المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الركن الأول من أركان الإسلام؛ شهادة أن لا إله إلا الله - أصول الدعوة وطرقها ٤ - جامعة المدينة

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 الدعوة وصلتها بالحياة وأثر الإسلام في الاجتماع

- ‌الأَحْوَالُ السياسيةُ قَبْلَ الإسْلامِ

- ‌أَبْرَزُ المَعالِمِ السياسيةِ الداخليَّةِ والخارجيةِ للدَّولةِ الإسلامِيةِ

- ‌خَصَائِصُ النِّظامِ السياسيِّ في الإسْلامِ

- ‌نِظامُ المجتمَعِ في الإسلامِ

- ‌خَصائِصُ النِّظامِ الاجتماعيِّ في الإسلامِ

- ‌وُجُوبُ الاجتماعِ على الكِتابِ والسُّنَّةِ، ونبذُ الاختلافِ والفُرْقَةِ

- ‌الدرس: 2 أثر الإسلام على الاقتصاد وكون الإسلام عقيدة وشريعة

- ‌تعريف الاقتصاد وأساسه

- ‌خصائص النظام الاقتصادي

- ‌دور الاقتصاد الإسلامي بالنسبة للعالم الإسلامي

- ‌تعريف العقيدة، وأهميتها، والمناهج في إثباتها

- ‌معنى الشريعة والأسس التي بنيت عليها

- ‌التشريع حق لله وحده دون سواه

- ‌الدرس: 3 إلمامة بأركان الإيمان

- ‌مذهب السلف في الإيمان مع ذكر أركانه

- ‌الركن الأول من أركان الإيمان؛ الإيمان بالله

- ‌الركن الثاني من أركان الإيمان؛ الإيمان بالملائكة

- ‌الركن الثالث من أركان الإيمان؛ الإيمان بالكتب

- ‌الركن الرابع من أركان الإيمان؛ الإيمان بالرسل عليهم السلام

- ‌الركن الخامس من أركان الإيمان؛ الإيمان باليوم الآخر

- ‌الركن السادس من أركان الإيمان؛ الإيمان بالقدر

- ‌الدرس: 4 إلمامة تحليلية بأركان الإسلام

- ‌تعريف الإسلام، وذكر أركانه، وما يتعلق به

- ‌الركن الأول من أركان الإسلام؛ شهادة أن لا إله إلا الله

- ‌شهادة أن محمدًا رسول الله

- ‌الركن الثاني من أركان الإسلام؛ الصلاة

- ‌الركن الثالث من أركان الإسلام؛ الزكاة

- ‌الركن الرابع من أركان الإسلام؛ الصيام

- ‌الركن الخامس من أركان الإسلام؛ الحج

- ‌أثر الإيمان والعقيدة في تكوين الفرد والمجتمع

- ‌الدرس: 5 الإعجاز في القرآن الكريم طريق من طرق أصول الدعوة

- ‌المعجزة في زمانها ومكانها

- ‌المعجزة الخالدة القرآن الكريم

- ‌الدرس: 6 موقف الإسلام من العلم الكوني، والدلالة على أن خالق الإنسان هو مكون الأكوان

- ‌العلاقة بين الإسلام والعلم

- ‌الإعجاز العلمي في القرآن الكريم

- ‌الدلالة على أن خالق الإنسان هو مكون الأكوان

- ‌الدرس: 7 المسجد والمدرسة ودورهما في الدعوة

- ‌المسجد، ورسالته بين المسلمين

- ‌دور المسجد في المجتمع المسلم

- ‌بعض وظائف المسجد

- ‌دعوة الطلاب إلى الله في المدارس والجامعات:

