضة كما قال تعالى:{فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} (طه: من الآية: 123) وأن العلم قبل العمل ومقدم عليه، وهو إمامُه وسائقُه والحاكمُ عليه.
ويريد الشيخ بالعلم: العلم بما أمر الله به، والنهي عما نهى الله تبارك وتعالى عنه- يعني: معرفة التوحيد والإيمان، معرفة الله، ومعرفة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم معرفة دين الإسلام بالأدلة والعمل بتلك المعرفة، ومفتاح العلم في ذلك هو الدليل، كما في قوله تعالى:{هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ} (الكهف: من الآية: 15) قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: فهذه المسألة مِفتاح العلم، وما أكبر فائدتها لمن فَهِمها.
ويرى الشيخ أن اضطرار العباد فوق كل ضرورة إلى معرفة هدي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وما جاء به، فإنه لا سبيلَ إلى الفلاح إلا على يديه، ولا إلى معرفة الطيب من الخبيث على التفصيل إلا من جِهته، فأي حاجة فرضت وضرورة عرضت، فضرورة العبد إلى هدي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فوقها بكثير، وإذا كانت السعادة معلقة بهديه صلى الله عليه وآله وسلم فيجب على كل من أحب نجاة نفسه، أن يعرف من هديه وسيرته وشأنه ما يخرج به عن خطة الجاهلين، والناس في هذا بَيْن مستقل ومستكثر ومحروم، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم، فالشيخ لا يريد علمًا غير نافع، ولا علمًا مجردًا عن العمل، ولا يقصد غير ما أمر الله تبارك وتعالى به، ونهى عنه رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
ومن منهج الشيخ في إزالة الشبهات: أن يتبع ما كان عليه السلف الصالح، فمن عادتهم أنهم يزيلون الشبهة بسؤال العلماء، وأن العلماء يجيبون السائل بما يزيل الشبهة، وذلك أنهم ينسبون الكلام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقط؛ لعمق علمهم، ولا يخفى أن المقصود بالسلف الصالح وبالعلماء هنا أنهم الصحابة والتابعون، فإن هذه القاعدة التي اعتادها السلف الصالح وبينها الشيخ في مؤلفاته، ينبه بها على أنها قاعدة منهجية، يجب على المسلمين أن يتبعوها في سيرة حياتهم، وهي مستنبطة من الآثار الواردة عن الصحابة وعن التابعين، فعليهم أن يرجعوا إلى أهل العلم، وأن يسألوهم؛ حتى تُزال الشبهات، التي يمكن أن تقوم في نفوسهم.
ولذلك لما حدث في نفوس بعض الناس إشكالٌ في القدر؛ لبعدهم عن العلم النبوي، اتجهوا إلى صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسألونهم كابن عمر، وعبادة بن الصامت، وأبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وزيد بن ثابت، ونحوهم، فهؤلاء همُ العلماء.
ومن عادة هؤلاء السلف أنهم يبدءون بالأهمِّ فالأهمُّ، والتنبيه على التعليم بالتدريج كما رسم ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين بعث معاذًا إلى اليمن وقال له:((فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله)) وفي رواية: ((إلى أن يوحدوا الله، فإن هم أطاعوك لذلك، فَأَعْلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة، تُؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم)) ونحو ذلك أيضًا كما جاء في حديث بَعث علي إلى خيبر ليفتحها، والحديث متفق عليه.
ولذلك يقول في هذا الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تبارك وتعالى مبينًا هذا المنهج في التعليم، والتدرج، والتلقي، والرجوع إلى سلف الأمة الصالحين.
