المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الركن الثالث من أركان الإيمان؛ الإيمان بالكتب - أصول الدعوة وطرقها ٤ - جامعة المدينة

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 الدعوة وصلتها بالحياة وأثر الإسلام في الاجتماع

- ‌الأَحْوَالُ السياسيةُ قَبْلَ الإسْلامِ

- ‌أَبْرَزُ المَعالِمِ السياسيةِ الداخليَّةِ والخارجيةِ للدَّولةِ الإسلامِيةِ

- ‌خَصَائِصُ النِّظامِ السياسيِّ في الإسْلامِ

- ‌نِظامُ المجتمَعِ في الإسلامِ

- ‌خَصائِصُ النِّظامِ الاجتماعيِّ في الإسلامِ

- ‌وُجُوبُ الاجتماعِ على الكِتابِ والسُّنَّةِ، ونبذُ الاختلافِ والفُرْقَةِ

- ‌الدرس: 2 أثر الإسلام على الاقتصاد وكون الإسلام عقيدة وشريعة

- ‌تعريف الاقتصاد وأساسه

- ‌خصائص النظام الاقتصادي

- ‌دور الاقتصاد الإسلامي بالنسبة للعالم الإسلامي

- ‌تعريف العقيدة، وأهميتها، والمناهج في إثباتها

- ‌معنى الشريعة والأسس التي بنيت عليها

- ‌التشريع حق لله وحده دون سواه

- ‌الدرس: 3 إلمامة بأركان الإيمان

- ‌مذهب السلف في الإيمان مع ذكر أركانه

- ‌الركن الأول من أركان الإيمان؛ الإيمان بالله

- ‌الركن الثاني من أركان الإيمان؛ الإيمان بالملائكة

- ‌الركن الثالث من أركان الإيمان؛ الإيمان بالكتب

- ‌الركن الرابع من أركان الإيمان؛ الإيمان بالرسل عليهم السلام

- ‌الركن الخامس من أركان الإيمان؛ الإيمان باليوم الآخر

- ‌الركن السادس من أركان الإيمان؛ الإيمان بالقدر

- ‌الدرس: 4 إلمامة تحليلية بأركان الإسلام

- ‌تعريف الإسلام، وذكر أركانه، وما يتعلق به

- ‌الركن الأول من أركان الإسلام؛ شهادة أن لا إله إلا الله

- ‌شهادة أن محمدًا رسول الله

- ‌الركن الثاني من أركان الإسلام؛ الصلاة

- ‌الركن الثالث من أركان الإسلام؛ الزكاة

- ‌الركن الرابع من أركان الإسلام؛ الصيام

- ‌الركن الخامس من أركان الإسلام؛ الحج

- ‌أثر الإيمان والعقيدة في تكوين الفرد والمجتمع

- ‌الدرس: 5 الإعجاز في القرآن الكريم طريق من طرق أصول الدعوة

- ‌المعجزة في زمانها ومكانها

- ‌المعجزة الخالدة القرآن الكريم

- ‌الدرس: 6 موقف الإسلام من العلم الكوني، والدلالة على أن خالق الإنسان هو مكون الأكوان

- ‌العلاقة بين الإسلام والعلم

- ‌الإعجاز العلمي في القرآن الكريم

- ‌الدلالة على أن خالق الإنسان هو مكون الأكوان

- ‌الدرس: 7 المسجد والمدرسة ودورهما في الدعوة

- ‌المسجد، ورسالته بين المسلمين

- ‌دور المسجد في المجتمع المسلم

- ‌بعض وظائف المسجد

- ‌دعوة الطلاب إلى الله في المدارس والجامعات:

- ‌الدعوة إلى الله بين المدرسين، وأساتذة الجامعات

- ‌دور المدرسة في تحقيق أهداف التربية الإسلامية

- ‌الدرس: 8 أهم ميادين الدعوة والإعلام الإسلامي

- ‌مقدمات في الإعلام

- ‌الأجهزة الإعلامية الإسلامية المتخصصة

- ‌الإسلام في مواجهة الإعلام الكاذب

- ‌الدعوة إلى الله في التجمعات الإسلامية والمناسبات المختلفة

- ‌الدرس: 9 الجهاد في سبيل الله تعالى

- ‌تعريف الجهاد وذكر أنواعه

- ‌مشروعية الجهاد وسببه ومراحله وفضله

- ‌فضل الجهاد، وثمراته

- ‌مسائل هامة تتعلق بالجهاد في سبيل الله

- ‌الدرس: 10 بعض مواقف الخلفاء الراشدين والصحابة وأثرها في الدعوة

- ‌أبو بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌سعد بن معاذ -رضي الله تعالى عنه

- ‌حذيفة بن اليمان رضي الله عنه

- ‌الدرس: 11 دراسة بعض الدعوات ومناهجها في الدعوة

- ‌ جماعة أهل الحديث بالهند

- ‌جماعة أنصار السنة المحمدية

- ‌تابع الحديث عن جماعة أنصار السنة المحمدية

- ‌نشأة جماعة أنصار السنة المحمدية في السودان والبلاد الإسلامية الأخرى

- ‌الدرس: 12 تابع دراسة بعض الدعوات ومناهجها

- ‌حركة " الإخوان المسلمون

- ‌الحزب الإسلامي الكردستاني

- ‌الدرس: 13 ترجمتا الخليفة عمر بن عبد العزيز والإمام أحمد بن حنبل

- ‌سِيرَةُ الإمام عمر بن عبد العزيز الذاتية

- ‌في سيرة عمر بن عبد العزيز العلمية، وولايته

- ‌سيرة الإمام أحمد الذاتية

- ‌عقيدة الإمام أحمد ومحنته

- ‌الدرس: 14 ترجمتا شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام محمد بن عبد الوهاب

- ‌سيرته

- ‌منهج ابن تيمية وعقيدته

- ‌تابع منهج ابن تيمية وعقيدته

- ‌ترجمة شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب

- ‌سِيرُتُه الذَّاتِيَّةِ

- ‌مُؤلفَاتُ الشيخِ، وعقيدتُه، وأثرُ دعوتِهِ في العَالَمِ الإسلَامِيِّ

الفصل: ‌الركن الثالث من أركان الإيمان؛ الإيمان بالكتب

والملائكة أيضًا: تلعن من لعنه الله تبارك وتعالى وأنا ذكرت الدعاء هنا؛ لأشفع به اللعن، فهم كما يدعون به رب العزة والجلال فهم أيضًا يلعنون ويبغضون من لعنه الله تبارك وتعالى ومصداق ذلك في قول الله -جل ذكره-:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنظَرُونَ} (البقرة: 161 - 162).

وأخيرًا أقول عن صفات الملائكة: إن خلقهم عظيم، وأنهم يتفاوتون تفاوتًا كبيرًا في هذا الخلق، وقد صح الخبر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:((أن لجبريل عليه السلام ستمائة جناح)) في حين أن من الملائكة من له جناحان فقط، ودل هذا على التفاوت وعظم التفاوت في خلق الملائكة، فجبريل عليه السلام له ستمائة جناح، وبعض الملائكة أخبر الله عز وجل عنه في كتابه أن له جناحان فقط، وجاء هذا في أول سورة فاطر، في قول الله -جل ذكره-:{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (فاطر: 1).

هذا شيء مما أخبرنا به رب -العزة والجلال- سبحانه وتعالى عن الملائكة.