- ‌الدعوة إلى الله بين المدرسين، وأساتذة الجامعات

- ‌دور المدرسة في تحقيق أهداف التربية الإسلامية

- ‌الدرس: 8 أهم ميادين الدعوة والإعلام الإسلامي

- ‌مقدمات في الإعلام

- ‌الأجهزة الإعلامية الإسلامية المتخصصة

- ‌الإسلام في مواجهة الإعلام الكاذب

- ‌الدعوة إلى الله في التجمعات الإسلامية والمناسبات المختلفة

- ‌الدرس: 9 الجهاد في سبيل الله تعالى

- ‌تعريف الجهاد وذكر أنواعه

- ‌مشروعية الجهاد وسببه ومراحله وفضله

- ‌فضل الجهاد، وثمراته

- ‌مسائل هامة تتعلق بالجهاد في سبيل الله

- ‌الدرس: 10 بعض مواقف الخلفاء الراشدين والصحابة وأثرها في الدعوة

- ‌أبو بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌سعد بن معاذ -رضي الله تعالى عنه

- ‌حذيفة بن اليمان رضي الله عنه

- ‌الدرس: 11 دراسة بعض الدعوات ومناهجها في الدعوة

- ‌ جماعة أهل الحديث بالهند

- ‌جماعة أنصار السنة المحمدية

- ‌تابع الحديث عن جماعة أنصار السنة المحمدية

- ‌نشأة جماعة أنصار السنة المحمدية في السودان والبلاد الإسلامية الأخرى

- ‌الدرس: 12 تابع دراسة بعض الدعوات ومناهجها

- ‌حركة " الإخوان المسلمون

- ‌الحزب الإسلامي الكردستاني

- ‌الدرس: 13 ترجمتا الخليفة عمر بن عبد العزيز والإمام أحمد بن حنبل

- ‌سِيرَةُ الإمام عمر بن عبد العزيز الذاتية

- ‌في سيرة عمر بن عبد العزيز العلمية، وولايته

- ‌سيرة الإمام أحمد الذاتية

- ‌عقيدة الإمام أحمد ومحنته

- ‌الدرس: 14 ترجمتا شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام محمد بن عبد الوهاب

- ‌سيرته

- ‌منهج ابن تيمية وعقيدته

- ‌تابع منهج ابن تيمية وعقيدته

- ‌ترجمة شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب

- ‌سِيرُتُه الذَّاتِيَّةِ

- ‌مُؤلفَاتُ الشيخِ، وعقيدتُه، وأثرُ دعوتِهِ في العَالَمِ الإسلَامِيِّ

الفصل: ‌الركن الأول من أركان الإسلام؛ شهادة أن لا إله إلا الله

وقد أشارت كلمات شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تبارك وتعالى الدقيقة إلى ذلك.

‌الركن الأول من أركان الإسلام؛ شهادة أن لا إله إلا الله

أنتقل بعد هذا إلى عنصر مهم جدًّا، وهو العنصر الثاني، وهو في الركن الأول من أركان الإسلام، وهو: شهادة أن لا إله إلا الله، سأبدأ أولًا بشهادة أن لا إله إلا الله، ثم -إن شاء الله تبارك وتعالى أثني بالحديث عن شهادة محمدٍ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولكن هذه الشهادة لله بالوحدانية تحتاج إلى تفصيلٍ وتدقيقٍ وبيانٍ لأهمية ذلك، كما أيضًا نحتاج في شهادة أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهذا العنصر يشتمل على النقاط التالية:

أولًا: فضل لا إله إلا الله:

لا إله إلا الله هي كلمة التوحيد، وكلمة التوحيد لها فضلٌ عظيمٌ وكبيرٌ، فلأجلها خُلقت الخليقة، وأُرسلت الرسل، وأُنزلت الكتب، وبها افترق الناس إلى مؤمنين وكفار، وسعداء أهل الجنة، وأشقياء أهل النار، فهي العروة الوثقى، وهي كلمة التقوى، وهي أعظم أركان الدين وأهم شعب الإيمان، وهي سبيل الفوز بالجنة والنجاة من النار، وهي كلمة الشهادة، ومفتاح دار السعادة، وأصل الدين وأساسه ورأس أمره.