إذا أردت البحث عن هدي الله الذي جاء من عِنده، فإنك تبتدي بالأسهل فالأسهل، وأسهل ما يكون وأهمه القصص التي قص الله علينا عن الأنبياء وأممهم، وأول ما تبدي به من القصص التي قص الله، قصة أبيك آدم وإبليس، وما ذكر الله عنهم، حيث إن آدم عليه السلام اعترف بذنبه وتاب منه، وقد تاب الله تبارك وتعالى عليه- وأكثر الناس يظنون أن الاعتراف بالذنب مذلة، ويستهزئون بمن أقر بذنبه واعترف وتاب منه، وإبليس -لعنه الله- لما احتج بالقدر ولم يعترف بذنبه، طرده الله تبارك وتعالى وأصبح يائسًَا من رحمة الله، فرجوع آدم واعترافه بذنبه أفضل ما فعله، وعلينا أن نقتدي بذلك.
ويقول ابن عبد الوهاب أيضًا مبينًا مثل هذه المواقف في البدء بالعلم، والتدرج فيه:
ينبغي للمعلم أن يعلم الإنسان على قَدر فَهمه، فإن كان ممن يقرأ القرآن، أو عرف أنه ذكي، فيُعلم أصل الدين وأدلته، والشرك وأدلته، ويقرأ عليه القرآن، ويجتهد أنه يفهم القرآن فهم قلب، وإن كان رجلًا متوسطًا في الذِّكر والفَهم، ذكر له بعض هذا، وإن كان مثل غالب الناس ضعيف الفهم، فيُصرح له بحق الله على العبيد كما ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمعاذ.
ويبين الشيخ رحمه الله أن من أساليب العلماء أنهم يخرجون المسألة للمتعلم بالاستفهام عنها، كما فعل صلى الله عليه وآله وسلم مع أصحابه لَمَّا قال لهم في يوم من الأيام بعد صلاة صبح:((أتدرون ماذا قال ربكم)) وذلك في حديث زيد بن خالد الذي يقول: ((صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة الصبح بالحديبية، وذلك على أثر سماء -يعني: مطر- كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس، فقال: أتدرون ماذا قال ربكم؟)) فالنبي عليه الصلاة والسلام كان من أسلوبه في التعليم أن يسأل أولًا؛ لكي يستحثَّ المستمعَ إلى أن يستمع الجواب، وأن يفهمه.
ومن منهج الشيخ رحمه الله أيضًا، أنه كان يحدث الناس بما يعرفون؛ أخذًا بقول علي - رضي الله تعالى عنه-:"حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يُكذبَ اللهُ ورسولُه" وقد ذكر هذا الحديث الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه.
والشيخ رحمه الله يبين أن أهم وأنفع شيء هو معرفة قواعد الدين على التفصيل، فإن أكثر الناس يفهم القواعد ويقر بها على الإجمال، ويدعها عند التفصيل، مثل مَن يقول: التوحيد زين، والدين حق، فإذا تبين له أن من التوحيد والدين تكفيرُ المشرك وقتاله على ذلك، ترك هذا الأمر؛ لأنه لا يوافق هواه.
ويتبين من خلال ما ذكرتُ، أن الشيخ -رحمه الله تعالى- انحصر كلامه في منهجه في التعليم في أمرين:
الأول: أن الله تبارك وتعالى بعث محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم لإخلاص الدين، ويجب إذن ألا يجعل العباد مع الله تبارك وتعالى شريكًا في أي لون من ألوان العبادة، لا ملكًا مقربًا، ولا نبيًّا مرسلًا، ولا قبرًا، ولا حجرًا، ولا شجرًا، ولا غير ذلك.
الأمر الثاني: وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الاعتقادات والأقوال والأفعال، كما قال الله تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (آل عمران: من الآية: 31).
ويجب -بناءً على هذا- ترك الابتداع في الدين، وترك ما ليس من سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقوله عليه الصلاة والسلام:((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) وفي رواية مسلم: ((من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد)) فتُوزن أقوال الناس وأفعالهم الباطنة والظاهرة في عبادة الله تعالى بأقوال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فما وافق منها أقوال الرسول عليه الصلاة والسلام وأفعاله قُبل، وما خالف رد على فاعله كائنًا من كان.