وبالتالي أقول: يجب علينا أن نؤمن بوجودهم، وأن نصدق الله عز وجل فيما أخبر به سبحانه وتعالى عنه سواء كان ذلك في المادة التي خلقوا منها، أو الأعمال التي أوكلها الله عز وجل إليهم، وكلفهم بها، أو صفات التي وصفهم رب العزة والجلال سبحانه وتعالى بها، كأن وصفهم رب العزة والجلال بالحب، والبغض، واللعن، وكثرة العبادة، وعدم السآمة، والملل، وما إلى ذلك.

كل هذا حق، ويجب علينا أن نؤمن كما أخبر به الله تبارك وتعالى وكما جاء به الخبر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وبهذا ينتهي هذا اللقاء، ألا وهو الحديث عن بعض أركان الإيمان، وقد تناولت فيه حقيقة الإيمان بالله تبارك وتعالى والإيمان بملائكة الله -جل ذكره- وصلى اللهم وسلم، وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله.

2 -

أركان الإيمان (2)

‌الركن الثالث من أركان الإيمان؛ الإيمان بالكتب

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين، وبعد:

هذه هي المحاضرة السادسة، وعنوانها تابع أركان الإيمان، وتشتمل هذه المحاضرة على عدة عناصر: العنصر الأول: الركن الثالث من أركان الإيمان؛ الإيمان بالكتب، ويشتمل على النقاط التالية:

أ- حقيقة الإيمان بالكتب وما عُرف منها: إن معنى الإيمان بالكتب الإلهية الذي هو جزءٌ من عقيدة المؤمن التصديق الجازم بما أوحى الله تعالى من كلامه الخاص إلى من اصطفى من رسله عليهم السلام فجُمع ودُون فكان صحفًا مطهرةً، وكتبًا قيمة، فما عُرف منها آمن به المؤمن تفصيلًا، وما لم يعرف منه ولم يعرفه المؤمن آمن به إجمالًا.

ص: 97

والمصدر الوحيد الذي يُرجع إليه في معرفة الكتب الإلهية بالتفصيل هو القرآن الكريم؛ إذ هو الكتاب المحفوظ حفظًا لا يتطرق إليه معه الزيادة ولا النقص، ولا التحريف ولا التغيير أو التبديل بحالٍ من الأحوال، وقد ذكر القرآن الكريم من الكتب السابقة صحف إبراهيم، وصحف موسى، وثلاثة كتب هي: التوراة، والإنجيل، والزبور، وقد ذكرها الله عز وجل في مواضع متفرقة من كتابه، ومن ذلك مثلًا:

قوله سبحانه: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا} (الفرقان: من الآية: 35) والمراد من لفظ الكتاب في هذه الآية: التوراة.

وقوله تعالى في الحديث عن اليهود: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} (المائدة: 43).

وقال تعالى: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} (الإسراء: 55).

وقال سبحانه: {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ} (الحديد: من الآية: 27).

وقال -جل ذكره -: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} (الأعلى: 18، 19).

فقد جاء في هذه الآيات ذكر ثلاث كتبٍ إلهية مع كلٍّ من صحف إبراهيم وموسى، كما جاء في مواضع أخرى من القرآن ذكر بعض ما جاء فيها من أخبار، وذلك كقول الله تعالى:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} (الفتح: من الآية: 29).

ص: 98

فقد نصت هذه الآية القرآنية على أن وصف الرسول محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم ووصف أصحابه في كل من التوراة والإنجيل بنفس المعنى الذي حوته هذه الآية القرآنية الكريمة كما جاء في قوله تعالى: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى أَلَاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَاّ مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى} (النجم: 36: 41) فقد نصت هذه الآيات من القرآن الكريم على أن في صحف كلٍّ من إبراهيم وموسى الإخبار بأن النفس المذنبة يوم القيامة لا يحملها عنها ذنبها غيرها، وأن الإنسان ليس له من نتائج العمل إلا ما عمل وسعى به لنفسه، كما أن سعي الإنسان سوف يعرفه، ويقف عليه، ويُجزاه كاملًا غير منقوصٍ.