وفضائل هذه الكلمة وموقعها من الدين فوق ما يصفه الواصفون ويعرفه العارفون؛ قال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (آل عمران: 18)

وكون الله عز وجل يشهد لنفسه بلا إله إلا الله، كما أن ملائكته يشهدون بذلك وأهل العلم أيضًا، يدل هذا على مكانة وأهمية هذه الشهادة؛ ولهذا أقول: إن لهذه الكلمة الجليلة فضائل عظيمة، وفواضل كريمة، ومزايا جمة لا يمكن لأحدٍ استقصاؤها.

وممّا ورد في فضل هذا الكلمة في القرآن الكريم: أن الله تبارك وتعالى جعلها زبدة دعوة الرسل، وخلاصة رسالاتهم، قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَاّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء: 25).

وقال تعالى:

ص: 138

{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (النحل: من الآية: 36).

وقال تعالى في أول سورة النحل: {يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ أَنَا فَاتَّقُونِ} (النحل: 2) وهذه الآية هي أول ما عدد الله على عباده من النعم في هذه السورة، فدل ذلك على أن التوفيق لذلك هو أعظم نعم الله تعالى التي أسبغها على عبادة كما قال سبحانه:{وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} (لقمان: من الآية: 20) قال مجاهد رحمه اللهتبارك وتعالى: لا إله إلا الله، وقال سفيان بن عيينة: ما أنعم الله على عبدٍ من العباد نعمة أعظم من أن عرفهم أن لا إله إلا الله.

ومن فضائلها: أن الله وصفها في القرآن بأنها الكلمة الطيبة، قال تعالى:{أَلَمْ تَرَى كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (إبراهيم: 24، 25).

وهي القول الثابت الوارد في قول الله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} (إبراهيم: 27).

وهي العهد في قوله تعالى: {لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَاّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} (مريم: 87).

رُوي عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- كما ذكر الطبراني في كتابه (الدعاء) أنه قال: "شهادة أن لا إله إلا الله، وأن يتبرأ العبد من كل حول وقوة إلا من حول الله وقوته" ثم قال: "وهي رأس كل تقوى".

ومن فضائلها أيضًا: أنها العروة الوثقى التي من تمسك بها نجا، ومن لم يتمسك بها هلك، قال تعالى:{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} (البقرة: من الآية: 256).

وقال تعالى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} (لقمان: من الآية: 22).

ص: 139

ومن فضائلها: أنها الكلمة الباقية التي جعلها إبراهيم الخليل عليه السلام في عقبه لعلهم يرجعون، قال تعالى:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَاّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (الزخرف: 26: 28).

وهي كلمة التقوى التي ألزمها الله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكانوا أحق بها وأهلها، قال الله تعالى:{إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} (الفتح: 26).

ومن فضائل هذه الكلمة: أنها منتهى الصواب وغايته، قال الله تعالى:{يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا} (النبأ: 38).

روى علي بن طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {إِلَاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا} أنه قال: "إلا من أذن له الرب بشهادة أن لا إله إلا الله، وهي منتهى الصواب". وقال عكرمة: "الصواب لا إله إلا الله".

ومن فضائلها: أنها هي دعوة الحق المرادة لقوله الله تبارك وتعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَاّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَاّ فِي ضَلالٍ} (الرعد: 14).

ومن فضائلها: أنها الرابطة الحقيقية التي اجتمع عليها أهل دين الإسلام، فعليها يوالون ويعادون، وبها يحبون ويبغضون، وبسببها أصبح المجتمع المسلم كالجسد الواحد، وكالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا.