ويقول الشيخ بعد كلام طويل له في تقرير طلب العلم للسنة والعمل بها، وقد تبين أن الواجب طلب علم ما أنزل على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من الكتاب والحكمة، ومعرفة ما أراد بذلك، كما كان عليه الصحابة والتابعون ومن سلك سبيلهم، وكل ما يحتاج الناس إليه، فقد بينه الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم بيانًا شافيًا كافيًا، فكيف أصول الدين والتوحيد والإيمان، ثم إذا عُرف ما بينه صلى الله عليه وآله وسلم نُظر في أقوال الناس وما أرادوا بها، فعرضت على الكتاب والسنة والعقل الصريح الذي هو موافق للرسول صلى الله عليه وآله وسلم فإنه الميزان مع الكتاب، فهذا سبيل الهُدى.
وأما سبيل الضلال والبدع والجهل، فعكسه أن تبتدع بدعة بآراء الرجال وتأويلاتهم، ثم تجعل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تبعًا لها، وتحرِّف ألفاظه، وتُؤول على وفق ما أصَّلوه، وهؤلاء تجدهم في نفس الأمر لا يعتمدون على ما جاء به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولا يتلقون منه الهُدى، ولكن ما وافقه منه قبلوه وجعلوه حجة لا عمدة، وما خالفهم منه تأولوه، كالذين يحرفون الكلم عن مواضعه، أو فوَّضوه كالذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني.
هذه كلمة يسيرة، ولو شئت أن أطيل لفعلت عن منهج الشيخ رحمه الله تبارك وتعالى ويظهر من ذكري لمنهج الشيخ رحمه الله الاتباع الكامل لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والحرص على طلب العلم، ومخاطبة الناس بالتي هي أحسن، واستعمال الوسائل التربوية في مثل ذلك.
جـ- والحديث فيها يطول ويطول، ولكني سأجتزِئ قدرَ الإمكان نقطة ج بعنوان:"عقيدة الشيخ في التوحيد":
الكلام في التوحيد يكون من مقامين:
مقام الخبر: وهو الذي يترتب عليه توحيد المعرفة والإثبات، أي: التوحيد العلمي.
ومقام الطلب: وهو الذي يترتب عليه توحيد القصد والإرادة، أي: التوحيد العملي، والعلم قبل العمل، وهو إمامه وقائده، وبقدر نفع العلم يكون صلاح العمل، كما قال الله تعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُم} (محمد: الآية: 19).
ولذلك لما ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله قول البخاري: "باب العلم قبل القول والعلم" قال الشيخ: بدأ البخاري بالعلم قبل القول والعمل، ولهذا سأذكر هنا موقف الشيخ وعقيدته رحمه الله وما ذكره من أنواع التوحيد، فأقول أولًا:"توحيد المعرفة والإثبات":
يعتقد الشيخ في هذا الباب أن توحيد الله تعالى هو المبني على اعتقاد أن الله واحد في ملكه وأفعاله لا شريكَ له، وهذا هو توحيد الربوبية، وواحد في ذاته وأسمائه وصفاته لا نظير له، وهذا هو توحيد الأسماء والصفات.
وتوحيد الربوبية والأسماء والصفات كلاهما من باب واحد، هو توحيد المعرفة والإثبات، وهو التوحيد العلمي الخبري، وهذا التوحيد هو الأصل، ولا يغلط في الإلهية إلا لمن لم يعطه حقه، وهو الشهادة بأنه لا يخلق ولا يرزق ولا يحيي، ولا يدبر الأمور إلا هو سبحانه، وهذا حق وقد أقر به الكفار، كما قال تعالى:{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُون} (يونس: الآية: 31) ولكنهم كفروا، حيث لم يعبدوا الله وحده كما هو مقتضى شهادتهم بالربوبية، قال تعالى:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَاّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (الزمر: الآية: 3).
وتوحيد الربوبية ثابت مشهود، لا يحتاج إلى دليل، بل هو الدليل على توحيد الطلب كما أنزل الله في محكم كتابه يحتج به على مَن كفر من خلقه، الله عز وجل كان يسوق الآيات الدالة على توحيد الربوبية؛ لإقامة الحجة على مَن اتخذ مع الله آلهة أخرى، كأنه يريد أن يقول: يا من تعترفون بأن الله هو الخالق، الرازق، المدبر، المتصرف في هذا الكون، اعبدوه وحده دون سواه.