فهذه الكتب إذن التي ذُكِرَتْ في القرآن بأسمائها وأسماء أصحابها الذين نزلت عليهم يجب على المؤمن أن يؤمن بها تفصيلًا كما ذكرت مفصلًا، وأن يؤمن بباقي كتب الله تعالى التي لم تُذكر في القرآن مفصلة؛ حيث لم يرد القرآن ذكر أسمائها، ولا أسماء من نزلت عليهم، وإنما ذُكرت مجملة كما في قوله تعالى:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} (الحديد: من الآية: 25).

وكما جاء في قوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} (البقرة: من الآية: 213).

وتتلخص عقيدة المؤمن في الإيمان بالكتب: بأنه يجب عليه أن يؤمن بكل كتاب أنزله الله تعالى على من اصطفى من رسله لحمل رسالاته وإبلاغها إلى عباده، فما عُرِفَ منها مفصلًا آمن به مفصلًا، وما عَرَفَهُ المؤمن منها مجملًا آمن به مجملًا، ولا يؤمن ببعضٍ ويكفر ببعضٍ تعصبًا وضلالة، كما هو حال اليهود والنصارى الذين آمنوا

ص: 99

بالتوراة المحرفة، والإنجيل المبدل المغير، وكفروا بالقرآن المحفوظ الباقي الذي نزل على نبيِّ الهدى والرحمة -صلوات الله وسلامه عليه.

ب- أنتقل إلى النقطة التالية وهي بعنوان: أدلة وجوب الإيمان بالكتب الإلهية:

إن الإيمان بالكتب السماوية الإلهية لواجبٌ شرعًا كما هو واجبٌ عقلًا، وهذا بيان ذلك، أما كون الإيمان بالكتب الإلهية واجبًا شرعًا فذلك لأن الله تعالى أمر به أمرًا جازمًا لا يقتضي إلى طاعة الله تعالى فيه وتحريم معصيته؛ إذ قال تعالى في الأمر بالإيمان بكتبه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا} (النساء: 136) إن هذه الآية واحدة كافية في الدلالة على وجوب الإيمان بكتب الله تعالى عامة، وبالقرآن الكريم كتاب الإسلام والمسلمين خاصة، وفي تحريم التكذيب به، وعدم التصديق بكل ما جاء فيها ممّا هو وحيٌ من الله وكلامه سبحانه وتعالى يعني: أنه لابد أن يؤمن بكل ما جاء فيها، وأن يُصدق بكل ما جاء فيها، وأن ما أنزله الله عز وجل حقٌّ.

وقد أوجب الله في القرآن الكريم الإيمان بالكتب السماوية، فقال:{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} (البقرة: من الآية: 285).

ومن السُّنة حديث مسلم عن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- والذي جاء فيه سؤال جبريل للرسول صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، وأن النبي عليه الصلاة والسلام أجابه بأن الإيمان هو:((الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره)).

هذه بعض أدلة القرآن الكريم والسُّنة النبوية المطهرة على وجوب الإيمان بما أنزل الله تبارك وتعالى على الأنبياء والمرسلين، وأن ما نَزَلَ من عند الله سبحانه وتعالى حقٌّ،

ص: 100

وإن كان كما سيأتي وأشير دخل كثيرٌ من التحريف على الكتب السماوية السابقة؛ لأنها لم تُحْفَظْ كما حَفَظَ الله تبارك وتعالى آخر كتاب نزل من عنده ألا وهو القرآن الكريم.