قال الشيخ العلامة محمد الأمين الشِّنقيطي -رحمه الله تعالى- في كتابه (أضواء البيان): والحاصل أن الرابطة الحقيقية التي تجمع المفترق وتؤلف المختلف هي

ص: 140

رابطة لا إله إلا الله، ألا أن ترى أن هذه الرابطة التي تجمع المجتمع الإسلامي كله كأنه جسدٌ واحدٌ، وتجعله كالبنيان يشد بعضه بعضًا عطفت قلوب حملة العرش ومن حوله من الملائكة على بني آدم في الأرض مع ما بينهم من الاختلاف، قال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا

} (غافر: من الآية: 7) إلى آخر ما جاء في هذه الآية الكريمة.

ومن فضائلها: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر أنها أفضل الذكر، كما في الترمذي وغيره من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنهما- أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله)).

ومن فضائلها: أن من قالها خالصًا من قلبه يكون أسعد الناس بشفاعة الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة كما في الصحيح من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: ((قيل يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك؛ لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قبله أو نفسه)).

في الحقيقة هذا بعض ما ورد في فضائل هذه الكلمة العظيمة، ولا يستغرب طالب العلم أنني أطلت الحديث نوعًا ما في ذكر هذه الفضائل -أعني فضائل لا إله إلا الله- لأنها كلمة تستحق، وسيتبين لنا كيف أنها تستحق عندما أنتقل إلى النقطة الثانية في هذا العنصر، وهي بعنوان مدلول ومعنى كلمة: لا إله إلا الله:

إن كلمة التوحيد لا إله إلا الله التي هي خير الذكر وأفضله وأكمله لا تكون مقبولة عند الله بمجرد التلفظ بها باللسان فقط دون قيامٍ من العبد بحقيقة مدلولها، ودون تطبيق لأساس مقصودها من نفي الشرك وإثبات الوحدانية لله مع الاعتقاد

ص: 141

الجازم لما تضمنته من ذلك، وأن يقوم الإنسان بالعمل بما اعتقده، وبهذا يكون العبد المسلم مسلمًا حقًّا، ويكون بهذا أيضًا من أهل لا إله إلا الله.

وقد تضمنت هذه الكلمة العظيمة أن ما سوى الله ليس بإله، وأن إلهية ما سواه أبطل الباطل، وإثباتها أظلم الظلم ومنتهى الضلال، قال الله تعالى:{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} (الأحقاف: 5، 6).

وقال سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} (الحج: 62).

إن للا إله إلا لله مدلولًا لا بد من فهمه، ومعنًى لا بد من ضبطه؛ إذ غير نافعٍ بإجماع أهل العلم النطق بها من غير فهمٍ لمعناها ولا عملٍ بما تقتضيه، كما قال الله سبحانه وتعالى:{وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَاّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (الزخرف: 86) ومعنى الآية -كما قال أهل التفسير- أي: إلا من شهد بلا إله إلا الله، وهم يعلمون بقلوبهم معنى ما نطقوا به بألسنتهم؛ إذ أن الشهادة تقتضي العلم بالمشهود به، فلو كانت عن جهلٍ لم تكن شهادة، وتقتضي الصدق، وتقتضي العمل بذلك، وبهذا يتبين أنه لا بد في هذه الكلمة من العلم بها مع العمل والصدق، فبالعلم ينجو العبد من طريقة النصارى الذين يعملون بلا علم، وبالعمل ينجو من طريق اليهود الذين يعلمون ولا يعملون، وبالصدق ينجو من طريقة المنافقين الذين يُظهِرون ما لا يبطنون، ويكون بذلك من أهل صراط الله المستقيم من الذين أنعم الله عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين.