أما توحيد الأسماء والصفات فيقول الشيخ عنه:
وأما توحيد الصفات، فلا يستقيم توحيد الربوبية ولا توحيد الألوهية إلا بالإقرار بالصفات، والكفار أعقلُ ممن أنكر الصفات، ذلك أن الكفار يزعمون أن الله هو الإله الأكبر، ولكن معه آلهة أخرى تشفع عنده، فهم أثبتوا أن الله يتصف بأنه معبود، لكن نازعوا في توحيد العبادة، فقالوا:{أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (ص: الآية: 5) ولم يرضوا أن يقولوا هذه الكلمة؛ لأنهم عرفوا أنها تعني توحيد العبادة.
والمتكلمون أضلهم كلامهم عن معرفة الإله، فقالوا: إنه القادر على الاختراع، وأن الألوهية هي القدرة، فإذا أقررنا بذلك فهو معنى قوله:{لا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ} ثم استحوذ عليهم الشيطان، فظنوا أن التوحيدَ لا يتأتى إلا بنفي الصفات، فنفوها، وسموا من أثبتها مجسمًا، ورد عليهم أهل السنة بأدلة كثيرة، منها: أن التوحيد لا يتم إلا بإثبات الصفات، وأن معنى الإله هو المعبود، فإذا كان هو سبحانه متفردًا به عن جميع المخلوقات، وكان هذا وصفًا صحيحًا، لم يكذب الواصف به، فهذا يدل على الصفات، ويدل على العلم العظيم والقدرة العظيمة لرب العالمين سبحانه وتعالى.
وفي ذلك أيضًا يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب:
من أنكر الصفات فهو معطل، والمعطل شر من المشرك، ولهذا كان السلف يسمون التصانيف في إثبات الصفات "كتب التوحيد"، وختم البخاري صحيحه بذلك، قال:"كتاب التوحيد": ثم ذكر الصفات بابًا بابًا، فنكتة المسألة أن المتكلمين يقولون: التوحيد لا يتم إلا بإنكار الصفات، فقال أهل السنة: لا يتم التوحيد إلا بإثبات الصفات، وتوحيدكم هو التعطيل، ولهذا آل القول ببعضهم إلى إنكار الرب تبارك وتعالى.
ومن المعلوم لدى المسلمين، أن الله تعالى أعلم بنفسه من غيره، فإذا سمى نفسه ووصفها، فذلك هو الفيصل في المسألة، وكذلك رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم أعلم بالله الذي أرسله مِن غيره، فيصار إلى ما بينه من أسماء الله وصفاته، ولا يُعدل عنه، هذا مع شهادة العقل الصريح لِمَا ثبت بالنقل الصحيح عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فإن العقل الصريح هو الموافق للرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهذا هو الميزان مع الكتاب.
وبناءً على ذلك، فإن الشيخ محمد بن عبد الوهاب يعتقد -كما ذكر هو في بعض أقواله، وقد أشرت إلى بعضها-: أن ما دل عليه القرآن الكريم من الأسماء الحسنى التي سمَّى الله بها نفسه في كتابه، وتعرَّف بها إلى خلقه، يجب أن يثبته الإنسان؛ لأن الله عز وجل ذكرها في كتابه، وذلك كاسم الله الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر
…
إلى آخر ما ورد في القرآن.
والله عز وجل أمرنا بأن ندعوه بها، وأن نترك مَن عارض من الجاهلين الملحدين، قال تعالى:{وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُون} (الأعراف: الآية: 180).
ومن بيان الله سبحانه وتعالى في كتابه أن وصف نفسه، فذكر من صفاته الألوهية والربوبية والمُلك، وذلك في أول سورة في المصحف في سورة الفاتحة، وكذلك ذكر ذلك أيضًا
في آخر سورة في المصحف: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ} (الناس: من الآية: 1 - 3).