وأما كون الإيمان به واجبًا عقلًا، فإنه يظهر للمتأمل من حيث حاجة العباد إليها، وإقامة الحجة عليهم بها، فإن الرسول المبلغ عن الله شرائعه وأحكامه يحتاج غالبًا في إثبات رسالته إلى كتاب من الله تقوم به الحجة له على تلك الأمة التي أُرسل إليها حتى يؤمنوا به ويصدقوه ويتبعوه، ويعملوا بما جاءهم به، والتشريع الإلهي نفسه يفتقر إلى كتاب يحويه ويتضمنه، ويُثبت فيه؛ ليبقى بعد وفاة الرسول الذي جاء شرعًا محفوظًا تعمل به الأجيال إلى المدى الذي حدد له بلصقه برسالة أخرى، أو بنسخ بعض ما جاء فيه كما حصل للتوراة والإنجيل، فقد نسخ الله تعالى بالإنجيل بعض أحكام التوراة، ونسخ بالقرآن الكريم الإنجيل والتوراة كليهما، ولولا بقاء الكتاب بعد الرسول لضاع الدين الذي جاء به، أو ضاع الكثير منه، وحينئذٍ يقول الناس: بِمَ نعبد الله؟ وكيف نعبده ولم يكن لدينا من شرائعه ما نعبده به؟ ولهذا أقول: بأن العقل يدل على وجوب الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى أنزل كتبًا من عنده.

جـ- أنتقل إلى النقطة الثالثة في هذا اللقاء، وهي بعنوان: منزلة القرآن الكريم بين كتب الله تعالى:

إن ممّا لا شك فيه عند الدارسين للقرآن الكريم الواقفين على أسراره وعجائبه، العالمين بما حواه من أصول التشريع وقواعده، والمدركين لحقائق العلمية التي أثبتها أن للقرآن الكريم منزلة خاصة بين سائر الكتب الإلهية التي تقدمته في النزول، وتتجلى هذه المنزلة العالية بالقرآن العظيم بإمعان النظر في النقاط التالية:

أولًا: كونه ناسخًا لها لفظًا وحكمًا، فلا تقرأ للتعبد، ولا يعمل بما فيها من شرائعَ وأحكامٍ، وذلك لما داخلها من تحريف، وما

ص: 101

أصابها من تضييع ونسيان؛ إذ لم يبق فيها ما يُجزم بصحة نسبته إلى الله تعالى أبدًا، عرف هذه الحقيقة وقررها المنصفون والمحققون من علماء أهل الكتابين معًا.

ثانيًا: كان التشريع في الكتب السابقة خاصًّا ببني إسرائيل، وموقوتًا بزمنٍ معينٍ، والدليل على نسخ القرآن للكتب قبله: أمر الله تعالى لنبيِّ القرآن محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن يحكم بين سائر الناس على اختلاف ما ينتحلون من ديانات بالقرآن الحكيم، وهذا كما جاء في قوله تعالى:{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} (المائدة: من الآية: 48).

وقال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} (النساء: 105).

فالقرآن الكريم كتابٌ عامٌّ شاملٌ دائمٌ إلى قيام الساعة، أما الكتب السابقة فكان التشريع فيها موقوتًا كما ذكرت وأشرت بزمنٍ معينٍ، وقد نُسخت جميعها بكتاب الله تبارك وتعالى.

أيضًا ممّا يُبين منزلة القرآن الكريم بين كتب الله تعالى: أن القرآن الكريم مهيمنٌ على جميع الكتب رقيبٌ عليها شهيد، فما صححه منها وأقره فيها صَحّ وقَرّ، وما أبطله منها ونفاه لكونه دخيلًا عليها ليس منها بَطَلَ وانتفى، كما جاء القرآن الكريم شاهدًا ومصدقًا على هذه الكتب جميعها، قال تعالى:{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} .

أيضًا للقرآن الكريم منزلة عاليه تظهر فيما يحمله من التشريع الإلهي الذي جاء لكل الناس في أي مكانٍ كانوا، وفي أي زمانٍ وُجدوا، وذلك لعموم رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال تعالى:{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} (الفرقان: 1).

وأيضًا: فالله عز وجل تعهد بنفسه لحفظ كتابه، قال تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر: 9).

وقال -جل ذكره-: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (فصلت: 41، 42).