والحاصل: أن لا إله إلا الله لا تنفع إلا من عرف مدلولها نفيًا وإثباتًا واعتقد ذلك وعمل بها، أما من قالها وعمل بها ظاهرًا من غير اعتقادٍ فهو المنافق، وأما

ص: 142

من قالها وعمل بضدها وخلافها من الشرك فهو الكافر، وكذلك من قالها وارتد عن الإسلام بإنكار شيءٍ من لوازمها وحقوقها فإنها لا تنفعه ولو قالها ألف مرة، وكذلك من قالها وهو يصرف أنواعًا من العبادة لغير الله كالدعاء، والذبح، والنذر، والاستغاثة، والتوكل، والإنابة، والرجاء، والخوف، والمحبة، ونحو ذلك، فمن صرف ما لله عز وجل من العبادات لغير الله، فهو مشركٌ بالله العظيم ولو نطق بلا إله إلا الله، والسبب في ذلك أنه لم يعمل بما تقتضيه من التوحيد والإخلاص الذي هو معنى لا إله إلا الله.

ومعنى لا إله إلا الله: أنه لا معبودًا حقٌّ إلا إله واحد، وهو الله وحده لا شريك له، والإله في اللغة هو: المعبود، ولا إله إلا الله أي: لا معبودًا حقًٌّ إلا الله، كما قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَاّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء: 25).

وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (النحل: من الآية: 36).

فتبين بذلك أن معنى الإله وهو: المعبود، وأن لا إله إلا الله معناها: الإخلاص العبادة لله وحده واجتناب عبادة الطاغوت؛ ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكفار قريش: قولوا لا إله إلا الله قالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (ص: 5).

وقال قوم هود لنبيهم عليه السلام لما قال لهم: قولوا لا إله إلا الله {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} (الأعراف: من الآية: 70) قالوا ذلك وهو إنما دعاهم إلى لا إله إلا الله؛ لأنهم فهموا أن المراد بها نفي الألوهية عن كل ما سوى الله، وإثباتها لله وحده لا شريك له، فلا إله إلا الله اشتملت على نفي وإثبات، وتأمل يا طالب العلم هذا الأمر: فلا إله إلا الله تشتمل على ركنين، تشتمل على النفي والإثبات، فالنفي هو نفي الإلوهية عن كل ما سوى الله تعالى، فكل ما سوى الله من الملائكة والأنبياء فضلًا عن غيرهم فليس بإله، وليس له من العبادة شيء، وهذه الكلمة العظيمة أثبتت الإلهية لله وحده، بمعنى أن العبد لا يأله غيره أي: لا يقصده بشيءٍ من التأله، وهو تعلق القلب الذي يوجب قصده بشيءٍ من أنواع العبادة كالدعاء، والذبح، والنذر، وتشتمل أو تتضمن هذه الكلمة بعد النفي نفي أي شريك مع الله عز وجل أو التوجه بأي عبادة إلى غير الله عز وجل تثبت هذه الكلمة العبادة الحقة لله وحده دون سواه؛ لأنها نفت الألوهية عن كل ما سوى الله، وأثبتت الألوهية لله وحده، لا إله نفي لجميع المعبودات الباطلة، وإلا الله أثبات لعبودية وألوهية الله الحق جل في علاه.

وقد جاء في القرآن الكريم جاءت نصوصٌ كثيرةٌ تبين

ص: 143

معنى هذه الكلمة، وتوضح المراد بها، ومن ذلك قول الله تبارك وتعالى في كتابه:{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (البقرة: 163).

وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (البينة: 5).

وقال تعالى حكاية عن مؤمني ياسين: {وَمَا لِي لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِي الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنقِذُونِ إِنِّي إِذًًا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ} (يس: 22: 25).

جـ- شروط لا إله إلا الله:

لا إله إلا الله لها شروطٌ عظيمةٌ يجب أن يعرفها طالب العلم، وشروط لا إله إلا الله سبعة هي: العلم بمعناها، واليقين المنافي للشك والريب، والإخلاص المنافي للشرك والرياء، والصدق المنافي للكذب، والمحبة المنافية للبغض والكره، والانقياد المنافي للترك، والقبول المنافي للرد، وقد جمع بعض أهل العلم هذه الشروط السبعة في بيتٍ واحدٍ؛ فقال:

علمٌ يقينٌ وإخلاصٌ وصدقك مع

محبة وانقياد والقبول لها

وأود أن أقف هنا وقفة مختصرة مع هذه الشروط لبيان المراد بكل واحدٍ منها، مع ذكر بعض أدلتها من كتاب الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

الشرط الأول: وهو العلم بمعناها المراد منها نفيًا وإثباتًا المنافي للجهل، وذلك بأن يعلم من يقولها أنها تنفي جميع أنواع العبادة عن كل ما سوى الله تبارك وتعالى وتُثبت ذلك لله وحده، كما في قوله سبحانه:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (الفاتحة: 5) أي: نعبدك ولا نعبد غيرك، ونستعين بك ولا نستعين بسواك، وهذا ما تفيده أو يفيده قول الله تبارك وتعالى:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين} قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ} (محمد: من الآية: 19) وقال تعالى:

ص: 144

{إِلَاّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (الزخرف: من الآية: 86) قال المفسرون: إلا من شهد بلا إله إلا الله، {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أي: ما معنى شهدوا به في قلوبهم وألسنتهم.

وثبت في (صحيح مسلم) من حديث عثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة)) فاشترط عليه الصلاة والسلام العلم هنا.

والشرط الثاني: اليقين المنافي للشك والريب، أي: أن يكون قائلها موقنًا بها يقينًا جازمًا لا شك فيه ولا ريب، واليقين هو تمام العلم وكماله، قال الله تبارك وتعالى في وصف المؤمنين:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ} (الحجرات: 15) ومعنى {ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} أي أيقنوا ولم يشكوا.

وثبت في (صحيح مسلم) عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يلقى عبدٌ بهما ربه غير شاكٍّ فيهما إلا دخل الجنة)).

وثبت في (صحيح مسلم) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبه فبشره بالجنة)).

الشرط الثالث: الإخلاص المنافي للشرك والرياء، وذلك إنما يكون بتصفية العمل وتنقيته من جميع الشوائب الظاهرة والخفية، وذلك بإخلاص النية في جميع العبادات لله وحده، قال الله تعالى:{أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} (الزمر: من الآية: 3).

وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (البينة: من الآية: 5).

ص: 145

وقد سبق أن ذكرت أن: ((أسعد الناس بشفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه)) فاشترط الإخلاص.

الشرط الرابع: الصدق المنافي للكذب، وذلك بأن يقول هذه الكلمة صادقًا من قلبه، والصدق هو أن يواطئ القلب اللسان؛ ولذا قال الله تعالى في ذم المنافقين:{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} (المنافقون: 1) فوصفهم سبحانه بالكذب؛ لأن ما قالوه بألسنتهم لم يكن موجودًا في قلوبهم.

وقال سبحانه وتعالى: {الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (العنكبوت: 1: 3).

وثبت في الصحيحين عن معاذ بن جبل -رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((ما من أحدٍ يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله صادقًا من قبله إلا حرمه الله على النار)).

الشرط الخامس: المحبة المنافية للبغض والكره، وذلك بأن يحب قائلها الله تبارك وتعالى ويحب رسوله، ويحب دين الإسلام والمسلمين القائمين بأوامر الله الواقفين عند حدوده، وأن يبغض من خالف لا إله إلا الله وأتى بما يناقضها من شركٍ وكفرٍ، وممّا يدل على اشتراط المحبة في الإيمان ما جاء في قول الله تبارك وتعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} (البقرة: من الآية: 165) وفي الحديث: ((أوثق عُرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله)).

الشرط السادس: القبول المنافي للرد، فلا بد من قبول هذه الكلمات قبولًا حقًّا بالقلب واللسان، وقد قص الله علينا في القرآن الكريم أنباء من سبق ممّن أنجاهم لقبولهم

ص: 146

لا إله إلا الله، وانتقامه وإهلاكه لمن ردها ولم يقبلها، قال تعالى:{ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ} (يونس: 103).

وقال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} (الصافات: 35: 36).