فهذه ثلاثة أوصاف لربنا تبارك وتعالى ذكرها مجموعة في موضع واحد في أول القرآن، ثم ذكرها مجموعة في موضع واحد آخَرَ في آخر ما يطرق سمعك من القرآن، فينبغي لمن نصح نفسه أن يعتني بهذا الموضع، وأن يبذل جهده في البحث عنه، وأن يعلم أن العليم الخبير لم يجمع بينهما في أول القرآن، ثم في آخره، إلا لِمَا يعلم من شدة حاجة العباد إلى معرفة الله بها، وأنه إلههم الذي لا إله إلا هو، وربهم الذي لا رب سواه، وأنه ملكهم المتصرف فيهم، وهم عبيده، المدبر لهم كما يشاء، الذي له القدرة والسلطان، يخفض ويرفع، ويصل ويقطع، ويعطي ويمنع، لا شريك له، ولا لهم ملك من دونه يهربون إليه إذا دهمهم أمر، ولكن إليه المصير، فهو ملك الناس سبحانه وتعالى.
وفي سورة الفاتحة معرفة الله على التمام، ونفي النقائص عنه تبارك وتعالى وفيها معرفة الإنسان ربه، ومعرفة نفسه، فإنه إذا كان هناك رب فلا بد من مربوب، وإذا كان هنا راحم فلا بد من مرحوم، وإذا كان هنا مالك فلا بد من مملوك، وإذا كان عبد فلا بد من معبود، وإذا كان هنا هاد فلا بد من مهدي، وإذا كان هنا منعم فلا بد من منعم عليه، وإذا كان هنا مغضوب عليه فلا بد من غاضب، وإذا كان هنا ضال فلا بد من مضل، فهذه السورة تضمنت الألوهية والربوبية، ونفي النقائص عن رب البرية سبحانه وتعالى.
أنتقل بعد ذلك إلى كلام أيضًا في تتمة بيان عقيدة الشيخ:
ذكرتُ عقيدة الشيخ في توحيد الربوبية والأسماء والصفات، أود أيضًا في إشارة عاجلة سريعة أن أتحدث عن توحيد الألوهية والعبادة عند الشيخ رحمه الله:
الشيخ في هذا الباب يعتقد أن التوحيد ينبني على أن الله واحد في ألوهيته، لا إله حق إلا هو، وألوهية الله تعالى هي مجموع عبادته على مراده نفيًا وإثباتًا، علمًا وعملًا، جملةً وتفصيلًا، وحاصل ما يقول الشيخ في تعريف هذا التوحيد: أن التوحيد اسم لفعل العبد المأمور به، فإن كانت أعماله التعبدية كلها لله وحده، فهو موحد، وإن كان فيها شرك للمخلوق، فهو مشرك، فالتوحيد: هو إفراد الله بجميع أنواع العبادة، لا يشركه فيها أحد، ولا يستحق العبادة أحد إلا الله، فعبادة الله خالصة له، لا يستحق شيئًا منها ملك مقرب، ولا نبي مرسل.
ويقول الشيخ -رحمه الله تعالى- في تلخيصه عن ابن تيمية كلامًا جميلًا في ذلك:
إذا كان الكلام في سياق التوحيد، ونفي خصائص الرب عما سواه، لم يجز أن يقال هذا سوء عبارة في حق من دون الله من الأنبياء والملائكة، فإن المقام أجل من ذلك، وكل ما سوى الله يتلاشى عند تجريد توحيده، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان من أعظم الناس تقريرًا لِمَا يقال على هذا الوجه، وإن كان هو المسلوب كما قالت عائشة رضي الله عنها لَمَّا أخبرها ببرائتها:"والله، لا أقوم إليه ولا أحمده، ولا أحمد إلا الله" وفي لفظ: "بحمد الله لا بحمدك" فأقرها صلى الله عليه وآله وسلم وأبوها على ذلك؛ لأن الله سبحانه الذي أنزل براءتها بغير فعل أحد، قال حيان: قلت لابن المبارك: إني لأستعظم هذا القول، قال: ولَّت الحمد أهله.