ص: 102

فالله عز وجل حفظ كتابه، وذلك بأن قيض له رجالًا أمناء حفظوه في صدورهم وسطورهم، فلم تقو يد الزمان ولا يد العدوان على أن تزيد فيه حرفًا، ولا أن تنقص منه حرفًا، بخلاف غيره من الكتب، وهي التوراة الذي ضاعت كلها في غزو بختنصر البابلي لمملكة بني إسرائيل، ولم يعثر عليها إلا فيما بعد، ثم لما جُمِعَتْ -والله أعلم- بصحة ما جُمِعَ فيها غيروها، وحرفوها، وبدلوها، أما الإنجيل فيكفي في دلالة على عدم حفظه أنه اليوم توجد خمسة أناجيل بعد أن كان يوم نزوله إنجيلًا واحدًا.

وختامًا أقول عن هذا القرآن الكريم، وعن منزلته بين الكتب الأخرى أن هذا الكتاب شمل أصول الهداية البشرية وفروعها، واحتوى على أعظم منهجٍ ربانيٍّ الذي يحقق السعادة للإنسان في الدنيا والآخرة إذا آمن به، وعمل بما جاء فيه، قال تعالى:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (المائدة: 15، 16).

د- ننتقل بعد ذلك إلى النقطة التالية، وهي بعنوان: إشارة إلى ما في القرآن من الهدى التام والخير العام:

وإنني إذ أتحدث عن ذلك بعد ذكري لمنزلة القرآن الكريم بين الكتب السماوية السابقة، إذ أتحدث عن هذا الآن أود أن أبين لعموم الناس لوحة مشرقة عن هذا القرآن الكريم الذي جاء من عند الله عز وجل ففي القرآن المجيد من الهدي والخير لبني الناس كافة ما لا يوجد اليوم، والله معشار عشره في كتابٍ غيره، ومن ذلك الرحمة بأتم معناها، الرحمة التي تعم الإنسان والجان والحيوان، والكبير والصغير، والكافر والمؤمن، والحي والميت، قال تعالى في إثباتها:{الم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ} (لقمان: 1: 3).

ص: 103

أيضًا في القرآن الكريم شفاءٌ تامٌّ لجميع الأمراض العقلية والنفسية والقلبية، فيه شفاءٌ من الكفر والشرك، فيه شفاءٌ من القلق والاضطراب، فيه شفاءٌ من الحيرة، والخوف، والكبر، والحسد، والكسر، والعجز، والبخل، والشح، والظلم، والخوف، قال تعالى في إثبات هذا الشفاء وتقريره:{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} (الإسراء: من الآية: 82).

وأيضًا القرآن الكريم نورٌ كاشف لجميع الظلمات القلبية مبددٌ لسائر الجهالات النفسية، مبينٌ لسائر الحقائق والأسرار الكونية، قال تعالى في تقرير هذا الأمر:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا} (النساء: 174).

والقرآن الكريم اشتمل على المواعظ العظيمة الجليلة التي تدعو إلى كل فضيلة، وتزجر عن كل رذيلة، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} (يونس: من الآية: 57).

وقال سبحانه: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (النحل: 89).

إلى جانب هذا القرآن الكريم فيه من الذكر الإلهي ما تحي به القلوب، وتطيب بتلاوته الأرواح، وتزكو بالعمل به النفوس قال الله تبارك وتعالى:{ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} (ص: 1).

وقال سبحانه: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد: 28).

والقرآن الكريم فيه خيرٌ عامٌّ لكل إنسان وجان وحيوان، فما من كائن في هذه الحياة إلا وناله من خيرية القرآن من يوم نزوله إلى يوم رفعه إلى الله وقبضه إليه، اللهم إلا من كان من المطرودين من شياطين الإنس والجن المبلسين من كل خيرٍ، قال تعالى:{وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا} (النحل: من الآية: 30) فالقرآن

ص: 104