فلا بد إذن من قبول هذه الكلمة وعدم ردها، يقبلها الإنسان بقلبه، يقبلها ويرددها بلسانه، وتقوم جوارحه وتشهد بما يدل على هذا القبول، ولا يستكبر عليها بحالٍ، ومن فعل ذلك كان مع المشركين -والعياذ بالله تبارك وتعالى لأن هذا هو صنيع المشركين مع لا إله إلا الله، كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم.

الشرط السابع: الانقياد المنافي للترك؛ إذ لا بد لقائل لا إله إلا الله أن ينقاد لشرع الله، وأن يذعن لحكمه، وأن يُسلِمَ وجه إلى الله؛ إذ لذلك يكون متمسكًا بلا إله إلا الله؛ ولذلك يقول تعالى:{وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} (لقمان: من الآية: 22) أي: فقد استمسك بلا إله إلا الله، فاشترط سبحانه الانقياد لشرع الله، وذلك بإسلام الوجه له سبحانه وتعالى.

فهذه شروط لا إله إلا الله ذكرتها لأهميتها، وليس المراد منها عد ألفاظها وحفظها فقط، فكم من عامّيٍّ اجتمعت فيه والتزمها، ولو قيل له: اعددها لم يحسن ذلك، وكم من حافظٍ لألفاظها يجري فيها كالسهم، وتراه يقع كثيرًا فيما يناقضها.

فالمطلوب إذن العلم والعمل معًا ليكون المرء بذلك من أهل لا إله إلا الله صدقًا، ومن أهل كلمة التوحيد حقًّا، والموفق لذلك من وفقه الله تبارك وتعالى فالله وحده هو المعين، وهو الذي يستعين به المؤمن.

د- انتقل بعد ذلك إلى النقطة الأخيرة في هذا العنصر، وهي بعنوان: نواقض لا إله إلا الله:

بعد أن ذكرت شروط لا إله إلا الله -وهي شروطٌ مهمةٌ عظيمة الشأن يجب على كل مسلمًا أن يعتني بها عناية كبيرة- أذكر هنا أمرًا مهما آخر، وهو نواقض هذه الكلمة ليكون المؤمن منها على

ص: 147

حذر، ويحاول أن يَسْلَمَ من الوقوع في شيءٍ منها، فمعرفة الشر كي يجتنبه العبد أمر أيضًا مهم؛ ولذلك سأذكر هنا على سبيل الإيجاز، سأذكر نواقض هذه الكلمة العظيمة -كما ذكرت- ليحذرها المسلم، وليحذر أيضًا منها غيره من المسلمين رجاء السلامة والعافية.

الناقض الأول من نواقض لا إله إلا الله هو: الشرك في عبادة الله تبارك وتعالى قال الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء: من الآية: 48).

وقال سبحانه: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} (المائدة: من الآية: 72).

ومن ذلك دعاء الأموات والاستغاثة بهم والنذر والذبح لهم، ونحو ذلك كل هذا يؤدي ويوقع العبد في الشرك -والعياذ بالله تبارك وتعالى ولا شك أن المشرك عمله حابطٌ ولا قيمة له، وليس له جزاء عليه حتى لو فعل ما فعل من الحسنات والخيرات، وذلك بنص التنزيل، يقول رب العزة والجلال في كتابه موجهًا الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ بَلْ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ} (الزمر: 65، 66).

وحاشا أن يقع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الشرك، ومع هذا يخاطبه ربه بذلك، ونحن يا أيها المؤمنون أولى بأن نحذر الشرك، وأن نحذر وسائله، وأن نحذر الطرق المؤدية إليه؛ لأن أمره خطير، فالأمر كما ذكر الله:{إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ} (المائدة: من الآية: 72).