الشاهد من هذا الكلام: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقر أم المؤمنين عائشة لما قالت: "لا أقوم إلا إلى الله، ولا أحمد إلا الله" وهذا الكلام يذكره الشيخ ابن عبد الوهاب رحمه الله تبارك وتعالى ليبين كيف يكون التوحيد وهو عند خيار الناس كذلك.
ويعتقد الشيخ أن الله أمر جميع الناس بتوحيد الله في العبادة والإلهية بجميع أنواعها، ونهاهم عن ضد هذا التوحيد، والدليل هو قول الله تعالى:{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} (النساء: من الآية: 36) وقوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَاّ تَعْبُدُوا إِلَاّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (الإسراء: من الآية 23) وهو أعظم ما أمر الله به، وفرض وأوجب سبحانه، كما أن أعظم ما حرم الله ونهى عنه هو ضده وهو الشرك، قال تعالى:{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَاّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} (الأنعام: من الآية: 150).
قال ابن مسعود رضي الله عنه: "من أراد أن ينظر إلى وصية محمد صلى الله عليه وآله وسلم التي عليها خاتَمَهُ فليقرأ: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} " الآية.
قال الشيخ رحمه الله محمد بن عبد الوهاب- في هذه الآية وما يليها من آيات: فيه عظم شأن الآيات المحكمات في سورة الأنعام عند السلف، وكذلك الآيات المحكمات في سورة الإسراء، وفيها اثنتا عشرة مسألة، بدأها الله بقوله:{لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا} (الإسراء: الآية: 22) وفيها قوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَاّ تَعْبُدُوا إِلَاّ إِيَّاهُ} (الإسراء: من الآية 23) ولحديث معاذ: ((كنت رديفَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم على حمار فقال لي: يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد على الله: ألا يعذب من لا يشرك به شيئًا، قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفلا أبشر الناس، قال: لا تبشرهم فيتكلوا)) أخرجاه في الصحيحين.
قال الشيخ معلقًا على هذا الحديث: وفي هذا أن العبادة هي التوحيد، وأن من لم يأتِ به لم يعبد الله، ففيه معنى قول الله تعالى:{وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُد} (الكافرون: الآية: 3).
ويقرر الشيخ بأن إفراد الله بالعبادة هو التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، وهو أصل الدين، وهو الذي خلق الله الثِّقَلينِ -الجن والإنس- من أجله، كما قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَاّ لِيَعْبُدُون} (الذاريات: الآية: 56) وهو الذي أرسل الله به الرسل، وأنزل من أجله الكتب، وفرض من أجله الجهاد، وشرع له شريعة الإسلام، كما قال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت} (النحل: من الآية: 36).
يقول الشيخ رحمه الله محمد بن عبد الوهاب:
اعلم -رحمك الله-: أن الله سبحانه وتعالى إنما أرسل الرسل وأنزل الكتب لأجل التوحيد، فإذا لم يفعله الإنسان ويجتنب الشرك، فهو كافر، وكل أعماله حابطة، ولو كان من أعبد هذه الأمة، يقوم الليل ويصوم النهار، قال الله تعالى في الأنبياء:{وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُون} (الأنعام: من الآية: 88) وتصير عبادته كلها كمن صلى ولم يغتسل من الجنابة، أو كمن يصوم في شدة الحر وهو يزني في أيام الصوم.
أما فضل التوحيد، فهو فضل عظيم، وثواب كبير، ويكفر الذنوب، كما روى الترمذي وحسنه عن أنس: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((قال الله تعالى: يا ابن آدم، لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لآتيتك بقرابها مغفرة)) وكما في حديث عتبان: ((فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله)).
قال الشيخ رحمه الله: إذا عرفت حديث أنس، عرفت أن قوله في حديث عتبان:((فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله)) أنه ترك الشرك، وتركه بالكلية علمًا وعملًا وقولًا باللسان، وأن ترك الشرك باللسان فقط دون العمل، لا ينفع ولا يفيد.