الناقض الثاني: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم، ويسألهم الشفاعة، ويتوكل عليهم، قال الله تعالى في ذم المشركين الذين يتخذون لله الوسائط والأنداد:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (يونس: 18) فليس بين العبد وبين ربه واسطةٌ

ص: 148

بحالٍ من الأحوال، وبإمكانك يا عبد الله أن تلجأ إلى اله في أي وقت وفي أي حين، وتطلب منه ما تحتاج إليه، ولا تتخذ وسائط تؤدي بك أو توقعك في الشرك -والعياذ بالله تبارك وتعالى ولذلك يجب على الناس أن يفهموا في أي شيء كان شرك المشركين الأولين كانوا يؤمنون بوجود الله عز وجل وأنه الخالق الرازق المدبر، وأنه سبحانه وتعالى عنده النفع وعنده الضر، ولكنهم يتخذون هذه الوسائط لتقربهم إلى الله تبارك وتعالى زلفى، كما قال الله عنهم:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَاّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (الزمر: من الآية: 3) فيجب على المرء المسلم أن يفهم ذلك وأن يحذر.

الناقض الثالث: من لم يُكَفِرْ المشركين، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم كَفَرَ؛ لأنه بهذا يكون رادًّا لكتاب الله تبارك وتعالى الذي أخبر عن شرك هؤلاء المشركين.

الناقض الرابع: من اعتقد أن هدي غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه، فهذا كُفرٌ ونقضٌ لـ "لا إله إلا الله" وذلك كالذين يفضلون حكم الطواغيت على حكم الله تبارك وتعالى وحكم الله أولى، وحكم الله أحسن {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (المائدة: من الآية: 50) فحكم الله عز وجل هو الحكم بالحق وبالعدل، ويجب أن لا ينحرف الإنسان عمّا جاء من عند الله تبارك وتعالى إلى غيره.

الناقض الخامس: من أبغض شيئًا ممّا جاء به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولو عمل به فقد كفر؛ لأن الله عز وجل ذكر أن من يكره ما جاء به الله أو ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد حبط عمله يقول عز وجل في سورة "محمد": {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} (محمد: 9).

الناقض السادس: من استهزأ بشيءٍ من دين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو ثوابه أو عقابه كفر، والدليل قول الله تبارك وتعالى:{أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (التوبة: 64، 65).

ص: 149

الناقض السابع: السحر، ومنه الصرف والعطف، فمن فعله -يعني: فعل السحر- أو رضي به كفر، والدليل قول الله تبارك وتعالى:{وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} (البقرة: من الآية: 102).

والساحر أيضًا ليس له حظٌّ ولا نصيبٌ عند الله في الدار الآخرة، كما قال سبحانه:{وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (البقرة: من الآية: 102) فليحذر الإنسان من السحر وليحذر أيضًا -وأقول هذا وأنا أتحدث عن السحر يحذر- الإنسان من الإتيان إلى الكهان، والعرافين، والمنجمين، وما إلى ذلك.

الناقض الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قول الله تبارك وتعالى:{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (المائدة: من الآية: 51).

الناقض التاسع: من أعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فهو كافر، قال الله عز وجل:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران: 85).

فالإسلام الذي جاء به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الشريعة الذي يجب على المرء أن يلتزمها وألا يخرج عنها، ومن زعم أنه يمكن أن يخرج إلى شريعة أخرى فقد كفر برب العزة والجلال سبحانه.

الناقض العاشر والأخير: الإعراض عن دين الله تبارك وتعالى لا يتعلمه ولا يعمل به، والدليل قول الله -جل ذكره-:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ} (السجدة: 22).

فهذه عشرة أمور من نواقض هذه الكلمة العظيمة كلمة التوحيد لا إله إلا الله، فمن وقع في شيءٍ منها -والعياذ بالله تبارك وتعالى انتقض توحيده، وانهدم إيمانه، ولم ينتفع بقوله: لا إله إلا الله؛ ولذلك يجب على الإنسان أن يعرف هذه النواقض، وأن يحذر الوقوع فيها؛ لأنها تخالف إيمانه

ص: 150