كما أشار الشيخ رحمه الله مبينًا فضل التوحيد، في أن من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب، كما قال تعالى:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِين} (النحل: الآية: 120) وقال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُون} (المؤمنون: الآية: 59) وكما في حديث حصين بن عبد الرحمن، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في عرض الأمم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنهم أمته:((وفي أمتي سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب)) وهم الذين حققوا التوحيد بتركهم الاسترقاء، والاكتواء، والتطير، متوكلين على الله تعالى.
والشيخ قد بين أهمية التوحيد، وأهمية معرفته في كتابه (التوحيد) وعقد أبوبًا متعددة لذلك، فمَن أتى بهذا التوحيد فوحد الله في ألوهيته وعبادته، فقد وحد الله في ذاته، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، وربوبيته، والشيخ محمد بن عبد الوهاب اجتهد رحمه الله في توضيح هذه الحقيقة، ودافع عنها، ونافح عنها، ولقد استفاد الناس كثيرًا منه في هذه المسائل، واستفادوا من كتبه رحمه الله.
ولذلك قبل أن أنهي محاضرتي، أود في نقطة تالية وهي:
د- أن أشير إلى أثر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تبارك تعالى- في العالم الإسلامي:
دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب له أثر كبير في العالم الإسلامي، فالنهضة القائمة اليوم، والدعوات السلفية الصحيحة القائمة والمنتشرة في هذا الزمان، والتي اتبع الناس فيها منهج الكتاب والسنة وفق فهم سلف هذه الأمة، كانت بسبب دعوة الشيخ في هذا العصر بهذا الشيخ المجدد رحمه الله تبارك وتعالى.
فالدعوة قد انتشرت في اليمن، وقد ذكر الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله: أن علماء السنة في اليمن قد بلغهم كل ما قيل في الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فبحثوا، وتثبتوا، وتبينوا كما أمر الله تعالى، فظهر لهم الحق، وظهر أن الطاعنين عليه مفترون لا أمانة لهم، وأثنى رحمه الله تبارك وتعالى الشيخ- رشيد رضا على فحول أئمة علماء اليمن، الذين اتبعوا دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
كذلك أيضًا، انتشرت دعوة الشيخ في بُلدان الخليج العربي، فها حكام قطر تعلموا على يد الشيخ وأحفاده، ولذلك وجدنا أن الشيخ أحمد بن حجر بن محمد آل بوطامي قاضي المحكمة الشرعية بقطر رحمه الله ألف كتابًا عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تبارك وتعالى.
كذلك أيضًا انتشرت هذه الدعوة في بلاد الشام، ومصر، وفارس، والهند، وغير ذلك من بلاد العالم، بل إن في جميع دول العالم حتى في أمريكا واليابان، صدًى طيب لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تبارك وتعالى.
وللأسف الشديد وُجد لهذه الدعوة أعداء -كفانا الله تبارك وتعالى شرهم- فالشيخ رحمه الله لم يكن مبتدعًا، ولم يأتِ بشيء جديد، وإنما كان باحثًا وداعيًا إلى كتاب الله وسنة رسوله -صلوات الله وسلامه عليه.
وقد أطلت الحديث عنه؛ لأبين لإخواني أن الصحوة المباركة في عالم اليوم، إنما هي بسبب أيضًا دعوة الشيخ، وانتشار أتباعه، وبسبب أيضًا جهد المملكة العربية السعودية التي تتبنى دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تبارك وتعالى وتنشر العلم النافع في مدارسها وجامعاتها من خلال كتب الشيخ، وأبنائه، وأحفاده، وتلامذته -رحم الله تبارك وتعالى الجميع.
وبهذه الكلمات المباركات -أيها الأخوة الأفاضل- جمعني الله وإياكم على خير، ينتهي هذا المنهج المقرر عليكم في مادة: أصول الدعوة وطرقها.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.